المجموع : 227
صحا القلب لولا نسمةٌ تتخطَّر
صحا القلب لولا نسمةٌ تتخطَّر / ولمعةُ برق بالغضا تتسعَّر
وذكر جبين البابلية إذ بدا / هلال الدجى والشيء بالشيء يذكر
سقى الله أكناف الغضا سائل الحيا / وإن كنت أسقى أدمعاً تتحدَّر
وعيشاً نضا عنه الزمانُ بياضه / وخلَّفه في الرأسِ يزهو ويزهر
تغير ذاك اللون مع من أحبه / ومن ذا الذي يا عزّ لا يتغير
وكان الصبى ليلاً وكنتُ كحالمٍ / فيا أسفي والشيبُ كالصبح يسفر
يعللني تحت العمامة كتمه / فيعتاد قلبي حسرة حين أحسر
وينكرني ليلي وما خلت أنه / إذا وضعَ المرءُ العمامةَ ينكر
ألا في سبيل الله صوم عن الصَّبى / وقلب على عهد الحسان مفطر
تذكرت أوطان الوصالِ فأشهبٌ / من الدَّمع في ميدان خدِّي وأحمر
إذا لم تفضْ عيني العقيق فلا رأت / منازله بالوصلِ تبهى وتبهر
وإن لم تواصل غادة السفح مقلتي / فلا عادها عيشٌ بمغناه أخضر
ليالي تجني الحسن في أوجه الدّمى / وتجني على أجسامِها حين تنظر
يؤثر في خدِّ المليحة لحظها / وإن كانَ في ميثاقِها لا يؤثر
رأيت الصَّبى مما يكفّر للفتى / ذنوباً إذا كانَ المشيب يكفّر
إذا حلَّ مبيضّ المشيب بعارضٍ / فما هو إلاَّ للمدامعِ ممطر
كأنيَ لم أتبع صبى وصبابةً / خليع عذارٍ حيثما همت أعذَر
ولم أطرق الحيّ الخصيب زمانه / يقابلني زهرٌ لديه ومزهر
وغيداء أما جفنها فمؤنث / كليلٌ وأما لحظها فمذكَّر
يروقُك جمعُ الحسن في لحظاتها / على أنه بالجفنِ جمعٌ مكسَّر
من الغيد تحتفّ الظبا بحجابها / ولكنها كالبدرِ في الماءِ يظهر
يشفّ وراء المشرفيَّة خدها / كما شفَّ من دون الزجاجة مسْكر
ولا عيبَ فيها غير سحر جفونها / وأحبب بها سحَّارة حين تسحر
إذا جرّدت من بردها فهي عبلةٌ / وإن جرَّدت ألحاظها فهيَ عنتر
إذا خطرت في الروض طاب كلاهما / فلم يذْرِ من أزهى وأشهى وأعطر
خليليّ كم روضٍ نزلت فناءه / وفيه ربيعٌ للنزيل وجعفر
وفارقته والطَّير صافرةٌ به / وكم مثلها فارقتها وهي تصفر
إلى أعينٍ بالماءِ نضَّاحة الصفا / إذا سدَّ منها مِنخرٌ جاش منخرُ
نداماي من خودٍ وراحٍ وقينة / ثلاث شخوصٍ كاعبات ومعصر
قضيت لبانات الشبيبة والهوى / وطوَّلت حتَّى آن أنيَ أقصر
وربَّ طموح العزم إدماء جسرة / يظل بها عزمي على البيدِ يجسر
طوت بذراعي وخدها شقَّة الفلا / وكفّ الثريا في دجى الليل يشبر
ومد جناحي ظلها آلِقُ الضحى / فشدت كما شد النعام المنفّر
بصمّ الحصى ترمي الحداة كأنما / تغارُ على محبوبها حين يُذكر
إذا ما حروف العيس خطَّت بقفرةٍ / غدت موضع العنوانِ والعيس أسطر
فلله حرفٌ لا ترام كأنها / لوشك السرى حرف لدى البيد مضمر
تخطت بنا أرض الشآم إلى حمى / به روضة ريا الجنان ومنبر
إلى حرمِ الأمن المنيع جواره / إذا ظلت الأصوات بالروعِ تجأر
إلى من هو التبر الخلاصِ لناقدٍ / غداة الثنا والصفوة المتخير
نبيٌّ أتم الله صورةَ فخرِهِ / وآدم في فخاره يتصور
نظيم العلى والأفق ما مدَّ طرسهُ / ولا الزهر إلا والكواكب تنثر
ولا لعصا الجوزاء في الشهبِ آية / مجرّ النّجى من تحتها يتفجر
نبيٌّ له مجدٌ قديمٌ وسؤددٌ / صميمٌ وأخبارٌ تجل وتخبر
تحزم جبريلٌ لخدمة وحيه / وأقبل عيسى بالبشارة يجهر
فمن ذا يضاهيه وجبريل خادمٌ / لمقدمه العالي وعيسى مبشرُ
تهاوى لمأتاه النجوم كأنها / تشافه بالخدِّ الثرى وتعفّر
وينضب طام من بحيرة ساوة / ولم لا وقد فاضت بكفيه أبحر
نبيٌّ له الحوضان هذا أصابعٌ / تفيض وهذا في القيامةِ كوثر
وعن جاهه الناران هذي بفارسٍ / تبوخ وهذي في غدٍ حين تحشر
إذا ما تشفعنا به كُفّ غيظها / وقالت عبارات الصراط لنا اعبروا
تنقل نوراً بين أصلاب سادة / فلله منه في سما الفضل نير
به أيَّد الطهر الخليليّ فانتحت / يداه على الأصنام تغزو وتكسر
ومن أجله جيء الذبيحان بالفدى / وصين دمٌ بين الدماءِ مطهَّر
ورُدَّت جيوش الفيل عن دار قومه / فلله نصلٌ قبل ما سُلَّ ينصرُ
ولما أراد الله إظهار دينه / بدا قمراً والشرك كالليل يكفر
فجلى الدجى واسْتوثق الدِّين واضحاً / وقام بنصر الله داعٍ مظفر
بخوف السطا بالرعب ينصر والظبا / وداني الحيا في اليسر والعسر يهمر
عزائم من لا يختشي يوم غزوِهِ / ردًى وعطاً من ليسَ للفقرِ يحذر
علا من محاكاة الغمام لفضله / وكيف يحاكيه الخديم المسخَّر
يظلله وقت المسير وتارةً / يشير إليه بالبنان فيمطر
ألم ترَ أنَّ القطر في الغيم فارسٌ / إذا برزت آلاؤه يتقَطَّر
هو البحر فيَّاض المواردِ للورى / ولكنه العذبُ الذي لا يكدّر
فمن لي بلفظٍ جوهريّ قصائدٍ / تنظم حتَّى يمدح البحرَ جوهر
وهيهات أن تحصى بتقدير مادحٍ / مناقبُ في الذكر الحكيم تقرّر
إذا شعراء الذكر قامت بمدحه / فما قدرُ ما تنشي الأنام وتشعر
نبيٌّ زكا أصلاً وفرعاً وأقبلت / إليه أصولٌ في الثرى تتجرَّر
وخاطبه وحشُ المهامهِ آنساً / إليه وما عن ذلك الحسن منفر
له راحةٌ فيها على البأسِ والندى / دلائلُ حتَّى في الجمادِ تؤثر
فبينا العصا فيها وريقُ قضيبها / إذا هو مشحوذُ الغرارين أبتر
كذا فليكن في شكرِها وصفاتها / يدٌ بينَ أوصاف النبيين تشكر
سخت ومحت شكوى قتادة فاغْتدت / بها العينُ تجري إذ بها العين تجبر
لعمري لقد سارتْ صفات محمدٍ / كذاك النجوم الزاهرات تسير
أرى معجز الرسل انْطوى بانْطوائِهم / ومعجزهُ حتَّى القيامة ينشر
كبير فخار الذكر في الخلقِ كلما / تلا قارئٌ أو قيلَ الله أكبرُ
هو المرتقي السبع الطباق إلى مدًى / لجبريل عنهُ موقفٌ متأخِّر
هو الثابت العليا على كلّ مرسلٍ / بحيثُ له في حضرة القدس محضر
هو المصطفى والمقتفى لا مناره / يحطّ ولا أنواره تتكوَّر
إليكَ رسولَ اللهِ مدَّت مطالبي / على أنَّها أضحت على الغور تقصر
خلقتَ شفيعاً للأنامِ مشفعاً / فرجواك في الدَّارين أجدى وأجدر
ولي حالتا دنيا وأخرى أراهما / يمرَّان بي في عيشةٍ تتمرَّر
حياةٌ ولكن بين ذلٍّ وغربةٍ / فلا العزّ يستجلى ولا البين يفتر
وعزمٌ إلى الأخرى يهمّ نهوضه / ولكنه بالذَّنبِ كالظَّهر مُوقَر
تصبرت في هذا وذاك كأنني / من العجز والبؤس قتيلٌ مصبر
وها أنا ذا أبلغت عذريَ قاصداً / وأيقنت أن النجح لا يتعذَّر
عليك صلاةُ الله في كلِّ منزلٍ / تعبر عنه سرّ الجنان وتعبرُ
وآلك والصحب الذين عليهمُ / تحلُّ حُبا مدحٍ ويعقد خنصر
بجاهك عند الله أقبلت لائِذاً / فكثرت حاجاتي وجاهك أكثر
ونظّمت شعري فيك تزهى قصيدةٌ / على كلِّ ذي بيتٍ من الشعر يعمر
معظّمة المعنى يكرَّر لفظها / فيحلو نباتيّ الكلام المكرَّر
دنت من صفات الفضل منك وإنها / لتفضل ما قالته طيُّ وبحترُ
وما ضرَّها إذ كانَ نشر نسيمها / رخاء إذا ما لم يكنْ فيهِ صرصرُ
يوم صحوٍ فاجْعله لي يوم سكرٍ
يوم صحوٍ فاجْعله لي يوم سكرٍ / وأدر لي كأسيْ رضاب وخمر
واسْقني في منازل مثل خلقي / بيدَي هاجر يغني بشعري
حبَّذا روضةٌ وظلٌّ ونهرٌ / كعذارٍ على لمًى فوق ثغر
ومليحٌ يقولُ حسنُ حلاهُ / اعملوا ما أردتمُ أهل بدر
