المجموع : 10
إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ
إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ / فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ
ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي / ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ
ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ / تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ
فويلٌ لمَنْ لم تَشُقْهُ الحياةُ / من صَفْعَةِ العَدَمِ المنتصرْ
كذلك قالتْ ليَ الكائناتُ / وحدَّثَني روحُها المُستَتِرْ
ودَمْدَمَتِ الرِّيحُ بَيْنَ الفِجاجِ / وفوقَ الجبالِ وتحتَ الشَّجرْ
إِذا مَا طَمحْتُ إلى غايةٍ / رَكِبتُ المنى ونَسيتُ الحَذرْ
ولم أتجنَّبْ وُعورَ الشِّعابِ / ولا كُبَّةَ اللَّهَبِ المُستَعِرْ
ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ / يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ
فَعَجَّتْ بقلبي دماءُ الشَّبابِ / وضجَّت بصدري رياحٌ أُخَرْ
وأطرقتُ أُصغي لقصفِ الرُّعودِ / وعزفِ الرّياحِ وَوَقْعِ المَطَرْ
وقالتْ ليَ الأَرضُ لما سألتُ / أيا أمُّ هل تكرهينَ البَشَرْ
أُباركُ في النَّاسِ أهلَ الطُّموحِ / ومَن يَسْتَلِذُّ ركوبَ الخطرْ
وأَلعنُ مَنْ لا يماشي الزَّمانَ / ويقنعُ بالعيشِ عيشِ الحجرْ
هو الكونُ حيٌّ يحبُّ الحَيَاةَ / ويحتقرُ الميْتَ مهما كَبُرْ
فلا الأُفقُ يَحْضُنُ ميتَ الطُّيورِ / ولا النَّحْلُ يلثِمُ ميْتَ الزَّهَرْ
ولولا أُمومَةُ قلبي الرَّؤومُ لمَا / ضمَّتِ الميْتَ تِلْكَ الحُفَرْ
فويلٌ لمنْ لم تَشُقْهُ الحَيَاةُ / منْ لعنةِ العَدَمِ المنتصرْ
وفي ليلةٍ مِنْ ليالي الخريفِ / متقَّلةٍ بالأَسى والضَّجَرْ
سَكرتُ بها مِنْ ضياءِ النُّجومِ / وغنَّيْتُ للحُزْنِ حتَّى سَكِرْ
سألتُ الدُّجى هل تُعيدُ الحَيَاةُ / لما أذبلته ربيعَ العُمُرْ
فلم تَتَكَلَّمْ شِفاهُ الظَّلامِ ولمْ / تترنَّمْ عَذارَى السَّحَرْ
وقال ليَ الغابُ في رقَّةٍ / محبَّبَةٍ مثلَ خفْقِ الوترْ
يجيءُ الشِّتاءُ شتاءُ الضَّبابِ / شتاءُ الثّلوجِ شتاءُ المطرْ
فينطفئُ السِّحْرُ سحرُ الغُصونِ / وسحرُ الزُّهورِ وسحرُ الثَّمَرْ
وسحْرُ السَّماءِ الشَّجيّ الوديعُ / وسحْرُ المروجِ الشهيّ العَطِرْ
وتهوي الغُصونُ وأوراقُها / وأَزهارُ عهدٍ حبيبٍ نَضِرْ
وتلهو بها الرِّيحُ في كلِّ وادٍ / ويدفنها السَّيلُ أَنَّى عَبَرْ
ويفنى الجميعُ كحلْمٍ بديعٍ / تأَلَّقَ في مهجةٍ واندَثَرْ
وتبقَى البُذورُ التي حُمِّلَتْ / ذخيرَةَ عُمْرٍ جميلٍ غَبَرْ
وذكرى فصولٍ ورؤيا حَياةٍ / وأَشباحَ دنيا تلاشتْ زُمَرْ
معانِقَةً وهي تحتَ الضَّبابِ / وتحتَ الثُّلوجِ وتحتَ المَدَرْ
لِطَيْفِ الحَيَاة الَّذي لا يُملُّ / وقلبُ الرَّبيعِ الشذيِّ الخضِرْ
وحالِمةً بأغاني الطُّيورِ / وعِطْرِ الزُّهورِ وطَعْمِ الثَّمَرْ
ويمشي الزَّمانُ فتنمو صروفٌ / وتذوي صروفٌ وتحيا أُخَرْ
