المجموع : 11
هَل بَعدَ شَيبكَ مِن عُذرٍ لِمُعتَذِرِ
هَل بَعدَ شَيبكَ مِن عُذرٍ لِمُعتَذِرِ / فَازجُر عَنِ الغَيِّ قَلباً غَيرَ مُنزَجِرِ
ما أَنتَ وَالبِيضُ في شِعرٍ تَفُوهُ بِهِ / بَعدَ البَياضِ الَّذي قَد لاحَ في الشَعَرِ
فَلا تَكُن مِن ظَعينِ الجِزعِ ذا جَزَعٍ / وَلا بِمَن حَلَّ وَادي السِدرِ ذا سَدَرِ
وَاَردع فُؤادكَ عَن وَجدٍ يُخامِرُهُ / إِذا نَزَلنَ ذَواتُ الخُمرِ بِالخَمَر
فَالراجِحُ اللُبِّ يَأبى أَن يُحَمِّلَهُ / وِزراً هَوى الرُجَّحِ الأَكفالِ وَالأُزُرِ
أَو يَطَّبِيهِ وَشملُ الحَيِّ مُنشَعِبٌ / رَبعٌ بِشِعبِ يَعارٍ دارِسُ الأُثَرِ
قَد كانَ مَأوى ظِباءِ الأُنسِ فَاتَّخَذَت / عُفرُ الظِباءِ بِهِ مَأوى مِنَ العَفَرِ
فَلَيسَ يَبرَحُ مُحتَلاً بِدِمنتِهِ / سِربٌ مِن الغِيدِ أَو سِربٌ مِنَ البَقَرِ
فَكُلُّ جازِئَةٍ مِنهُنَّ جاثِمَةٌ / بِحَيثُ كانَ ذَواتُ الدَلِّ وَالخَفَرِ
جِنسانِ ما أَشتَبها إِلّا لِأَنَّهُما / نَوافِرٌ قَلَّما يَألفَن بِالنَفَرِ
يا ظَبيَةً لا تَبيتُ اللَيلَ ساهِرَةً / هَلا رَثَيتِ لِمَوقُوفٍ عَلى السَهَرِ
أَورَدتِهِ بِالمُنى وِرداً عَلى ظَمَإٍ / وَما شَفَيتِ غَليلَ الصَدرِ في الصَدَرِ
لَقَد بَخِلتِ وَفَضلُ البُخلِ مَكرُمَةٌ / مِنَ الأُناثِ كَفَضلِ الجُودِ في الذَكَرِ
لا حَبَّذا صَفَرٌ شَهراً فَقَد صَفِرَت / يَدايَ مِن زَورَةِ الأَحبابِ في صَفَرِ
كَأَنَّ أَعشارَ قَلبي يَومَ بَينِهِمِ / تُذكى بِزِندَين مِن مَرخٍ وَمِن عُشَر
يا سَاكِنينَ بِحَيثُ الخَبتُ مِن هَجَرٍ / أَطَلتُمُ الهَجرَ مُذ صِرتُم إِلى هَجَرِ
عُودوا غِضاباً وَلا تَنأى دِيارُكُم / فَقِلَّةُ الماءِ تُرضي الكُدرَ بِالكَدِرِ
يا دَهرُ لا تَستَقِل جُرماً بِنَأيِهِمِ / فَإِنَّ جُرمَكَ جُرمٌ غَيرُ مُغتَفَرِ
ما لُمتُ غَيرَكَ في تَغييرِ وُدِّهِمِ / لِأَنَّ صَرفَكَ مَجبُولٌ عَلى الغِيَرِ
سَحَبتُ بُردَيكَ في غَيٍّ وَفي رَشَدٍ / وَذُقتُ طَعمَيكَ مِن حُلوٍ وَمِن صَبِرِ
فَما حَمَدتُكَ في بُؤسي وَلا رَغَدي / وَلا شَكَرتُكَ في نَفعي وَلا ضَرَري
لَكِنَّ شُكري لِمَن لَو لا مَكارِمُهُ / لَكُنتَ فَلَّلت مِن نابي وَمن ظُفُري
فَتّىً يَعَمُّ جَميعَ الخَلقِ نائِلُهُ / كَما تَعُمُّ السَماءُ الأَرضَ بِالمَطَرِ
يُنبيكَ بِالبِشرِ عَن بُشرى مُؤَمَّلَةٍ / فَالبِشرُ أَحسَنُ ما في أَوجُهِ البَشَرِ
يَعلَو الأَسِرَّةَ مِنهُ بَدرُ مَملَكَةٍ / أَبهى مِنَ البَدرِ لا يُعطي سِوى البِدَرِ
حَجِّي إِلَيهِ وَتَطوافي بِحَضرَتَهِ / نَظيرُ حَجِّي وَتَطوافي وَمُعتَمَرِي
حَتّى إِذا ما اِستَلَمنا ظَهرَ رَاحَتِهِ / قامَت مَقامَ اِستِلامِ الرُكنِ وَالحَجَرِ
زُرهُ نَزُر مِن أَبي العُلوانِ خَيرَ فَتىً / يُزارُ مِن وُلْدِ قَحطانٍ وَمِن مُضَرِ
وَالقَ المُعِزَّ بنَ فَخرِ المُلكِ تَلقَ فَتىً / يُحَقِّقُ الخُبرُ عَنهُ صِحَّةَ الخَبَرِ
حَكى أَباهُ فَقالَ الناسُ كُلُّهُمُ / مِن أَطيَب العُودِ يُجنى أَطيَبُ الثَمَرِ
بَنى مِنَ الفَخرِ ما لَم يَبنِهِ أَحَدٌ / إِلّا الطَراخينُ مِن أَجدادِهِ الغُرَرِ
ماتُوا وَعاشُوا بِحُسنِ الذِكرِ بَعدَهُمُ / وَالذكرُ يَحيى بِهِ الأَمواتُ في الحُفَرِ
لا يُصبِحُونَ حَليبَ الدَرِّ ضَيفَهُمُ / أَو يُمزَجَ الدَرُّ لِلضِيفانِ بِالدُرَرِ
سُودُ المَرائِرِ لا يُفشَونَ يَومَ وَغىً / إِلّا عَلى لَحِقِ الآطالِ كَالمِرَرِ
هُمُ اللُيوثُ وَلَكن لا تَرى لَهُمُ / مِثلَ الليوثِ أَظافيراً سِوى الظَفَرِ
أَو مُرهَفاتٌ إِذا هَزوا مَضارِبَها / هَزُوا بِهِنَّ قُلُوبَ البَدوِ وَالحَضَرِ
وَذُبَّلٌ مِن رِماحِ الخَطِّ حامِلَة / مِنَ الأَسِنَّةِ نيراناً بِلا شَرَرِ
إِذا هَوَوا في مُتونِ الدارِعينَ بِها / حَسِبتَهُم غَمَسوا الأَشطانَ في الغُدُرِ
مِن كُلِّ مَن تُرِك الذِكرُ الجَميلُ لَهُ / مُخَلَّداً في غِرارِ الصارِمِ الذَكَرِ
رُوحي الفِداءُ لَهُم قَوماً تُرابُهُمُ / عَلَيَّ أَكرَمُ مِن سَمعِي وَمِن بَصَرِي
ذَمَمتُ شَرخَ شَبابي عِندَ غَيرِهِمِ / وَعُدتُ أَحمَدُ طِيبَ العَيشِ في الكِبَرِ
يا ابنَ السَمادِعَةِ الشُمسِ الَّذينَ هُم / في كُلِّ وِزرٍ لَنا أَحمى مِنَ الوَزَرِ
غالَيتُ في الحَمدِ حَتّى صِرتَ مُشتَرِياً / مِنَ القَريضِ سُطُورَ الحِبرِ بِالحَبَرِ
لا خَلقَ أَكرَمُ عَفواً مِنكَ عَن زَلَلٍ / وَلا أَعَفُّ عَنِ الفَحشاءِ وَالنُكُرِ
تَبيعُ نَفسَكَ في كَسبِ النَفيسِ بِها / إِنَّ الخَطيرَ لَمِقدامٌ عَلى الخَطَرِ
لَو كُنتَ في الزَمَنِ الماضي لَما تَرَكُوا / ذِكراً يُسَيَّرُ إِلّا عَنكَ في السِيَرِ