جفن عينيه فاترٌ مستحيٌّ / إنَّما خدّه المشعشع جمري
وغرامي العذريّ ذنبٌ لديه / وعجيبٌ يكونُ ذنبيَ عذري
هاتها في يديه عذراء تجلى / لندامايَ في قلائد درّ
ليت شعري وللسرور انْتهازٌ / أيّ شيءٍ يعوقنا ليت شعري
زمن الأنس قائمٌ بالتهاني / ونوالُ الملكِ المؤيد يسري
ملكٌ باهر المكارم يروي / وجهُ لقياهُ عن عطاءٍ وبشر
زرت أبوابه فقرَّب شخصي / ومحا عُسرتي ونوَّه ذِكري
ونحا لي من المكارمِ نحواً / صانني عن لقاءِ زيدٍ وعمرو
وتفنَّنت في مفاوضة الش / كر إلى أن أعيى التطوُّل شكري
أريحيّ من الملوك أريبٌ / فائض البحر ذو عجائب كثر
رُبَّ خلقٍ أرقّ من أدمع الخن / سا وقلب يوم الوغى مثل صخر
يقسم الدَّهر من سطاه بليل / ومن المنظر البهيّ بفجر
كلّ أيَّامنا مواسمُ فضلٍ / في ذرى بابه وأعياد فطر
فإذا لاح وجهه في ذوي القص / د بعيدٍ قاضت يداه بعشر
لذْ بيمناه في الحوائجِ تظفرْ / بيسار يمحى به كلّ عسر
سمه في الضمير إن ذُقت فقراً / وعليَّ الضمان أنك تثري
والقهُ للعلومِ أو للعطايا / تلقى ملكاً يقري الضيوف ويقري
طوت العسرَ ثنَّ فاضت لهاهُ / فنعمنا بذاتِ طيٍّ ونشر
يا مليكَ النوالِ والعلم لا زل / تَ سرِيّ الثناء في كلّ قطر
حمَّلتك العلى شؤوناً فألفت / آل أيوب دائماً آل صبر
يا شاهر اللحظ حبي فيك مشهور
يا شاهر اللحظ حبي فيك مشهور / وكاسر الطَّرف قلبي منك مكسور
أمرت لحظك أن يسطو على كبدي / يا صدقَ من قال إن السيف مأمور
وجاوب الدمعُ ثغراً منك متسقاً / فبيننا الدّرّ منظومٌ ومنثور
لا تجعلِ اسميَ للعذَّال منتصباً / فما لتعريف وجدي فيك تنكير
ولا توالِ أذى قلبي لتهدمه / فإنه منزلٌ بالودِّ معمور
هل عند منظركَ الشفاف جوهرة / إني إليه فقير اللحظ مضرور
أو عند مبسمك الغرَّار بارقةٌ / إني بموعد صبري فيه مغرور
أقسمت بالعارض المسكيّ إن به / للمقسمين كتابَ الحسن مسطور
وبالدمع التي تهمي الجفون بها / فإنها البحر في أحشاي مسجور
لقد ثنى من يدَي صبري عزائمه / قلبٌ بطرفك أمسى وهو مسحور
وقد تغير عهدُ الحال من جسدي / وما لحال عهدي فيك تغيير
حبي ومدح ابن شاةٍ شاه من قدم / كلاهما في حديث الدَّهر مأثور
أنشأ المؤيد ألفاظي وأنشرها / فحبذا منشأ منها ومنشور
فلك إذا شمت برقاً من أسرته / علمت أنَّ مرادَ القصد ممطور
مكّمل الذاتِ زاكي الأصل طاهره / فعنده الفضلُ مسموعٌ ومنظور
أقام للملك أراءً معظمة / لشهبها في بروج اليمن تسيير
وقام عنه لسانُ الجود ينشدنا / زُوروا فما الظنّ فيه كالورى زور
هذا الذي للثنا من نحو دولته / وللجوائزِ مرفوعٌ ومجرور
وللعلوم تصانيفٌ بدت فغدت / نعم السوارُ على الإسلام والسور
في كفه حمرُ أقلامٍ وبيض ظباً / كأنها لبرود المدْحِ تشهير
قد أثرت ما يسرّ الدّين أحرفها / وللحروف كما قد قيل تأثير
لله من قلمٍ صان الحمى وله / مال على صفحات الحمدِ منثور
وصارمٍ في ظلام النقع تحسبه / برقاً يشقّ به في الأفق ديجور
تفدي البريةُ إن قلوا وإن كثروا / أبا الفداء فثم الفضلُ والخير
مدت على مجده الأمداح واقتصرت / فأعجب لممدودِ شيءٍ وهو مقصور
وسرّها من أب وابن قد اجتمعا / مؤيد يتلقاها ومنصور
يا مالكاً أشرقت أيامه وزَهت / رياضها فتجلى النورُ والنور
هنئت عيداً له منك اعتياد هناً / فالصبحُ مبتهجٌ والليلُ مسرور
فطَّرْت فيه الورى واللفظ منفق / للوَفدِ فطرٌ وللحساد تفطير
كأن شكل هلال العيد في يده / قوسٌ على مهج الأضداد موتور
أو مخلبٌ مدَّهُ نسرُ السماءِ لهم / فكلّ طائرِ قلبٍ منه مذعور
أو منجلٌ بحصاد القوم منعطف / أو خنجرٌ مرهفُ النصلين مطرور
أو نعل تبر أجادت في هديته / إلى جوادِ ابن أيوبَ المقادير
أو راكع الظهر شكراً في الظلام على / من فضله في السما والأرض مشكور
أو حاجبٌ أشمطٌ ينبي بأن له / عمراً له في ظلال الملك تعمير
أو زورَقٌ جاءَ في العيد منحدراً / حيث الدجى كعباب البحر مسجور
أو لا فقلْ شفةٌ للكأسِ مائلةٌ / تذكر العيش إنَّ العيش مذكور
أو لا فنصف سوار قام يطرحه / كفّ الدجى حين عمته التباشير
أو لاَ فقطعةُ قيدٍ فك عن بشر / أخنى الصيامُ عليه فهو مأسور
أو لاَ فمن رمضان النون قد سقطت / لما مضى وهو من شوالَ محصور
فانعم به وبأمداح مشعشعة / مديرها في صباح الفطر مبرور
نفَّاحةُ المسك من مسودّ أحرفها / ما كان يبلغها في مصر كافور
قالت وما كذبت رؤيا محاسنها / قبول غيري على الأملاك محظور
بعضُ الورى شاعرٌ فاسمع مدائحه / وبعضهم مثلما قد قيلَ شعرُور
هنّ الوجوهُ الناضرَه
هنّ الوجوهُ الناضرَه / عيني إليها ناظره
آهاً لها عيناً على / تلك الأزاهرِ ماطره
رَقبَ الوشاةُ جفونها / فإذا همُ بالساهرَه
من لي بغزلانٍ على / سفحِ المخصّب نافره
ومعاطفٍ مثل الغصو / ن سبت حشايَ الطائره
يا صاحِ عللْ مهجتي / بسنا الكؤوس الدائره
واحرقْ بلمعِ شعاعها / هذي الليالي الكافره
وانظر لساعاتِ النَّها / رِ بجنح ليلٍ سائره
من كف مهضومِ الحشا / مثل المهاةِ الحادِره
رامي النواظر والقلو / ب بهاجرٍ وبهاجره
ذي مقلة تلقى الضرا / غمَ بالجفون الكاسره
تردي وأنتَ تحبها / وكذا تكون الساحره
أحيت وأرْدَت بالفتو / رِ وباللحاظ الشاطره
كيد المؤيد باليرا / ع وبالسيوف الباتره
ذات الحروف مجيرة / وظبا الأسنة جائره
أكرمْ بصنعِ يدٍ لها / هذي الأيادي الفاخره
محمرةُ الآفاق في / يوم الندى والنائره
فشعاع تبرٍ صاعد / ودماء قومٍ مائره
وتبسم مع ذا وذا / يزع الخطوب الكاشره
وتفنن في العلم يق / دح بين ذاك خواطره
لا يهمل الدنيا ولا / ينسى حقوقَ الآخره
عن كفه أو صدره / تروي البحار الزاخره
يا أيها الملك الذي / ردّ الحقائب شاكره
وسما بهمته على / غرَرِ النجوم الزاهره
حتى انتقى من زهرها / هذي الخلال الباهره
سقياً لدهرك إنه / دهرُ الأيادي الوافره
مترادِفٌ لذَوي الرَّجا / بهباته المتواتره
لولاك ما أمست قري / حتيَ الكليلةُ شاعره
أنت الذي روَّتْ غما / ئمه رُبايَ العاطره
وأبحتني بحر الندى / حتى نظمتُ جواهرَه
لا غروَ إن سلَّيتُ عن / بلدي حشايَ الذَّاكره
فلقد وجدت ديارَ مل / كك بالسعادةِ عامره
قهرت حماة ليَ العِدى / فحماة عندي القاهره
مبلبل الأصداغ والطّره
مبلبل الأصداغ والطّره / ومرسل اللحظ على فتره
أرخى على أعطافه شعرة / قد جذبتني فيه للحسره
فأعجب لمن جار عليه الضنى / حتى غدا تجذبه شعره
وأحرباً من رشاءٍ خاذِلٍ / مالي على عشقته نصره
مهفهف تعرف من جفنه / علامةَ التأنيثِ بالكسره
ذو طلعةٍ تعلو على المشتري / وغرّةٍ تزهو على الزّهره
ومقلة دعجاء ضاقت فما / تشبعُ من يقنع بالنظره
عشقته حلواً على مثله / يطاعُ في الغيّ أبو مرَّه
لولا دجى طرته لم أبتْ / سهرانَ لا أجرٌ ولا أجرَه
يبدو كتاب الحسنِ في وجهه / فأقرأ العشقَ من الطره
يا ابن أمير الحرب يوم الوغى / كم لك في العشاق من إمره
إليك يشكو المرءُ أشجانُه / ولابن شادٍ يشتكي دهره
الملك العالم والضيغم ال / باسل والمفرد والندره
