المجموع : 28
با أدمُعي في رسمِها الجاري
با أدمُعي في رسمِها الجاري / أوضحتِ للّوامِ أخباري
بعدكِ مَنْ يكتمُ سِرّي وقد / أعلنتِ بالأحبابِ أسراري
سترتُه عنكِ إلى أن بدا / مخالِفاً وجدي وإيثاري
والدمعُ نمّامٌ ولا سيَّما / عندَ وقوفِ الصبَّ في الدارِ
تُذْكِرُني أوطانُها كلَّما / رأيتُها سالِفَ أوطاري
موكَّلٌ طرفي وقلبي وقد / بانوا بِتَذارفٍ وتَذكارِ
سقى ديارَ الحَيَّ مِن رامةٍ / غمامُ ذاكَ العارضِ الساري
مرابعٌ مذْ بَعُدَتْ غيدُها / عاوَدْتُ أحزاني وأفكاري
جنيتُ منهنَّ ثِمارَ المُنى / والدَّهْرُ غِرٌّ غيرُ غدّارِ
واليومَ أن خاطبتُ أطلالَها / لم أُلفِ فيها غيرَ أحجارِ
يحمِلُني الدهرُ وأيامُه / على عُلالاتي وأعذاري
أسهرُ أن لاحَ على لَعْلَعٍ / برقٌ بدا كالقَبَسِ الواري
في دِيمةٍ وطفاءَ هطّالةٍ / على رُبى الخَلْصاءِ مِدرارِ
عادتْ بما تَسْمَحُ مِن قَطْرِها / ذاتَ أزاهيرٍ وأنوارِ
كأنَّها دمعي على أرسُمٍ / للقومِ فيها طيبُ آثارِ
ينفحُ بالنَّدَّ ثراها كما / تضوَّعتْ فأْرَةُ عطّارِ
منازلٌ كنتُ بسكّانها / بينَ قَماريًّ وأقمارِ
أيامَ ظِلُّ البانِ ضافٍ وبَدْ / رُ الخِدرِ في تَمًّ واِبدارِ
والدوحُ مُخْضَلٌّ بقَطْرِ النَّدى / في روضةٍ غَنّاءَ مِعطارِ
يخترقُ الجدولُ أرجاءَها / كالأيمِ بينَ النبعِ والغارِ
والوُرْقُ تُبدي فوقَها نوحَها / ما بينَ أشجارٍ وأنهارِ
يُغنيكَ ترجيعُ أساجيعِها / في البانِ عن عُودٍ ومِزمارِ
يُسكِرُني تغريدُها سُحْرَةً / كأنَّه قهوةُ خمّارِ
في زمنٍ سائر أوقاتِهِ / في الطيبِ والحُسنِ كأيّارِ
عصرٌ إذا رمتُ سِواه فقد / طلبتُ عصراً غيرَ مختارِ
حتى إذا عيسُهُمُ للنوى / شُدَّتْ بأَنْساعٍ وأكْوارِ
وثوَّروها بهمُ ترتمي / ما بينَ أنجادٍ وأغوارِ
ورجَّعَ الحادي أراجيزَه / في مهمهٍ بالآلِ موّارِ
راحتْ تَهادى في البُرى بُزْلُها / كموجِ طامي الغَمْرِ زَخّارِ
مِن فوقِها أشباحُ وجدٍ غَدَوا / في الحبَّ أشياعي وأنصاري
كلُّ فتىً فوقَ مَطا عَنْسِهِ / لم يُلْفَ منهمْ غيرَ أطمارِ
باتتْ لذاذاتُ الهوى والصَّبا / والغيَّ لم تُؤذِنْ باِقصارِ
وبانَ طيبُ العيشِ لمّا نأوا / بفاتنِ المقلةِ سَحّارِ
أصبحتُ في حبّي واِعراضِهِ / ما بينَ نَهّاء وأمّارِ
فكيفَ يا قلبُ بُعَيْدَ النوى / لم تَسْلُ عن وجدٍ واِصرار
أهكذا كلُّ محبًّ اِذا / فارقَ أمسى غيرَ صبّارِ
أم هذه شيمةُ قلبٍ بهِ / للشوقِ ريحٌ ذاتُ اِعصارِ
هبَّتْ على أعشارِه فانثنى / مِن لذعِها المؤلمِ في نارِ
وأىُّ قلبٍ يُرتجَى بُرْؤه / مُصَدَّعٍ بالوجدِ أعشارِ
كم دونَ مسراكَ مِن بيدٍ وأخطارِ
كم دونَ مسراكَ مِن بيدٍ وأخطارِ / ومِن أصَمَّ صليبِ الكعبِ خطّارِ
في كفَّ أروعَ دامي الظُّفْرِ مُنْصَلِتٍ / رَحْبِ الذَّراعِ على الأهوالِ صبّارِ
مُشَيَّعٍ هبواتُ النقعِ تستُره / أضحتْ له كعرينِ الضيغمِ الضاري
حُرًّ يسيرُ إلى الحربِ العوانِ وقد / أبدتْ نواجذَها ما بينَ أحرارِ
حُمْسٍ برودُهمُ الزغَّفُ الَّلاصُ اِذا / أمستْ برودُ أُناسٍ سُحْقَ أطمارِ
يلقى الأسودَ بآسادٍ غَطارِفَةٍ / في جَحْفَلٍ لَجِبٍ كالسَّيلِ جَرّارِ
ما فيهمُ في مجالِ الكرَّ غيرُ أخي / بأسٍ على صَهَواتِ الخيلِ كرّارِ
يا خافقَ القلبِ لمّا شامَ بارقةً / في حِندسِ الليلِ تبدو ذاتَ أنوارِ
لم يدرِ عن أيَّ أرضٍ لاحَ مومِضُها / تحتَ الدُّجُنَّةِ لمّا لاحَ يا حارِ
شِمْ ثغرَ سُعدى فقد حيّاكَ بارِقُهُ / ليلاً ودعْ عنكَ شَيْمَ البارقِ الساري
وعاذلٍ قلتُ لمّا لامني سَفَهاً / له أتؤثرُ بالتعنيفِ أِقصاري
لا تلْحَني أن همتْ عينايَ مَن أَسَفٍ / على مرابعِ أوطاني وأوطاري
أضحى الأقاحيُّ مفتّراً بعرْصَتِها / لمّا تحدَّرَ فيها دمعيَ الجاري
تلك الديارُ سقىَ الوسميُّ ساحتَها / مِن جفنِ كلَّ مُلِثَّ القطرِ مِدرارِ
منازلٌ كنتُ أحيانَ الشبابِ بها / أختالُ بينَ قَماريًّ وأقمارِ
أجرُّ فضلَ ذيولِ اللهوِ مِن مرحٍ / في روضةٍ أُنُفٍ غَنّاَء مِعْطارِ
تأرجتْ برياحِ الوصلِ ساحتُها / كأنَّما فُتَّ فيها فأْرُ عطّارِ
فمَنْ يعيدُ لياليَّ التي سَلَفَتْ / لذيذةً بأُصيحابي وسُماري
أعدْ حديثَ الهوى يا مَنْ يحدَّثُني / عنه ألذَّ أحاديثٍ وأسمارِ
ما كنتُ لولا نوى الأحبابِ / ذا شَرَقٍ بالدمعِ جوّابَ آفاقٍ وأمصارِ
أحثُّ كلَّ عَفَرناةٍ هَمَلَّعَةٍ / مَوّارةٍ وأمونِ السيرِ مَوّارِ
في مهمهٍ قَذَفٍ أُمسي وأُصبحُ في / أرجائِه حِلْفَ أقتادٍ وأكوارِ
اِذا قطعتُ بها يَهْماءَ مُقْفِرَةٍ / بدتْ لديَّ موامٍ ذاتُ أقفارِ
تثني الجرانَ إلى المشتاقِ شاكيةً / مُرَدَّداً بينَ اِخفاء واِظهارِ
تختبُّ فيهنَّ بي كالهَيْقِ معنِقةً / مِن فوقِها نضوُ أزماعٍ وأسفارِ
مرَّتْ به في عُبابِ الآلِ سابحةً / كأنَّها منه في لُجًّ وتيّارِ
تنحو الأحبَّةَ لمّا أن نأتْ بهمُ / نُجْبٌ تسابقُ منها كلَّ طيّارِ
نأوا فلولا المنى ما عشتُ بعدَهمُ / وكم أعيشُ على وعدٍ وانظارِ
وما تدرَّعتُ أدراعاً مضاعفةً / للصبرِ إلا وعفّاهنَّ تَذكاري
تذكُّراً لزمانٍ فاتَ فارطُه / وطيبِ أوقاتِ آصالي وأسحاري
قد كانَ فيهنَّ لو دامتْ بشاشتُها / للصبَّ لذَّةُ أسماعٍ وأبصارِ
وقفتُ في الدارِ مِن بعدِ الخليطِ وقد / أقوتْ معاهِدُها مِن ساكني الدارِ
أكفكِفُ الدمعَ خوفَ الكاشحينَ على / مواطنٍ أقفرتْ منهمْ وآثارِ
دعني من اللومِ يا مَنْ لامني سفهاً / فما يفيدُكَ تعنيفي وانذاري
الدارُ دارُ أحبائي الذين مَضَوا / والوجدُ وجديَ والأفكارُ أفكاري
فما الوقوفُ إذا استثبتُّ معلمها / عليَّ في رسمِها العاري مِنَ العارِ
فكم سكبتُ على الأطلالِ مِن كَمَدٍ / دمعاً ألثَّ على تربٍ وأحجارِ
وبتُّ أرتاحُ أن هبَّتْ يمانيةٌ / تسري مِنَ الليلِ في بحرٍ مِنَ القارِ
لعلَّها عنهمُ بالقربِ تُخبِرُني / وأنْ تُسِرَّ بذكرِ الوصلِ أسراري
آثرتُ عودَهمُ مِن بعدِ ما ذهبوا / يا بُعدَ مَطْرَحِ أهوائي واِيثاري
لم يبقَ بعدَ رحيلِ الحيَّ مِن اِضَمٍ / اِلا تذكُّرُ أنباءٍ وأخبارِ
مذْ بانَ بانتْ لذاذاتي وهذَّبَني / دهري وقدَّمتُ دونَ اللهوِ أعذاري
فليس لي موئلٌ أن شفَّني وَلَهٌ / اِلاّ ترنُّمُ أغزالي وأشعاري
اذا تناشدَها الركبانُ أثملَهمْ / لفظٌ لأبرعِ نظّامٍ ونثّارِ
فمَنْ يساجِلُني فيها وأينَ له / منها عذوبةُ اِبرادي واِصداري
فكم خناذيذِ أشعارٍ سبقتُهمُ / سبقَ الجوادِ بها في كلَّ مضمارِ
بارَوا قريضي فبارُوا بالذي نظمتْ / قرائحي مِن كلامٍ غيرِ خوّارِ
ذابوا لديهِ كما ذاب الرَّصاصُ اِذا / رفَّعتَه حينَ تبلوه على النارِ
مِن أينَ للغابطِيْ فضلي واِنْ كَثُروا / كمثلِ عُوني إذا تُجلى وأبكاري
تُجلى فتشغِفُهْم منها بدائعُها / حسناً واِنْ جَهِلوا علمي ومقداري
فُيذعِنونَ إذا ما هزَّهم غزلي / هزَّ النسيمِ فروعَ البانِ والغارِ
أبرقٌ تبدَّى أم وميضُ سنا ثَغْرِ
أبرقٌ تبدَّى أم وميضُ سنا ثَغْرِ / تألَّقَ ما بينَ البراقعِ والخُمرِ
