تَبدَّى ووجهُ الدهرِ بالخطب عابسُ
تَبدَّى ووجهُ الدهرِ بالخطب عابسُ / وطرفُ العُلَى عن نهضةِ المجد ناعسُ
ودُهمُ ليالٍ شاحبات كَأَنَّها / غَرابيبُ من سودِ الرَّزايا دَوامس
ودهرٌ مَطاهُ للأَراذِل مركبٌ / وصعبٌ جَموحٌ بالأَماجدِ شامِس
تُدافع منهوماً عَلَى كل ماجدٍ / وشأنُ الليالي للكرام أَحامِس
حَنانَيْك من دهرٍ تَقاعَس جَدُّه / رُوَيْدَك مفتاحُ الخمولِ التقاعُس
إِذَا أنت لَمْ تُسعد عَلَى المجد ساعةً / فإياك فِي يومِ المَعَالي تُعاكِس
فإن نَشَزَتْ يوماً سترجع عاجلاً / فإن عَلَى الأَكْفا تَقَرُّ العرائس
فغرسُ المعالي لا يطيب بسَبْخةٍ / وبالشَّرف الأعلى تَطيب المَغارس
لَعَمرُك إن المجدَ بالجِد يُقْتَنى / وَلَيْسَ يَنالُ المجدَ من لا يُمارِس
وَمَا كلُّ نَهّاسِ المَطاعم ضَيْغَماً / فتأكل مرذولَ الوُخومِ الخَنافس
فباتتْ كقرنِ الشمسِ عنها تَكشَّفَتْ / سحائبُ جونٌ ساجَلتْها الحَنادس
مُحَفَّرةً جاءته تُزْجى شئونَها / وهل يقتني العلياءَ إِلاَّ الأَكابس
تَبَخْترُ فِي ثوبِ الدلالِ منيعةً / وعينُ رقيبِ المجدِ فِيهَا تُخالس
حَرُونٌ فلولا الشدُّ راضَ نِفارها / لما بَرِحت للراكبين تُعاكسُ
عَلَى منهجٍ تمشي دلالاً وإِن وَنتْ / فإدلالها عن سرعةِ المشيِ حابس
لَهَا وَهَجٌ بالخافِقين شعاعُه / تَشعْشَعَ من نور الخلافة قابِس
تمادتْ لكي تدري البريةٌ أنها / نفيسةُ عِرضٍ لن تَنَلْها الخَسائس
عزيزةُ نفسٍ بالتمنُّعِ تَزْدَهي / وبالعِزة القَعْسا تَشَمُّ المَعاطس
فآبت تَهادَى بالجلال وتحتمي / بأروعَ مَنْ للملكِ والدينِ حارس
بمُنتجَع العليا وإن جدَّ شَأْوُها / كما انتجع الهِيمُ النميرَ القَناعِس
قريعُ ملوكِ الأرضِ قَدْ مَهَدَتْ لَهُ / بهمته فَوْقَ النجوم الطَّنافِس
حميتَ ذِمار الملكِ عن كل رائدٍ / ومن بُرد العَليا وكفُّك لامس
تَبسَّم ثغرُ الدهرِ عنك وأصبحتْ / مراتبُ أهلِ المجد فيك تَنافَسُ
تَهادتْ بك الأيامُ زَهْواً مثلما / تهادتْ بكفيك الرماح المَداعِس
وأقبل فيك الدهرُ يمرحُ مُعجَباً / كما فرحتْ يوم الزَّبون الغَطارس
وأضحى نبات الملكِ بالعز مُورِقاً / وغصنُ العُلى يهتز بالمجد مائس
لبستَ قَشيبَ المجدِ دِرْعاً مُسَهَّماً / ومثلُك من تزدان فِيهِ الملابس
فدونَك فارْبَعْ بالخلافةِ مُنْعَماً / أبا ماجدٍ والدهرُ عبدٌ وحارِس
أتاك وَقَدْ ملَّ التجنِّي وإِنما / تَهيج لدى ضِيق النفوسِ الوَساوس
وأصبح فِي كفيك بالرِّقِّ مُعْلِناً / وخَدُّ العلى مُرْخَى الشَّكيمةِ بائس
فأنت أمينُ اللهِ فاصْدَعْ بأمرِه / فإنك للدين المُروَّعِ آنِس
تحملتَ أعباءَ الخلافةِ فاقتصِدْ / عَلَى منهجٍ تَقْفو ثَراه العَنابِسُ
فإنك مذ رُشِّحت للملكِ لَمْ تزَل / تُعمِّر من عَلياه مَا هو دارِس
ولا زال ثغرُ الملكِ يدعوك باسِماً / وتَغْبِط فيك العُرْبَ رومٌ وفارِس
وإِن كادك الدهرُ الخئونُ بأمرِه / يُرَدُّ ورأسُ الكيدِ دونَك ناكِس
إِلَيْكَ أمينَ اللهِ جَدَّت رَكائِبي / فما لسواك اليومَ تُحْدى العَرامِس
وقفتُ عن الشكوى إِلَيْكَ مخافةً / لبذلِكَ نَفْساً إِذ تَعِزُّ النَّفائس
فإني أرى كفيك تُجرى مَواهباً / لأنك من جَمْعِ الدنانير آيس
تحيرتُ فِي مَدْحِيك حصراً فإنما / تفوتُ الورى فضلاً وإن قاس قائس
فإن خفاءَ الفضلِ يَظْهر بالثَّنا / وَلَمْ يَخْفَ ضوءُ الصبحِ والصبحُ عاطِس
تُراصِد أَوْهامي نَخائلَ فكرتي / فترجع عجزاً بالمديح الهَواجِس
فليس يُقاس البحرُ حوداً بكفِّه / فبالبحرِ بهد الجهدِ تبدو التَّرامس
ولا بالكرامِ العُرْب من كَانَ قبله / ولا السحب إِذ تَهْمِي الغمام الرَّواجس
ويومَ بذلتُ المالَ فِيهِ فلامني / عَلَى البذل موهومُ المَخيلة ناحس
فقلت وهل يُخشَى عليّ مَضاضةٌ / وكفى ببحر الجودِ تيمور غامِس
وأَنَّى أخاف الفقرَ أَوْ أُحرَم الغنى / وإني بظلِّ المَلْكِ تيمورَ جالس