ربّ العطايا عن غنًى قاصرٍ / والحلم كلّ الحلم عن قدره
سبحان من صوَّرَهُ خالصاً / ما شيبَ من أخلاقه ذرّه
من آل مروانَ ويمناه في / حبِّ العطايا من بني عذرَه
لو لم تكن يمناه غيثاً لما / أضحت رُبى الطرس بها نضره
حروفها تعطف يسر الفتى / فهي حروفُ العطف لليسره
وسيفها ممتزجٌ بالدما / مزجَ بياضِ الخدّ بالحمرَه
إذا مضى في الدرعِ إفرنده / عجبت للمرِّيخ في النثره
أكرِمْ بإسماعيلَ من شائد / أركان بيت الملك عن خبره
ذي السلم لا تعبأ له ديمةٌ / والحرب لا يصلى له جمره
معطي جواد الخيل للمعتفي / وخلفه الصرّة كالمهره
دع حاتماً يفخر في قومه / بنحره البكرة لا البدره
ليسوا سواء المجد إلا إذا / تساوت الخزفةُ والدّرّه
هو الذي يروي حديث الثنا / عن شخصه الباهرَ عن قرّه
للخَلق والخُلق على وجهه / نوران ردا ناظر الأمرَه
إن كان ذا النورين فضلاً فكم / جهزَ من جيش ذوي العسره
يا ملكاً يلقى المنى والعدى / بضعف ما ترضى وما تكره
وقَّرتني عن أهل ودِّي فلا / والله مالي فيهمُ فكره
إلى أياديك انتهى مطلبي / فيا لها فيحاء مخضرّه
كذا مدي الأيام في نعمةٍ / باسمة الإخوان مفتره
في كلّ وجهٍ قد تيممته / سعادةٌ واضحةُ الغرَّه
صيرت نومي مثل عطفك نافرا
صيرت نومي مثل عطفك نافرا / وتركت عزمي مثل جفنك فاترا
وسكنت قلباً طار فيك مسرةً / أرأيت وكراً قطّ أصبح طائرا
يا مخرباً ربع السلوّ جعلتني / أدعى بأنساب الصبابة عامرا
ويطيع قلبي حكم لحظك في الهوى / يا للكليم غدا يطيع السَّاحرا
رفقاً بقلبٍ في الصبابة والأسى / صيرته مثلاً فأصبح سائرا
ومسهدٍ يشكو القتار دموعه / مما سلكْنَ على هواك محاجرا
ما بالُ مقلتك الضعيفة لم تزل / وسنا وطرفي ليس يبرح ساهرا
خلقت بلا شك لأخلاق الأسى / ويد المؤيد للنوال بلا مرا
من مبلغ الملك المؤيد أنني / لولاه ما سميت نفسي شاعرا
وحلفت لم أمدح سواه لرغبةٍ / لكنني جرَّبت فيه الخاطرا
ملك ابن أيوب الثناءَ بنائلٍ / أضحى على حمل المغارم صابرا
وتملكته سماحةٌ وحماسةٌ / جعلا له في كلِّ نادٍ ذاكرا
وإذا سخا ملأ الدِّيارَ عوارفاً / وإذا غزا ملأَ القفار عساكرا
وإذا سطا جعلَ الحديد قلائداً / وإذا عفى جعل الحديد جواهرا
بينا الأسير لديه راكب أدهمٍ / حتى غدا بالعفو أدهم ضامر
تمحو ظلام الليل بيضُ سيوفه / مذ قيل إنَّ الليل يسمى كافرا
وتتابع المنن التي ما عيبها / إلا رجوع الوصفِ عنها قاصرا
يا ابن الملوك المالئين فجاجها / مدَحاً منظّمةَ الحلى ومآثرا
من كل ذي عرض يصفى جوهراً / فاعجب لأعراض تكون جواهرا
شكراً لشخصك ما أسير ممدحاً / وأعز منتصراً وأحلم قادرا
حملتني النعمى إلى أن لم أبن / من تغلبنَّ أشاكياً أم شاكرا
ونعم شكرتُ مواهباً لكَ حلوةً / حتى شققت من العداة مرائرا
لا غرْوَ إن عمرَ البيوتَ معانياً / عافٍ عمرت له البيوتَ ذخائرا
بكرت عليك سعادةٌ أبديةٌ / وبقيت منصورَ العزائم ظافرا
والذي زاد مقليك اقتدارا
والذي زاد مقليك اقتدارا / ما أظنّ الوشاةَ إلا غيارا
بهمُ مثل ما بنا من جفون / شاجياتٍ تهتك الأستارا
كلما جال لحظها ترك النا / س سكارى وما هم بسكارى
يا غزالاً رنا وغصناً تثنى / وهلالاً سما وبدراً أنارا
كان دمعي على هواك لجيناً / فأحالته نارُ قلبي نضارا
حليةٌ لا أعيرها لمحبٍّ / شغل الحلي أهله أن يعارا
ما لقلبي اليتيم ضلَّ وقد آ / نسَ من جانب السوالف نارا
لك جيدٌ ومقلةٌ تركا الظ / بي لفرط الحياءِ يأوي القفارا
وثنايا أخذْنَ في ريقها الخم / ر وأعطين العقول الخمارا
عاطرات الشميم تحسب فيه / نَّ شذاً من ثنا ابن شادٍ مُعارا
المليك المؤيد اللازم السؤ / دد إن حلَّ حلَّ أو سار سارا
والجواد الذي حبا المال حتى / كاد يحبو الأعمال والأعمارا
أعدل المالكين حكماً فما يظ / لم إلاّ العداةَ والدينارا
فاح ذكراً وفاض في الخلق نهراً / فحمدنا الرِّياض والأنهارا
ليس فيه عيبٌ سوى أن إحسا / نَ يديه يستعبد الأحرارا
لم يزل جوده يجور على الما / ل إلى أن كسى النضار اصفرارا
البدارَ البدارَ نحو نداه / فإذا صال فالفرارَ الفرارا
مثل ماء السماء خلقاً هنيئاً / وابن ماء السما علًى واقتدارا
كلما استغفر الرَّجا من سواه / أرسلت كفه الندى مدرارا
وإذا شبتِ الوغى فكأنَّ الس / يف من بأسه استعارَ استعارا
ذو حسامٍ مدَرَّبٍ لم يدَعْ في / جانب الشامِ للعدى ديَّارا
أعجل الكافرين بالفتك عن أن / يلدوا فيه فاجراً كفَّارا
يا مليكاً أحيى الثنا والعطايا / فجلبنا لسوقه الأشعارا
وتلقى بضائعَ القصدِ والحم / د فجئنا إلى حماهِ تجارا
أسألُ الله أن يزيدَك فضلاً / وسموًّا على الورى وفخارا
صنتني عن أذى الزَّمانِ وقد حا / ول حربي واستكبر استكبارا
وانبرى غيثك الهتون بجدوى / علَّمتني مدائحاً لا تُبارى
ما مددنا لك اليمينَ ابتغاءً / للعطايا إلا شكرنا اليسارا
في مرشفيه سلاف الراح من عصرَه
في مرشفيه سلاف الراح من عصرَه / ومعطفيه قوام البان من هصرَه
وفي ابتسام ثناياه ومنطقه / مَن نظَّم الدر أسلاكاً ومن نثره
ظبي قضى كل زيدٍ في محبته / وما قضى من ليالي وصله وطره
مطابق الوصل في مرأًى ومختبر / فالخدّ سهل وأسباب الرضا وعره
إذا انثنى شمتَ من أعطافه غصناً / عليه من كل حسن باهر زهره
ذاك الذي خجلت أجفان مقلته / من القلوب فراحت وهي منكسره
بينا يرى جنةً في العين مونقة / حتى يرى جذوةً في القلب مستعره
كيف الخلاص لمطويٍّ على شجن / وقد تمالت عليه أعين السحره
تغزو لواحظها في المسلمين كما / تغزو سيوف عماد الدين في الكفره
ملك إذا نظرت عين الرجاء له / لم يدفع الجود رؤياها إذا نظره
مؤيد النعت والأفعال ذو شيمٍ / لباسة لبرود الحمد مفتخرة
يضيء حسناً ويندي كفه كرماً / فما ترى بدرَه حتى ترى بِدَرَه
إذا تأملت بشراً منه مقتبلاً / عرفت من مبتداه في الندى خبره
لو أنَّ للغيث جزأً من مكارمه / لم يهمل الغيث من سقيا الثرى مدره
لا عيب فيه أدام الله دولته / إلاّ عزائم مجدٍ عندهنَّ شره
وفكرة في العلى والفكر دائبة / ليست على أمدٍ في الفضل مقتصره
طالت إلى الأفق فاستنقت دراريه / وغاصت البحر حتى استخرجت درره
آهاً لها فكراً حدّث بمعرفة / تحديد رُبّ من الألفاظ بالنكره
وهمة في سماء العزّ واضحة / كأنما الشمس من نيرانها شرره
تباشر الحرب هولاً وهي سافرة / وتمنح المال جوداً وهي محتقره
يا حبَّذا منه في عين الثنا رجل / شافٍ إذا الناس في عين الثناء مره
أبهى وأبهر ما يلقاك منظره / إذا نظرت على وجه الوغى قتره
والبيض محنية الأضلاع من قدم / على الطلا وقدود السمر منتظره
والطرف قد نبتت بالنبل جلدته / كأنه بين أنهار الدما شجره
مناقب ما تولى الخبر أحرفها / إلا حسبت على عطف العلى خبره
أقولُ للمِدَح اللاَّتي أنظّمها / ردي حماه على اسم الله مبتدره
ما يخذل الله أوصافاً ولا كلماً / بين المؤيد والمنصور منتصره
أضحى المؤيد للأملاك واسطة / بين الأصول وبين النسل مفتخره
ذاك الذي سترت رؤيا محاسنه / ذنب الزمان فما يشكو امرؤٌ ضرره
