القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ مَعْتوق المُوسَوِيّ الكل
المجموع : 22
بزَغَتْ بالظّلامِ شَمسُ الدُيورِ
بزَغَتْ بالظّلامِ شَمسُ الدُيورِ / فأرَتْ بالشتاءِ وقتَ الهَجيرِ
وشَهِدنا الهَباءَ كالنّقْعِ لَيلاً / حَولَها إذ بدَتْ منَ البلّورِ
وأرَتْنا السّماءَ ذاتَ اِحْمِرارٍ / ومَحا نورُها السّوادَ الأثيري
فحسِبْنا النُجومَ فيها فُصوصاً / منْ عَقيقٍ وجِرْمَها من حَريرِ
وغشَتْ في شُعاعِها الأرضَ طُرّاً / فجرى ذَوْبُ لَعلِها في البُحورِ
نارُ راحٍ ذكيّةٌ قد أصارَتْ / كرةَ الزّمهَريرِ حرَّ السّعيرِ
خفِيَتْ من لَطافةِ الجرمِ حتّى / لا ترى في وِعائِها غيرَ نُورِ
باينَ الماءُ لونَها فالأواني / كالمُساوي لها على المَشهورِ
تملأُ المُحتَسي ضِياءً إلى أنْ / تنظر العينُ سِرّهُ بالضّميرِ
لو حَساها بَنو زُغاوَةَ يوماً / من سَناها لَلُقّبوا بالبُدورِ
ذاتُ نورٍ إذا جَلَتْها سُحَيْراً / في زُجاجِ الكُؤوسِ كفُّ المُديرِ
خِلتَهُ بالفَضيخِ مرّ جميعاً / ثمّ بالنارِ خاضَ بعدَ المُرورِ
صاحِ قد راحَ وقتُنا فاِغتَنِمه / واِنتَهِبْ فرصةَ الزّمانِ الغَيورِ
أَتخيّلْتَ أنّ وقتَك ليلٌ / سَفهاً إنّ ذا دُخانُ البَخورِ
فلقد شجّ في عَمودِ سَناهُ / فلَق الصبحِ هامةَ الدّيجورِ
وبُحورُ الظّلامِ غُرن وعامت / حُوتُها من ضِيائِه في غَديرِ
وغدَتْ تقطُفُ الأقاحَ يَداهُ / منْ رِياضِ المَلابِ والكافورِ
وغَدا الكَفُّ والذّراعُ خَضيباً / وبَدا بالدُجى نُصولُ القَتيرِ
واِنثَنى القلبُ خافِقاً إذ تجلّى / مُصْلتاً صارِم الهِلالِ المُنيرِ
وشَدا الديكُ هاتِفاً وتغنّى ال / وُرقُ بالأيكِ خاطِباً للطّيورِ
وبَدا الطَّلعُ ضاحكاً ثمّ أهدى الط / طَلُّ منظومهُ إِلى المنثورِ
فاِصطَبحها على خُدودِ العَذارى / واِسقِنيها على أقاحِ الثغورِ
بينَ أبناءِ مجلسٍ لم يَزالوا / بين خُضر الرّياضِ بيض النُحورِ
كلّما فاكَهوا الجليسَ بلفظٍ / نظَمَتْهُ الحبَابُ فوقَ الخُمورِ
طلبوا المجدَ بالرّماحِ ونالوا / بالظُبى هامةَ المحلِّ الأثيرِ
صبيةٌ زفّها الصّباءُ اِرتياحاً / للمَلاهي على بِساطِ السُرورِ
وبُدورٌ منَ السُقاةِ تُعاطي / في كُؤوسِ النُضارِ شمسَ العَصيرِ
ما سعتْ بالمُدامِ إلّا أرَتنا / قُضُبَ البانِ في هِضابِ ثَبيرِ
كلُّ ظَبيٍ عزيزِ شكلٍ غَرير / يفضحُ البدرَ بالجَمال الغَزيرِ
بل أصمٌّ وشاحُهُ منطقيٌّ / صحّ في جَفنِه حِسابُ الكُسورِ
سُكّريٌّ رُضابُهُ كَوثَريٌّ / جنّةٌ عذّبَ الأنامَ بِحُورِ
كلّما هبّ بالمُدامِ نَشاطاً / كسّلَ النومُ جَفنُه بالفُتورِ
فرعُهُ والوِشاحُ سارا فهذا / كَ اِغتدى مُتهِماً وذا بالغُوَيرِ
كم غَزا الصبر باللّحاظِ كما قدْ / غزَتِ الشوسَ أنصُلُ المَنصورِ
يومَ غازَتْ جِيادُهُ آلَ فَضْلٍ / بِلُهامٍ على الكُماةِ قَديرِ
كلما سارَ بالظُبى والعَوالي / بعثَ الذُعرَ قبلَهُ بالصُدورِ
جحفلٌ يقتلُ الجنينَ إذا ما / سارَ في الأرض وقعُهُ في النُحورِ
لجِبٌ من دويّه الخلقُ كادوا / يخرجوا للحسابِ قبلَ النُشورِ
مارَ فيهِ السماء والأرضُ مادتْ / وتَنادَتْ جِبالُها للمَسيرِ
سارَ وهناً عليهم وأقامت / خيلُهُ بالنّهارِ حتّى العَصيرِ
وأتى منهلَ الدُّوَيرِقِ ليلاً / وسرى منْ مَعينه من سُحَيْرِ
وأتى الطيبَ والدُجَيلَ نَهاراً / تقتَفيهِ الأسودُ فوقَ النسورِ
وغدا يطّوي القِفارَ إلى أنْ / نشرَتْ خيلُهُ ثَراءَ الثُغورِ
واِنثنَتْ تَقلِبُ الفَلاةَ عليهمِ / بمَداري قوائمٍ كالدَّبورِ
وغدَت عُوَّماً بدجلةَ حتّى / صار لُجّيُّ مائِها كالأسيرِ
وأتت بالضُحى الجزيرةَ تُردي / بأُسودٍ تَروعُها بالزّئيرِ
فرَماها بها هُناكَ فأضحَوا / ما لهُم غيرَ عَفوهِ من نَصيرِ
أسلَموا المالَ والعِيالَ وولّوا / هرَباً بالنفوسِ في كلِّ غوْرِ
وهوَ لو شاءَ قتلَهُمْ ما أصابوا / مهرَباً من حُسامهِ المَشهورِ
أينَ منجى الظِباءِ بالغورِ ممّنْ / يَقنِصُ العُصْمَ من قِنانِ ثَبيرِ
ذُعِرَتْ منهمُ القُلوبُ فأمسَتْ / بينَ أحشائهمْ كمَوتى القُبورِ
سَفَهاً منهمُ عصوْهُ وتِيهاً / وضَلالاً رَماهمُ بالغُرورِ
زعموا في بلادهمْ لن يُنالوا / من بَوادي العَقيقِ أهلُ السّديرِ
فنفى زعمَهُم وسارَ إليهمْ / ورَماهُمْ بجَيشهِ المَنصورِ
ملكٌ كلّما سرى لطِلابٍ / يحسَبُ الأرضَ كلّها كالنقيرِ
هوّنَ البأسُ عندهُ كلَّ شيءٍ / والعظيمُ العظيمُ مثلُ الحقيرِ
لم نزلْ من نَواله في سَحابٍ / يُنبتُ الدرَّ في رياض الفَقيرِ
يا أبا هاشمَ المُظفَّر لا زلْ / تَ تُغيرُ العدوَّ طولَ الدُهورِ
فلقد جُزْتَ بالفَخارِ مَقاماً / شيّدَتْهُ الرِماحُ فوقَ العبورِ
ذلّتِ الكائناتُ منكَ إلى أنْ / صارَ منها العزيزُ كالمُستجيرِ
وعمَمْتَ العِبادَ منكَ بفَيضٍ / صيّرَ الزّاخراتِ مثلَ السُتورِ
دمتَ بالدهرِ ما بَدا البدرُ كَنزاً / لِفَقيرٍ وجابِراً لكَسيرِ
خَفَرَتْ بسيفِ الغُنج ذمّةَ مِغفَري
خَفَرَتْ بسيفِ الغُنج ذمّةَ مِغفَري / وفَرَتْ برُمح القدِّ دِرعَ تصبُّري
وجلَتْ لنا من تحت مِسكةِ خالِها / كافورَ فجرٍ شقَّ ليلَ العنْبرِ
وغدَتْ تذُبُّ عن الرُضابِ لِحاظها / فحمَتْ علينا الحورُ وِردَ الكوثرِ
ودنتْ إلى فمِها أراقِمُ فرعِها / فتكلّفتْ بحِفاظِ كَنزِ الجوهري
يا حاملَ السيفِ الصّحيح إذا رَنَتْ / إياكَ ضربةَ جفنِها المُتكسِّرِ
وتَوقَّ يا ربَّ القناةِ الطّعنَ إنْ / حملَتْ عليكَ من القَوامِ بأسْمَرِ
برزَتْ فشِمْنا البرقَ لاحَ ملثّماً / والبدرَ بين تقَرطُقٍ وتخمُّرِ
وسعَتْ فمرّ بنا الغزالُ مطوّقاً / والغُصنُ بين موشّحٍ ومؤزّرِ
بأبي مَراشِفها الّتي قد لُثِّمتْ / فوق الأقاحي بالشّقيقِ الأحمرِ
وبمُهجَتي الروضُ المُقيمُ بمُقلةٍ / ذهبَ النُعاسُ بها ذهابَ تحيّري
تاللَّهِ ما ذُكرَ العقيقُ وأهلُه / إلّا وأجراهُ الغرامُ بمِحجَري
لولاهُ ما ذابتْ فرائدُ عَبرَتي / بعدَ الجمودِ بحرِّ نارِ تذكّري
كم قد صَحِبْتُ به منَ اِبْناءِ الظبا / سِرباً ومن أسُدِ الشّرى من معشَرِ
وضَللتُ من غسَقِ الشعورِ بغيهبٍ / وهُديتُ من تلك الوجوهِ بنيّرِ
يا لَلعشيرةِ مَنْ لمهجةِ ضَيغمٍ / كمنَتْ منيّتُه بمقلةِ جُؤذرِ
روحي الفِداءُ لظبيةِ الخِدرِ الّتي / بُنِيَ الكِناسُ لها بغابِ القَسْوَرِ
لم أنسَ زَورَتَها ووجناتُ الدُجى / تنباعُ ذِفْراها بمسكٍ أذْفرِ
أمّتْ وقد هزّ السِماكُ قناتَه / وسَطا الضياءُ على الظلامِ بخنجرِ
والقوسُ معترضٌ أراشَتْ سَهمَه / بقوادِم النَسرَينِ أيدي المُشتري
وغدَتْ تُشنّف مسمعيَّ بلُؤلؤٍ / لولاهُ ناظمُ عَبرَتي لم ينثُرِ
وتضمُّ منّي في القميص مهنّداً / وأضمّ منها بالنصيفِ السّمهري
طوراً أرى طوقي الذراعَ وتارةً / منها أرى الكفّ الخضيبَ بمِسْوَرِ
حتّى بَدا كِسرى الصّباح وأدبرَتْ / قومُ النّجاشي عن عَساكر قيصَرِ
لمّا رأتْ روضَ البنفسجِ قد ذوى / من ليلِنا وزهَتْ رياضُ العُصفُرِ
والنجمُ غارَ على جوادٍ أدهمٍ / والفجرُ أقبل فوقَ صهوةِ أشقرِ
فزعَتْ فضرّسَتِ العقيقَ بلؤلؤٍ / سكنَتْ فرائِدُه غديرَ السُّكّرِ
وتنهّدتْ جزَعاً فأثّرَ كفُّها / في صَدرِها فنظرْتُ ما لم أنظُرِ
أقلامَ مَرجانٍ كتَبْن بعنبَرٍ / بصحيفةِ البِلّورِ خمسةَ أسطُرِ
ومضَتْ وحُمرةُ خدِّها من أدْمِها / لبسَتْ رَمادَ المِسكِ بعد تستُّرِ
للّهِ دَرُّ جَمالِها من زائرٍ / رسمَ الخيالُ مثالَها بتصوّري
لم ألقَ أطيبَ بهجةً من نَشرِها / إلّا البشارةَ في إيابِ الحَيدَري
ابنُ الهُمامِ أخو الغَمامِ أبو النّدى / بركاتُ شمس نهارنا المَولى السّري
الخاطبُ المعروف قبلَ فِطامِه / والطالبُ العلياء غيرَ مُقدّرِ
مِصباحُ أهلِ الجود والصُبحُ الّذي / ما اِنجابَ لَيلُ البُخلِ لو لمْ يُسفِرِ
قِرنٌ إذا سلَّ الحُسام حسِبتَهُ / نهراً جرى من لُجّ خمسةِ أبحُرِ
قرَن البراعةَ بالشجاعةِ والنّدى / والرأيَ في عَفوٍ وحُسنِ تدبّرِ
آباؤهُ الغُرُّ الكِرامُ وجدّهُ / خيرُ الأنام أبو شُبيرَ وشَيْبرِ
لو أنّ موسى قد أتى فرعَونَه / في آي ذاتِ فقاره لم يَكفُرِ
أو لو دَعا إبليسَ آدمُ باِسْمهِ / عندَ السُجودِ لديه لم يستكْبِرِ
أو كان بالبَدرِ المُنير كمالُه / ما غار أو بالشمسِ لم تتكوّرِ
أو في السماء تكون قوّةُ بأسهِ / في الروعِ يومَ البعثِ لم تتفطّرِ
سمحٌ أذلَّ الدرَّ حتّى أنّه / خَشيَتْ ثُغورُ البيضِ فيها يزدري
ومَحا سَوادَ الجَورِ أبيض عدلِه / حتّى تخوّف كلُّ طَرفٍ أحوَرِ
يجدُ الظِباءَ البيضَ كالبيضِ الظُبا / وصَليلها بالكَعْمِ نغمةَ مِزْمَرِ
بعد المشقّة نال لذّاتِ العُلى / لا يستلذّ الغُمضَ مَنْ لم يَسْهَرِ
قُلْ للّذي في الجودِ يطلبُ شأوَه / أربيْتَ في الغُلواءِ ويحكَ فاِقصِرِ
بُدِئَ النّدى منه فأفعالُ السّخا / عن غيرِ مصدرِ ذاته لم تَصْدُرِ
فالناسُ من ماءٍ مَهينٍ وهوَ من / ماءٍ مَعينٍ طاهِرٍ ومُطَهِّرِ
يا مَنْ بكُنيتهِ نريدُ تيمُّناً / وبه يُزالُ تشاؤُمُ المتطيّرِ
إنْ عُدَّ قبلَك في المكارم ماجدٌ / قد كان دونَك في قديم الأعْصُرِ
فكذلك الإبهامُ فهوَ مقدَّمٌ / عند الحِساب يُعدُّ بعد الخِنصرِ
بالفخرِ ساد أبوكَ سادات الورى / وأبوك لولاكَ ابنُه لم يفخَرِ
كالعين بالبصرِ المُنير تفضّلتْ / والعينُ لولا نَجلُها لم تُبصِرِ
قسَماً ببارقِ مُرهفٍ قُلِّدتَهُ / وبعارِضٍ من مُزنِ جودِك مُمطِرِ
