المجموع : 63
املإِ الأرضَ يا مُحمّدُ نُورا
املإِ الأرضَ يا مُحمّدُ نُورا / وَاغْمُرِ النّاسَ حِكمةً والدُّهورا
حجبتكَ الغيوبُ سِرّاً تجلى / يكشفُ الحُجْبَ كلَّها والسُّتورا
عَبَّ سيلُ الفسادِ في كلّ وادٍ / فتدفَّقْ عليه حتّى يغورا
جِئتَ ترمي عُبابَهُ بعُبابٍ / رَاح يَطوِي سُيولَهُ وَالبحورا
يُنقذُ العالمَ الغريقَ ويحمي / أُمَمَ الأرضِ أن تذوقَ الثُّبورا
زاخرٌ يَشملُ البسيطةَ مدّاً / ويَعُمُّ السَّبعَ الطِّباقَ هديرا
أنت معنى الوجودِ بل أنت سِرٌّ / جَهِلَ النّاس قبله الأكسيرا
أنت أنشأتَ للنُّفوس حَياةً / غَيَّرتْ كلَّ كائنٍ تغييرا
أنجب الدهر في ظلالك عصراً / نابه الذكر في العصور شهيرا
كيف تَجزِي جَميل صُنعِك دُنيا / كُنتَ بَعثاً لها وكنتَ نُشورا
وَلدتكَ الكواكِبُ الزُّهرُ فَجراً / هاشميَّ السَّنا وَصُبحاً منيرا
يَصدعُ الغيهبَ المُجَللَ بالوح / يِ المُلَقَّى ويَكشِفُ الدّيجورا
منطقُ القدرةِ التي تُرهقُ القا / درَ والعبقريَّ قُصورا
كُلُّ ذِمرٍ رَمَى النُّفُوسَ بوِترٍ / مِن حَظاياهُ رَدَّه موتورا
خَرَّتِ العُربُ من مَشارِفها العُل / يا تُوالِي هُوِيَّها والحدورا
بات فيها ملك البيان حريباً / يسلم الجند وَالحمى وَالثُّغورا
أنكرَ النّاسُ رَبَّهم وتَولَّوْا / يَحسبون الحياةَ إفكاً وَزورا
أين من شِرعةِ الحياةِ أُناسٌ / جعلوا البَغيَ شِرعةً والفجورا
تلك أربابُهم أتملك أن تن / فَع مِثقالَ ذرّةٍ أو تَضيرا
قهروها صِناعةً أعجبُ الأرْ / بابِ ما كان عاجزاً مقهورا
ما لدى اللاّتِ أو مُناة أو العز / زى غَنَاءٌ لمن يَقيسُ الأمورا
جاءَ دِينُ الهدى وَهبَّ رسولُ ال / لَهِ يَحمِي لواءَهُ المنشورا
ضَرَبَ الكُفرَ ضَربةً زلزلته / فَتداعى وَكان خطباً عسيرا
جَثمتْ حوله الحُصونُ وظنَّ ال / قومُ ظنَّ الغرورِ أن لن تطيرا
هَدَّها ذو الجلالِ حِصناً فحصناً / بالحصونِ العُلَى وَسُوراً فسورا
بالرسولِ الهادي وبالصفوةِ الأم / جادِ يَقضون حقَّه الموفورا
يُهرقون النّفوسَ تَلْقَى الرَّدَى المُهْ / راقَ مثل الغديرِ يَلقى الغديرا
إنّ في القتل للشعوبِ حياةً / وَارفاً ظِلُّها وخَيراً كثيرا
ليس مَن يركبُ الدّنيّةَ يَخشى / مَركبَ الموتِ بالحياةِ جديرا
أمِنَ الحقِّ أن تصُدَّ قُريشٌ / عن فتاها وأن تُطيلَ النّكيرا
سَلْ أبا جَهلها وَقوماً دعاهم / فاستجابوا جَهالةً وغرورا
أُولعوا بالأذى فألفوا رسولَ ال / لَهِ جَلْداً على البلاءِ صبورا
كُلما أحدثوا الذُّنوبَ كِباراً / وَجدوهُ لِكُلِّ ذنبٍ غفورا
ما بِهِ نَفْسُه فيغضبُ يُرضي / ها وَتُرضيهِ ناعماً مسرورا
إنّه اللّهُ لا سِواهُ وَدِينٌ / مَلَكَ النّفسَ وَاسترقَّ الشُّعورا
يَجِدُ النّاسَ وَالمقاديرَ فيهِ / وَيرى ما عداه شيئاً يسيرا
ما زكا سابقٌ من الرُّسلِ إلا / هو أزكى نَفْساً وأصفَى ضميرا
جاءه عمُّه يَقول أترضى / أن يُقيموك سيِّداً أو أميرا
وَيَصُبُّوا عليكَ من صفوةِ الما / لِ حَياً ماطراً وَغيثاً غزيرا
قال يا عمِّ ما بُعثتُ لدنيا / أبتغيها وما خُلِقتُ حَصورا
لو أتوني بالنّيرين لأعرض / ت أُريهم مطالبي والشُّقورا
إن يُشيروا بما علمتَ فإنّي / لأَدعُّ الهوى وأعصي المشيرا
دَونَ هذا دمي يُراقُ وَنفسِي / تُطعَمُ الحتفَ رائعاً محذورا
ما رأينا كالمطعمِ بن عديٍّ / جافياً واصلاً هَيوباً جَسورا
آثر الكُفر مِلّةً وأجارَ ال / دينَ مُستضعفاً يَدورُ شَطيرا
رَامَ بالطائفِ المُقامَ فأعيا / فانثنى يَطلبُ الأمانَ حَسيرا
وَكَّلَ اللّهُ بالنُّبوَّة منه / أسداً يَملأُ الفضاءَ زَئيرا
قائماً في السّلاحِ يَجمعُ حولَيْ / هِ شُبولاً تَحمِي الحِمَى وَنُمورا
يَمنعُ القومَ أن يصدّوا رسولَ ال / لَهِ عن بيتِه وَيَأبَى الخُفورا
نَقضَ الحِلفََ من قريشٍ فأمسَى / أسلمْتهُ العُرَى وكان مَريرا
عجباً للغويِّ يُعطيكَ منه / عَملاً صالحاً ورأياً فطيرا
ما رأينا من ظنِّ بالزرعِ شَرّاً / فحمَى أرضَهُ وصان البذورا
لو جَزَى الله كافراً أجرَ ما أح / سنَ يَوماً لَخِلتُهُ مأجورا
ظلَّ مُستخفِياً بغارِ حِراءٍ / يَعبدُ اللهَ عائذاً مُستجيرا
يَسمرُ القومُ في الضّلالِ ويُمسِي / للذي أطلعَ النُّجومَ سميرا
رَاكعاً ساجِداً يُسبِّحُ مَولا / هُ ويُزجِي التَّهليلَ والتّكبيرا
تَهتِفُ الكائناتُ يأخذُها الصّو / تُ تُحيِّي مكانَهُ المهجورا
نَالَ منها مَحلّةً لم ينلْها / صَوْتُ دواد حِينَ يَتلو الزَّبورا
نَبراتٌ قُدسيةٌ تَتَوالَى / نَغَماً رائعاً وتَمضِي زَفيرا
ربِّ طَالَ الخَفاءُ والدّينُ جَهرٌ / رَبِّ فاجعلْ مدَى الخفاءِ قصيرا
مَاجتِ الأرضُ حوله وتجلَّى ال / لَهُ يَنهَى بُركانَها أن يفورا
أُوذِيَ الدّينُ في الشِّعابِ وَردّتْ / يَدُ سعدٍ عَدوَّه مدحورا
رَقمتْ في الكتابِ أولَ سطرٍ / وأتمَّ الدَمُ المُراقُ السُّطورا
أدبر القومُ محنقين فلولا ال / لَهُ كادتْ رَحَى الوغَى أن تدورا
أَزمعَ الضّيفُ أن يَؤُمَّ سِواهُ / منزلاً كان صالحاً مبرورا
حَلّه الوحْيُ رَوضةً شَاعَ فيها / رَونقاً ساطعاً وفاحَ عَبيرا
ودعا الأرقمُ استجِبْ تلك داري / تَسَعُ الدّينَ مُحرَجاً محصورا
وافِها واجمعِ المصلّينَ فيها / عُصبةً إن أردتَ أو جُمهورا
وأتى ابنُ الخطابِ يُؤمنُ بالَّ / هِ ويختارُ دِينَهُ المأثورا
قال كلاَّ لن يعبُدَ اللّهُ سِرّاً / ويُرَى نُورُ دينهِ مستورا
اُخرُجوا في حِمَى الكتابِ أُسوداً / وَاطلعوا في سَنا النبيِّ بُدورا
ذلكم بَيتُكم فَصَلُّوا وطُوفُوا / لا تخافُنَّ مُشرِكاً أو كفورا
أجمعوا أمرهم وقالوا هو القت / لُ يُميطُ الأذَى ويَشفِي الصُّدورا
كذبوا ما دمُ الهِزبرِ أماني / يَ مَهاذيرَ يُكثِرونَ الهريرا
لا ورَبِّي فإنّما طَلبَ الكف / فارُ بَسْلاً وحاولوا محظورا
إنّ نفسَ الرسولِ أمنعُ جاراً / مِن طواغيتهم وأقوى مُجيرا
ما لهم هل رَمَى النبيُّ تُراباً / أم عَمىً في عُيونِهم مذرورا
ذَهلوا مُدّةً فلما أفاقوا / أنكروها دَهْياءَ عزّتْ نظيرا
يَنفُضون الترابَ مَن مَسَّ منّا / كُلَّ وجهٍ فَردَّهُ مَعفورا
أين كنّا ما بالُنا لا نَراهُ / ما لأوصالِنا تُحسُّ الفُتورا
أمِنَ الحادثاتِ ما يُذهلُ العا / قِلَ عن نفسِهِ ويُعمِي البصيرا
أين وَلّى لقد رمانا بِسحرٍ / فَسَكِرْنا وما شَرِبنا الخمورا
يا له مُصعَباً لوَ اَنّا أصبنا / هُ على غِرّةٍ لَخَرَّ عقيرا
رَاحَ في غِبطةٍ وَرُحنا نُعانِي / أملاً ضائعاً وَجَدَّاً عَثورا
خَيْبةٌ تترْكُ الجوانحَ حَرَّى / يا لها حَسرةً تُشَبُّ وتُورى
رَبِّ آتيتَه على القومِ نَصراً / فتباركَت حافظاً ونصيرا