مهما أراه رفيع الذكر ممتدحاً / فكل سيئة للدَّهر مغتفره
يا ابن الملوك قضوا أوقات ملكهمُ / سديدةً وتقضُّوا سادةً برره
كم سفرةٍ لي إلى مغناك فائزة / أغنت لهاك يدي فيها عن السفره
ومدحةً ليَ قد أيمنت طائرها / حيث المدائح في أهل الغنى طيره
فعش ودم لذوي الآمال ذا رتب / عليَّةٍ ويدٍ في الفضل مقتدره
يا رُبّ أفنان مدح فيك قد سطرت / فأصبح الجود في أوراقها ثمره
يا عذولي خلني أغنم عمري
يا عذولي خلني أغنم عمري / إن أعمار الورى كالسحب تسري
دَع فؤادي والذي يختاره / ما على ظهرك يا عاذلُ وزري
دَع غواني مجلسي تصدح لي / فغداً تبكي البواكي حولَ قبري
يا نديميّ وهذا يومنا / يوم صحوٍ فاجعلاه يوم سكري
واسقياني مثل خلقي قهوة / بيديْ بدر يغنّيني بشعري
أنا عذْريّ الهوى لكنَّ لي / ثقةً بالعفو تجلو وجه عذري
والذي أهواه بدرٌ قاتلٌ / اعملوا ما شئتمُ يا أهل بدر
ولسلطاني صفاتٌ مدحها / صادقٌ يمحى بها وزري وفقري
ملكٌ من آل أيوبٍ له / في تكاليف العلى ميراث صبري
عادلٌ ما كادَ زيدُ النحو في / دهره يعزَى إليه ضربُ عمرو
وجوادٌ ما ليُسر الغيث ما / لندى راحته في حال عسر
أفضليّ التعت والذَّات فيا / لهما من نسبتيْ سرّ وجهر
يا مليكاً أحمل المدح له / وعجيب حاملٌ دُرَّا لبحر
إنَّ أعداءَك والأنعام في / حالةِ فاجمعهما في يوم نحر
وتهنَّا ألف عيد مثله / في مسرَّاتٍ وفي عزًّ ونصر
رفعت قدريَ فيه ليلة / قرَّبتني يا لها ليلة قدر
وعلى القصرِ اجتماعٌ يا له / سفراً أفضى إلى جمعٍ وقصر
كنت غضباناً على الدَّهر وقد / ردَّني جودك فرحاناً بدهري
فيميناً لسوى مغناك لا / ينثني قصدي ولا أثني بشعري
أنت غيثي ونباتي للثنا / حقه أن يتلقاك بزهر
تنبه لما أن رأى شبيه فجرا
تنبه لما أن رأى شبيه فجرا / فنزَّه عن عاداته الشّعر الشّعرا
وأعرض عن أغزاله وغزاله / فلا قامةٌ سمرا ولا وجنةٌ حمرا
ولا مقلةٌ نجلاءُ يحرس لحظها / لَمًى فأقول السيف قد حرس الثغرا
ولا مرشفٌ ماءَ الحياةِ حسبته / ولا نبتُ خدٍّ كنت أحسبه الخضرا
ولا قهوةٌ أستغفر الله تجتلى / ومن عجبٍ أنْ قد حلا منه ما مرا
وكانت كما لا يقتضي العقل غِرَّةً / فحنَّك ذاك الشيب ذاك الفتى الغرا
وذكَّرني فقدَ الأحبة مرجعي / إليهم وترحالي فلم أستطع صبرا
أحبَّاء ساروا قبلنا لمنازلٍ / فيا صاحبي رحلى قفا نبك من ذكرى
كأنَّهمُ لم يركبوا ظهرَ سابح / ولا ركبوا في يوم مكرمةٍ ظهرا
ولا بسطوا يمنى ببذلِ رغيبةٍ / ولا أوجدوا من بعد جائحه يسرا
لنا عبرةٌ فيهم تنبه مقلةً / ولو أرشدت كانت له مقلة غبرا
لقد غرَّت الدُّنيا بخدعة حربها / فما أكثر القتلى وما أرخص الأسرى
حمى الله من عين الزمان وأهله / لنا ملكاً قد أحرز الذكر والأجرا
ترجَّى لدنياه الملوك وإننا / لنرجوه للدنيا ملاذاً وللأخرى
مليكٌ سمت عيناه للنسك والعلى / فكانت قليلاً من دجى الليل ما تكرى
وأعذرَ في هجر التنعم نفسه / وقال للاحيه لعلَّ لها عذرا
على حين أعطاف الشبيبة لدنةٌ / وروضتنا في الملك أو نفسها خضرا
وما زال طهر الفعل حتى تشبهت / فعال رعاياه فكان يرى طهرا
ليهن بني أيوب أن محمداً / بنى لهمُ في كل صالحةٍ ذكرا
وبرّ البرايا عدله ونواله / فلا عدموا من شخصه البرّ والبحرا
وفي الناس من حاز الممالك جنةً / ولكنْ جنان الخلد مملكةٌ أخرى
أيا ملكاً نمسي إذا الدهر مظلم / نراقب من لألاء غرّته الفجرا
بقيت لنا تعلو عن الشعر رتبة / نعم وعلى هامِ السماكين والشعرى
وتذكرنا عهدَ الشهيدِ ودهرَه / سقى الغيثُ عنا ذلك العهد والدهرا
بدت في رداء الشعر باسمة الثغر
بدت في رداء الشعر باسمة الثغر / فعوَّذْتها بالشمس والليل والفجر
ولو شئت قسمت الذوائبَ مقسماً / بطيب ليالٍ من ذوائبها عشر
وقبلتها مصرية حلوةَ اللمى / أكرّرُ في تقبيلها السكّر المصري
ويعذلني من ليس يدري صبابتي / فأصرفه من حيث يدري ولا يدري
ومن عجب الأشياءِ حلوٌ ممنعٌ / أصبر عنه وهو حلوٌ مع الصبر
وكم لائمٍ في حب خنساء أعرضت / وعنّف حتى جانس الهَجر بالهُجر
وشيب رأسي خدَّها ومعنفي / وهذا رماد الشيب من ذلك الجمر
فيا قلب خنساء القويّ وأدمعي / على مثلك العينان تجري على صخر
ويا قلبُ صبراً في عطاها ومنعها / فلا بدَّ من يسرٍ ولا بد من عسر
أرى الشمسَ منها في العشاء منيرةً / ومن صدّها عني أرى النجم في الظهر
يذكرني عهد الوفا ما نسيته / ولكنه تجديدُ ذكرٍ على ذكر
زمان الصبى والقرب لا نحذر النوى / ولكن نقضي الحال أحلى من التمر
وأما وقد ضاء المشيب بمفرقي / فبالشيب لا بالطوع صرنا إلى الهجر
وفارقت خدّ الغانيات وجفنها / فجرحاً على جرحٍ وكسراً على كسر
وإني لمشتاقٌ إلى ظلِّ روضةٍ / على النيل أروي العيش منها عن النضر
لئن حثني باب البريد إلى مصر / لقد حثني باب الزيادة في النزر
إلى مصر يحلو نيلها مخصب الثرى / فيغني الورى في الحالتين عن القطر
وتقبيل حلو الغزو للمحل قاتل / حلاوته سكبٌ وجنديهُ يجري
ويجري بإسعاد العباد فحبذا / بسعدك يا سلطانها ساعياً يجري
لسلطان مصر الناصر بن محمدٍ / على كلِّ مصرٍ طاعةُ البحر والبرّ
تجمعتِ الأمصارُ في مصر طاعة / وهل تجمع الأمصار إلا على مصر
سلامٌ على إسكندر الوقت أن يفح / شذا الذكر عنه فالسلام على الخضر
سلام ثغور الخلق تنقش في الثرى / بأفواهها ختماً على أنفس الذخر
على باب سلطان العباد كأنها / لنظم ثناياها عقودٌ من الدُّرِّ
مليكٌ روت أعماله سيرَ التقى / عن الملك المصري عن الحسن البصري
له منزلا جيش وتحت مقامه / بهذا وذا في القلب حب وفي الصدر
أيالة ملكٍ لا فلان ولا فلٌ / ونحوُ علًى لا نحو زيد ولا عمرو
فملكٌ بلا جور وحكمٌ بلا هوًى / وأزرٌ بلا وِزْرٍ وعزّ بلا كبر
قضا عمرٍ في حلم عثمان جامعاً / لبأسِ عليٍّ في سماح أبي بكر
مضى الشفع من مرآى أبيه وجدّه / وجاءَ فلا زالت له دولةُ الوتر
إلى ناصرٍ من ناصرٍ وكذا على / مدى جدّه المنصور مسترسل النصر
أجلّ بيوت الملك بيت قلاونٍ / وأنت أجلّ البيت يا وارث الدهر
فملكك حقّ واضح الصبح أشرقت / سعادته كالظهر يا واحد العصر
مراد البرايا أن تدوم وإن توَوْا / وميراثك الباقي إلى ذلك الحشر
بصوتك أركان الشريعة شيّدت / وصينت ثغور كلها باسم الثغر
وخاض بها قوم تعدوا فقوبلوا / بما كل إنسانٍ لديه من الخسر
وليس الذي خاض الشريعة سالماً / من الأسد الحامي حماها من المكر
لك الله إما كسب حظٍّ من الثنا / يحوز وإما كسب حظٍّ من الأجر
ليهنك ما تجنيه من جنةٍ غدا / بإبطال ما تجنى الجناياتُ من وزر
ليهنك ما عمّرته من معالمٍ / سيثني على عمارهنّ أبو ذَرّ
ويمدحكم حسَّانها اليوم أو غدًا / بدار البقا بعد الطويل من العمر
فأيامك الأعياد عائدةٌ لمن / رَجاك ومنْ عاداك بالفطر والنحر
وكفَّاك للمدَّاح أيام عشرها / وليلة من تسعى لها ليلة القدر
ودولتك الزّهراء للجود والسّطا / فبالفلك السعديّ والفلك البشري
ونصر على الأعدا يبادرُ رُعبه / فيسبق مجرى الخيل بالعسكر المجرِ