لولا إيابُك للجزيرة ما صفَتْ / منها مشارِعُ أمنِها المتكدِّرِ
أسكَنْتَ أهليها النّعيمَ وطالما / شهدوا الجحيمَ بها وهَولَ المَحْشَرِ
وكسَوْتَها حُلَلَ الأمان وإنّها / لولاك أضحتْ عَورةً لم تُسْتَرِ
بوركْتَ من شهمٍ قدِمتَ مشمّراً / نحو العُلى إذ يُحجِم الليثُ الشّري
وقطعْتَ أنوار الفَخار بأنمُل ال / فِتيان من روضِ الجديد الأخضرِ
فليَهْنِكَ المجدُ التّليد وعادكَ الْ / عيدُ الجديد بنبلِ سعدٍ أكبرِ
واِلبَس قميصَ المُلكِ يا طالوتَه / واِسحبْ ذيولَ الفضل فخراً وأجْرُرِ
واِستَجل بِكرَ ثَنا فصاحةِ لفظها / عبثَتْ بحِكمتِها بسِحرِ البُحتُري
لو يعلمُ الكوفي بها لم يزدَري / أو يشعرُ الطائي بها لم يشعرِ
لا زِلتَ تاجَ عُلىً وحِليةَ مَنصِب / وطرازَ مَكرُمةٍ وزينةَ منبَرِ
رَنا فسلَّ على العُشّاقِ أحوَرهُ
رَنا فسلَّ على العُشّاقِ أحوَرهُ / سيفاً عليهمْ ذِمامُ البيضِ يخفِرُهُ
وماسَ تيهاً فثنّى في غلالتِه / قدّاً بحُمرِ المَنايا سالَ أسمَرُهُ
واِفترَّ عن لُؤلُؤٍ ما لاحَ أبيضُهُ / إلّا وياقوتُ دمعي سالَ أحمرُهُ
يا غَيرةَ البانِ إذ يُثنى مُوشّحُهُ / وخَجلةَ البرقِ إذ يَبدو مؤشّرُهُ
بمُهجَتي دَعجاً يجري بمُقلته / لا أعرفُ الموتَ إلّا حين أنظرُهُ
وبالجُفونِ جَمالاً تحت بُرقُعِهِ / لا يُسفِرُ الصبحُ إلّا حين يَسفِرُهُ
في بيعةِ الحُسنِ منه ينجلي صنمٌ / دينُ المسيح به يَقوى تنصّرُهُ
له مُحيّاً لِحاظي إنْ تُعَندِمهُ / ثوبُ الدُجُنّةِ من لَوني يُعَصْفِرُهُ
قاسَمْتُه الوردَ لَونَيهِ فأحمرُه / في وجنتَيْهِ وفي خدَّيَّ أصفَرُهُ
مُهفْهَفُ القدِّ لَغويُّ النِطاقِ حَوى / معنىً كمَحذوفِ نحويٍّ يقدّرُهُ
مجرّدُ الخدِّ من شعرٍ يدبُّ به / خالٌ إلى المِسكِ منسوبٌ مصغّرُهُ
للحتفِ في جفنهِ السّاجي مُضارعةٌ / لذلك اِشتُقَّ من ماضيهِ مَصدَرُهُ
متوّجٌ بنهارِ الشيبِ عمّمني / لمّا تقنّع بالدّيجورِ نيّرُهُ
ما كرَّ في جيشهِ مِهْراجُ طرّته / على سَنا البدرِ إلّا فرّ قيصَرُهُ
ولا اِستثارَ دُخانَ النّدِّ عارضُه / إلّا وشَيبُ قَذا لي شبَّ مِجمَرُهُ
تشبّهَ الطّيبُ في خدّيْه إذ نَبتا / فَاِبيضّ كافورُه واِسودّ عنبرُهُ
فسِحرُ عَينيهِ عن هاروتَ يسنُدُه / وخطُّ خدّيهِ عن كافورَ يَسطُرُهُ
تستودعُ الدّرَّ من ألفاظهِ أذُني / نظْماً فتَسرِقُه عَيني فتنْثُرُهُ
أمَا وقُضبانِ مَرجانٍ بجنَّتِها / من فوقِ أُنبوبِ بلّورٍ يُسوِّرُهُ
وشينِ شَهدةِ معسولٍ بمَلثمِه / وقافِ قامةِ عسّالٍ يُزنّرُهُ
لولا حَريرُ عِذارَيه لمَا نسجَ الد / ديباجَ شِعري ولا فِكْري يُصوّرُهُ
إلى مَ يا قلبُ تُصفي الودَّ ذا مَلَلٍ / لا يستقرُّ ولا يَصفو مُكدِّرُهُ
إنّ المَلولَ وإن صافاكَ ذو عجَبٍ / إن حالَ مُسْكِرُه أو مُجَّ سُكَّرُهُ
يا خَيبةَ السّعيِ قد ولّى الشبابُ ولا / أدرَكْتُ سُؤلي وعُمري فاتَ أكثَرُهُ
فما وَفى لي حبيبٌ كنتُ أعشَقُه / ولا صَفا لي خليلٌ كنتُ أُوثِرُهُ
ولا اِختَبرْتُ صديقاً كنتُ أمنحُه / صفوَ السريرةِ إلّا صِرْتُ أحذَرُه
يا دَهرُ ويحكَ إنّ الموت أهونُ من / مُذمَّمٍ بكَ يؤذيني وأشْكُرُهُ
ما لي وما لَك لا تنفكّ تُقعِدُني / إن قُمتُ للمجدِ أو حَظّي تُعثِّرُهُ
لقد غَدا البُخلُ شخصاً نَصْبَ أعيُننا / فأصبحَ الجودُ عهداً ليس نَذكرُهُ
وعاد يطوي لِواءَ الحمدِ رافعُه / لولا بَدا بَركاتِ المجدِ تنشُرُهُ
ربُّ النّوالِ الذي لولا مواهبُه / سِمطُ القَوافي لدينا بارَ جوهرُهُ
المُتْبِعُ الهِبةِ الأولى بثانيةٍ / وأكرمُ المُزنِ ما يوليكَ مُمطِرُهُ
سرُّ الإله الذي للخَلْقِ أبرزَهُ / لُطفاً وكادَ فؤادُ الغَيبِ يُضمِرُهُ
مملَّكٌ يركبُ الأمرَ المَخُوفَ ومنْ / فوق الأفاعي به يَمشي غضَنْفَرُهُ
كأنّما الموتُ مَلزومٌ بطاعَتِه / في كلِّ ما هو يَنْهاهُ ويأمرُهُ
يضمُّ منهُ غديرُ الدِرْع بحرَ نَدىً / ويحتوي منهُ بدرَ التِّمِّ مِغْفَرُهُ
سمحٌ تحرّج نهرَ السائلينَ ولا الْد / دُرُّ اليتيمُ عنِ الرّاجينَ يقهَرُهُ
يُعطي الجزيلَ فلا عُذراً يقدّمُه / للطّالبينَ ولا وَعْداً يؤخِّرُهُ
تملّك الحَوْزَ فلْتَهرُب ثَعالبُهُ / فقد تكفّلَ جيشَ المُلكِ قَسْوَرُهُ
مهذّبٌ فطِنٌ كادت فراستُه / عمّا بقلبِكَ قبلَ القولِ تُخبرُهُ
لا يلحَقُ الذُلُّ جاراً يستعزُّ به / ولا يرى الأمنَ مرعوبٌ يُذعِّرُهُ
بعدلِه الظالمُ المَرهوبُ يخذُلُه / وجانبَ البائِسِ المَظلومِ ينصُرُهُ
إنْ زارَهُ سائِلٌ عافٍ يعظّمُه / وإن تآتاهُ جبّارٌ يحقّرُهُ
لُفَّتْ على الهامةِ العُليا عِمامتُه / وشُدَّ فوقَ عَفافِ الفرْجِ مئْزَرُهُ
لا نَعرِفُ الجَدْبَ إلّا عندَ غَيبَتِه / ولا نرى الغَيثَ إلّا حين نُبصِرُهُ
قد حالَف السيفُ منه أيَّ داهيةٍ / كُبرى وصافَح يُمنى المَوتِ خنْجَرُهُ
كم قد أغارَ وشُهبُ الليلِ غائرةٌ / والفجرُ ينبَتُّ بالكافورِ عَنبَرُهُ
فآبَ والأُسْدُ في الأغلالِ خاضعة / وعاد بالنُّجْحِ والأنفالُ عسكَرُهُ
والدُّهْمُ كُمْنٌ وسُمرُ الخطّ تحمَدُه / والبيضُ صُفرٌ مَصوناتٌ تكبِّرهُ
والجوّ كالغسقِ المُسودِّ أبيضُهُ / والسيفُ كالشّفق المُحمَرِّ أخضَرُهُ
هوَ الهُمامُ الّذي صحّت سيادتُه / واِشْتُقَّ من أنبياءِ اللَّهِ عُنصرُهُ
همَّ العِدا بذهابِ النورِ منه وما / يُطْفونَ نوراً يُريدُ اللّهُ يُظهِرُهُ
يبغونَ محوَ اِسمِه من صُحْفِ مَنصِبِه / واللَّهُ في لوحِه المحفوظِ يَزبُرُهُ
بغَوْا عليه ومَن يجعلْ تجارَتَهُ / بضاعةَ البغي يوماً خابَ متجَرُهُ
وحاوَلوا الغدْرَ فيهِ وهْو أمنُهُم / وصاحبُ الغَدرِ يكفي فيه مُنكَرُهُ
ودبّروا الأمرَ سرّاً وهوَ متّكِلٌ / وربّهُ فوقَ أيديهم يدبّرُهُ
فأدركوا الوَيلَ والحُزنَ الطويل وما / رأوا من الأمرِ شيئاً سرّ منظرُهُ
فكم عزيزٍ له ولّت ضراغِمُه / وكم كِناسِ خِباً قد فرّ جُؤذرُهُ
مولاي فلتَهْنكَ الدنيا وعودتُها / إليكَ والعبدُ قد وافى مُبشِّرُهُ
وليهنِنا حجُّ بيتٍ منك دار على / شعائرِ البرِّ والمعروفُ مَشْعَرُهُ
واِرْمِ العِدا بجمارِ النّبْلِ واِسْعَ إلى / مِنى وغىً يرهبُ الضرغامَ منحَرُهُ
وبشِّرِ الخصمَ أنّ البغيَ يصرعُه / وماردَ الجورِ أنّ الظُلمَ يَدحَرُهُ
واِسْتَجلِ دُرَّ قَريضٍ كاد في حِكَمٍ / نظمُ البَديعِ بيانُ المرءِ يسحَرُهُ
ودُمْ مَدى الدهر في عزٍّ وفي شرفٍ / يسمو على الفلَكِ الدّوّارِ مفخَرُهُ
ويا وَميضَ بُروقِ المُزنِ إن سفَرتْ
ويا وَميضَ بُروقِ المُزنِ إن سفَرتْ / عن الثّنايا فغُضَّ الطَّرْفَ واِستَتِرِ
ويا وَجيزَ عِبارات البيان لقد / أطْنَبتَ في وصف ذاك الخَصْر فاِختصِرِ
هذا الأُبَيرِقُ في فِيها فَيا ظمئي / إلى عُذَيبِ عَقيق المَبسمِ العَطِرِ
وذا الغوَيرُ تراءى في الوشاح فَوا / شوقي إليه وهذا الجزعُ في الأزُرِ
بمهجَتي نارُ حسنٍ فوق مِرشفِها / تشَبُّ من حولِ ذاك المنظرِ الخَضِرِ
مرّت بنا وهْي تُبدي نونَ حاجِبها / والصُّدغُ يلثم منها وردةَ الخفَرِ
ففوّقَ القوسُ نبلَ العين وا حزَني / وقاربَ العقرَبُ المِرّيخَ وا حذَري
وحدّثتْنا فخِلنا أنّها اِبتسَمَتْ / زُهْرُ النجومِ حديثاً في فمِ القمرِ
أمَا وبلّورَتي فَجرٍ تلثّم في / ياقوتَتي شفقٍ يفترُّ عن دُرَرِ
ما خِلتُ قبلَك أنّ الحتْف يَبرزُ في / زِيّ العُيونِ من الآرامِ والعُفُرِ
لولا اِبتسامُكَ لم تجرِ العيونُ دَماً / والمُزْنُ لم تبكِ لولا البَرقُ بالمطَرِ
لو بِيعَ وصلُك للعاني بمُهجتِه / هانَتْ عليه ومَن للعُمي بالبصَرِ
أفنَيْتُ ماءَ عيوني بالصّدودِ بُكاً / وجذوةُ الصيفُ تُفني لجّةَ الغُدُرِ
خُلوُّ قلبك من نارِ الهوى عجَبٌ / ومكمَنُ النارِ لا ينفَكُّ في الحَجَرِ
لا تمقُتي أثراً بي في الخُطوبِ بَدا / فزينَةُ الصّارم الهِنديّ بالأثرِ
ولا تذُمّي بياض الشّيب إن شُعِلَتْ / شموعُه في سواد الليل من شَعَري
فالمرءُ كالجمرِ في حالِ الخُمودِ يُرى / فيه السّوادُ ويبدو النورُ في السَّعَرِ
للَّه دَرُّ لَيالٍ بالحِمى سلَفتْ / بيضٌ تُرى في جِباه الدّهر كالغُررِ
وكم عَشَوْنا بجنّاتِ النّعيم إلى / سَناءِ نارَينِ من جَمْرٍ ومن قُطُرِ
وبَدرِ خِدر بِشبهِ الليل مُنتَطِقٍ / مُبَرقعٍ بسناءِ الفَجرِ مُعتَجِرِ
لا أصبح الليلُ من فَودَيهِ ما بزَغَتْ / شمسُ المُدامة بالآصالِ والبُكَرِ
ولا عَدا اللّثْمُ ذاك البدرَ ما قذَفَتْ / أيدي اِبنِ منصور للعافين بالبُدَرِ
سوادُ عينِ المَعالي نَقْشُ مِعصَمِها / بياضُ صَلْتِ العَطايا مَبسِم السّتَرِ
سهمُ المنيّة دِرعُ المُلكِ جُنّتُه / سِنانُ رمحِ الليالي صارمُ القدَرِ
ممَلّكٌ ساس أحوالَ الرعيّة في / عَدْلٍ يؤلّفُ بين الأُسْدِ والبَقَرِ
لو ذاقتِ النَحْلُ مَرعى سَوطِ نِقمَتِه / لَمُجَّ منها مَسيلُ الشّهدِ بالصّبرِ
لو جاد صيّبُه العِينَ المَها نَبتَتْ / جُلودها بالحرير المَحْضِ لا الوَبَرِ
له جِبالُ حُلومٍ لو شوامخُها / رسَتْ على السّبعة الأفلاكِ لم تَدُرِ
قِرْنٌ تقنّص بالبيضِ الجوارِح منْ / أعلى غُصونِ العَوالي طائرَ الظّفَرِ
يا عُصبةَ الحاجِ هذا لُجُّ راحتِه / فيَمّمي اليمّ تستغني عن الحجَرِ
ويا شُموسَ الكُماة الشوسِ إن طلَعت / نجومُه في ظلامِ النّقع فاِنكَدري
بَدا لنا فبدا في ضمن جوهَره الْ / فَردِ الكِرام بجمعٍ غيرِ منحصِرِ
فكان في الحِلم كالمرآة حين يُرى / يُعَدّ فرداً وما فيها من الصّورِ