أنت نجيتَه فهاجرَ يقضِي ال / حقَّ لا خائفاً ولا مذعورا
يَومَ ضَجّتْ جِبالُ مكّةَ ذُعراً / وَتَمنَّتْ هِضابُها أن تمورا
تتنزَّى أسىً وتُمسِكُها تم / نعُها من وَرائِه أن تسيرا
هِيَ لولاكَ لارتمتْ تقذفُ الصّخ / رَ وتُزجِي هَباءها المنثورا
هاجها من جَوى الفِراقِ وَحَرِّ ال / وجدِ ما هاجَ بيتَكَ المعمورا
كاد يهفو فَزِدْتَهُ مِنكَ رُوحاً / فَانْثَنى راجِحَ الجلالِ وَقورا
يا لها من مُحمّدٍ نظراتٍ / زَخَرتْ رَحمةً وجاشتْ سعيرا
نظراتٌ شجيّةٌ لا تَعدُّ ال / أهلَ أهلاً ولا تَرى الدُّور دورا
قال ما في البلاد أكرمُ من مك / كةَ أرضاً ولا أحبُّ عشيرا
فَاسْكُنِي يا هموم نَفِسيَ إن ال / لَهَ أمضى قضَاءَهُ المقدورا
إنني قد نَذرتُ للّهِ نفسي / والتقيُّ الوفيُّ يقضِي النُّذورا
نَقطعُ البِيدَ بعد صَحبٍ كرامٍ / قَطعوا غارِبَ العُباب عُبورا
كم رشيدٍ آذاه في اللهِ غاوٍ / زاده طائفُ الهوى تخسيرا
ضَرب الصّحبُ في البلادِ فأمسوا / لا يُصيبون صاحباً أو سجيرا
في ديارٍ لدى النجاشيِّ غُبْرٍ / ظلَّ فيها سَوادُهم مغمورا
وتَولَّى وللأمورِ مصيرٌ / يشترِي رَبَّهُ ويرجو المصيرا
يومَ يَمشِي الصِّدِّيقُ في نوره الزا / هي يُوالِي رواحه والبُكورا
يَنصُر الحقَّ ثائراً يمنعُ البا / طِلَ أن يستقرَّ أو أن يثورا
لا يُبالي غَيْظَ القلوبِ ولا يَحْ / فِلُ في اللهِ لائماً أو نذيرا
أقبلَ القومُ يسألون أتحتَ ال / تربِ أم جاورَ الطريدُ النُّسورا
نَفضوا الهَضْبَ والجِبال وشَقّوا ال / أرضَ طُرَّاً رِمالَها والصُّخورا
وَيحَ أسماءَ إذ يجيءُ أبو جه / لٍ عَلَى خدرها المصون مغيرا
صاحَ أسماءُ أين غَابَ أبو بك / رٍ أجيبي فقد سألنا الخبيرا
قَالتِ العلم عنده ما عَهِدْنا / أجَمَ الأُسْدِ تَستشيرُ الخدورا
فرماها بلطمةٍ تُعرِضُ الأجْ / يالُ عن ذكرِها صَوادفَ صُورا
قذَفتْ قُرطها بَعيداً ورضّتْ / من وُجوهِ النبيِّ وَجهاً نضيرا
غارَ ثَوْرٍ أعطاك ربُّكَ ما لم / يُعطِ من روعةِ الجلالِ القُصورا
أنت أطلعتَ للممالكِ دُنيا / ساطعاً نُورها وديناً خطيرا
صُنتَهُ من ذخائِر الله كَنزاً / كان من قبلُ عنده مذخورا
مَخفرُ الحقِّ لاجئاً يَتوقَّى / قام فيه الروحُ الأمين خفيرا
وقفتْ حوله الشّعوبُ حَيارى / من وراء العصورِ تدعو العصورا
يا حيارى الشعوب ويحكِ إنّ ال / حقَّ أعلى يداً وأقوى ظهيرا
لا تخافي فتلك دولته العُظ / مَى تناديك أن أعدِّي السريرا
جاءكِ المنقذُ المحرر لا يت / رك قيداً ولا يغادر نيرا
ورثَ المالكينَ والرُّسلَ الها / دين بالحق أولاً وأخيرا
الحكيمُ الذي يَهدُّ وَيبني / فيجيدُ البناءَ والتدميرا
والزعيمُ الذي يَسنُّ ويقضِي / لبني الدهرِ غُيَّباً وحضورا
تترامى الأجيالُ بين يديه / تتلقَّى النظامَ والدُّستورا
ليس في الناسِ سادةٌ وعبيدٌ / كَبُرَ العقلُ أن يَظلَّ أسيرا
خُلِقَ الكلُّ في الحقوق سواءً / ما قضى الله أمره مَبْتورا
كذبَ الأقوياءُ ما ظلمَ اللَ / هُ وما كان مُسرِفاً أو قَتورا
دَبَّرَ المُلكَ للجميع فَسوَّى ال / أمرَ فيه وأحكمَ التدبيرا
يا نصيرَ الضِعاف حَرِّرْ نفوساً / تتمنَّى الفكاكَ والتَّحريرا
ضجّتِ الكائناتُ هل من سفيرٍ / يتلافى الدُّنى فكنتَ السفيرا
رَبِّ آتيتنا هُدَاك وأنزلْ / تَ علينا كتابكَ المسطورا
فَلكَ الحمدُ وَافراً مُستمِراً / ولَك الفضلُ باقياً مذكورا
صَاحِبَ القائم المتوّجِ بالفُر / قانِ بُوركتَ صاحباً ووزيرا
أنتَ واليتهُ وعاديتَ فيه / من توخَّى الأذى وأبدى النفورا
أوَ لم تَتَخذْ أباك عدوّاً / وتُذِقْهُ الهوان كيما يحورا
إذ يقول النبيُّ لا تضربِ الشي / خَ وإن سبّني ودعه قريرا
إنما نِلتَ بالمساءةِ منه / والداً مُدبِراً وشيخاً ضريرا
ليت شعري أصبتَ حيّةَ وادٍ / تنفُث السُّمَّ أم أصبت حريرا
نَفثتْ سُمَّها فما هَزَّ رِضْوى / من وقار ولا استخفَّ ثَبيرا
خِفْتَ أن تُوقِظَ النبيَّ فما يُر / ضيكَ أن تضعفَ القُوى أو تخورا
أكرم الله رُكبتيك لقد أع / طاك سُبحانه فأعطى شَكورا
أيَّ رأسٍ حَملت يا حاملَ الإي / مانِ سمحاً والبِرَّ صَفْواً طَهورا
اتَّقِ اللهَ يا سراقةُ وانظر / هل ترى الأمر هيّناً ميسورا
أم تظنُّ الجواد تُمسكه الأر / ضُ وتلوي عنانه مسحورا
أم هو اللهُ ذو الجلالِ رماه / يُمسك الشرَّ راكضاً مستطيرا
غرّك القومُ فانطلقت تُرجّي / ه خسيساً من الجزاءِ حقيرا
وَضحَ الحقُّ فاعتذرتَ وأولا / كَ الرسولُ الأمين فضلاً كبيرا
فُزتَ بالعهدِ فَاغْتَنِمْهُ وَأَبْشرْ / بِسِوارَيْ كِسْرَى فُدِيتَ البشيرا
قُلْ لأهلِ النّياقِ أوتيتُ أجرِي / جَللاً فَابْتَغوا سِوَايَ أجيرا
ليس من رامَ رِفعةً أو سناءً / مِثلَ من رامَ ناقةً أو بعيرا
وأَتى بَعدهُ بُريدَةُ يرجو / أن يَنالَ الغِنَى وكان فقيرا
يركبُ اللّيلَ والنّهارَ وَيَطوِي ال / بِيدَ غُبْراً سُهولها والوعُورا
في رجالٍ من صحبهِ زَعموا الإغ / راءَ نُصحاً واسْتَحسنوا التَّغريرا
آثروا اللهَ والرسولَ ففازوا / وَارْتَضَوْها تجارةً لن تبورا
أسلموا وَارْتَأى بُريدةُ رأياً / ألمعيّاً وكان حُرّاً غَيورا
قال ما يَنبغِي لمثلِ رَسولَ ال / لَهِ أن يَأَلُوَ البلادَ ظُهورا
كيف تمشي بلا لواءٍ وقد أُو / تُيتَ من ربّكَ المقام الأثيرا
ليس لي من عمامتي ومن الرم / ح عَذيرٌ إذا التمست عذيرا
اخفقي يا عمامتي واعلُ يا رم / حي فقد خفت أن تعود كسيرا
ومشى باللواءِ بين يديه / يتلقَّى السنا البهيَّ فخورا
ما حديثٌ لأمّ معبدَ تسْتسْ / قيهِ ظمأى النفوسِ عذباً نميرا
سائلِ الشّاةَ كيف دَرّتْ وكانت / كزَّةَ الضَّرعِ لا تُرجّى الدُّرُورا
بركاتُ السَّمح المؤمَّلِ يَقرِي / أُممَ الأرضِ زائراً أو مزورا
مظهرُ الحقِّ للنبوّةِ سبحا / نكَ ربّاً فرد الجلال قديرا
يا حياةَ النُّفوسِ جِئتَ قُباءً / جِيئةَ الرُّوحِ تَبعثُ المقبورا
ارفعِ المسجدَ المباركَ وَاصْنَعَ / للِبرايا صَنِيعَك المشكورا
معقل يعصم النفوس ويأبى / أن يميل الهوى بها أو يجورا
أوصها بالصلاة فَهْيَ عِلاجٌ / أو سياجٌ يَذودُ عنها الشُّرورا
غَرسَ اللهُ دَوْحَةَ الدّينِ قِدماً / وقَضاها أَرومةً وجذورا
لو أردتَ النُّضارَ لم تَحملِ الأح / جارَ تُوهي القُوى وتَحنِي الظُّهورا
أرأيتَ ابنَ ياسرٍ كيف يَبنِي / أرأيتَ المُشيَّعَ الشِّمِّيرا
أرأيتَ البنَّاءَ يَسْتبِقُ القو / مَ صعوداً ويَزدهيهم سُؤورا
أرأيتَ الفَحلَ الأبيَّ جَنيباً / في يَد اللهِ والهِزبرَ الهَصورا
يَنصبُ النّحرَ للحجارةِ والطّي / نِ يُغِيرُ الحِلَى ويُغري النُّحورا
