المجموع : 18
إذا ما الهَواءُ اعتَلَّ كانَ اعتلالُنا
إذا ما الهَواءُ اعتَلَّ كانَ اعتلالُنا / محيطاً بما يُجريهِ فينا التنفّسُ
وَرُبَّتما كانَ الغذاءُ مَضَرّةً / يَذُمّ به العقبى جَهُولٌ وَكَيِّسُ
وأمْراضُنَا أَسبابُهُنَّ كَثيرةٌ / تَحِلُّ بِأَجسامٍ فتهلكُ أنْفُسُ
قُل للأساةِ أسأتُمْ في علاجِكُمُ
قُل للأساةِ أسأتُمْ في علاجِكُمُ / فمُمْرِضي من ضَنى جسمي هو الآسي
ولو وَجَدتُ مزَاجَ القلب معتدلاً / ببرد أنفاسها في حرّ أنْفاسي
للّه ما رُضْتُ منها بالخضوع وما / ألامنيهِ لقلبي إلّا قلبِيَ القاسي
خَدَعْتُ قِرْنَ الهوى حتَّى فتكت به / باللّه قل هل بخدع القِرْنِ من باسِ
لأمرٍ طويلِ الهمّ نُزْجي العَرَامِسَا
لأمرٍ طويلِ الهمّ نُزْجي العَرَامِسَا / وتطوي بنا أخفافُهُنَّ البَسابِسا
وَتَذْعَرُ بالبَيداءِ عِيناً شوَارِداً / تُذَكّرُ بالأحداقِ عيناً أوانِسا
عذارَى تَرَى الحسنَ البديعَ مُطابِقاً / لأنوَاعِهَا في خَلْقِهِ ومجانسا
أعاذلُ دَعْني أطْلِقِ العبرةَ الَّتي / عَدِمْتُ لها من أجمل الصبْرِ حابسا
فإنِّي امْرؤٌ آوي إلى الشّجَنِ الَّذي / وَجَدتُ له في حَبَّةِ القلبِ ناخِسا
لَقَدَّرَت أَرضي أن تَعُودَ لِقَوْمِهَا / فَساءَتْ ظُنوني ثُمَّ أصبحتُ يائسا
وعزّيْتُ فيها النّفسَ لمّا رأيْتُها / تُكابِدُ داءً قاتل السمّ ناحِسا
وكيف وقد سِيمَتْ هواناً وصَيّرَتْ / مساجدَها أيدي النّصارى كنائسا
إذا شاءتِ الرّهبانُ بالضرْبِ أنْطقَتْ / مَعَ الصبحِ والإِمساءِ فيها النَّواقِسا
لَئِن كان أعيا كلَّ طِبٍّ علاجُها / فكم جَرَبٍ في السيفِ أعيا المَداوسا
صقليَّةٌ كاد الزمانُ بلادها / وكانت على أهلِ الزّمان محارسا
فَكَم أَعيُنٍ بالخوفِ أَمسَتْ سَوَاهراً / وكانت بِطيبِ الأَمنِ مِنهُم نواعِسا
أرى بَلَدي قد سامَهُ الرومُ ذلّةً / وكانَ بِقَومي عِزُّهُ مُتَقاعِسَا
وَكانَت بِلادُ الكفرِ تَلْبَسُ خَوْفَهُ / فَأَضحى لذاكَ الخوفِ مِنهُنَّ لابِسا
عدمتُ أُسوداً منهمُ عَرَبِيّةً / تَرى بَينَ أَيديها العلوجَ فَرائِساً
فَلَم تَرَ عَيْني مِثْلَهُمْ في كَتيبَةٍ / مضاربَ أبطالِ الحروبِ مَدَاعِسا
ويا رُبَّ برَّاقِ النصال تخالُهُ / من النقع ليلاً مُشْرِقَ الشهب دامسا
خلوا بين أطراف القنا بكماتِهِ / لِطَعنٍ مِنَ الفرسانِ يخلي القوانسا