يلوحُ لنا تحتَ الظلامِ فنهتديِ / بهِ كسنا المصباحِ أو وضحِ الفجرِ
أهيمُ إلى معسولِ خمرةِ ريقهِ / اِذا ظميء النَّدمانُ شوقاً إلى الخَمرِ
وأستافُ طيبَ الَعْرفِ مِن نفحاتِه / فأغنى بهِ عن نفحتةِ الطيبِ والعِطرِ
ولولا الهوى ما كنتُ أجزعُ كلَّما / تألَّقَ برقُ المزنِ في الُحللِ الحُمرِ
ولا كنتُ لولا البينُ أبكي إذا سرتْ / شمالٌ على الجرعاءِ مسكَّيةُ النَّشرِ
تمرُّ على أعطافِ ليلى عشيَّةً / فتودِعُها رِيَّّ الترائب والنحرِ
فتُذْكِرُني أيامَ وصلٍ قطعْتُها / بها بينَ أعلامِ المحصَّبِ فالحِجْرِ
حميدة أوقاتِ اللقاءِ سريعةً / تقضَّتْ فما أنفكُّ منها على ذِكْرِ
أحِنُّ إلى أيامِها ويزيدُني / بها شفغاً طيفُ الخيالِ الذى يسري
اِذا زارنَي أشكو اليه كأنَّما / يشدُّ بأزري أو يخفِّفُ مِن وِزْري
وماكانَ عن جهلٍ اليه شِكايتي / ولكنَّه شيءٌ أُريحُ بهِ سِرّي
أما والمطايا في الخزائمِ خُضَّعاً / تَشكى أذى الاِرقالِ في المرتمى القفرِ
نواحلَ أنضاها الرسيمُ لواغِباً / سواهِمَ كا لأرسانِ في الخُطْمِ مِن ضُمْرِ
تُغِذُّ بأشباحٍ إذا دارَ بينَهمْ / مُدامُ الهوى والوجِد مالوا مِنَ السكرِ
يَميدونَ في أعلى الغواربِ كلَّما / ترنَّمَ حادي النُّجبِ مِن لوعةِ الهجرِ
أثِرْها ولا تخشىَ الحُزُونُ فانَّها / تَدافَع كالظِّمانِ في المسلَكِ الوعرِ
سفائنُ ليلٍ بتَّها السيرُ فا نثنتْ / كمثلِ حنايا النبعِ تسئدُ با لسَّفْرِ
براها أذى الاِيجافِ حتى أعادَها / تنافخُ مِن اِدمانهِ في البُرى الصفرِ
اِذا نكَّبوها الماءَ أمستْ مِنَ الظَّما / اليهِ إذا ما فاتَها الوِردُ كا لَّصْعرِ
خليليَّ لولا الوجدُ ماكنتُ كلَّما / بدا عَلَمَ نُدَّتْ له أدمُعي تجريِ
ولا كنتُ أنضي العيسَ في البيدِ كلَّما / محا خطوُها سطَرا ترفَّعَ عن سَطْرِ
أزورُ الموامي الغبرَ لا أرهبُ الدجى / اِذا ضاقَ ذرعُ النَّكسِ با لنُّوَبِ الغُبْرِ
صبورٌ ولكنْ لا على البينِ والقِلَى / لقد أنفدا ما كانَ عندي مِن صَبرِ
وكيفَ يرُى قلبي جليداً على النوى / وقد بأنَ مَنْ يَهوى ولوكانَ مِن صَخرِ
وِانَّ اّمراٌ أمسى يسائلُ منزلاً / ترحَّلَ عنه ساكنوه لِفي خُسْرِ
وِانَّ زماناً لا يَرى فيه مغرمٌ / أحبَّتهُ في الربعِ ليس مِنَ العمرِ
أحِنُّ إلى مَنْ بانَ عن رملِ عالجٍ / وأشتاقُ ما فيه من الضَّالِ والسِّدْرِ
وأسنشقُ الاْرواحَ مِن نحوِ أرضِه / ليذهبُ ما ألقاهُ مِن غلَّةِ الصدرِ
تَوقَّدُ أنفاسي إذا ما ذكرتُه / فأحسبُ مجراهنَّ منّي على جَمرِ
لعلَّ خيالاً منكِ بالليلِ طارقاً / اِذا هوَّمتْ عينايَ وافي على قَدْرِ
عَدِمتُ التلافي يقظةً فلعلني / أراكِ إذا امنَّتْ بتهويمِها النَّزْرِ
أحَجْرٌ على الاْجفانِ تهويمُها اِذا / سرت ْشمألٌ وهناً إلى الغَوْرِ مِن حِجْرِ
حُرِمتُ لذيذَ العيش لمّا ترحّلَتْ / بكِ العِرْسُِ الهرّجابُ يا ربةَ الخِدرِ
كأنَّ ذراعيها وقد أمتِ الغَضا / جناحا عُقابِ الَّلوحِ تَهوي إلى الوَكْرِ
وما زلتُ أخشى البينَ قبلَ وقوعهِ / لأنَّ الليالي قد طُبِعْنَ على الغَدرِ
فهل لي سبيلٌ أن أجدَّدَ نظرةً / كعهدي بها مِن قبلٌ في خدِّكِ النَّضْرِ
وأرشفَ ظَلماًُ مِن مُجاجِكِ بارداً / تفوقُ ثناياهُ على نا صعِ الدُّرَّ
لئن جادَ لي بالقربِ دهرٌ ذممتُه / على البعدِ كانتْ منَّةً ليدِ الدهرِ
ومالي اذا أصبحتِ عنّي بعيدةً / ولم اركبِ الأهوالَ نحوكِ مِن عُذْرِ
سأرتحلُ الكومَ الحراجيحَ ترتمي / على الأينِ في الموماةِ من شدَّةِ الذعرِ
اِذا غرَّدَ الحادي الطيرُ كأنَّما / ترى أَنَفاً أن تُقتضَى العيسُ بالزجرِ
تعافُ المجاني غِبَّ كلَّ سحابةٍ / بدْت وهي تُجلَى في غُلائِلها الخُضْرِ
تتوقُ اليها النفسُ لما توشَّعَتْ / رياضُ الرُّبا بالنَّوْرِ مِن سَبَلِ القَطرِ
وأطلبُ وصلاً منكِ قد عزَّ برهةً / بِحدَّ المواضي البيضِ والأَسَلِ السُّمرِ
وأنجادِ حربٍ ما بدتْ جبهاتُهمْ / مِنَ النقعِ إلا وَهيْ كالأنجُمِ الزُّهرِ
يخوضونَها والخيلُ شُهْبٌ فَتنثني / مِنَ الطعنِ في زَهْوٍ بألوانِها الشُّقرِ
اِذا كنتُ لا أدنو إليكِ بعزْمَتي / فلا خيرَ في حلوٍ مِنَ العيشِ أو مُرَّ
أعنْ أرضِ الغميمِ لمحتُ نارا
أعنْ أرضِ الغميمِ لمحتُ نارا / بدتْ وهناً فهمتُ بها ادَّكارا
ذكرتُ بها المباسمَ وهي تُهدي / الى قلبي مع القُبَلِ الشَّرارا
زماناً كنتُ أهوى فيه لمّا / تبدَّتْ كالمهاةِ لنا نَوارا
رأيتُ البدرَ يحمِلُهُ قضيبٌ / وليلَ الشَّعْرِ قد أبدَى النهارا
فلما حالَ عهدُ الودَّ منهما / وأمستْ تمنعُ الكَلِفَ المزارا
تَحَدَّرَ دمعُه كَلَفاً ووجداً / وقد ضنَّتْ عليه بأنْ يُزارا
فيا للهِ مِن دمعٍ غزيرٍ / يُخَجَّلُ فيضُه السُّحُبَ الغِزارا
اِذا ما غاضَ دمعٌ فاضَ دمعٌ / يَسُحُّ على مرابِعها انهمارا
لقد أبقتْ بقلبي يومَ بانتْ / وحُمَّلَ حيُّها سَحَراً فسارا
ندوباً كيفما أبدتْ لِعيني / مودَّعةً اشارتُها السَّوارا
ولكنْ هذه شِيَمُ الغواي / طَوالَ الدهرِ لم يحفظنَ جارا
كأنَّ رعايةَ الميثاقِ ممّا / يُحَمَّلُهُنَّ بينَ الناسِ عارا
اِذا ما رمتُ طيبَ الاِلفِ منها / يَزيدُ نفارُها منَي نِفارا
كأنّي ما كشفتُ وقد أتتني / تَثنَّى عن محاسِنها الخِمارا
أتنسى حينَ زارتْني مساءً / تلوثُ على معاطِفها الاِزارا
تباعدْنا فَصَدَّتْ بعد وصلٍ / ألا حيَّ الوِصالَ المستعارا
اِذا ما طالَ بالحسناءِ عهدي / أعادتْ ذلك الودَّ ازورارا
لقد غدرتْ بمَنْ لم ينوِ غدراً / ولم يَذُقِ الكرى إلا غِرارا
اِذا آنستُ مِن أعلامِ رضوَى / بريقاً في مطالعِه أنارا
تعرَّضَ فوقَهنَّ فطارَ قلبي / اليه وقد تألَّقَ واستطارا
فبِتُّ كأنَّني منه نزيفٌ / أُعاطَى في معادِنها العُقارا
ذكرتُ بها الهوى العذرىَّ لمّا / تعلَّقْتُ الكواعبَ والعَذارى
وما في الناسِ أشقى مِن مُحِبًّ / تكلَّفَ عن أحبتِه اصطبارا
فشرطُ الوجد أن يبكي نجيعاً / على النأي الأحبَّةَ والديارا
فقد ملأَ الحنينُ عِراصَ قلبي / غداةَ تَغدَتْ ديارُهمُ قِفارا
أكفكِفُ أدمعي فيها مِراراً / مِنَ الواشي وأُطلِقُها مِرارا
وقد أحدثتَ لي يا بينُ شوقاً / الى الأحبابِ يمنعُني القرارا
أُسكَّنُ بالدموعِ لهيبَ نارٍ / أبتْ بعدَ النوى إلا استعارا
اِذا لم أبكِ مَنْ قد بانَ عنها / رَواحاً بالمدامعِ وابتِكارا
وأياماً بكاظمةٍ تولَّتْ / حميداتٍ سَعِدْتُ بها قِصارا
فلا حملتنيَ الجُرْدُ المذاكي / يُثيرُ طِرادُها النقعَ المثارا
أَشُنُّ بها وقد علمَ الأعادي / بأنّي سوفَ أطرُقُهمْ مُغارا
أسرى فسرَّ الطيفُ سِراً
أسرى فسرَّ الطيفُ سِراً / مِن مغرمٍ اضناه هَجْرا
منعَ التزاور ثمَّ قوَّى / منه لمّا زارَ أزرى
وافى فكم جَلَبَتْ / زيارتُه له جَذَلاً وبِشرا
فأعادَهُ حيّاً وكانَ / أماتَه التفريقُ أدهرا
أغرى السَّقامَ بجسمهِ / زمناً وكانَ العَطْفُ أحرى
جذبَ الهوى بزمامِه / فانقادَ للأهواءِ قَسْرا
لا يستفيقُ مِنَ الهوى / وغرامِه ما عاشَ سُكْرا
قد طاوعَ الخمرينِ لا / يَعصيهما نهياً وأَمْرا