وتَصبِحُ أَحلامَها يقْظةً / موَشَّحةً بغموضِ السَّحَرْ
تُسائِلُ أَيْنَ ضَبابُ الصَّباحِ / وسِحْرُ المساءِ وضوءُ القَمَرْ
وأَسرابُ ذاكَ الفَراشِ الأَنيقِ / ونَحْلٌ يُغنِّي وغيمٌ يَمُرْ
وأَينَ الأَشعَّةُ والكائناتُ / وأَينَ الحَيَاةُ التي أَنْتَظِرْ
ظمِئْتُ إلى النُّورِ فوقَ الغصونِ / ظمِئْتُ إلى الظِّلِّ تحتَ الشَّجَرْ
ظمِئْتُ إلى النَّبْعِ بَيْنَ المروج / يغنِّي ويرقصُ فوقَ الزَّهَرْ
ظمِئْتُ إلى نَغَماتِ الطُّيورِ / وهَمْسِ النَّسيمِ ولحنِ المَطَرْ
ظمِئْتُ إلى الكونِ أَيْنَ الوجودُ / وأَنَّى أَرى العالَمَ المنتظَرْ
هُو الكونُ خلف سُبَاتِ الجُمودِ / وفي أُفقِ اليَقظاتِ الكُبَرْ
وما هو إلاَّ كَخَفْقِ الجناحِ / حتَّى نما شوقُها وانتصَرْ
فصدَّعَتِ الأَرضُ من فوقها / وأَبْصرتِ الكونَ عذبَ الصُّوَرْ
وجاءَ الرَّبيعُ بأَنغامهِ / وأَحلامِهِ وصِباهُ العَطِرْ
وقبَّلها قُبَلاً في الشِّفاهِ / تُعيدُ الشَّبابَ الَّذي قدْ غَبَرْ
وقال لها قدْ مُنِحْتِ الحَيَاةَ / وخُلِّدْتِ في نَسْلِكِ المدَّخَرْ
وباركَكِ النُّورُ فاستقبلي / شَبابَ الحَيَاةِ وخصْبَ العُمُرْ
ومن تَعْبُدُ النُّورَ أَحلامهُ / يُبارِكُهُ النُّورُ أَنَّى ظَهَرْ
إليكِ الفضاءَ إليكِ الضِّياءَ / إليكِ الثَّرى الحالمَ المزدهر
إليكِ الجمالُ الَّذي لا يَبيدُ / إليكِ الوُجُودَ الرَّحيبَ النَّضِرْ
فميدي كما شئتِ فوقَ الحقولِ / بحُلْوِ الثِّمارِ وغضِّ الزَّهَرْ
وناجي النَّسيمَ وناجي الغيومَ / وناجي النُّجومَ وناجي القَمَرْ
وناجي الحياة وأشواقها / وضنة هذا الوجود الأغر
وشفَّ الدُّجى عن جمالٍ عميقٍ / يُشِبُّ الخيالَ ويُذكي الفِكَرْ
ومُدَّ على الكونِ سحرٌ غريبٌ / يصرّفُهُ ساحرٌ مقتدِرْ
وضاءَتْ شموعُ النُّجُومِ الوِضَاءِ / وضاعَ البَخُورُ بَخُورُ الزَّهَرْ
ورَفْرَفَ روحٌ غريبُ الجمال / بأَجنحةٍ من ضياءِ القَمَرْ
وَرَنَّ نشيدُ الحَيَاةِ المقدَّس / في هيكلٍ حالِمٍ قدْ سُحِرْ
وأُعْلِنَ في الكونِ أنَّ الطّموحَ / لهيبُ الحَيَاةِ ورُوحُ الظَّفَرْ
إِذا طَمَحَتْ للحَياةِ النُّفوسُ / فلا بُدَّ أنْ يستجيبَ القَدَرْ
كمْ مِنْ عُهودٍ عذبةٍ
كمْ مِنْ عُهودٍ عذبةٍ / في عَدْوَةِ الوادي النَّضيرِ
فِضِّيَّةِ الأَسْحارِ مُذْهبَةِ / الأَصائِلِ والبُكورْ
كانتْ أرقُّ من الزُّهورِ / ومِنْ أَغاريدِ الطُّيورْ
وأَلذَّ مِنْ سِحْرِ الصِّبا / في بَسْمَةِ الطِّفلِ الغَريرْ
قضَّيتُها ومعي الحبيبَةُ / لا رَقيبَ ولا نَذيرْ
إلاَّ الطُّفولَةَ حولنا تلهو / معَ الحُبِّ الصَّغيرْ
أَيَّامَ كانتْ للحياةِ / حلاوَةُ الرَّوضِ المَطيرْ
وطَهَارَةُ الموتِ الجميلِ / وسِحْرُ شَاطئهِ المُنيرْ
وَوَداعَةُ العُصفورِ بَيْنَ / جداولِ الماءِ النَّميرْ
أَيَّامَ لم نعْرِفْ منَ الدُّنيا / سوَى مَرَحِ السُّرورْ
وتَتَبُّعِ النَّحْلِ الأَنيقِ / وقَطْفِ تِيجانِ الزُّهورْ
وتَسَلُّقِ الجبلِ المُكَلَّلِ / بالصّنَوْبَرِ والصُّخورْ
