المجموع : 24
لِذِكرَى ليالي الوصل يُستعذَبُ الذِّكْرُ
لِذِكرَى ليالي الوصل يُستعذَبُ الذِّكْرُ / ويَحْلو وإنْ طال التَّباعدُ والهجْرُ
فيا ذِكرَ ليلى شَنِّفِ السمعَ مُوقَراً / أحاديثَ من ليلى يَذوب لَهَا الصَّخر
ويا سعدُ عَلِّلني بذكرى أحِبَّتِي / فعندكَ يَا سعد الأحاديثُ والذِّكر
ورَتِّل حديثَ الحب يَا سعد إنني / لقد عَزَّني سعدُ التجلدُ والصبر
مَنيتُ هَوىً لولا التأملُ بالِّلقا / ولولا أَمانِي النفسِ مَا عُمِّر الدهر
سُهادٌ إذَا جَنَّ الظلامُ رأيتُني / أُراقبُ حينَ النجمِ أَوْ يَشْفَع الفجر
أُكفِكف بالمنديل دمعاً كَأَنَّما / بعينيَ والمنديلِ يَلْتَطم البحر
ومن لي بأن ألقَى حبيباً إذَا بَدا / لطَلْعَتِه تَخْبُو الكواكبُ والبدر
تَسلَّط فِي قلبي بسلطان حبِّه / فبُحتُ بما تُخفي الجَوانحُ والصدر
كذلك سلطانُ الغرامِ وحكمِه / برغم جنودِ العشقِ يُقضَى لَهُ الأمر
فيا ظبيةَ المَسْعَى ريا ساعةَ اللِّقا / بحقِّكما عُوداً فقد نَفِد العمر
ويا أَيُّهَا العُذّال كُفوا فإنما / بقلبي لَظى الأشواقِ يُطفَى لَهُ الجمر
إذَا ذُكرت ليلى أَميل لذكرِها / كَأَنّي بحان الخمرِ أَسْكرني الخمر
نشرتُ عَلَى الآفاق راياتِ صَبْوَتِي / وسِرتُ وطُرْقٌ الحب أيسرُها وعر
وطفتُ بأسواقِ المحبّين برهةً / فما فيهمُ مثلي جميلٌ ولا عمرو
فكم مُدَّعٍ بالحبِّ يقضَى لغيره / إذَا احتكم الخَصْمَان يتضح السرُّ
فبالله يَا رَكْبَ الحجاز إذَا بدتْ / طلائعُ من ليلى ولاحَ لَكَ السَّفْر
وبانت لَكَ البانات عند طُوَيْلِعٍ / ونامتْ عيونُ الرَّكبِ وانتعشَ الفكرُ
وهبّ نسيمُ القُربِ ثُمَّ تأرّجت / روائحُ من ليلى وفاحَ لَكَ النَّشْرُ
فنادى بأعلى الصوتِ أهلُ مودتي / كثيبٌ لبُعدِ الدار أَجْهَده الصُّر
يُعاني من الأشواق مَا لَوْ تحمَّلت / بأعبائِه رَضْوَى لأَثْقلها الوِقْر
وكم قمتُ فِي ليلٍ كَأَنَّ نجومَه / عيونٌ من الحُسّاد تَرْمُقني خُزر
أكابِد حَرَّ الوجدِ والليلُ مُطرِق / تُسامرني الظَّلماءُ والأَنْجُم الزُّهْر
أَبُثُّ رَعيلَ الفكرِ شرقاً ومغرباً / وأَعتَنِق الأهوالَ مَا صدَّني الذُّعر
وأُرْحل خيلَ العزم أَغتنم السُّرى / ومن يطلبِ العلياءَ يَحْفِزه الصَّبر
فجُبْنَ بيَ الآفاقَ حَتَّى وردنَ بي / رِحابَ أبِي تيمورَ نِعْمَ الفتى البَرّ
سليلُ الملوكِ الصِّيدِ من جَلَّ قَدْرُه / وعُنَّ بأنْ يأتي بأمثالِه الدهر
لَهُ الشَّرف الأَسْنَى لَهُ المجد والعُلى / لَهُ النِّعمة العُظمى لَهُ البَسْط والقمر
هو البدرُ فِي الظَّلماء هو الشمس فِي الضُّحى / هو المُخْضِب الدَّفْعاءَ إِنْ عَزَّها العَطْر
تَدين لَهُ الأيامُ ذلاً وهيبةً / وَتَعْضُله الأقدارُ والبَرّ والبحر
يُحاكي نسيمَ الروضِ خُلْقاً إذَا بدا / تُحيِّيك بالترحاب أخلاقُه الغُر
تقابلك البُشْرى إذَا مَا رأيته / سَباك مُحَيّاه ولاح لَكَ البِشر
ويبديكَ قبلَ النطق مَهْمَا تخيلَتْ / بقلبِك حاجاتٌ وَقَدْ كَنَّها الصدرُ
فلولا نزولُ الوحيِ سُدَّت سبيلُه / لَقلتُ أتاه الوحيُ أَوْ جاءه النُّذْر
إذَا مَا سعى البر يوماً تَفَجَّرتْ / يَنابيعُ ذَاكَ البر واعْشَوْشَبَ القَفْر
وإن سار فِي بحرٍ ترى الفُلْكَ تَحْتَه / تَميد كنشوانٍ يُرَنِّحه الشكر
يَشُقُّ عبابَ البحرِ زَهْواً كمِثلما / تَشقّ رقابَ الخصمِ أسيافُه البُتْر
دَعتْه فلَبَّاها ظفَارِ وإنما / دعتْه لكشفِ الصُّرِّ أَنْ مَسَّها الضر
بشهر يفوق الدهرَ فضلاً وحُرْمة / فأُنْعِم بشهر الصوم يَا نِعْمَ ذا الشهر
لسبعٍ خلتْ منه وعشرون قبلَها / فبارِكْ بِهَا يوماً سيُمْحَى بِهَا الوِزْر
مَضْيناً ونورُ البحرِ يجرِي كَأَنَّه / سحابٌ تُزَجِّيه ملائكةٌ غُفْر
نَدوسُ أَديم البحرِ والبحرُ زاخرٌ / وانجينه يَغْلِي بموجٍ لَهُ جَمْر
ترى الطير والحيتان تجري بجنبِه / سِراعاً كما تجري المُطَّهمة الضُّمر
فلما تَنسَّمنا شَذا البر أَقبلتْ / شَواهقُ من ياى تحُف بِهَا جُزْر
رَسَينا ببحر الدُّرِّ بحر مَصيرةٍ / فلِّلهِ من بحرٍ بِهِ يُجتَنَى الدر
فَهلَّ علينا الفِطْرُ فِيهَا فأصبحتْ / تَحفُّ بنا النُّعْمَى وأنفاسُنا عِطْر
فلله يوم أجمع الأنسَ كلَّه / مليكٌ وذا بحر وعيد وذا فطر
فلما تَهانَيْنا جَرى الفُلك ماخراً / وَلَمْ يَثْنِه مَدُّ البحارِ ولا الجَزْر
ومُدَّت سِماطات المآكل والسما / تُظلِّلنا والبحرُ كلتاهما خُضر
ظَللنا ونورُ البحرِ يهوِي كَأَنَّه / رياحُ بقاعِ الأرضِ أصواتُها زَجرُ
أَوْ الرعدُ فِي الظَّلماءِ يرمي بأَشْهُبٍ / من البرقِ والصوتُ المُهبل هو المَخْر
فما أَقْصرَ الأوقاتَ والشهرَ عندنا / إذَا أَسْفر الفَجرانِ باغتَنا العصر
كذلك أوقاتُ السرور كَأَنَّها / طَوارِقُ أوهامٍ يمر بِهَا العصر
وثالثُ يومِ الفطرِ لاح لنا البُنا / مصانعُ مرباطٍ تَسامَى بِهَا قَصْر
فأشرلقَ نور البِشْر فِيهَا فأُلقِيتْ / مَدافعُها والعُسْر يَعْقُبه اليُسْر