قهراً أطاعَهُما وسلطانُ / الغرامِ يطاعُ قَهْرا
والحبُّ ما اصبحتَ / نحوَ مَرادِهِ تنقادُ جَبرا
مَن كانَ في أَسْرِ الصَبابةِ / أين يرجو عنه مَسْرى
عُلَقُ الفؤادِ تردُّه / بالرغمِ أن رامَ المفرّا
يصبو فيتبعُه على / عِلاّتِه سِرّا وجَهْرا
ألِفَ المحبَّةَ فاغتدى / جَلْدا عليها واستمرّا
ما كانَ جَلْداً قبلما / قتلَ الهوى عِلماً وخُبْرا
لكنْ أفادَتْهُ التجاربُ / حُنْكَةٌ منها وصَبرا
آهاً على الزمنِ الذي / أطريتُه حمداً وشكرا
زمنِ العُذَيبِ لقد اجدّ / لقلبيَ الولهانَ ذِكْرا
تَذكارُ سالِف عصرهِ / منعَ المتيَّمَ أن يَقَرا
وحمى الجفونَ عنِ المنامِ / ومَنْ أحبَّ فكيفَ يكرى
ميقاتُه وزمانُه / كم أوسَعا المشتاقُ عُذرا
عينٌ مسهَّدَةٌ وعينُ / الحبَّ ما تنفكُ سَهرى
ترعى النجومَ كأنَّما / أمسى عليها النومُ حِجْرا
مَنْ غابَ عنها بدرُها / بعدَ الطلوعِ أو استسرّا
لا غروَ أن تُمسي مِنَ / البينِ المشتَّتِ وهي عَبرى
بردُ النسيم وقد تنسَّمَ / زادَ حرَّ جوايَ حرّا
يُهدي اليَّ مِنَ الأحبَّةِ / نشرُه المحبوبُ نَشرا
فكانَّ ليلى اودَعَتْهُ / وقد سرى بالعَرْفِ عِطْرا
بانَ الأحبَّةُ عن زَرودَ / فعادَ حلْوَا العيشِ مُرّا
وغدرنَ بالدنِفِ الكثيبِ / وما نوى بيناً وغدرا
ما كانَ يأمُلُ بعدَهنَّ / واِنّما الافَاتُ تَطْرا
كم غيَّبَتْ عنه الهوداجُ يومَ بانَ الحيُّ بَدرا /
هل تُبْلِغَنْهُ الداَر ذعْلِبَةٌ / تكادُ تطيرُ ذُعرا
تشأى النعامَ فهنَّ في / آثارها والريحُ حَسْرى
كم قصَّرتْ عنها فحول / الُبزْلِ حينَ تؤمُّ قَفْرا
ووقفنَ دونَ لحاقِها / يُبدينَ جَرْجَرةً وهَدْرا
كشقاشقِ الشعراءِ / لما فتُّهُمْ نظماً ونثرا
وردوا مذانبَ مائهِ / وَوَرَدْتُ ماءَ الفَضْلِ بَحْرا
فأَتَوا بُمخْشَلَبِ الكلامِ / فظنَّهُ الجُهّالُ دُرّا
وأتيتُ بالِّسحْرِ الحَلالِ / وخيُره ما كانَ سِحْرا
نوقٌ براهنَّ السُّرى
نوقٌ براهنَّ السُّرى / طِرْنَ بنا لولا البُرى
حنَّتْ وقد لاحَ لها / البرقُ على وادي القُرى
فأرقلتْ تؤمُّ مِن / فرطِ الحنينِ الأجفُرا
روازحٌ يأمرُها / حنينُها أن تَصْبِرا
كم يسَّرَتْ مِن مطلبٍ / قد طالما تَعَسَّرا
وسهَّلَتْ لي أرَباً / مِن قبلِها تعذَّرا
هل تُبْلِغَنَّي الريحُ عن / أحبابِ قلبي خَبَرا
يسرى اليَّ نشرُه / في طيِّها معطَّرا
بانوا كأنِّي ما / قضيتُ من لقاءٍ وَطَرا
وأظهرتْ في بُعدِهم / لنا الليالي عِبَرا
يا مربعاً راعَ الفِرا / ق ظبيه والجؤذرا
ومنزلاً سقيتُهُ / دمعاً يُحاكي المَطَرا
ما بَخِلَ المزنُ / على الأطلالِ اِلاّهَمَرا
وجادَ تربَ أرضِه / مغْلَنْطِفاً مُتْعَنْجِرا
يا ملعباً كانَ بهِا / الوصالُ غَضّاً نَضِرا
كم قد شَمَمْتُ مِن / ثراكَ مَنْدَلاً وعَنْبَرا
أحيانَ جرَّتْ ذيلَها / فيكَ النُّعامى سَحَرا
وأودَعَتْها زينبٌ / طيبَ شذاها الاذْغَرا
فكادَ أن يُسكرَني / نسيمُها لمّا سَرى
للّهِ كم غازلتُ في / الربعِ غزالاً أحْوَرا
يرنو اليَّ لظُهُ / فيستَبيني نَظَرا
بدرٌ تبدَّى فأهنْ / ت في هواهُ البِدَرا
وأخجلَ الشمسَ بها / ءُ نُوُّرِه والقمرا
ما مالَ مِن سُكرِ الصَّبا / وتيههِ أو خَطَرا
الا رَكْبتث في هواهُ / مِن غرامي خَطَرا
والحبُّ ما أورثَني / بعدَ الخليطِ السَّهرا
بُعْدُ الدِّيار والمَزارِ / مَنَعا جفني الكَرى
وشرَّداهُ عن طروقِ / مضجعي ونفَّرا
حتى بقيتُ شَبَحَاً / للعائدينَ لا أُرى
مَنْ لي بعودِ الوصلِ لو / عادَ رطيباً أخْضَرا
رَياّنّ قد أينعَ لي / بقربهَ وأثمرا
يَرِفُّ أويميلُ / كالنَّزيفِ عُلَّ المَسْكِرا
أسحبُ تحتَ ظِلِّهِ / مِنَ السُّرورِ الاُزرا
لا باركَ اللهُ في يومِ الفراقِ فكم
لا باركَ اللهُ في يومِ الفراقِ فكم / أجرى دموعاً على الخدَّينِ تنهمرُ
اليومُ عامٌ إذا الأحبابُ لم أرهمْ / والشهرُ دهرٌ وساعاتُ النوى عُمُرُ
ما لم تزوروا فالمامُ الكرى زورُ
ما لم تزوروا فالمامُ الكرى زورُ / أنَّى وقد صاحَ حادي عيسكمْ سيروا
سرتمْ فكم حنَّ مشغوفٌ بكم دَنِفٌ / في الربعِ حُزناً وكم قد أن مهجورُ
طوى على لهبِ الأشواقِ أضلعَه / وحشوُها منه تأجيجٌ وتسعيرُ
تُذكي الغرامَ وفي وجدي وزفرتِه / لو لامسَ الصخرَاِضرامٌ وتأثيرُ
جمعتمُ بين اشجاني وبينكمُ / وكلُّ ذنبٍ سوى التفريقِ مغفورُ
حسبي من الوجدِ أجفانٌ مباعَدَةٌ / ما تلتقي وحشاً بالشوقِ مسجورُ
وادمعٌ كلما أنشْدتُ مِن طربي / شِعرى فضدّانِ منظومٌ ومنشورُ
تنهلُّ في أربعُ الأحبابِ نائبةً / عنِ الغمامِ وجيبُ الليلِ مزرورُ
مرابعٌ عَفَّتِ النّكباءُ ما ثلَها / مِن بعدِ ما مرَّ دهرٌ وهو معمورُ
وللزمانِ بأهليهِ / ولو كَرِهوا
وبالدَّيارِ تصاريفٌ وتغييرُ /
يا مُنحَني الجِزْعِ لا زالَ السحابُ له / عليكَ بالغيثِ ترويحٌ وتكبيرُ
يروي ثراكَ فيبدو في رياضِكَ مِن / بدائعِ النَّورِ للرائي أزاهيرُ
وينثني البانُ ريانَ الغصونِ اِذا / ما ميّلَتهُ النُّعامى وهو مَمْطُورُ
تنوحُ مِن فوقهِ الورقاءُ ساجعةً / والصبحُ لائحةٌ منه التباشيرُ
لنوحها فوقَ أفنانِ الأراكِ وقد / غابَ الهديلُ مِن الأشواقِ تكريرُ
فاِنْ يَهِمْ بحنينِ الوُرقِ حِلْفُ هوًى / شوقاً فاِنَّ حليفَ الشوقِ معذورُ
مذ بانَ أحبابهُ عنهُ وجيرتُهُ / أمسى الكرى وهو عن عينيهِ مذعورُ
وعوَّضتْه النوى مِن بعدِهم حُزناً / وكانَ بالقربِ منهمْ وَهْوَ مسرورُ
فأصبحَ الدهرُ مذموماً فليتهمُ / عادوا ليرجِعُ عندي وهو مشكورُ
وما على جَلَدي عارٌ وقد نَزَحُوا / اِذا اغتدى وَهْوَ مغلوبٌ ومقهورُ
حَمَّلْتُهُ الحبَّ يعني ثِقلُه اِضَماً / فبانَ فيه مِنَ الاعياءِ تقصيرُ
أحبابَنا كانَ سرّي قبلَ بينكمُ / وقبلَ فيضِ دموعي وهو مستورُ
أيام كنتُ بقربي منكمُ جَذِلاً / للبِشْرِ تُبْرِقُ مِنْ وجهي اساريرُ
واليومَ قد صارَ حظَّي مِن دنوكُّمُ / نَزْراً وقد كانَ منه وهو موفورُ
أُعلَّلُ القلبُ أن أضحى يُطالِبُني / بالوصلِ منكمْ فيُمسي وهو مغرورُ
حتى كأنَّ التئامَ الشملِ لا بَعُدَتْ / أيامُ أُنسي بأهلِ الودَّ محظورُ
هل تُدِنينَّهمُ عيسٌ مزمَمةٌ / بُدْنٌ مراسيلُ أو وجناءُ عَيْسُورُ
مِنْ بعدِ ما حجزتْ بيني وبينهمُ ال / بيدُ البلاقعُ والأعلامُ والقُورُ
أظَنُّ فيها حليفُ الكُورِ مُنْتَصِباً / فيه اليفايَ تخويدٌ وتهجيرُ
حتى تعودَ ليالي الوصلِ مشرقةً / بهم وذيلُ سروري وهو مَجْرُورُ
دمٌ أريقَ بأسيافِ الهوى هَدَرُ
دمٌ أريقَ بأسيافِ الهوى هَدَرُ / في يومِ رامةَ والأظعانُ تبتكِرُ
زَمُّوا المطيَّ فكم مِن مقلةٍ ثَعَبَتْ / في عَرْصَةِ الدارِ ما لا يَتْعَبُ النَهَرُ
وأجَّجَ البينُ في الأحشاءِ نارَ هوًى / بعدَ الحبائبِ أمستْ وهي تَستعِرُ
أضحتْ مُمَنَّعةً بالسمهريِّ فلو / زالَ الوشيجُ تولَّى منعَها الخَفَرُ
وكلمَّا اضطرمتْ أطفأتُ سورتَها / بأدمعٍِ في الربوعِ العُجمِ تنتصرُ
تُسمي وتصبحُ قي الأطلالِ دافقةً / فليس تُخشى إذا ما أخلفَ المطرُ
أحبَّةٌ رحلوا فالدمعُ مستبقٌ / من مقلتَّي على الأثارِ يَبتدِرُ
