المجموع : 13
جاء الربيعُ أخو حياةِ الأَنْفُس
جاء الربيعُ أخو حياةِ الأَنْفُس / ومُجمِّلُ الدنيا بأَفْخَرِ مَلْبَسِ
فاغْنَمْ بنا مُلَح الزمانِ مُبادِرا / وتَملَّ منها حَظَّ من لم يُبْخَس
واستقبِلِ الأَرج المُعطَّر كلما / مَرَّت عليه الريحُ كالمُتنفِّس
فكأنما زهرُ النباتِ قَلائدٌ / نُثرِت على صَفحات بُسْط السُّندس
والوردُ يَخْجل حينَ قبَّل خَدَّه / ثغرُ الأَقاحي من عيون النرجس
فكأنه غيرانُ أدهشه الهوى / وأمالَ منه الفكرُ جِيدَ منكِّس
وكأنما الأغصان تَطْرب كلما / ألقتْ إليها الريحُ سرَّ مُوسوِس
وكأن هَتْف الوُرْقِ في أَغصانِها / لفظٌ يُفيدك من فصيحٍ أَخْرس
والماءُ قد عَبثتْ به أيدي الصَّبا / فَحكي غُضونا في جبينِ مُعبِّس
وكأنما حُبُك الرياحِ على النَّقا / أَثر الحَزازِ على سَنامِ الأَعْيُس
والطيرُ تَسْرَح في الرياض غَوادِيا / للرزقِ بين مُبكِّرٍ ومُغلِّس
والوحشُ بين سَوانحٍ وبَوارحٍ / ورَواتعٍ بين الرياض وكنَّس
تَرِد الغديرَ ورودَ من لا يشتفِى / وتنال من طَرفيْه ما لم تَغْرِس
والشمسُ تُجْلَى في مَطالع شَرْقها / في حُلَّتين مُعَصْفَرٍ ومُوَرَّس
أَفْرط نسياني إلى غايةٍ
أَفْرط نسياني إلى غايةٍ / لم تُبْق في النسيانِ لي جِنْسا
فصرتُ مهما عَرَضتْ حاجةٌ / أُعْنَى بها أَودعتُها طِرْسا
حتى إذا عاودتُ طالعتُها / ذَكَّرتِ العينُ بها النفسا
وأعجبُ ألأشياءَ أنْ غادرتْ / نوائب الأزمانِ لي حسا
فصرتُ أنسى الطِّرْسَ في راحتي / وصرتُ أنسى أنني أَنْسى
وصبيحةٍ باكرتُها في فتيةٍ
وصبيحةٍ باكرتُها في فتيةٍ / أَضحتْ لكلِّ نَفيسةٍ كالأنفس
والليلُ قد وَلَّى بعَبْسِة راحلٍ / والصبحُ قد وافَى بِبشْرِ مُعَرِّس
والصبحُ قد أخفَى النجومَ كأنه / سَيْلٌ يفيض على حديقةِ نرجس
يُنازِعُني شوقٌ إلى الثغرِ هاجسُ
يُنازِعُني شوقٌ إلى الثغرِ هاجسُ / أَثارتْه أنفاسُ النسيمِ النَّفائسُ
تَحمَّلْنَ من روضِ الكنيسةِ بهجةً / بليلةِ أَنْداءٍ نَمَتْها المجالس
وصافحْنَ أَجْناسا من النَّوْر سُحْرةً / رياض بني في تُرْبِها القصرَ فارس
ووافتْ طهورَ الظاهرية والرُّبا / عليهنَّ من رَقْم السحابِ طَنافس
وثامِرُ أَثْمارِ الكُرومِ مُنثّر / عليها كما بَثَّت فَريدا أَوَانِس
وشقت رياحين السّواقى بُرودها / براب لها لما سَرى وهْو قارِس
وسِرْن إلى الحيلى فغادرْنَ غُدْرَها / دُروعا حَكتْ ما اعْتَدَّ للحربِ فارِس
ودَرَّجْن بالقَصْرين رملا كأنه / غُصونُ جباهِ الروم وهْي عوابِس
ومَرَّت على ماءِ الخليج بسُحْرةٍ / وللطير فيها بالغصون وَساوِس
وفي الطيرِ والدولابِ شادٍ وزامرُ / لَدى شجرٍ تُجْلَى بهن العرائس