وِتْرُ البريّة شفعُ الدّهر جُملَتُه / جمْعُ الفخارِ مُثنّى النّفْع والضّررِ
فالحربُ تُثني عليه لُسْنُ أنصُلِها / والحتفُ يَثني عليه عِطفَ مؤتَمِرِ
لو فاضَ طوفانُ نوحٍ من ندى يدِه / لما نَجا منهُ بالألواحِ والدُّسُرِ
أو شاهدَ الملْكُ شدّادٌ جلالَته / لعفّر الذُعْرُ منه خدَّ مُحتقرِ
دعِ الروايات في الماضي فرؤيتُه / أقوى فليس عِيانُ الأمر كالخبَرِ
فأشرقَ النّقعُ منها واِنجلى شفقٌ / من الدِماءِ على الهامات والطُّرَرِ
يا ناظمَ المجدِ يا سِمْطَ الفضائلِ بل / يا حِليةَ المَدْح بل يا زينةَ البَشرِ
ثمَنْتَ في سيفكَ السّبْعَ الزّواخرِ والس / سبعَ الكواكبَ لا بل سبعة الكِبَرِ
وزِدْتَ في المُلك إجلالاً ومقدرةً / حتّى جلَلْتَ عن التحديد والقدرِ
مولاي يا واحِدَ الدُنيا وسيّدَها / والماجِدَ المُحسِنَ المُزْري بكلّ سَري
سَمعاً لدعوةِ عبدٍ تحت رِقّكُمُ / يرجو لديكَ ينالُ الفوزَ بالوَطَرِ
قد فرّ من عبدِك الدهرُ المُسيءُ إلى / حُسنى صَنيعِك يا ذا العِزِّ والخَطَرِ
فأنتَ إن خانتِ الأيّامُ معتمَدي / وأنتَ إن قلّ وَفْري خيرُ مدَّخَرِ
روَتْ عن تَراقيها العُقودُ عن النّحْرِ
روَتْ عن تَراقيها العُقودُ عن النّحْرِ / محاسِنَ تَرويها النُجومُ عن الفَجْرِ
وحدّثَنا عن خالِها مسكُ صُدغِها / حديثاً رواهُ الليلُ عن كُلفةِ البَدْرِ
وركّب منها الثّغرُ أفرادَ جُملةٍ / حكاها فمُ الإبريقِ عن حَبَبِ الخَمْرِ
بصحّة جِسمي سُقْمُ ألفاظِها التي / روى المِسكُ عن إسنادها خبرَ النّشْرِ
وبالخدِّ وردٌ نارُ موسى بصحنِه / وميمُ فمٍ من عينه جُرعةُ الخُضْرِ
عَذيريَ من عذراءَ قبل تمائمي / خلعْتُ على العُذّالِ في حبّها عُذري
ولي مدمَعٌ في حبّها لو بكى الحَيا / به نبتَ الياقوتُ في صدَفِ الدُرِّ
بروحيَ منها جؤذراً في غلائلٍ / وجيدَ مَهاةٍ قد تلفّع بالجمْرِ
لقد غصبَتْ منها القُرون لَيالياً / من الدهرِ لولا طُولُها قلتُ من عُمري
أمَا وسُيوفٍ للحُتوف بجَفْنِها / تجرَّدُ عن غِمدٍ وتُغمدُ في سحْرِ
وهُدبٍ تسقّى نبلُه سُمَّ كُحلِها / فذبّ بشوكِ النّحلِ عن شَهْدةِ الثّغرِ
وصمتَةِ قلبٍ غصّ منها بمعصَمٍ / ووَسواسُهُ الخنّاسُ ينفثُ في صدري
لَفي القلب منّي لوعةٌ لو تُجِنّها / حَشا المُزنِ أمسى قَطرُها شَرَر الجَمرِ
ممنّعةٌ غير الكرى لا يزورُها / وتُحجَبُ عن طَيْفِ الخيال إذا يسْري
وطوقِ نُضارٍ يستَسرُّ هِلالُه / مع الفَجرِ تحت الشمسِ في غَسَقِ الشّعْرِ
إذا مرّ في الأوهام معنى وِصالِها / رأيتُ جِيادَ الموتِ تعثُر بالفِكْرِ
رَفيعةُ بيتٍ هالةُ البدرِ نورُه / وقَوسُ مُحيطِ الشمسِ دائرةُ السِتْرِ
يُرى في الدُجى نهرُ المَجرّة تحتَه / على درِّ حَصباءِ النُجومِ به تجري
فأطنابُه للفرقَدَين حَمائلٌ / وأستارُه في الحِنج أجنحةُ النّسْرِ
وليلٍ نُجومُ القَذفِ فيه كأنّها / تَصولُ علينا بالمهنّدةِ البُتْرِ
رَكِبْتُ به مَوجَ المَطايا وخُضْتُ في / بِحارِ المَنايا طالِباً دُرّةَ الخِدرِ
فعانَقْتُ منها جُؤذرَ القَفرِ آمِناً / وصافحْتُ منها بالخِبا دُميةَ القَصْرِ
فلمّا دَنا منّا الوداعُ وضمّنا / قميصُ عِناقٍ بزّنا ملبسَ الصّبْرِ
بكَتْ فضّةً من نرجِسٍ مُتناعِسٍ / وأجرَيْتُ تِبراً من عقيقٍ أخي سَهْرِ
فأمسَتْ عُيونُ البَدرِ في شفَق الضُحى / تسيلُ وعينُ الشمسِ بالأنجُم الزُهْرِ
وقُمْتُ وزَنْد الليثِ منّي مطوّقٌ / لها ويَمينُ الظّبي قد وشّحَتْ خَصري
فكادَتْ لِما بي أن تُذيبَ سِوارَها / ضُلوعي وإن كانت حَشاهُ من الصّخْرِ
وكاد فَريدُ العِقدِ منها لِما بها / يَذوبُ ويجري كالدّموعِ ولا تَدْري
سَقى اللَّهُ أكْنافَ العقيقِ بَوارِقاً / تُقطّعُ زَندَ الليلِ في قُضُبِ التّبرِ
ولا زال محمَرُّ الشّقائقِ موقَداً / به شُعَلُ الياقوتِ في قُضُب الشّذْرِ
حِمىً تتحامى الأُسْدُ آرامَ سِرْبِه / وتَصْرَعُهُم من عَينه أعيُنُ العُفْرِ
تُحيطُ الظُّبا أقمارَه في أهلّةٍ / وتَحمي نُجومَ البيضِ في أنجُمِ السُّمْرِ
ألا حَبّذا عصْراً مضى ولَيالياً / عرائسُ أُنسٍ يبتَسِمْنَ عن البِشْرِ
وأيّامُنا غُرٌّ كأنّ حُجولَها / أيادي عليٍّ في رِقابِ بَني الدّهْرِ
أيادٍ عن التّشبيهِ جلّتْ وإنّما / عبَثْنَ بعَقلي ساحِراتٍ رُقى السِّحْرِ
بَوادٍ يُزانُ المجدُ منها بأنجُمٍ / هَوادٍ لمن يَسري إلى موضِع اليُسْرِ
مَواضٍ لمُرّانِ المَعالي أسنّةٌ / وقُضْبٌ بها العافونَ تَسطو على الفَقْرِ
نبَتْنَ بكفّيْهِ نَباتَ بَنانِه / فدلّت قُطوفَ الجُودِ في ثمَرِ الشُّكْرِ
هو العَدَدُ الفرْدُ الّذي يجمَعُ الثّنا / وتصدُرُ عنهُ قِسمةُ الجَبْرِ والكَسْرِ
صنائِعُه عِقدٌ على عاتِقِ العُلا / ومَعروفُهُ تاجٌ على هامةِ الفَخرِ
ربيعٌ إذا ما زُرْتَهُ زُرْتَ روضةً / يفتّحُ فيها رُشدُه حدَقَ الزّهْرِ
تَهيمُ به عِشقاً لخُلقٍ كأنّه / يهُبُّ علينا في نَسيمِ الهوى العُذْري
أيا وارِدي لُجَّ البِحار اِكْتَفوا به / فسَبْعَتُها في طيِّ أُنمُلِهِ العَشْرِ
إذا يَدُه البيضاءُ أخرَجَها النّدى / فيا وَيلَ أمّ البيضِ والورقِ الصُّفْرِ
أخُو هِمَمٍ يستغرِقُ الدِّرعُ جِسمَه / ومن عجَبٍ أن يغرَقَ البحرُ بالكَرِّ
تكادُ الرّماح السّمرُ وهي ذَوابلٌ / براحتِهِ تهتزّ بالوَرَقِ الخُضرِ
فكم من بُيوتٍ قد رماها بخَطبِه / فأضْحَتْ ومنها النّظمُ كالخُطَبِ النّثرِ
فلِلّه يومُ الكَرخِ موقِفُه ضُحىً / وقد سالتِ الأعرابُ بالجحفَل المَجْرِ
أتَوهُ يمدّون الرِقابَ تطاوُلاً / فأضحوا ومنهم ذلك المدُّ للجَزرِ
رَمَوْهُ بحربٍ كلّما قام ساقُها / ركضْنَ المَنايا في القلوبِ من الذُعرِ
يبيعُ الرّدى في سوقِها صفقةَ المُنى / بنَقدِ النُفوسِ الغالِيات لمَن يَشْري
سَطَوْا وسَطا كاللّيثِ يَقدُمُ فِتيةً / يَرَونَ عَوانَ الحربِ في صورِة البِكرِ
وفُرسانَ موتٍ يُقدِمون إلى الوغى / إذا جمحَتْ أُسْدُ النِزالِ عن الكَرِّ
وخَيلاً لها سُوقُ النّعامِ كأنّها / تطيرُ إذا هبّتْ بأجنِحةِ الكُدْري
فزوّجَ ذُكرانَ الظُبى في نُفوسِهمْ / وأنقدَهُم ضَربَ الحديدِ عن المَهْرِ
وأضحتْ وُحوشُ البرِّ ممّا أراقَهُ / من الدّمِ كالحيتان في لجّة البَحرِ
بَنى بِيَعاً من هامِهم وصَوامِعاً / تبوّأ منها مسجِداً راهِبُ النَّسْرِ
لَقوهُ كأمثال البُزاةِ جَوارِحاً / وولّوْا كما تمضي البُزاةُ عن الصّقْرِ
فمنْ واقعٍ في الأرض في شبَكِ الرّدى / ومن طائرٍ عنه بأجنحةِ الغُرِّ
وأنّى لهمُ جُندٌ تُلاقي جُنودَه / وأين رِماحُ الخَطِّ من خشَبِ السِّدْرِ
بغَوْا فبغَوْهُ بالّذي لو تعمّدَتْ / له الشُهْبُ لاقَتْ دونَه حادِثَ الكَسْرِ
وبانت عن الكفّ الخضيبِ بنانُه / وضاقَ به ذَرْعُ الذِراعِ عن الشّبْرِ
فراعِنُه همّتْ به فتلقّفَتْ / عَصا عزمِه ما يأفكون من المكْرِ
بهمْ مرضٌ من بُغضِه في قُلوبِهم / وسيفِ عليٍّ ذي الفقارِ الّذي يَبري
فيا ابْنَ رسولِ اللّهِ والسيّدَ الّذي / حَوى سُؤدُداً يَسمو به شرفُ العَصْرِ
أرادتْ بك الأسْباطُ كَيْداً فكِدْتَهُم / وأكرَمَ مثواكَ العزيزُ من النّصرِ
ترجّوْا لديهم لو تَبورُ بِضاعةٌ / فقادَهُمُ راعي البَوارِ إلى الخُسْرِ
لِيَهْنِكَ نصرٌ عزُّهُ يخذُلُ العِدا / وفتحٌ يحلُّ المُغلَقاتِ من الأمرِ
وحسبُك فخراً كفُّكَ الموتَ عنهمُ / وحسبهُمُ ذاك الخُضوعُ من الأسْرِ
ألا فاِعْفُ عنهم إنّهم لَعبيدُكُمْ / وإنّ سَجايا العَفْوِ من شِيَمِ الحُرِّ
كتمَ الهوى فوشى النّحولُ بسرِّه
كتمَ الهوى فوشى النّحولُ بسرِّه / وصحا فحيّاهُ النسيمُ بخمرِهِ
وصغى إلى رجعِ الحمام بسجعِهِ / فأهاجَتِ البَلوى بلابِلُ صدرِهِ
وسقَتْهُ ممرَضَةُ الجُفونِ فقلبُه / صاحٍ يرقّصُهُ الخُفوقُ لسُكرِهِ
ونسجْنَ ديباجَ السّقامِ لجسمِه / بيضُ الخُصورِ فسربَلَتْهُ بصُفْرِهِ
ووشَتْ له سُودُ العيونِ بهديها / وشيَ الحَمامِ فقمّصَتْهُ بحُمْرِهِ
وحَلا له في الحبِّ خلعُ عِذارِه / فجَلا ظلامَ العدل نيّرُ عُذرِهِ
ودنا الفِراقُ وكان يبخلُ قبلَهُ / بلُجَين مدمَعِه فجادَ بتِبرِهِ
وبَدا له برقُ العَقيق فظنّه / بيضَ الثّنايا وهْيَ لمعةُ تِبرِهِ
ورأى بها شِبهَ النجومِ فخالَها / قبَساتِ نارٍ وهْي أوجُهُ غُرِّهِ
للَّه أيّامُ العقيقِ وحبّذا / أوقاتُ لذّاتٍ مضَتْ في عصرِهِ
ثغرٌ يُجابُ صهيلُه بصهيلِه / ويُجيبُ باغِمَهُ الهزَبرُ بزأرِهِ
تَحمي أسودُ الغاب خِشفَ كِناسِه / ويضُمُّ ريشُ النّبْلِ بيضةَ خِدرِهِ
لا فرقَ بين وصولِ طوقِ قَناتِه / للطّالبين وبينَ هالةِ بَدْرِهِ
أقمارُه حملَتْ أهلّةَ بِيضِه / وشُموسُه حُرِسَتْ بأنجُم سُمرِهِ
حرمٌ مَنيعُ الحيّ قد كمن الرّدى / بجُفونِ شادِنه ونابِ هِزَبْرِهِ
هو ملعبُ البيضِ الحوالي فاِلتقِطْ / منه اللآلي واِنتشِقْ من عِطرهِ
إيّاكَ تقربُ ورْدَ منهلِ حيّه / فالموتُ ممزوجٌ بجرعةِ خُصْرهِ
تهَبُ الظُماةُ به لطالوت الرّدى / بحرَ النّجيع بغرفةٍ من نهرهِ
سلْ يا حَماكَ اللَّهُ عن خبَر الحِمى / نفَسَ الشِّمالِ فقد طَواهُ بنَشْرِهِ
واِستَخبِر البَرْقَ الضحوكَ إذا اِنْبرى / شطرَ اللّوى عمّن حكاه بثغرِهِ
يا حبّذا المتحمّلونَ وإنّهُم / سلَبوا فؤادَ الصّبِّ ملبَسَ صبرِهِ
لولا اِنتظامُ الدُرِّ بين شفاهِهم / ما جادَ ناظمُ عَبرَتي في نثرِهِ
وبمهجَتي الرَّكْبُ المعرَّضُ للحِمى / وبُدورُ تِمٍّ في أكلّةِ سِفرِهِ
جعلوا عليَّ بقاءَ روحي منّةً / أوَ ما رآها ركبُهمْ في إثرِهِ