ما بنَى مِثلَهُ على الدَّهرِ غِرٌّ / رَاحَ يَبني خَوَرْنقاً أو سَديرا
يَجِدُ الحقُّ في البناءِ حُصوناً / ويَرى الطّيرُ في البناءِ وكورا
بُورِكَ الحيُّ حَيُّكم يا بني عم / رِو بن عَوْفٍ ولا يَزلْ مَمطورا
كُنتَ فيه الضّيفَ الذي يَغمُر الأن / فسَ والدُّورَ نِعمةً وحبورا
ما رأت مِثلكَ الديارُ ولا حي / يا لكَ القومُ في الضّيوفِ نظيرا
كَرِهُوا أن تَبِينَ عنهم فقالوا / أمَلالاً أزمعتَ عنّا المسيرا
قُلتَ بل يثربَ انتويتُ وما أَلْ / فَيْتُ نفسي بغيرها مأمورا
قريةُ تأكل القُرَى وتُريها / كيف تَلقى البِلَى وتشكو الدُّثورا
طَربَتْ ناقَتي إلى لابَتيْهَا / فَدَعُوا رَحْلَها وخَلُّوا الجريرا
رَحمةُ اللّهِ والسَّلامُ عليكم / آلَ عَوْفٍ كبيركم والصَّغيرا
هِيَ الأواصرُ أدناها الدَّمُ الجاري
هِيَ الأواصرُ أدناها الدَّمُ الجاري / فلا محالةَ من حُبٍّ وإيثارِ
الأسرةُ اجتمعتْ في الدّارِ واحدةً / حُيّيتِ من أسرةٍ بُوركتِ من دَارِ
مَشَى بها من رسول اللّه خيرُ أبٍ / يَدعو البنينَ فلبَّوا غيرَ أغمارِ
تَأكّدَ العهدُ مما ضَمَّ أُلفتَهم / وَاسْتَحصدَ الحبلُ من شَدٍّ وإمرارِ
كُلٌّ له من سَراةِ المسلمينَ أخٌ / يَحمي الذِّمارَ ويرعى حُرمَةَ الجارِ
يَطوفُ منه بحقٍّ ليس يَمنعُه / وليس يُعطيه إن أعطى بمقدارِ
يَجودُ بالدمِ والآجالُ ذاهلةٌ / ويبذلُ المالَ في يُسرٍ وإعسارِ
همُ الجماعةُ إلا أنّهم بَرزوا / في صُورةِ الفردِ فانظر قُدرةَ الباري
صَاحَ النبيُّ بهم كونوا سَواسِيَةً / يا عُصبةَ اللّهِ من صَحبٍ وأنصار
هذا هو الدّينُ لا ما هاجَ من فِتنٍ / بين القبائلِ دينُ الجهلِ والعارِ
رِدُوا الحياةَ فما أشهى مَواردَها / دُنيا صَفَتْ بعد أقذاءٍ وأكدارِ
الجاهليَّةُ سُمٌّ ناقعٌ وأذىً / تَشقَى النّفوسُ بداءٍ منه ضَرّارِ
تأهّبوا إِنَّ ديناً قام قائمُه / يُومِي إليكم بآمالٍ وأوطارِ
أما تَروْنَ رِياحَ الشِّركِ عاصفةً / تَطغَى على أُممٍ شَتَّى وأقطارِ
لن أتركَ الناسَ فوضى في عقائدهم / ولن أسالمَ منهم كلَّ جبَّارِ
أكلّما مَلَكَ الأقوامَ مالكُهم / رَمى الضّعافَ بأنيابٍ وأظفارِ
الشرُّ غطَّى أديمَ الأرضِ فارتكستْ / أقطارُها بين آثامٍ وأوزارِ
أخفى محاسنَها الكبرى فكيف بكم / إذا تَكَشَّفُ عن وجهٍ لها عارِ
لأُنزِلنَّ ذوي الطُّغيانِ مَنزلةً / تستفرغُ الكبرَ من هامٍ وأبصارِ
ظنُّوا الضّعافَ عبيداً بئس ما زعموا / هل يَخلقُ اللّهُ قوماً غيرَ أحرارِ
ما غرَّهم إذ أطاعوا أمرَ جاهِلهم / بواحدٍ غالبِ السُّلطانِ قهَّارِ
يَرمي العروش إذا استعصتْ ويبعثُها / مَبثوثةً في جَناحَيْ عاصفٍ ذارِ
بُعِثْتُ بالحقِّ يهدِي الجامحين كما / يَهدِي الحيارى شُعاعُ الكوكب السّاري
أدعو إلى اللّهِ بالآياتِ واضحةً / تَهدِي الغَويَّ وتنهَى كلَّ كَفَّارِ
فمن أبى فَدُعائي كَلُّ ذي شُطَبٍ / ماضي الرسالةِ في الهاماتِ بَتّارِ
اللّه أكبرُ هل في الحقِّ مَعتبةٌ / لِمُستخِفٍّ بعهدِ اللهِ غَدّارِ
ألم يكن أخذَ الميثاقَ من قِدَمٍ / فما المقامُ على كُفرٍ وإنكارِ
إنّ الألى اتّخذوا الأصنامَ آلهةً / على شفَا جُرُفٍ من أمرِهم هارِ
يَستكبرونَ على مَن لا شريكَ له / ويسجدونَ على هُونٍ لأحجارِ
راحوا يُجلّونها من سوءِ ما اعْتقدوا / واللّه أوْلَى بإجلالٍ وإكبارِ
لِكلِّ قومٍ إلهٌ يُؤمنونَ به / ما يبتغِي اللَّهُ من إيمانِ فُجّارِ
النارُ أعظمُ سُلطاناً ومقدرةً / في رأي عُبّادها أم خالقُ النّارِ
سُبحانه مِن إلهٍ شأنُه جَللٌ / يَهدي النُّفوسَ بآياتٍ وآثارِ
لأَكْشِفَنَّ عن الأبصارِ إذ عَميتْ / ما أسْدَلَ الجهلُ من حُجْبٍ وأستارِ
ما للسراحين بُدٌّ من مصارعِها / إذا انتضتْ سطواتِ الضيغمِ الضّاري
ضُمُّوا القوى إنّها دنيا الجهادِ بدت / أشراطُها وتراءَى زَندُها الواري
لا بدَّ من غارةٍ للحقِّ باسلةٍ / وجَحفلٍ من جُنودِ اللّهِ جَرّارِ
خَيرُ الذخائرِ أبقاها ولن تَجِدُوا / كالعهدِ يَرعاهُ أخيارٌ لأخيارِ
لا تَنْقُضوا العهدَ إنّ اللّهَ مُنزِلُه / على لسانِ رَسولٍ منه مُختارِ
قالوا عليكَ صلاةُ اللّهِ إنّ بنا / ما اللّهُ يعلمُ من عَزْمٍ وإصرارِ
آخيتَ بين رجالٍ يَصدقون إذا / زَلَّتْ قُوى كلِّ خدّاعٍ وخَتّارِ
جُنودُ رَبِّكَ إن قلْتَ اعْصِفُوا عَصَفوا / يَرمونَ في الحربِ إعصاراً بإعصارِ
مِن كلِّ مُنَغَمِسٍ في النَّقْعِ مُرتَجِسٍ / وكلّ مُنبَجِسٍ بالبأسِ فَوّارِ
ما يكسب المرءُ من إثمٍ ولا يَزَرُ
ما يكسب المرءُ من إثمٍ ولا يَزَرُ / إلا أحاطَ به من ربِّه قَدَرُ
وليس للنَّفس إن خابت وإن خسرت / إلا عواقبُ ما تأتي وما تَذَرُ
جلبت يا ابنَ أُبيٍّ شرَّ ما جلبت / نَفسٌ على قومها لو كنتَ تَعتبِرُ
زوَّدت قومك خزياً لم يَدَعْ أحداً / إلا قلاك وأمسى صَدرهُ يَغِرُ
تتابع الوحيُ ترميهم قوارعُه / لمّا تتابعَ منك اللّغو والهَذرُ
قالوا استجر برسولِ اللهِ ملتمساً / سُبلَ النجاةِ فما يُغنيك مُنتظَرُ
إن تُلفهِ حين ترجوه وتسأله / مُستغفِراً لك لا يَعلَقْ بك الغَمَرُ
فقال يا ويلكم ما زلتُ أتبعكم / حتى هلكتُ فلا جاهٌ ولا خَطَرُ
لم يبقَ فيما أرى إلا السُّجودُ له / يُقضى له الحقُّ أو يُقضى به الوطر
أذلك الجدُّ منكم أم هو السَّخَرُ / دعوا اللّجاجَ فهذا مطلبٌ عَسِرُ
وصدَّ مُستكبراً يلوِي لشقوتِه / رأساً يغيظ الظُّبَى أن ليس يُهتَصَر
يزيده الجهلُ طُغياناً ويصرفه / عنِ الهُدى من أفانينِ الهَوى سَكَر
قال الرسولُ ونارُ الغيظِ تلفحُهُم / ألم أقل لك لا تَقْتُلْهُ يا عمر
لو قُمْتَ يومئذٍ بالسّيفِ تأخذُه / بعثتَها غضبةً جأواءَ تستعر
تلك الأُنوفُ التي كنّا نُحاذِرُها / أمست سَلاماً فلا خوفٌ ولا حذر
لو قلتُ للقومِ جيئوني بهامتِه / رأيتَهم يفعلون اليومَ ما أُمرِوا
تبيَّن الرشدُ للفاروقِ وانحسرت / عن جانبيهِ غواشي الظنّ والسُّترُ
فقال بُوركتَ من هادٍ لأُمّتهِ / تعيا بحكمته الألبابُ والفِكَر
لسنا كمثلِكَ في علمٍ ومعرفةٍ / أنت الإمامُ وهذا النهجُ والأثر
تدري من الأمر ما تخفى ظواهرُه / وما لنا فيه إلا الرأيُ والنظر
في مُعجزاتِكَ للغاوين تبصرةٌ / وفي عُلومِكَ للجُهَّالِ مُزدَجر
صلَّى عليكَ الذي آتاك من شرفٍ / ما ليس يَبلغُه جِنٌّ ولا بشر
هذا ابنه جاءه غضبانَ يمسكه / دون المدينةِ للمختارِ ينتصر
يقول تلك دِيارٌ لستَ تدخلها / حتى تَفِيء وحتّى يُعلمَ الخبر
أنت الأذلُّ فَقُلْها غيرَ كاذبةٍ / إن كنتَ حُرّاً فبئس الكاذبُ الأشِرُ
فقالها مُرّةً حَرَّى وأرسلها / كأنّها روحُه من فِيهِ تَنحدِر
مشى أعزُّ بني الدنيا وأشرفُهم / قَدْراً وأرفعهُم ذِكراً إذا ذُكِروا