وما خلتُ أنّ النّارَ يَبْرُدُ حَرّها / على سَعَفٍ لاقته في القيظِ يابِسا
أما مُلِئَتْ غزواً قَلَوْرِيّةٌ بهم / وأَردَوا بَطاريقاً بها وأَشاوِسا
هُمُ فَتَحوا أَغلاقَها بِسُيوفِهِمْ / وهم تَركوا الأَنوارَ فيها حَنادِسا
وساقوا بِأَيدي السبيِ بيضاً حَواسِراً / تَخَالُ عَلَيهِنَّ الشعورَ بَرانِسا
يَخوضونَ بَحراً كلَّ حِينٍ إِلَيهِمُ / بِبَحْرٍ يَكونُ المَوجُ فيهِ فَوارِسا
وحربيّةٍ ترمي بِمُحْرِقِ نِفْطِها / فيَغْشى سَعُوطُ الموتِ فيها المَعاطِسا
تراهُنّ في حُمْرِ اللّبودِ وصُفْرِهَا / كمثل بناتِ الزّنج زُفّتْ عَرَائِسا
إذا عَثّنَتْ فيها التنانير خلتَها / تُفَتِّحُ للبركانِ عنها مَنافِسا
أفي قَصْرينِّي رُقْعَةٌ يَعْمُرُونها / ورَسْمٌ منَ الإِسلامِ أَصبَحَ دارِسا
وَمِن عَجَبٍ أَنَّ الشياطينَ صَيّرَتْ / بُروجَ النُّجومِ المحرِقاتِ مَجالِسا
وَأَضحَتْ لَهُم سَرْقُوسةٌ دارَ مِنْعَةٍ / يَزورونَ بِالدَّيرين فيها النواوِسا
مَشَوْا في بلادِ أهْلُها تحْتَ أرْضِهَا / وما مارسوا منهم أبِيّاً مُمارسا
ولو شُقّقَتْ تلكَ القبورُ لأنهَضَتْ / إِلَيهِم مِنَ الأَحداثِ أُسداً عَوابِسا
وَلَكِن رَأَيتُ الغيل إن غابَ لَيثُهُ / تَبَخَّرَ في أَرجائِهِ الذئبُ مائِسا
وَوَرْدِيَّةٍ في اللوْن والفَوْحِ شُعشِعَتْ
وَوَرْدِيَّةٍ في اللوْن والفَوْحِ شُعشِعَتْ / فأبدتْ نجوماً في شُعاعٍ من الشمسِ
نفيتُ همومَ النفس منها بشربةٍ / دَبيبُ حُمَيَّاها يَرِقُّ عَنِ الحسِّ
كأن يدي من فضّةٍ فإذا حَوَتْ / زجاجتَهَا عادت مُذَهَّبَةَ الخمسِ
ولمَّا التقى الأجسامُ من غير ريبَةٍ
ولمَّا التقى الأجسامُ من غير ريبَةٍ / وقَد تَلِفَتْ بالشوقِ فيهِنَّ أَنفُسُ
جنينا ولم تُنْسَبْ إلينا جنايةٌ / ثمارَ نعيمٍ تُجْتَنَى حين تُغْرَسُ
ولمّا اسْتَقَلّ النجم يَرْفَعُ رايةً / يحلّ بها نُورٌ ويرحلُ حِنْدِسُ
تنهّدْتُ مرتاعَ الفؤادِ وإنّما / تنهدتُ للصبح الّذي يَتَنَفَّسُ
فيا صُبْحُ لا تُقْبِلْ فإنّكَ مُوحِشٌ / ويا لَيلُ لا تُدبِر فإنّكَ مؤنِسُ
شموسٌ دعاهنَّ وَشْكُ الفِرَاقِ
شموسٌ دعاهنَّ وَشْكُ الفِرَاقِ / فَلَبَّيْنَ في القُضُبِ المُيّسِ
تُريقُ المدامعَ كالساقياتِ / من السّكْرِ يَعْثُرْنَ بالأكؤسِ