وأقبل أَهْلُوها عَلَى السُّفْن شُرَّعاً / عديداً بِهِم من خوف سلطانهم وَقْر
فحَيَّوه إجلالاً وسَكَّن رَوْعَهم / بنطقٍ يفوق الدرَّ إنْ نُثِر الدر
فقامتْ عَلَى ساقٍ تودع فيصلاً / قبائلُ مرباطٍ وأدمُعُها نَثْر
وفي أَبْركِ الساعاتِ واليومُ رابعٌ / من الشهر وافَيْنا وَقَدْ قَرُب الظهر
ظَفاراً وَقَدْ غَنَّت بلابلُ حَلْيِها / وزَمجرتِ الأصوابُ وابتسم الثَّغْر
قرأتْ لنا الأعلامُ تخفِق والهنا / يرفرف والأطيار تهتف والنفر
فحل بِهَا سعدُ السُّعودِ فأقبلتْ / عروساً متى زُفَّت يجَلِّلها الفخر
ترى الأرضَ من رؤوس الرجالِ كَأَنَّها / أكاليلُ من ليل التمامِ لَهَا سِتر
وغلمانَ كالليلِ البهيم نَظنُّهم / جنوداً من الخُزّانِ عن مالكٍ مَرّوا
وأرضٌ من البارودِ تُشْعَل والظُّبا / بأيديهمُ بالدمِّ مخضوبةٌ حمر
ظفارٌ لأَنتِ اليومَ أَرْفَعُ منزلاً / وأعلى مقاماً أنتِ إِنْ طاولَتْ مِصر
بلاد إذا طال المقام بأرضها / مأعوامها من حسن أوقاتها قصر
فأرضٌ بِهَا حل المليكُ فإنها / لأَرْضٌ بِهَا الخيراتُ أَجْمَعُ والبِرُّ
تَحلَّتْ بكَ الدنيا لأنك عِقْدُها / وإنسانُ عينِ الدهرِ أنت فلا نُكْر
إذَا مَا دَجَتْ ظلماءُ للشر أَسْفرتْ / شموسُك للظلماءِ فاسْتَدْبَر الشر
تَحاسدتِ الأيامُ فيك فإن يكن / جَنابُك فِي قُطرٍ تَخسَّده قُطر
وإن كنت فِي أرضٍ تُخال عِراصُها / ذَنائبَ من كَفَّيك يجري بِهَا التِّبر
فطُفنا بأنحاءِ البلاد كَأَنَّنا / نجومُ سماءٍ والمَليك هو البدر
تحفُّ بنا خُضر الرِّياض وكلما / عَبَرنا إِلَى نهر يُعارِضنا نهر
إِلَى أن عبرْنا نهر أرزات واستوتْ / نَجائبُنا تَحْتَ العَجاج لَهَا زَفْر
حَططْنا رِحال الأُنسِ فَوْقَ رِحابِها / وبستانُها غَنَّت بأغصانه القُمْرُ
وهبَّ نسيمُ الروضِ من جانب الحِمى / فأسكَرنا من طيبِ أَرياحه الزَّهْرُ
كَأَنَّ علة بستانِ أرزاتَ أُنزِلتْ / رياضٌ من الفِرْدوس يَخْفِرها الخِضر
غَدوْنا وضوءُ الصبحِ مَدَّ ذِراعَه / وجِنحُ الدُّجى يُطوَى كما طُوِي السَّفْر
وأَظلالُها بالغربِ يمتد باعُها / تُعانِقها الكُثبانُ والطَّلْحُ والسِّدْرُ
نُدالِس أسرابَ الظِّباءِ وتحتفِي / مخافةَ أن يبدو لآذانِها الجَهْر
فلما فَشا ضوءُ الصباحِ وَقَدْ بَدتْ / نجومُ السما تَخْبو وألوانُها غُبر
تَبدَّى لنا سِرْبُ الظِّباءِ كَأَنَّه / سَرابٌ بظهرِ البَيْدا وَقَّدَه الحر
فتارتْ عليها الصُّمع تُمطر فَوْقَها / كَأَنَّ عَلَى الكثبانِ قَدْ نُثر البَذر
فما أبهجَ الساعاتِ إذ هبتِ الصَّبا / وفاح علينا البانُ والرَّنْد والعِطر
تَدانَعُ أقداحُ المَسرَّةِ بَيْنَنا / وَقَدْ هُزِج الفصلانِ حَرّ ولا صرُّ
ويوماً عَلَى ظهر الكثيب وَقَدْ بدتْ / قُبيلَ الضحى حُمران أرجاؤها خُضْر
ونهرٌ كماءِ المُزْنِ يجري حلالَها / إذَا مَا سَقَى شَطْراً يُعارِضه شطر
وفيها من الإعجاب مَا قَدْ رأيته / أُناسٌ بأعلى الشُّمِّ كالطيرِ قَدْ فَرُّوا
ونيامٌ كما نام العروسُ وتارةً / قِيام كما قام البُزاة أَوْ النَّسْر
فأَعْجِبْ بحُمران الأنيق ومائه / وأعجِبْ بأقوامٍ شُراماتُهم سمر
وثالث والعشرون لاح كَأَنَّه / بأُسطولِه البالوزُ معترِضاً جِسْر
يَفُدّ أديمَ البحرِ مُنصِلتاً كما / من الجو نَنقضُّ الأَجادِلُ والصَّقْر
فساح بأطرافِ البلاد وَفِي غدٍ / قُبيلَ غروب الشمس عَنَّ لَهُ السفر
فشَيَّعه السلطانُ والقوم خلفَهم / كثاني ليالي الرَّمْيِ حَلَّ بِهِ النَّفْر
فلما تَكاملْنا عَلَى السُّفْنِ واستوى / عَلَى بطنها السودانُ والبِيض والصُّفْرُ
سَمرْنا وجنحُ الليل مُرخٍ جِلالَه / وخمرتُنا بُنٌّ وناقوسُنا شِعر
فيا لَكَ من وقتٍ حكمتَ بجمعِنا / تمر كلمحِ الطَّرفِ أيامُك العشر
فسافر نور البحر لما تَنفَّستْ / بَليلُ الصَّبا وارتاح من بردِها السَّحْر
فمر بمرباطٍ يودِّع أهلَها / كما ودع الأهْلِين أبناهُمُ الصِّغر
وبالجمعة الزَّهْراء أرستْ سَفينُنا / بسدحٍ فنِعْمَ الدارُ خيراتُها كُثْر
فشَرَّفها السلطانُ بالوَطْءِ فانثنتْ / تتيه بع فخراً وأرامُها العُفر
فسِرْنا ونور البحر يكتب فِي الهوا / بدُخّانه خطا كما يُكتب السَّطْرُ
إِلَى أن حَذَوْنا بالأشاخر إذ بدا / عموداً بناه الريح أَوْ شاده العَفر
بحادي هواع هَبَّت الريحُ ضَحْوَةً / وهاج عُباب الماءِ إِذ زَمْجَرَ البحر
كَأَنَّ عباب البحر رَضْوَى إذَا بدتْ / عَلَى صدره الأمواجُ وارتفع الصدر
كَأَنَّ السما سقفٌ عَلَى البحر نازلٌ / أَو البحر شالتْه السموات والزُّهر
كَأَنَّ زَفير البحر زَجْراتُ مالكٍ / إذَا سَمَّر النيرانَ أَوْ سِيقتِ الكُفْر
كَأَنَّ عَلَى بطن السفينة مُنكَراً / يناقش طاغوتاً متى ضَمَّه القبر
كَأَنَّ جبل الطُّور دُكّت وزُلزلت / إذَا اقترع الأفياف واصطدم الصفر
كَأَنَّ سُوَيعاتٍ من الليل أقبلتْ / بثاني هواعٍ دونها الحَشْر والنَّشْر
ترى القومَ صَرْعَى يَنْزِعون كَأَنَّهم / قَرابينُ يومِ العَشْر أَرداهُم النَّحْر
ومنهم قيامٌ ينظرون كَأَنَّهم / يُنادَون بالوَيْلات ألوانُهم صُفْر