حلَّ المدينةَ منه لَيْثُ ملحمةٍ / لا النَّصرُ يُخطِئهُ فيها ولا الظَفَر
فليعرفِ الحقَّ قومٌ ضلَّ رائدُهم / وارتدَّ قائدُهم خَزيانَ يعتذر
مَنايا القومِ في جلدِ البعيرِ
مَنايا القومِ في جلدِ البعيرِ / فأينَ يَضيع كنزُ بني النَّضيرِ
مَرَدُّ الأمرِ في رفعٍ وخَفْضٍ / لهذِي الأرضِ في الحَدَثِ الكبيرِ
كذلك قال أكذبُهم مَقالاً / وأجهلُهُم بأعقابِ الأُمورِ
هُمُ اتّخذوا الخِداعَ لهم سبيلاً / وكانوا أهلَ بُهتانٍ وَزُورِ
فما صَدقوا النبيَّ ولا استحبُّوا / سِوى الطمعِ المخيِّبِ والغُرورِ
وما الكنزُ الذي دفنوهُ إلا / نذيرُ الويلِ أجمعُ والثُّبورِ
يقول غُواتُهم لم يَبْقَ شيءٌ / مَقالَ ذَوِي السّفاهةِ والفُجورِ
فلمّا مَسَّ صاحبهم عذابٌ / بَدا الشَّرُّ المغيَّبُ في الصُّدورِ
وَجيءَ بكنزهم إرثاً عتيداً / لِوُرَّاثِ الممالكِ والدُّهورِ
ولو جَحَدُوهُ أقبلتِ المنايا / تُؤذِّنُ في الرقابِ وفي النُّحورِ
فَبادُوا في مصارعَهم وعادوا / كَطَسْمٍ أو كعادٍ في الدُّثورِ
وما بَرحتْ عَوادي الدهرِ تَجرِي / على أهلِ المآثمِ والشُّرورِ
لهم في ذِمَّةِ الفاروقِ يَومٌ / يُطالِعُهم بِشرٍّ مُستطيرِ
فصبراً إنّه لا بُدَّ آتٍ / فما لِيَهُودِ خَيْبرَ مِن مُجيرِ
إن جَلَّ غُنْمُ المسلِمينَ بخيبرٍ
إن جَلَّ غُنْمُ المسلِمينَ بخيبرٍ / فَلَما غَنِمْتِ أجلُّ منه وأكبرُ
اللَّهُ أكبرُ يا عروسَ مُحمّدٍ / هذا هو الشّرفُ الأعمُّ الأوفرُ
هذا مكانكِ عالياً ما مِثلُه / في السُّؤدُدِ العالي مَكانٌ يُؤثَرُ
يا دُرّةً صِينَتْ لِتاجِ جَلالةٍ / الدُّرُّ مِن لَمحاتِهِ والجوهرُ
الشَّأنُ شأنُكِ أنتِ خيرُ صَفِيَّةٍ / والتَّاجُ أنتِ به أحقُّ وأجدرُ
أدركتِ بالإسلامِ في حَرَمِ الهُدَى / جُهْدَ المنى مما يُتاحُ ويُقدَرُ
أدركتِ دُنيا الصالحينَ ودِينَهمْ / فظفرتِ بالحُسنى ومِثلُكِ يَظْفَرُ
ولقد غَنيتِ وَدُونَ ما تَجدِينَهُ / دُنيا مُذمَّمةٌ وَدِينٌ مُنْكَرُ
ذُعِرَ الوطيحُ فأسلمتكِ حُماتُه / وحَللتِ بالحصنِ الذي لا يُذعَرُ
ما مِثلُ رُؤياكِ التي كانت أذىً / رُؤيا تُفسَّرُ للنِّيامِ وَتُعْبَرُ
أَفَكنتِ ناسيةً فجدَّدَ ذِكرَها / أثرٌ بِعينكِ يا صفيّةُ أخضرُ
يا وَيلتَا لابنِ الربيعِ يغيظُه / هذا المقامُ الصَّعبُ كيف يُيَسَّرُ
لَطمتكِ من سَفهٍ وسُوءِ خَلِيقَةٍ / يَدُهُ وتلكَ جنايةٌ ما تُغْفَرُ
ماذا رَأيتِ من الذي أبغضتِهِ / ونَقمتِ ما يَرضى وما يَتخيَّرُ
أردَى أباكِ وهَدَّ زوجَكِ بأسُهُ / وأصابَ قومَكِ منه موتٌ أحمرُ
ماذا رأيتِ أما عَذرتِ سُيوفَهُ / وَعَلِمتِ أنَّ عدوَّه لا يُعذَرُ
ولقد بَلوتِ خِلالَهُ فوجدته / نِعمَ الخليلُ إذا يَسوءُ المَعشرُ
أحببتهِ الحبَّ الكثيرَ على القِلَى / ولَحُبُّ ربِّكِ ذي الجلالةِ أكثَرُ
ذَهَب الرُّعاةُ فما يَسُرُّكِ صاحبٌ / ورعاكِ صاحبُكِ الأبرُّ الأطهرُ
آثرتِهِ ورَضيتِ رَبَّكِ إنّها / للَّهِ عِندكَ نِعمةٌ لا تُكْفَرُ
أعْلَى مَحَلَّكِ فانعمي وتقدّمي / بأجلِّ ما يُثْنَى عليه وَيُشْكَرُ
ولأنتِ إن عظُمتْ فوائدُ خيبرٍ / أسْنَى وأعظمُ ما أفادتْ خَيبرُ
يا قُبَّةَ المُختارِ دُونَكِ ما بَنَى / في مُلكِهِ كِسْرَى وشيَّدَ قيصرُ
مَثوىً يهولُ الناظرين ومنظرٌ / عَجَبٌ يروعُ مقامُه والمظهرُ
فيهِ الجلالُ الضَّخمُ ترتدُّ المنى / من دُونِهِ مذعورةً تتعثّرُ
فيهِ السَّلامُ لكلِّ جِيلٍ يُبتغَى / فيه النظامُ لكلِّ عصرٍ يُذخَرُ
فيه الحياةُ تُسَلُّ من أكفانِها / هَلْكَى الشُّعوبِ إذا تموتُ وتُقبَرُ
إيهٍ أبا أيوبَ ما بِكَ رِيبةٌ / إنّ المحبَّ على الحبيبِ لَيسهرُ
تَأبَى الكرَى وتطوفُ حول مُحمّدٍ / والسَّيفُ يَقظانُ المضاربِ يَنظرُ
ماذا تخافُ على حبيبِكَ من أذىً / واللَّهُ كافٍ ما تخافُ وتَحذرُ
اهْنَأْ بدعوتِهِ فتِلكَ وقايةٌ / من كلِّ ذِي جَبرِيَّةٍ يتنَّمرُ
تِلكَ الولائمُ في رِحابِ مُحمّدٍ / شَتَّى تُسَرُّ بها النُّفُوسُ وتُحْبَرُ
الصَّحبُ من فرحٍ عليها عُكَّفٌ / والرُّسْلُ أجمعُ والملائكُ حُضَّرُ
عُرْسُ النبيِّ وأيُّ عُرسٍ مِثلُه / هَيهاتَ تلك فضيلةٌ لا تُنْكَرُ
خُوضُوا الوغَى يا أهلَ وَادِي القرى
خُوضُوا الوغَى يا أهلَ وَادِي القرى / واستقبلوا الموتَ وأُسْد الشَرَى
أنكرتُمُ الإسلامَ دِينَ الهُدَى / والله والسَّيفُ لمن أنكرا
إن تَطْلُبوا البُرهانَ فاستخبروا / جِيرانَكم أو فاسألوا خَيْبَرا
اقْتُلْ عليٌّ إنّهم مَعْشَرٌ / مَا مِثْلَهم أعمَى الهَوَى مَعْشَرا
ويا حَوارِيَّ الرَّسُولِ اقْتَنِصْ / كُلَّ غَوِيٍّ جَاءَ مُسْتَهْتِرا
وأنتَ فَاضْرِبْ في الطُّلَى يا أبَا / دُجانَةَ اضْرِبْ مُقْبِلاً مُدْبِرا
كُرُّوا جُنودَ اللهِ في نَصْرِهِ / ليس لغيرِ اللهِ أن يُنْصَرا
لا تتركوا جَيْشَ الأُلَى اسْتَمْسَكوا / بالكفرِ حتّى يَرجعَ القهقرى
يا صَوْلَةً هَدَّتْ فَراعِينَهُمْ / مَا أَشْجَعَ القومَ وما أصْبَرا
أبطالُ حربٍ لم يَزَلْ بأسُهُم / يَلْتَهِمُ العَسْكَرَ فالعَسْكَرَا
وادِي القرى التَفَّ على رَوْعَةٍ / يا وَيْحَ للمُرتاعِ ماذا يَرَى
مَنْ مَثَّلَ الأغوالَ تَهْفُو بِهِ / أَهوالُها العُظْمَى ومَنْ صَوَّرا
بَأْسُ رسولِ اللَّهِ في صَحْبِهِ / ما أَعظَمَ البأسَ وما أكْبَرا
ذَلَّتْ يَهودٌ بعد أن لم تكن / تَظُنُّ أن تُغلَبَ أو تُقْهَرَا
استَعْمَرَ الفاتحُ زُرَّاعَهُمْ / في الأرْضِ لولا الرفقُ ما اسْتَعْمَرا
فَلْيَشْكُروها مِنْهُ أُكْرُومَةً / مِن حَقِّها الواجبِ أن تُشكرا
وَلْيَرْقُبوا العُقْبَى وَزِلْزَالَها / إنْ أظْهَرَ الحِدْثَانُ ما أَضْمَرَا
لا حَولَ للقومِ ولا حيلَةٌ / فيما قَضَى اللهُ وما قَدَّرَا
لن يصحبَ الإسلامَ في دارِهِ / أصحابُ دِينٍ غيرِهِ مُفْتَرى
بِشَارَةُ اللهِ أتانا بها / أَصْدَقُ مَن بَشَّرَ أوْ أَنْذَرَا
هُوَ النَّصْرُ يا تَيْمَاءُ يَتبعُهُ النَّصْرُ
هُوَ النَّصْرُ يا تَيْمَاءُ يَتبعُهُ النَّصْرُ / فإن كُنتِ في رَيْبٍ فقد وَضَحَ الأمرُ
دَعِي الرُّسْلَ تَمضي ما عليكِ مَلامَةٌ / وكيف يَعافُ الأمنَ من غَاله الذُّعْرُ
فإن تَخفضي منكِ الجَناحَ لِتَنْعَمِي / بأفياءِ عيشٍ ساكنٍ فَلَكِ العُذْرُ
وهل يَرفعُ العصفورُ يوماً جَنَاحَهُ / إذا حَلَّقَ البازِي أو انطَلَقَ النَّسْرُ
إذا أمسكَ الصَّبرُ البلادَ وأَهْلَها / فليس على هذا قَرارٌ ولا صَبْرُ
ألم يكُ أهلُ الأرضِ مَوْتَى فجاءهم / رَسُولُ حياةٍ دِينُهُ البَعْثُ والنَّشْرُ
أبى أن يَظَلُّوا آخِرَ الدَّهرِ فوقها / يَسيرونَ في الأكفانِ وَهْيَ لهم قَبْرُ