يا مَن تَأَلَّمَ قَلبي مِن تَأَلُّمِهِ / فَباتَ في غَمَراتِ الهَمِّ وَالفِكَرِ
شَكَوتَ فَاِشتَكَتِ الدُنيا وَلا عَجَباً / إِنَّ الكُسُوفَ لَمَحتُومٌ عَلى القَمَرِ
فَاِسلَم رَفيعَ بِناءٍ المَجدِ شاهِقَهُ / وَعِش طَويلَ رِداءِ العِزِّ وَالعُمُرِ
وَلا سَلَكت طَريقاً غَيرَ مُتَّسِعٍ / وَلا هَمَمتَ بِأَمرٍ غَيرَ مُتَدِرِ
سَقى مَحَلاً قَد دَثر
سَقى مَحَلاً قَد دَثر / بَينَ زَرُودٍ وَهَجَر
أَو طَفُ وَسْمِيّ البُكر / كَأَنَّهُ إِذا اِنعَصَر
مِنَ الحَبِيِّ أَو قَطَر / ما دَقَّ مِن روسِ الإِبَر
هَبَّت لَهُ مَعَ السَمَر / صِرُّ شِمالٌ فَاِنتَشَر
ثُمَّ تَلالا وَهَدَر / هَدرَ خَطاطيفِ البكَر
بِكُلِّ مَشزُورٍ مُمَر / في كَفِّ أَلوى ذي أَشَر
حَزَوّرٍ حينَ جَفَر / يَنثِرُهُ إِذا اِنتَثَر
فَيَقدَحُ القَفوُ الشَرَر / قَدحَكَ بِالمرخِ العُشُر
لَدى القَليبِ المُحتَفَر / نَوَّخَ حَولَيهِ العَكَر
غِبَّ رَبيعٍ وَصَفَر / يَنفِضُ أَهدابَ الوَبَر
عَنِ الهَوادي وَالسُرُر / فَهُنَّ أَمثالُ الزُبُر
هِيمٌ يُقَلِّبنَ النَظَر / إِلى حِياضٍ وَجُرَر
يَسنى لَها عَذبٌ خَصِر / حَتّى إِذا الماءُ اِحتُكِر
أَورَدَها ثُمَّ صَدَر / يُرى عَلى وَجهِ العفَر
مِن وَبلِهِ إِذا اِنحَدَر / إِمّا غَديرٌ أَو نَهَر
أَوِ الثَمادُ في النُقَر / أَمثالُ أَحداقِ البَقَر
كَأَنَّما ذاكَ المَطَر / لَمّا اِستَهَلَّ وَاِنهَمَر
يَدُ المُعزِّ المُشتَهر / رَبيعِ قَيسٍ وَمُضَر
بَل هُوَ أَندى وَأَدَرّ / وَمَهمَهٍ جَمِّ الخَطَر
ما فيهِ لِلأَنسِ أَثَر / ظَليمُهُ تَحتَ الخَمَر
يَحضُنُ دُرماً كَالأُكَر / كَأَنَّهُ إِذا وَكَر
شَيخٌ حَبا مِنَ الكِبَر / أَو قَسُّ دَيرٍ قَد نَشَر
مَسابِجاً مِنَ الشَعر / حَتّى إِذا جاعَ اِبتَكَر
إِلى هَبيدٍ في عُجَر / مُفَوَّفاتِ كَالحَبَر
يَقتاتُ مِنها ما اِنتَثَر / بَينَ السَفيرِ وَالشَجَر
قَفرٌ تَعَدَّيتُ الغَرَر / فيهِ بِحُدبٍ كَالمِرَر
أَشباهُ ما فَوقَ النُخُر / قَد ذُبنَ مِن فَرطِ السَفَر
إِلى فَتىً سادَ البَشَر / وَساءَ مُذ شَبَّ وَسَرّ
إِمّا بِنَفعٍ أَو بِضُرّ / كَالسَيفِ لانَ وَبَتَر
أَفَخرِ مَخلوقٍ فَخَر / مِن نَفَرٍ خَيرِ نَفَر
جَمالِ بَدوٍ وَحَضَر / أَهلِ عُمودٍ وَمَدَر
زُرهُ تَزُر نِعمَ الوَزَر / وَعُذ بِهِ مِنَ الغِيَر
تَعُذ بِخَرقٍ لَو نَظَر / إِلى فَقيرٍ ما اِفتَقَر
يُعطى اللُهى بِلا ضَجَر / كَأَنَّما عادى البِدَر
فَلَم يَدَع وَلَم يَذَر / وَلا اِقتَنى وَلا ادَّخَر
شَيئاً سِوى حُسنِ الخَبَر / ذاكَ وَشُكرِ مَن شَكَر
يا اِبنَ الطَراخينِ الغُرَر / وَالطاعِنينَ لِلثُغُر
وَالتارِكينَ في الحُفَر / مَنافِباً مِلءَ السِيَر
وَصلُكَ فَضلٌ قَد بَهَر / شِعري وَشِعرَ مَن شَعَر
فَلَو سَكَتنا لَم تُضَر / وَالصُبحَ يُغنيهِ النَظَر
عَن شاهِدٍ إِذا اِنفَجَر / يا مَن بِهِ شِعري اِفتَخَر
عِش أَبَدَاً حِلفَ الظَفَر / وَاسعَد بِأَعيادٍ أُخَر
وَاعذُر وَلِيّاً ما حَضَر / فَلَو مَشى عَلى البَصَر
نَحوَكَ لَم يَشكُ الضَرَر / وَأَنتَ أَولى مَن عَذَر
وَاصبِغ لَها بِيضاً غُرَر / مَنحوتَةً تَحتَ الحَجَر
بِناتِ لَيلٍ وَسَهَر / قَوَّمتُهُنَّ مِن صَعَر
وَمِن سِنادٍ يُعتَبَر / فَهُنَّ أَمثالُ الدُرَر
غاصَت عَلَيهِنَّ الفِكَر / في لُجِّ بَحرٍ قَد زَخَر
مَدائِحاً لَم تُستَعَر / وَلَم يَقَع فيها الحَصَر
صافِيَةً مِن الكَدَر / تُنسيكَ في دَهرٍ غَبَر
مَدحَ القُطاميّ زُفَر / وَبَلدَةً فيها زَوَر
يا مَلِكاً عَطَّلَت مَكارِمُهُ
يا مَلِكاً عَطَّلَت مَكارِمُهُ / مَكارِمَ الغابِرينَ في السِيرِ
وَيا فَتىً كَفُّهُ إِذا مَطَرَت / أَرضاً غَنينا بِهِ عَنِ المَطَرِ
خَرَجتَ عَن قُدرَةِ الأَنامِ وَغَر / رقتَ بِنُعماكَ سائِرَ البَشَرِ
تُبصَرُ في الدَستِ مِنكَ شَمسُ ضُحىً / يَحجِبُها نُورُها عَن البَصَرِ
إِشرَب هَنيئاً في قُبّةٍ غَنِيَت / برَبِّها عَن مَلاحَةِ الصُوَرِ
قَد نُثِرَ الوَردُ في جَوانِبِها / كَأنَّهُ حُلَّةٌ مِنَ الحَبَرِ
كَأَنَّ شَمسَ النَهارِ طالِعَةً / تُنيرُ شَمسَ الضُحى عَلى القَمَرِ
سَقَت أَندِيَّةُ القَطرِ
سَقَت أَندِيَّةُ القَطرِ / دِيارَ الحَيِّ بِالغَمرِ
دِياراً بِلّوى النَبرِ / رَعى اللَهُ لِوى النَبرِ
إِلى المَشهَدِ فَالمَعه / دِ فَالأَلويَةِ العُفرِ
إِلى ما قابَلَ الرَحب / ةَ مِن ناظِرَةِ البِشرِ
إِلى الدَيرِ الَّذي يُشرِ / فُ مِن عالِيَةِ النَهرِ
إِلى السَجلِ الَّذي تَدفَ / عُ مِن قِيعانِها الغُبرِ
إِلى كندِيَّةِ المَرجِ / إِلى الأَودِيَةِ الصُعرِ