في منزلٍ تُرْبُهُ مِن بعدِما ذهبتْ / كرُّ السنينَ على أصابِه عَطِرُ
لا ذنبَ لي عندَ مَنْ رثَّتْ عهودُهمُ / اِلاّ بوادرُ شيبٍ جَرَّهُ الكِبَرُ
والبيضُ عندَهمُ كالبيضِ مصلتةً / على الرءوسِ وذنبٌ ليس يُغْتَفَرُ
آليتُ لاحِلتُ عن دينِ الوفاءِ كما / قد كانَ يعهدُ من حالي واِنْ غدروا
ياريحُ لا أرجٌ منهمُ وقد رحلوا / عن الجَنابِ ولاعِلمٌ ولاخَبَرُ
مُرِّي على أَثَرِ الأحبابِ واحتملي / الَّي نشراً يحاكي عَرْفَهُ القَطُرُ
يضوعُ طيباً وقد مَّرتْ سعادُ بهِ / كما تَضَوَّعَ غِبَّ الدِّيمةِ الزَّهَرُ
أشكو الفراقَ اليها وَهْيَ لاهيةٌ / كأنَّما قلبُها مِن قسوةٍ حجرُ
أسأتْ مِن بِعدِها إذا لم أمتْ كمداً / يوَم الرَّحيلِ فقلْ ليكيف أعتذرُ
وبا زمانَ تناجينا على أمَمٍ / تُراكَ بعدَ تمادي البينِ تَنْتَظِرُ
هيهاتَ ساروا وأبقَوا للنوى حَرَقاً / تبيتُ تُضرِمُها الأشجانُ والفِكَرُ
ووكلوني برعي الفرقدينِ وقد / نامتْ عيونُ تحامَي أهلَها السَّهَرُ
واليومَ لم يبقَ لي إلا تذكُّرهُمْ / اِنَّ التحرُّقَ يُذكي جمَرهُ الذِّكَرُ
للّهِ كم في الديارِ الخُرسِ مِن وَصَبٍ / فيه لأهلِ الهوى والوجدِ معتبرُ
صبُّ يُرى أبداً مِن بعدِ بعدِهمُ / عِقْدُ الدموعِ على خدَّيهِ يَنْتثَرُ
براهُ بريَ المُدى بُعْدُ الخليطِ فما / يكادُ يُثبِتَه مِن سُقمِه النَّظَرُ
يبكي على أَثَرِ الأظعانِ في دِمَنٍ / وفي رسومِ ديارٍ مالها أثرُ
عفَّى معالِمَها طولُ الزمانِ وما / تَبيتُ تُحدِثُه للأربعِ الغِيَرُ
وعاذلٍ دأْبهُ عَذْلي فقلتُ له / مالي على العذلِ والتأنيبِ مُصْطَبرُ
بَلومُني وزنَادُ الحبِّ مضطرمٌ / في القلبِ يَقدحُ ما لا يقدحُ العُشَرُ
خَفِّضْ عليكَ فمالي عنهمُ عِوَضٌ / يا مَنْ يلومُ ولا في عيرِهمْ وَطَرُ
وفي الهوادجِ أقمارٌ إذا سَفَرَتْ / تُغنيكَ أنوارُها أن يَطْلُعَ القمرُ
هِيفُ المعاطفِ كالباناتِ رنَّحها / مرُّ النسيمِ غدا أوراقَها الشَّعَرُ
بانوا فعادَ زمانُ القربِ مذ هجروا / بعداً وعانيتُ ليلاً مالَهُ سَحَرُ
وكادَ مِن سَهَري فيه ومِن قَلقَي / يمَلُّ في جنحهِ تعليلَي السّمَرُ
كم كانَ في عنفوانِ الوصلِ يُذكِرنُي / هذا الصدودَ الذى جُرِّعتُه الحَذَرُ
سقاكَ يا مَنحنى الوادي القطارُ فكم / أظلنَّي في ذراكَ البانُ والسَّمُرُ
أين الأحبَّةُ لاحتْ لي معالِمَها / مجهولةً قد محا آثارَها الدَّهَرُ
وأين تلكَ القدودُ الملدُ مائسةً / تكادُ مِن ثِقَلِ الأردافِ تنأَطِرُ
غابوا فأضحتْ مغاني الأنسِ خاليةً / حتى كأنهَّمُ فيهنَّ ما حضروا
أطلِ الوقوفَ على رسومِ الدارِ
أطلِ الوقوفَ على رسومِ الدارِ / واسقِ الربوعَ بدمعكَ المدرارِ
هي معهدُ البثَّ الشهيَّ ومألفُ / العيشِ الرخيَّ ومُنتدى السُّمارِ
وكِناسُ كلَّ غزالةٍ فتّانَةٍ / ترنو إليكَ بناظرٍ بتّارِ
دارُ الربابِ سقى معاهدَ أُنسِها / داني الربابِ بدمعِ كلَّ قِطارِ
فيها صحبتُ الغانياتِ وحبذا / الأوطانُ اِذ يُسعِفنَ بالأوطارِ
وبها عرفتُ هوى الأحبَّةِ برهَةً / والعاذلونَ على الهوى أنصاري
أيامَ لم أجنحْ إلى خُدَعِ المُنى / فأبيتُ أحلَمُ بالخيالِ الساري
واليومَ بعدَ البينِ صارَ موكّلاً / طرفي برعي كواكبٍ ودراري
بانوا فكم مِنْ مقلةٍ بكَّتهمُ / بمدامعٍ بعدَ الخليطِ غِزارِ
ولكم أطلتُ عنِ الذين ترحَّلوا / لما وقفتُ بربعِها استخباري
أبكي وقد عزَّ الجوابُ وما الذي / يُجدي سؤالُ منازلٍ وديارِ
وكفى المحبَّ بأنْ يروحَ ويَغتدي / مِن بعدِ نأيهمُ على الآثارِ
يا ريمَ رامةَ كم مَنَعْتَ على النوى / عنّي ممرَّ خيالكَ الزّوارِ
وجنى الفراقُ عليَّ حتى اِنّني / قد صرتُ أقنعُ منكَ بالأخبارِ
ورضيتُ بعدَ القربِ لي ببعادك / المضني وبعدَ الوصلِ بالأعذارِ
ما كانَ عندي أن أيامَ الهوى / تُنسى لذاذتُها على الأعصارِ
واِذا الحمامةُ في الأراكةِ غرَّدتْ / فرحاً بلمعِ تبلُّجِ الأسحارِ
فالشوقُ بينَ أضالِعي متوقِّدٌ / يرمي حشايَ مِنَ الجوى بأوارِ
وبواعثُ الوجدِ القديمِ تحثُّني / أنْ أبلُغَ الأهواءَ بالأخطارِ
ومهوِّمينَ مِنَ الوجيفِ كأنِّما / عاطيتَهمْ في الشَّربِ كأسَ عُقارِ
أفناهمُ عنتُ الذميلِ فلم يدعْ / منهم سوى الأشباحِ في الأكوارِ
صاحبتُهمْ أبغي الُعذَيبَ فكم لنا / مِن مدمعٍ فوق النجائبِ جاري
أجراه ذكرُ الظاعنينَ وهكذا / رسمُ الدموعِ يزيدُ بالتَّذكارِ
يا أبرقَ الوادي ويا ويعَ امرىءٍ / يرجو معونتَهُ مِنَ الأحجارِ
أين البدورُ يُميلُها سكرُث الصِّبا / مرحاً فتهزاً بالقنا الخطّارِ
عهدي بها في جلهتيكَ أُزيرُها / ما لاقَ أو ما راقَ من أشعاري
وسواحرُ المقلِ اللواتي لم تَزَلْ / تُصمي القلوبَ بلحظِها السحّارِ
بل أين كاساتُ الثغورِ تُمِيلُني / سُكْراً ولم تُعْقِبهُ لي بخُمارِ
رحلوا وكانَ العيشُ قبلَ رحيلهم / يجري بقربهمُ على الاِيثارِ
وكتمتُ لما ثوَّروا أسرارَهمْ / والبينُ فيه يُذاعُ بالأسرارِ
وحَفِظتْ بعدَهمُ العهودَ وهذه / شِيَمٌ يُدَلُّ بها على الأحرارِ
هل في المنازلِ بعدَ القومِ آثارُ
هل في المنازلِ بعدَ القومِ آثارُ / نعمْ معالمُ لا تُغني وأحجارُ
اِذا وقفتَ بها بكّاكَ ما حلُها / وآيةُ الشوقِ أن تبكي لكَ الدارُ
منازلٌ لم تزلْ مأوًى لغانيةٍ / دمعي عليها واِنْ لم يُجْدِ مِدْرارُ
نأت فلم يبق مذ زمت ركائبها / للبين إلا أحاديث وأخبار
مِن بعدِ ما كانتِ الأيامُ تُتْحِفُني / بقربِها زمناً والوصلُ أطوارُ
أبكي وقد باعدَتْها عن مرابِعها / نوًى لعوبٌ بها والدهرُ غدّارُ
وفي الدموعِ اِذا ما الصبرُ أعوزَني / على الصبابةِ أعوانٌ وأنصارُ
أين الأحبَّةُ كانوا في الديارِ لَهاً / وهمْ شُمُوسٌ منيراتٌ وأقمارُ
بانوا فلي مِن دموعي بعدَ بينهمُ / وفي ازديادِ الهوى العذريَّ أعذارُ
يا حارِ عنديَ سِرٌّ لا أبوحُ بهِ / اِلاّ إليكَ وللعُشّاقِ أسرارُ
شوقٌ تضاعفَ حتى ليس لي قِبَلٌ / به ونارُ غرامٍ دونَها النارُ
ومقلةٌ لم تذقْ بعدَ النوى وَسَناً / أنَّي ومِن دونِهمْ بيدٌ وأخطارُ
قد ملَّ تَسهادَها إلا ظلامُ بعدهمُ / وملَّني فيه حدّاثٌ وسمّارُ
تنامُ عينُ الخليَّ القلبِ مِن شَجَنٍ / ولي على السَّهَرِ المقليَّ اِصرارُ
اِيهٍ حديثَكَ عن نَعمانَ أين مضى / سكانُه فحديثُ الوجدِ أسمارُ
حَدَّثتَني ما أجدَّ الذكرَ أيسرُه / أعِدُْهُ أن الهوى والشوقَ تَذكارُ
فكم أثارتْ لنا ذكراهمُ حُرَقاً / كأنَّ ذكراهمُ في الربعِ آثارُ
وكم وقفتُ به مِنْ وقفةٍ صدعتْ / قلبي وقد أزمعَ الحبابُ أو ساروا
مخاطباً لعراصٍ كم زهتْ بهمُ / وهكذا الدهرُ اِقبالٌ واِدبارُ
مَلُّوا الثواءَ بها فاستبدلوا بدلاً / عنها وبانوا فهم في القلبِ حُضّارُ
فهل عليَّ إذا بكَّيتُ دراسَها / بعدَ الخليطِ الذى ودَّعتُه عارُ
ومهمهٍ قذفتْ بي في مجاهلهِ / الى الأحبَّةِ أحلاسٌ وأكوارُ
يختبُّ في هبواتِ المُورِ مُنْصَلتاً / بي بازلٌ قلِقُ الأنساعِ مَوّارُ
أحثُّهُ والهوى مِن فوقِ غاربهِ / يَحثُّني فهو في الحالينِ صبّارُ