ويعرض عن كيد العدا لاحتقارهم / بلا قاصدٍ ماشٍ ولا حائمٍ صقر
فأعداك هذا مسَّ في النوم رأسه / وآخر قبل السيف ماتَ من الذّعرِ
وكم لكَ في داني الدِّيار ونازحٍ / غيوثُ عطايا تخلط السهل بالوعر
يضنُّ بأحمال من التبن معشرٌ / إذا اتصلت أحمال جودك من تبر
مليك التقى والعلم والبأس والندى / فمدحٌ على مدحٍ وشكرٌ على شكر
تهنّ وكلّ الناس عافية روت / حديث التهاني عن بشيرٍ وعن بشر
بها حملت عنكَ السقام بمصرِها / عيون المها بين الجزيرة والجسر
فأحسن بها للملكِ في كلِّ حالةٍ / بشائرَ عند السيف والعزّ والنصر
وأحسن بها حيثُ الهناءُ مسطرٌ / صحائفها عند كاتب السرِّ والجهر
عوافيَ إلا أنها قاهرِيةٌ / حلت حالتاها في المسرةِ والقهر
فعافية الأجساد عند ذوي الهدى / وعافية الأطلال عند ذوي الكفر
هنيئاً لسلطان البرية سيرة / مزهَّرة الأوراق بالأنجمِ الزّهر
هنيئاً لأجلاب المدائح والرجا / لقد أصبحت تجري إلى ملك تجري
يبيع ولكن بالكلام نفائساً / من المال تلقاها غداً جمّة الوفر
ويبتاع لكن بالنفيس غوالياً / من الحمدِ إلا أنه عاطر النشر
غنينا عن السبعِ البحار بأنملٍ / أفيضت كما يغنى عن السبع بالعشر
وأحييت للآدابِ علماً ومعلماً / بنعماء تقري بالفوائدِ أو تقرِي
وجوهُ دنانير سبقنَ بمعجزٍ / ترينا وجوهَ النمّ في أوَّل الشهر
سبقنَ وإن لم يشتكي الفقر بالغنى / وقابلنَ من لم يشتكي الكسر بالجبر
كذلك أذهانُ الملوك نقيَّةٌ / ترى في مرَاةِ العقل أيان يستقري
تأملت ما تعطى للملوك من النهى / فعوذت فرداً بالثلاثِ من الحجر
أحقًّا أراني في ثرى عتباته / نباتاً يحيي وَاكفَ المزن بالزهر
وأنشدت أمداحاً تقول لمن أتت / مدحتك بالشعرى وغيرك بالشعر
سقى حماك من الوسميّ باكره
سقى حماك من الوسميّ باكره / حتَّى تبسم من عجبٍ أزاهره
يا دارَ لهوِي لا واشٍ أكاتمه / ولا رقيبٌ بمغناها أحاذره
حيث الشبيبة تصبي كلّ ذي حورٍ / سيَّان أسود مرآها وناظره
من كلّ محتكمِ الأجفان يخرجنا / من أرضِ سلوتنا في الحبِّ ساحره
ظبي إذا شمت خدَّيه ومقلته / أذابَ لاهبهُ قلبي وفاتره
يأوي إلى بيت قلبٍ فيه مختربٍ / فأعْجب لمخرِبِ بيتٍ وهو عامره
كأنه بيت شعر في عروض جوى / دارت عليهِ بلا ذنبٍ دوائره
ليهن من باتَ مسروراً بهجعته / إني عليهِ قريحُ الطرف ساهره
مجري الدموع على طرف تألّفها / فاسْتسهلت لمجاريها محاجره
كم ليلةٍ بتُّ أشكو من تطاولها / عليَّ والأفق داجي القلب كافره
وأرقب الشهبَ فيه وهي ثابتةٌ / كأنَّما سمّرتْ منها مسامره
حتَّى بدا الصبح يحكِي وجه سيِّدنا / قاضي القضاة إذا استجداه زائره
لله صبحٌ تجلى للشريعة عن / ذاك الجلال لقد جلَّت مآثره
أفدِي البريد وللتقليد في يدهِ / مخلّق تملأ الدُّنيا بشائره
يكاد يلمعُ مطويّ السطور به / حتَّى ينمّ على فحواي ظاهره
مسرَّة كانَ طرف الشرع يرقبها / ومطلبٌ كانت العليا تحاوره
قاضي القضاة جلال الدِّين قد وضحت / سبل القريض وصاغ القول ماهره
هذي كؤوس الثنا والحمد مترعةٌ / باكر صبوحك أهنى العيش باكره
واسْمع مدائح قد فاه الجمادُ بها / وقد ترنم فوقَ الأيكِ طائره
ما أحسن الدِّين والدُّنيا يسوسهما / والطيلسان فلا تخفى مفاخره
كأن أبيضَ هذا تلو أسوَد ذا / عينُ الزمان الذي ما زاغَ باصره
حيثُ المقاصد في أبوابِه زمراً / فليس للدَّهر ذنبٌ وهو غافره
فاسْتجلِ طلعةَ ذي بشرٍ وذي كرمٍ / كالغيث بارقه الساري فماطره
تصبو لحبر فتاويه لواحظنا / فما عيون المها إلاَّ محابرُه
وينفذ الأمر كالسهم القويم فما / تحيد عن غرض التقوى أوامره
لا شيء أحسن من مرآه مقتبلاً / إلاَّ محاسن ما ضمَّت سرائره
تجلو المهابة في نادِيه رونقها / فما نكادُ بنجوانا نجاهره
ويفهم السرّ من حاجات أنفسنا / فما نطيق على أمرٍ نُساتره
يا حاكماً صانَ سوحَ الدِّين عاضدُه / وفازَ بالشرفِ المأثورِ ظافره
ولّيت بالعلمِ لا بالحظِّ مرتبةً / فاحْكمْ بعلمِك فيما أنتَ ناظره
وانْظر لحالِ غريب الدَّار مفتقر / طال الزمان وما سدَّت مفاقره
نعمَ الفتى أنت قد برَّت أوائله / في المكرماتِ وقد أربتْ أواخره
يممته دلفيّ الأصل منتسباً / تأبى معاليهِ أن تخفى عناصره
لا يستقرُّ بكفَّيهِ الثراء فما / تلك الحظوظ بها إلاَّ معابره
زَكا وأمْكنهُ فعل الجميل فما / في الناسِ لو قصرت جدواه عاذره
ما بعد علياه ركنٌ أسْتجير بهِ / من الخطوبِ ولا بحرٌ أجاوره
لئنْ تفرَّدَ بالعلياءِ سؤدده / لقدْ تفرَّدَ بالآدابِ شاعره
وقائع حبّ حار في كرِّها فكرِي
وقائع حبّ حار في كرِّها فكرِي / فمنْ حُسَّدٍ تمشي ومن أدمعٍ تجري
ولاحٍ ثقيلٍ في مليحٍ ممنَّعٍ / فيا لكَ من أُحدٍ لديَّ ومن بدر
يظلّ أبا جهلٍ عليَّ بجهله / وأمسي بأوصاف السّقام أبا ذَرّ
وأغيد في فيه المدامُ ولحظه / وفيّ وفي أعطافه نشوة السُّكْر
تداويتُ من ألحاظهِ برضابِه / كما يتداوَى شاربُ الخمر بالخمر
ونزَّهت فكري في بدائعِ حسنهِ / وفي عقلِ عذَّالي على أنها تغري
تباركَ من أنشا بخدَّيه زخرفاً / وسبحان من أنشى عذولي بلا حجر
لعمرِي لقد قاسَ الهوى نحوَ صبوتي / مقاييسَ لم تعبأ بزيدٍ ولا عمرو
وأنفقت عمرِي في المليحِ محبَّةً / فإن يسلني عذلٌ فيا ضيعة العمر
وإني لعذري الصبابة إن روت / حديث الأسى عني الدموع فعن عذري
تسابق بيض المزن حمرُ مدامعي / فتسبقها والسبق من عادة الحمر
ويسهرني ومضُ البريق كأنما / تبسم في لُعس السحائب عن ثغر
أما ومليح العصر إنك بالبكى / وبالسهدِ يا إنسان عيني لفي خسر
معنى بوسنان اللواحظ سارق / كرى مقلتي من حيث أدري ولا أدرِي
يجرُّ بنون الصدغ قلبيَ للأسى / وما خلت أن النون من أحرف الجرّ
يقابل دمعِي باسماً فكأنما / ينظم ما أملت جفوني من النثر
وما ليَ لا أبكي على درّ مبسم / كما بكتْ الخنساء قبلي على صخر
وأجري عيون الدمع فائضة على / عيون المها بين الجزيرة والجسر
ظباء بشطّي نيل مصر لأجلها / يقولُ حنين الشوق آهاً على مصر
خليليّ شابت في النواظر لمتي / وشبَّ الأسى نار التذكُّر في صدري
فلا تنكرا تعبيس وجهي فإنما / تنقل ذاك الابتسام إلى شعري
وزالت بصبح الشيب عنيَ خلني / فكان زوال الشمس للصبح لا الظهر
ويا رُبّ ليلٍ كان لي بكؤوسه / ومبسمه سلكٌ ينظم بالدّرّ
تولى ووافى بالهموم كدملٍ / أكابده في الحالتين بلا فجر
كأن النجوم المائلاتِ بأفقه / مفارقُ شيبٍ لا تسرّ ولا تسري
سقى الله أيام الشباب التي خلت / من السحب أحلى ما يسيل من القطر
رأيت شباب المرء عوناً على الهوى / وجود ابن فضل الله عوناً على الدهر
إذا ذُكرت أهل السيادة والعلى / فعدّ ابن فضل الله فاتحةَ الذكر
إذا شمت منه طلعةً علويةً / فغالِ الثنا وأرفض سنا الأنجم الزهر
إذا ما علاءُ الدّين حام فخاره / فسل ثم عن نسرِ الكواكب لا النسر
وزيرٌ بلا وزرِ وقاضٍ بلا هوًى / وغيث بلا عيب وبحرٌ بلا ضرّ
يسابقني لفظي لوصف زمانه / وبالطبع تشدو الورق في الورق الخضر