ومنهم قعودٌ رافعون أكفَّهم / يَضِجّون بالتهليل رُحْماك يَا بَر
فيومٌ ولا يومُ الأَشاخِر إنها / يهون لذِكراها القيامة والحَشرُ
فأَسْفَر ضوءُ الفجرِ والبحرُ مُزْبِدٌ / وَقَدْ غاب عنا الجاه والنَّعسُ والغفر
فجُسْنا خلالَ البحرِ نَنتشِق الصَّبا / فبعد ارتفاعِ الشمس بان لنا البَر
نَشَقنا نسيمَ الروح لما تَبينتْ / لمنظرِنا صورٌ ولاح لنا البِشر
طَفِقنا تُجارى البر كَيما تَلمًّنا / عن البحرِ أكنافٌ يهون بِهَا الأمر
إِلَى أن دخلنا الخَورَ خور جرامة / فقَرَّت بع العينان وارتفع الضُّرُّ
فبُورِكْتَ من حورٍ وبورك ساعةٌ / دخلْناك فِيهَا واستُرِد بِهَا العمر
بأيِّ سبيلٍ أم بأبةِ حالةٍ / تَجَوَّزْتَ فِي نكثِ العُهودِ أيا بحر
أتُظهِر ليناً ثُمَّ تُخفى مداوةً / فما العذرُ يَا مُخفِي العداوةِ مَا العذر
خفضتَ جناحَ الذلِّ لِيناً وهيبةً / وأنت عَلَى العدوان باطنْك الغدر
دَعتْك أيا ساجِي الجفونِ عداوةٌ / أن ارتحت مختالاً متى عَمَّك الفخر
ألا شُلَّتا كفاك يَا بحر أن تكن / دعتْك حَزاراتُ الفؤادِ أَو الأسر
ألستَ ترى الأَملاك فَوْقَك إنهم / ملوك بني سلطانَ والسادةُ الغُر
أبو نادرٍ فخرُ الوجودِ وتاجُه / وغرَّة وجهِ الدهر أبناؤه الطُّهْر
وفي سابعٍ عُدْنا لمسقطَ بالهَنا / فللهِ من يومٍ يحقُّ بِهِ الشكر
فأُنشِرت الأعلامُ بِشْراً وأُطلِقت / مدافعُها والعُسرُ يَعقبُه اليُسْر
فلم أر قبلَ اليوم يوماً تبسَّمتْ / وَلَمْ أر بعدَ الموت يُسترجَع العمر
فتِيهي فَخاراً يَا عمانُ ومسقط / فمثلُ نوالِ اليوم لَمْ يسمحِ الدهر
فهذا أميرُ المؤمنينَ ورَهْطُه / وتيمورُ عزُّ الدين والسيدُ الحَبْر
سموتِ بأعلى الخَلْق مجداً وسؤدداً / فأنت عروسُ الكونِ والغادةُ البِكرُ
لِتَهْنِكِ يَا دارَ السعادةِ عودةٌ / يعود بِهَا صدرُ المَمالك والظَّهرُ
ويرتدُّ عودُ المجدِ بالمجد مُورِقاً / وتُستطَر الأنوا ويَعْذَوْذِبُ البُسْر
بنفسي ومالي الخليقةِ كلِّها / نُفدِّي مَليكاً باسمة يُطرَد الفقر
لساني وقلبي كَلَّتا ثُمَّ ساعدي / لذي مدحِه ثُمَّ اليَراعة والحِبر
فمن أَيْنَ تُستقصَى مقاماتُ مجدِه / ودون انتِها عَلياه يُسْتَبهَمُ الخُبرُ
مزاياه جَلَّتْ أنْ تُعدَّ وإنما / يُقصَّر عن إحصائها النَّظْمُ والنثر
أمولاي إن العيد جاء مهنِّئاً / يهز قوامَ البِشْرِ يحدو بِهِ الفخر
أتاك وثغرُ الأنسِ يَبْسِم بالهَنا / ودُرّ الشفا بالحمدِ يَنْثُره الثَّغر
فشَرَّفْه بالقُربانِ منك فإنما / لتشريفه جَزْرُ القرابينِ والنَّحر
تعود بِهِ الأيامُ مَا ذَرَّ شارِقٌ / وَمَا صَدحتْ ورقاءُ قَدْ شاقَها الوَكْر
فلا زلتَ فِي دستِ الممالك راتعاً / تُعانقك العَليا ويخدمك النصر
منه غَنيتُ وكيف لَمْ يُغْنِ البَشَرْ
منه غَنيتُ وكيف لَمْ يُغْنِ البَشَرْ / ملكٌ حَوَى كلَّ المَفاخرِ والخَطَرْ
عَبَّت لنا من راحَتَيْه أَبْحُرٌ / كادت رِحابُ الأرضِ منها تَنْفطِر
قُل للسحابِ الجَوْنِ مَا هَذَا الحَيا / هَلاّ رأَتْ عيناك ذا صَوْب المطر
إن شئتِ يَا سُحْبَ السما فاسْتَمْطِري / من بحرِه الزَّخّارِ دُرّاً مُنتثِر
رِزقُ الوَرى من راحتيه نافذٌ / والموتُ يَسْطو للنفوسِ إذَا سَر
إن كنتَ يَا ذا جاهلاً مل قلتُه / قِفْ وَهْلَةً عندي تَجِدْ كُنْهَ الخَبر
ذا فيصلٌ كم فُصِّلت من حردِه / أعناقُ مالٍ مَا لَهَا عنه مَفَرّْ
أَحْيَى النَّدى منذ انْتَشا لا غَرْوَ إِنْ / أَفْنَى العِدى رَبُّ المَلا مولىً أَغَرّ
شمسُ الهُدى مُرْوِي الصَّدَى نابُ الرَّدى / بدرُ الدُّجَى مِنْ نورِه قَدْ اكْفَهَرّْ
قُطْب العُلى مِقباسُ نارٍ للوَغَى / مُنْشِي رُقاتِ الفقرِ من سُحْبِ البِدَر
إن قلت يَا صَرْفُ القَضا من عَزْمه / لا ضيرَ ذا نفسُ القضاءِ والقَدَر
قَدْ حارَتِ الأَفطارُ مهما شاهدتْ / آياتِه الكبرى عُجاباً تُسْتطر
تكبو لَهُ الفرسانُ لا بالثَّرى / فِي حَلْبَةِ المَيْدانِ يَعْرُوها الغِيَر
تَهوَى ملوكُ الأرضِ نحوِي بعضَ مَا / أبدتْ بِهِ أعداهُ من حسن السِّيَر
ما أَحْنَفٌ فِي الحِلْم بل مَا حاتمٌ / فِي الجودِ بل مَا حَيْدَر يوم الذُّعُر
إن قام للأَقْيالِ شادٍ بالثّنا / أَضحتْ لَهُ الآياتُ تُتلى كالسُّوَر
من أَيْنَ نورُ الطُّورِ قلْ لي مُخبِراً / هل آيةٌ قَدْ شُقَّ منها ذا القَمَر
لا تَعْجبوا إن أَبْهَرتكم طَلْعَةٌ / فالحسنُ ذا لَمْ يَحْوِه وجهُ البشر
هَذَا مَليكُ الحُسْنِ هَذَا يوسفٌ / لو حُورُ عَدْنٍ راودتْه مَا غَدَرْ
لو أبصرتْه نِسوةُ المكرِ الَّتِي / قَدْ أُفْتِنتْ لَمْ يَكْفِها قَلْعُ البصر
خَرَّتْ لَهُ الأقمارُ طَوْعاً سُجَّداً / لما رأتْ وجهاً لَهَا منه سَفَر
لو قابلتْ شمسُ الضحى وجهاً لَهُ / رُدَّ السَّنا منها كَليلاً مُكْفَهِر
ما أَجْهَلَ المُدَّاحَ فِي وصفِ الَّذِي / لولاه مَا كَانَ المديح المُسْتَطِر
باللهِ أَوْعوا سَمْعَكم مَا شُنِّفت / أُذنايَ من مدحِ المليك المُبْتهِرْ