حَياةُ الدُّنى في سَيْفِهِ وكِتَابِهِ / وما منهما إلا لها عنده سِرُّ
لَكِ الأمنُ يا تَيْماءُ لا الدَّمُ دَافِقٌ / ولا النَّفْعُ مُسْوَدٌّ ولا الجَوُّ مُغْبَرُّ
ولا أنتِ ثَكْلَى ما تُغِبُّكِ لوعةٌ / مُؤجَّجةٌ كالجمرِ أو دونها الجمرُ
أعانَكِ رأيٌ أبصَرَ القصدَ فانْتحَى / بأهلِكِ ما لا يَنْتَحِي الجاهلُ الغِرُّ
ولو آثروا الإسلامَ دِيناً لأفلحوا / ولكنّه الشِّركُ المُذَمَّمُ والكُفْرُ
أَبَوْا وَتَولَّوا يَشترُونَ نُفُوسَهم / بأموالِهِم هذا هو الغَبْنُ والخُسْرُ
يُؤدُّونَها من خِيفَةِ القتلِ جِزْيَةً / على الهُونِ ممّا يرزقُ الحَبُّ والتَّمْرُ
أقاموا يُريدونَ الحياةَ بأرضهِمِ / وكيفَ حياةُ القومِ إن فَسَدَ الأَمْرُ
رُوَيْدَ الأُلَى اختاروا الضلالةَ خُطَّةً / فَتِلكِ وإن لم يعلموا خُطَّةٌ نُكْرُ
يَضِلُّونَ والفَجرُ المنوِّرُ طَالِعٌ / ولا عُذْرَ للضُّلّالِ إن طَلَعَ الفَجْرُ
لِكُلِّ أُناسٍ مُدَّةٌ ثُمّ تَنجلِي / عَمَايَتَهُمْ فَلْيَصْبرُوا إنّه الدَّهْرُ
مَضى العامُ وَانْبَعَثَ المُنتظَرْ
مَضى العامُ وَانْبَعَثَ المُنتظَرْ / وَخُلِّيَتِ السُّبْلُ لِلْمُعْتَمِرْ
لقد يَسَّرَ اللَّهُ تِلكَ الصعابَ / فما من عَصِيٍّ ولا مِن عَسِرْ
بَدارِ بَدارِ جُنودَ النَّبيِّ / فإنّ الغنيمةَ للمُبْتَدِرْ
إلى البيتِ سِيرُوا سِرَاعَ الخُطَى / فما ثَمَّ من خِيفَةٍ أو حَذَرْ
وَسُوقُوا الهدايا إلى ربِّكم / فما خَابَ مَن ساقَها أو نَحَرْ
دَعُوها لِناجِيَةٍ إنّه / لَنِعْمَ الفتى إن تَمَطَّى السَّفَرْ
دَليلكم الصّدقُ فيما مَضَى / يَشُقُّ الصّعابَ ويَهدِي الزُّمَرْ
ولِلخَيْلِ قائدُها المُجتَبَى / وفَارسُها الشّمّريُّ الأغرّ
رأوْها مُطَهَّمَةً في السّلاح / فطاروا يقولونَ أمرٌ قُدِرْ
أيا قَومَنا إنّهم أقبَلوا / على الجُرْدِ في المُرْهَفَاتِ البُتُرْ
خُذُوا حِذْرَكم وَاجمَعُوا أمركم / ألا إنّنا لا نَرى غيرَ شَرّ
وجاء ابنُ حصنٍ رسولاً يقول / مُحمدُ ما شأنكُم ما الخَبَرْ
أَتنقضُ عهدَكَ تبغِي القتالَ / وما كنتَ ممّن بَغَى أو غَدَرْ
قُريشٌ على العهدِ ما بَدَّلوا / ولا كان منهم أذىً أو ضَرَرْ
عَلامَ السّلاح وماذا تريدُ / أتأبى لأنْفُسِنَا أن تَقرّ
فقال النبيُّ اهْدَأُوا إنّني / لأَوْلَى الوَرَى بوفاءٍ وبِرّ
سيبقَى السّلاحُ بعيدَ المكانِ / لِيأمنَ مِن قومِنا مَن ذُعِرْ
لِمَكَّةَ حُرمتُها والذمام / وللَّهِ سُبحانَهُ ما أَمَرْ
وأقبلَ في صحبِهِ الأكرمين / يَؤُمُّ البَنِيَّةَ ذاتِ السُّتُرْ
فيا ابنَ رُواحَةَ خُذْ بالزِمام / وقل في النبيِّ وفي مَن كَفَرْ
جَلا القومُ يأبونَ لُقْيَا النبي / وأصحابِهِ الطاهرينَ الغُرَر
فطافوا وَصَلُّوا وخَفُّوا معاً / إلى الركنِ يَغشَونَهُ والحَجَرْ
وَقَضُّوا المناسِكَ مُسْتَبْشرينَ / فلم يبقَ من مأرِبٍ أو وَطَرْ
وجاء حُوَيطبُ يَلْقَى النَّبيَّ / وصاحِبُهُ المرتجَى للغِيَرْ
يقولان إنّا على مَوعدٍ / فما لكَ عن أرضِنا لم تَسِرْ
قَضيْتَ الثلاثَةَ فاذْهَبْ إلى / مَنازِلِ يَثْرِبَ ما من مَفَرّْ
فأرعدَ سعدٌ وجاشتْ به / حَمِيَّةُ مُسْتَوفِزٍ كالنَّمِرْ
وألقَى بصاعقةٍ تستطير / على جَانِبَيْها بُروقُ الشَّرَرْ
فقال النبيُّ رُويداً رُويداً / وأطفأ من غَيْظِهِ المسْتَعِرْ
وحُمَّ الرحيلُ فنعمَ السّبيل / سبيلُ القبيلِ الجليلِ الخَطَرْ
هُمُ صَبَرُوا فانثنوا ظافرين / وما الصّبرُ إلا بَشِيرُ الظَّفَرْ
فَشُكْراً لربٍّ يُحِبُّ التَّقِيَّ / وَيُضفِي العَطَاءَ على مَن شَكَرْ
أبا الفضلِ أَقبِلْ وارفعِ الصَّوتَ شاكرا
أبا الفضلِ أَقبِلْ وارفعِ الصَّوتَ شاكرا / فذلك فَضلُ اللَّهِ أسداهُ وافرا
أقمتَ تُراعِي الركبَ حَرَّانَ شَيِّقاً / هَنِيئاً فهذا الركبُ وَافاكَ زائرا
هنيئاً فقد أُوتيتَ سُؤْلَكَ كُلَّهُ / وَلُقِّيتَ عن قُرْبٍ من السَّعْدِ طائرا
إذا ما التمستَ الركبَ أين مكانَهُ / فحيثُ تَرَى نُورَ النُبوَّةِ باهرا
أبا الفضلِ أقِبلْ واقضِهَا من لُبانةٍ / لنفسِكَ تَشفِي منك دَاءً مخامِرا
حَبيبٌ نأى يَطْوِي السِّنينَ وذُو هَوىً / يُعالِجُ وَجداً بين جَنْبَيْهِ ثائرا
ويلقى الأذَى بعد الأذى في سبيلِهِ / فَيَرضَى ويُغضِي الجفنَ في اللَّهِ صابرا
لَكَ اللَّهُ يا عباسُ هذا مُحَمَّدٌ / فَسَلِّمْ وَطِبْ ما شِئْتَ نَفْساً وخَاطِرا
أتى بَعدَ ما جَرَّ السنينَ مُهاجراً / يَجُرُّ السَّرايا خَلفَهُ والعساكِرا
رَآكَ فَقرَّتْ عَينُهُ وترافدَتْ / تَحيّاتُهُ تَلقَاكَ زُهْراً نَواضِرا
لها عَبَقٌ من رَحْمَةِ اللَّهِ لم يَزَلْ / مَكانُكُما منه إلى اليومِ عاطرا
أقمتَ على المُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةٍ / تَرُدُّ الأذَى عنهم وَتَرْعَى الأَواصِرا
إذا فزعوا للظلمِ كنتَ لهم حِمىً / وإن أعوزَ الأنصارُ أَلْفَوْكَ ناصرا
يَظنُّكَ أهلُ الكفرِ منهم وإنّما / أرَدْتَ بهم أمراً وما كُنتَ كافرا
شددتَ قُوى الإسلامِ بين ربُوعهِم / وخادعتَهم عنه فأَصَبَحَ ظاهرا
وكنتَ له عيناً تُظاهِرُهَا يَدٌ / تُذيعُ خَفَايَاهُم وتَبدِي السَّرائِرا
تُمِدُّ رسولَ اللَّهِ بالكُتْبِ حُفَّلاً / بأنبائهم تَطوي الفِجاجَ سوائرا
بَريدٌ إذا كفَّ البريدُ مِنَ الونَى / مَضَى دائباً في شأنِهِ مُتواتِرا
وكنتَ إذا استأذَنتَ تبغِي جوارَهُ / أَبَى وَهَواهُ أن يَراكَ مُجاوِرا
وقال انتظرْ يا عمِّ إنّكَ مرجأ / إلى موعد يأتي به الله آخرا
فبي ختم الله النبيين كُلَّهُم / وَتَمَّمَ هاتِيكَ العُلَى والمآثِرا
وَإنّي لأرجو أن تكونَ بيثربٍ / بَقِيَّةَ من يأتِي إلينا مُهاجِرا
هو اللَّهُ فانْظرْ يا أبا الفضلِ ما قَضَى / من اليُسرِ بعد العُسْرِ بُورِكْتَ ناظرا
تجلَّتْ دَياجيرُ الهُمومِ ذَميمةً / وأضحتْ وجوهُ العيشِ بِيضاً سَوافِرا
ألا رُبَّ يومٍ ذُقْتَ من سُوءِ ما جَنَى / ذَوُو الشِّرْكِ فيه ما يَشُقُّ المرائرا
وليلٍ كما اهتاجَ الجبانُ مُفَزَّعٍ / طويتَ دُجاهُ كاسِفَ البالِ ساهرا
كَدَأْبِكَ إذ قالوا أًصيبَ مُحَمَّدٌ / وقد جاءَهم بالزُّورِ مَن كان سَاخِرا
فلمّا عرفتَ الحقَّ أوفيتَ ناهضاً / تُقَبِّلُ مَن وَافَاكَ يُزْجِي البَشَائِرا
وتُرْسِلُهُ حُرّاً طليقاً وإنّه / لفي عِزَّةٍ تُعيي النفوسَ الحرائرا
نَهضتَ خَفيفَ الجانِبَيْنِ ولم تَكُنْ / على مثلِها من قبلِ ذلكَ قادرا
يَسُرُّكَ ما سَرَّ الرسولَ وما يكن / بهِ من أذىً ألفيتَه لك ضائِرا
هَدَيْتَ أبا سُفيانَ تَرحَمُ نَفسَهُ / وَتَكرَهُ أن يَبْقَى مَدَى الدّهرِ حائرا