كيفَ البَقاءُ وفي غفائِر بيضِهم / ساروا عن المُضنى بألْيَلِ عُمرهِ
لا تطلبنّ القلبَ بعد رحيلهم / منّي فقد ذهبَ الأسيرُ بأسْرهِ
قالوا الفِراقُ غداً فلاح لناظري / صُوَرُ المَنايا في سُحيّرِ فَجرِهِ
يا ليتَ يوم البينِ من قبلِ النّوى / لم تسمحِ الدُنيا بمولِدِ شهرِهِ
يوماً علينا بالكآبةِ والأسى / شهدَتْ جَوارحُنا بموقفِ حَشرِهِ
كيف السُّلوُّ وليس صبرُ أخي الهَوى / إلّا كحظِّ أخي النُهى في دهرِهِ
فإلى مَ أرجو الدّهرَ يُنجزُ بالوَفا / وعدي فتعرِضُ لي مكايِدُ غَدرِهِ
لا شيءَ أوهى من مواعِدِه سوى / دعوى شريكِ أبي الحُسين بفخرِهِ
ملكٌ إذا حدَثُ الزّمان لنا قَضى / أمضى مُضارعَهُ بصيغةِ أمرِهِ
فرعٌ إلى نحوِ العُلا يسمو به / أصلٌ رَسا بين النبيّ وصهرِهِ
نورٌ إذا ما بالوصيّ قرَنتَه / أيقَنْتَ أنّ ظُهورَه من ظهرِهِ
حرٌّ لو اِنتظَمَتْ مفاخِرُ هاشمٍ / بقِلادةٍ لرأيتَها في نحرِهِ
لا يُدركنَّ مديحَهُ لسِنٌ ولو / نظمَ الكواكبِ في قلائِدِ شِعرِهِ
للّه بينَ بيانهِ وبنانِه / كنزٌ أفادَ السائِلينَ بدُرّهِ
لو كان للبحرِ الخضَمِّ سماحُه / لم يخزُنِ الدُرَّ اليتيمَ بقَعرِهِ
سمحٌ لو اِنّ النيّراتِ جواهرٌ / قذفَتْ بها للوَفدِ لجّةُ بحرِهِ
يعطي ويحتقر النّوالَ وإنْ سَما / فيرى الثُريّا في أصاغِرِ صِرِّهِ
خطب العُلا فتطلّقَتْ أموالُه / منه وزوّجَه النّوالُ ببِكرهِ
تاللَّهِ ما سيفُ الرّدى بيدِ القَضا / يوماً بأفتَكَ من نَداهُ بوَفرِهِ
لو تلمِسُ الصّخرَ الأصمّ يَمينُه / لتفجّرَتْ بالعَذْبِ أعيُنُ صخرِهِ
قتلَتْ مهابتُه العدوَّ مخافةً / فكفَتْ صوارِمَهُ أسنّةُ ذُعرِهِ
بطلٌ إذا في الضّربِ ألهبَ مارِقاً / خِلْتَ الكواكبَ من تَطايُر جَمرهِ
فسلاحُ ليلِ الحتْفِ مِخلَبُ سيفِه / وجَناحُ طيرِ النُّجْحِ رايةُ نصرِهِ
بحرٌ إذا خاضَتْهُ أفكارُ الوَرى / غرِقَتْ به قبلَ البلوغُ لعِبْرِهِ
فطِنٌ يكادُ الليلُ يُشرِقُ كالضُحى / لو أنّ فكرَتَه تمرُّ بفِكرِهِ
آيُ الفَصاحةِ إن يخُطَّ يَراعُهُ / لم تَبدُ أنجمُها بظُلمةِ حِبرِهِ
ترك المواكبَ كالكواكِبِ فاِهتدى / فيهنّ مَنْ يَسْري لمَشرِقِ يُسْرِهِ
غيثٌ يكادُ التِّبرُ ينبُتُ بالرُبى / كالنورِ لو وُسِمَتْ بلؤلؤِ قَطْرِهِ
لو أنّ للأعناقِ منها ألسُناً / نطَقَتْ بأفواهِ الجُيوبِ بشُكرِهِ
لم يغشَ وجهَ الأفْقِ حتّى ينطوي / كلَفُ الدُجى لو حاز رونَق بِشرِهِ
سامٍ يمُدُّ إلى العُلا باعاً طوتْ / مجرى الدّراري السبْعِ خُطوةُ بِشرهِ
من آلِ حيدرَةَ الأُلى اِزدانَ العُلا / فيهم كما اِزْدانَ الرّبيعُ بزَهرِهِ
غُرٌّ إذا منهم تولّدَ كوكَبٌ / حسدَتْ شُموسُ الأفْقِ مفخَرَ ظِئْرِهِ
قفرٌ لوَ اِنّهُمُ جلَوْا أحسابَهم / في اللّيل لاشتبَهَتْ بأضوإِ زَهرِهِ
من كلِّ أبلَجَ في ذُيولِ قِماطِه / علقَ العُلا ونَشا السّماحُ بحِجْرِهِ
لم يبكِ وهْوَ على حَشيّةِ مهدِه / إلّا لحُبِّ ركوبِ صهوَة مُهرِهِ
للَّه دَرُّك يا عليُّ ففضلُهُم / بك فُصِّلَتْ آياتُ مُحكَمِ ذِكرِهِ
اللّهُ حَسبُك كيف سِرْتَ إلى العُلا / ما بينَ أنيابِ الحِمامِ وظُفْرِهِ
لولاكَ قُدْسُ المجدِ أصبحَ طورُه / دكّاً يموجُ وخرَّ موسى قدْرِهِ
قامت بنجدتِه سيوفُك فاِغْتدَتْ / بالنّصرِ تبسِمُ كالثّغورِ بثغرِهِ
جرّدْتَها فرجَمْتَ شيطانِ العِدا / بنُجومِها ودحَرْتَ ماردَ شرِّهِ
قُضُبٌ إذا رأتِ الأسودُ فرِنْدَها / شهِدَتْ مَناياها بأيدي ذرِّهِ
مولايَ سمعاً من رَقيقِك مِدحةً / هي بنتُ فكرتِه ودُميةُ قَصْرِهِ
بِكرٌ يحجِّبُها الجَمالُ وإنْ بدَتْ / ويصونُها خفرُ الدّلالِ بسَتْرِهِ
لو كان تخطِبُها النُجومُ لبَدرِها / حاشاكَ لم تُعْطِ القَبولَ لمَهْرِهِ
فاِستجلِها عذراءَ هذّبَ لفظَها / طبعٌ أرقُّ من النّسيمِ بمرّهِ
وليَهْنِكَ الشّهرُ المباركُ صومُه / وجزاكَ ربُّك عنه أفضلَ أجرِهِ
شهرٌ لوَ اِنّ من الوَرى أوقاتُه / عُدّتْ لرُحْتَ وأنت ليلَةُ قَدْرِهِ
واِسْعَدْ بعِيدٍ أنت فينا مِثلُه / واِفْطُرْ قُلوبَ المعتَدين بفِطرِهِ
بقيتَ بقاءَ الدّهرِ يا بهجةَ الدّهرِ
بقيتَ بقاءَ الدّهرِ يا بهجةَ الدّهرِ / وهُنّئَ فيكَ العصرُ يا زينةَ العَصْرِ
وفَدّتْ مُحيّاكَ النُجومُ بشَمسِها / ولا زِلْتَ منها تَجتَني هالةَ البَدْرِ
ولا برحَتْ ريحُ الوَغى لك في اللِقا / تُفتّحُ أزهارَ الفُتوحِ مع البِشْرِ
ولا برِحَ الجيشُ الّذي أنت قلبُه / يضمُّ جناحَيه على بيضةِ النّصْرِ
أتى اللَّهُ بالفتحِ المُبين نبيَّهُ / ونصرُك هذا أنجزَ الوَعْدَ بالأمرِ
لقد سُرَّتِ الدُنيا بنصركَ والعُلا / وأصبحَ دَسْتُ المُلكِ منشرحَ الصّدرِ
نشأتَ ونفسُ الجودِ في قبضةِ الرّدى / فأنقَذْتَها في بَسْطِ أنْمُلِكَ العَشْرِ
وأحدَثْتَ في وجهِ الزّمانِ طَلاقةً / وورّدْتَ خدَّ المَجدِ في بِيضِكَ الحُمْرِ
ورنّحْتَ أعطافَ الرِّماحِ كأنّما / مزَجْتَ دماً سقّيْتَها منه بالخَمْرِ
قُدودُ المَعالي ما حمَلْتَ من القَنا / وأحداقُها ما قد هزَزْتَ منَ البُتْرِ
عضَدْتَ بحُسْنِ الرأي عَضْباً مهنّداً / فأعْرَبَ عِندَ الضّربِ عن مُعجَمِ السِرِّ
شَفَعْتَ بماضي العَزْمِ يا ذا غِرارهُ / فأدْرَكْتَ وِتْرَ المَجد بالضّربةِ الوِتْرِ
وفلّقْتَ هاماتٍ به طالَ ما غدَتْ / متوّجةً في عِزّةِ الغَيِّ والكِبْرِ
تَراها العُلا في خدّها وهْيَ في الثّرى / على دَمِها خالاً على وَجْنَتَي بِكرِ
كأنّ دماً منها سَقى التُرْبَ قد سَقى / رِقابَ العُلا بعد البِلى جَرعةَ الخَضْرِ
وأهزَمْتَ أحزابَ الضّلالِ ولو وَنَوْا / لألْحَقْتَهُم في إثْرِ سيّدِهِمْ عَمرِو
وأخرَجْتَهم في زَعمِهم عن دِيارِهم / وما اِعتقدوا هذا إلى أوّلِ الحَشْرِ
وألْقوا حِبال المُنكَراتِ وخيّلوا / فعارَضْتَهُم في آيةِ السّيفِ لا السِحْرِ
كفى اللّهُ فيكَ المؤمنينَ لدى الوَغى / قِتالَ العِدا حتّى سَلِمْتَ من الأزْرِ
ولو لم يكِفَّ البأسَ عفوُكَ عنهُمُ / لعُدْتَ وقد عادَ الحَديدُ منَ التِبْرِ
وما لبِثوا إلّا قليلاً فكم تَرى / بهِم من ظَليمٍ فرّ عنْ بيضةِ الخِدْرِ
تولّوا مع الخُفّاشِ في غَسَقِ الدُجى / وخافوا طِلابَ الشّمسِ في عَقِبِ الفَجْرِ
إذا ما لهُم عِقبانُ راياتِك اِنجَلَتْ / أُعيروا من الغِرْبانِ أجنحةَ الغُرِّ
رميْتَهُمُ في فَيْلَقٍ قد تفرّدَتْ / به طائِراتُ النُجْحِ في عَذَبِ السُّمْرِ
به كلُّ شَهمٍ من سُلالةِ هاشمٍ / منَ الحَيدرِيّينَ الغطارِفَةِ الغُرِّ
إذا وَلَجوا في مَعرَكٍ كادَ نَقعُه / لِطيبِهمِ يُربي على طَيِّبِ العِطْرِ
سَحائِبُ جُودٍ كلّما سُئِلوا هَمَتْ / بنانُهُمُ للوَفْدِ بالبيضِ والصُفْرِ
أُسودُ كِفاحٍ بأسُهُم في رِماحِهم / كَسُمّ الأفاعي في أنابيبِها يَجري
وكم قبلَهُم صبّحْتَ قوماً بغارةٍ / فلم يحتَموا منها ببَرٍّ ولا بَحْرِ
رَجَعْتَ ضُحىً عن أُسْدِهم نَجِسَ الظُبا / وعن عَيبِهم عفَّ الرّدا طاهِرَ الأزْرِ
أبا السّبعةِ الأطهارِ لا زِلْتَ ناظِماً / بهِم عِقْدَ جِيدِ المَجْدِ بالأنجُمِ الزُّهْرِ
مُلوكٌ إذا شنّوا الإغارةَ لم تكن / لهُم همّةٌ إلّا إلى مغنَمِ الفَخْرِ
فمَنْ شِئْتَ منهُم فهو مِصباحُك الّذي / يُفيدُ العُلا نوراً وكوكَبُك الدُرّي
وإنّهمُ أيّامُ أُسبوعِكَ الّتي / على الخَلْقِ تُقضى بالمنافعِ والضُرِّ
وأبحُرُكَ اللُجُّ الّتي قد جعلْتَها / بيومِ النّدى والضّرْبِ للمَدِّ والجزْرِ
إذا نُسِبوا للأكرَمينَ فإنّهم / بمنزلَةِ السّبعِ المَثاني من الذِكرِ
حَواميمُ رُشدٍ فُصِّلَتْ للوَرى هُدىً / وآياتُ فَتحٍ أُنزِلَتْ ليلةَ القَدْرِ
بهِم نفّذَ الرّحمنُ حُكمَك في الوَرى / فعِشْتَ وعاشوا في السّعيدِ من العُمرِ
يا مِنّةً لذّ بها السُّكْرُ
يا مِنّةً لذّ بها السُّكْرُ / لا ينقَضي منّي لها الشُّكْرُ
فلَقَ الدُجى بعَمودِه الفجرُ / وبكى النّدى وتبسّمَ الزّهرُ
وتنفّسَ النّسرينُ عن عبقٍ / منهُ بأذيالِ الصَّبا عِطْرُ
والوقتُ قد لطُفَتْ شمائِلُهُ / فصَفا ورقَّ وراقَتِ الخَمْرُ
فاِنهَضْ على قدمِ السّرورِ إلى / شمسٍ يَطوفُ بكأسِها بَدْرُ
بِكْرٌ إذا ما الماءُ خالَطَها / منها تولّدَ لؤلؤٌ نَثْرُ
عَذراءُ ما لبَني الخلاعةِ عنْ / خَلْعِ العِذارِ بحبُّها عُذْرُ
نفسٌ من الياقوتِ سائِلةٌ / روحٌ ولكنْ جِسمُها تِبْرُ
تَبدو براقِعُها فتحسَبُها / برداً تلظّى تحتَهُ جَمْرُ
نورٌ يكادُ فؤادُ شارِبِها / للعَينِ منها ينجَلي السّرُّ
لطُفَتْ فخِلنا ذات جوهرِها / فنِيَتْ وقامَ بنفْسِها السُّكْرُ
تذَرُ الزُّجاجَ بلَونِها ذهَباً / فلها بعِلْمِ الكيميا خبَرُ
وكأنّ سرَّ المومياءِ لها / فيها لكَسْرِ قُلوبِنا جَبْرُ
وكأنّما راوُوقُها دَنِفٌ / أجرى عَقيقَ دموعِهِ الهَجْرُ
ومُهَفهَفٍ كالشمسِ طلعَتُه / بالجيدِ منهُ كواكبٌ زُهْرُ
شُغِفَتْ بقامَتِه القَنا فلِذا / ألوانُها لشحوبِها سُمْرُ
ورأى البهار شَقيق وجْنَتِها / فخُدودُها كَلَفاً بهِ صُفْرُ
بوِشاحِه معنى عِبارتِه / رقّتْ ودقّقْ شرْحَها الخَضْرُ
وبلحظِه وفؤادِ وامقِه / سُكْرٌ له بكِلَيْهِما كَسْرُ
باتَتْ تُضاحِكُني براحتِه / راحٌ كأنّ حَبابَها ثَغْرُ
فأرضته بعدَ الجِماحِ بها / حتّى تسهّلَ خُلقُه الوَعْرُ
نظمَ الهوى عقدَ العِناقِ لنا / ومنَ العَفافِ تضمّنا أُزْرُ
رفعَ الشّبابُ حِجابَ أوجهنا / ومن الفتوّةِ بينَنا سِتْرُ