ويخدعه مثلي فيخدع للندى / سريعاً ولا والله ما هو بالغمر
فسيح مجال الصدر بالبرِّ للورى / فيا لك من بحرٍ ويا لك من برّ
ويا لك من لفظٍ وفضلٍ لطالبٍ / يحقق أن الصدرَ والكف من بحر
ويا لك مجداً جلّ رائيه عن عمى / ويا لك بحراً جلّ عافيه عن نهر
يسرّ به ملكٌ ويحمي ثغورَه / فليس يزال الملك مبتسم الثغر
وما زال شفعاً بأسه ونواله / لدى الملك حتى ما ينام على وتر
فما الشمس في ظهر مثيلة وصفه / ولا مثله فيما تقدّم من عصر
وما فيه من عيبٍ يعدّ لناقدٍ / سوى أنه بالجود مستعبد الحرّ
وأن ثناه فاضحٌ حصرَ الورى / وأنَّ ندَاه لا يحاوَل بالحصر
من القوم في بطحاءِ مكة أصلهم / وأفناؤهم في الخلق فوَّاحة الزّهر
إذا فرَّق الفاروقُ في الخلق ذكرهم / فيا حبَّذا الأطهارُ تعزَى إلى الطّهر
إذا ذكرت أقلامهم وسيوفهم / فناهيك بالحمر الرَّواعف والسمر
طوى شخصهم دهرٌ وقام بمجدهم / يفوح ثناً يستقبل الطيَّ بالنشر
له قلمٌ يدعو الدواة كتابةً / ويعزى به عيش الملوك إلى النّضر
حفيّ غداةَ المكرمات أو الوغى / ببيض أياديها وأعلامها الصّفر
ونظم ونثر يخرجان ذوي النهى / لعمرك من أرض التثبت بالسّحر
لأجيادنا منه وللطّرس حليةٌ / فأجيادُنا بالجود والطرس بالشّذر
وللحرب صفّ من سطورٍ كأنها / حديدٌ يسوق الناكثين إلى الحشر
بكف كريم الإرث والكسب في العلى / فمن خبرٍ نامي الفخار ومن خبر
همامٌ إذ الآراءُ حثَّت لغارةٍ / كريمٌ إذا حثت على الكلم الغرّ
له منزلٌ في القلب من كلِّ جحفلٍ / وفي المحفل السامي محلٌّ من الصَّدر
بزهرٍ من الآراء والقول واللُّهى / روينا صحيحَ الحمد منها عن الزُّهري
فيا حبَّذا عبدُ الرحيم توسلاً / ويا حبَّذا الطائي في الجود والشعر
ألم ترني أني نهضت بمدحه / وألقيت أمداحَ البرية عن فكري
أمولاي قد غنى بمدحي لك الورى / وسارت به الركبان في السهل والوعر
وقصّر عن نظمي الأنامُ وشُيّدت / عليك مباني بيته فهو كالقصر
إذا رفعت قدري بمدحك ليلةٌ / تيقَّن قصدي أنها ليلةُ القدر
وقضَّيتها والنيراتُ تمدني / سلاماً وتسليماً إلى مطلعِ الفجر
على أنَّ عندي كأس شكوى أديرها / على السمع ممزوجاً بمدمعيَ الغمر
أيكسر حالي بالجفاء وطالما / تعوَّدت من نعماك عاطفة الجبر
ويدفعني عن قوت يوميَ معشرٌ / وأنت عليهم نافذُ النهي والأمر
ولو كانَ ذنبٌ لاعْترفت بهِ ولا / تحيَّلتُ في عذرٍ ولا جئت من غفر
أحاشيكَ أن يدجو زمانيَ بعدما / أضاءت بشعرى في المدائحِ من شعري
بنيت على ضمٍّ وَلاءَك في الحشا / فلا تبنِ بيت القلب مني على كسر
وإن تخف يا ذا السرّ عنك محبَّتي / فشاهد حبِّي عالم السرّ والجهر
يتيمُ ابْتسامك ما يُقهر
يتيمُ ابْتسامك ما يُقهر / فسائل دمعيَ لا ينهر
وإنسان عيني إلى كم كذا / بحينٍ من الدهر لا يُذكر
وخدّك ذا السهل ما باله / على من رجا قُبلةً يعسر
عن الورد يروي فيا حسنَ ما / رواهُ لنا خَلَفُ الأحمر
ويا حبَّذا حولهُ عارضٌ / لدمعي هو العارِض الممطر
يقول تناسب روحي له / هي النفس خضراءُ يا أخضر
عسى بجبر الصب آس العذار / فبالآسِ كسرُ الورى يجبر
لكَ الله قلباً نجرّ الأسى / ومن عمل الحب لا يفتر
وهبت الكرى لجفون الرَّشا / فكم ذا ينام وكم أسهر
وكم قيل للنفسِ قال العذول / فقالت جفون الرَّشا تغتر
تعشقته بابليَّ اللحاظ / يسكر من شاء أو يسحر
ولام على حسنه المجتلى / وِقاحُ العيون فما أثروا
وقالوا أما يرعوِي سامعٌ / فقلت أما يستحي مبصر
حلوت وأمررت ملح الملاح / فيا حبَّذا الملح والسكر
وكرّر لي ذكرك العاذلون / فما كانَ أحلى الذي كرَّروا
ووجهك جامعُ لذَّاتنا / فيا حبَّذا الجامع الأقمر
وثغرك يشهد مسواكه / فأعدِلْ به شاهداً يسكر
ويا رُبَّ نيل بلقياك قد / تبين لي فعله المضمر
بخصرك والنهد نحو الهنا / فهذا أضم وذا أكسر
فيا لك ليلاً لو المانويّ / رآه رأى أنه الخير
وأشرق إشراق ذاك الدّجى / فما منهما واحدٌ يكفر
وطابق أجفان عيني الظَّلام / فهذا يطول وذي تقصر
وما قصرُ الليل أو سكون طوله / سوى أنك تسعف أو تهجر
وما الحزن والعيش إلا سطا / عليَّ وأنعمه تنشر
وزير إذا نظراء العلى / تردُّوا ولاذوا بهِ أزّرُوا
إذا سلكوا نحوه عرّفوا / برفع وإن تركوا نكّروا
فما صغروا وبه كبروا / ولا كبّروا وبه صُغروا
سعادة جدّ بها يحتذى / ونهج أبٍ في العلى يشتهر
كريم رأينا مسيء الزمان / ببسطِ أيادِيه يستغفر
فحسب الملوك سفيرٌ لهم / وجودهُ إنالتهُ تسفر
وحسب ابن يحيى حياة العلى / وبعض معالي الورى تقبر
زها أفقُ مصرَ بتدبيرهِ / فطالعَها أبداً يزهر
وقاهرة شادها لفظه / فشائدها أبداً جوهر
هو اللفظ حالٍ بهِ جيدها / كفيل ندًى وردًى يهمر
وزهر الورى خضرٌ بالهنا / وملك البريَّة إسكندر
وصاحب أسراره كاتم / وأنعمه في الورى تجهر
مقيمٌ على النيل لا ابن الفرات / ومجدهُم البحرُ لا جعفر
يعجل غايةَ ما يرتجى / ويحلمُ ساعةَ ما يقدِر
ولا عيب فيه سوى سؤدد / تكدّ الفهومُ ولا يحصر
على فضلهِ خنصرُ العاقدين / ومن أجلِ ذا حلي الخنصر
وفي يدهِ فاضليّ اليراع / مقيمٌ وسؤددهُ سير
تغازل أحرفه كالظبا / وطوراً يحاذرها القسور
إذا صاولته سيوفُ العدى / فما ضرَّه الشانئُ الأبتر
وإن ساجعَ الوُرقَ مال الحيا / بها خلفَ أوراقها تستر
وإن فاضَ درًّا على سامع / فأنمل حامله الجسَّر
أخا الفضل مكتملاً وابنه / ليهنك عامُ الهنا الأزهر
فقابل بعلياك فيهِ الهلال / لينحرَ حسَّادها خنجر
وعش يا كثير الندى والثنا / وأجرك من ذا وذا أكبر
بجود يديك ابن فضل الإله / تناسب منطقي الأبهر
فإن كنت غيث ندى هاملاً / فإنَّ نبات ثناً مزهر
شعرت بمدحِك حتى بهرت / وكنتُ من العيّ لا أشعر
وحلَّق خلفي بهذا المُطار / أناس عن الخطوِ قد قصروا
إلى صنعةِ الشعر فليدع في / حمى الفضل شاعرك الأظهر
محبّ لتشبيبه مادح / يروح سوى مدحه يزمر
بشراك إن السرى والعود مبرور
بشراك إن السرى والعود مبرور / وإن سعيك عند الله مشكور
وإن حجَّك في عاف بمصر دعا / كمثل حجك بالبطحاء موفور
وإنَّ كلّ حمًى يممت دارُ هناً / وخادم الوقت مختارٌ ومسرور
وأنك الغيث إن تحكم على أفق / فالجدب والخصب منهي ومأمور
لا غَرْوَ إن حجزت محل الحجاز لهاً / بنقط أيسرها المعمور معمور
يسري إلى البيتِ معموراً بوافدِه / بحرٌ بفيض النَّدى والعلم مسجور
في فرقة بولا علياه ضاحية / شموس علمٍ تحامتها الدَّياجير
تموا وصحوا بأبواب العلاء فما / في الاسمِ نقص ولا في الجمع تكسير
يطوون برد الدجى والبيد في طرق / كأنَّهنَّ لجندِ العلم منشور
بكلّ وجناء بسم الله قد برزَت / كأنَّها لأمير العلم مسطور
حرف على صحف البيداء يعرب عن / إعمالها السير مرفوع ومجرور
آثار مبسمها فوقَ الثرى قمرٌ / وعقلها بشعاعِ الحيّ مقمور
يمدُّ آمالها شوقٌ قد اقْتصرت / على هواه فممدود ومقصور
ولابن يحيى الذي تغنَّى المحول به / بروق بشرٍ وَراهَا القطرُ مقطور
من بركة الحبّ حتَّى بئر زمزم لا / محلٌ بنعماه إلاَّ وهو ممطور