وَجِئْتَ بِهِ والجندُ باللّيلِ رَاصِدٌ / يُقَلِّبُ للحربِ الرِّقاقَ البواتِرا
فأسلمَ يُرضِي اللَّهَ من بَعدِ نَفْرَةٍ / ولولاكَ لم يبرحْ عن الحقِّ نافرا
وفي ابن حِزامٍ وابنِ ورقاءَ شاهدٌ / بِما لَكَ من فضلٍ لمن كانَ ذاكرا
ثلاثةُ أقطابٍ صَرَفتَ قُلوبَهُم / إلى اللَّهِ تُحْييهِم وترجو المصائرا
ولو أعرضوا لم يَرْدَعِ الحربُ رَادِعٌ / ولم يَنتزِعْ أنيابَهَا والأظافرا
حقنْتَ دِماءً لو يُخَلَّى سَبيلُها / جَرَتْ تحتَ أعلامِ الغُزَاةِ مَوَائِرا
فأمسَتْ قُرَيْشٌ ما لها من بَقِيَّةٍ / وأَمْسَى الذي اعتادت من العزِّ داثرا
بِيُمْنِكَ يا عمَّ الرسولِ تَتابعَتْ / أيادٍ يراهَا المسلمونَ ذخائرا
وكنتَ امْرأً من قبلِ ذلك مُحسِناً / يُقِيمُ بِجَدْواهُ الجُدُودَ العواثرا
عظيماً تُرَجِّيهِ قريشٌ لِمَا بها / إذا فَزعتْ للأمرِ تَخْشَى الدوائرا
وإنّك إذ تَسْقِي الحجيجَ لَسيِّدٌ / يُعَلِّمُ ساداتِ الرجالِ المفاخرا
لعُثْمَانَ ما يَرْضَى ومالكَ غَيرُها / ولايَةُ من يُعطِي وَيبذلُ كابرا
وليس الذي يأتي الخميلةَ غَارِساً / كمثلِ الذي يأتي الخميلةَ هَاصِرا
حُرِمْتُ الرِضَى إن عِبتُ عُثمانَ إنّه / على سُنَّةِ غلباءَ تُعيِي المُكاثرا
له من عَطَاءِ اللَّهِ كَنزٌ مُباركٌ / يُقيمُ لدينِ اللَّهِ فيه الشعائرا
يَضنُّ بمفتاحِ البنِيَّةِ جُهْدَهُ / ويعرفه مجداً على الدهرِ غابرا
أمانةُ ربِّ البيتِ لم تُعْطَ خائناً / يُريدُ بها دُنيا ولم تُؤتَ فاجرا
أبا الفضلِ هذا ما أحَبَّ مُحمَّدٌ / ظفرتَ بهِ لا زالَ سهمُكَ ظافرا
إذا أظمأ اللَّهُ البلادَ وأهلَهَا / فَبِاسْمِكَ يَسْقِيهَا الغُيوثَ المواطرا
لعمري لقد غادرتَ غيرَ مُنازَعٍ / مَناقِبَ ذِكراها تَهُزُّ المنابرا
صَدقتُكَ إنّي لو تَنَاسَيْتُ حَقَّها / على ما عَنانِي لم أَجِدْ لِيَ عاذرا
أعِنِّي بروحٍ منكَ يا ربِّ واهدِني / سَبيلَكَ إنْ أضللتَ في النّاسِ شاعرا
دَعوتُكَ للإسلامِ أُمْسِكُ مَجْدَهْ / وأُدرِكُ منه ما طَوَى الدّهرُ ناشرا
لأُمِّ سليمٍ يا أبا طَلْحَةَ العُذْرُ
لأُمِّ سليمٍ يا أبا طَلْحَةَ العُذْرُ / وَهَل يأمنُ الإسلامُ أَن يغدُرَ الكُفْرُ
سألتَ فقالت خَنجري أتَّقي بِهِ / أذَى كلِّ عادٍ من خَلائِقِهِ الغَدْرُ
أَشُقُّ بهِ في حَوْمَةِ الحربِ بَطنَهُ / إذا رَامَنِي بالسّوءِ واسْتَوْعَرَ الأَمْرُ
أتعجَبُ منها كيف تحمي ذِمارَها / وَتَدْرَأُ عنها الشَّرَّ إن هاجها الشَّرُّ
وتدعو رسولَ اللهِ هل أنتَ سامِعٌ / فَيَفْرَحُ من رجعِ الحديثِ وَيَفْتَرُّ
نعم أنتَ تحميها ولكنَّ نفسَها / لها نخوةٌ من ذَاتِها وبها كِبْرُ
ألم ترَ إذ قالَتْ أأقتُلُ مَعشراً / تَوَلَّوْا فلا بأسٌ شديدٌ ولا صَبْرُ
وماذا عليها حين تكفيكَ أمرَها / وتَرمِي بكَ الأبطالَ والنَّفْعُ مُغْبَرُّ
أرادتك للأمرِ الجليلِ ولن ترى / كأمِّ سليمٍ حُرّةً حازها حُرُّ
ألم تَنْتَظِمْ بالسّيفِ عِشرينَ فارِساً / مَغانِمُهُم شَتّى وأسلابُهُم كُثْرُ
إذا طارَ منهم مُدبِرٌ يَتَّقِي الرَّدَى / تَلَقَّاكَ منه في مَطَارِ الرَّدى الصَّدْرُ
تخوضُ الدمَ المسفوكَ لا جِسْرَ دُونَهُ / وما لَكَ كالإيمانِ في مثلِهِ جِسْرُ
أبا طَلحَةَ اسْمَعْ ما يقولُ ابنُ حُرَّةٍ / إليهِ سَرَى من صَفْحَتَيْ جَارِهِ البِشْرُ
يَقولُ اطْعَنِي أُمَّاهُ مَن شِئْتِ وَانْصُرِي / ببأسِكِ دِيناً مِن كَتَائِبِهِ النَّصْرُ
فَحُيِّيتَ عبدَ اللهِ ما أنتَ كالذي / يَرَى السَّيفَ مَقْروباً فيأخذه الذُّعْرُ
كِلا أَبَوَيْكَ اسْتَنَّ سُنَّةَ مَاجِدٍ / فَطِبْتَ وطَابَا لا خَفَاءٌ ولا نُكْرُ
إذا التمسَ الإسلامُ في كلِّ حادثٍ / يَضيقُ به ذُخراً فأنت له ذُخْرُ
عُيَيْنَةُ أمسكتَ العجوز تُريدُها
عُيَيْنَةُ أمسكتَ العجوز تُريدُها / عَتاداً يُفيدُ اليُسْرَ مَن كان مُعسِرَا
ضَنَنْتَ بأُمِّ الحَيِّ تُغْلِي فِدَاءَها / فَيَا لَكَ رأياً غَيرُهُ كانَ أجْدَرَا
تَسُومُ زُهيراً أن يَزيدَكَ ضلَّةً / عَلَى مائةٍ لو كان غِرّاً لأكثرا
رَمَاكَ به مَكراً خَفِيّاً فلم يَزَلْ / يَضيقُ عليكَ الأمرُ حتى تَعَذَّرا
لقد كان فيما قالَ أوَّلَ مَرَّةٍ / غِنَىً لَكَ لو كنتَ امرأً مُتَبَصِّرا
يَظَلُّ يُرِيكَ الزُّهدَ في شَيْخَةٍ لهُ / يَرَاهَا مِنَ الدنيا أجَلَّ وأكبرا
فَتَدعوه أقْبِلْ لستُ فيها بِرَاغبٍ / إذا بَلَغَ الأمرُ الفِداءَ الميَسَّرا
فداها بِسِتٍّ لو أبيتَ لَسُقْتَها / إليه بلا شيءٍ وَحَسْبُكَ ما تَرَى
ألَيْسَتْ كما قالَ ابْنُها ما لمثلها / على الضَّنِّ إلا أن تموتَ فَتُقْبَرَا
أما والذي لو شاءَ لم تَعْصِ أمرَهُ / لقد جِئتَ أمراً يا عُيَيْنَةُ مُنكرا
فنفسَكَ فَاحْمِلْها على البرِّ إنّه / لأَربَحُ مِمّا تَحمِلُ الأرضُ مَتْجَرَا
وما طَمَعُ الإنسانِ فيما يفوته / إذا ما دَعَا الدّاعِي فَوَلَّى وأدبرا
يَقولُ دُعاةُ الشرِّ ليتَ محمداً
يَقولُ دُعاةُ الشرِّ ليتَ محمداً / إذا نَحنْ عُدْنا يسلكُ الجانبَ الوَعْرا
إذن لدفعناهُ إلى الجانبِ الذي / تَنَكَّبَ نُؤذيه ونُرهقُه عُسْرا
ونبَّأهُ مَولاهُ فازدادَ قُوّةً / على قُوّةٍ واختارَ ما يَقمعُ الشَّرّا
فلما دَنا من يَثربٍ قال قائلٌ / أطيعُوا رسولَ اللهِ وامْتثِلُوا الأمْرَا
على السَّهْلِ فامْضُوا واتركوا الحَزْنَ إنّه / سَيَسْلُكُه فَرداً يريدُ بكم يُسْرا
وقال تقدَّمْ ناقتي يا ابْنَ ياسرٍ / وسِرْ خَلفَها يا ابنْ اليمانِ فما أحْرَى
وسَارَ فجاء القوم يعدون خلفه / وقد نشر الإظلام من حولهم سترا
ونكَّر كلٌّ وَجْهَهُ بِلثَامِهِ / وما نَكَّروا إلا الخيانةَ والغَدْرا
رَمَوْا ناقة الهادِي بأشخاصِ جِنَّةٍ / تَخوضُ إليها اللّيلَ فانتفَضْت ذُعرا
وأمسى رَسولُ اللهِ يَهوِي مَتاعُه / على الأرضِ إلا ما تماسكَ فَاسْتَذْرَى
وقال انْطلِقْ يا ابنَ اليَمانِ فَرُدَّهُمْ / ويا صاحبي لا تبتئِسْ وَالْزَمِ الصَّبْرا
فَكَرَّ عليهم كَرَّةَ اللّيثِ ضَارباً / وُجوهَ مَطاياهُم ولمَ يألُهمْ زَأْرا
إليكم إليكم شِيعةَ الكُفرِ إنّكم / لأعداءُ ربِّ النّاسِ أعظِمْ بهِ كُفْرا
تولَّوْا سِراعاً لم يُصِيبُوا شِفاءهُمْ / ولم يُطفِئُوا مِن حِقدهِم ذَلِكَ الجَمْرا
وَجاءَ أُسيدٌ لا يرى غيرَ قَتلِهم / فقالَ رسولُ اللهِ لا تَبْغِها نُكْرا
أأقتلُ قَوماً ظَاهروني وحَارَبُوا / مَعِيَ حَسْبُهم أن يَحمِلوا الإثمَ والوِزْرا
وجَاءُوا على خوفٍ يقولونَ ما بنا / سِوَى الظَّنِّ فاغفرْ إنّها الفِتنةُ الكُبْرى
وضَجُّوا بأيْمانٍ هِيَ النَّارُ أُوقِدَتْ / بألسنةِ ظلّتْ أكاذيبُها تَتْرى