كأن الرُّبا في الزهرِ والماء حولَها / قَلانسُ وَشْىٍ حولَهن طَيالِس
كأن بياضَ الماءِ في كل جدولٍ / نُصولُ سيوفِ أَخلصَتْها المدَاوِس
كأن نبات النرجسِ الغضِّ إذ بدا / شَراريبُ خضرٌ فوقَهن كَبائسُ
وقد قابلتْ وردا جَنِيا كأنه / مَطَارفُ خَزٍّ فيه قانٍ ووارِس
وقد أظرَ الخِيرِىُّ صلبان عسجدٍ / على أربع حززن والقمعُ خامس
ديارٌ لبستُ اللهو فيها مع الصِّبا / فنِعْمَ الحُلَى فيها ونعم الملابس
لياليَ أُعطي الحبَّ فَضْلةَ مِقْوَدي / ذَلولا وعند العَتْب واللوم شامِس
أَصيدُ المَها فيهنّ ثم يَصِدْنَني / فكلٌّ لقلبي بالشباب فَرائس
تساوتْ بنا حالُ الصَّبابةِ والصِّبا / فكلٌّ لكلٍّ مُشبهٌ ومُجانس
وَأَوْفَى سلاحٍ سالمتْنيِ لأجله / شبابٌ ومُسْوَدُّ الضفيرةِ ناقِس
فأرشُفُ درّا لم يُثَقِّبه ناظمٌ / ونَوْرَ أقاح ما نَمَتْه المَغارس
وأقطف وردَ الخدِّ والوردُ زاهرٌ / وأَلزَم غصنَ البانِ والغصنُ مائس
وأَكْرع في سَلْوى حديثٍ كأنه / سُلافٌ تَبدَّتْ من فم الدن عانس
زمانٌ كطيفٍ زار وازْوَرَّوَشْكَ ما / تَصافَح جَفْنَا مُغْرَمٍ وهْو ناعس
وتُطْمِعُني نفسي إليها بعودةٍ / على أنه نوعٌ من الظن حادس
وكم رُمت عَوْدا مرةً بعد مرةٍ / إليها فيَثْنِى من عنانىّ حابس
أُعلِّل قلبي بالأماني طَماعة / على أنني عند الحقيقة آيس
إذا نام طَرْفُ الخَلْقِ أَرَّقنى أسى / تُضَرِّمه تحت الضلوع الحَنادس
لقد كنتُ بالإسكندرية في غِنىً / من القربِ لكني مع البعدِ بائس
عليها سلامي ما حَييتُ وإن أَمُتْ / تَولتْه للرَّاوِينَ شِعْرِي مدارس
أيامُ مُلْكِك أَعيادٌ وأَعراسُ
أيامُ مُلْكِك أَعيادٌ وأَعراسُ / فيها المَسرّاتُ أنواعٌ وأَجْناسُ
للهِ هِمّتُك العَلْياء كم جَمَعت / من خَلةٍ عاش منها الفضلُ والباس
تمكَّنَ النُّجْحُ من آمالِ سائلها / كما تأكدَ من حُسّادها الباس
ما يَرفع اللهُ في اَعْلى العُلى شَرَفا / إلا وَقْدْرُك فيه القلب والراس
آياتُ شكرِك في الأفواهِ جائلةٌ / كأنها لنفوسِ الخَلْقِ أنفاس
مَحاسنٌ كلما مَرّتْ على بصرى / ومِسْمَعي فَعلتْ ما تفعل الكاس
تُلْهِي المُحدِّثَ عن أَوْلَى الحديثِ به / كأنها لعقولِ الناس أَمْراس
ضاقتْ بها الكُتْب فالأيامُ ناسِخةٌ / والبحرُ نِقْس ووجه الأرض قرطاس
هذا على أن كُتْب الفضلِ قاطبةً / في بعضِ سِيرتِك العَلْياء كُرّاس
أجملتُ في كل فضلٍ ذِكْرَ سادتِه / فمدحُ غيرِك فيما بعدُ وَسْواس
وجُدْتَ بَدْءاً وعَوْدا غيرَ مُتَّئدٍ / كأنّ مالَك للقُصّاد أَحْباس
جودَ يَبيعُك ساداتِ الملوك بما / تُوليهمُ فهْو جَلاَّب ونَخّاس