وبناءِ أَكواخِ الطُّفولَةِ / تحتَ أَعشاشِ الطُّيورْ
مسقوفةً بالوَردِ والأَعْشابِ / والوَرَقِ النَّضيرْ
نبني فتهدمُها الرِّياحُ / فلا نضجُّ ولا نَثُورْ
ونعودُ نَضْحَكُ للمروجِ / وللزَّنابقِ والغَديرْ
ونخَاطبُ الأَصداءَ وهي / ترِفُّ في الوادي المُنيرْ
ونعيدُ أُغنيَةَ السَّواقي / وهي تَلْغو بالخَريرْ
ونَظَلُّ نَرْكُضُ خلفَ / أَسرابِ الفَراشِ المُسْتَطيرْ
ونمرُّ مَا بَيْنَ المُروجِ الخُضْرِ / في سكر الشُّعورْ
نشدو ونرقصُ كالبلابلِ / للحياةِ وللحُبورْ
ونَظَلُّ ننثُرُ للفضاءِ / الرَّحْبِ والنَّهرِ الكبيرْ
مَا في فؤاديْنا من / الأَحْلامِ أَو حُلْوُ الغرورْ
ونَشيدُ في الأُفُقِ المخَضَّبِ / مِنْ أَمانينا قُصورْ
أَزهى من الشَّفَقِ الجميل / ورونقِ المرْجِ الخَضيرْ
وأجلَّ من هذا الوُجُودِ / وكلِّ أَمجادِ الدُّهورْ
أبداً تُذلِّلُها الحَيَاةُ / بكلِّ أَنواعِ السُّرورْ
وتَبُثُّ فينا مِنْ مراحِ / الكونِ مَا يُغوي الوَقُورْ
فنسيرُ نَنْشُدُ لهوَنا المعبودَ / في كلِّ الأُمورْ
ونَظَلُّ نعبثُ بالجليلِ / منَ الوُجُودِ وبالحقيرْ
بالسَّائلِ الأَعمى وبالمعتوهِ / والشَّيخِ الكَبيرْ
بالقطَّةِ البيضاءِ / بالشَّاةِ الوديعَةِ بالحميرْ
بالعُشبِ بالفَنَن المنوِّرِ / بالسَّنابلِ بالسَّفيرْ
بالرَّمْلِ بالصَّخْرِ المحطَّمِ / بالجداول بالغديرْ
واللهوُ والعَبَثُ البريءُ / الحلوُ مطمحُنا الأَخيرْ
ونَظَلُّ نقفزُ أو نُثَرْثِرُ / أَو نغنِّي أَو نَدورْ
لا نَسْأَمُ اللَّهْوَ الجميلَ / وليس يُدْرِكُنا الفُتُورْ
فكأَنَّنا نحيا بأَعصابٍ / من المَرَحِ المُثيرْ
وكأنَّنا نمشي بأَقدامٍ / مجنَّحةٍ تَطيرْ
أَيَّامَ كنَّا لُبَّ هذا / الكونِ والباقي قُشُورْ
أَيَّامَ تفرشُ سُبْلَنا / الدُّنيا بأَوراقِ الزُّهُورْ
وتمرُّ أَيَّامَ الحَيَاةِ بنا / كأَسْرابِ الطُّيورْ
بيضاءَ لاعبةً مُغرِّدةً / مجنَّحةً بِنُورْ
وتُرفّرفُ الأَفراحُ فوقَ / رؤوسنا أَنَّى نَسيرْ
آهٍ توارى فَجْرِيَ القُدسيُّ / في ليلِ الدُّهُورْ
وفَنَى كما يَفنى النَّشيدُ / الحلوُ في صَمْتِ الأَثيرْ
أَوَّاهُ قدْ ضاعتْ عليَّ / سَعَادَةُ القلبِ الغَريرْ
وبقيتُ في وادي الزَّمانِ / الجهْمِ أَدأَبُ في المسيرْ
وأَدوسُ أَشواكَ الحَيَاةِ / بقلبيَ الدامي الكَسيرْ
وأَرى الأَباطيلَ الكثيرَةَ / والمآثمَ والشُّرورْ
وتَصَادُمَ الأَهواءِ بالأَهواءِ / في كلِّ الأُمورْ
ومذلّةَ الحقِّ الضَّعيفِ / وعِزَّةَ الظُّلْمِ القَديرْ
وأَرى ابنَ آدَمَ سائراً / في رجلَةِ العُمُرِ القَصيرْ
مَا بَيْنَ أَهوالِ الوُجُودِ / وتحتَ أَعباءِ الضَّميرْ
مُتَسَلِّقاً جَبَلَ الحَيَاةِ الوعْرِ / كالشَّيْخِ الضَّريرْ
دامي الأَكُفِّ مُمزَّقَ / الأَقدامِ مُغْبَرَّ الشُّعُورْ
مترنِّحَ الخطواتِ مَا / بَيْنَ المَزالقِ والصُّخورْ
هالتْهُ أَشْباحُ الظَّلامِ / وراعَهُ صوتُ القُبورْ
ودويُّ إِعْصارِ الأَسَى / والموتُ في تِلْكَ الوُعورْ