إِلى الزَبّاءِ وَالمُشرِ / فِ مِن أَلواذِها البُجرِ
إِلى ما أَنبَتَ الحِزّا / نُ مِن طَلحٍ وَمِن سِدرِ
إِلى الرَقَّةِ وَالمَرجَي / نِ وَالبُرجَينِ وَالعِبرِ
إِلى شَرقِيِّ صِفّينٍ / وَمَجرى العَسكَرِ المَجرِ
إِلى القُطِع وَما وَلا / ها مِن سَهلٍ وَمِن وَعرِ
إِلى القارَةِ وَالدَيرَي / نِ وَالعِبرَين وَالظَهرِ
إِلى المَعلَمِ وَالدَرهَ / مِ وَالدَيمُومَةِ الصُفرِ
إِلى الصَبحَةِ وَالنُقرَ / ةِ وَالعَينِ الَّتي تَجري
إِلى الحَيِّ الَّذي حَلَّ / مَحَلَّ العِزِّ والنَصرِ
إِلى القَلعَةِ وَالقَصرِ / الَّذي بُورِكَ مِن قَصرِ
مَحَلِّ السادَةِ الغُرِّ / ذَوي السُؤدُدِ وَالفَخرِ
تَراهُم في سَما العِزَّ / ةِ مِثلَ الأَنجُمِ الزُهرِ
حَوالي أَبلَجِ السن / ةِ مِثلَ الشَمسِ وَالبَدرِ
إِذا يَمَّمَهُ الساري / هَدى الساري الَّذي يَسري
أَبي العُلوانِ رَبِّ الجُو / دِ ذِي النائِلِ وَالوَفرِ
فَتىً عَطّرَهُ الحَمدُ / فَأَغناهُ عَنِ العِطرِ
إِذا كُنتَ لَهُ جاراً / فَلا تَخشَ مِنَ الفَقرِ
تَمَسُّ الصَخرَ أَيدِيهِ / فَيَجري الماءُ في الصَخرِ
رَأَيناهُ فَريدَ الجُو / دِ في بَدوٍ وَفي حَضرِ
وَطُفنا الأَرضَ مِن أَقصى / خَراسانَ إِلى مِصرِ
وَأَبصَرنا الَّذي يُعطي / وَشاهَدنا الَّذي يَقري
وَقِسنا الجُودَ بِالجُودِ / وَحُسنَ الذِكرِ بِالذِكرِ
فَوافَينا ابنَ فَخرِ المُل / كِ أَفتى أَهلِ ذا العَصرِ
وَما نَخجَلُ إِن قُلنا / وَمَن في سالِف الدَهرِ
إِذا شِمنا نَدى كَفَّي / هِ أَغنانا عَنِ القَطرِ
كَريمٌ وَلَدَتهُ أُمُّ / هُ في لَيلَةِ القَدرِ
فَوافى زاكِيَ النَبعَ / ةِ مَحضَ الفَرعِ وَالنَحرِ
قَليلَ العَيبِ وَالرَيبِ / كَثيرَ السَيبِ وَالوَفرِ
نَقِيَّ العِرضِ لا يُدنَ / سُ بِالفَحشاءِ وَالنُكرِ
فَسَلني إِنَّني أَصبَح / تُ بِالمِفضالِ ذا خُبر
هُوَ الكاسي مِنَ السُؤدُ / دِ وَالعاري مِنَ الكِبرِ
هُوَ العادِلُ وَالعادِ / لُ عَن فِعلِ الخَنا المُزري
هُوَ النَجمُ الَّذي يَسري / بِهِ في الأَرض مَن يَسري
هُوَ البَحرُ وَما أَجهَ / لَ مَن قَد قاسَ بِالبَحرِ
فَهَذا طَيِّبٌ عَذبٌ / سَليمُ الوِردِ وَالصَدرِ
تَرى الناسَ يَحُجُّونَ / إِلى تَيّارِهِ الغَمرِ
كَما حَجَّت إِلى المَنهَ / لِ أَسرابُ القَطا الكُدري
عَلا في القَدرِ وَالرِفعَ / ةِ عَن قَدرِ ذَوي القَدرِ
وَأَغنَتهُ مَعالِيهِ / عَنِ الشاعِرِ وِالشِعرِ
فَما يَنفَعُهُ حَمدي / وَلا يَرفَعُهُ شُكري
وَضَوءُ الصُبحِ لا يَحتا / جُ بُرهاناً عَلى الفَجرِ
فَتىً مَعرُوفُهُ أَكثَ / رُ مِن نَظمي وَمِن نَثري
فَإِن قَصَّرتُ أَو أَقصَ / رَ بي فَهمي فَمِن عُذري
كَلا الرَحمنُ مَن يَكلا / أَخا الغَيبِ وَلا يَدري
وَمَن وَفَّرَ لي جاهي / وَمَن يَسَّرَ لي أَمري
وَمَن أَمطَرَني حَتّى / ثَناني مُونِقاً زَهري
وَمَن أُثني عَلى نُعما / هُ في سِرِّي وَفي جَهري
كَما يُثني عَلى الغَيثِ / مُروجُ البَلَدِ القَفرِ
أَمَولايَ الَّذي يَعدِ / لُ في النَهي وَفي الأَمرِ
هَناكَ العامُ مِن عامٍ / وَهَذا الشَهرُ مِن شَهرِ
فَلا زِلتَ مِنَ الأَقدا / رِ في حِرزٍ وَفي سِترِ
فَأَنتَ المُحسِنُ المُجمِ / لُ في عُسرٍ وَفي يُسرِ
وَأَنتَ الدافِعُ المانِعُ / عَن سُكّانِ ذا الثَغرِ
كَلاكَ اللَهُ ما أَحلا / كَ في عَيني وَفي صَدري
تَطَوَّلتَ وَخَوَّلتَ / عَلى قَدرِكَ لا قَدري
وَأَدنَيتَ وَأَغنيتَ / وَأَقنيتَ إِلى الحَشرِ
وَآمَنتَ مِنَ البَأسا / ءِ مَن يُولَد مِن ظَهري
وَأَثرَيتُ بِنُعماكَ / وَما أَمَّلتُ أَن أُثري
وَقَد زِدتَ فَزادَ اللَ / هُ في عُمرِكَ مِن عُمري
سَأَجزيكَ وَما يَجزي / ك لا طِرسي وَلا حِبري
وَأَقنِيكَ ثَناً يَبقى / عَلى غابِرَةِ الدَهرِ
وَأَوصافاً لَها نَشرٌ / ذَكِيُّ الطَيِّ وَالنَشرِ
وَما يَبقى عَلى الدُنيا / وَما فيها سِوى الذِكرِ
ذَكَرَ الشَبابَ فَهاجَهُ التَذكارُ
ذَكَرَ الشَبابَ فَهاجَهُ التَذكارُ / أَسَفاً وَعاوَدَ نَفسَهُ اِستِعبارُ
لا عُذرَ لي عِندَ العَذارى بَعدَما / شابَت بِرَأسِي لِمَّةٌ وَعِذارُ
وَالوَقرُ في أُذُنِ الفَتى أَشهى لَهُ / مِن قَولِهِم إِنَّ المَشيبَ وَقارُ
لِلّهِ أَيّامُ الصِبا لَو لَم تَكُن / شَجَراتِ غَيٍّ ما لَهُنَّ ثِمارُ
ما كانَ أَقصَرَهُنَّ عِندي مُدَّةً / وَكَذاكَ أَيّامُ السُرورِ قِصارُ
مَعَ كُلُّ غانِيَةٍ كَأَنَّ رُضابَها / عَسَلٌ مِنَ الأَشَرِ العِذابِ مُشارُ
بَيضاءُ صِيغَ مِنَ النُجُومِ لِنَحرِها / عِقدٌ وَمِن قَصَفِ الهِلالِ سِوارُ
غَدَرت بِميثاقِ الوِدادِ وَكُلُّ مَن / تَهفُو عَلَيهِ غَديرَةٌ غَدّارُ