ولكم عرجتُ إلى محلِّ عُلاً / فوقَ السِّماكِ وتحتَهُ الغَفْرُ
بمطهَّمٍ مثلِ الظّليمِ إذا / ما شدّ قُلْتُ بأنّهُ صَقْرُ
تَدري المَها أن لا نَجاةَ لها / منهُ ويعلَمُ ذلكَ العُفْرُ
فإذا له آجالُها عرضَتْ / عرضَتْ لها آجالُها الحُمرُ
مثلُ الرّياحِ رواحُ أربعةٍ / شهرٌ وسَيرُ غُدوّها شَهْرُ
كمُلَتْ صِفاتُ الصّافِناتِ به / فبذاتِه لجميعِها حَصْرُ
يجري ويجري الفِكرُ يتبَعُهُ / فيَفوتُ ثمّ ويحسَرُ الفِكرُ
ويكاد أن يرِدَ السّماءَ إذا / ظنّ المجرّةَ أنّها نَهْرُ
أطلَعتُ منه سَهمَ حادثةٍ / يرمي به عن قوسِه الدّهْرُ
حتّى بلغْتُ أبا الحُسين به / فبلغْتُ حيث يُرَفرِفُ النّسرُ
حيث العُلا ضربَتْ سُرادقه / فيه وحلّ المجدُ والفخرُ
حيث التُّقى والفضلُ أجمعُهُ / تأوي إليه ويأمَنُ البرُّ
فوثِقْتُ منذُ حلَلْتُ ساحتَهُ / أن لا يحِلَّ بساحَتي فَقْرُ
ما زالَ يقذِفُ لي جواهرَهُ / حتّى علِمْتُ بأنّه بحرُ
يُجدي ندىً ويُفيدُ مسألةً / فنوالُه وكلامُه دُرُّ
فوقَ الخصيبِ محلُّ رِفعتِهِ / وبهِ الخَويزةُ دونَها مِصْرُ
كم من أيادِيه لديّ يدٌ / ما ينقَضي منّي لها الشُّكْرُ
كشفْتُ حجابَ السّجْفِ عن بيضةِ الخِدْرِ
كشفْتُ حجابَ السّجْفِ عن بيضةِ الخِدْرِ / فزحْزَحْتُ جنحَ الليلِ عن طلعةِ البَدْرِ
وهتَكْتُ عن سِينِ الثّنايا لِثامَها / فأبصَرْتُ عينَ الخَضْرِ في ظُلمةِ الشَّعْرِ
وجاذَبْتُها سودَ الذّوائِبِ فاِنثَنى / عليَّ قضيبُ البانِ في الحُلَلِ الخُضْرِ
وقبّلْتُ منها وجنةً دونَ وَرْدِها / وتقبيلِها شوكُ المثقّفةِ السُّمرِ
تأتّيْتُها في الليلِ كالصّقْرِ كاسِراً / وقد خفَقَتْ في الجنْحِ أجنحةُ النّسْرِ
وخُضْتُ إليها الحَتْفَ حتّى كأنّني / أُفتِّشُ أحشاءَ المنيّةِ عن سِرّي
وشافَهْتُ أحراساً إلى ضوءِ وجهِها / يرَوْنَ سَوادَ الطّيفِ إذ نحوَها يَسْري
فنبّهْتُ منها نرجِساً زرّهُ الكَرى / كأنّي أفُضّ الخَتم عن قدَحَيْ خَمْرِ
وبِتْنا وقلْب الليلِ يكتُمُنا معاً / وغُرّتُها عندَ الوُشاةِ بنا تُغري
إذا الصُّبْحُ في الظَّلْماءِ غارَ غدير / فمن ضوئِها لجُّ السّرابِ بنا يَسري
فلو لم تردُّ الليلَ صَبغةُ فرعِها / عليها لكانَ الحيُّ في سِرِّنا يَدري
وباتَتْ تحلّي السّمعَ منّا بلُؤلؤٍ / على عِقْدِها المنظومِ منثورُه يُزري
كِلانا له منّا نصيبٌ فجامدٌ / على نحرِها يزهو وجارٍ على نحري
تبارَك مَنْ قد علّم الظّبيَ منطِقاً / وسُبحانَ مُجري الروحِ في دُميةِ القَصْرِ
بروحيَ منها طلعةٌ كلّما اِنْجلَتْ / تشمّتَ في موتِ الدُجى هاتِفُ القُمْري
ونُقطةُ خالٍ من عبيرٍ بخدّها / كحبّةِ قلبٍ أجّجَتْهُ يدُ الذِكْرِ
خلَتْ من سِواها مُهجتي فتوطّنَتْ / بها والمَهى لم ترْضَ داراً سوى القصْرِ
كأنّ فمي من ذكرِ فيها وطيبِهِ / قرارَةُ بيتِ النّحلِ أو دارةُ العِطرِ
أروحُ وجسمي كلُّه طَرْفُ عندَمٍ / إذا خدُّها في القلب صوّرَهُ فِكري
أردتُ بها التّشبيبَ في وزْنِ شَعْرِها / فغزّلْتُ في البحر الطويلِ من الشِّعرِ
وصُغْتُ الرُقى إذ علّمَتْني جُفونُها / بناءَ القَوافي السّاحراتِ على الكَسْرِ
أُجانِسُ باللّفظِ الرّقيقِ خُدودَها / وألحَظُ بالمعنى الدّقيق إلى الخَصرِ
أمَا والهَوى العُذريّ لولا جَبينُها / لما رُحْتُ في حُبّي لها واضحَ العُذْرِ
ولولا اللآلي البيضُ بين شِفاهِها / لما جادَ دَمعي من يَواقِيتِه الحُمْرِ
شُغِفْتُ بها حُبّاً فرقّتْ رَقائِقي / وملّكْتُ رقّي حيدراً فسَما قَدْري
خُلاصةُ أبناءِ الكِرامِ مطهراً / سُلالةُ آباءٍ مطهّرةٍ غُرِّ
حليفُ النّدى والبأسِ والحلمِ والنّهى / أخو العدلِ والإحسانِ والعَفْو والبِرِّ
جمالُ جَبينِ البدرِ والنيرُ الّذي / بطَلعتِه قد أشرقَتْ غُرّة الدّهرِ
فتىً جاء والأيّامُ سودٌ وجوهُها / فأصبحَ كالتّوريدِ في وَجنةِ العصرِ
وأضحَتْ وجوهُ المَكرُماتِ قريرةً / بمولدِه والصّدرُ منشرح الصّدرِ
وأينعَ من بعدِ الذّبولِ به النّدى / فغرّد في أفنانِه طائِرُ الشّكرِ
ووافى المَعالي بعد تشتيت شملِها / فأحسَنَ منها النّظْمَ بالنّائِلِ النَثْري
أرقُّ من الرّاحِ الشَّمولِ شَمائِلاً / وألطَفُ خُلقاً من نَسيم الهوى العُذري
إذا زيّن الأملاكَ حِليةُ مفخرٍ / ففيهِ وفي آبائِه زينةُ الفخرِ
تكلّمُهُ في الصّدقِ آياتُ سورةٍ / ولكنّه في السّمعِ في صورةِ السِّحرِ
تُسمّيه باِسمِ الجدِّ عِندي كنايةٌ / كما يتسمّى صاحبُ الجودِ بالبحرِ
إذا بأبيهِ قستَ مِصباحَ نورِه / تيقّنتَه من ذلك الكوكبِ الدُرّي
يرِقُّ ويصبو رحمةً وصَلابةً / فيجري كما تجري العيونُ من الصّخرِ
سَما للعُلا والشُهْبُ تطلبُ شأوَه / فعبّر عند السّبْقِ عن جهةِ الغَفْرِ
فلو كان حوضُ المُزْنِ مثل يمينِه / لما هطلَتْ إلّا بمُستَحْسَنِ الدُرِّ
ولو مَنبِتُ الزّقّومِ يُسْقى بجودِه / لما كان إلّا منبِتَ الوردِ والزّهرِ
يهزُّ سُيوفَ الهِندِ وهْيَ جَداولٌ / فتقذِفُ في أمواجِها شُعَلَ الجَمْرِ
ويحملُ أغصانَ القَنا وهْيَ ذُبَّلٌ / فتحمِلُ في راحاتِه ثمرَ النّصرِ
ويسفِرُ عن ديباجَتَيْهِ لِثامَهُ / فيُلبِسُ عِطفَ الليل ديباجةَ الفخرِ
ويسلُبُ نحرَ الأفْق حِليةَ شُهبِه / فيُغنيهِ عنها في خلائِقِه الزُّهْرُ
سحابٌ إذا ما جاءَ يوماً تنوّرَتْ / رياضُ الأماني البيضِ بالورَقِ الصُفْرِ
بوارِقُه بيضُ الحَديدِ لدى الوَغى / ووابِلُه في سِلمِه خالصُ التِّبرِ
له فطْنةٌ يومَ القَضا عندَ لبسِه / تُفرِّقُ ما بينَ السُّلافةِ والسُّكْرِ
وعزمٌ يُذيبُ الرّاسياتِ إذا سطا / فتجري كما يجري السَّحابُ منَ الذُّعرِ
وعدلٌ بلا نارٍ وضربٍ يكادُ أن / يقوَّمَ فيه الإعوجاج من البُتْرِ
وسُخْطٌ لوَ اِنّ النّحلَ ترعى قَتادَه / لمجّتْهُ من أفواهِها سائِلَ الصّبْرِ
ولُطفٌ لوَ انّ الرُّقْشَ فيه ترشّفَتْ / لبُدِّلَ منها السّمُّ بالسّكّرِ المِصري
يُعيدُ رُفاتَ المُعتفين كأنّما / تفجّرَ في راحاتِه مورِدُ الخِضْرِ
إذا مرَّ ذكرُ الفاخرينَ فذِكْرُه / كفاتحةِ القرآنِ في أوّل الذِّكْرِ
فيا اِبْنَ عليٍّ وهيَ دعوةُ مُخلصٍ / لدولتِكُم بالسّرِّ منه وبالجَهْرِ
لقد زادَتِ الأيّامُ فيكَ مسرّةً / وفاقَ على وجهِ العُلا رونقُ البِشْرِ
وعزّتْ بكَ الأيّامُ حتّى كأنّما / لياليكَ فيها كلُّها ليلةُ القَدْرِ
ففي يدِكَ اليُمنى المنيّةُ والمُنى / ويُمْنٌ لمن يَبغي الأمانَ منَ الفَقْرِ
فلا برِحَتْ فيكَ العُلا ذات بهجةٍ / ولا زالَ فيكَ المجدُ مُبتسمَ الثّغرِ
أمَا والهوى لولا الجُفونُ السّواحرُ
أمَا والهوى لولا الجُفونُ السّواحرُ / لما علِقَتْ في الحبِّ منّا الخَواطِرُ
ولولا العيونُ النّاعِساتُ لما رَعَتْ / نُجومَ الدُجى منّا العُيونُ السّواهِرُ
ولولا ثُغورٌ كالعُقودِ تنظّمَتْ / لما اِنتثرَتْ منّا الدُموعُ البَوادرُ
ولم نَدْرِ كيفَ الحتفُ يعرِضُ للفتى / وما وجهُه إلّا الوجوهُ النّواضِرُ
وإنّا أناسٌ دينُ ذي العِشْقِ عندَنا / إذا لم يمُتْ فيه قضى وهْوَ كافِرُ
ولم يُرْضِنا في الحُبِّ شقُّ جُيوبِنا / إذا نحنُ لم تنشَقَّ منّا المَرائِرُ
لَقينا المَنايا قبل نَلقى سُيوفَها / تُسَلُّ من الأجفانِ وهْي نواظِرُ
تروعُ المَواضي وهْي بيضٌ فواتِكٌ / ونُشفِقُ منها وهْيَ سودٌ فَواتِرُ
ونخشى رِماحَ الموتِ وهْيَ مَعاطِفٌ / ونسطو عليها وهْي سُمرٌ شواجِرُ
نَعدُّ العَذارى من دَواهي زمانِنا / وأقتَلُها أحداقُها والمَحاجِرُ
ونشكو إليها دائِراتِ صُروفِه / وأعظمُها أطواقُها والأساورُ
لنا قُدرةٌ في دَفْعِ كلِّ مُلمّةٍ / تُلِمُّ بنا إلّا النَوى والتَهاجُرُ
وليس لنا لذْعُ الأفاعي بضائِرٍ / إذا لم تُظافِرْنا عليهِ الظّفائِرُ
ألم يكْفِ هذا الدّهرُ ما صنعَتْ بنا / ليالِيه حتّى ساعدَتْها الغَدائِرُ
رعى اللّهُ حيّاً بالحِمى لم تزلْ به / تعانقُ آرامَ الخُدودِ الخَوادِرُ
تميلُ بقُمصانِ الحديدِ أُسودُه / وتمرحُ في وَشْيِ الحرير الجآذرُ
حمَتْهُ بطَعْناتِ الخواطرِ دونَه / قُدودُ الغَواني والرِّماحُ الخواطِرُ
محلٌّ به الأغصانُ تحملُ عسجَداً / وتنبُتُ ما بينَ الشِّفاهِ الجواهرُ
وتلتفُّ من فوقِ الغُصونِ وتلتوي / على مِثلِ أحقاءِ اللُّجَيْنِ المآزرُ
تظنّ عليه ألّفت أنجُم الدُجى / يَدا ناظِمٍ أو فرّق الدُرَّ ناثِرُ
ملاعِبُهُ هالاتُه وبيوتُه / بُروجُ الدّراري والنوادي الدّوائِرُ
وحيّا الحَيا فيه وُجوهاً إذا اِنجلَتْ / تُعيدُ ضِياءَ الصُّبْحِ والليلُ عاكِرُ
وجوهاً ترى منها بُدوراً تعمّمَتْ / ومنها شُموساً قنّعَتْها الدّياجِرُ
تردّدَ ماءُ الحُسْنِ بين خُدودِها / فأصبحَ منها جارياً وهْو حائِرُ
فدَيتُهُم من أسرةٍ قد تشاكلَتْ / محاجِرُهُم في فَتْكِها والخناجِرُ
إذا مِن مواضيهِم نجا قلبُ زائِرٍ / فمن بيضِهِمْ تُرْديهِ سُودٌ بواتِرُ
أقاموا على الأبوابِ حُجّابَ هَيبةٍ / فلم يغْشَهُم ليلاً سوى النّومِ زائِرُ
فلولاهُمُ لم يُصب صوتٌ لمُنْشدٍ / ولا هزّ أعطافَ المحبّين سامِرُ
ولولا غَوالي لُؤلؤٍ في نُحورِهم / وأفواهِهم لم يُحْسِنِ النّظْمَ شاعِرُ
فما الحُسْنُ إلّا روضةٌ ذاتُ بهجةٍ / وما هُم إلّا وردُها والأزاهِرُ
لقد جمعَ اللّهُ المحاسنَ فيهم / كما اِجتمعَتْ باِبْنِ الوصيّ المَفاخِرُ
سَليلُ عليّ المُرتضى وسميّه / كريمٌ أتَتْ فيه الكِرامُ الأكابرُ
عزيزٌ لدى المِسكين يُبدي تذلُّلاً / وتسجُدُ ذُلّاً إذ تَراهُ الجَبابِرُ