ماذا جنيتُ من الحَيَاةِ / ومن تجاريبِ الدُّهُورْ
غيرَ النَّدامَةِ والأَسى / واليأسِ والدَّمعِ الغَزيرْ
هذا حَصادي من حقولِ / العالَمِ الرَّحْبِ الخَطيرْ
هذا حَصادي كُلُّهُ في / يقظةِ العَهْدِ الأَخيرْ
قدْ كنتُ في زمنِ الطُّفولَةِ / والسَّذاجَةِ والطُّهورْ
أَحْيا كما تحيا البلابلُ / والجداولُ والزُّهورْ
لا نَحْفَلُ الدُّنيا تدور / بأَهلها أَو لا تَدورْ
واليومَ أحيا مُرْهَقَ / الأَعصابِ مَشْبُوبَ الشُّعُورْ
متأَجِّجَ الإِحْساسِ أحفلُ / بالعَظيمِ وبالحقيرْ
تمشي على قلبي الحَيَاةُ / ويزحَفُ الكونُ الكبيرْ
هذا مصيري يا بني / أُمِّي فما أَشقى المصيرْ
لَيْتَ شِعْرِي
لَيْتَ شِعْرِي /
أَيُّ طَيْرْ /
يَسْمَعُ الأَحْزانَ تَبْكي / بَيْنَ أَعْماقِ القُلُوبْ
ثمَّ لا يَهْتِفُ في الفَجْرِ / برَنَّاتِ النَّحِيبْ
بخُشُوعٍ واكتِئَابْ /
لَسْتُ لأدري /
أَيُّ أَمْرْ /
أَخْرَسَ العُصْفورُ عنِّي / أَتُرى ماتَ الشُّعُورْ
في جَميعِ الكَوْنِ حتَّى / في حُشَاشَاتِ الطُّيورْ
أَمْ بَكَى خَلْفَ السَّحَابْ /
في الدَّيَاجِي /
كَمْ أُنَاجِي /
مَسْمَعَ القَبْرِ بغَصَّاتِ / نَحِيبي وشُجُوني
ثُمَّ أُصْغِي عَلَّنِي / أُسمعُ ترديدَ أَنِيني
فأَرَى صَوْتِي فَريدْ /
فأُنَادي /
يا فُؤَادي /
ماتَ مَنْ تَهْوَى وهذا / اللَّحْدُ قَدْ ضمَّ الحَبيبْ
فَابْكِ يا قلبُ بما فيكَ / مِنَ الحُزْنِ المُذِيبْ
إبكِ يا قَلْبُ وَحِيدْ /
ذُلَّ قَلْبي /
مَاتَ حُبِّي /
فَاذْرُفي يا مُقْلَةَ اللَّيلِ / الدَّراري عَبَرَاتْ
حَوْلَ حِبِّي فهوَ قدْ / وَدَّعَ آفَاقَ الحَيَاة
بَعْدَ أَنْ ذَاقَ اللَّهيبْ /
وَانْدُبيهْ /
وَاغْسِليهْ /
بِدُمُوعِ الفَجْرِ مِنْ / أَكوابِ زَهْرِ الزَّنْبَقِ
وَادْفُنِيهِ بجَلالٍ في / ضِفَافِ الشَّفَقِ
لِيَرى رُوحَ الحَبيبْ /
قِفْ قليلاً أَيُّها السَّارِي القَمَرْ
قِفْ قليلاً أَيُّها السَّارِي القَمَرْ / واصْطَبرْ
يَا سَمِيري في أُوَيْقاتِ الكَدَرْ / والضَّجَرْ
واسقِني مِنْ جَدْوَلِ النُّورِ البَديعْ / قَدَحَا
عَلَّني أَفْهَمَ هَيْنُومَ الرَّبيعْ / إِنْ صَحَا
كَمْ فُؤادٍ إذْ تَوَلَّتْهُ الشُّجُونْ / والهمومْ
بُثَّ أَسْلاكَكَ والدَّمْعُ هَتُونْ / مَا يرومْ
إِنْ تَكُنْ تَضْحَكُ سُخْراً بالبَشَرْ / يَا قَمَرْ
فَلَكَمْ أَحْزَنَكَ الدَّهْرُ الخَطِرْ / بالنُّكُرْ
أَيُّها القامُوسُ يا صَوْتَ الحَيَاةْ / وصَدَاهَا
وأَغانيها العِذابَ الشَّادِياتْ / وَنَدَاهَا
مَا لأَمْواجِكَ يُطْغِيهَا الغُرورْ / فَتَثُور
ثُمَّ تَأْوي نحوَ هاتيكَ الصُّخُورْ / كَالكَسيرْ
أَتُراها تَذْكُرَ الأَمْسَ الجَمِيلْ / وَسَلامَهْ
فَتُحَيِّي ذَلِكَ المَجْدَ النَّبِيلْ / بِابتِسَامَهْ
وَتُغَنِّي ثمَّ لا تَلْبَثُ أَنْ / تَحْتَوِيها
لَوْعَةُ اليَوْمِ فَتَبْكِي وَتَئِنُّ / لِشَقَاهَا
يا قَوْمُ عَيْنَيّ شامَتْ
يا قَوْمُ عَيْنَيّ شامَتْ / للجَهْلِ في الجوِّ نارا