إِنَّ الغَواني في غِنىً عَن مُرمِلٍ / نَزَلَ القَتِيرُ عَلَيهِ وَالإِقتارُ
أَمّا الشَبابُ فَما يَعُودُ وَرُبَّما / عادَ المُعِزُّ فَعاوَدَ الإِيسارُ
مَلِكٌ إِذا مَطَرَت سَحائِبُ جُودِهِ / لَم تُنتَجَع لِبِلادِهِ الأَمطارُ
تَجِبُ القُلوبُ مَخافَةً مِن بَأسِهِ / وَتُغَضُّ عَنهُ إِذا بَدا الأَبصارُ
نَجَحَ الزَمانُ بِذِكرِهِ وَتَجَمَّلَت / بِحَديثِهِ الشُعَراءُ وَالأَشعارُ
سَلهُ وَحاذِر مِن أَنامِلِ كَفِّهِ / غَرَقاً فَهُنَّ إِذا طَمَينَ بِحارُ
تَندى فَلَو لَمَسَت حِجارَةَ حَرَّةٍ / لانَت بِلِينِ بَنانِهِ الأَحجارُ
وَكَأَنَّما في كُلِّ عُضوٍ مُزنَةٌ / مِن كَفِّهِ أَو دِيمَةُ مِدرارُ
لِلّهِ أَيُّ سَراةِ قَومِ أَصبَحُوا / وَكَأَنَّما أَوصافُهُم أَسمارُ
طالُوا بِحُسنِ الذِكرِ إِلّا أَنَهُم / عَن نَيلِ أَسبابِ القَبيحِ قِصارُ
مِن كُلِّ مَحمُودِ الفَعالِ يَزِيدُهُ / عُسراً عَلى لُوّامِهِ الإِعسارُ
قَد أَكثَرَ الفِعلَ الجَميلَ فَواحِدٌ / في نَفسِهِ الإِقلالُ وَالإِكثارُ
صاحَبتُهُم فَغَرِقتُ في إِحسانِهِم / غَرَقَ القَذاةِ دَحا بِها التَيّارُ
وَعَرَفتُهُم فَعَرفتُ أَنّي مِنهُمُ / لا بِي وَلا بِجَميلِهِم إِنكارُ
يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي عَزَماتُهُ / يَفعَلنَ مالا تَفعَلُ الأَقدارُ
لِلّهِ فِعلُكَ في ابنِ عَمِّكَ إِنَّهُ / فِعلٌ عَلَيهِ مِنَ السُعُودِ أَمارُ
أَصبَحتُما في بَلدَةٍ مَأَنُوسَةٍ / فازَ المُقِيمُ بِها وَعَزَّ الجارُ
لِمَ لا نَزِيدُ عَلى الأَعادي قُوَّةً / وَلَنا يَمينٌ مِنكُمُ وَيَسارُ
لَو نابَنا خَطبٌ لَقِينا مِنكُما / وَزَراً تَحَطُّ بِقُربِهِ الأَوزارُ
عُمِّرتُما لِلمَكرُماتِ وَدُمتُما / ما دامَ لَيلٌ مُظلِمٌ وَنَهارُ
سَقى اللَهُ بِالأَجرَعَينِ الدِيارا
سَقى اللَهُ بِالأَجرَعَينِ الدِيارا / مُلِثّاً يُرَوّي العِراصَ القِفارا
تَرى مُومِضَ البَرقِ في جانِبَيْ / هِ يَبدُو مِراراً وَيَخبُو مِرارا
إِذا ما سَرى مُنجِداً في الرَبابِ / رَبابِ الأَعاصِيرِ ثَنّى فَغارا
تَظُنَّ سَناهُ إِذا ما اِستَطارَ / عَلى كُلِّ صَمدٍ مِنَ الأَرضِ نارا
تَبَوَّجَ مُستَشرِياً في الظَلامِ / إِذا اِبتَدَرَ الأُفعُوانُ الوِجارا
كَأَنَّ رَواعِدَهُ في الصَبِيرِ / حَنينُ العِشارِ تلاقي العِشارا
وَطَيفٍ أَتى زائِراً في الظَلامِ / فَهَيَّجَ لي لَوعَةً حينَ زارا
وَفارَقَني حينَ وافى الصَباحُ / فَخِلتُ النَهارَ تَلَقّى نَهارا
وَكَم لَيلَةٍ بِتُّ مِمّا أَحِنْ / نُ لا أَطعَمُ النَومَ إِلّا غِرارا
وَكُنتُ أُحِبُّ اللَيالي الطِوالَ / فَصِرتُ أُحِبُّ اللَيالي القِصارا
وَدَيمُومَةٍ مِثلِ ظَهرِ المِجَنِّ / سَقانا سُرى اللَيلِ فِيها عُقارا
إِذا ما جَذَبنا بُرى اليَعمَلاتِ / بَينَ المَخارِمِ ظَلَّت تَبارى
يَطَأنَ الحَصى في شِهابِ الهَجيرِ / فَتَحسَبُ في كُلِّ عُودٍ هِجارا
تَوَخَّينَ شَهرَينِ حَتّى أَتَينَ / إِلى الرَقَتَينِ رَذايا حِسارا
وَأَمَّمنَ بَحراً إِذا ما شَرَعنَ / إِلى مائِهِ العَذبِ عِفنَ البِحارا
أَقُولُ لِصَحبي بِجَوِّ الغُمَيرِ / وَقَد ضَلَّ حادِي المَطايا وَحارا
تَيامَنتُمُ عَن بِلادِ المُعِزِّ / فَعُوجُوا يَساراً تُصِيبُوا يَسارا
وَلاقُوا أَمِيراً قَليلَ النَظيرِ / يُحِبُّ الثَناءَ وَيَشنا النُضارا
كَرِيمُ النِجارِ عَفيفُ الإِزارِ / حَوى المَكرُماتِ وَشادَ الفَخارا
أَعادَ وَأَبدا وَلِلفَضلِ أَسدى / وَلِلقِرنِ أَردى وَلِلرِيحِ بارى
كَريمُ الصَنيعَةِ ضَخمُ الدَسِيعَةِ / سَهلُ الشَريعَةِ لَم يَأتِ عارا
غَناءُ الفَقيرِ وَنِعمَ النَصيرُ / إِذا المُستَجِيرُ إِلَيهِ اِستَجارا
يَفُكُّ الأَسارى وَيَحمي العَذارى / وَيُعطِي المَهارى وَيُفني المِهارا
إِذا حَلَّ في البَدوِ زانَ العَمُودَ / وَإِن حَلَّ في الحَضرِ زانَ الجِدارا
أَبا صالِحٍ قَد فَضَلتَ المُلُوكَ / فَعُدتَ يَميناً وَعادُوا يَسارا
وَأَلبَسَكَ اللَهُ ثَوبَ الوَقارِ / فَلا نَزَعَ اللَهُ عَنكَ الوَقارا
تَحَوَّلتَ بِالأَمسِ عَن مَوضِعٍ / فَآنَستَ داراً وَأَوحَشتَ دارا
فَبُورِكَ في أَيِّ أَرضٍ حَلَلتَ / وَسَقى الإِلهُ ثَراها القِطارا
وَلا عَدِمَت مِنكَ هَذى الدُسُوتُ / رَواحاً إِلى أَهلِها وَاِبتِكارا
فَإِنَّكَ أَعلى مُلوك الزَمانِ / مَحَلّاً وَأَزكى البَرايا نِجارا
جَميلُكَ طَوَّلَ قَدري فَطالَ / وَذِكرُكَ سَيَّرَ ذِكري فَسارا
قُل لِلغَمامِ إِذا اِستَهَلَّ صَبِيرُهُ
قُل لِلغَمامِ إِذا اِستَهَلَّ صَبِيرُهُ / وَانهَلَّ أَوَّلُهُ وَسَحَّ أَخِيرُهُ