ما قولُكم مَا شعركم فِي مدح من / ظلّت لَهُ شُهْبُ السما حَذْوَ الأَثر
هذِي عصا موسى الكَليم استلْقَفتْ / مَا زَخرفتْه كفُّ غاوٍ قَدْ سَحَرْ
بل هَذِهِ شهبُ السما قَدْ أُعدِدتْ / فِيهَا رُجوم تقذف الشِّعرَ الهَذَر
قل مَا تَشا فِي مدحه يَا ذا تجِدْ / مثل الَّذِي أهدى إِلَى البحر الدُّرر
إن قالت العُذّال قَدْ أَطنبتَ فِي / مدحِ المُفَدَّى فيصلِ فاخفِض وذَر
قلتُ اقصُصوا رؤياكمُ فِي وصفهِ / تكفيكم الذكرى فهل من مُدَّكِر
أم فيكمٌ وَقْرٌ عَلَى آذانكم / أم أنتمُ عميٌ فما من مُعتبِر
هَذَا مليكُ الأرضِ سلطانُ المَلا / ذا فيصلُ الأحكامِ كلا لا وَزر
لو رامتِ الأفلاكُ يوماً ضَرَّه / أَضحتْ ببطن الأرض يكسوها العَفَر
كم من خُطوبٍ حَيَّرت ألبابَنا / طارت شَعاعاً مذ رماها بالشّرر
ملكٌ يُجبر الخَلْقَ من هولِ الرَّدى / حَتَّى الدَّرارِي لو أرادتْ والقمر
هَلاّ أتاك اللهُ تصريفَ القضا / أم جئتَ بالأنباءِ فِيهَا مُزْدَجَر
فالدهرُ لا يَعْروه نقصٌ لا ولا / يَغْشاه مَا أُبقِيتَ ضَيمٌ أَوْ ضَرر
باللهِ يَا فرسانَ عصري هل لَهُ / مثلٌ بهذا الدهرِ أَوْ مَا قَدْ غَبَر
فاسحبْ ذيولَ التِّيه يَا دهري فقد / أَصبحتَ فِي كفّي مليكٍ مقتدِرْ
مولاي لا تخشى أَراجِيفاً أتتْ / فالدهرُ فِي كفيك يسطو بالعِبَر
فاضربْ بسيفِ الدهر هاماتِ العِدى / قَدْ مَدَّك المولى بعزٍّ فانتصرْ
بُشْراك هَذَا الدهرُ أَوْفَى بالمُنَى / والسعدُ لاحتْ شمسُه تَعْشُو النظر
هذِي الأماني أشرقتْ أنوارُها / جاءتْ إِلَى عَلياك يُزْجِيها الظّفَر
إن رامتِ الأيامُ ولّى أَصبحتْ / بالعز تسمو بِي أياديه الغُرَر
وَيْلاه من حَوْرِ الليالِي قَدْ عَدَتْ / فاصدعْ بعدلٍ منك يمحو ذا الكَدر
أنت الرَّجا مَا من شفيعٍ يُرْتَجى / مَن ذا شفيعٌ للكريمِ إِذَا غفر
لا زلتَ بالتأييد مَكْلُوّاً عَلَى / رغمِ الأعادي مَا شَدا طيرُ السَّحَر
فانعمْ بعزٍّ دائمٍ طولَ المَدى / مَا عاشَتِ الحُسّادُ تَصْليها سَقَر
دُم بالهنا فِي العِزَّةِ القَعْساءِ مَا / قَدْ غَرَّدتْ وَرْفاً عَلَى غُصن الشَّجر
أَتتْكَ ودمعُ العينِ بالدمِ يَقْطُر
أَتتْكَ ودمعُ العينِ بالدمِ يَقْطُر / وجمرةُ نارِ الوجد بالقلب تُسَعَّرُ
تَهزّع فِي زَهْوِ الشبابِ تَخيُّلاً / وتَمْرح فِي ثوب الفَخارِ وتَخْطِر
وتَعْثر فِي ذيل الدَّلالِ وتنثني / وَلَمْ تدرِ فِي أَيِّ المَهاوِي ستعثرُ
ومن كَانَ مَسْراه بدَهْماء دامسٍ / يُرَدُّ عَلَى العُقْبى ولا هو يَشْعر
تَبصَّر فما ظلتْ مساعِي ذوي الهدى / ومقدام أهلِ العزم فِيهَا التَّبصُّر
أخا العزمِ قَدِّم إن سموتَ إِلَى العُلا / من الرأيِ حَزْماً لَمْ يَغُلَّه التأخُّر
وفَكِّر زماناً فِي النتيجة إنه / مَا ضل فِيهَا ساعياً يتفكَّرُ
أخا العزمِ قَدِّر للسوابقِ إنها / عَلَيْها حَواتيمُ الأمورِ تُقدّر
أخا العزم إن تنهضْ إِلَى الحق إنني / إِلَى الحق نَهّاضٌ وللحق أَنصُر
وإني لعَشّاق لما قَدْ تَرومُه / ولكنني أخشى أموراً وأحدَر
وما أنا ذو جزمٍ عَلَى الدِّينِ مُشْفِق / إِذَا لَمْ أُقدِّر للأمور وأنظر
أُدبِّر أمراً فِيهِ إصلاحُ أمةٍ / تكون بِهِ هَلكي فماذا أُدبِّر
فأيُّ ظهورٍ للديانة يُرْتَجَى / وطلاّلُ دينِ اللهِ فِي الأرض أَظْهَر
أمَا فِي ظروفِ الدهر للمرءِ عِبرةٌ / وأيُّ اعتبارٍ للفتى حين يُبصر
تمر علينا بالليالي عجائبٌ / وهذِي الليالي بالعجائبِ أَجدَر
زَواجِرَ عن شقِّ العصا بَيْنَ أمةٍ / وذو العقلِ بالأيام لا شك يُزْجَر
أيحفِر ذو العقل السَّديد بظِلْفِهِ / شِفارُ المنايا تَحْتَ مَا هو يَحفر
ويَنبِذ دينَ الله بَيْنَ أُساودٍ / تُمَزِّقُ أَشْلاهُ جِهاراً وتَنشُر
فلِلَّهِ من أمرٍ يُحاميه دونَنا / بَصيرٌ عَلَى دفعِ الرَّزايا مُشَمِّر
عَليمٌ بأَدْواءِ القلوبِ مُجرِّب / لَهُ خاطر من سنا الصبح أنور
خبيرٌ بعِلاّتِ الأعادِي وكيدِهم / فإن دبروا أمراً فبالردِّ أَجْدَرُ
غَيورٌ تحوم الأُسْد حول حِمائه / ومهما رَعاياه سامَ فأَغْيَر
يقسِّم ساعاتِ الحياةِ تفكُّراً / ليَصْدَعَ كيد الملحدين ويَقْصُر
يَكيدونه خَدْعاً ومكراً وإنه / لأَدْهَى دَواهِي الكائناتِ وأمكَر
عَلَى مُعضلاتِ الدهرِ حِرْصاً عَلَى العُلَى / يُكابِد دَهْياء الخطوبِ ويَصْبر
فمن كَانَ فِي أمر الرعيةِ شأنُه / حَفيظاً عَلَيْهِم كَيْفَ يُجْفَى ويُغْدَر
حريص عَلَيْهِم أنْ يُكادُوا بخَدْعَةٍ / عطوفٌ رؤوفٌ فِي الخُطوبِ غَضَنْفَر
حليم غَضيض الطرفِ عنهم إِذَا جَنَوا / وأعظمُ قَهْراً فِي القَصاص وأَقْدَر
فأموالُه سُحْبٌ عَلَيْهِم مَواطِر / من الفضَّةِ البيضاءِ والتِّبْرِ تُمطر
إِذَا قَلَّ وَفْرُ المالِ دونَ وُقورِه / تَكلَّفه ديناً لكيما يوفِّروا
حَنانَيْكَ من دهرٍ تَروم عِنادَه / تَذكّرْ عظيمَ الفضلِ إن كنت تَذْكُرُ
فمن أكبرِ الأشيا خِصامُكَ فيصلاً / وكُفْرانُك النَّعماءَ لا شكَّ أكبر
عزيزٌ عَلَى الأيامِ فيصلُ أن يُرى / مثيلٌ لَهُ والمِثلُ عن ذَاكَ يَقْصُر