تَتْلو سَحاباً رُكاماً / يَتْلو قَتاماً مُثارا
يُثيرُ في الأرضِ ريحاً / يُهيجُ فيها غُبارا
تُلْفي الشَّديدَ صَريعاً / تُبْقي الأديبَ حِمارا
مِنها الفَضاءُ ظَلامٌ / والنَّاسُ منْها سُكارى
قَدْ أوْرَثَتْهُمْ دُواراً / وأعْقَبَتْهُمْ خُمارا
لا يَعْرِفُ المَرْءُ مِنها / لَيْلاً رأى أمْ نَهارا
يَخالُ كُلَّ خَيالٍ / سَرَى تَسَرْبَلَ فارا
يا قَوْمُ سِرتُمْ حَثيثاً / خُطًى وَرَاءً كِبارا
نَبَذْتُمُ العِلْمَ نَبْذَ ال / نَّوى قِلًى وصَغارا
لَبِسْتُم الجَهْلَ ثَوْباً / تَخَذْتُموهُ شِعارا
يا قَوْمُ مَا لي أراكُمْ / قَطَنْتُمُ الجَهْلَ دارا
أضَعْتُمُ مَجْدَ قَوْمٍ / شادوا الحَياةَ فَخارا
أبْقوا سَماءَ المَعالي / بِما أضاءوا مَنارا
حاكوا لَكُمْ ثَوْبَ عِزٍّ / خَلَعْتُموهُ احتِقارا
ثمَّ ارتديتم / لَبوسَ خِزيٍ وعارا
يا لَيْتَ قَوْمي أصاخوا / لِما أقولُ جِهارا
يا شِعْرُ أسْمَعْتَ لكِنْ / قَوْمي أراهُمْ سُكارى
فلا تُبالِ إِذا مَا / أعْطوا نِداكَ ازْوِرارا
واصبِرْ على مَا تُلاقي / واصْدَعْ وُقيتَ العِثارا
يا ليلُ مَا تصنعُ النَّفْسُ التي سَكَنتْ
يا ليلُ مَا تصنعُ النَّفْسُ التي سَكَنتْ / هذا الوجودَ ومن أعدائها القَدَرُ
ترضى وتَسْكُتُ هذا غيرُ محتَمَلٍ / إِذاً فهل ترفُضُ الدُّنيا وتنتحرُ
وذا جنونٌ لَعَمْري كُلُّهُ جَزَعٌ / باكٍ ورأيٌ مريضٌ كُلُّه خَوَرُ
فإنّما الموت ضَرْبُ من حبائِلِهِ / لا يُفلتُ الخلقُ مَا عاشوا فما النَّظرُ
هذا هو اللغْزُ عَمَّاهُ وعَقَّدَهُ / على الخليقةِ وَحْشٌ فاتكٌ حَذِرُ
قَدْ كبَّلَ القَدَرُ الضَّاري فرائِسَهْ / فما استطاعوا له دفعاً ولا حزَروا
وخاطَ أعينَهم كي لا تُشاهِدَهُ / عينٌ فتعلمَ مَا يأتي وما يَذَرُ
وحاطَهُمْ بفنونٍ من حَبائِلِهِ / فما لَهُمْ أبداً من بطشِه وَزرُ
لا الموت يُنْقِذُهُمْ من هولِ صولَتِهِ / ولا الحياةُ تَساوى النّاسُ والحَجَرُ
حارَ المساكينُ وارتاعوا وأعْجَزَهم / أن يحذَروه وهلْ يُجديهمُ الحَذَرُ
وهُمْ يعيشونَ في دنيا مشيَّدةٍ / منَ الخطوب وكونٍ كلَّه خَطرُ
وكيف يحذرُ أعمَى مُدْلِجٌ تَعِبٌ / هولَ الظَّلامِ ولا عَزمٌ ولا بَصَرُ
قَدْ أيقنوا أنَّهُ لا شيءَ يُنقِذُهُمْ / فاستسلموا لِسُكونِ الرُّعْبِ وانتظروا
ولو رأوه لسارتْ كي تحارِبَه / من الوَرَى زُمَرٌ في إثرِها زُمَرُ
وثارتِ الجنّ والأملاكَ ناقمةً / والبحرُ والبَرُّ والأفلاكُ والعُصرُ
لكنّهُ قوّةٌ تُملي إرادتَها / سِرًّا فَنَعْنو لها قهراً ونأتمرُ
حقيقةٌ مرّةٌ يا ليلُ مُبْغَضَةٌ / كالموتِ لكنْ إليها الوِرْدُ والصَّدَرُ
تَنَهَّدَ اللَّيْلُ حتَّى قلتُ قَدْ نُثِرَتْ / تِلكَ النُّجومُ وماتَ الجنُّ والبَشَرُ
وعادَ للصَّمتِ يُصغي في كآبته / كالفيلسوف إلى الدنيا ويفتكرُ
وقَهْقَهَ القَدَرُ الجبَّارُ سُخْريةً / بالكائناتِ تَضاحَكْ أَيُّها القَدَرُ
تمشي إلى العَدَمِ المحتومِ باكيةً / طوائفُ الخَلْقِ والأشكالُ والصُّوَرُ