كاثِر سِوى جُودِ الأَميرِ فَرُبَّما / يُوفي عَلَيهِ قَلِيلُهُ وَكَثيرُهُ
أَحَسِبتَ أَنَّكَ حِينَ صُبتَ عَديلَهُ / وَظَنَنتَ أَنَّكَ يا غَمامُ نَظِيرُهُ
لا تُوهَمَنَّ فَإِنَّ أَيسَرَ جُودِهِ / لَو سَحَّ في بَلَدٍ لَسالَ غَدِيرُهُ
إِنّي لَأعجَبُ وَهوَ رُكنُ مُتالِعٍ / لِمَ لا يَبِيدُ إِذا عَلاهُ سَرِيرُهُ
مَلِكٌ تَشَهَّرَ بِالسَخاءِ مِنَ الصِبا / حَتّى استَمَرَّ عَلى السَخاءِ مَرِيرُهُ
ضَمِنتَ صُرُوفُ النائِباتِ لِجارِهِ / أَن لا يَخافَ البُؤسَ وَهوَ مُجِيرُهُ
قَد قُلتُ لِلأَعداءِ حينَ يَراهُمُ / حَذَراً فَإِنَّ اللَيثَ حَيثُ زَئيرُهُ
لِزَعِيمِكُم مِنهُ النَجاءُ فَإِنَّني / مِن شَفرَتي هَذا الحُسامِ نَذِيرُهُ
ما بينَكَم حَتماً وَبَينَ صَباحِكُم / بِالحَينِ إِلّا أَن يَحِينَ مَسِيرُهُ
فَحَذارِ مِنهُ وَمِن عَواقِبِ كَيدِهِ / إِن كانَ يَنفَعُ حائِناً تَحذِيرُهُ
أَمّا الإِمامُ فَقَد تَيَقَّنَ أَنَّهُ / لا يَرهَبُ الأَعداءَ وَهوَ نَصِيرُهُ
خَلُصَت سَرِيرَتُهُ وَصَحَّ وِدادُهُ / وَصَفا لِأَولادِ النَبِيِّ ضَميرُهُ
إِنّي عَلى ثِقَةٍ بِأَنَّ عَدُوَّهُ / مِن حَيثُ يَسمَعُ بِالمَسِيرِ أَسيرُهُ
وافى يَدُسُّ إِلى الأَميرِ وَعِيدَهُ / وَالكَلبُ لا يَثني الهِزَبرَ هَرِيرُهُ
دُفِعَت مُلِمّاتُ اللَيالي عَن فَتىً / عَدَدُ النُجومِ الطالِعاتِ فُخُورُهُ
أَبَداً لَنا رِيفانِ إِمّا خَيرُهُ / ما زالَ مُنتَجَعاً وَإِمّا خِيرُهُ
سِرَّ القُلوبِ فَلا اِنقَضى في ظِلِّهِ / أَبَداً سُرورُ قُلوبِنا وَسُرُورُهُ
وَتَمَتَّعَت بِحَياتِهِ أَيّامُهُ / وَشُهُورُهُ وَدُهُورُهُ وَعُصُورُهُ
جادَت يَداكَ إِلى أَن هُجِّنَ المَطَرُ
جادَت يَداكَ إِلى أَن هُجِّنَ المَطَرُ / وَزانَ وَجهُكَ حَتّى قُبِّحَ القَمَرُ
أَمسَت عُقولُ البَرايا فِيكَ حائِرَةً / فَلَيسَ يُدرى هِلالٌ أَنتَ أَم بَشَرُ
لَو كُنتَ في عَصرِ قَومٍ سارَ ذِكرُهُمُ / في الجاهِلِيَّةِ لَم تُكتَب لَهُم سِيَرُ
وَلَو لَحِقتَ زَمانَ الوَحيِ ما نَزَلَت / إِلّا بِتَفضِيلِكِ الآياتُ وَالسُوَرُ
إِنَّ العُصُورَ وَأَهلِيها الَّذينَ مَضَوا / مُذ مَرَّ ذِكرُكَ بِالأَسماعِ ما ذُكِرُوا
أَبدَعتَ في كُلِّ شَيءٍ أَنتَ فاعِلُهُ / فَلَم يُقَس بِكَ لا بَدوٌ وَلا حَضَرُ
هَجَّنتَهُمُ وَأَبانَ الفَضلُ نَقصَهُمُ / حَتّى لَأزرَت عَلى سُكّانِها الحُفَرُ
لا يَنعَتِ الناسُ جَوّاباً وَلا زُفَراً / فَما يُدانِيكَ جَوّابٌ وَلا زُفَرُ
ما الخَبرُ كَالخَبَرِ المَروِيِّ مُذ زَمَنٍ / يا صاحِ هَل يَتَساوى الخُبرُ وَالخَبَرُ
مَضى الزَمانُ وَمِن أَنبائِهِ أُمَمٌ / رامُوا مَرامَكَ في الدُنيا فَما قَدَرُوا
إِنَّ المَحَلَّ الَّذي أَصبَحتَ مُدرِكَهُ / دُونَ المَحَلِّ الَّذي أَصبَحتَ تَنتَظِرُ
إِذا صَعِدتَ مِنَ العَلياءِ في دَرَجٍ / تَسَبَّبَت دَرَجٌ مِن فَوقِها أُخَرُ
لا يَنتَهِي لَكَ إِقبالٌ إِلى أَمَدِ / وَلا يَنُصُّ إِلى وَقتٍ لَكَ العُمُرُ
تَرقى وَتَلقى نُجُومَ الجَوِّ هابِطَةً / فَأَنتَ تَصعَدُ وَالعَيُوقُ يَنحَدِرُ
كانَ الزَمانُ بَهِيماً وَاِتَّفَقتَ لَهُ / فَغَيَّرَت لَونَهُ أَيّامُكَ الغُرَرُ
أَمّا يَداكَ فَقَد أَمسَت مُسَلَّطَةً / عَلى النُضارِ فَلا تُبقي وَلا تَذَرُ
أَفنَت كُنُوزَكَ وَاستَبقَت جَميل ثَناً / يَعفُو الزَمانُ وَلا يَعفُو لَهُ أَثَرُ
لا أَقفَرَت شَجَراتٌ عَرَّقَت وَزَكَت / فُرُوعُها فَزَكا مِنهُنَّ ذا الثَمَرُ
أَما الثُغُورُ فَقَد سُدَّت بِمُنتَجبٍ / ماضِي العَزِيمَةِ ما في عُودِهِ خَوَرُ
جَلدٍ عَلى نُوَبِ الأَيّامِ مُصطَبرٍ / لَولا نَداهُ لَقُلنا إِنَّهُ حَجَرُ
أَحَبُّ شَيءٍ إِلَيهِ في مَمالِكِهِ / أَن يُجمَعَ الحَمدُ لا أَن تُجمَعَ البَدرُ
يُهدي إِلى التُربِ طِيباً طِيبُ أَخمَصِهِ / حَتّى يَقُومَ مَقامَ العَنبَرِ العَفَرُ
مُبارَكُ الوَجهِ لا مِيثاقُهُ حَرِجٌ / عَنِ الوَفاءِ ولا مَعرُوفُهُ عَسِرُ
يُجِدي وَيُردي فَإِمّا وَاهِباً نِعمَاً / أَو سالِباً فَهوَ لا حُلوٌ وَلا صَبِرُ
أَثنَت عَلى فَضلِهِ العِيسُ الَّتي دَمِيَت / أَخفافُها وَالسُرى وَالسَفرُ وَالسَفَرُ
أُنظُر لِتَنظُرَ شَيئاً جَلَّ خالِقُهُ / يَحارُ فيهِ وَفي أَمثالِهِ النَظَرُ
طَوقاً عَلى المَلِكِ المَيمُونِ طائِرُهُ / كَأَنَّهُ هالَةٌ فِي وَسطِها قَمَرُ
وَحُلَّةً مِن أَدِيمِ الشَمسِ مُشرِقَةً / لا يَستَطيعُ ثَباتاً فَوقَها البَصَرُ
تَوَقَّدَ التِبرُ حَتّى لَو دَنَوتَ بِهِ / مِن غَيرِ لَفحٍ رَأَيتَ النارَ تَستَعِرُ
قَد كَفَّها عَن كَثِيرٍ مِن تَوَقُّدِها / خِرقٌ يُرى الماءُ مِن كَفَّيهِ يَنعَصِرُ