غريبٌ يُراه اللهُ للخلقِ رحمةً / فمن قابل الرَّحْموتَ بالسُّخط يَخسر
فيا أمةً قامتْ إِلَى الحق فاقعُدي / فإن اقتحامَ الصخرِ للعظم يَكْسِرُ
ومهما تُهاجُ الأُسْد فِي الغِيل تَفْترِس / وإن شُمَّتِ الأنفاسُ فِي الأُجْمِ تَزْأَر
فإياكِ أن تَلْقَيْ أُميمةُ دينَنا / وأرواحَنا وسطَ الحَبائلِ تُقهَر
ويا أمةً تسعَى لتُحيي رسومَها / فإحياؤكِ الساعاتِ بالعلم أَعْذَر
فرِفقاً أُباةَ الضَّيمِ رفقاً بأمةٍ / عَلَى مَنْهَجِ التوحيد تَنْهَى وتأمُر
تُقِر بتوحيد الإله وإنما / محمدٌ خيرُ الرُّسْلِ ديناً وأَفْخَر
وإن الَّذِي أَنْبأ بِهِ الخلقَ كلَّه / من اللهِ تنزيلٌ وحكمٌ مقدَّرُ
فدَعْها أخا الهيجاءِ واحفظْ حياتَها / ولا تكُ هَدْفاً للدَّمار فتُدْمَر
فلو أن قتلاً للسعادةِ ينتهي / ولا دونَه فَوْقَ الممات مكدِّر
شَنَنّاً لَهُ الغارات والليلُ دامسٌ / وخُضْنا حياضَ الموتِ والصبحُ مُسفِر
ويِعْنا إِلَى المولى حياةً ثمينة / لِنَبتاعَ جناتٍ وفيها نُعمَّر
ولكنّما دونَ الممات مَذَلّةٌ / نُورِّثها الأبناءَ والموتُ أَيْسَر
أنعرِض للإلحادِ ديناً ونبتغِي / شعائرَ دينِ الله تُحْيَى وتُنشر
أمورٌ يَحارُ الفكرُ فِيهَا وإنها / نَتائجُ دهرٍ للبَرايا تُحيِّر
فيا مُنشِداً هَوِّنْ عَلَيْكَ فإنها / نُفَيثات صدرٍ من لساني تَخطَّرُ
فخذْها هِجاناً لا ترى للسَّبَّ قيمة / فإن غراسَ السبِّ بالقلبِ يُثمِر
فما هي إِلاَّ طعنةٌ من مثقفٍ / بقَلبِ ذوي الإتقانِ بالدمِّ تنفِر
فلا يحسِب القراءُ رَوْعي تفجَّرت / يَنابيعُه والثغرُ منهم مُفْغَرُ
فلستُ أخا قلبٍ يُروَّع بالظُّبا / ولا من لَظى الهَيْجا إِذَا الحربُ تُسْعَر
ولكن ظروفُ الدهرِ تُعرِب للفتى / بما بَيْنَ جنبيها جَهاراً وتُنْذِر
وإني عَلَى مَا قلتُ إن كنتُ مخطئاً / أتوب لربِّ العرشِ والله يَغْفِر
وأُملي ظروفَ الكونِ بَدْءاً ومُنتهىً / عَلَى سببِ التَّكوينِ مَا الكون يَعمر
صلاةً وتسليماً يَعُمان أهلَه / وأصحابَه راح العَشيرُ وهَجَّروا
صبحُ الجبينِ بليل طُرّتِه سَفَرْ
صبحُ الجبينِ بليل طُرّتِه سَفَرْ / أم فِي الدُّجُنَّةِ مَوْهِناً بَزَغ القمَرْ
أم شمسُ خِدْرٍ بارزتْ شمسَ الضحى / فتشابَها لولا التَّغَنُّجُ والخَفَر
برزتْ فكلّمت القلوب بصارمٍ / أبداً يُسَلُّ من اللواحظِ والحَور
وبدتْ فأَسبلتِ الشّقيقَ فما رأتْ / عيناي بدراً قَدْ تجلّل بالشّعر
وبوردِ وَجْنَتها لقد صَبغ الحَيا / سودَ الذّوائبِ إِذ تألّق وانتشر
من قوس حاجِبِها رَمتْ فأصابني / سهمٌ تُصاب بِهِ القلوبُ إذَا وُتِر
طلعتْ محجَّبةَ الجمالِ فلو بدتْ / للناظرين بحُسْنِها بَرِق البصر
وتلفتتْ فرأيتُ خِشْفاً راعَه / قَدْحُ الزِّنادِ فصَدَّ عنه وَقَدْ نفَر
أَوْ بانةً لعب النسيمُ بغُصنها / فتأوَّدت والريحُ تَعْبَث بالشجر
فطفقت أَرتَعُ فِي مَحاسنٍ وجهِها / فرأيتُ حُسناً لا يُكيَّف بالنظر
فبوجهِها روضٌ تَفتَّح زهرُه / عُجْباً لشمسٍ قَدْ تُفتَّح بالزَّهَرا
والأُقحوانُ عَلَى الغديرِ تألَّقتْ / أنوارُه والكأسُ رُصِّع بالدرر
فطمعت قَطْفاً من حَنيِّ ثمارِها / فإذا بلالٌ صاح فالحَذَر الحَذَرْ
فوقفت دون وصالِها مُتدلِّهاً / حيرانَ أَرتكب الرجوعَ أَوِ الخَطر
قالتْ وَقَدْ لعب الدَّلالُ بقَدِّها / مَا لي أراك تَهيمُ فِي وادي الفِكَرْ
تعجبتُ من ضمٍ بهيكلٍ شادنٍ / نَظَم الكلامَ وأَيَّ ذر قَدْ نَثَر
فشددتُ عزمي للدنوِّ وقالت يَا / ملكَ الجمالِ أأنت أنت من البشر
فاستضحكتْ عُجْباً وقالت مَا ترى / شعري بصِبْغِ الأرجوانِ قَدْ انتشر
صبغتْه شُقْرة عارِضيَّ من الحيا / لما رأيتك عارِضاً تَقْفُو الأثر
إن أنت لَمْ تخشَ الرقيبَ وَلَمْ يكن / بيني وبينكَ من يُشيِّع بالخبر
فانظرْ إذَا ذهب النهارُ وأَدبرتْ / شُهبُ الكواكبِ والظلامُ قَدْ اعتْكَر
فالليلُ أَكْتمُ مَا يكونُ عَلَى الفتى / والسرُّ أقبحُ مَا يكون إذَا اشتهر
قامتْ تودِّعني وقلت بلهفةٍ / لله مَا أَدْهَى الفراقَ وَمَا أَمَرّ
شَيعتُها نظراً وقلت لَهَا قِفي / كيما أزوِّدَك الفؤادَ عَلَى السفر
قالت وَقَدْ جرتِ الدموعُ بخدها / رِفْقاً بسائلِ مَدْمَعي لا تَنْتَهِر
أمستْ تُطارِحني الكلامَ أَظنُّها / رجلاً تَدَرَّع بالملابسِ واعْتَجَر
فأدرتُ طَرْفي فِي محاسنِ وجهها / فإذا بِهَا أنثى تَشبَّهُ بالذَّكر
أَأُليسُ مهلاً زَوِّديني نظرةً / إن الفؤاد عَلَى هواكِ قَدْ انْفَطَر
فسمعتُ صوتاً مازجتْه حسرةٌ / لله مَا حَكَم الإلهُ وَمَا أَمَر
إن الزمانَ أخو التفرقِ والقِلى / أبداً عَلَى حُكم الفراق قَدْ استمر
إن شئت صَرْمي يَا أليسُ فَمَفْزَعي / بوليِّ عهدِ المَلْك تيمور استقر
ملك نفيُّ الجانبينِ متوَّجٌ / بمَحاسنِ الأخلاقِ طُراً والخَطر
جُمعت إِلَيْهِ من الإلهِ مكارمٌ / فِيهَا تعمَّم والصِّبا وبها اتَّزَرْ
عَبِقتْ مكارمُه فعَطَّرت الصَّبا / فسَرتْ عَلَى أهل البداوة والحَضر