وسار عدلُك في الدنيا فلو لَحِقتْ / أيامَه وائِلٌ ما عاش جَسّاس
عدلٌ به بان وجهُ الحَقِّ فهْو له / في كل فنٍّ مَدَى الأيامِ قسطاس
وهيبة تَتَنزَّى من مخافتِها / أُسْدٌ في قلوب الأُسد أَخْياس
يا روضَ فضلٍ جُيوشيٍّ له ثَمَرٌ / بالمرتضَى مُجْتَناهُ الجودُ والباس
روضٌ له أَرَجٌ يَسْرى الثناء به / فيَخْجل الوردُ والنَّسْرين والآس
أنوارُ شمسِ المَعالي فيه ظاهرةٌ / في الضوء شمسٌ وفي الإظلامِ مقْباس
غصنٌ سَما فرعُك العالي المُنيفُ به / في الروع صُلبٌ وعند الجود مَيّاس
فراسة لك فيه غيرُ خائبةٍ / وخاطرٌ في فنون الفضل هَجّاس
أَدنيتَه منك تقريباً فكان له / به جمالٌ وإجلال وإيناس
أَلبستَه حُلةً صِينتْ مَحاسُنها / له وحَسْبُك ملبوسٌ ولَبّاس
قَرَنْتَ في فَلك التوفيق بَدْرَك ذا / بالشمس حيث نجومُ الأُفْق جُلاّس
وعَرَّس الفخرُ في العُرْس الذي عَظُمت / أوصافُه وجَرتْ لي فيه أَفْراس
من كل قافيةٍ ذلتْ صعوبتُها / لخاطرِي وهْي بالألبابِ مِشْماس
ضَمّنتُها مدحَ شاهِنْشاهَ فهْو بها / دُرٌّ حَوتْه من الدِّيباج أكياس
لم يبق في الأرض قُطْرٌ لا يُعطِّره / كأنما لمَطايا الريحِ أَحْلاس
يا أفضلَ الناس قولا فاقَه عملٌ / وكلُّ قولٍ له الأفعال آساس
بقيتُما كبقاءِ الدهرِ في دعةٍ / ومن يُعاديكما للضُّرِّ بُرْجاس
حتى تسوسَ بَنُوه كل مملكةٍ / وأنت سائُسهم في كلِّ ما ساسوا
ورؤوسٍ جاءتْ بكلِّ رئيسٍ
ورؤوسٍ جاءتْ بكلِّ رئيسٍ / قد تَناهتْ في كلِّ معنىً نَفيسِ
كلُّ رأسٍ في طَيْلَسانٍ رُقاق / دقّ عما يُحاك في تِنِّيس
في رياضٍ كأنما نَشر الرو / مُ عليها مُصبَّغاتِ عروس
صَدَرت عن لَظىً وقابلتِ الجل / د فأبدتْ تبسما في عبوس
جَلَّ مَقدارُها فأصلحُ ما كا / نت هَدايا كِسْرَى إلى بِلْقيس
أُصيكَ بالبُعْدِ عن الناسِ
أُصيكَ بالبُعْدِ عن الناسِ / فالعِزُّ في الوحدة والياسِ
ووحدة الصَّمصامِ في غِمْدِه / خَصَّتْه بالعزة في الناس
له عِذارٌ أَثْرُهُ ظاهرٌ
له عِذارٌ أَثْرُهُ ظاهرٌ / للعين معدومٌ على اللَّمْسِ
كأن أُولاهُ على خَدِّهِ / ظلُّ قضيبٍ ظَلَّ في الشمس
أو ألفٌ حَرَّرها كاتبٌ / وهْيَ تُرى من ظاهرِ الطِّرْس
أو كطرازٍ في شِعارٍ وقد / شَفَّ عليه ظاهرُ اللُّبْس
وليس ما قلتُ ولكنّه / آثارُ لَمْسي فيه أو جَسِّى
يا من نَصيِبي منه قر
يا من نَصيِبي منه قر / بٌ مثلُ سرعةِ عِيسِهِ
أَسقمْتَني فخَفيتُ عن / نظرِ البصيرِ ولَمْسه
ورجعتُ جزأً دَقَّ عن / وهم الذَّكي وحَدْسِه
ولَطُفتُ حتى أنني / عَرَضٌ يقوم بنفسه
قُمْ نَصْطِبح عند نَقْرات النَّواقيسِ
قُمْ نَصْطِبح عند نَقْرات النَّواقيسِ / واشربْ على حسنِ ألحانِ الشَّمامِيس