طوالعُ نحو غروبٍ تُريكَ / جُسُومَ الديارِ بلا أنْفُسِ
تُزَوِّرُ صوناً عليها الخدور / فتبكي عيونَ المها الكُنّسِ
وقد زارَ عذبَ اللمى في الأقاحِ / أُجاجُ الدموع منَ النّرجِسِ
وقامتْ على قَدَمٍ فِرْقَةٌ / إذا وقَفَ العَزْمُ لم تجْلِسِ
ولَم يَبقَ إلّا انصرافُ الدّجى / بِزُهرِ كَواكبه الخنَّسِ
وَمَحْوُ النّهار بكافورةٍ / من النور عنبرةَ الحندسِ
ألا غَفلَةٌ من رَقِيبٍ عَتِيدٍ / يُلاحِظنا نَظْرَةَ الأشوَسِ
فَنُهْدي على عَجَلٍ قُبْلَةً / إلى شَفَةِ الرّشأِ الألْعَسِ
غداً يَتَقَطّعُ أقْرَانُهُم / ويتّصِلُ السيرُ في البسبسِ
ويكلأ ذِمْرٌ على ضامرٍ / خبِيئَةَ خِدرٍ على عِرْمِسِ
ويصبحُ من وَصْلِ سلمى الغنيّ / يُقَلّبُ منه يَدَيْ مُفْلِسِ
وَخَفّاقَةِ الراياتِ في جوْفِ نقْعِها
وَخَفّاقَةِ الراياتِ في جوْفِ نقْعِها / ترى الجُرْدَ فيها بالكماة تَكَدّسُ
زَبونٌ رَبَا سَمّ بأطرافِ سُمْرِها / كأنّ ثعابِيناً بها تَتَنفّسُ
تروقُكَ كالحسناءِ يضحك سِنّها / وترتاعُ منها وهي كالغولِ تَعْبسُ
وتقلعُ أَرواحَ العداةِ أَسِنَّةٌ / تراهنّ منهمْ في الحيازيم تُغْرَسُ
فَكَم طَعنَةٍ نَجلاءَ تَحسبها فماً / له هَرَتٌ في الذمر بالدمِ تَقْلِسُ
صَبَبنا عَلَيها ضَرْبَنا من صَوارمٍ / فغاصت بها من أسْرِها القلبَ أنفُسُ
ونَحنُ بَني الثغرِ الَّذينَ نُفوسُهُمْ / ذُكورٌ بِأَبكارِ المنايا تُعّرِسُ
فمن عزْمنا هنديّةُ الضّرْبِ تُنتَضى / ومن زَنْدنا ناريّةُ البأس تُقْبَسُ
وأبْيَضَ ماضٍ لا يَقي من غرارِهِ
وأبْيَضَ ماضٍ لا يَقي من غرارِهِ / غَداةَ قِرَاعِ الهامِ دِرْعٌ ولا تُرْسُ
يمُجّ سريعاً في فم الجرح حَدُّهُ / منَ السمِّ ما سَقَته من ملكها الفُرسُ
إذا ما بدا غمده قلت رَفّعَتْ / بخاراً لطيفاً فوق جَدْوَلِهِ الشمسُ
يُفَرِّقُ بَينَ الرأسِ والجسمِ حَدُّهُ / وإن كان لم تَشْعُرْ بضربتهِ النّفسُ
فَمَضْرِبُهُ في هامةِ القرن مَأتَمٌ / وَمَضْرِبُهُ في كَفِّ صاحِبِهِ عُرْسُ
حَللت بيوْمي إذ رَحلتُ عنِ الأمْسِ
حَللت بيوْمي إذ رَحلتُ عنِ الأمْسِ / وِسِرْتُ ولم أُعمِلْ جوادي ولا عَنْسي
مراحلُ دنْيانا مراحِلنُا الَّتي / ترَاَنا عليها نقطَعُ العَيشَ بِالخمسِ
ونَحنُ بِدارٍ يَعْقُبُ الخوفُ أَمنَها / وتذهبُ فيها وحشةُ الأمْنِ بالأُنْسِ