وما المدامةُ كالابريزِ صافيةً / قد شَقَّ عنها ثيابَ القارِ خمّارُ
تضوعُ طيباً وقد دارتْ زجاجتُها / كأنَّما عَلَّها بالملكِ عطّارُ
يسعى بها رشأٌ في الشَّربِ تحسبُه / كالبدرِ قد بتَّ منه الخصرَ زُنّارُ
أمالَهُ في خفاراتِ الصَّبا مرحٌ / بينَ النَّدامى فغارَ البانُ والغارُ
يوماً بألعبَ منه بالعقولِ وقد / سَجا له ناظرٌ لِلُّبَّ سحّارُ
ولا الخمائلُ قد أضحتْ موشَّعَةً / تُصْبِيكَ منهنَّ أنهارٌ وأزهارُ
تَرِفٌ فيها غصونٌ مِن حدائقها / وتستبيكَ على الباناتِ أطيارُ
يوماً بأحسنَ مِن نظمٍ أوشَّعُهُ / والناسُ مِن بعدِه في الشَّعرِ أنظارُ
يروقُ سمعَكَ منها شُرَّدٌ عُرُبٌ / مختارٌة والنُّضارُ الطلقُ مُخْتارُ
ألا حيَّ آثارَ الرسومِ الدوائرِ
ألا حيَّ آثارَ الرسومِ الدوائرِ / سَقَتْها شآبيبُ الغيوثِ البواكرِ
وجادِ على أطلالِها كلُّ هاطلٍ / مِنَ المزنِ ثَجاجِ الأماعجِ هامرِ
منازلُ احبابٍ ومَبْرَكُ أينُقٍ / ومجمعُ خُلاّنٍ ومجلسُ سامرِ
حبستُ عليها اليَعْملاتِ ضوامراً / مِنَ الوخدِ والارقالِ خُوصَ النواظرِ
عليها أولو شوقٍ إذا ذُكِرَ النوى / أسالوا غُرُوبَ الدمعِ بينَ المحاجرِ
كأنَّ عتاقَ النُّجْبِ قد ضمنتْ لهمْ / وشيكَ التلاقي أو متونَ الأباعرِ
فمِنْ ناشدٍ بينَ المنازلِ قلبَهُ / ومِن مشتكٍ فيها صدودَ الجآذرِ
اِذا ما تساقَى القومُ كاساتِ حبَّهمْ / عليها سَقَوها بالدموعِ البوادرِ
براها أذى التَّرحالِ أعادَها / مِنَ الضُّمْرِ في الأنساعِ شِبهَ المخاصرِ
لواغبُ أنضاها الذميلُ بواركاً / مِنَ الأينِ يَفْحَصْنَ الحصى بالكَراكِرِ
قِرًى في صِحافَ البيدِ اضحتْ لحومُها / لحوماً لِعقْبانِ الرَّعانِ الكواسرِ
فللهِ كم في الخَرقِ منها رذيَّةٌ / تُناشُ بأفواه المنايا الفواغرِ
فيا صاحبيَّ اليومَ عوجا لعلَّنا / نُجَدَّدُ أوقاتَ اللَّقاءِ بحاجرِ
ففيه ظباءٌ آنساتٌ سوافرٌ / تخجَّلُ آرامَ الظباءِ النوافرِ
ولا تُنكروا أن شمتُ بارقُ أرضهِ / غراماً إلى تلكَ الخدودِ النواضرِ
اِذا نفحتْ عن روضهِ نفحةُ الصَّبا / نشقنا شَذا ضوعاتِها بالمناخرِ
تُجَرَّرُ مِن فوقِ الرياضِ ذيولها / فَتُودعُها أنفاسَ فارةِ تاجرِ
أما وليالٍ في الوصالِ تصرَّمتْ / أوائلُها ما رُوعَّتْ بأواخرِ
ليالي ما وكَّلْتُ طرفي صبابةً / برعي النجومِ النيَّراتِ الزواهرِ
لقد عُدْتُ في أِثْرِ الصبابةِ بعدَهمْ / رهيناً بتَذكارِ الليالي الغوابرِ
وأيامِ لهوٍ كلَّما عَنَّ ذِكرُها / وجدتُ له في القلبيِ حَرَّ الهواجرِ
فيا عهدَها الخالي بميثاءِ حاجرٍ / سقاكَ عِهادٌ مِن دموعي المواطرِ
دموعٌ إذا ما الغيثُ أثجمَ أثجمتْ / سحائبُها كاللؤلؤ المتناثرِ
ويا معهدَ الأحبابِ حوشيتَ أن أُرى / لعهدِكَ روَاكَ الحيا غيرَ ذاكرِ
حلفتُ بِشُعْثٍ في الرَّحالِ كأنمَّا / على كلَّ كُورٍ منهمُ ظِلُّ طائرِ
وبالعيسِ أشباهِ الحنايا مُغِذَّةً / تسابقُ أنفاسَ الرَّياحِ الخواطرِ
وبالجُرْدِ أمثالِ السَّعالى وحبَّذا / عِشارُ المذاكي بالقنا المتشاجرِ
ووقفةِ مشبوحِ الذراعِ غَشَمشَمٍ / جريءٍ على حربِ الكُماةِ المساعرِ
بأني واِنْ كانَ القريضُ سجيَّةً / لغيريَ مِن بادي القريضِ وحاضرِ
لأُخرِسُ اربابَ الفصاةِ منهمُ / بنظمٍ يُعِيدُ النظمَ صُلْبَ المكاسرِ
وما الناسُ إلا كالبحورِ فبعضُهمْ / عقيمٌ وبعضٌ مَعدِنٌ للجواهرِ
ذنبي إلى البيضِ ذنبٌ غيرُ مغتفَرِ
ذنبي إلى البيضِ ذنبٌ غيرُ مغتفَرِ / لما توضَّحَ صبحُ الشيبِ في شَعَري
حورٌ شقنَ فؤادي مِن لواحظِها / بكلَّ سهمٍ عريقِ النَّزعِ في الحَوَرِ
فاعجبْ لهنَّ سِهاماً غيرَ طائشةٍ / مِنَ الجفونِ بلا قوسٍ ولا وترِ
كم نِمْنَ عنَّي وقد أغفلنَ ما جابتْ / يدُ التفرُّقِ مِن وجدي ومِن سَهَري
وكم خَفَرْتُ ذِمامَ النسكِ مِن وَلَهٍ / يعتادُني لذواتِ الدلَّ والخَفَرِ
بي مِن رسيسِ الهوى داءٌ يخامرُني / طولَ الزمانِ إلى ما صُنَّ بالخُمُرِ
مهفهفاتٌ يغارُ الغصنُ حين يرى / قدودَها بينَ منآدٍ ومنأطِرِ
أنكرنَني بعدَ عِرفاني وما بَرِحَ / الزَّمانُ يُعْقِبُ صفوَ العيشِ بالكَدَرِ
أيامَ غصنُ شبابي في بُلَهْنيَةٍ / أزهو بما فيه مِن زَهْرٍ ومِن ثَمَرِ
يا منزلاً أدمعي وقفٌ عليه اِذا / ضَنَّ السحابُ على الأطلالِ بالمَطَرِ
أوطانَ لهوي وكم قضَّيتُ مِن وَطَرٍ / فيهنَّ بالغيدِ والأوطانُ بالوطرِ
ومربعٍ ووصالُ السُّمرِ تكنفُني / أوقاتُه في ظِلالِ الضّالِ والسَّمُرِ
مضى لنا فيه أوقاتٌ مساعِفَةٌ / مُسْتَعْذَباتُ جَنَى الروضاتِ والبُكَرِ
أين الزمان الذي قد كنت أحمده / على التداني بلاعي ولا حصر
لم يخطرِ البينُ في بالي فأحذرَهُ / ولا تعيبتُ ما فيه مِنَ الخطرِ
ألهو بكلَّ غريرٍ مِن محاسِنه / أبيتُ منه ومِن وجدي على غَرَرِ
يا وجهَهُ أَرَني بدراً إذا طَلَعَتْ / منه بوادِرُ تُغنيني عنِ القمرِ
في كلَّ ذاتِ قوامٍ غصنُه نَضِرٌ / ما حظُّ عاشِقها منها سوى النظرِ
ما هبَّتِ الريحُ مِن نجدٍ معطَّرةً / لولا الولوعُ بريّا بَردِها العَطِرِ
ولا جرتْ أدمعي والشملُ مجتمعٌ / اِلاّ لما علمَ الأحبابُ مِن حَذَري
خوفاً ولولا ذاكَ ما وقفتْ / ركائبي بين وِرْدِ العَزْمِ والصَّدَرِ
كلاّ ولا كنتُ بعدَ القربِ مقتنعاً / منهمْ على عُدَواءِ الدارِ بالأثرِ
هم الأحبَّةُ أن خانوا واِنْ نقضوا / عهدي فما حلتُ عن عهدي ولا ذِكَري
فكم أضاعوا محبّاً في الغرامِ بلا / ذنبٍ وكم طُلُّ فيه مِ دمٍ هَدَرِ
يشكو أذى الهجرِ في سرًّ وفي علنٍ / شكوًى تؤثَّرُ في صلدٍ مِنَ الحجرِ
وهي الديار فكم جددنَ مِن حُرَقٍ / للمستهامِ بما فيهنَّ مِن أثرِ
يَزورُها بعدَما بانتْ أوانسُها / عنها فيمسحُ فضلَ الدمعِ بالأُزُرِ
وفي الجوانحِ نارٌ بعدَ بينهمُ / للشوقِ تَفْعَلُ فِعْلَ النارِ في العُشَرِ
فهل أُرى وبيوتُ الحيَّ دانيةٌ / مني خليّاً مِنَ الأشجانِ والفِكَرِ
هيهاتَ هذا فؤادٌ لا يُغَيَّرُه / عن المحبَّةِ ما فيها مِنَ الغِيَرِ
يا راقدَ الطرفِ طرفي في يدِ السَهرِ
يا راقدَ الطرفِ طرفي في يدِ السَهرِ / داءٌ بُلِيتُ به مِن رائدِ النظرِ
نَمْ وادعاً ودعِ المشتاقَ تُقِلقُهُ / مما تخطَّتكَ أنواعٌ مِنَ الفِكَرِ
جنايةٌ ناظري كانَ الكفيلُ لها / وآفةُ المرءِ بينَ القلبِ والبصرِ
ما مرَّ يوم وبالي منكَ في دَعَةٍ / اِلاّ وأُعقِبَ ذاكَ الصفوُ بالكدرِ
تلهو وقد جدَّ بي ما قد علمتَ بهِ / اِنَّ الأحبَّةَ اعوانٌ على الضَّرَرِ
أكادُ والقلبُ تهفوبي نوازعُه / إليكَ مثلَ جناحِ الطائرِ الحَذِرٍِ
أذوبُ شوقاً لكنّي أخو جَلَدٍ / فيه وانْ كانَ طعمُ الصَّبْرِ كالصَّبِرِ
والسُّمرُ دونَ وصالِ السُّمرِ مُشْرَعَةٌ / فكم أعلَّلُ روحي عنه بالسَّمَرِ
وكم أبيتُ وعيني غيرُ هاجعةٍ / أرعى لوامعَ برقٍ طائرِ الشررِ
ماأ قلتُ وهو على الأجزاعِ معترضٌ / يا ساهرَ البرقِ أيقظْ راقِدَ السَّمُرِ
ولا طلبتُ وقد أودى السهادُ بنا / مِن نازلِ الجِزعِ أعواناً على السَّهَرِ
يَقَرُّ بعيني أن أرى الربعَ والدارا