هَذا وَمِن أَنجُمِ الجَوزاءِ مِنطَقَةٌ / مُرَصَّعٌ حَولَها الياقُوتُ والدُرَرُ
وَصارِماً ذَكَراً قَد نابَ حامِلُهُ / عَنِ الخَليفَةِ هَذا الصارِمُ الذَكَرُ
أَطاعَهُ كُلُّ شَيءٍ طاعَةً حُتِمَت / حَتّى القَضاءُ وَحَتّى الحَينُ وَالقَدَرُ
مِمّا تَخَيَّرَهُ عادٌ وَخَلَّفَهُ / لِلسّادَةِ الغُرِّ مِن أَبنائِهِ مُضَرُ
كَأَنَّما حُمِّلَت مِنهُ حَمائِلُهُ / عَقِيقَةً أَو جَرى في غِمدِهِ نَهَرُ
وَطامِحَ الطَرفِ نَهداً في سَبائِبِهِ / طُولٌ يُحَبُّ وَفِي أَرساغِهِ قِصَرُ
كَأَنَّما فَوقَ هادِيهِ وَلَبَّتِهِ / مِنَ الحُلى جَمَراتٌ ما لَها شَرَرُ
يَمشِي بِأَروعَ لا يَهُفو بِهِ زَلَلٌ / عَنِ الرَشادِ وَلا يَقتادُهُ الغَرَرُ
وَرايَةٌ باتَ مَعقُوداً بِذِروَتِها / مِن فَوقِهِ العِزُّ وَالتَأيِيدُ وَالظَفَرُ
كَرَوضَةٍ مِن رِياضِ الحَزنِ مَونِقَةٍ / مِنها اللَياحُ وَمِنها الأَخضَرُ النَضِرُ
تَلتَفُّ أَطرافُها وَالرِيحُ تَفتحُها / كَما تَفَتَّحَ مِن أَكمامِهِ الزَهَرُ
تَهتَزُّ مِن فَرَحٍ وَالسَعدُ شامِلُها / كَأَنَّما عِندَها مِن سَعدِها خَبَرُ
مِن خَلفِ أَطوَلَ مِنها باعَ مَكرُمَةٍ / في المَجدِ لا مَلَلٌ فيهِ وَلا ضَجَرُ
أَناخَ وَفدٌ عَلى وَفدٍ بِساحَتِهِ / وَعَرَّسَت زُمَرٌ في إِثرِها زُمَرُ
تَلقى مَوارِد فَخرِ المُلكِ مُترَعَةً / لا الوِردُ يَنقُصُها شَيئاً وَلا الصَدَرُ
يَغدُو وَتَقدُمُهُ الأَعلامُ حائِمَةً / كَالطَيرِ نازِحَةً عَن سَعدِها الطَيَرُ
خَفّاقَةً كَقُلوبِ الشانِئِينَ لَها / إِذا تَمَكَّنَ مِنها الخَوفُ وَالحَذَرُ
وَهَت بُحُورُ العِدى وَالنُجبُ حامِلَةٌ / تِلكَ القِبابَ عَلَيها الوَشيُ وَالحبَرُ
خُوصٌ تَهادى بِأَنماطٍ مُصَوَّرَةٍ / تَكادُ تَنطِقُ في حافاتِها الصُوَرُ
مَواهِبٌ مِن إِمامٍ قَد بَذَلتَ لَهُ / مَحَبَّةً مِنكَ ما في صَفوِها كَدَرُ
يا مَن تُقَصِّرُ في أَوصافِهِ كَلِمِي / إِنّي إِلَيكَ مِنَ التَقصِيرِ مُعتَذِرُ
جَلَّت مَعالِيكَ عَن فَهمِي وَضِقتُ بِها / ذَرعاً وَما بِيَ لا عِيٌّ وَلا حَصَرُ
أَنتَ الغَمامُ وَما لِي بِالغَمامِ يَدٌ / أَعُدُّهُ وَهوَ جَمُّ الوَبلِ مُنحَدِرُ
زَهَت بِطَلعَتِكَ الدُنيا وَعَزَّ بِكَ ال / عَمُودُ وَالدِينُ وَالإِسلامُ وَالثَغَرُ
عُمِّرتَ لِلمَجدِ عُمراً لا اِنقِضاءَ لَهُ / إِنّي إِلى عُمرِكَ المَمدُودِ مُفتَقِرٌ
وَدُمتَ تَطلُبُ ما تَهوى فَتَبلُغه / وَتَبتَغِي كُلَّ مَمنُوعٍ فَتَقتَدِرُ
أَمرَضَتنِي مَرِيضَةُ اللَحظِ سَكرى
أَمرَضَتنِي مَرِيضَةُ اللَحظِ سَكرى / مَرَضاً ما إِخالُهُ الدهر يَبرا
تَتَثَنّى غُصناً وَتَبسِمُ دُرّاً / وَتُوَلّي دِعصاً وَتُقبِلُ بَدرا
فَهِيَ كَالذابِلِ المُثَقَّفِ قَد أُف / عِمَ عَجزاً وَقَد تَهَفهَفَ صَدرا
أَسبَلَت فَوقَ الشَعَرَ الوَح / فَ فَكانَت لَيلاً بِهَيماً وَفَجرا
وَتَرَشَّفتُ رِيقَها فَتَوَهَّم / تُ بِأَنّي غَدَوتُ أَرشِفُ خَمرا
غادَةٌ رَخصَةُ الأَنامِلِ مَمكُو / رَةُ ما في مُفَوَّفِ الرَيطِ عذرا
أَسكَرَتني سُكرَينِ مِن لَحظِها القا / تِلِ سُكراً وَمَن جَنى الرِيقِ سُكرا
وَرَمَت بِالجِمارِ تَلتَمِسُ الأَج / رَ وَقَد أَسعَرَت بِقَلبِكَ جَمرا
كَيفَ تُجرِي دَمِي وَتَسعى مَعَ السا / عِينَ تَبغي مِن المُهَيمِنِ أَجرا
وَلَقَد هاجَ لي رَسيساً إِلى الغَو / رِ خَيالٌ مِن ساكِنِ الغَور أَسرى
زارَ سِرّاً مِن العُيُونِ وَضَوّا ال / لَيلَ حَتّى ظَنَنتُهُ زارَ جَهرا
مِن لِوى عالِجٍ وَلَو أَمَّتِ العِي / سُ لِوى عالِجٍ لَأَرقَلنَ شَهرا
حَبَّذا دارُها المُحِيلَةُ بِالجِز / عِ وَأَطلالُها القِفارُ بِبُصرى
عُجتُ أَشفِي بِها الغَليلَ فَقَد زِد / تُ غَليلاً عَلى الغَلِيلِ وَذِكرا
صاحَ مالِي وَلِلهَوى كُلَّما حا / وَلتُ عَنهُ صَبراً تَجَرَّعتُ صبراً
لا دُمُوعِي الغِزارُ تَرقا وَلا حرْ / رُ فُؤادِي يُطفا وَلا العَينُ تَكرى
ذُبتُ وَجداً فَلَو قَضَيتُ لَما احتَج / تُ سِوى مَوطِئِ البَعُوضَةِ قَبرا
كُلَّ يَومٍ أَلقى اِعتِداءً وَظُلماً / وَأُقاسِي نَأياً مُشِتّاً وَهَجرا
وَلَقَد زارَنِي المَشِيبُ فَما كا / نَ وَقاراً بَل كانَ في الأُذنِ وَقرا
غادَرَتنِي المَسائِحُ البِيضُ لا أُن / كِرُ مِن رَبَّةِ الغَدائِرِ غَدرا
وَعَسى أَن أَفُوزَ يَوماً لِأَسما / ءَ بِوَصلٍ فَإِنَّ لِلعُسرِ يُسرا
أَيُّها القَلبُ لَم يَدَع لَكَ في وَص / لِ العَذارى نِصفُ الهَبِيدَةِ عُذرا
خُذ مِنَ الدَهرِ ما صَفا وَمِن النا / سِ فَإِنّي بِهِ وَبِالناسِ أَدرى