خُلقٌ أرقُّ من النسيمِ لطافةً / فاعجبْ بخُلق سال من قلبِ الحجر
يُمضي الأمور بفكرتين كلاهما / وَفّاتين إذَا نهى وإذا أَمَرْ
حكمٌ عَلَى وَمْقِ الفضيةِ شَرعُه / فكأنه يَمضي عَلَى حكم القَدر
لا يُستفَزُّ من العَظائم إِن دَهَتَ / إن العظيمَ مع العظيم لمُحتقَر
طَلْقُ المُحَيّا إن بدا متهللاً / كالزَّهْر باكرَه النديُّ من المطر
جاءتْ بِهِ الدنيا لرجمةِ أهلها / وغياثِهم من كل بأسٍ أَوْ ضرر
ما جاء مُنتصِراً بِهِ ذو فاقةٍ / من دهرهِ أَوْ حاجةٍ إِلاَّ انتصر
كرمٌ تَسلسل من كرام قُلِّدوا / بالمجدِ دهراً والرجالُ من البَذَر
تَهْنا الخلافةُ ولْتَشُدَّ بِهِ يداً / ملكٌ بِهِ الدهرُ السعيدُ قَدْ انتحر
أمن الظُّعْنِ حين هَمَّ نُفوراً
أمن الظُّعْنِ حين هَمَّ نُفوراً / كتب الدمعُ فِي الخدود سطورا
هاج بالقلبِ واستطار فلما / زُمَّت العِيسُ كَانَ يوماً خَطيرا
خَلتِ الهوسُ بوتُ من كل ريمٍ / كاعباتٍ يُخجلن بدراً مُنيرا
يَسْتلبن العقولَ من غَمْز لحظٍ / صار منه الشجاعُ قَهْراً أسيرا
كلُّ أرضٍ بالقلب سوف تُنَسَّى / غيرَ قلبٍ إذَا رأى كشميرا
قيدتْ فكرتي فصرتُ لديها / دونَ قومي متيَّماً مأمورا
هل تُرَى يَا عزيزةَ النفسِ يأتي / نا زمانٌ ننال فِيهِ سرورا
إِن عندي لمُقبِل الدهرِ خيراً / إن يكن قلبُك العجولُ صَبورا
قَدْ سقتْني عيناك كأسَ غرامٍ / صَبَّرتْني مُعربِداً سِكِّيرا
رِشتِ قلبي بسهمِ عينيك لما / كنتُ ضيفاً بدارِكم مَحبورا
أتُحسين مَا أحسّ بقلبي / أشعلَ الشوقُ فِي حَشاي سَعيرا
فدَع العاذلين تَهلِك غيظاً / لَمْ أجد فِي الحَشا سواك سَميرا
نلتُ من دهريَ امتيازَ رِضاك / دون خلقٍ وَلَمْ أكن مغرورا
ليت أني أُطلق الأعنة ممن / عَذلوني عَلَى هواك غرورا
فثِقي بالعهود فِي الحب مني / إنني لَمْ أزل وفياً قديرا
لستُ أَنساكِ والبواخرُ تجري / حين أزمعتِ للرحيل مَسيرا
ذَاكَ يوماً يكاد ينطِق جَهْراً / إن يومَ الفراق كَانَ عسيرا
فعسى الدهرُ أن يَمُنَّ بجَمْع / يملأ الكونَ بهجة وسرورا
تضحك الأرضُ منه شوقاً وتبكي / مطراً أَعيُنُ السماءِ سرورا
وتهبُّ الرياح بِشْراً ويُضحى / كلُّ روضٍ من السرورِ مَطيرا
ويعود الزمانُ غُصْناً رَطيباً / ننشَق الوصلَ من شَذاه عَبيرا
ليت شعري متى يعود التَّداني / نَقْطف الأُنسَ منه غَضّاً نَضيرا
نَجْتَني البِشْر من وجوه الأماني / ونسوغ الوصالَ عذباً نَميرا
يا رعَى اللهُ ذَاكَ يومَ التَّهاني / إذ غدَا الطَّرفُ بالوصال قَريرا
طاب ذاك اللقا وطبنا نفوسنا / جعل الله ذا الفراق قصيرا
ذَاكَ يومٌ سينطق الدهرُ فِيهِ / بُدِّلوا اليومَ جَنَّةً وحريرا
للهِ أيُّ مَسرةٍ جُمعتْ لنا
للهِ أيُّ مَسرةٍ جُمعتْ لنا / بالرَّفْمتين بِهَا الكؤُوسُ تُدارُ
من كَفِّ أَغْيدَ بالشمائلِ قَدْ غدا / مُنعطِّفاً فِي كفه أوتار
في فتيةٍ حَسد الصباحُ وجوهَهم / فكأنهم وسْطَ الدُّجَى أقمار
تُجلَى عروسُ الكونِ فيما بَيْنَنا / فالوقتُ كأسٌ والحديث عُقار
لَطُفتْ شمائلُهم كما لطف الهوى / فلهم عَلَى وجه الصَّبا آثار
مثلَ الأهلةِ حولَ بدرِ تمامِها / حَفَّت عَلَيْهِ كَأَنَّها أَسْتار
راقتْ مجالسُنا ورقَّ هواؤُنا / بأبي سعيدٍ زانه إِسْفار
نختال زَهْواً فِي الصبابةِ مثلَما / يختال من نَشْوِ الهوى سَكّار
يا ليلةَ السَّرّاءِ دُومي واسْفِري / فَلأنتِ فِي فَلك الهنا أقمار
طاب الزمانُ بأُنسنا وتَعطَّرت / بمليكنا الأَكوانُ والأَقطار
يَا ليلةً رقص الزمانُ بزَهوِها / وبأُنسها قَدْ غَنَّتِ الأَطيارُ
بِتْنا بِهَا والأُنسُ يعتنق الهوى / وبكفها تنتاشُنا الأَسحارُ
حَتَّى إذَا هجم الصبَاحُ برمحه / والليل ظلَّ كَأَنَّهُ أَطْمَار
والنجمُ يَرْمُق من وراءِ غمامةٍ / والصبحُ كَرَّ وللظلامِ فرار
والطيرُ يهتف بالهَديلِ تَرنُّماً / فكأنما نَغمَاتُها مِزْمارُ
والروضُ أَزْهَرَ والغصونُ تفتَّحت / أكمامُها بنفسجٍ وعَرار
والطيرُ ينثر بالأزاهرِ لؤلؤاً / والوردُ فِي كف النسيم يُدار
طَفح السرورُ وهبَّ بردُ نسيمِه / والصبحُ أَسْفَر مَا عَلَيْهِ غُبار
وغدا الدُّجى بيد الصباحِ مُمزَّقاً / لما بدا وتفرق السُّمَّار
فَلْتَنْعمِ الأيامُ مثلَ نعيمِنا / بأبي سعيدٍ والدُّنا والدارُ
ملكٌ بِهِ طاب الزمانُ وأهله / وتَبسَّمت بسروره الأَعْصار
لبست بِهِ الأيامُ ثوبَ غَضارةٍ / وَتضمّخت بعَبيره الأقطار
مَا مدَّ كفاً للجَدايةِ وافِدٌ / إلا وصاح بوَبْلِه الدينار
لا زال فِي أفق الخلافة نَيِّراً / قمراً تُضيء بنوره الأقمار
فَلْتفخر الأكوانُ مَا فخَرتْ بِهِ / وَلْتَهْنَ طوعَ يمينِها الأَقدار
بِتُّ والقلبُ للهموم مُخامِرْ
بِتُّ والقلبُ للهموم مُخامِرْ / ساهرَ الطَّرفِ للنجوم مُسامِرْ
كلما أَمَّ طارقٌ حارَ فكرِي / يَا لَفكرٍ بطارقٍ ظلّ حائر
ومتى شِمتُ بالمَهامِه رَكْباً / صرتُ أهوى أنني أفنى فِي الركب صائر
همتي أقطع السَّباسِبَ دهراً / عند ركبٍ بظهر خُفٍّ وحافر
أركب الصَّعْبَ والذّلولَ وأمشى / لا أُبالي بأيِّ نفسٍ أُخاطر