منيرٌ تجلّى في سَماواتِ رِفعةٍ / كَواكِبُها أخلاقُه والمآثِرُ
مليكٌ أقامَ اللّهُ في حَمْلِ عرشِهِ / مُلوكاً همُ أبناؤهُ والعشائِرُ
عظيمٌ يَضيقُ الدّهرُ عن كتمِ فضلِه / فلو كان سرّاً لم تسَعْهُ الضّمائرُ
فما المجدُ إلّا حُلّةٌ وهْو ناسجٌ / وما الحمدُ إلّا خمرةٌ وهو عاصِرُ
يُسِرُّ العَطايا وهو ذو شغَفٍ بها / وهيهاتِ تَخفى من مُحبٍّ سرائِرُ
يحدّثُ عنه فضلُه وهْو صامتٌ / ويَخفى نَداهُ وهو في الخَلقِ ظاهرُ
يغصُّ العِدا في ذكرِه وهو طيّبٌ / وكم طيّبٍ فيه تغصُّ الحَناجِرُ
إذا اِشتدّ ضيقُ الأمر بانَ اِرتخاؤهُ / وهل تحدُثُ الصّهباءُ لولا المَعاصرُ
غَمامٌ إذا ضنّ الغَمامُ بجودِه / توالَتْ علينا من يَديهِ المَواطِرُ
فأين الجِبالُ الشُّمُّ من وزنِ حملِه / ومن فتكِه أينَ الأسودُ القَساوِرُ
وأينَ ذَوو الرّاياتِ منه إذا سَطا / وما كُلُّ خَفّاقِ الجَناحَين كاسِرُ
هُمامٌ أعادَ المجدَ بعد مَماتِه / وجدّد رَسْمَ الجودِ والجودُ داثِرُ
وورّدَ وجْناتِ الظُّبى وتسوّدَتْ / ببيضِ عَطايا راحتَيْهِ الدّفاترُ
لهُ شِيَمٌ تصحو فتُفْني حُطامَهُ / هِباتٌ كما تُفْني العُقولَ المَساكِرُ
فكم همّ في عَثْرِ المَنايا إلى المُنى / فجازَ عليها والسّيوفُ القَناطِرُ
وكم وَقفةٍ معروفةٍ في العِدا له / لها مثَلٌ في سائِرِ النّاس سائِرُ
وكم موقفٍ أثْنَتْ صُدورَ القَنا به / عليه وذمّتْهُ الكُلى والخَواصرُ
ولم أنسَ في المَيْناتِ يومَ تجمّعتْ / قبائِلُ أحزابِ العِدا والعشائِرُ
عصائِبُ بَدوٍ أخطأوا بادِئَ الهَوى / فرامُوهُ بالخذلانِ واللّهُ ناصِرُ
تمنّوا مُحالاً لا يُرامُ وخادَعوا / وقد مكَروا واللّهُ بالقَومِ ماكِرُ
أصرّوا على العِصيانِ سرّاً وأظهروا / له طاعة والكلُّ بالعَهدِ غادِرُ
وقد جحدوا نُعمى عليٍّ وأنكروا / كما جحدوا نصَّ القدير وكابَروا
توالَوا على عزلِ الوصيِّ ضلالةً / وقد حسّنوا الشورى وفيها تشاوَروا
شياطينُ إنسٍ جُمِّعوا حولَ كاهِنٍ / وأمّةُ غيٍّ بينها قام ساحِرُ
فقام إليهم إذ بغَوا أدعياؤه / رُعاةٌ بها تجري العِتاقُ الصّوارمُ
وكلُّ فتىً مثلُ الشِّهابِ إذا اِرتمى / غدا لشياطين العِدا وهْو داحِرُ
وفُرسانُ حربٍ من بَنيه إلى العِدا / موارِدُهُم معروفةٌ والمَصادرُ
أُسودٌ إذا ما كشّر الحربُ نابَهُ / سَطَوْا والظُّبا أنيابُهم والأظافِرُ
يهزّون في نارِ الوَغى كلَّ جدولٍ / يَموجُ به بحرٌ من الموتِ زاخِرُ
همُ عشرةٌ في الفضلِ كاملةٌ لهم / مآثِرُ فخرٍ للنّجومِ تُكاثِرُ
بهم شُغِفَتْ منه الحواسُ مع القِوى / فصحّتْ له أعضاؤهُم والعناصِرُ
همُ جمَراتُ الحرب يومَ حُروبِه / وفي السّلمِ أسنى سمعِه والمحاجِرُ
إذا شرُفوا فوقَ السّروجِ حسبتَهم / بُدورَ تَمامٍ للمعالي تُبادرُ
فمَنْ شِئْتَ منهم فهْو في السّبْقِ أوّلٌ / ومَنْ شئْتَ منهم فهو في العزّ آخرُ
فلمّا اِلتقى الجمعان واِنكشفَ الغِطا / وقد غابَ ذِهْنُ المرءِ والموتُ حاضِرُ
وقد حارَتِ الأبصارُ فالكُلُّ شاخِصٌ / على وجَناتِ القومِ والرّيقُ غائِرُ
وأضحَتْ نُفوسُ الشّوسِ وهي بضائِعٌ / بسوقِ الرّدى والمكرُماتُ المتاجِرُ
سَطا وسَطَوْا في إثْرِه يلحقونه / يُريدون أخذَ الثّارِ والنقْعُ ثائِرُ
وصالَ وصالوا كالأسودِ على العِدا / ففرّوا كما فرّتْ ظِباءٌ نوافِرُ
فكم تركوا منهم هُماماً على الثّرى / طريحاً ومنهُ الرأسُ بالجوِّ طائِرُ
فلم يخْلُ منهم هاربٌ من جراحَةٍ / فإنْ قيلَ فيهم سالِمٌ وهْو نادِرُ
تولّوا وخلّوا غانياتِ خُدورِهم / فتلْطِمُ حُزْناً والرّؤوسُ حَواسِرُ
فصاحَت بأعلى الصوتِ يا حاميَ الحِمى / لَعفوُكَ مأمونٌ ولُطفُك وافِرُ
فردّ عليها سِترَها بعدَ هتْكِه / وبشّرها بالأمنِ مما تُحاذِرُ
وأمسَتْ لديه في أتمِّ صيانةٍ / وإنْ عظُمَتْ من فوقهنّ الجَرائِرُ
فتبّاً لهم من معشرٍ ضلّ سعيُهم / وقد عمِيَتْ أبصارُهم والبصائرُ
لقد ضيّعوا ما اللّهُ باللّوْحِ حافظٌ / وقد كشَفوا ما اللّهُ بالغيبِ ساتِرُ
ألا فاِسمَعوا يا حاضرونَ نصيحةً / تُصدّقُها أعرابُكم والحواضِرُ
عظيمُ مُلوكِ الفُرسِ تعرِفُ قدْرَه / وتغبِطُهم فيهِ وفيكَ القَياصِرُ
لقد شنّفَ الأسماعَ دُرُّ حديثِه / وشمّتْ فتيقَ المِسْكِ منه المَناخِرُ
فشُكراً لربّي حيثُ حفّكَ لُطفُه / بنَصْرٍ وحسْبي أنّك اليومَ ظافِرُ
أتُنكِرُ بأسَ أحداقِ العَذارى
أتُنكِرُ بأسَ أحداقِ العَذارى / أمَا تدري بعربدةِ السُّكارى
وتفتِنُكَ العُيونُ وما عهِدْنا / جريحاً قلبُه يهوى الشِّفارا
وتُغرَمُ في القُدودِ فهل طَعينٌ / هوى من قَبلِكَ الأسَلَ الحِرارا
وتُمسي في الذوائِبِ مُستهاماً / متى عشِقَتْ سلاسِلَها الأسارى
لَقَد فتكَتْ بنا الأجفانُ حتّى / شكَتْ ضعفاً لذلك واِنكِسارا
إلامَ بها نُلامُ ولا نُبالي / فتُوسِعُنا جِراحاً واِعتذارا
رأينا أنّ حبلَ الحُبِّ فينا / شُعورٌ فاِتّخذناها شِعارا
وهِمنا بالحِسانِ وما فهِمْنا / بَنات صُدورِها تلِدُ البَوارا
وهَبْنا العُذرَ للعُذّالِ لمّا / خلعنا في عذاراها العِذارا
علامَ عُيونُنا بالدّمع غَرقى / ومن وجناتهنّ تخوضُ نَارا
ونسألُ من مراشفهنّ ريّاً / وبردُ برودِها يُوري الأُوارا
تؤرّقُنا ذوائِبُها ولَسنا / نرى لدُجى لياليها قُصارى
فهل تدري بغايتها المداري / فقد ضاقَتْ على المرضى السّهارى
لعَمرُك ليس من حُمرِ المَنايا / سوى الوجَناتِ تسلبُنا القَرارا
إذا لشقائِنا الآجالُ طالَتْ / تخلّصها الخُصورُ لنا اِختِصارا
وإن كَهُم الرّدى يوماً فمنهُ / يسنُّ لقتلِ أنفُسنا الغِرارا
تُحاذِرُنا المَنايا السودُ جَهراً / وتأتينا العُيونُ بها سَرارا
بروحي جِيرةٌ جاروا وقَلبي / لديهِم لم يزَلْ بالحَيّ جَارا
مصابيحٌ إذا سَفَروا بليلٍ / حسِبْتَ ظلامَه لبسَ النّهارا
بُدورٌ بالخيام ذَووا شموساً / بشِبهِ البيضِ تحملُها الغُبارا
مرنّحةٌ معاطفُهم صُحاةٌ / تكادُ عُيونُهم تجري عُقارا
لَهم صورٌ كأنّ الحُسنَ صبٌّ / تأمّل طرفُه فِيهم فحارا
وألفاظٌ إذا المَخمورُ فيها / تَداوى طبعُه فقدَ الخُمارا
وأسنانٌ تُفدّيها اللآلي / بأكبرِها وإن كانت صِغارا
بأعيُنِهم يَجولُ السحرُ حتّى / نَثيرُ الكُحلِ تحسَبُه غُبارا
لشوقِ سَنا الصّباحِ إلى لِقاهُم / تنفّس حسْرةً ورمى جِمارا
إذا بقبابِهم سفرَتْ ظُباهُم / حسِبْتَ بُيوتَهم بِيَعَ النّصارى
سقَتْهُم أعينُ الأنواءِ دمعاً / يخُطُّ بخدِّ واديهم عِذارا
ولا درَسَتْ نوادي الحُسنِ منهم / ولا فصمَ البِلى منها سِوارا
همُ بالقلبِ لا بالخَيفِ حلّوا / وفي جمَراتِه اِتّخذوا دِيارا
أقاموا فيه بعدَ رحيلِ صبري / فأضحَتْ مُهجَتي أهلاً قِفارا
إذا خطَروا بِبالي فرّ شوقاً / فلوْ حملَتْهُ قادمةٌ لَطارا
أروحُ ولي بهم روحٌ تلظّتْ / إذا اِستضرَمْتَها قدحَتْ شَرارا
وأجفانٌ كسُحبِ نَدى عليٍّ / إذا اِستمْطرْتَها مطرَتْ نُضارا
حليفِ المكرماتِ أبي عليٍّ / أجلِّ الناس قدْراً واِقتِدارا
أعزُّ بني المُلوكِ الغُرِّ نفْساً / وأشجعُهُم وأمنعُهُم ذِمارا
وأنجدُهم وأطولهم نِجاداً / وأفخرُهم وأطهرُهم إزارا
أخو شرفٍ تولّد من عليٍّ / وبضعةِ أحمدٍ فزَكا فَخارا
تلاقى مجمعُ البحرِ فيه / وشاركَ هاشمٌ فيه نِزارا
هو النّورُ الّذي لولاه لاقَتْ / بُدورُ المجدِ في التِمِّ السِّرارا
مَحا إيضاؤهُ صِبغَ اللّيالي / فعسْجدَ لونَهنّ وكان قَارا
أتى الأيّامَ والأيّامُ غَضْبى / فأحدَثَ في مباسِمِها اِفتِرارا
ووافى والنّدى ثمِدٌ ففاضَتْ / مواردُه ولولاه لَغارا
رَسا حِلماً فقرّ الحوْزُ فيه / ولولا حِلمُهُ فينا لَمارا
بصهوةِ مهدِه طلبَ المَعالي / وقبلَ قِماطِه لبسَ الوَقارا
وحازَ تُقىً ومعروفاً وفضلاً / وأَقداراً وبأساً واِصطِبارا
وأصبحَ للعُلا بعْلاً كريماً / فأولدَها المَحامِدَ والفَخارا
غَمامٌ صافحَ البيضَ المواضي / فأحدثَ في جوانبِها اِخضِرارا
تكادُ الأرضُ يُنبِتُها حَريراً / حَيا كفّيْهِ لا شِيحاً وغارا
ويوشِكُ أن يعودَ النورُ تِبْراً / لوَ انّ الغيثَ نائلَهُ اِستَعارا
وروضٌ من حمائِلِه اِلتقطْنا / دنانيرَ العطايا لا العَرارا
حكى فصلَ الربيعِ الطّلق خُلقاً / وفاقَ بجُودِ راحتِه القِطارا
كَسا قَتْلى أعاديه شَقيقاً / وبرقَعَ وجهَ حيّهم بَهارا
وهزّ على الكُماةِ قُطوفَ لُدْنٍ / فدلّتْ من جَماجِمهم ثِمارا
وأحدثَ عهدُه فينا سُروراً / فأنبتَ في الخُدودِ الجُلّنارا
مُطاعٌ لو دَعا الصّفواءَ يوماً / سمعتَ لها وإن صُمّت خُوارا
جوادٌ في ميادينِ العطايا / ومِضمارِ الفصاحةِ لا يُجارى
فصيحٌ نُطقُه نَظماً ونثراً / يرصّعُ لفظُه الدُرَرَ الكِبارا
توَدُّ مِدادَهُ الأيّامُ تُمسي / بأعيُنِها إذا كتبَ اِحوِرارا
فكم في خطِّه من بِنتِ فكرٍ / لها نسجَتْ محابرُه خِمارا
ذُكاءٌ من سَناها كادَ يحكي / ظلامُ مِدادِه الشّفقَ اِحْمِرارا
له القلَمُ الّذي في كلّ سطرٍ / ترى في خطّه فلَكاً مُدارا
يمجُّ على صباحِ السّطْرِ ليلاً / تكَوكَبَ في المعالي واِسْتَنارا
وأشرقَ منه في أندى يَمينٍ / فلجّجَ في أناملِها وسارا
ومَنْ يسعى إلى طلبِ المعالي / فلا عجبٌ إذا ركبَ البِحارا
يراعٌ روّعَ القُضُبَ المواضي / فأثبتَ في تقوّمِها اِزوِرارا
ترى ثُعبانَه الأفلاكُ تسعى / فيخفِقُ قلبُ عقرَبِها حذارا
يردُّ حُسامَ جَوْزاها كَهاماً / ويطعنُ في عُطاردِها اِحتِقارا