وَإذا كُنتَ ذا ثَراءٍ مِنَ الما / لِ فَصَيِّرهُ دُونَ عِرضِكَ سِترا
وَافعَلِ الخَيرَ ما استَطَعتَ فَإِنَّ ال / خيرَ تَلقاهُ مِثلَ ذُخرِكَ ذُخرا
وَلَقَد أَغتَدي وَصَحبِي عَلى الأَك / وارِ صُعرَ الخُدودِ يَرجُونَ صُعرا
تَتَبارى بِنا المَهارى وَأَيدِي / هِنَّ تَمحُو سَطراً وَتَكتُبُ سَطرا
قُلتُ جُوبُوا الفَلا إِلى أَكرَمِ النا / سِ جَميعاً عِرقاً وَفَرعاً وَنَجرا
فَاِنبَرَوا يَقطَعُونَ نَحوَ أَبِي العُل / وانِ سَهلاً مِنَ البِلادِ وَوَعرا
وَالمَطايا تَكادُ تَدخُلُ في الأَخ / راتِ سُقماً مِنَ الذَمِيلِ وَضُمرا
وَارِداتٍ بَحراً تُرى السَبعَةُ الأَب / حُرُ في سَيبِهِ ثِماداً وَغُدرا
غَمَرت كَفُّهُ البَرِيَّةَ بِالإِح / سانِ عُجماً مَنهُم وَبَدواً وَحَضرا
كَالسَحابِ الكَنَهوَرِ الجَودِ قادَت / هُ النُعامى فَطَبَّقَ بِالأَرضِ قَطرا
أَحلَمُ الناسِ عَن عِقابٍ إِذا ما / زِدتَ جُرماً إِلَيهِ زادَكَ غَفرا
راحَتاهُ مَقسُومَتانِ فَلِل / آجالِ إِحداهُما ولِلرِّزقِ أُخرى
وَافِرُ العِرضِ لَيسَ يَترُكُ وَفراً / كَيفَ يُبقي مَن وَفَّرَ العِرضَ وَفرا
كُلَّما شِمتَ مِن أَنامِلِهِ العَش / رِ نَدىً خِلتَها مِنَ السُحبِ عَشرا
أَوسَعَتنِي يَداهُ فَضلاً مِنَ اللَ / هِ فَأَوسَعتُها ثَناءً وَشُكرا
عَبَقاً تَحمِلُ الرِكابُ إِلى الآ / فاقِ مِنهُ طِيباً ذَكِيّاً وَعِطرا
في طُروسٍ تَزِيدُ نَشراً إِذا ما ال / قَومُ أَمُّوا لَهُنَّ طِيباً وَنَشرا
مِثلُ زَهرِ الرُبى الَّتي جادَها الغَي / ثُ وَمَرَّت مِن فَوقِها الرِيحُ حَسرى
مَلِكٌ يَقهَرُ المُلوكَ وَيَبنِي / شَرَفاً فَوقَ ما بَنَوهُ وَفَخرا
فَهوَ خِلوٌ مِنَ المَعايِبِ لا تَل / قى سَرِيّاً إِلّا وَتَلقاهُ أَسرى
خُلُقاً طاهِراً وَخِيماً كَرِيماً / أَنكَرَ اللَهُ أَن تَرى فيهِ نُكرا
سارَ يَستَخدِمُ السُعُودَ وَيَستَق / بِلُ فَضلاً مِنَ الفَضِيلَةِ دَثرا
في خَمِيسٍ مَجرٍ تَأَمَّلتُهُ فِي / هِ خَمِيساً مِنَ المَهابَةِ مَجرا
وَالقَنا كُلَّما تَزَعزَعَ في أَر / ضِ الأَعادِي تَزَعزَعُوا مِنهُ ذُعرا
يَقرَعُ النَبع حَولهُ النَبعَ وَالنَق / عُ يَرُدُّ المَطارِدَ البِيضَ غُبرا
رِحلَةٌ أَكسَبَت عُلاً وَمَسيرٌ / بُورِكَت رِحلَةً وَبُورِكَ مَسرى
جَدَّدَ اللَهُ فِيهِ عِزّاً وَسَعدا / وَاِقتِداراً عَلى العَدُوِّ وَقَهرا
كَيفَ لا تُجتَبى وَأَنتَ لِدِينِ الْ / لهِ يُمنى في النائِباتِ وَيُسرى
مِنَنٌ مِنكَ لَيسَ تُكفَرُ إِنّي / لَأَرى الكُفرَ بِالصَنائِعِ كُفرا
عِشتَ تُسدِي نَفعاً وَضُرَّاً إِذا حَلَّ / يتَ شَطراً بِالفَضلِ أَمرَرتَ شَطرا
لا خَلَت مِن جَمالِ طَلعَتِكَ الدُن / يا وَلا أَعدَمَتكَ نَهياً وَأَمرا
مِنكَ الجَمِيلُ وَمِنِّيَ الشُكرُ
مِنكَ الجَمِيلُ وَمِنِّيَ الشُكرُ / وَلِيَ الغِنى وَلِمَجدِكَ الذِكرُ
تُغنِي وَأُثنِي جِدَّ مُجتَهِدٍ / وَأُمِلُّ فِيكَ وَيَكتُبُ الدَهرُ
لا أَجحَدُ النُعمى الَّتي سَبَغَت / أَنا بَعضُ مَن غَرَّقتَ يا بَحرُ
نُعماكَ نُعمى لَستُ أَكفُرُها / إِنّض الصَنِيعَةَ كُفرُها كُفرُ
يا مَنطِقي بُورِكتَ مُحتَمِلاً / عَنّي الجَزاءَ وَبُورِكَ الشِعرُ
زِدِني غِنىً وَزِدِ الأَمِيرَ ثَناً / مالِي وَلا لَكَ عِندَهُ عُذرُ
أَعطى فَلا خُلفٌ وَلا عِدَةٌ / وَعَفا فَلا حِقدٌ وَلا غَمرُ
خُلُقاً كَرَوضِ الحَزنِ أَنبَتَهُ / نَوءُ الذِراعِ وَوابِلٌ هَمرُ
وَسَماحَةً في طَبعِ ذِي كَرَمٍ / لا البُخلُ شِيمَتُهُ وَلا الغَدرُ
غَرِقتَ مَعدٌّ في مَكارِمِهِ / غَرَقَ الخُطَيطَةِ جادَها الغَفرُ
فَكَسا جَوانبِها مَفَوَّفَةً / غَنّاءَ يَضحَكُ بَينَها الزَهرُ
فَالنَورُ نُعماهُ وَصَيِّبُهُ / كَرَمُ الأَميرِ وَحَمدُهُ النَشرُ
سَلنِي أَبُثُّكَ عَن أَخِي ثِقَةٍ / يَسرِي بِضَوءِ جَبِينِهِ السَفرُ
أَمِنَت بِهِ سُبلُ البِلادِ فَلا / جَزَعٌ وَلا هَلَعٌ وَلا ذُعرُ
وَبَنى لِقَيسٍ بِالقَنا شَرَفاً / لَم يَبنِهِ جُشَمٌ وَلا بَكرُ
شَرَفاً يَحِفُّ النَيِّرانِ بِهِ / وَيَحُوطُهُ الشَرطانِ وَالنَسرُ
أَمّا العَواصِمُ فَهيَ قَد عُصِمَت / بِأَغَرَّ يُستَسقى بِهِ القَطرُ
حُلوُ الخَلائِقِ وَالطَرائِقِ لا / زَهوٌ وَلا عُجبٌ وَلا كِبرُ
تُجبى لَهُ الأَموال خالِصَةً / لا مَأثَمٌ فِيها ولا وِزرُ
عَدلاً يَعُمُّ العالَمينَ بِهِ / وَتَحَرُّجاً أَن يَحبِطَ الأَجرُ
شِيَمُ الكِرامِ وَهِمَّةٌ بَلَغَت / ما تَبلُغُ اليَزَنِيَّةُ السُمرُ
وَرَجاجَةٌ لَو أَنَّها وَزِنَت / بِالنَسرِ خَفَّ لِوَزِنِها النَسرُ
وَشَجاعَةٌ لا عامِرٌ كَمُلَت / فِيهِ كَما كَمُلَت وَلا عَمرُو