فدير شَهْران مشهور الجمال على / ما فيه من عُظْمِ تقديسٍ وتنكيس
قد قلتُ لما تَبدَّت لي هَيا كلُه / كالروض من كل شَمّاس وقِسّيس
أغاب رضوانُ أم كَلَّت عزيمتُه / عن غلق أبواب جَنات الفَراديس
فاخلعْ عِذارَك معْ من لا عِذارَ له / ما دام حظُّك فيه غيرَ منحوس
رقَّتْ حواشيّ هذا اليوم وابتسمتْ / لأهله بِيعةٌ من كل قِسيس
على الغصون قيامٌ من حمائمه / وما اقترحتَ عليها غيرُ محبوس
وللنَّواعيرِ نَعْراتٌ عَلَتْ فحَكتْ / على الجداولِ أحداقَ القَواديس
والطلُّ يَنْفَحُ مسكا من أزاهره / والأرضُ تفتح أذنابَ الطواويس
فلو تَصاممت عن داعي السرور به / أجاب دونَك سكان النواويس
وليلةٍ مثل عين الظْبيِ سرتُ بها / في راحةٍ مثلِ ظهر الطِّرس مطموس
حتى اهتديتُ إلى دير القَصير فما / قَصَرتُ دمعي بشيء غير تَعْريس
وقلت للقس جُدْ لي من مُعتَّقةٍ / بها اهتديتُ عليها في الحَناديس
ولا تَجُدْ بمدامٍ غيرِ قانيةٍ / في جنة الخلد كانت شرب إبليس
فنَفَّس الدنّ عن صهباءَ صافيةٍ / عن القناديل أَعنتْ والفوانيس
حتى أتى بعد يأسٍ وهْي في يده / كأنه أسد في جوف عرّيس
وإنْ أتْتك عروس الدنِّ مُسِفرةً / فانثرْ على الكأس فيها فَضْلةَ الكيس
انظرْ إلى مُستنزَه الأَنفُسِ
انظرْ إلى مُستنزَه الأَنفُسِ / والبركةِ الغَنّاء في المَجْلِس
كأنها والنبتُ من حولها / في مَغْرِس ناهِيكَ من مَغْرِس
جامٌ من البلّور قد حَفَّه / غشاؤه الأخضر من سُنْدس
زَيَّنها التوفيقُ للآمر ال / منصور بالأَنْفَس فالأَنْفَس
حتى غَدْت كالشمس عند الضحى / والبدرِ حسنا في دُجَى الحِنْدِس
حَوى الملكَ مَلْكٌ أغاث النفوسا
حَوى الملكَ مَلْكٌ أغاث النفوسا / فأيُّ نفيسٍ تَولَّى نَفيسا
فإنْ تكُ أفعالُ آبائه / بُدورا فقد بثَّ فينا شموسا
هداياه أهدتْ لأرواحنا / بإحسانه أَنْعُما بعد بُوسا
فأحيا نفوسا وأذهب بوسا / وأخلى حُبوسا وأجلى مُكوسا
وشاع الأمانُ فكادت تعيش / به الرِّممُ الساكنات الرُّموسا
فيا رحمةٌ أُسْكِنتْ في البلاد / فعادتْ رياضا وكانت يَبيسا
ملكتَ القلوب فأما عِداك / فسعدُك يُلقِي عليهم نُحوسا
فإنْ أَضْمروا غدرَ فرعونَ فيك / فسيفُك مثل العصا عند موسى
وحَقِّك يا ثانيَ الأَفْضَلَيْنِ / يمينا تُرَى بَرَّةً لا غَموسا
لقد سُسْتما الملك في العالمين / وأعجزتما مَلِكا أن يسوسا
أَعِدَّ جيوشك للمشرقَيْنِ / وللمغربينِ لكيما تجوسا
فإنك إسكندر المُحْدَثين / فهل خَضِرٌ تصطفيه جليسا
كم قد رأيتُ بهذا القصر من مَلِكٍ
كم قد رأيتُ بهذا القصر من مَلِكٍ / دارتْ عليه صروفُ الدهر فاخْتُلِسا
كأنه والذي قد كان يجمعه / طيفٌ تَصوَّر للرائي إذا نَعَسا