ألاَ حَبَّذَا البَيْتُ الذي أنْتَ هَاجِرُهْ
ألاَ حَبَّذَا البَيْتُ الذي أنْتَ هَاجِرُهْ / وَأنْتَ بِتَلْماحٍ منَ الطَّرْفِ نَاظِرُهُ
لأنَّكَ مِنْ بَيْتٍ لِعَيْنيَّ مُعْجِبٍ / وأَمْلحُ في عَيْني منَ البَيْتِ عَامِرُهْ
أَصُدُّ حَياءً أنء يَلَجَّ بيَ الهَوَى / وفِيكَ المُنَى لَوْلاَ عَدوٌّ أُحَاذِرُهْ
وَفِيكَ حَبيبُ النَّفْسِ لَوْ تَسْتَطيعُهُ / لَمَاتَ الهَوى وَالشَّوْقُ حِينَ تُجاوِرُهْ
وَكانَ حَبيبُ النَّفْسِ للقَلْبِ وَاتراً / وكيْف يُحِبُّ القَلْبُ مَنْ هُوَ وَاتِرُهْ
فإنْ يكُنِ الأَعْداءُ أَحْمَوْا كَلامَهُ / عَلَيْنَا فَلَنْ تَحْمَى عَلَيْنَا مَنَاظِرُهْ
كأنَّ سُلَيْمَى حِينَ قَامَتْ فأَشْرَفَتْ / بِوجْمةٍ أَسِيلٍ زَيَّنَتْهُ غدَائِرُهْ
غَزَالٌ سِوى الأرْدافِ والفَرْعِ والشَّوَى / وَلكِنْ لِسلْمَى طَرْفهُ وَمَحاجِرُهْ
وثَغْرٍ إذا المِسْوَاكُ مَسَّ غُرُوبَهُ / تَعَسَّلَ واحْلَوْلَى فَطَابَتْ مَكَاسِرُهْ
أُحِبُّكِ يَا سَلمَى عَلَى غَيْرِ رِيبَةٍ / ولا بَأسَ في حُبٍّ تَعِفُّ سَرائِرُهْ
وَيَا عَاذِلي لَوْلاَ نَفَاسَةُ حُبِّها / عَلَيْكَ لَمَا بَالَيْتَ أنَّكَ خَابِرُهْ
بِنَفْسيَ مَنْ لاَبُدَّ أَنِّيَ هَاجِرُهْ / وَمَنْ أَنَا في المَيْسُورِ والعُسْرِ ذَاكِرُهْ
وَمَنْ قَدْ لَحاهُ النَّاسُ حَتَّى اتَّقَاهُمُ / ببْغِضيَ إِلاَّ ما تُجِنُّ ضَمائِرُهْ
وَمَنْ ضَنَّ بالتَسْلِيمِ يَوْمَ فِرَاقه / عَلَيَّ ودَمْعُ العَيْنِ تَجْري بَوادِرُهْ
وَمَنْ بَانَ مِنَّا يَوْمَ بَانَ وَمَا دَرَى / أَكُنْتُ أَنَا المَوْتُورَ أَمْ أَنَا وَاتِرُهْ
وَحَالَ بَنُو العمَّاتِ والعَمُّ دُونَهُ / وَنَذْرُ عَدُوٍّ مَا تُغِبُّ نَذَائِرُهْ
أَتَهجُرُ بَيْتاً بالحجازِ تَكَنَّفَتْ / جَوَانِبَهُ الأعْداءُ أَمْ أَنْتَ زَائِرهْ
فإنْ آتِهِ لَم أَنْجُ إِلاّ بِظنَّةٍ / وَإِنْ يَأتِهِ غَيْري تُنَطْ بي جَرَائِرُهْ
كَلاَمُكِ يَا سَلْمَى وإنْ قَلَّ نَافِعي / ولا تَحْسَبي أنِّي وَإنْ قَلَّ حَاقرُه
أُحِبُّكِ حُبَّاً لَنْ أُعنِّفَ بَعْدَهُ / مُحِبَّاً وَلكِنِّي إذا لِيمَ عَاذِرُهْ
وَقَدْ مَاتَ قَبْلِي أوَّلُ الحُبِّ فَانْقَضَى / وَلَو مِتُّ أضْحَى الحبُّ قَدْ مَاتَ آخِرُهْ
فَلَمَّا تَنَاهَى الحُبُّ في القَلْبِ وَارِداً / أَقامَ وَسُدَّتْ فيهِ عَنْهُ مَصَادِرُهْ
وَقَدْ كانَ قَلبي في حِجَابٍ يُكِنُّهُ / بِحُبِّكَ مِنْ دُونِ الحِجابِ مُبَاشِرُهْ
وأَيُّ طَبِيبٍ يُبْرِىءُ الدَّاءَ بَعْدَمَا / تَشَرَّبَهُ بَطْنُ الفُؤادِ وَظَاهِرُهْ
ألاَ لاَ أُبالي أَيَّ حيٍّ تَحَمَّلوا / إذَا ثَمَدُ البَرْقَاءِ لَمْ يَجْلُ حَاضِرُهْ
وبالبَرْقِ أَطْلاَلٌ كأنَّ رُسُومَها / قَراطِيسُ خَطّ الحِبْرَ فيهن سَاطِرُهْ
أَبَتْ سَرْحَةُ الأَثْمادِ إِلاَّ مَلاَحةً / وطِيباً إذا ما نَبْتُها اهْتَزَّ ناضِرُهْ
وكُنْتُ إذا اسْتُودِعْتُ سِرّاً طَوَيْتُهُ / بِحْفِظٍ إذا مَا ضَيَّعَ السِّرَّ نَاشِرُهْ
وإنِّي لأَرْعَى بالمَغِيبةِ صَاحبي / حَياءً كما أَرْعاهُ حِينَ أُحَاضِرُهْ