لَو أَنَّها في اللَيثِ عَزَّ فَلَم / يُخلَق لَهُ نابٌ وَلا ظُفرُ
سُبحانَ خالِقِ كُلِّ مُعجِزَةٍ / أَيَضُمُّ هَذا كُلَّهُ صَدرُ
وَسِعَ الَّذي وَسِعَت بِأَجمَعِها الد / دُنيا مَكانٌ وَسِعُهُ فِترُ
وَعَلى الأَسِرَّةِ ماجِدٌ أَنِسَت / بِوُفُودِهِ الدَيمُومَةُ القَفرُ
مالُوا إِلَيهِ عَلى الرِحالِ كَما / مالَت بِشارِبِ كَأسِها الخمرُ
وَتَرَقَّلَت بِهِمُ مُزَمِّمَةً / مِثلَ الأَهِلَّةِ جُنَّفٌ خُزرُ
نَحُلَت وَضَمَّ السَيرُ أَضلُعَها / فَتَشابَهَت هِيَ وَالبُرى الصُفرُ
فَهَوَت تُصَوِّبُ في البِلادِ بِنا / عَنَقاً كَما تَتَصَوَّبُ الكُدرُ
قُلنا لَها وَالسَيرُ يَحفِزُها / وَسَياطُنا مِن زَجرِها حُمرُ
صَبراً إلى أَن تَبلُغي حَلَباً / وَسَتُحمَدِينَ وَيُحمَدُ الصَبرُ
وَرَمَت بِأَرجُلِنا إِلى مَلِكٍ / أَغنى المُقِلَّ نَوالُهُ الدَثرُ
تَهدى الوُفودُ إِلى مَكارِمِهِ / بِأَغَرَّ يَلمَعُ فَوقَهُ البِشرُ
يَبدو وَيَبدُو البَدرُ مُكتَمِلاً / فَيُشَكُّ أَيُّهُما هُوَ البَدرُ
ذُو راحَةٍ تَندى أَنامِلُها / فَبُطُونُها وَظُهُورُها خُضرُ
لَو أَنَّ فَخرَ المُلكِ مَسَّ بِها / صَخرَ الأَحَصِّ لَأَورَقَ الصَخرُ
عَجَباً أَما تَبتَلُّ بُردَتُهُ / وَبِراحَتَيهِ سَحائِبٌ عَشرُ
يا فَخرَ مُلكِ بَني النَبِيِّ وَمَن / بِاللَهِ تَمَّ لِسَيفِهِ النَصرُ
أَصبَحتَ تاجاً لِلمُلوكِ فَإِن / فَخَرَت فَحَقُّ لَها بِكَ الفَخرُ
فَاسعَد بِأَلقابِ الإِمامِ فَقَد / سَعِدَ الإِمامُ وَأَنتَ وَالغُرُّ
هِيَ سَبعَةٌ زُهرٌ خُصِصتَ بِها / وَكَذا الطَوالِعُ سَبعَةٌ زُهرُ
أَنتَ المُعِزُّ وَهَذِهِ حَلَبٌ / فَتَدَفَّقا فَكِلاكُما بَحرُ
كَذَبَ ابنُ هانِي في مَقالَتِهِ / أَنتَ الخَصِيبُ وَهَذِهِ مِصرُ
وَمَنِ الخَصِيبُ وَمَن مَعاشِرُهُ / لَكَ أَنتَ لا لِأُولئِكَ الفَخرُ
سَبَقُوا كَما سَبقَ الدُجى وَأَتى / لَمّا أَتيتَ بِعقبِهِ الفَجرُ
وَكَذا دُخانُ النارِ أَوَّلُها / يَمضِي الدُخانُ وَيُسعَرُ الَجمرُ
عَطلتَ ذِكرَ الأَوَّلِينَ فَما / لَهُمُ وَلا لِزَمانِهِم ذِكرُ
شَرُفَت بِكَ الدَنيا وَساكِنُها / وَالصَومُ وَالتَعييدُ وَالفِطرُ
فَسلِمتَ مَحرُوسَ العُلى أَبَداً / ما شِئتَ مَمدُوداً لَكَ العُمرُ
تُمسِي وَتُصبِحُ في بُلهنِيَةٍ / وَعَلَيكَ مِن رَبِّ العُلى سِترُ
يَجرِي حَدِيثُكَ في البَلادِ فَما / يُحتاجُ لا طِيبٌ وَلا عِطرُ
مَدحِي عُقودُ جَواهِرٍ نُظِمَت / وَعُلاكَ لا عَطِلَت لَها نَحرُ
لا يَأثَمَنَّ فَتىً تُحَيِّرُهُ / كَلِمي فَيَحلِفُ أَنَّها سِحرُ
هُوَ بَعضُ ما جادَ الأَميرُ بِهِ / لَكِنَّ ذا نَظمٌ وَذا نَثرُ
أَنا لابِسٌ حُلَلاً مُحَبَّرَةً / أَثمانُها القِرطاسُ وَالحِبرُ
مِن عِندِ مَن عِندِي لَهُ نِعَمٌ / لا تَنحصِي وَصَنائِعٌ كُثرُ
آلَيتُ لا أَبقيتُ لِي أَبَداً / ذُخراً وَجُودُ يَدَيكَ لِي ذُخرُ
وَالحَمدُ لا يَبقى عَلى أَحَدٍ / يَبقى لَهُ نَشَبٌ وَلا وَفرُ
سَرى طَيفُ هِندٍ وَالمَطِيُّ بِنا تَسري
سَرى طَيفُ هِندٍ وَالمَطِيُّ بِنا تَسري / فَأَخفى دُجى لَيلٍ وَأَبدى سَنا فَجرِ
خَلِيلَيَّ فُكّاني مِنَ الهَمِّ وَأَركَبا / فِجاجَ المَوامِي الغُبرِ في النُوَبِ الغُبرِ
إِلى مَلِكٍ مِن عامِرٍ لَو تَمَثَّلَت / مَناقِبُهُ أَغنَت عَنِ الأَنجُمِ الزُهرِ
إِذا نَحنُ أَثنَينا عَلَيهِ تَلَفَّتَت / إِلَيهِ المَطايا مُصغِياتٍ إِلى جَبرِ
وَفَوقَ سَريرِ المُلكِ مِن آلِ صالِحٍ / فَتىً وَلَدَتهُ أُمُّهُ لَيلَةَ القَدرِ
فَتىً وَجهُهُ أَبهى مِنَ البَدرِ مَنظَراً / وَأَخلاقُهُ أَشهى مِنَ الماءِ وَالخَمرِ
أَبا صالِحٍ أَشكُو إِلَيكَ نوائِباً / عَرَتنِي كَما يَشكُو النَباتُ إِلى القَطرِ
لِتَنظُرَ نَحوِي نَظرَةً إِن نَظَرتَها / إِلى الصَخرِ فَجَّرتَ العُيونَ مِنَ الصَخرِ
وَفِي الدارِ خَلفِي صِبيَةٌ قَد تَرَكتهُمُ / يُطِلُّونَ إِطلالَ الفِراخِ مِنَ الوَكرِ
جَنَيتُ عَلى رُوحِي بِرُوحي جِنايَةً / فَأَثقَلتُ ظَهرِي بِالَّذي خَفَّ مِن ظَهرِي
فَهَب هِبَةً يَبقى عَلَيكَ ثَناؤُها / بَقاءَ النُجومِ الطالِعاتِ الَّتي تَسرِي
عِدادُ الثُرَيّا مِثلُ نِصفِ عِدادِهم / وَمَن نَسلُهُ ضِعفُ الثُرَيّا مَتى يُثرِي
وَأَخشى اللَيالِي الغادِراتِ عَلَيهِمُ / لِأَنَّ اللَيالي غَيرُ مَأمُونَةِ الغَدرِ
وَلِي مِنكَ إِقطاعٌ قَدِيمٌ وَحادِثٌ / تَقَلَّبتُ فِيهِ تَحتَ ظِلِّكَ مِن عُمرِي
وَما أَنا بِالمَمنُوعِ مِنهُ وَلا الَّذي / أَخافُ عَلَيهِ مِنكَ حادِثَةً تَجرِي
وَلَكِنَّني أَبغِيهِ مُلكاً مُخَلَّداً / خُلُودَ القَوافِي الباقِياتِ عَلى الدَهرِ