المجموع : 5
متى يرق الحظ يا قاسي
متى يرق الحظ يا قاسي / ويلتقي المنسيُّ والناسي
متى وهل من حيلة في متى / وفي خيالاتٍ وأحداسِ
هدَّ قراري جريها في دمي / وهمسها في كر أنفاسي
وأنت مثل النجم في المنتأى / وفي السنا الخاطف كالماسِ
يرنو له الناس ويبغونه / وما يبالي النجم بالناسِ
وأنت كأس الحسن لكننا / مثل حبابٍ حامَ بالكاسِ
طفا وقد قبّل أنوارها / ورفَّ مثل الطائر الحاسي
وجفَّ أو ذاب على نورها / كما يذُوب الطلّ بالآس
جلستُ يوماً حين حلَّ المساء
جلستُ يوماً حين حلَّ المساء / وقد مضى يومي بلا مؤنسِ
أُريح أقداماً وهت من عياء / وأرقب العالَم من مجلسي
أرقبه يا كَدّ هذا الرقيب / في طيب الكون وفي باطله
وما يبالي ذا الخضم العجيب / بناظر يرقب في ساحله
سيان ما أجهل أو أعلم / من غامض الليل ولغز النهار
سيستمر المسرح الأعظم / روايةً طالت وأين الستار
عييتُ بالدنيا وأسرارها / وما احتيالي في صموت الرمال
أنشد في رائع أنوارها / رشداً فما أغنم إلا الضلال
أغمضت عيني دونها خائفاً / مبتغياً لي رحمة في الظلام
فصاح بي صائحها هاتفاً / كأنما يوقظني من منام
أنت امرؤٌ ترزح تحت الضنى / لم يبق منك الدهر إلا عناد
وكل ما تبصره من سنا / يهزأ بالجذوة خلف الرماد
وكل ما تُبصره من قوى / تدوي دويّ الريح عند الهبوب
يسخر من مبتئس قد ثوى / يرنو إلى الدنيا بعين الغروب
انظر إلى شتى معاني الجمال / منبثة في الأرض أو في السماء
ألا ترى في كل هذا الجلال / غير نذيرٍ طالعٍ بالفناء
كم غادة بين الصبا والشباب / تأنّق الصانع في صنعها
تخطر والأنظار تحدو الركاب / ولفظة الإعجاب في سمعها
وربما سار إلى جنبها / مدلّه ليس يبالي الرقيب
يمشي شديد العجب في قربها / إذ راح يوليها ذراع الحبيب
وانظر إلى سيارة كالأجل / تخطف خطفاً لا تُبالي الزحام
هذا الردى الجاري اختراع الرجل / هل بعد صنع الموت شيءٌ يُرام
وانظر إلى هذا القويّ الجسد / الباتِر العزم الشديد الكفاح
قد أقبل الليل فحيّ الجلد / في رجل يدأبُ منذ الصباح
أجبت يا دنياي من تخدعين / إني امرؤٌ ضاق بهذا الخداع
مزّقتِ عن عيشي هنيّ السنين / لأنني مزقتُ عنكِ القناع
إن الجمالَ الساحرَ الفاتنا / يا ويحه حين تغير الغضون
ويعبث الدهر بحلو الجنى / وتستر الصبغة إثم السنين
وهذه السيارة العاتيه / وربها الجبار كالبرق سار
ما هي إلا شُعَلٌ فانيه / نصيبها مثل شعاع النهار
وارحمتاه للقويّ الصبور / يقضي الليالي في كفاح سخيف
وكيف لا أبكي لكدح الفقير / أقصى مناه أن ينال الرغيف
كم صِحتُ إذا أبصرت هذا الجهاد / وميسم الذلة فوق الجباه
يا حسرتا ماذا يلاقي العباد / أكُلُّ هذا في سبيل الحياه
وفي سبيل الزاد والمأكل / نملأ صدر الأرض إعوالا
كم يسخر النجمُ بنا مِن عل / وكم يرانا الله أطفالا
يا ربِّ غفرانك إنا صغار / ندبّ في الدنيا دبيب الغرور
نسحب في الأرض ذيول الصغار / والشيبُ تأديبٌ لنا والقبور
يا جمال الصِّبا وأنس النفوسِ
يا جمال الصِّبا وأنس النفوسِ / خبِّرينا عن زوجك المنحوسِ
حَدِّثي أنت عن عماه الحيسي / وصفي لي الغرام بالتحسيسِ
حدثينا عن اللهيب المفدَّى / وجمالٍ يُصَيِّر الحرَّ عَبدا
وجنون الأعمى إذا ما استجدى / وهو يعشو لناره كالمجوس
يا جمالاً في الترب يُلقَى ويُرمَى / يا لظلم الحظوظ والحظ أعمى
وبلائي أني أسميه ظلما / وهو لفظ ما جاء في القاموس
آه من قسوةِ الطبيعة شقت / ظلمة في مكان نورٍ ورقت
دونَ قصدٍ لعينه فاستبقت / كوّةً في فضائها المطموس
كوَّةً تنفذ الحفيظة عنها / ويُطلُّ الدهاءُ والخبثُ منها
طالعتنا في طلعة لم تزنها / كالفتيل الحقيرِ في الفانوس
كذليل الأبقار إذ ربطوه / وتراهم بخرقةٍ عَصَّبوه
فإذا ما عصاهمو ضربوه / وتمشَّى على غناءِ الألوس
وتراه تقولُ يقطر بغضا / حيوانٌ يريد أن يَنقَضَّا
حسبك الله عشت تنظر أرضا / فابق فيها حُرمتَ نورَ الشموس
أنتِ التي بعثت إليَّ خيالها
أنتِ التي بعثت إليَّ خيالها / يوماً يلوم على قليلِ نعاسِ
صبراً لقد هجر الكرى وهجرتِني / فكلاكما مُرُّ القطيعةِ قاسِ
إِن نمتُ فَهوَ رقادُ منهوكِ القوى / تمضي لياليه بلا إِيناسِ
تمضي كما مضتِ الليالي قبلها / لا أنتِ ذاكرةٌ ولا أنا نَاسِ
ما هاته النُسُمُ التي هبَّت على / وجهِ الغدير عليلةَ الأنفاسِ
ما بالها عطفت على زهراته / ما بين إِشفاقٍ ولينِ مساسِ
من نامَ منها قبَّلته ومن بكى / فله من الريحِ الطبيبةِ آسِ
وأنا الذي ذبلت زهورُ شبيبتي / وجرى الأوارُ اليومَ في أغراسي
أمسيتُ لا نسماً ولا كلماً ولا / قلماً يخطُّ الصبرَ في قرطاسي
ما هاته النارُ التي قد أوهنت / جَلَدِي وهدَّت قوتي ومراسي
أكلت ذكائي في النضوج وسطَّرت / في عارضيَّ رسائلَ الأرماسِ
والله ما أدري أذاكَ رمادُهَا / أم أنه وَخطُ المشيبِ براسي
لو كان يغني الدمعُ كان لها غنىً / سيظلُّ ما عشنَا حديثَ الناسِ
لكنَّ هذا المالَ ليسَ بنافعٍ / والروحُ مقبلةٌ على الإفلاسِ
يا معجباً تاه على صحبه
يا معجباً تاه على صحبه / برأسه بوركَ من رأسِ
فنصفُه الأعلى به أجردٌ / عارٍ ولكنَّ القفا مكسي
يا حسنه من بتناج به / تمشي القباقيبُ بلا حسِّ
يبرطع البرغوثُ في ساحها / ويشردُ المسكينُ لا يرسي