يَقَرُّ بعيني أن أرى الربعَ والدارا / واِنْ جدَّدا عندي رسيساً وتَذكارا
ربوعٌ وأوطانٌ بها وبأهِلها / بلغتُ لُباناتٍ وقضَّيتُ أوطارا
ومازالَ هذا الدهرُ في كلَّ ما أرى / مِنَ الوصلِ والتفريقِ في الناسِ أطوارا
أُعلَّلُ آمالي بما كنتُ آنِفاً / أرى فيه وجهَ العيشِ أبلجَ مختارا
وما كنتُ لولا البينُ والبينُ محوِجُ / أساهرُ نجماً لا يغورُ وسُمّارا
يميناً بمَنْ غاروا وأتهمتُ سُحرةً / عنِ الجِزعِ والنجمُ اليمانيُّ ما غارا
اِذا بانَ مَن أهوى ولم تَجرِ أدمعي / مِنَ البينِ غُدراناً فقد صِرتُ غدّارا
وفي حبَّهمْ أبليتُ بُردَ شبيبتي / فهلاّ اُراعى بعدَ ما صارَ أطمارا
وأزهارُ شيبي في غصونِ شبابِهم / حملنَ لنا مِن مؤلمِ الهجرِ أثمار
ولمّا غدا النّوارُ في الروضِ باسماً / وعاينتُ مِن ومضِ المباسمِ أنوارا
خلعتُ عذاري في الغرامِ وذو الهوى / حنانيكَ مَنْ لم يُبْلِ في الحبَّ اعذارا
وأعوزَني الأنصارُ يومَ سويقةِ / ومن ذا الذي يلقى على البين أنصارا
ومَنْ عاشَ في الدنيا فطوراً تذيقُه / جنى العيشِ اِحلاءً يَلَذُّ واِمرارا
ولمّا تذاكرنا مِنَ العيشِ طيبَهُ / وصفوَ وصالٍ لم نجدْ فيه أكدارا
طَرِبتُ إلى أن خُيَّلَ الذكرُ نشوةً / كما كنتُ أستسقي المُدامةَ خَمّارا
فواللهِ ما أدرى أخمراً سقيتُها / وقد ملتُ سكراً أم سلافُ الهوى دارا
أجيرانَنا صارتْ احاديثُ وصلِنا / لأهلِ الحمى بعدَ التفرُّقِ أسمارا
وفي الجيرةِ الغادينَ مِن بطنِ وجرة / غزالٌ على نقضِ المواثيقِ قد جارا
يُكَلَّفُني الأخطارَ حتى أرى له / معاطفَ قَدّ تُخْجِلُ الرمحَ خطّارا
فلمْ لا يُراعيني وقد أسهلَ الهوى / بغيري وطُرْقي فيه أمسينَ أوعارا
ومالي نظيرٌ في هواهُ واِنْ غدا / رجالُ الهوى في مدنفِ الحبَّ أنظارا
وغيدٍ غدا قلبي بهنَّ مروعَّاً / على كلَّ ما يلقاهُ منهنَّ صبّارا
رقمنَ البرى بالخطوِ نحوي عشيَّةً / فللهِ كم أهدينَ للعينِ أقمارا
واِنّي واِنْ جاوزتُ في الوجدِ حدَّه / وأنجدَبي شوقي اليهنَّ أو غارا
فلستُ أرى وجدي عليهنَّ سُبَّةً / ولا كَلَفي نقصاً ولا أدمعي عارا
ولما رأيتُ العيسَ وهي مثارةٌ / لوشكِ النوى يحملن حُدْجاً وأكوارا
تنوءُ وفي تلكَ الحدوجِ حبائبٌ / بهنَّ قطعنا رَيَّقَ العيشِ أعمارا
وسرنَ وقد كنَّ الأداني مودَّةً / يَخُضْنَ سراباً بالنجائبِ مَوّارا
رجعتُ إلى الأجفانِ مستنصراً بها / فأسبلنَ دمعاً في المنازلِ مدرار
وناجيتُ أطلالَ الديارِ وما الذي / أفادَ وقد خاطبتُ ترباً وأحجارا
فما لعهودِ الغانيات مضاعةً / وقد صارَ اِعلاناً غرامي واِسرارا
وزادَ غرامي في الظلامِ حمامةٌ / تغنَّتْ فأذكتْ في جوانحنا نارا
أثارتْ دفينَ الشوقِ حتى كأنَّنا / رأينا لليلى في المنازلِ آثارا
اِذا الريحُ هبَّتْ عن ديارٍ تحلُّها / حسبتُ الفضاءَ الرحبَ قد صار عطّارا
تَهُبُّ كأنْ مرَّتْ بدارِيْنَ سُحْرةً / مُعَنْبَرَةَ الضوعاتِ والنشرِ معطارا
وزائرةٍ بعد الهدوَّ كأنمَّا / وضعتُ بها عن كاهلِ الشوقِ أوزارا
منعَّمةٍ قابلة منها شمائلاً / فما عاينتْ عينايَ للحظَّ اِدبارا
غدا غزلي وقفاً عليها بديعُهُ / شَرُوداً وخيرُ الشَّعرِ ما كانَ سَبّارا
هل بعدَ وصالِكَ مِن وَطَرِ
هل بعدَ وصالِكَ مِن وَطَرِ / أم بعدَ فراقِكَ مِنْ حَذَرِ
كانا سبباً للدمعِ عَقَي / بَ نوى الأحبابِ وللسَّهرِ
يا صبرُ سرى الخُلاّنُ فكنْ / مِن بعدِ البينِ على الأثرِ
دمعي في الربعِ وقد بانوا / يَغني الأطلالَ عنِ المطرِ
والبرقُ لقيتُ شرارتَه / من نارِ غراميَ بالشَّرَرِ
والليلُ أراهُ ولا يُفضي / مِن فرطِ الشوقِ إلى سَحَرِ
قد كنتُ أنامُ ولي طرفٌ / ما كان تعرَّضَ للخطرِ
واليوَمِ أذودُ كرى العينينِ / لأجلِ نواكَ عنِ البصرِ
يا بدرَ دجًى لم يبدُ لنا / اِلاّ وغَنِيتُ عنِ القمرِ
وقضيباً ماسَ وما الأوراقُ / ترفُّ عليه سوى الشَّعَرِ
ما كنتُ بوصلكَ مقتنعاً / فقنِعتُ لبعدِكَ بالخَبرِ
علِّقتُكَ غِرّاً والأهواء / فبدأُها عَبَثُ الغَرَرِ
ومصيرُ دمِ العشاقِ متى / طُلَّتْ في الحبِّ إلى الهَدَرِ
عندي شكوًى لنواكَ / يَرِقُّ لشكواها قلبُ الحَجَرِ
وبليتُ بوخزِ هوًى قَصُرتْ / عنه في القلبِ شبا الاِبَرِ
كم بتُّ أؤمِّلُ في النسماتِ / عبيَر تأرُّجِكَ العَطِرِ
واِذا الأوطانُ خلتْ ودِّعْ / ما كنتَ تؤمِّلُ مِن وَطَرِ
ومُعَنَّى باتَ وقد قَدَحَتْ / في أضلُعِهِ نارُ الفِكَرِ
يهوى أغصانَ قدودِ / الهِيفِ وما فيهنِّ مِنَ الأطَرِ
ووجوهُ الغيدِ يُكلِّلَها / عَرَقُ كالدُّرِّ مِنَ الخَفَرِ
يا لوعةَ ساعِة بينهمُ / قد حَقَّ البعدُ فلا تَذَري
في الصدرِ غليلُ هوًى ما فا / زَ بورِدِ الوصلِ ولا الصَّدَرِ
فعلامَ هجرتَ أمِنْ شَيْبٍ / جلبتْهُ اليَّ يدُ الفِكَرِ
أم مِن واشٍ أجرى العبَراتِ / رماينُهُ لي بالقِصَرِ
مِنْ عاشَ رأى طولَ الأيا / م وقد أدَّتْهُ إلى الغِيَرِ
وبُريقٍ باتَ يُؤرِّقني / فَعَقَدْتُ بلمعتِهِ نَظَري
وحكيتُ تسعُّرَهُ في الجوِّ / مِنَ الأشواقِ بِمُسْتَعِرِ
وصبرتُ على مَضَضِ التسهيد / وطعمُ الصَّبْرِ فكالصَّبِرِ
يا قلبُ وكم لكَ مِن عُلقٍ / بالحُورِ قديماً والحَوَرِ
نزعتْ بكَ نحوهمُ حُرَقٌ / أجِّجْنَ بنارٍ مِنِ ذِكرٍ
فِالامَ تَعَلَّلُ دون السُّمْرِ / وقد هجروكَ وبالسَّمَرِ
وإِلامَ وقوفُكَ في دِمَنٍ / للبينِ بوالٍ كالسُّطُرِ
نظمَ الشعراءُ وما بَقَّوا / فخراً في القولِ لِمُفْتَخِرِ
وَشَّوا زهرَ الأشعارِ فقد / كَرَبتْ تختالُ على الزُّهُرِ
ونظمتُ فجئتُ بما أَربى / حسناً وأنافَ على الدُّرَرِ
كَلِمٌ كالروضِ أوشيهنّ / بلا عي وبلا حَصَرِ
تُلهي النَّدمانَ إذا ما فاه / به الركبانُ عنِ السُّكُرِ
رامُوا ورميتُ فكم قوسٍ / لهمُ في الشِّعرِ بلا وَتَر
ولئن عجزوا فقلد حَرَصُوا / ما الحِرصُ مُناطٌ بالظَّفَرِ
سلبوا الأعرابَ كلامَهمُ / وتعاورَهمْ عَجْزُ الحَصَرِ
وتتايهَ أكثرُهمْ حُمْقاً / بالشِّعرِ على أهلِ الوبَرِ
جَهِلوا الأشياءَ ولم أجهلْ / نقصَ التحجيلِ عنِ الغُرَرِ
فازَ القدماءُ بفضلِ السبقِ / وأين الصفوُ مِنَ الكَدَرِ
أَلَمُ الفراقِ نَفَى الرُّقادَ وَنفَّرا
أَلَمُ الفراقِ نَفَى الرُّقادَ وَنفَّرا / فلذاكَ جَفْنِيَ لا يلائمُه الكرى
جسدٌ يذوبُ مِنَ الحنينِ ومقلةٌ / حكمَ البعادُ وجَوْرُهُ أن تَسْهَرا
يا منزلاً أستافُ رَوْحَ صعيده / فكأننَّي أستافُ مسكاً أذفَرا
وكأنَّني لمّا نشقتُ عبيرَهُ / أودعتُ أسرابَ الخياشمِ عنبرا
جادَ القِطارُ ثرى ربوعِكَ وانثنى / فيها السحابُ كماءِ دمعي مُمطِرا
وأما ودمعٍ كلَّما نهنهتُهُ / جمَحَتْ بوادرُ غربِه فتحدَّرا
اِنّي أُجِلُّ ترابكنَّ بأنْ يُرى / يوماً بغيرِ ملثهِّنَّ مُغرفَرا
ولقد شكرتُ الطيفَ لما زارني / بعدَ الهُدُوِّ وحَقُّهُ أن يُشكَرا
أسرى اليَّ وقد نحلتُ فوالهوى / لولا الأنينُ لكادَ بي أن يعثرا
ومن البليَّةِ أن صيِّبَ أدمعي / أضحى عنِ السرِّ المصونِ مُعَبَّرا
ومولَّهٍ في الوجدِ حدَّثَ دمعُهُ / بأليمِ ما يلقاهُ فيه وخبَّرا