فيا لهُ محرماً في حجةٍ عبقت / ريَّاه وهو صحيح النسك مسرور
مستقبل الكعبة العظمى له طرب / حيثُ الستور وتمجيد وتطمير
يطوف منكَ على الأركانِ ركن تقى / عالٍ له سند في الفضلِ مأثور
وبيت مكَّة يا ذا البيت من عمر / بذكر نفعك للإسلامِ معمور
في ذب رأيك عنه للملوك هدى / كأنَّما هو للآراء إكسير
محمرة منك بالآلاء ممتلئ / وملء أكمام غاويه الدَّنانير
لله حجر بذاك البيت أو حجر / ما للهنا فيهِ حجر عنك محجور
وسنة لكَ في التَّحليق عالية / وما لمثلك في العلياءِ تقصير
وفي منًى جمراتٌ ما لها ثمن / لكن لها في حشا الشياطين تسعير
أحسن بأيَّام عيش في منًى وصلت / ليالياً فثياب الحسن تشهتير
وحبَّذا سنة في الحجِّ زاهرة / ست كما قيل فيها الخير والخِير
وزورة لمعاني طيبة اقْتبلت / وللصباح بلا شكٍّ تباشير
فيا سرور عليٍّ من محمدها / بالقربِ يرقص بيتاً وهو معمور
وشدوة المدح باك في مسرَّته / فدُرّ حاليه منظومٌ ومنثور
ويا لها من ليالٍ غير قائلة / زوروا فما الظنّ في هذا الحمى زور
لا عيبَ فيهِ سوى الجنح القصير وما / كأنَّ غيهبها بالشهب مسمور
وعودة لحمى ملكٍ يطوف بها / يا كعبة الجود ملهوفٌ ومضرور
يا عارفاً حفظ أسرار الملوك لهُ / عرفٌ من الفضلِ والأقطار مشهور
أمَّا العفاةُ فما تنفكُّ جائرةٌ / على ندَاكَ إذا قال الرَّجا جوروا
للمالِ والجاهِ قد جاروا بها قصصاً / في طيها عبرٌ منهم وتعبير
إن ثقَّلوا فعل جودٍ قد أبرّ فما / في المنِّ منٌّ ولا في الصفو تكدير
لفضَّةٍ كم رجاكَ القومُ أو ذهب / وحبَّبت للمثاقيل القناطير
وأنتَ مبتسمُ الثغر البهيج بهم / وثغرُ مالك بين القوم مثغور
عنوان بشرك يولي اليسر كلُّ يدٍ / معجّلاً فإذا العنوان تيسير
وروض لفظك ريحان القلوب إذا / سجَّعته فإذا الريحان منثور
تغدو لهُ صورُ الأضداد باهتةً / كأنما هيَ من غيٍّ تصاوير
ونظمك الزَّهر لكن بعضه زهرٌ / مع أنه النَّوْر إلاَّ أنَّه النور
يبكي الوليد الذي من بحترٍ قصراً / وعنه يمسي جريرٌ وهو مجرور
وفي يراعكَ سرٌّ من سعادته / قد صحَّ منه لعلمِ الحرف تأثير
في الجودِ غصن جنانٍ غير منقطع / له على الطرسِ توريقٌ وتثمير
وفي اقْتحامِ الوغى رمحٌ يلوحُ له / على عِدا الملك كعب فيه تدوير
محكم فالفنا بالخوف مضطرب / والقوس منه كما قد قيل موْتور
وبعض تدبيره الدُّنيا وما وسعتْ / فالكيمياء على ذا الحكم تدبير
يا ابن الخلافة في البيتِ العتيق له / نفعٌ جديدٌ على الإسلامِ محبور
يا شارعَ الأمر في جودٍ وعادله / فجودهُ حاضرٌ والعدلُ محظور
يا من لتقواه في مسكِ الثنا عبقٌ / مزاجه من بياض العرض كافور
خذها مدائح من حبر ومن حبرٍ / كسوتني لكلا النوعين تحبير
عاملت حبّ عليٍّ والولاء بها / فهي الدَّواوين فيها والمساطير
ما بعد دُرّ معانيها وصنعته / برسمِ جودك عند الفكرِ مدخور
إذا سرت من دمشق الواردون بها / لكلّ مصرٍ فأحداقُ العدى عور
ضمنت قلبي الوفا مع حسنها فوفى / مع أنَّه ضامنٌ بالصدّ مكسور
ماذا ترى في نظامِي لو عطفت فذا / نظمِي وفكري من الأعراض مذعور
لا زلت ما سارت الرُّكبان ممتدحاً / لعمره وبيوت الشعر تعمير
تجلَّى فقلت البدر والليل شعره
تجلَّى فقلت البدر والليل شعره / وماسَ فقلت الغصن والحلي زهره
وأفصح عن ألفاظه وابتسامه / فأعجبني نظم الجمان ونثره
مليح يغيظُ الوردَ حمرةَ خدّه / ويطوي حديث العنبر الورد نشره
كأنَّ بما في الثغر نظم عقدُه / وإلاَّ بما في العقد نظّم ثغره
عجبت لمخضرّ العِذار بخدِّه / على أنَّه يذكو ويلهب جمره
وليس عِذاراً ما أرى غير أنَّه / لماءِ حياةِ الرِّيق أقبل خضره
كلفت بهِ حلوَ اللَّمى بابليه / فمن أين يحلو عنه للمرء صبره
وأسكنته قلبي الذي طارَ فرحةً / فطائره قلبي الحزين ووكره
ووالله ما وفيته حقَّ نزله / إذا كانَ في نارِ الحشا مستقره
عليَّ له أن أبذل القلب والحشا / على ما يرى في الحبِّ والأمر أمره
ويعجبني طرفٌ تدرُّ دموعه / على حسنه الغالي فلله درّه
أحنُّ لوجهٍ تهتُ فيه صبابةً / فلله صبّ ضلّ إذ لاح بدرُه
وأنصب طرفي نحو طرف يشوقني / إذا ما الْتقى في الحبِّ نصبي وكسره
أما والذي قاست عليهِ جوانحي / من الضنك ما قاسَى من الردف خصره
لقد زيَّن قلبي المستهام بحبِّه / كما بشهاب الدِّين قد زيّن دهره
رئيس كما ترضى السيادة والعلى / بهِ زال ذلّ الدهر واشْتدَّ أزره
كثير الأيادي البيض في كلِّ مقصدٍ / إذا ما غدت تسعى على الطرس حمره
عليك به إن عافت المدح الورى / وضاق به سهل الرَّجاءِ ووعره
سجاياه لا زَهر الرِّياض وعرفها / وجدواه لا ظلّ الغمام وقطره
إذا رمت أن تتلو على يدهِ الرَّجا / فتيسير عنوان الندى منه نشره
رأيت لهُ فضلاً على جامعي الثنا / كما فضل الشهر المحرَّم عشره
وقدراً إذا أضحى به الذكر طائراً / غدا واقعاً عنه من الليل نسره
من الباذلي الأموال والقامعي العدا / فأعداؤهُ تشكو النثارَ ونثره
له قلمٌ تنهلّ بالجودِ سحبه / وتشرق في أفق الفضائلِ زُهره
عجبت له من طاهر اللفظ ظاهر / على أنه قد حاقَ في الناسِ سحره
أما وأبي العليا لقد سادَ في الورى / سيادة من أربى على الحصرِ شكره
أثاب فقلنا الغيث أبداه شامه / وزادَ فقلنا النيل أهدته مصره
هو المتلقي رفعةً بتواضعٍ / ورُبَّ رفيع حطَّ علياه كبره
وأفعاله أوفى ندًى من مقاله / وأكرم من أخباره الغرّ خبره
وأفسح من بحرِ البلاد وبرّها / ومدحي وآمالي نداه وصدره
علقت بحبل من مودته التي / هيَ الذَّخر لا بيض الثراء وصفره
وعاودته بالقصدِ أجلو مدائحي / على فكرِه الأذكى وحسبي فكره
ومن كانَ مثلي واثقاً بولائه / فيا ليت شعري ما يحاول شعره
ديارَ شعري سقاكِ السعد ماطرَه
ديارَ شعري سقاكِ السعد ماطرَه / ما أحسن الحيّ عادَ الأنس زائره
يا عائدين بمغناهم إلى أفقٍ / عوْدَ النجوم جلت عن دياجرَه
محبّكم جامع الأشواق مالئةً / أشواقه في صميم القلب فاطرَه
يا رُبَّ ليلٍ بطيءِ الصبح بعدكم / قد باتَ فيه صريع الجفن ساهره
أبلى له السقمُ لمَّا طالَ بعدكم / جسماً أبى العهدُ أن يبلي سرائره
حتَّى غدا بخمارِ القربِ في طربٍ / بعد البعاد الذي قد كان خامره
يا حبَّذا القلب خفَّاقاً بعشقتكم / ما كانَ أيمنَ في العشَّاق طائره
ما كان أولى بسبقِ الدَّمع يذكر لو / قد أخطرت لمعاتُ البرق خاطره
عشْ يا وزير التقى والبرّ محتوياً / في الأجرِ والدكر أولاهُ وآخره
ويا سليمانَ ملكٍ في سيادته / لا ينبغي لسريٍّ أن يسايره
لو صوَّر الشام شخصاً كنت صاحبه / وجامع الشام وجهاً كنت ناظره
عمرت من ذا وذا صرحين قد شكرا / يقظان من ذا الذي لم يمس شاكره
فمن رآكَ وآثاراً ظهرت بها / رأى سليمانَ واسْتجلى عمائره
في جامع الشام أركانٌ مصدرةٌ / تملي الثنا واردَ المعنى وصادِرِه
سعادة لحظت أركان مستلمٍ / قد كادَ بعدك أن تدمي محاجره
وفي المحاريب من نص التقى سيرٌ / كادت ترنح من عجب منابره
وفي أعاليه سرجٌ من محامدكم / قبل القناديل تستعلي منائره