ليالٍ وأيامٌ بساعاتها سَعَتْ / لتفريقِها ما بين جِسْمِكَ والنّفْسِ
وإنّي وإنْ أصبحتُ منها مسُلَّماً / لأكْثرُ قوْلي ليتَ شعريَ هل أُمسي
ومن حلّ في سبعين عاماً كأنَّهُ / عِلاجُ علِيلٍ في مُواصَلَةِ النُّكسِ
فَما فَهمُ الأَشياء بالدرْسِ وَحْدَهُ / ولكنه بدءُ التفهّم والدّرْسِ
وكم حِكَمٍ في خطِّ قوْمٍ كثيرةٍ / وأفْضَلُ منها لَمْعَهٌ من سَنا الحسِّ
إلى كم أراني في هَوَى النفسِ خائضاً
إلى كم أراني في هَوَى النفسِ خائضاً / ولم أتّقِ الإِغراقَ منها على نَفسي
وقد شَمِلَتنْي شيبةٌ لم أبِتْ بها / فما ليَ في ليلي وقد طَلَعَتْ شمسي
غرست بكفَّيَّ المعاصيَ جاهِداً / ولا شكّ أنّي أجْتَني ثَمَرَ الغَرسِ
إِلى اللَّه أَشكو جُملَةً أَرتدي بها / وأصْبحُ منها في الذنوب كما أمْسي
فيا وحشتي من سوءِ ما قدّمَتْ يدي / إذا لم يكنْ في القبر من رحمةٍ أُنْسي
وريحانَةٍ في النفس مَنبِتُ غُصْنها
وريحانَةٍ في النفس مَنبِتُ غُصْنها / لها نَفَسٌ يُحْيي بنفحتِهِ النّفسا
إذا أقْبلتْ كانتْ بتقْويمِ خَلْقِها / وَمِشْيَتِها بِالشمسِ تَستَوقِفُ الشَّمسا
فتاةٌ إذا استعطفتَ باللين قلبها / على الصّبّ أضحى وهو من حجرٍ أَقسى
ولا شكّ أنَّ الماء رطبٌ وكلّما / سَقَيْتَ حديداً فيه زادَ به يُبْسا
كَمُلَتْ ليَ الخمسونَ والخمسُ
كَمُلَتْ ليَ الخمسونَ والخمسُ / ووقعْتُ في مرضٍ له نُكْسُ
وَوُجِدْتُ بالأضدادِ في جَسَدي / غُصْنٌ يلينُ وقامةٌ تَقْسُو
وتَنافَرَتْ عَنّي الحسانُ كما / لحظَ الهصورَ جآذرٌ خُنْسُ
وابيضَّ مِن فَودَيَّ من شَعَري / وَحْفٌ كأنّ سوادَهُ النِّقْسُ
والعُمْرُ يذبُل في مَنابِتِهِ / غَرْسٌ ويلبسُ نضرةً غَرسُ
أَصغَيتُ لِلأَيّامِ إذا نَطَقَتْ / بالوعظ فهيَ نَواطِقٌ خُرسُ
وفهمتُ بعد اللَّبسِ ما شَرَحَتْ / والشرحُ يَذْهَبُ عنده اللَّبسُ
أَضحى بِوَحشَتي المَشيب ولي / بعد الشبابِ بِذِكْرِهِ أنسُ
ومُسايراً زَمنَينِ في عُمري / مصباحُ ذا قمرٌ وذا شمْسُ
دُنْيا الفَتى تَفْنى لذا خُلِقَتْ / وتموتُ فيها الجِنُّ والإنْسُ
إنّا لآدمَ كلّنا ولدٌ / وَحِمامُنَا بحمامه جِنْسُ
وأَقَلُّ ما يبقى الجدارُ إذا / ما انهدّ تحتَ بنائه الأسُّ
يا ربّ إنّ النارَ عاتِيةٌ / وبكلّ سامعةٍ لها حَسُّ
لا تَجعَلَنْ جَسَدي لها حَطَباً / فيه تُحَرَّقُ منّيَ النفسُ