ما أومضَ البرقُ اليمانِ على الغَضا / اِلاّ تشوَّقَ عهدَهُ وتذكَّرا
واِذا رمى بعدَ الخليطِ بطرفهِ / نحوَ الديارِ رأى الحمى فاستعبرا
يهوى النسيمَ بليلةً أردانُه / عَبِقَ المهبَّةِ بالعبيرِ مُعَطَّرا
يسري إلى قَلِقِ الوسادِ وكلَّما / ذكَر الأحبَّةَ والشبابَ تحسَّرا
قد كانَ في الزمِن الحميدِ هبوبُه / أنَّى تنسَّمَ باللقاءِ مبشِّرا
يا حارِ لو يسطيعُ يومَ سُوَيقَةٍ / قلبي التصبُّرَ عنهمُ لتصبَّرا
ظعنوا فلو حلَّ الذي قد نالَه / بالصخرِ بعدَ نواهمُ لتفطَّرا
للّهِ كم وجدِ هناكَ أثارَهُ / للصبِّ حادي العيسِ ساعةَ ثوَّرا
نظرَ الديارَ وقد تنكَّرَ حسنُها / فشجاهُ ربعٌ بالغُوَيرِ تنكَّرا
وتغيَّرتْ حالاتُه بعدَ النوى / وقُصارُ حالِ المرءِ أن يتغيَّرا
شِيَمٌ بها عُرِفَ الزمانُ وكلُّ ما / قد سرَّ أو ما ساءَ منه تكرَّرا
ومسهَّدينَ مِنَ الغرامِ تخالُهمْ / عَقِبَ السُّهادِ كأنْ تعاطَوا مُسكِرا
مِن كلَّ مسلوبِ القرارِ مدلَّهٍ / فوقَ المطيَّ تراهُ أشعثَ أغبَرا
يرمي بها أعراضَ كلَّ تنوفةٍ / لو جابَ مجهلَها القطا لتحيَّرا
كَلَفاً بغِزلانِ الصريمِ ولوعةً / منعتْ كراه صبابةً وتفكُّرا
فتروقُه فيه الظباءُ سوانحاً / فيها طلاً فضحَ القضيبَ تأطُّرا
ويَظَلُّ في عرصاتهنَّ محاوراً / ظبياً يقلَّبُ ثَمَّ طرفاً أحورا
يرضى على عَنَتِ الزمانِ وحكمِه / منه بما منحَ الهوى وتيسَّرا
مِن شَعرِه وجبينهِ انا ناظرٌ / ليلاً أَضِلُّ به وصبحاً مسفرا
ما كانَ ظنَّي بعدَ طولِ وفائهِ / وهو الخليقُ بمثلِه أن يَهجُرا
أُمسي سميرَ النجمِ وهو محيَّرٌ / والعيسُ تقطعُ بي اليبابَ المقفرا
يخشى الدليلُ به فليس يُفيدُهُ / تحت الدُّجُنَّةِ أن يهابَ ويحذرا
في مهمهٍ ينضي المطيةَ خرقُهُ / فتراهُ مُنْطَمِسَ المعالمِ أزورا
تَخدي وأُنشِدُ مِن غرامٍ فوقَها / شعري فتجنحُ في الأزمَّةِ والبُرى
شِعراً إذا ما الفكرُ غالبَ صعبَه / جعلَ التحكُّمَ لي فقلتُ مخيَّرا
ما ضرَّهُ لمّا تقدَّمَ غيرُه / في الأعصرِ الأولى وجاءَ مؤخَّرا
وضِعَتْ عقودُ الدَّر منه لخاطري / فَطَفِقْتُ أنظمُ منه هذا الجوهرا
ما زلتُ مخيَّرا ولأجلِهِ / ما زالَ مِن دونِ القريضِ مُخيَّرا
يحدوه فضلُ جزالةٍ وطلاوةٍ / فيه وكلُّ الصيدِ في جوفِ الفَرا
ربوعٌ خلتْ مِن أهلِها وديارُ
ربوعٌ خلتْ مِن أهلِها وديارُ / دموعي على أطلالهنَّ غزارُ
وقفتُ بها يومَ الوَداعِ وللنوى / عَدِمتُ النوى بينَ الأضالعِ نارُ
عشيَّةَ رَفَّعْنَ الحُمولَ إلى الحمى / وقوَّضَ أهلُ الرقمتينِ فساروا
وكم مِن يدٍ فوقَ الحشا تلزمُ الحشا / لروعةِ بينٍ والمطيُّ تُثارُ
وكم كَبِدٍ أبدى بها البينُ والهوى / ندوباً وكاساتُ الفراقِ تُدارُ
وقد كنتُ أخشى البعدَ أيامَ قربنا / بسَلْعٍ فما ردَّ البعادَ حِذارُ
أحِنُّ إلى أوقاتِه كلَّما بدا / لنا غَسَقٌ يجلو دجاهُ نهارُ
وأشتاقُ اياماً تقضَّتْ بأهلِه / قِصاراً وأيامُ الدنوَّ قِصارُ
فيا ليتهمْ راعَوا عهوداً رعيتُها / وقد شابَ فيها لِمَّةٌ وعِذارُ
وليتهمُ مِن رحلةٍ قد تواعدوا / بها قبلَ تثويرِ المطيَّ أجاروا
فبينَ التنائي والمنيةِ ريثما / يُحثحِثُ حادٍ أو يُشَدُّ شِجارُ
وباكٍ من الهجرِ المبرَّحِ والضنى / شِعارٌ على لَبّانِه وصِدارُ
أبى جفنُهُ أن يَسْتَلِذَّ بغُمْضِه / على أنَّه قبلَ الرحيلِ غِرارُ
سلامٌ على تلكَ الديارِ واِنْ غَدَتْ / من الظَّبياتِ الغيدِ وَهْيَ قِفارُ
سلامُ امرئٍ يرعى العهودَ كأنَّهُ / وقد بَعُدُوا عنه لهنَّ جِوارُ
مقيمٍ على حفظِ المواثيقِ عهدَه / واِنْ بانَ جيرانٌ وشَطَّ مزارُ
همُ القومُ مذ بانوا فلم يبقَ مطمعٌ / لصبريَ أن يُعزى اليه قرارُ
خلا منهمُ نجدٌ فما الموتُ سُبَّةٌ / ولا الدمعُ من بعدِ التفرُّقِ عارُ
ولا عذرَ لي في الوجدِ أن لم أمتْ جوًى / وقد هَجَرَتْ بعدَ الوصالِ نَوارُ
ورُدَّتْ عواريُّ الدنوَّ وكلُّ ما / تراه مِنَ الأشياءِ فهو معارُ
وكلُّ دمٍ قد طُلَّ في الوجدِ عندما / تولَّتْ وجَدَّ البينُ فهو جُبارُ
خليليَّ هذا الربعُ غيرَّه البِلى / ففي كَبِدي مما عراهُ أُوارُ
غدا هَمَلاً بعد الزَّيارةِ ربعُهُ / وقد كانَ قبلَ اليومِ وهو يُزارُ
وهيَّجَ وجدي / والغرامُ كثيرة
دواعيِهِ عندي معصمٌ وسوارُ /
وبُزْلٍ تَهادَى في الفلاةِ كأنَّها / سَفينٌ وخدّاعُ السَّرابِ بحارُ
غدا دمعُها مما أضرَّ بها الوجا / على وجناتِ البيدِ وهو نُثارُ
عليها رجالٌ أن أظللَّكَ حادثٌ / فهمْ فيه أعلامٌ له ومنارُ
مناجيدُ يُحمى في عزيزِ ديارهمْ / بطولِ القنا جارٌ لهم وذِمارُ
مساعيرُ يُدعَى في النزالِ اليهمُ / اِذا خامَ عنه معشرٌ وبُشارُ
فلم تُغنِ عنّي في الغرامِ سيوفُهمْ / ولا ذبَّ منها مَضرِبٌ وغِرارُ
أحبَّتنا قلبي كما قد عهدتُمُ / من الريحِ أن هبَّتْ يكادُ يَغارُ
ودمعي سقى هيمَ المطايا قِطارُه / وقد بَخِلَتْ سُحْبٌ تنوءُ عِشارُ
اقيلوهُ هذا الذنبَ فهو وَشَى بنا / واِنْ كان فيه لا يُقالُ عِثارُ
بروحي بدوراً ما تزالُ كواملاً / اِذا حلَّ في بعضِ البدورِ سِرَارُ
وشعرٌ إذا ما الفكرُ أبدى جيادَهُ / سَبَقْنَ فلم يُدركْ لهنَّ غبارُ
فما بالُ أربابِ النظيمِ كانمَّا / أُديرَ عليهمْ في النديَّ عُقارُ
أمِنْ نشواتِ الشَّعرِ ضلَّتْ عقولُهمْ / فخامرَهمْ طيشٌ وخَفَّ وقَارُ
فهذا قريضٌ لو تقدَّمَ عصرُه / لصلّى عليه يَعْرُبٌ ونِزارُ
تخيَّرَ أشتاتَ الفضائلِ لفظُهُ / فليس يدانيهِ الغَداةَ فَخارُ
ولم يَعْرُه مني كعاداتِ شعرهمْ / متى طلبوه وروعةٌ ونِفارُ
فأشعارُ أهلِ العصرِ غايةُ لفظِها / لُجَينٌ وامّا لفظُه فنُضارُ
بَعُدَ المزارُ فأنَّةٌ وتذكُّرُ
بَعُدَ المزارُ فأنَّةٌ وتذكُّرُ / بعدَ الخليطِ وعبرةٌ تتحدَّرُ
ومولهٌ بينَ الطلولِ كأنَّهُ / ألِفٌ يخاطبُها وهنَّ الأسطرُ
وصبابةٌ بينَ الجوانحِ كلَّما / ذُكِرَ الفراقُ فنارُها تتسعَّرُ
لّلهِ قلبي كم يَلِجُّ به الهوى / فيبيتُ يُنجِدُ وجدُه ويُغَوِّرُ
يرجو الوصالَ وتارةً يخشى النوى / فِالامَ يرجو في الغرامِ ويَحْذَرُ
يا قلبُ كم تصبو إلى زمنِ الحمى / وأهيلِه شوقاً وكم تتذكَّرُ
بانوا فقلبكَ حسرةً مِن بعدِما / بانوا على آثارِهمْ يتفطَّرُ
قلبٌ يقولُ لعاذليهِ على الهوى / كُفُّوا فميعادُ السُّلوِّ المحشرُ
تُصبيكَ حوراءُ العيونِ غضيضةٌ / هيفاءُ مُخْطَفَةٌ وظبيٌ أحورُ
وكأنَّما هذي مهاةُ أراكةٍ / ترنو بيقفلها وهذا جؤْ ذَرُ
ظبيٌ أرومُ الوصلَ منه ودونه ال / بيضُ القواضبُ والمشيجُ الأسمرُ
في حيث لا لمعُ البروقِ وسحبُها / اِلاّ القواضبُ والعجاجُ الأكدرُ
وفوارسٌ خاضوا الوغى وغمارَها / في حيث بحرُهمُ الحديدُ الأخضرُ
والخيلُ تمزعُ والأسنَّةُ شُرَّعٌ / والبيضُ تُثلَمُ والقنا تتأطَّرُ
فظُبي الصوارمِ لا البروقُ لوامعٌ / في حيث سحبُ حُماتهنَّ العِثيَرُ
وغمامةُ الحربِ العَوانِ ملثةٌ / بسوى النصالِ كماتُها لا تُمطّرُ
نشقوا رياحينَ الرماحِ حماسةً / فكأنَّما فيهنَّ مسكٌ أذفرُ