وأنت فوقَ الأسى والموت مبتسمٌ / ترنو إلى الكون يُبْنَى ثمَّ يندَثِرُ
يا أَيُّها الشَّادي المغرِّدُ ههُنا
يا أَيُّها الشَّادي المغرِّدُ ههُنا / ثَمِلاً بِغِبْطةِ قَلْبهِ المَسْرورِ
مُتَنقِّلاُ بَيْنَ الخَمائلِ تالِياً / وَحْيَ الرَّبيعِ السَّاحرِ المَسْحورِ
غَرِّدْ ففي تِلْكَ السُّهولِ زَنابِقُ / تَرْنو إليكَ بِناظرٍ مَنْظورِ
غَرِّدْ فَفي قَلبي إليكَ مَوَدَّةٌ / لَكِنْ مَوَدَّةُ طائرٍ مَأسورِ
هَجَرَتْهُ أسْرابُ الحمائمِ وانْبَرَتْ / لِعَذابِهِ جنِّيةُ الدَّيْجورِ
غَرِّدْ ولا تُرْهِبْ يميني إنَّني / مِثْلُ الطُّيورِ بمُهْجَتي وضَميري
لكنْ لَقَدْ هاضَ التُّرابُ مَلامعي / فَلَبِثْتُ مِثلَ البُلبلِ المَكْسورِ
أشدُو برنّاتِ النِّياحَةِ والأسى / مشبوبةً بعواطفي وشُعوري
غرِّدْ ولا تَحْفَل بقلبي إنَّهُ / كالمِعْزَفِ المُتَحَطِّمِ المَهْجورِ
رتِّل على سَمْع الرَّبيعِ نشيدَهُ / واصْدَحْ بفيْضِ فؤادك المَسْجورِ
وانْشِدْ أناشيدَ الجَمال فإنَّها / روحُ الوُجودِ وسَلْوَةُ المَقْهورِ
أنا طائرٌ مُتَغرِّدٌ مُتَرنِّمٌ / لكِنْ بصوتِ كآبتي وزَفيري
يَهْتاجُني صوتُ الطُّيورِ لأنَّه / مُتدفِّقُ بِحَرارةٍ وطَهورِ
مَا في وجود النَّاسِ من شيءٍ به / يَرضَى فؤادي أو يُسَرُّ ضَميري
فإذا استَمَعْتُ حديثهم ألْفَيْتُهُ / غَثًّا يَفيض بِركَّةٍ وفُتورِ
وإذا حَضَرْتُ جُموعَهُمْ ألْفَيْتَني / مَا بينهمْ كالبُلبلِ المأسورِ
متوحِّداً بِعَواطفي ومَشاعِري / وخَواطري وكَآبَتي وسُروري
يَنتابُني حَرَجُ الحياةِ كأنَّني / مِنهمْ بِوَهْدَة جَنْدَلٍ وصُخورِ
فإذا سَكَتُّ تضجَّروا وإذا نَطَقْتُ / تذمَّروا من فكْرَتي وشُعوري
آهٍ منَ النَّاسِ الذين بَلَوْتُهُمْ / فَقَلَوْتُهُمْ في وحشتي وحُبوري
مَا منهُمُ إلاَّ خَبيثٌ غادِرٌ / متربِّصٌ بالنَّاسِ شَرَّ مَصيرِ
ويَودُّ له مَلَكَ الوُجودَ بأسره / ورمى الوَرَى في جاحِمٍ مَسْجورِ
لِيَبُلَّ غُلَّتَهُ التي لا ترتوي / ويَكُضَّ تُهْمَةَ قلبهِ المَغْفورِ
وإذا دخلتُ إلى البلادِ فإنَّ أَف / كاري تُرَفْرِفُ في سُفوحِ الطُّورِ
حيثُ الطَّبيعَةُ حُلوةٌ فتَّانَةٌ / تختال بَيْنَ تَبَرُّجٍ وسُفُورِ
مَاذا أَوَدُّ مِنَ المدينَةِ وهي غا / رقةٌ بموَّارِ الدَّمِ المَهدورِ
مَاذا أَوَدُّ مِنَ المدينَةِ وهي لا / ترثي لصوتِ تَفجُّع المَوْتُورِ
مَاذا أَوَدُّ مِنَ المدينَةِ وهي لا / تَعْنو لغَير الظَّالمِ الشَّرِّيرِ
مَاذا أَوَدُّ مِنَ المدينَةِ وهي مُر / تادٌ لكلِّ دَعَارَةٍ وفُجُورِ
يا أَيُّها الشَّادي المغرِّدُ ههنا / ثَمِلاً بغبطة قَلْبِهِ المسرورِ
قبِّل أَزاهيرَ الرَّبيعِ وغنِّها / رَنَمَ الصَّباحِ الضَّاحِك المحبورِ
واشرب مِنَ النَّبْعِ الجميل الملتوي / مَا بَيْنَ دَوْحِ صَنَوبَرٍ وغَديرِ
واتْرُكْ دموعَ الفجرِ في أَوراقِها / حتَّى تُرشِّفَهَا عَرُوسُ النُّورِ
فَلَرُبَّما كانتْ أَنيناً صاعداً / في اللَّيلِ مِنْ متوجِّعٍ مَقْهُورِ