صحبتي للعلى ظهورُ المَطايا / فِي ليالٍ أَبيت فِيهِنّ ساهر
خاليَ الهمِّ لا أرى غير مُهْرٍ / أَوْ شجاع عَلَى المهمات صابر
بَيْنَ ركب ورفقةٍ تَتعاطَى / كأسَ صفوٍ لا كؤوسَ المُخامر
نأكل الدَّسْمَ والغَريضَ ونسقي / أَكرمَ القوم مَحْض دَرِّ وخاثر
نُطعَم الوحشَ أهنأَ العيشِ طمعاً / وسط قَفْرٍ وذابلاتِ الحوافر
هكذا أطلب الليالي بحرصٍ / مَا تَغنّى بدوحةِ المجد طائر
رفقتي والعُلى وحافرُ مُهْرِي / واجتنابُ الفَلا وضمُّ العساكر
هنّ أحلى من التّرفُّه عندي / أيُّ يوم أكنْ بهاتيك ظافر
فَوْقَ دُهم مُطهَّمات كرام / تَعلك اللُّجْمَ عادياتٍ نَوافر
صامداً أجتلِي وجوه الأماني / بسَنا النّصل والسيوف البَواتر
ذَاكَ مَا كنت أرقب الدهرَ فِيهِ / إِنْ يكُ الدهرُ للمحبِّ مُؤازرْ
إنّ يومَ النفيرِ فَرَّج همي / فرج الله همَّ كل مسافر
قِف بالشوارع وانظرْ هل لَهُم أَثَرُ
قِف بالشوارع وانظرْ هل لَهُم أَثَرُ / إني وحقِّ الهوى قَدْ عاقَني النظرُ
آنَ الرحيلُ فما لي عنهمُ بَدَلٌ / كلا ولا عنهمُ يَا صاحِ مُصْطَبَر
رُحماكمُ جِيرتي إني قتيل هوىً / إِذ لَمْ يَطِب بعدَهم عيشٌ ولا سمر
أَبيتَ يومَ النوى أرعى النجومَ أسىً / هيهاتَ لَمْ يُسْلِني نجمٌ ولا قمر
يا سائقاً بالنَّوى مَهْلاً أودِّعُهم / إن كَانَ فِي جمعهم لَمْ يُسْعفِ القدر
لله من ليلةٍ قَدْ طاب مَضْجَعُنا / والأُنسُ يجمعنا والعودُ والوتَر
وشملُنا والهوى يَا صاحِ مجتمعٌ / وبيننا دُررُ الآدابِ تَنْتَثِرُ
لا رَبَّح اللهُ يوماً للفراق دَعا / ولا عَرَا جمعَنا التَّشتيتُ والغِيَرُ
فارجعْ فَدتْك ليالي الأنسِ يَا زمني / من حَيْثُ لا يَعْتري همٌّ ولا كَدر
يا للحِمى وسقيطُ الدمع منتثِر / يومَ الوداعِ سَقاك الطَّلُّ والمطر
إني دعوتُ ودعوى الصَّب من لهفٍ / بأن تعود لنا أيامُنا الغُرر
إن كَانَ قَدْ أزفت أيامُ فرقتِنا / فالويلُ للصبِّ إِن أَفضَى بِهِ السفر
إني وحقِّ الهَوى يَا حيرتِي قَلِق / لَمْ أصطبرْ مَا عن سواد العين مُصطبَر
سفكتُ من أدمعي ماءَ الحياة بكم / إِذ أَوقِدتْ بالحَشا من حبكم سَفَرُ
ودَّعتُكم نظراتٍ مَا شفيتُ بِهَا / لَمْ يَشْفِ ذا الغلَّةِ التوديع والنظر
قَدْ كنتُ فِي مرتعٍ والخِلُّ مُحْتضِر / يعيش كالبانِ تِيهاً زانه الخَفَر
يا ليته كَانَ رِدْفاً فَوْقَ راحلتي / تسير بي وبِهِ الآصالُ والبُكَر
أَُقبِّل الثغرَ منه ثُمَّ ألثِمُه / وأقطف الورد ثُمَّ الغصنُ أَهتصِرُ
وقلْ عسى الدهرُ يُدنِي بالحبيبِ عَسى / فيَذهب من فؤادي الهمُّ والكدر
سَناك أَبهجني فِي الشرقِ يَا قمرُ
سَناك أَبهجني فِي الشرقِ يَا قمرُ / هَلاّ مررتَ عَلَى من زانه الحَوَرُ
إني أراك بنور الحسن مستتِراً / هل أنت من نور ذَاكَ الحسن تستتر
وهل وقفتَ عَلَى الأعتاب ملتمِساً / تقبيلَ أعتابه بالتُّرْب تفتخر
أم شاقك البرقُ من لأْلاء مَبْسَمِه / فظلتَ من بارقِ الألاء تُبتَهر
من ذَاكَ أصبحتُ يَا بدر الدُّجى قلقاً / مشتتاً لوصالِ الحب أنتظر
يا ليتَه من رحيقِ الوصل أنْهَلَني / وعَلَّني من رُضاب الثغر أبتكر
وَلَمْ يكن باللِّقا دهراً يُشَوِّقُني / أُضحِي بكأس عُقارِ السُّقم أعتقِرُ
يُفَرِّح الدمعُ من عيني مجاريَها / فالعينُ من شوقها بالدمع تَهْتَصر
وَلَيْسَ دمعيَ حقاً حين أَنثُره / لكنها النفسُ من عينيَّ تُعْتَصَر
قَدْ حَلَّلوا هجرَ صبٍّ وهْو قاتلُه / وقتلُ أهلِ الهوى فِي الشرع يُهْتَدر
بلغتُ فِي الحب حداً لا أَرى فرجاً / فكيف بي وليالي الهجرِ تعتكِرُ
فنيتُ لولا أنيني مَا اهتدى أحد / لمنظري ساقه من سُقْمِيَ الكدر
أروم أَسلو الهوى والشوقُ فِي كبدي / وجرحُ سيفِ النوى فِي القلب ينفجر
شكوتُ لا أشتكي أشيا أُعدِّدها / فليس حالُ الهوى فِي الحب يَنحصِر
صبرت لَمْ يُجْدِ لي صبري ولا جَلَدي / قَدْ لجَّ بي السٌّقُمُ حَتَّى لاتَ مُصْطَبَر
قَدْ قَطَّع البينُ أسبابَ الوصال بهم / والقلبُ من بعدِهم قَدْ كاد ينفطِر
باللهِ يَا قمرٌ إِنْ جئتَ ساحَتهم / وطاب فِي رَبْعِهم مَسْراك يَا قمر
وفاح رَيّا الكبا من نَشْرهم أَرِجاً / ونام واشي الهوى واستأنس السَّمَرُ
فألقِ العصا بَيْنَهم واغْنَم حديثَهُمُ / من حَيْثُ لا منهمُ خوفٌ ولا حذر
فقل لهم مُغْرَم يُرثى لحالته / قَدْ عاقه عنكم الأَسقام والسهر
خلَّفتُه كاللَّقَى إذ لا حراكَ لَهُ / لعلَّ عن سالف الأيام يَدّكروا
وقَبِّل التُّرْبَ مَهْمَا عَزَّ منظرُهم / فإن تربَ الحِمى من بِشْرهم عَطِر
وعانِق الغصن عن قاماتِهم بَدَلاً / فالقَدُّ تحكي بِهِ أغصانَها الشجر
وإن غدوتَ ليوم النَّفْرِ مبتكِراً / وداعَهم فهمُ للصبِّ يبتكِروا
فانثرْ بوادِرَ دمعٍ منك مبتدِراً / عساهمُ من بُكا عينيك يَبْتدروا
فيسألوا عن كثيبٍ جُلُّ مَقْصِده / يومٌ بذاك الحِمى يرمي بِهِ القَدر
يُحيي بِهِ دِراسات الأُنس من قِدَمٍ / يومٌ تعود بِهِ أيامُه الغُرر
يا حُبَّ ذَاكَ الحمى والشملُ مجتمعٌ / وجمعُنا بنوادي الأُنس معتمِر