وارْفُقْ بِعَبدٍ لَحظُهُ جَزِعٌ / يوْمَ الحساب ونُطْقُهُ هَمسُ
حَمى حِمى المُلْكِ منه صارمٌ ذَكَرٌ
حَمى حِمى المُلْكِ منه صارمٌ ذَكَرٌ / مُقَابل الجود بالعلياءِ في الباسِ
يرعى الرّعايا بعينٍ من حفيَظتِهِ / ويبسطُ العدلَ منه ليّنٌ قاسِ
كأنّ سَوْرَةَ كسرى عِنْد سَوْرَتِهِ / سكونُ صورةِ كسرى وهو في الكاسِ
لو أنّ رَبْعَ غيرُ مُنْدَرِسِ
لو أنّ رَبْعَ غيرُ مُنْدَرِسِ / ما بتّ أُوحَشُ من جوْرِ المها الأنُسِ
من كلّ روضةِ حُسْنٍ زَهْرُها أرِجٌ / تُهْدي الهوى ليَ في لحظٍ وفي أنَسِ
لمّا تَظَلّمَ من أطرافِها عَنَمٌ / فاسحل أقحوان الظَّلْمِ واللَّعَسِ
تديرُ بالسّحْرِ عَيْنيْ أمّ شادِنَةٍ / بفاترِ اللحظ للألبابِ مُخْتَلسِ
وما رأيْتُ مهاةً قبلها وُصِفَتْ / في السرب بالشمَم المعشوق لا الخَنَسِ
لها محاسنُ من غبنِ الشباب غدت / محاسِنُ الغيدِ منها وهي كالدلَسِ
تُصبي الحليمَ وتَسْبيهِ فَمُبْصِرُها / كمنتشً في خَبَالِ السّكْرِ مُنْغَمسِ
شَمسٌ شَموسٌ عنِ الشيب الذي جمحتْ / عنه وذاتُ عنانٍ للصبا سَلِسِ
إنّي لأعجبُ والآرام مُجْبَنَةٌ / من رِئمِ خِدْرٍ لليثِ الغيل مفترسِ
لاح القتيرُ فأقمارُ البراقعِ لم / تَطْلُعْ عليّ وقصب البانِ لم تمسِ
حتى كأنّ بَياضَ الشيب منتقلٌ / إلى سوادِ عُيُونِ الخُرّدِ الأنسِ
إن فاتني قَنَصُ الغزلان نافرةً / فقد ترى من خيول الهمِّ ما فرسي
كم أشهبٍ صادَ غزلان الصوارِ فما / لأشْهبي راسخُ الأرساغِ في دَهَسِ
ستّ وستونَ عاماً كيف تُدرك بي / مَن عُمْرُها يَنْتهي منها إلى السدسِ
للَّه دَرّ شبابٍ لستُ ناسِيَهُ / لو أنّهُ كان إنساناً لقلتُ نَسي
يَسقْي محاسنَ ذاتِ الربعِ مُعْطِشُها / سَحّاً بكل ضَحُوكِ البرق مُنبَجِسِ
وداخِلاتٍ على الظّلْماءِ سَبْسَبَها / بكل خِرْقٍ عريقٍ في العلى نَدِسِ
كَأَنَّها وهيَ تَرمي المقفِراتِ بهم / مِنَ الوجيفِ نِبالٌ والهزالِ قِسي
مِثلُ الحواجِبِ لاذَتْ وهيَ ظامِئَةٌ / بأعينٍ بالفلا مطموسةٍ دُرُسِ
لا يُحْبَسُ الماءُ إلّا في ثَمائِلها / تيهاً فتحرس نقطاً بالكبود حسي
من كلّ دامِيةِ الأخفافِ مرْقلةٍ / ترتاعُ مِنْ صَوْتِ حادٍ خَلْفها شرِسِ
مستوحشٍ من كلام الإنسِ تُؤنِسُهُ / من جُوَّعٍ من ذئابِ المهمهِ الطُّلُسِ