مِن كلِّ فارسِ مَعرَكٍ يردُ الردى / اِلْفاً ويُطربُه الثناءُ فَيُنْشُرُ
ونجائبٍ كلفنُهنَّ إلى الحمى / شوقاً تظلَّمَ منه مَرْتٌ أزورُ
أنضيتُ فيه الناعجاتِ فِانْ وفَتْ / كَفلَتْ تلاقينا العتاقُ الضمَّرُ
طمعاً بِعَوْدِ زمانِ أيامِ اللِّوى / ومُحَجِّرٍ سُقيَ الّلوى ومُحَجِّرُ
لا الظاعنونَ عنِ العقيقِ إلى الحمى / رجعوا ولا قلبي المعنَّى يَصبِرُ
تَخِذَ النزوعَ إلى الأحبَّةِ دَيْدَناً / فغدا وجامحُ شوقِه لا يَقصُرُ
لامَ العواذلُ في الغرامِ فما ارعوى / وجدي واِنْ جَنفَوا عليَّ فأكثروا
سِيّانِ عندي بعدَما احتنكَ الهوى / وسَطا الغرامُ أطولوا أم قصَّروا
ولربَّ يومٍ للودَاعِ شَهِدتُه / حيرانَ تعترفُ الدموعُ وأُنكرُ
كشفَ الفراقُ مِنَ الحياءِ قِناعَهُ / فطَفِقتُ لا أخشى ولا أتسَّترُ
في موقفٍ ما فيه إلا أنفسٌ / ذابتْ فَسمَّوها دموعاً تَفطُرُ
لا العذلُ يملكُ صبوتي فيردُّها / جبراً ومثلُ صبابتي لا تُجبَرُ
كلاّ ولا وجدي القديمُ بمنتهٍ / عمَّنْ يُؤنَّبُ في هواه ويُزجَرُ
كلاّ ولا وِردُ الوصالِ وبردُه / حاشاه بعدَ صفائهِ يتكدَّرُ
ومدلَّهٍ أمستْ وشاةُ دموعِه / عنه تُحدِّثُ بالهوى وتُخبِّرُ
وغدا تنفُّسُه يَنْمُّ بكلِّ ما / يُخفيهِ مِن سرِّ الغرامِ ويُظهِرُ
وتغيَّرتْ تلكَ الطلولُ وأهلُها / بعدَ النوى وهواه لا يتغيَّرُ
هطلتْ سحابةُ دمعِه فيها فما / حَفَلَتْ وقد بَخِلَ السحابُ الممطرُ
تُصبيهِ أغصانُ القدودِ موائلاً / ويشوقُه وردُ الخدودِ الأحمرُ
ياليلُ طلتَ فِانْ تناقصَ بعدما / أفرطتَ صبري فالحنينُ موفَّرُ
طمحٌ يزيدُ وأضلعٌ تَلْظَى هوًى / وصبابةٌ تقوى وصبرٌ يُقهَرُ
كم بتُّ بالليلِ الطويلِ مروَّعاً / وأخو السلوِّ ينامُ فيه وأسهرُ
زمنٌ عذيرايَ الصبابةُ والصِّبا / فيه ومغلوبُ الصبابةِ يُعذَرُ
مَنْ لي وكافورُ المشيبِ مُنَوَّرٌ / لو دامَ مِن ليلِ الشبابِ العنبرُ
ياأيُّها الشعراءُ هل مِن لا قطٍ / دُرّاً يسودُ به فهذا الجوهرُ
وقفَ اختياركمُ عليه فما لَهُ / مُتَقَدَّمٌ عنه ولا متأخَّرُ
هذا هو الشِّعرُ الذي لو أنَّه / ماءٌ لقالَ الناسُ هذا الكوثرُ
ولو انَّه خُطَبٌ أرتِّبُ لفظَها / جُمعيَّةً لصبا اليها المنبرُ
عُرُبُ القصائدِ ما غدونَ شوارداً / وغدا النويُّ بهنَّ وهو معطَّرُ
يزددنَ حسناً ما ترنَّمَ منشدٌ / بنسيبهنَّ وما تَكُرُّ الأعصرُ
عزَّتْ على خطّا بهنَّ وكلُّ مَنْ / يستامهنَّ مطوَّقٌ ومسوَّرُ
مِن كلِّ قافيةٍ إذا غضغضتَها / عُبَّ الكلامُ كما تُعَبُّ الأبحرُ
عذراءَ بكرٍ في القريضِ غريبةٍ / بسوى النفوسِ كلامُها لا يُمهَرُ
ما كنتُ أرضى أن يكون خليلَها / كسرى أنوشِرْوانَ والاِسكندَرُ
نسيمٌ عن الأحبابِ هبَّ معطَّرا
نسيمٌ عن الأحبابِ هبَّ معطَّرا / تَفاوحَ مسكاً في الرياضِ وعنبرا
تأرَّحَ لمّا مرَّ بالحيَّ موْهناً / فيا ليتُه بي حين هبَّ تعثَّرا
سرى يملأُ الآفاقَ طيباً كأنَّما / تحمَّلَ مسكاً مِن اميمةَ أذفرا
أهيمُ بها وجداً وأفنى صبابةً / وحسبُ أخي الأشواقِ أن يتذكَّرا
مهاةٌ أرى مِن شَعرِها وجبينها / اِذا ما بدتْ ليلاً مِنَ الشَّعرِ مُقْمِرا
لقد أضرمتْ في القلبِ نارَ صبابةٍ / أبتْ بعدَ ذاكَ البُعْدِ إلا تسعُّرا
وأوردَني حبيَّ لها كلَّ موردٍ / مِنَ الوجدِ لم أعرفْ له الدهرَ مَصدَرا
اِذا ما تذكَّرتُ الزمانَ الذي صفا / به وصلُها بكَّيتُ ما قد تكدرا
زماناً رأينا الوصلَ فيه مروَّضاً / وغصنُ التداني بالأحبَّةِ مُثمِرا
فسقّاهُ دمعي لا السحابُ فاِنَّني / أرى الدمعَ مِن ماءِ السحائبِ أهمرا
يروحُ على أطلالِها متدفَّقاً / ويغدو على أرجائها متدَرا
وحيّا دياراً بالعقيقِ تبدَّلتْ / مِن الاِنسِ ظِلمانَ النعامِ المنفَّرا
لقد همَّ فيها المزنُ أن يُمْسِكَ الحيا / وعارضَهُ دمعي بها فتحدَّرا
منازلُ كم حاورتُ فيهنَّ شادِناً / مِن الإنسِ مصقولَ الترائبِ أحورا
اِذا ما تبارى الغيثُ فيها وأدمعي / غدتْ أدمعي فيها مِن الغيثِ أغزرا
وقائلةٍ ما بالُ وجدِكَ زائداً / وقد كان عندي أن وجدَكَ أقصرا
فقلتُ لها يأبى الوفاءُ لصبوتي / على قِدَمِ الأيامِ أن يتغيَّرا
مقالةُ محنيَّ الضلوعِ على هوًى / اِذا ما دعاهُ الوجدُ سارَ مشمَّرا
تعوَّدَ في لُقيا الأحبَّةِ دائماً / لقاءَ الأعادي يافعاً وحَزَوَّرا
مُعَنًّى بأسرابِ الصريمِ فتارةً / يلاحظُ ظبياً أو يغازلُ جُؤذَرا
يداوي أليمَ الشوقِ بالربعِ ضَلَّةً / وهيهاتَ أن يزدادَ إلا تذكُّرا
سقاهُ الهوى كأساً وسقَّى رجالَهُ / بفضلةِ ما أبقاه فيها وأسأرا
فاِنْ أنجدَ الأحبابُ أنجدَ وجدُه / واِنْ غوَّروا أمسى الحنينُ مغوَّرا
يهونُ عليهم أن تنامَ عيونُهمْ / اِذا طالَ ليلُ المستهامِ ويسهرا
وخَرْقٍ أزرناهُ النجائبَ ضلَّعاً / تجوبُ بنا مَرْتاً مِن البيدِ أزورا
نكلَّفُها السيرَ الحثيثَ واِنْ غدتْ / من النجمِ في الظلماءِ اهدى وأسيَرا
حروفٌ محتْ في مُهْرَق البيدِ أسطراً / بأخفافِها طوراً وأثبتنَ أسطرا
عليهنَّ مِن أهلِ الغرامِ عصابةٌ / نفى الوجدُ عن أجفانِها لذَّةَ الكرى
فكُلاًّ ترى فوق المطيَّةِ منهمُ / على شُعَبِ الأكوارِ أشعثَ أغبَرا
تُميلُهمُ كأسُ الكَلالِ كأنَّما / تعاطَوا على أعلى الغواربِ مُسْكِرا
وأحماسِ حربٍ فوقَ كلَّ طِمِرَّةٍ / مُضبَرَّةِ المتنينِ محبوكةِ الفَرا
ليوثُ وغًى يومَ الكفاحِ تراهمُ / أقلَّ عديداً في اللقاءِ وأكثرا
مُعَوَّدَةٌ أن تتركَ البيضَ في الوغى / محطمةً والسمهريَّ مُكَسَّرا
بحيثُ لسانُ السيفِ يصبحُ خاطباً / وحيث يكونُ الهامُ للسيفِ منبرا
واِنْ أقبلتْ زرقُ الأسنَّةِ شرَّعاً / وعاينتَ في أطرافِها الموتَ أحمرا
بأيدي رجالٍ ما أخفَّ إلى الوغى / اِذا ما دعا داعي الجِلادِ وأصبرا
رأيتَهم والموتُ مُرٌّ مذاقُه / يخوضونَ منه في الملمّاتِ أبحُرا
أسودٌ تخالُ السمهريةَ في الوغى / لها أُجُماً والمشرفيَّةَ أظفُرا
يبيعونَ في يومِ النزالِ نفوسَهمْ / اِذا ما رأوا اِبنَ المحامدِ يُشترى
واَمّا دعا داعي الصريخِ وأقبلتْ / كتائبُ يحملن القنا والسنورا
يحفُّونَ بالبزلِ الحراجيجِ سُهَّماً / اليها وبالجُردِ العناجيجِ ضُمَّرا
ومَنْ كان في يومِ اللقاءِ ابنَ حرةٍ / تَقدَّمَ لا يختارُ أن يتأخَّرا
بعزم يفسل المرهفات بحده / ويهزم في يوم الكريهة عسكرا
وما روضةٌ باتَ القِطارُ يجودُها / فأعشبَ مغبرُّ الرياضِ وأزهرا
تَدرهمَ نُوّارُ القاحيَّ مَوْهِناً / ولاحتْ له شمسُ الضحى فتدنَّرا
وهبَّ نسيمُ الصبحِ في جنباتِه / سُحيراً بأخبارِ الحمى فتعطَّرا
ورنَّحَ رندَ الواديينِ هبوبُه / فمالَ على حَوذانِه وتأطَّرا
وشعَ فيها القَطْرُ ديباجَ روضِه / فراقتكَ أزهارُ الخميلةِ منظرا
بأحسنَ مِن شِعري إذا ما نظمتُه / وفصَّلتُ منه في القلائدِ جوهرا
نظيمٌ إذا ما حكتُه قالتِ النُّهى / حنانيكَ ما أحيا فؤاداً وأشعرا
ونلتُ مِنَ الشَّعرِ الثريا تطاولاً / فيا ليتهمْ نالوا على قربهِ الثرى
تركتُ لأهلِ الشعرِ ضحضاحَ مائهِ / وأحرزتُ منه رائقَ الوِردِ كوثرا