كَفاهُم عِقابُ اللهِ والدَّعوةُ التي / يَظَلُّ لَظاها يَنفذُ الظَّهرَ والصَّدرا
يا بَنِي غُنْمِ بْنِ عَوفٍ ما لكم
يا بَنِي غُنْمِ بْنِ عَوفٍ ما لكم / تَجعلونَ الدِّينَ كَيْداً وضِرارا
أغَضِبْتُم إذ بَنَى إخوتُكم / في قباءٍ مَسجِداً يهدِي الحَيَارى
فاتّخذتُمْ غَيْرَهُ تَبغونه / فِتنةً للنّاسِ جَهْلاً وَاغْتِرارا
وَجَمعتم فيهِ من أشياعِكم / كُلَّ غاوٍ يجعلْ السُّوآى شِعَارَا
مُفْتَرٍ يَهْذِي بقولِ الزُّورِ في / سَيِّدِ الرُّسْلِ ويُؤذيه جِهارا
يا بنِي غُنمِ بنِ عَوْفٍ إنّها / شِيَمُ الحَمْقَى وأخلاقُ السُّكَارى
استفِيقُوا إنّه قد جاءكم / من جُنودِ اللهِ أقوامٌ غَيارى
قال مَولاهم هَلُمُّوا فاهْدِمُوا / مَسجدَ السُّوءِ جِدَاراً فَجِدارا
وَابْعَثُوا النّارَ عليهِ جَهرةً / إنّما المؤمنُ مَنْ يُصْليهِ نارا
صَدَعُوا بالأمرِ وازْدَادَ الأُلَى / طَاوَعُوا الفاسِقَ ذُلّاً وصَغَارا
زَيَّنَ الفاحِشةَ الكُبْرَى لهم / فَأَتَوْها لا يخافونَ البَوَارا
بَنِي عامرٍ رُدُّوا عَنِ الشرِّ عامرا
بَنِي عامرٍ رُدُّوا عَنِ الشرِّ عامرا / ولن يَجدَ الباغي على البغي ناصرا
أصابَ هوىً من نفسِ أربدَ فابتغَى / من الأمرِ ما يُعيي الكميَّ المُقامرا
وجاء بمكرٍ لا محالة خائبٍ / وأخيبُ أهل السُّوءِ من كان ماكرا
أناشِدُكم هل صاحبَ الوفدُ منهما / بني عامرٍ إلا أثيماً وفاجرا
هما أزمعا أن يأخذا اللّيثَ خادِراً / على غِرَّةٍ والجهلُ يُعمِي البصائرا
دنا الأحمقُ المخبولُ منه وهذه / يَدُ السُّوءِ منه تحملِ السَّيفَ باترا
يشيرُ إليهِ ابنُ الطفيلِ أنِ اقْتَحِمْ / وماذا يَردُّ السيفَ لو كان قادرا
أبَى اللَّهُ إلا أن يُعِزَّ رسولَهُ / ويرجعُ من يبغِي به السُّوءِ صاغرا
أطاعَ هَواهُ جاهلاً وخلا بِهِ / يُخادِعُه كيما يرى الدمَ مائرا
أتسألُه يا ابنَ الطفيلِ خِلافةً / وَتطمعُ أن تُدْعَى الشَّريكَ المُشاطِرا
لكَ الويلُ ما هذا الذي أنتَ قائلٌ / أكنتَ امرءاً من نفسِهِ رَاحَ ساخِرا
جُبارُ اسْتَقِمْ واشهدْ فَربُّكَ واحدٌ / وخُذْ حظّكَ الأوفى من الخيرِ شاكرا
وبَشِّرْ رعاكَ اللَّهُ صحبَكَ أنّهم / أصابوه غُنماً من هُدى اللهِ وافرا
وَدَعْ عامراً يهوِي به الداءُ خاسِئاً / وأربَدَ يَلْقَى الحتفَ خَزيانَ خاسِرا
رماه الذي يرمي القُوى فَيهدُّها / فهدَّ قُواهُ إنّه كان كافرا
بصاعقةٍ ممّا رَمَى اللهُ إذ رمى / ثموداً وعاداً والقرون الغوابرا
رَماهُ بها ناريَّة لو تنزّلتْ / على جبلٍ لانْدَكَّ في الأرضِ غائرا
أبى عامرٌ من شيمةٍ جاهليةٍ / لِقاءَ الرَّدى عند التي جَاءَ زائرا
يقول أطاعوناً وموتاً بمنزلٍ / يَضيقُ بأمثالي إذن لستُ عامرا
جَوادِي جَوادِي ليس لي غيرَ مَتنهِ / أُلاقِي عليهِ عادِيَ الموتِ كابرا
وجاءوا به يُزجيه عزريلُ فاسْتوى / على سرجِهِ وانْسَابَ حرّان ثائرا
يَجولُ عليه يَحملُ الرُّمحَ ما يرى / سوى حتفه المقدور قرناً مغاورا
فما هو إلا أن هوى غير معقب / سِوَى الخزيِ من ذكرٍ لمن كان ذاكرا
مضى الأمرُ لم يَسمعْ عُكاظٌ نِداءَهُ / ولم تشهدِ الأقوامُ تِلكَ المفاخرا
إذا المرءُ لم يُؤمِنْ ولم يَخْشَ ربّهُ / فليس يَرى شيئاً على الدَّهرِ ضائرا
ألحّتْ عليه دعوةٌ من مُحمّدٍ / رَمتهُ بداءٍ يتركُ الطِّبَ حائرا
رسولُ الهُدَى والخيرِ من يَرْعَ حقَّهُ / فليس يَرى شيئاً على الدّهرِ ضائرا
لقد كان فيما قَال أربدُ زاجرٌ / عن الشَّرِّ لو يخشَى امرؤُ السّوءِ زاجرا
رأى آيةً تَغتالُ هِمَّةَ نفسِهِ / وتُذهِلُ منه اللُّبَّ لو كان ناظرا
كِلاءةُ ربٍّ كلُّ أصيدَ غالبٍ / يبيدُ ويبقى غالبَ البأسِ قاهرا
مرحباً بالوفدِ وافى من هَجَرْ
مرحباً بالوفدِ وافى من هَجَرْ / يَبتغي الدِّينَ ويأبى من كَفَرْ
لا خَزايا لا نَدامَى إنّهم / زُمْرةٌ ما مِثلُها بين الزُّمَرْ
ظفروا إذ قَبَّلوا خيرَ يَدٍ / وخِيارُ النّاسِ أوْلَى بالظَّفرْ
نَزَل الحقُّ على شاعِرِهم / ساطعَ الحُجّةِ وضَّاحَ الأثَرْ
صَدَق الجارودُ إنّ اللهَ قد / أرسلَ القومَ إلى هادِي البَشَرْ
جاء في إنجيلِ عِيسَى ذِكرُهُ / فأتى ينظرُ مِصداقَ الخَبَرْ
لم يَزَلْ يَسألُهُ حتَّى بَدا / من يقينِ الأمرِ ما كانَ اسْتتَر
زَادَهم من علمِهِ ما زادهم / ولديهِ من مزيدٍ مُدَّخَرْ
كَشَفَ اللهُ له عما انْطَوى / في زوايا الغيبِ عنه فَظَهَرْ
هذه الأرضُ وهذا نخلها / تتراءى فيه أنواعُ الثَّمرْ
آثروا الإسلامَ دِيناً وانْقَضى / ما أضلَّ القومَ من دينٍ نُكُرْ
أُمِروا بالخيرِ طُرّاً مالهم / منهُ بُدٌّ ونُهوا عن كلِّ شرّ
لهجوا بالخمرِ ثُمَّ ازْدَجرُوا / وعنِ الخمرِ غِنىً للمُزدجِرْ
وفْدَ عبدِ القيسِ لا تعدِلْ بكم / ظُلمةُ الرأيِ عن النهْجِ الأغرّ
ليس في الخمرِ شِفاءٌ لامرئٍ / من سقامٍ أو وقاءٌ من ضَرَرْ
احذروها إنَّها المكرُ الذي / مَكَرَ الشيطانُ في ماضِيِ العُصُرْ
هِيَ للأقوامِ شَرٌّ وأذىً / وَهْيَ للبغضاءِ نَارٌ تَستَعِرْ
ليس مَن بَرَّ فأرضَى رَبَّهُ / مِثلَ من أرضَى هَواهُ وفَجَرْ
حَسْبُكم ما كانَ مِنها وكفَى / ما رأيتُمْ أو سَمِعْتُم من عِبَر
في رسولِ اللهِ إذ نَبَّأكم / ببلايا الخمرِ آياتٌ كُبَرْ
انتهُوا عن كلِّ ما عَنْهُ نَهَى / وَافْعَلوا مِن كلِّ أمرٍ ما أمرْ
اسألوا هذا الفتَى عن شيخِكم / واسألوني عن أعاجيبِ القَدَرْ
صُورةٌ زالتْ وأُخرى بَرزتْ / من تصاويرِ المليكِ المقتدِرْ
اسألوا الحاضرَ عمَّنْ غابَ أو / فاسألوا الغائبَ عمن قد حَضَر
ذَهَبَ المجنونُ مهدودَ القُوى / وأتَى العاقلُ مَشدودَ المِرَر
قُدرةُ اللهِ تجلَّتْ في يدٍ / لعظيمِ الجاهِ ميمونِ الأثرْ
تَرَكَ المُلوكَ مُلوكَ كِنْدَةَ وانْتحَى
تَرَكَ المُلوكَ مُلوكَ كِنْدَةَ وانْتحَى / مَن يَتركُ التِّيجانَ واهِيةَ العُرَى
حُيِيتَ عُروَةُ إنّه لكَ مَقْدِمٌ / يُمنٌ وحَسْبُكَ ما تُشاهِدُ أو تَرى
عَطَفَ النبيُّ عليكَ وانْبَسَطتْ له / نَفْسٌ تُرِيكَ مَكَانَهُ والمظهرا
ما كَان يومُ الرّومِ من أوطارِهِ / بل هزَّ نَفْسَكَ واعِظاً ومُذكِّرا
ما أورثَ الإسلامُ قومَكَ زادهم / خَيراً وكان لهم أجلَّ وأكبرا
الجاهليةُ قد عفَتْ آثارُها / فيهم وأصبحَ عهدُها قد أدبرا
كانت لهم مَوْتاً فَتِلكَ حَياتُهم / في دولةِ الإسلامِ عاليةُ الذُّرى
هذا رفيقُك ما لقومِكَ غيرُه / نِعمَ الرفيقُ إذا اللّبيبُ تَخَيَّرا
إنّي جعلتُ لخالدٍ صَدَقاتِهم / تُجبَى إليَّ فما أحقَّ وأجدرا
ولقد أقمتُكَ عاملاً فَكُن امْرءاً / للخيرِ في كلِّ الأمورِ مُيسَّرا