ذَرَفَتْهُ أَجفانُ الصَّباحِ مدامعاً / أَلاَّقَةً في دَوْحةٍ وزُهورِ
يا مَوْتُ قدْ مزَّقْتَ صَدْري
يا مَوْتُ قدْ مزَّقْتَ صَدْري / وقَصَمْت بالأَرزاءَ ظَهْرِي
ورمَيْتَني مِنْ حالقٍ / وسَخِرْتَ منِّي أَيَّ سُخْرِ
فلَبِثْتُ مرضوضَ الفؤادِ / أَجرُّ أجنحتي بذُعْرِ
وقَسَوْتَ إذْ أَبقيتَنِي في / الكونِ أَذْرَعُ كُلَّ وَعْرِ
وفَجَعْتَني فيمَنْ أُحِبُّ / ومنْ إليهِ أَبُثُّ سرِّي
وأَعُدُّهُ فَجْرِي الجميلَ / إِذا ادْلَهَمَّ عليَّ دَهْري
وأَعُدُّهُ وَرْدِي ومِزْماري / وكَاسَاتي وخَمْرِي
وأَعُدُّهُ غَابي ومِحْرابي / وأُغْنِيَتي وفَجْرِي
وَرَزَأْتَني في عُمْدَتي / ومَشُورَتي في كلِّ أمْرِ
وهَدَمْتَ صرحاً لا أَلوذُ / بغيرِهِ وهَتَكْتَ سِتْرِي
فَفَقَدْتُ روحاً طاهراً / شهماً يَجِيشُ بكلِّ خَيْرِ
وَفَقَدْتُ قلباً همُّهُ أَنْ / يستوي في الأُفقِ بدْرِي
وَفَقَدْتُ كفًّا في الحَيَاةِ / يصُدُّ عنِّي كلَّ شرِّ
وَفَقَدْتُ وجهاً لا يُعَبِّسُهُ / سوى حَزَني وضُرِّي
وَفَقَدْتُ نفساً لا تَني عنْ / صوْن أَفراحي وبِشْرِي
وَفَقَدْتُ رُكني في الحَيَاةِ / ورايَتي وعمادَ قصْرِي
يَا مَوْتُ قَدْ مَزَّقْتَ صَدْري / وقَصَمْتَ بالأَزراءِ ظهْرِي
يَا مَوْتُ ماذا تبتغِي منِّي / وقدْ مزَّقتَ صَدْرِي
ماذا تودُّ وأَنتَ قَدْ / سوَّدتَ بالأَحزانِ فِكْرِي
وتَرَكْتَني في الكائناتِ / أَئِنُّ منفرداً بإِصْرِي
وأَجوبُ صحراءَ الحَيَاةِ / أَقولُ أَيْنَ تُراهُ قبْرِي
ماذا تَوَدُّ من المُعَذَّبِ / في الوُجُودِ بغيرِ وِزْرِ
ماذا تودُّ من الشَّقيِّ / بعيشِهِ النَّكِدِ المُضِرِّ
إنْ كنتَ تطلبُني فهاتِ / الكأسَ أَشربُها بصَبْرِ
أَو كنتَ ترقُبُني فهاتِ / السَّهمَ أَرشُقُهُ بنَحْرِي
خذني إليكَ فقد تبخَّرَ / في فضاءِ الهمِّ عُمْرِي
وتَهَدَّلَتْ أَغْصانُ أَيَّامي / بلا ثَمَرٍ وزَهْرِ
وتناثَرَتْ أَوراقُ أَحلامي / على حَسَكِ المَمرِّ
خذني إليكَ فقدْ ظمِئْتُ / لكأسِكَ الكَدِر الأَمرِّ
خذني فقدْ أَصبَحْتُ أَرقُبُ / في فَضَاكَ الجوْنِ فَجْرِي
خذني فما أَشقى الَّذي / يقضي الحَيَاة بمِثْلَ أَمْرِي
يَا مَوْتُ قَدْ مزَّقتَ صدْرِي / وقصمتَ بالأَزراءِ ظهْرِي
يَا مَوْتُ قَدْ شاعَ الفؤادُ / وأقفرتْ عَرَصَاتُ صدْرِي
وغَدَوْتُ أَمشي مُطْرِقاً مِنْ / طُول مَا أَثْقَلْتَ فِكْرِي
يَا مَوْتُ نفسي ملَّتِ الدُّنيا / فهلْ لم يأْتِ دوْرِي
شِعْرِي نُفاثَةُ صَدْرِي
شِعْرِي نُفاثَةُ صَدْرِي / إنْ جاشَ فيهِ شُعوري
لولاهُ مَا انجابَ عَنِّي / غَيْمُ الحَيَاةِ الخطيرِ
ولا وجدتُ اكتئابي / ولا وجدتُ سُروري
بِهِ تَراني حزيناً / أَبكي بدمعٍ غزيرِ
بهِ تراني طروباً / أَجرُّ ذَيل حُبوري
لا أَنظمُ الشِّعْرَ أَرجو / بهِ رضاءَ الأَميرِ
بِمِدْحَةٍ أَو رثاءٍ / تُهدى لرَبِّ السَّريرِ
حسبي إِذا قلتُ شعراً / أَنْ يرتضيهِ ضَميري
مَا الشِّعرُ إلاَّ فضاءٌ / يرفُّ فيهِ مَقَالي
فيما يَسُرُّ بلادي / ومَا يَسُرُّ المعالي