ويا رَعَى اللهُ ذَاكَ اليومَ حَيْثُ أَقُلْ / سناك أبهَجني فِي الشرقِ يَا قمر
ففي المحولةِ الذَّرذيرُ جاراً
ففي المحولةِ الذَّرذيرُ جاراً / فلا يَرْعَى الذِّمامَ ولا الجِوارا
فلم نصبرْ وَلَيْسَ لَنَا اقتدارٌ / ألا نختار يَا صحبي ديارا
فظل بليلنا تَطْوي سُهاداً / فلا ليلاً ننام ولا نهارا
فبالمحمولة العينانِ قَرَّت / وأشعلَ حبُّها فِي القلب نارا
وأَضحى القلبُ فِيهَا مستقراً / ولكنْ من أذى الذرذير طارا
يَبيت عَلَى الجسوم يَشُنُّ رقصاً / ويشرب دَمَّها خمراً عُقارا
ويُطربه البعوضُ إِذَا تغنَّى / ودَنْدَنَ طبلُه وسعى جهارا
فبِتنا بَيْنَ رقْصاتٍ وزَمْرٍ / وطعنٍ وَخْزُه يُورِي شَرارا
وإِن شق الصباحُ ترى جيوشاً / من الذِّبان لا يخْشَون عارا
إِذَا جئنا لنأكلَ من طعامٍ / تركناه وإن كنا ضَمارى
تُحمِّل أنفساً منا كراماً / لأمرٍ لا نُطِيق لَهُ اصْطبارا
فها يَا قوم نحن لَفِي أمورٍ / بِهَا يَا قوم قَدْ صرنا حيارى
لقد هَجموا عَلَى حربي وجارُوا
لقد هَجموا عَلَى حربي وجارُوا / أناسٌ قَدْ بَغَوا والبَغْي عارُ
فليس لهم وربُّ العرشِ ثار / حَمدت اللهَ فِي قومٍ أَثاروا
شروراً فاستحالتْ لي سرورا /
همُ شَبّوا الحروبَ عليّ ظلماً / وهم ملئوا الديارَ عليّ خَصْما
فقلتُ لهم جعلتُ الحربَ سِلماً / فقالوا النار قَدْ شُبَّت قلما
دنوتُ بِهَا وجدتُ النار نورا /
سائلِ الدمعَ فِي الهوى كَيْفَ يَنْهَرْ
سائلِ الدمعَ فِي الهوى كَيْفَ يَنْهَرْ / ويقيمَ الجمالِ فيما إِذَا يُقْهَر
إِن شوقي بِهِ من الشمس أَشْهَر / أعشقُ الحُسنَ والملاحةَ والظَّرْ
فَ وأهوى محاسن الأخلاقِ /
لَمْ أزلْ فِي الهوى سميعاً مُجيباً / وافيَ العهدِ للمحبِّ قريبا
إِن شكا الهجرَ كنت عنه طبيباً / لَمْ أَخُنْ قط فِي الوداد حبيبا
لو ينادي عليَّ فِي الأسواقِ /
أنا عذبُ المَذاقِ فِعلي ونطقي / صُحبتي فِي الغرامِ صحبة صدقِ
منهجي فِي الهوى مَنوطٌ برفق / شِيمَتي شيمتي وخُلْقيَ خُلْقي
ولوَ أتى أموتُ مما أُلاقي /
إِن تكن للعُلى والمجدِ منتظِراً
إِن تكن للعُلى والمجدِ منتظِراً / فاضربْ بزِنْدِك صَلْداً يقدحِ الشَّررا
وادفعْ بعزمك للأهوالِ محتقِراً / لا يمتطي المجدَ من لَمْ يركب الخطرا
ولا ينال العُلى من قَدَّم الحذرا /
ما بالهُوَيْنا ينالُ المجدَ آملُهُ / منيعةٌ صَعْبة المَرْقَى مَنازلُهُ
لا يدركُ المجدَ من لانتْ مآكله / لا تحسبِ المجدَ تَمْراً أنت آكله
لن تبلغَ المجد حَتَّى تَلْعَق الصَّبِرا /
إِن فِي الخلقِ أنت أحسن جاراً
إِن فِي الخلقِ أنت أحسن جاراً / لَمْ أُطقْ عنك مَا حييتُ اصْطِبارا
كيف أسلو وَقَدْ بَعُدتَ مزاراً / أَشعل الله فِي القَرَنْفُلِ نارا
حَيْثُ صَدَّ المُحبِّ عمن أَحبَّهْ /
لنا الشرفُ السامي عَلَى كل معشرِ
لنا الشرفُ السامي عَلَى كل معشرِ / إذَا افتخر الأقوامُ فِي كل مَحْضرِ
علَوْناهُم فخراً بمجدٍ وعنصرِ / إذَا اجتمعتْ يوماً قريشٌ لمَفْخَر
فعبدُ مَنافٍ سِرُّها وصميمُها /
صديقي عدوي إِذن لا تَزِدْني
صديقي عدوي إِذن لا تَزِدْني / فإني بَلوتُ الزمانَ اختبارا
وجربتُ دهرِي فأيقنت حتْماً / بأن الأنامَ بدهرِي حَيارَى
يَا لَرَكْب قَدْ سَرَوْا
يَا لَرَكْب قَدْ سَرَوْا / وفؤادي قَدْ شَرَوا
رحَموني لَوْ رأوا / ليت شِعري لَوْ دَرَوا
أيَّ قلبٍ مَلَكُوا /
لستُ أنسى مَا جرَى / حين شَدّوا للسُّرَى
نَبَذوني بالعَرَا / وفؤادي مَا درَى
أيَّ شِعْب سَلكوا /
إن عودي قَدْ ذَوَى / سَلبوا مني القُوَى
مذ رَمَوْني بالنوى / حار أربابُ الهوى
في الهوى وارتبكوا /
أهُمُ قَدْ علموا أم / عَراهم صَمَمُ
فالتصابي سَقَم / أَتُراهم سَلِموا
أم تُراهم هلكوا /
هو البحرُ إِنْ عَزَّت من المُزْنِ مَطْرة
هو البحرُ إِنْ عَزَّت من المُزْنِ مَطْرة / كريمٌ إِلَيْهِ الجودُ خُلْقٌ وفِطْرَة
مَحا الفقرَ حَتَّى مَا لذي الحاجِ خَطْرة / إذَا قطرتْ من جودِ كَفَّيه قَطْرة
محت من قراطيسِ السَّماحِ اسمَ حاتمِ /
أرى الدهرَ طبعاً يسيء الوَرَى
أرى الدهرَ طبعاً يسيء الوَرَى / ويُرْغم أنفَ أُسودِ الشَّرَى
فهل لي بمُهْرٍ يجوبُ الذَّرَى / أطوفُ المَشارِقَ عَلِّي أَرَى
بلاداً تَطِيب لأحرارِها /
فقمت وهَمِّي بدهري يَنوء / أُعالج أيامي عَساها تَبُوء
فطُفتُ البُكورَ وطفت الغُدوء / فلم أرَ إِلاَّ أموراً تسوء
وتَصْدَعُ أكبادَ نُظّارها /
فما لي بعيشٍ وثوبٍ يَشِفّْ / وخَودٍ قَطوفٍ وطَرْف دَنِفْ
أيَهْنأ عيشٌ لحُرٍّ أَسِف / عدمتُ حياتي إِذَا لَمْ أقف
حياتي عَلَى نفع أقطارِها /
فكم غال ذا الدهرُ من أُمَّة / وخان أُناساً بلا حُرمة
فليس لذا الدهرِ من ذمةٍ / ولستُ بأولِ ذي همة
تَصدَّى الزمانُ لإنكارِها /
قَدْ أَتتْني الدُّنا بما لست أدرِي
قَدْ أَتتْني الدُّنا بما لست أدرِي / جَرَّعتْني كأسَ صابٍ ومُرِّ
حار فِيهَا بعدَ التجاربِ فكري / فتفكرتُ فِي عواقب أمري
فرأيت النَّجا ارتكابَ العظائمْ /