سِيرا على بَرَكاتِ ربِّكما ولا / تَنِيَا إذا أحدٌ ونَى أو قَصّرا
ألا إنّ هذا وَفْدُ كِندَة قد أتى
ألا إنّ هذا وَفْدُ كِندَة قد أتى / عليه من النَّعماءِ أرديةُ الحِبَرْ
رُواءٌ من العيشِ الرخيِّ وبهجَةٌ / من الكُحْلِ في الأجفانِ أو مُرْسَلِ الشَّعَرْ
دَنا ثمَّ حيَّا سيِّدَ الرُّسْلِ بالتي / تُحيَّا بها أهلُ الصَّوالجِ والسُّرُرْ
يَقولُ أبيتَ اللَّعْنَ قَوْلَ الأُلى خَلَوْا / من المعشرِ الضُّلَّالِ في سَالِف العُصُرْ
أباها رَسولُ اللهِ منهم تحيّةً / رآها من اللَّغوِ المُذَمَّمِ والهَذَرْ
وقال دَعوْها عادةً جاهليّةً / فلا أنا ذُو مُلْكٍ ولا بِيَ من أشَرْ
خُذوا هذهِ عَنّي فإنّي مُحمدٌ / وإنّي ابنُ عبد اللهِ من ذلك النَّفَرْ
فقالوا له ندعوك باسمِكَ إنّه / لَعمركَ أمرٌ ما يُلائِمُنا عَسِرْ
فماذا به تُكنَى فقال لهم أنا / أبو القاسمِ ادْعونِي بها كُنْيَةٌ تَسُرْ
دَعَوهُ فقالوا يا أبا القاسمِ استجبْ / أأنتَ رسولُ اللهِ يَهدِي بكَ البَشَرْ
فإن يكُ حقّاً ما تقولُ فما الذي / خَبَأْنا من الأشياء نبلو ونَخْتَبِرْ
فقال رُويداً إنّني لستُ كاهناً / ومَهْلاً فهذا شاهدٌ صادقُ الخَبَرْ
ومَدَّ يمينَ الخيرِ يَملؤُها حَصىً / فلم يكُ فيها بالعَيِيِّ ولا الحَصْرِ
قضوا عجباً ممَّا يُسبِّحُ ربَّهُ / وقال شَهِدْنا ما بِكَ الآنَ من نُكُرْ
هداهم إلى دينِ الحياةِ وزادهم / هُدىً من كتابٍ مُحكمِ الآي والسُّوَرْ
تَلا ما تَلا فالقلبُ للهِ خاشِعٌ / من البرِّ والإيمانِ والدَّمعُ مُنْهَمِرْ
فقالوا أمِن خوفِ الذي أنتَ مُرسَلٌ / إلى النَّاسِ منه دَمْعُ عَيْنَيكَ يَبْتَدِرْ
فقال أجل إنّي أخافُ عذابَهُ / وأيةُ نفسٍ تأمنُ اللهَ إن مَكَرْ
بُعِثْتُ بدينٍ إنْ أمِلْ عن صراطِهِ / فما لِيَ من واقٍ يَقيني ولا وَزَرْ
صِراطٌ كحدِّ السيفِ لا يبرحُ الفتى / وإن جَدَّ كلَّ الجِدِّ منه على خَطَرْ
فلا تَغْتَرِرْ نفسي بشاهِدِ حالِها / فلله عِلمُ الغيبِ والغيبُ مُنْتَظَرْ
مِن الخيرِ فاسْتَكْثِرْ لنفسِكَ واسْتَزِدْ / وما تَسْتَطعْ من صالحِ الأمرِ فادَّخِرْ
لِكلِّ امرئٍ من شانِهِ ما أعدَّهُ / كَذلِكَ يجزِي اللَّهُ من بَرَّ أو فَجَرْ
نَهَى القومَ عن لبسِ الحريرِ نَبِيُّهم / ولا شيءَ إلا ما نَهى عنه أو أمَرْ
أطاعوه لا يبغونَ غيرَ سبيلهِ / إذا اتّبعوهُ من سبيلٍ ولا أثَرْ
وإنّ الذي يَنْهَى النُّفوسَ عن الهوى / هو الدّينُ لا دينُ المخيلةِ والبَطَرْ
أَدَأْبُ الألى في الحربِ يصلون نارَها / كدأبِ اللواتي في المقاصيرِ والسُّتُرْ
إذا تركَ القومُ الجهادَ رأيتهم / وإن أشبهوا الأحياءَ مَوْتَى من الخَوَرْ
وإن لم تكن أظفارُهم جُنَّةً لهم / تقلَّب في أحشائِهم كلُّ ذِي ظُفُرْ
نَهَضَ الغُزاةُ فأين تَمْضِي العِيرُ
نَهَضَ الغُزاةُ فأين تَمْضِي العِيرُ / أعَلَى الغمامِ إلى الشآمِ تَسيرُ
زَيْدُ بْنُ حارثةٍ يَطيرُ وَرَاءَها / مَا ظَنَّهَا بالنَّسرِ حِينَ يَطيرُ
مَهْلاً أبا سُفيانَ إنَّ طِلابَكُمْ / عَسِرٌ وإنَّ مُصَابَكم لَكَبيرُ
صَفْوَانُ يُرْعِدُ خِيفةً وحُوَيْطِبٌ / مِمَّا عَرَاهُ مُرَوَّعٌ مَذعُورُ
زُولُوا بأنفسِكم فَتِلْكَ حُتوفُها / غَضْبَى إليها بالسُّيوفِ تُشِيرُ
هِيَ غارةُ البَطَلِ المُظَفَّرِ مالكم / مِنه إذا خَاضَ الغِمَارَ مُجيرُ
ظَنُّوا الظنُّونَ بهِ فلمَّا اسْتَيْقَنُوا / زَالوا عَنِ الأموالِ وَهْيَ كَثيرُ
أَمْسَتْ تُساقُ إلى النبيِّ غَنيمةً / للَّهِ فيها فَضلُهُ المشكُورُ
هذا دليلُ العِيرِ غُودِرَ وَحْدَهُ / خَلْفَ الأُلَى خَذلُوهُ فَهْوَ أَسِيرُ
اللَّهُ أطلقَهُ على يدِ مُنْقِذٍ / هُوَ للأُسارَى المرهَقِينَ بَشِيرُ
عَقَدَتْ مِنَ الإسلامِ فوقَ جَبينِهِ / تاجاً عليهِ من الجلالةِ نُورُ
مَن علَّمَ القومَ العُكوفَ على الهوى / أنَّ الحياةَ جَهالةٌ وغُرور
تِلك المغانِمُ ما لها كَمُحَمَّدٍ / في النَّاسِ من أحدٍ إليهِ تَصِيرُ
هِيَ قُوَّةٌ لِلمُسْلِمينَ وَمَظهرٌ / للقائِمينَ على الجهادِ خَطيرُ
بُورِكْتَ يا زَيْدُ بنُ حارثةٍ فما / لكَ في الموالِي الصَّالِحينَ نَظيرُ
إيهٍ أميرَ الجندِ ليس كمثلهِ / جُندٌ ولا مِثلَ الأميرِ أميرُ
يَميناً ما لِمَدْيَنَ من قَرارِ
يَميناً ما لِمَدْيَنَ من قَرارِ / فَبُعْدَاً للقطينِ وللديارِ
شُعَيْبٌ كيفَ أنتَ وأينَ قَوْمٌ / عَصُوكَ وما الذي فَعَلَ الذرارِي
همُ اتّخذُوا الهَوَى رَبّاً وسَارُوا / من العهدِ القديمِ على غِرارِ
أتى الإسلامُ فَاجْتَنبوهُ حِرصاً / على دينِ المهانةِ والصَّغارِ
وصَدُّوا عن سبيلِ الله بَغياً / وكان البَغْيُ مَجلبةَ الدَّمارِ
سَمَا زَيْدٌ إليهم بالمنايا / تُرِيكَ مَصَارِعَ الأُسْدِ الضَّوارِي
تَأمّلْ يا شُعَيْبُ أما تَرَاهُ / شديدَ البأسِ مُلتَهِبَ المغارِ
تَوَقَّى القومُ صَوْلَتَهُ فَضَنُّوا / بِأنْفُسِهِم وجَادوا بالفِرارِ
لَبِئْسَ الجُودُ تَلْبَسُهُ سَوَاداً / وُجُوهُ القومِ من خِزْيٍ وعَارِ
تَلفَّتتِ النِّساءُ ولا رِجالٌ / سِوَى السُّرُجِ الزواهرِ كالدّراري
وَضَجَّتْ تستغيثُ ولا غِياثٌ / سِوَى العبراتِ والمُهَجِ الحِرَارِ
تَوَلَّى الجُندُ بالسَّبْيِ المُخَلَّى / وبالنّصْرِ المُحَجَّلِ والفَخَارِ
فيا لبضاعةٍ للكُفرِ تُزْجَى / ويا للشّوقِ يَجمعُ كُلَّ شارِ
ويا لكَ من بُكاءٍ كان حقّاً / لِدينِ اللهِ دَاعِيَةَ افْتِرَارِ
أَتُمْسِي الأمُّ تُعزَلُ عن بَنِيها / لِمَوْلىً غيرِ مولاهم وجَارِ
أَبَى البَرُّ الرّحيمُ فقال رِفْقاً / وتلكَ إهانةُ الهِمَمِ الكِبارِ
فأمسَكَ كلَّ دَمْعٍ مُستَهلٍّ / وَسَكَّنَ كلَّ قلبٍ مُستطارِ
تتابعتِ المواهبُ والعطايا / على قَدَرٍ مِن الرحمن جارِ
فَغُنْمٌ بعد غُنْمٍ وَانْتِصَارٌ / يُنِيرُ المَشْرِقَيْنِ على انتِصارِ
أصَابَ الدّهْرُ بُغْيَتَهُ وأمستْ / تَجَلَّتْ حِكمةُ الفلَكِ المُدَارِ
عُكاشَةُ ما في الغَمْرِ من مُتْخلَّفٍ
عُكاشَةُ ما في الغَمْرِ من مُتْخلَّفٍ / خلا الغَمْرُ من عُمَّارِهِ فَهْوَ مُقْفِرُ
تناذرَ أهلُوهُ سُيوفكَ فَانْجَلوا / وغُودِرَ وَحْشاً خالياً ليس يُعمَرُ
خُذِ الشّاءَ والإبلَ السِّمانَ فإنّهم / إلى أجلٍ ما دُونَهُ مُتأخَّرُ
فإمّا حِمَى الإسلامِ أو حدُّ قاضبٍ / على مَتْنِهِ مِنهم دَمٌ يَتَفَجَّرُ
عُكَاشَةُ عُدْ بالجندِ غيرَ مُخيَّبٍ / كفى القومَ خِزْياً أن يَفِرُّوا ويُدبِرُوا
لِكُلِّ امرئٍ من نفسِهِ ما تَودُّهُ / وما يكُ من شيءٍ فربُّكَ أكبَرُ
له الدّينُ والدّنيا وما بعدَ هذِهِ / فلا شَيءَ إلا ما يَشاءُ ويَقْدِرُ