وما يُثيرُ شُعوري / مِنْ خَافقاتِ خَيَالي
لا أَقْرُضُ الشِّعْرَ أَبغي / به اقتناصَ نَوَالِ
الشِّعْرُ إنْ لم يكنْ في / جمالِهِ ذا جَلالِ
فإنَّما هوَ طيفٌ / يَسعَى بوَادي الظِّلالِ
يقضي الحَيَاةَ طريداً / في ذِلَّةِ واعتزالِ
يا شِعرُ أَنتَ ملاكي / وطارِفِي وتلادي
أَنا إليكَ مُرادٌ / وأَنتَ نِعْمَ مُرَادي
قِفْ لا تَدَعني وحيداً / ولا أَدعْكَ تُنادي
فهلْ وجدتَ حُساماً / يُنَاطُ دونَ نِجَادِ
كمْ حَطَّمَ الدَّهْرُ / ذا هِمَّةٍ كثيرَ الرَّمادِ
أَلقاهُ تحتَ نعالٍ / من ذِلَّةٍ وحِدادِ
رِفقاً بأَهْلِ بلادي / يا منجنون العوادي
عِشْ بالشُّعورِ وللشُّعورِ فإنَّما
عِشْ بالشُّعورِ وللشُّعورِ فإنَّما / دُنْياكَ كونُ عواطفٍ وشعورِ
شِيدَتْ على العَطْفِ العميقِ وإنَّها / لَتَجِفُّ لو شِيدَتْ على التَّفْكيرِ
وتَظَلُّ جامِدَةَ الجمالِ كئيبةً / كالهيكلِ المتهدِّم المهجورِ
وتَظَلُّ قاسيَةَ الملامِحِ جهْمةً / كالموتِ مُقْفِرَةً بغيرِ سُرورِ
لا الحُبُّ يرقُصُ فوقها متغنِّياً / للنَّاس بَيْنَ جداولٍ وزُهورِ
مُتَوَرِّدَ الوجناتِ سَكرانَ الخطى / يهتزُّ من مَرَحٍ وفَرْطِ حُبورِ
متكلِّلاً بالورْدِ ينثرُ للورى / أَوراقَ وردِ اللَّذّةِ المنضُورِ
كلاّ ولا الفنُّ الجميلُ بظاهرٍ / في الكونِ تحتَ غَمامةٍ من نُورِ
متَوشِّحاً بالسِّحْرِ ينفُخُ نايَهُ / المشبوبَ بَيْنَ خمائلٍ وغديرِ
أَو يلمسُ العودَ المقدَّسَ واصفاً / للموت للأَيَّامِ للدَّيجورِ
مَا في الحَيَاةِ من المسرَّةِ والأَسى / والسِّحْر واللَّذّاتِ والتغريرِ
أَبداً ولا الأَملُ المجنَّحُ منْشِداً / فيها بصوتِ الحالمِ المَحْبُورِ
تِلْكَ الأَناشيدَ التي تَهَبُ الوَرَى / عزْمَ الشَّبابِ وغِبْطَةَ العُصفورِ
واجعل شُعورَكَ في الطَّبيعَةِ قائداً / فهوَ الخبيرُ بتيهِهَا المَسْحُورِ
صَحِبَ الحياةَ صغيرةً ومشى بها / بَيْنَ الجماجمِ والدَّمِ المَهْدورِ
وعَدَا بها فوقَ الشَّواهِقِ باسماً / متغنِّياً مِنْ أَعْصُرِ ودُهورِ
والعقلُ رغْمَ مشيبهِ ووقَارِهِ / مَا زالَ في الأَيَّامِ جِدّ صغيرِ
يمشي فَتَضْرَعُهُ الرِّياحُ فيَنْثَني / متَوَجِّعاً كالطَّائرِ المكسورِ
ويظلُّ يسأَلُ نفسه متفلسفاً / متَنَطِّساً في خفَّةٍ وغُرورِ
عمَّا تحجِّبُهُ الكَواكبُ خلفَها / مِنْ سِرِّ هذا العالَم المستورِ
وهو المهشَّمُ بالعواصفِ يا لهُ / مِنْ ساذجٍ متفلسفٍ مغرورِ
وافتحْ فؤادكَ للوجودِ وخَلِّهِ / لليَمِّ للأَمواجِ للدَّيجورِ
للثَّلجِ تنثُرُهُ الزَّوابعُ للأسى / للهَوْلِ للآلامِ للمقدورِ
واتركْهُ يقتحِمُ العواصفَ هائماً / في أُفْقِها المتلبِّدِ المقرورِ
ويخوضُ أَحشاءَ الوُجُود مُغامِراً / في ليلها المتهيِّبِ المحذورِ
حتَّى تُعانِقَهُ الحَيَاةُ ويرتوي / من ثَغْرِها المتأجِّج المَسْجُورِ
فتعيشَ في الدُّنيا بقلبٍ زاخرٍ / يقظِ المشاعرِ حالمٍ مسحورِ
في نشوةٍ صوفيَّةٍ قُدُسيَّةٍ / هي خيرُ مَا في العالِمِ المنظورِ