ماذا تقولُ وَلَجُّ البحرِ يَسحَبه / إنَّ السفينة لا تجري على اليبسِ
قفْ بالتفكرِ يا هذا على زَمَنٍ / جمّ الخطوبِ وَمَثّلْ صَرْفَه وَقِسِ
ولا تكنْ عنده للسلمِ ملتمساً / فالأريُ في فم صلٍّ غيرُ مُلْتمَسِ
إنَّ الفتى في يَدَيهِ المالُ عاريَةٌ / كالثوب عُرّي منه غَيْرُهُ وَكُسي
وإنّه ليُنَمِّيهِ ويُودِعُهُ / من الصبابة بين الحِرْصِ وَالحَرَسِ
إن الهوا لمحيطٌ بالنفوسِ فقُلْ / هل حظّها منه غيرُ الفوْتِ بالنفَسِ
إنّي امرؤ وطباعُ الحقِّ تَعْضُدُني / مُطَهَّرُ العِرْضِ لا أدْنو من الدّنَسِ
ألِفْتُ حُسْنَ سكوتٍ لا أُعابُ به / ولي بيانُ مقالٍ غير مُلتْبَسِ
فما أُحرِّكُ في فكّيّ عن غَضَبٍ / لسانَ مُنْتَهِشِْ الأعْراض منتهسِ
قد يَعْقِلُ العاقلُ التحريرُ مَنْطِقَهُ / وربّ نُطْقٍ غدا في الغيِّ كالخرسِ
والجهلُ في شِيمِة الإنسان أقتلُ من / تخلخل النّبْضِ في بُحرانِ مُنتَقسِ
ولو أنّ عظمي من يراعي ومن دمي
ولو أنّ عظمي من يراعي ومن دمي / مدادي ومن جلدي إلى مجده طِرْسي
وخاطبتَ بالعلياءِ لفظاً منقَّحاً / وخطّطْتُ بالظلماءِ أجنحةَ الشمسِ
لكان حقيراً في عظيمِ الذي له / من الحقّ في نفس الجلال فدع نفسي
ومالكةٍ نفسي ملكتُ بها المنى / وقد شَرّدَتْ عني التوحش بالأنسِ
وقابلتُ منها كلّ معنىً بِعدّهِ / يلوّحُ نفسَ الوهم في دُهمةِ النقْسِ
كأنّيَ في روضٍ أُنَزّهُ ناظري / جليلُ معانيه يدقّ عن الحسِّ
مقلتُ بعيني خطّ ابن مقلةٍ / وَفَضّ على سمعي الفصَاحَةَ من قُسِّ
وخفتُ عليه عينَ سحرٍ تُصيبُهُ / فصَيّرْتُ تعويذي له آيةَ الكرسي
بَلَدٌ أعارَتْهُ الحمامةُ طَوْقَها
بَلَدٌ أعارَتْهُ الحمامةُ طَوْقَها / وكساهُ حُلّةَ ريشِهِ الطّاووسُ
وكأنّ هاتيك الشقائقَ قَهْوَةٌ / وكأنّ ساحاتِ الديارِ كؤوسُ
انظرْ إلى حسنِ هلالٍ بَدا
انظرْ إلى حسنِ هلالٍ بَدا / يَهْتِكُ من أنْوَارِهِ الحِنْدسا
كمنْجَلٍ قد صِيغَ من عَسْجَدٍ / يحصُدُ من زَهْرِ الرّبى نَرْجِسَا
فعوّضْتُ شيباً من شبابي كأنّني
فعوّضْتُ شيباً من شبابي كأنّني / تَوَلّيتُ عن ظلٍّ برغمي إلى الشمسِ
وقَطْعي بعيشٍ بعد ستّين حجّةً / أرى فيه لَبْساً والتخوّف في اللبسِ
ذنوبيَ تنمي كلّ يومٍ تكسّباً / فيوْمي بها في اليوْم أثقلُ من أمسي
ألا آمنَ الرحمن خوفي بِعَفْوِهِ / فإنّيَ من نفسي أخاف على نفسي