مؤيّدُ ملّةِ الإسلامِ هادٍ / إذا ضلّ الهُداةُ ولا مَنارا
له كُتبٌ يعِزُّ النّضبُ عنها / إذا شنّت كتائِبُها مُغارا
حكَتْ زَهر الرّياضِ الغضّ حُسناً / ونشْرَ المِسكِ طيباً واِنتِشارا
وفَاقَتْ عينَ تسنيمٍ صفاءً / وعينَ الشمسِ نوراً واِشتِهارا
فواصلُها سُيوفٌ فاصلاتٌ / وهَدْيٌ بالضّلالةِ لا يُمارى
من الدّيباجِ ألبسَها ثِياباً / وصاغَ من النُضارِ لها فِقارا
إذا في إثْرِها الأفكارُ سارتْ / لتُدرِكَ ثارَها وقَفَتْ حَيارى
فنورُ مُبينِها جمْعُ الدّراري / وخيرُ مَقالِها الدُرَرُ النِثارا
وفي نُكَتِ البيانِ أبانَ فضلاً / بمُختَصرٍ حوى حِكَما غِزارا
كتابٌ كُلُّ سِفرٍ منه سِفرٌ / من الإقهارِ في الأقطارِ دارا
فلو أمُّ الكتاب أتَتْ بنجلٍ / لقُلنا فيه قد حملَتْ قِصارا
إذا وَرَدَ العِدا منه كتابٌ / توعّدَهُم به طلَبوا الفِرارا
كأنّ كتابَهُ جيشٌ علَتْهُ / دُجى أترابِه نقْعاً مُثارا
وإن صدرَتْ ظُباهُ عن الهوادي / حسِبْتَ حديدَها ذَهباً مُمارا
وَهوبٌ يوسِعُ الفقراءَ تِبراً / ولم يهبِ العِدا إلّا تَبارا
ألا يا أيّها الملكُ المُرجّى / إذا غدرَ الزّمانُ بنا وجارا
ويا غيثاً إذا الأنواءُ ضنّتْ / وطال جَفا الحيا حيّا وزارا
لعَمرُك إنّ قدرَك لا يُجارى / وقطرك بالسّماحةِ لا يُبارى
بطولِك تمّ نُقصانُ المعالي / فطالَتْ بعدما كانت قِصارا
لئنْ أضحكْتَ بيضَ الهندِ يوماً / فقد أبكيتَهُنّ دماً جُبَارا
ليهْنِك بعد صومك عيدُ فطْرٍ / يُريكَ بقلبِ حاسدِك اِنفِطارا
أتاكَ وفوقَ غُرّتِه هِلالٌ / إذا قابَلْتَه خجَلاً توارى
يُشير به إليك هوىً كصبٍّ / إلى حِبٍّ بحاجبِه أشارا
فعُدْتَ وعاد نحوَك كلَّ عامٍ / يحدِّدُ فيك عهداً واِزدِيارا
ولا برِحَتْ لك العَلياءُ داراً / ومتّعكَ الزّمانُ بمُلكِ دارا
طلَبْتَ عظيمَ المجدِ بالهِمّةِ الكُبرى
طلَبْتَ عظيمَ المجدِ بالهِمّةِ الكُبرى / فأدرَكْتَ في ضربِ الطُّلا الدّولةَ الغَرّا
وسِرْتَ على شوكِ العَوالي إلى العُلا / ومَنْ رامَ إدراكَ العُلا يركَبِ الوَعْرا
لِكَسْبِ الثّنا خُضْتَ الحُتوفَ وإنّما / يخوضُ عُبابَ البحرِ مَنْ يطلُب الدُّرّا
إذا عرَضَتْ دونَ المُنى لكَ لجّةٌ / منَ الحتفِ صيّرْتَ الحديدَ لها جِسْرا
وإنْ غشِيَتْ نورَ البصائِرِ ظُلمةٌ / جلَبْتَ من الرّأيِ السّديدِ بها فجْرا
درَى المُلكُ يا يَحْيى بأنّك قلبُه / فضمّكَ حتّى منهُ أسكنَكَ الصّدْرا
جلَسْتَ على كُرسيّهِ فأزَنْتَهُ / فأصبحْتَ كالتّوريدِ في وجنةِ العَذْرا
خلَتْ منه إحدى راحتَيْكَ فحُزْتَهُ / بسعيِك بعد الفوْتِ بالرّاحةِ الأخرى
فخاتَمُهُ لم ينتزع من يَمينِه / سوىً كان بالكفِّ اليَمين أو اليُسرى
فما البصرةُ الفيحاءُ إلّا قِلادةٌ / ونحرُك من دونِ النّحورِ بها أحرى
وما هي إلّا ذاتُ حُسْنٍ تعجّبَتْ / قد اِتّخذَتْ جيشَ الأُسودِ لها خِدرا
حَصانٌ بِهالاتِ الحُصونِ تسوّرَتْ / مُخدِّمةً تستخدمُ البيضَ والسُّمرا
تَمادى زَماناً وعدُها فتمنّعَتْ / وجادَتْ بوصلٍ بعدَما مطلَتْ دَهْرا
ولَجْتَ قُلوبَ البيضِ كالسّرِّ نحوَها / وخُضْتَ بلِمّاتِ الملمّاتِ كالمِدْرا
تزوّجْتَها من بعدِ ما فاتَها الصِّبا / فأمْسَتْ لديكَ الآنَ ثيّبُها بِكرا
نسجْتَ لها حُمرَ الملابِسِ بالوغى / وألبَسْتَها في سِلمِك الحُلَلَ الخَضْرا
جعلتَ رؤوسَ المُعتدينَ نِثارَها / وأنقَذْتَ من بيضِ الحديدِ لها المَهْرا
دخلتَ عليها بعدما اِنكشفَ الغِطا / فكُنتَ لعوراتِ الزّمانِ لها سِترا
رجَعْتَ إليها بالولايةِ بعدَما / عرَجْتَ عُروجَ الرّوحِ في ليلةِ الإسْرا
ترحّلْتَ عنها كالهِلالِ ولم تزَلْ / تنقّلُ حتّى عُدْتَ في أفْقِها بَدْرا
وفارقَها محروقةَ القلبِ ثاكِلاً / وأُبْتَ فأبدَتْ من مسرّتِها البِشْرا
لئِنْ منحَتْكَ اليومَ جهراً وصالَها / لقد كان هذا الأمرُ في نفسِها سِرّا
فكم مرّ عامٌ وهي تُخفي حنينَها / إليكَ وتُحيي ليلَها كلَّه سَهْرا
لأمرٍ عَدا كانت تصدُّ إذا رأتْ / لوصلِك وقتاً لم تجِدْ دونَه عُذرا
بسُمْر القَنا ورّدْتَ في الطّعنِ خدّها / وبالبيضِ قد رتّلْتَ من ثغرِها الثّغرا
لقد أبصرَتْ بعد العَمى فيكَ عينُها / وأحدثَ في أجفانِها فتحُك السِّحرا
وقلّدْتَ في عقدِ المكارِمِ جيدَها / ووشّحْتَ منها في صنائِعِكَ الخَصْرا
وأضحَكْتَها بعدَ البُكا في صوارمٍ / متى اِبتسمت في الروعِ تستضحكُ النّصرا
ورشّقْتُها حتّى حكى التِبْر تُربها / ولو لم تكنْ في أرضِها أصبحتْ قَفْرا
فكُنتَ لها لمّا اِستويتَ بعرشِها / كيوسُفَ إذ ولّاهُ سيّدُه مِصْرا
فلم تجزِ أهلَ الكَيْدِ يوماً بكَيدِهم / ولم تصطَنِعْ غَدْراً بمَن صنَع الغَدْرا
وهبْتَ جميعَ المُذنبينَ نُفوسَهم / فأوسَعْتَهُم عُذراً وأثقلتَهُم شُكرا
وجودُك فيها للعبادِ مسرّةٌ / لأنّك بدرٌ وهيَ بالشّرفِ الزّهرا
حوَيْتَ الثّنا والبأسَ والحزْمَ والنُهى / وحُزْتَ النّدى والعفوَ والحِلمَ والصّبْرا
عمَرْتَ بُيوتَ المجدِ بعدَ خرابِها / فجدّدْتَ يا يَحيى لأمواتِها عُمْرا
بخُفّيكَ يَمشي النعلُ وهوَ حديدةٌ / يَفوقُ على تاجِ النُّضارِ على كسْرى
وفيكَ ثرى الفيحاءِ لمّا حلَلْتَها / تشرّفَ حتّى شارفَ الأنجُمَ الزُّهْرا
تَهَنَّ بها مُستَمْتِعاً واِلْقَ وجهَها / ببِشرٍ يسرّي الهمّ عن مُهجةِ الغَرّا
فلا برِحَتْ أيدي المَلاحةِ والصِّبا / على وجنتَيْها تجمَعُ الماءَ والجَمْرا
وزُفَّ الطّلا واِشرَب على وردِ خدِّها / فشُرْبُ الطِلا يحلو على الوجنةِ الحَمرا
ولا صحّ مُعتلُّ النّسيمِ ولا صحَتْ / بعصرِكَ فيها أعيُنُ الخرّدِ السّكْرى
ولا زِلْتَ غيثاً هامياً وهي روضةٌ / مدى الدّهرِ تَجني من خَمائِلِها الزّهْرا
ما اِشتُقَّ بياضُ مِسكِها الكافورِ
ما اِشتُقَّ بياضُ مِسكِها الكافورِ / مِسكَ الشَّعَرِ
إلّا كسرَ الضُحى بتركِ النّورِ / زَنْجَ السَّحَرِ
خودٌ كَحُلَتْ جُفونُها بالغَسَقِ / واِفترّ شُنيبُها لنا عن فلَقِ
قد ضمّ لثامُها شُعاعَ الشّفقِ /
واِستُودِعَ فجرُ نحرِها البلّوري / شُهْبَ الدُرَرِ
واِنبثّ ظلامُ فرعِها الدّيجوري / فوقَ القمرِ
الخمرُ ملقَّبٌ بفِيها برُضابْ / والطّلعُ بَدا بثغرِها وهْو حُبابْ
والدُرُّ بنُطقِها مُسمّى بخِطابْ /
بِكرٌ بزغَتْ ببَيْتِها المعْمورِ / شمسُ الخفَرِ
واِنقضّ حولَ سحْفِها المَزْرورِ / شُهْبُ السَّمَرِ
ما الرُمحُ ببالغٍ مَدى قامتِها / والصّارمُ معتزٍ إلى مُقلَتِها
والسّهْمُ رَوى النّفوذَ عن لفتَتِها /
لم أحسَب قبلَ طرفِها المَسحورِ / عِينَ البَقَرِ
أن تصرع في خِبا العيونِ الحُورِ / أُسدَ البشَرِ
من مَبسَمِها العذبِ إن بانَ بريقٌ / يا شامتَها اِحرمي فواديكِ عَقيق
من رَشْفِ رُضابِها ومن لثْمِ عَتيق /
والقدُّ قضيبُه بَدا بالطّور / مُرخى الحِبرِ
والخصرُ نطاقُه ثَوى بالغَور / تحت الأُزُرِ
فاقَتْ بجمالِها على الظّبي كما / بالبأسِ مَليكُنا على الليثِ سَما
بحرٌ بنوالِه على البحرِ طَما /
نجلُ المَلِكِ المظفّرِ المنصورِ / حسَنُ السِيَرِ
سيفٌ ضُربَتْ به رِقابُ الجَورِ / سهمُ الغِيَرِ
شهمٌ نظمَ الثّنا له الشُّهْبُ عُقودْ / والبدرُ له إلى محيّاهُ سُجودْ
والدّهرُ مقيّدٌ لديه بقُيودْ /
والحتفُ أمام جيشِه المَنصورِ / كالمُؤتَمرِ
والبحرُ إلى خضمِّه المَسجورِ / كالمُفتقِرِ
سامي رُتَبٍ تقدّسَتْ أسماهُ / هامي نِعمٍ تظاهرَتْ آلاهُ
الحمدُ له فلا جَوادَ إلّا هو /
روضٌ حسُنَتْ فِعالُه كالنّورِ / غِبَّ المطَرِ
قِرنٌ بسريِّ سيفِه المشهورِ / إحدى الكُبَرِ
مولىً لكلامِه عَنى قولُ لَبيد / سَحْبانُ لديهِ إن جرى البحثُ بَليدْ
قارٍ لسِنٍ مهذّبِ اللفظِ مُجيدْ /
بالرُّمحِ يخُطُّ بالدّمِ المحضورِ / فوقَ الطُّرَرِ
يحكي بفُصولِ سجْعِه المنثورِ / نظْمَ السّورِ
يا مَنْ بيَديهِ مجمَعُ الأرزاقِ / والمُسرِفُ في نَوالِه المُهْراقِ
اِقْصد فلقَد دملتَ في الإنفاقِ /
واِكفُف فيَسيرُ جودِكِ المَيسورِ / فوقَ الوَطَرِ
واِربَع فبَطيُّ سعيِكَ المَشكورِ / جريُ القَدَرِ
نوروزُ أتاكَ زائِراً يا برَكَهْ / بالخَيرِ إليكَ عائِدٌ والبرَكَهْ
فاِشرِفْ بسَمائِه وزيّنْ فلكَهْ /
واِشرَب طرَباً بغَفلةِ المَقدورِ / كأسَ الظَّفَرِ
واِسرُر أبداً ودُمْ لنفْخِ الصّورِ / عالي السُّررِ
هلَّ المحرّمُ فاستهِلَّ مُكَبِّرا
هلَّ المحرّمُ فاستهِلَّ مُكَبِّرا / واِنْثُرْ به دُررَ الدّموعِ على الثّرى
واِنظُرْ بغُرّتِه الهِلالَ إذا اِنجَلى / مُستَرجِعاً متفجِّعاً متفكّرا
واِقطِف ثِمارَ الحُزنِ من عُرجونِه / واِنحَر بخَنجَرِه بمُقلَتِك الكَرى
واِنْسَ العَقيقَ وأُنْسَ جيرانِ النّقا / واِذْكُر لنا خبرَ الصّفوفِ وما جَرى
واِخلَع شِعارَ الصّبرِ منك وزُرَّ مِنْ / خِلَعِ السَّقامِ عليكَ ثوباً أصفَرا
فثِيابُ ذي الأشجانِ أليَقُها بهِ / ما كان من حُمرِ الثّيابِ مُزَرَّرا
شهرٌ بحُكمِ الدّهرِ فيه تحكّمتْ / شَرُّ الكِلابِ السّودِ في أسَدِ الشّرى
للّهِ أيُّ مُصيبةٍ نزلَتْ به / بكَتِ السّماءُ لها نجيعاً أحمَرا
خطْبٌ وهَى الإسلامُ عندَ وُقوعِه / لبِسَتْ عليهِ حِدادَها أمُّ القُرى
أوَ مَا ترى الحرَمَ الشّريفَ تكادُ من / زفَراتِه الجَمَراتُ أن تتسعّرا
وأبا قُبَيس في حَشاهُ تصاعدَتْ / قبَساتُ وجْدٍ حرُّها يَصلي حِرا
علِمَ الحطيمُ به فحطّمَهُ الأسى / ودَرى الصّفا بمُصابه فتكدّرا
واِستَشْعَرَتْ منه المشاعِرُ بالبَلا / وعَفا محسَّرُها جوىً وتحسَّرا
قُتِلَ الحُسينُ فيا لَها من نَكبةٍ / أضحى لها الإسلامُ منهدِمَ الذُّرا
قتْلٌ يدلُّكَ إنّما سرُّ الفِدا / في ذلك الذِبْحِ العظيمِ تأخّرا
رُؤيا خليلِ اللّهِ فيهِ تعبّرَتْ / حقّاً وتأويلُ الكِتابِ تفسّرا
رُزْءٌ تدارَكَ منه نفْسُ محمّدٍ / كَدَراً وأبكى قبرَهُ والمِنْبَرا
أهدى السّرورَ لقلبِ هِندٍ واِبنها / وأساءَ فاطمةً وأشجى حيدَرا
ويلٌ لقاتلِه أيدري أنّهُ / عادى النبيَّ وصِنوَهُ أمْ ما دَرى
شُلّتْ يَداهُ لقد تقمّصَ خِزيةً / يأتي بها يومَ الحِسابِ مؤزَّرا
حُزني عليه دائِمٌ لا ينقضي / وتصبُّري منّي عليَّ تعذَّرا
وا رَحمَتاهُ لصارِخاتٍ حولهُ / تبكي لهُ ولوَجْهِها لنْ تَسْتُرا
ما زالَ بالرُّمحِ الطّويلِ مُدافعاً / عنها ويكْفَلُها بأبيضَ أبْتَرا
ويَصونُها صونَ الكريمِ لعِرْضِه / حتّى له الأجَلُ المُتاحُ تقدّرا
لهفي على ذاكَ الذّبيحِ من القَفا / ظُلْماً وظلّ ثلاثةً لن يُقْبَرا
مُلقىً على وجهِ التُرابِ تظنّه / داودَ في المحرابِ حينَ تسوّرا
لهفي على العاري السّليبِ ثيابُه / فكأنّه ذو النّونِ يُنبَذُ بالعَرا
لهفي على الهاوي الصّريعِ كأنّه / قمرٌ هَوى من أوجِه فتكوّرا
لهفي على تلكَ البَنانِ تقطّعتْ / لو أنّها اِتّصلَتْ لكانتْ أبحُرا
لهفي على العبّاسِ وهو مجنْدَلٌ / عرضَتْ منيّتُهُ له فتعثّرا
لحِقَ الغُبارُ جَبينَهُ ولَطالَما / في شأوِه لحِقَ الكرامَ وغبّرا
سلَبَتْهُ أبناءُ اللِّئامِ قميصَهُ / وكَسَتْهُ ثوباً بالنّجيعِ معَصْفَرا
فكأنّما أثرُ الدِّماءِ بوجهِه / شفقٌ على وجهِ الصّباحِ قد اِنْبَرا
حُرٌّ بنصرِ أخيهِ قام مُجاهِداً / فهَوى المَماتَ على الحياةِ وآثَرا
حفِظَ الإخاءَ وعهدَهُ فوفى له / حتّى قضى تحت السّيوفِ معفَّرا
مَنْ لي بأن أفدي الحُسينَ بمُهجَتي / وأرى بأرضِ الطّيفِ ذاك المحْضَرا
فلوِ اِستطَعْتُ قذَفْتُ حبّةَ مُقلتي / وجعلْتُ مدفِنَهُ الشريفَ المَحجرا
روحي فِدى الرّاسِ المُفارِقِ جسمَهُ / يُنشي التِلاوةَ ليلَهُ مُستَغفِرا
رَيحانةٌ ذهبَتْ نضارةُ عودِها / فكأنّها بالتُّربِ تَسقي العَنْبَرا
ومضرّجٍ بدمائِه فكأنّما / بجُيوبِه فتّتَّ مِسكاً أذْفَرا
عَضْبٌ يدُ الحِدثانِ فلّتْ غَربَهُ / ولَطالما فلقَ الرؤوسَ وكسّرا
ومثقّفٍ حطَمَ الحِمامُ كُعوبَه / فبكى عليهِ كلُّ لَدْنٍ أسْمَرا
عَجباً له يشكو الظّماءَ وإنّه / لو لامَسَ الصّخرَ الأصمَّ تفجّرا
يلِجُ الغُبارَ به جَوادٌ سابِحٌ / فيَخوضُ نَقعَ الصّافِناتِ الأكْدَرا
طلبَ الوصولَ إلى الوُرودِ فعاقَهُ / ضَرْبٌ يَشُبُّ على النّواصي مِجْمَرا
ويلٌ لمَنْ قتَلوهُ ظمآناً أمَا / علِموا بأنّ أباهُ يَسْقي الكَوثَرا
لم يَقتُلوهُ على اليقينِ وإنّما / عرضَتْ لهُم شُبَهُ اليهودِ تصوُّرا
لعنَ الإلهُ بَني أميّةَ مِثلما / داودُ قد لعنَ اليَهودَ وكَفرا
وسَقاهُمُ جُرَعَ الحميمِ كما سَقَوْا / جُرَعَ الحِمامِ اِبْنَ النّبيِّ الأطْهَرا
يا لَيْتَ قومي يُولَدونَ بعصْرِه / أو يسمعونَ دُعاءَهُ مُستَنصِرا
ولوَ اِنّهُم سمِعوا إذاً لأجابَه / منهُم أُسودُ شَرىً مؤيَّدَةُ القُرى
من كلِّ شهمٍ مهدَويٍّ دأبُه / ضرْبُ الطُّلا بالسّيفِ أو بَذْلُ القِرى
من كلِّ أنمُلةٍ تجودُ بعارضٍ / وبكلِّ جارحةٍ يُريكَ غضَنْفَرا
قومٌ يَروْنَ دمَ القُرونِ مُدامةً / ورياضَ شُربِهم الحديدَ الأخضَرا
يا سادَتي يا آلَ طهَ إنّ لي / دَمعاً إذا يجري حديثُكُمُ جرَى
بي منكُمُ كاِسمي شِهابٌ كلّما / أطفَيْتُهُ بالدّمعِ في قلبي وَرى
شرّفتُموني في زكيِّ نِحارِكُم / فدُعيتُ فيكُم سيّداً بينَ الوَرى
أهوى مدائِحَكُم فأنظِمُ بعضَها / فأرى أجلَّ المَدْحِ فيكُم أصغَرا
ينحطُّ مَدحي عن حقيقةِ مدحِكُم / ولوَ اِنّني فيكُم نظَمْتُ الجَوهَرا
هَيهاتَ يَستوفي القريضُ ثناءَكُم / لو كان في عددِ النّجومِ وأكثَرا
يا صفوةَ الرّحمنِ أبرَأُ من فتىً / في حقِّكُم جحَدَ النّصوصَ وأنْكَرا
وأعوذُ فيكُم من ذُنوبٍ أثْقَلَتْ / ظهري عسى بولائِكُم أن تُغْفَرا
فبِكُم نجاتي في الحياةِ من الأذى / ومنَ الجحيمِ إذا ورَدْتُ المَحْشَرا
فعليكُمُ صلّى المُهيمِنُ كلّما / كرَّ الصّباحُ على الدُّجى وتكوَّرا
مضى خلَفُ الأبْرارِ والسيّدُ الطُّهرُ
مضى خلَفُ الأبْرارِ والسيّدُ الطُّهرُ / فصدْرُ العُلى من قلبِه بعدَهُ صُفْرُ
وغُيِّبَ منه في الثّرى نيّرُ الهُدى / فغارَتْ ذُكاءُ الدّينِ واِنكسَفَ البدْرُ
وماتَ النّدى فلْتَرْثِهِ ألسُنُ الثّنا / وليثُ الوَغى فلتَبْكِه البيضُ والسُّمرُ
فحقُّ المعالي أن تشُقَّ جُيوبَها / عليهِ وتنْعاهُ المكارمُ والفخرُ
هو الماجِدُ الوهّابُ ما في يَمينِه / هوَ العابِدُ الأوّابُ والشّفْعُ والوِتْرُ
هوَ الحُرُّ يومَ الحربِ تُثْني حِرابُه / عليهِ وفي المِحرابِ يعرفُه الذِّكرُ
فلا تحسبَنّ الدّهرَ أهلكَ شخصَهُ / ولكنّهُ في موتِه هلكَ الدّهرُ
فلو دفَنوهُ قومُه عندَ قدْرِه / لجلَّ ولو أنّ السِّماكَ له قَبْرُ
وما دَفْنُه في الأرضِ إلّا لعِلْمِنا / به أنّه كنزٌ لها ولَنا ذُخْرُ
وما غَسْلُه بالماءِ إلّا تطوّعاً / وإلّا فَقولا لي متى نَجُسَ البحرُ
فتىً يورِدُ الهِنديَّ وهْوَ حديدةٌ / ويَصدِقُ فيه وهوَ من علَقٍ تِبْرُ
حَوى الفضلَ والإيثارَ والزُّهْدَ والنُّهى / وصاحَبهُ المعروفُ والجودُ والبِرُّ
تعطّلَتِ الأحكامُ بعد وفاتِه / وضاعَتْ حُدودُ اللَّهِ والنهيُ والأمرُ
فهل لفُروضِ الدّينِ والنّفْلِ حرمةٌ / وهل لليالي القَدْرِ من بعدِه قَدْرُ
يعِزُّ على المُختارِ والصّنوِ رُزْؤُه / لعِلمِهما في أنّه الوَلَدُ البَرُّ
فغيرُ مَلومٍ جازِعٌ لمُصابِه / ففي مثلِ هذا الخطْبِ يُستَقبَحُ الصّبْرُ
أجَلُّ بَني المَهديّ لو أنّهُ اِدّعى / وقال أنا المهديُّ وازَرَهُ الخضْرُ
كريمٌ كأنّ اللّهَ أخّرَ موتَهُ / ليكسِبَ فيهِ الأجْرَ مَنْ فاتَهُ بَدْرُ
فكيفَ رياضُ الحُزنِ يبسِمُ نَوْرُها / وترجو حياةً بعدَما هلَكَ القَطْرُ
وكيفَ نُرجّي أنّ لليلِ آخِراً / وفي ظُلُماتِ الأرضِ قد دُفِنَ الفَجْرُ
فأيُّ عِظامٍ في ثَراهُ عظيمةٍ / تجِلُّ وعن إرثائِها يصغُرُ الشِّعْرُ
نصلّي عليها وهي عنّا غنيّةٌ / ولكنّنا فيها لنا يعظُمُ الأجْرُ
ونُثني عليها رغبةً في ثنائِها / ليَعبَقَ في الأفواهِ من طيبِها عِطْرُ
ترفَّعْنَ عن قدْرِ المَراثي جلالةً / وعنْ أدمُعِ الباكي ولو أنّها دُرُّ
فمَنْ لليَتامى والأرامِلِ بعدَهُ / وممّنْ نرجّي النّقْعَ إنْ مسّنا الضُّرُّ
كأنّ الورى من حولِه قبلَ بعثِهم / دَعاهُم من الأجداثِ في يومِه الحَشْرُ
لَئِنْ غدرَتْ فيه اللّيالي فإنّها / بكُلِّ وفيِّ العهدِ شيمَتُها الغَدْرُ
وما ضرّها لو أنّها في عبيدِه / منَ الخَلقِ يُفْدى ذلكَ السيّدُ الحُرُّ
سَرَتْ نسمةُ الرُّضوانِ نحو ضريحِه / ولا زالَ فيها من شَذا طِيبِه نَشْرُ
وفي ذمّةِ الرّحمنِ خيرُ مودَّعٍ / أقامَ لدَينا بعدَهُ الوَجْدُ والفِكْرُ
تناءَى فللدُّنيا عليهِ وأهلِها / بُكاءٌ وحزْنٌ والجِنانُ لها بِشْرُ
دعَتْهُ لوصْلِ الحورِ طوبى فزارَها / ولم يدْرِ فيمَنْ بعدَهُ قتلَ الهَجْرُ
فلا يَشْمَتِ الحُسّادُ فيه فإنّه / سترغمُهُمْ بالموتِ أبناؤهُ الغُرُّ
لَئِنْ سلِمَتْ أبناؤهُ وبَنوهُمُ / فويلُ العِدا ولْيَفرَحِ الذّئْبُ والنَّسْرُ
فُروعٌ تَسامَتْ للعُلا وهْوَ أهلُها / فطابَتْ وفي أفنانِها أثّرَ الشُّكْرُ
مُلوكٌ زكَتْ أخلاقُهم فكأنّهُم / حدائِقُ جنّاتٍ وأخلاقُهُم زَهْرُ
كأنّ عليّاً بينهُم بَدْرُ أربعٍ / وعَشْرٍ أضاءَتْ حولَهُ أنجُمٌ زُهرُ
إذا ما عليٌّ كان في المجدِ والعُلا / سَليماً فلا زَيدٌ يَقولُ ولا عَمْرُو
يَهونُ علينا وقْعُ كلِّ ملمّةٍ / إذا كان موجوداً وإن فدَحَ الأمرُ
أمَولايَ هذا عادةُ الدّهرِ في الوَرى / وليس بهِ خيرٌ يَدومُ ولا شَرُّ
فعُذْراً لِما يَجنِيهِ فيكُم فكَمْ وكَمْ / لهُ عِندَكُم من قبلُ فادحةٌ وِتْرُ
عَسى اللّهُ يَجزيكَ الثّوابَ مُضاعَفاً / ويَعقُبُ عُسْرَ الأمرِ منْ بَعدِهِ يُسْرُ
ويُلْهِمُكَ الصّبرَ الجميلَ بفَضلِهِ / ويمتدُّ في الحظِّ السّعيدِ لكَ العُمْرُ
أشذاء زهرِ الباقلاءِ تضوَّعت
أشذاء زهرِ الباقلاءِ تضوَّعت / نفحاتهُ أم نشر مسكٍ أذفرِ
يققٌ بهِ نشف السواد تظنّهُ / فوق الغصون نضارة للمنظرِ
أظفار درٍّ قمعت في عنبرٍ / من فوق أيدٍ من زجاجٍ أخضرِ
يا ناقل المصباحِ لا تمرر على
يا ناقل المصباحِ لا تمرر على / وجهِ الحبيبِ وقد تكحّل بالكرى
أخشى خيال الهدبِ يجرح خدَّهُ / فيقومُ من سِنة الكرى متذعّرا
يا خير من سار في سرجٍ وصار بكور
يا خير من سار في سرجٍ وصار بكور / وعسجدٍ قد تعالى أن يضاع بكور
لم نلقَ في الخلق مثلك فارس مذكور / حاضت بكفيهِ بيض الهند وهي بكور
فقت السلف يا حسين وأنت أتيت أخير
فقت السلف يا حسين وأنت أتيت أخير / واِتقدموك وأنت أجلُّهم وأخير
وليعلم الحاسدين كبيرهم وصغير / ما دمت سالم وفيك اللَه متكل
فكيف ما شاءَ غوّار الزمان يغير /
ما الظنّ يا بو محمد في الأنام يصير
ما الظنّ يا بو محمد في الأنام يصير / مثلك حكيم بعلّات الزمان بصير
وبعد يا من بعفوه يغفر التقصير / لا تخشَ إن حاولت عزَّك ملوك المال
اِحكم بما شئت واِنهي فالطويل قصير /

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025