وفي حمى الشام والدُّنيا لواحدها / ذكرٌ يعرّف عرف المسك ذاكره
أرضى بها الله والسلطان ذو قلم / بالخير أعيى ابن سهل أن يحابره
حيث الرَّعية والديوان قد مدحا / ممدَّحاً خصَّت العليا مآثره
شمْ في العلى فضله والجود جعفره / والنسك عمَّاره والعزم عامره
كم باب نصرٍ وكم باباً إلى فرجٍ / فتحت يا فائزَ المسعى وظافرَه
زكت عناصر مولانا وأردفها / فضلٌ فأول ما زكى عناصره
تقوى مخافتها لله خوَّف من / ذكراه أسدَ الفيافي أن تجاوره
وهمَّة ركبت شهب النجوم فما / يسطاع بهرام أفق أن يسايره
وجود كفَّين في سرٍّ وفي علنٍ / لا تجسر المزنُ أيضاً أن تكاثره
ثنى عن العرضِ الأدنى به بصراً / ثنى إلى الجوهرِ الأعلى بصائره
فليهنه الذكر سيار المديح له / إن قيلَ ما اخْترتَ منه قلتُ سائره
والأجر كم جائع عار يقولُ لقد / أصلحتَ باطنَ ملهوفٍ وظاهره
وكم صنائع معروفٍ تقول ألا / ما كانَ أربحَ في الصنفين تاجره
فلتهنه خلعٌ دامت مبشرة / بيمنه منصباً أضحى مباشره
بيضاً وخضراً كأنَّ الطيلسان بها / غيمٌ سقى الرَّوضَ فاسْتجلى أزاهره
شعار نعم وزير قد دعوه إلى / نعم البيوت فوفَّاه شعائره
مدَّ البنان بأقلامٍ لها نعمٌ / لمثلها يعقد المثني خناصره
أغصان رزق لديه أو نجوم هدًى / فقل أزاهره أو قل زواهره
يا فائض البحر من جودٍ ومن كرمٍ / أن شئت كامله أو شئت وافره
يا ذا البراعة من أسعفت مدحته / لقد أعدْت إلى بحرٍ جواهره
يا من تقول البرايا حين أمدحهُ / قد أفردَ الله ممدوحاً وشاعره
خذها عجالة منْ نوَّرت في مدحٍ / بالنورِ أسطرَه والنوْر خاطره
لئن نشرت على دهرِي قصائده / لقد طويت على حبٍّ ضمائره
نفرتُ عن الظبي الذي كانَ ينفر
نفرتُ عن الظبي الذي كانَ ينفر / وحلت عن العشق الذي كان يؤثر
دعوني فما عين الغزالة كحيلة / بعيني ولا وجه الغزالة نير
وخلوا أحاديثَ الجفون فواتراً / فقد حلَّ بي الخطب الذي ليسَ يفتر
ونبهني الحال الذي بأقله / ينبه من سكر الغرام كثَير
مشيبٌ وإقتار هو الشيب ثانياً / ألا هكذا يأتي الشَّقاء المكرَّر
أبى الدهر أن يصغي لألفاظ معربٍ / له أملٌ بين المقادير مضمر
فهل للأيادِي الناصريَّة عطفةٌ / يغاثُ بها داعي الرَّجاء وينصر
رئيسٌ له رأي كما وضحت ذُكا / وجودٌ كما يهمي الغمام ويهمر
وعلمٌ إذا ما غاصَ في الفكرِ غوصةً / رأيت لآلي لفظه كيفَ تنثر
وبأسٌ يذيب الصخر لكن وراءه / عواطفُ من أحلامهِ حين يقدر
علا عن فخارِ البرمكيّ فخارُه / وما قدر ما يبدِي لدى البحر جعفر
وقد سكنت في قلبهِ الطهر رحمةٌ / يكادُ بمسرى نشرها الميتُ ينشر
فمن مبلغٌ تلك العواطفَ قصَّةً / تكادُ لها صمُّ الصفا تتفطَّر
إلى مَ وأنت الغيثُ أرجعُ ظامئاً / وحتى مَ يا ظلّ العفاة أهجر
وكم يشرح البطال سيرته التي / يكافحها من حادث الدَّهر عنتر
وقالوا فلانٌ رمّ بالشعر عيشه / فيا ليت أني ميتٌ لست أشعر
تصرّم أقصى العمر أدعوك للمنى / وأرقبُ آفاق الرَّجاء وأنظر
وأصبر والأيام تقتلني أسًى / فها أنا في الدُّنيا قتيلٌ مصبر
أرى دون حظِّي مسلكاً متوعراً / إذا ما جرت فيه المنى تتعثر
ويحمرُّ دمعي حين تصفرُّ وجنتي / فألبس ثوبَ الهمِّ وهو مشهَّر
ولا ذنبَ لي عند الزمان كما ترى / سوى كلمٍ كالروض تبهى وتبهر
سوابق من نظم الكلام ونثره / لها خبرٌ في الخافقين ومخبر
وأنت الذي نطَّقتني ببديعِها / وأحوجتني أنشي الكلام وأنشر
فوائد إن عادتْ عليَّ مصائباً / فأنت بتدبير القضيَّةِ أجدر
وما هيَ إلاَّ مدَّةٌ وقد ارْتوى / رجائِي فأضحى وهو فينان أخضر
وطرس إذا ما النقش عذّر وجهه / فإنَّ وجوه القصد لا تتعذَّر
قصدتك للتنويه والجاه لا لما / تبيض من هذي اللّهى وتصفّر
إذا جمع الإنسانُ أطرافَ قصدِه / لنفحةِ مالٍ فهو جمعٌ مكسر
هنيئاً لأفق الفضل إنك بدرهُ
هنيئاً لأفق الفضل إنك بدرهُ / وإن سجاياك الكريمة زُهره
قدمت قدومَ الغيث يهمي نواله / ويعبق ريَّاه ويبسم ثغره
وقبلك لم تبصر بنو الشام وابلاً / من الغيثِ تهدِيه إلى الشامِ مصره
وأقبلت إقبالَ البدور حقيقةً / على جائر الأيام أظلم دهره
وما كانَ لولا نور وجهك طالعاً / من الغربِ بدرٌ يملأ الأرض بشره
وأنت الذي في مصر والشام أشرقت / معاليه فاسْتولى على النجمِ قدره
لك الصدر من ديوان تلك وإنَّما / لصدرِك من هذا مدى الدهر سرّه
وكم أفقٍ طالت قوامُ نجمه / يقصر عن أدنى خوافيك نسره
تقر لك السادات طوعاً وعنوةً / ويحسن سرّ الفضل فيك وجهره
كأنَّك في العليا أبوك سقى ثرى / أبيكَ حياً يهمي فلله درّه
وقارك في حزم الأمور وَقارُه / وبشرك في صنع المعارف بشره
ترحلت يا يحيى وفضلك خالدٌ / هو البحر إلاَّ أنَّ جعفرَ نهره
إلهي أطلْ للدهرِ في عمرِ أحمدٍ / فيا حبَّذا الشخص الكريم ودهره
يؤَازِرُ أملاك الزَّمان كما ترى / فيشتدُّ بنيان الزَّمان وأزره
ويعجبهُ فعلُ الجميل مطابقاً / فيحفظ علياه ويبذل وفره
ولا عيبَ فيه غير إفراط سؤددٍ / يشقُّ على جهد المدائح حصره
فتى النسب الوضَّاح والشيمِ التي / يقلّ لها من بارع الحمد كثرُه
وذو البيت أما آلُ يحيى فنظمه / وأما أبو حفصِ الإمام فبحره
تقر له السادات طوعاً وعنوةً / ويحسن سرّ الفضل فيه وجهره
له قلمٌ ينحو الجميل فرفعه / لرتبة داعيه وللضدّ كسره
إذا قامَ يحيى دولة بسوادهِ / عنت دونه بيض القرَاع وسمره
قصيرٌ لأمرٍ ما يجدّع أنفه / إلى أن رأينا الملك قد عزَّ نصره
بكف فتىً لو كان للبحر جودُهُ / لفاضَ كما فاضَ في الطرسِ درّه
وممتدح يلقاك منه إذا بدَا / مديد العلى باهي المحيا أغرّه
يرنحه شدْوُ السؤال كأنما / تثنَّت بعطفيه وحاشاه خمره
أنجلَ العلى قابلتني ساعة العلى / مقابلةً لاقى بها القلبَ جبره
إذا شيد في نظمِ امتداحك بيته / فما هو إلا في ذوي النظم قصره
لمدحك يا معنى النسيب تأخرت / قوافي نسيبٍ طالما طار شعره
على أنني مغرًى بكلّ مقرطقٍ / بما خدّه ماءُ الحياة وخضره
عجبت له في كأس مرشفه الطلاً / وفينا ولم يقرب من الكأس سكره
ثناؤك أشهى من لماه إلى فمي / ولفظك لا حلو الوصال ومرّه
فحسبك من قلبي صفاه وودّه / وحسبك من لفظي دعاه وشكره
وحسبك عبدٌ بالجميل ملكتهُ / على أنه مستمجد القلب حرُّه
بقيت لداعي المدح وجهك عيده / وأنمل كفيك الكريمة عشره
أما وتلفّت الرَّشاء الغرير
أما وتلفّت الرَّشاء الغرير / ولين معاطف الغصن النضير
لقد عبثت لواحظه بعقلي / فيا ويل الصحيح من الكسير
غزالٌ كالغزالة في سناها / تحجبه الملاحة بالستور
شديد الظلم حلّ صميم قلبي / كذاك الظلم يوقع في الأسير
تبسم ثم حدّث بالّلآلي / فأعجزَ بالنظيم وبالنثير
وأسكر لحظه من غير ذوقٍ / فيالله من لحظٍ سحور
وأجفانٌ مؤنثةٌ ولكن / تقابلنا بأسيافٍ ذكور
وخدّ لاح فيه خيال دمعي / فقل في الرَّوض والماءِ النهير
شجاني منه أمرد ما شجاني / وثنى بالعذار فمن عذيري
ومن لي فيه من ليلٍ طويل / أكابده ومن جفنٍ قصير
لحى الله الوشاة فإن تدانو / ولحّ الظبي عنَّا في النفور
وعزّ لقاؤنا والربع دانٍ / كما أبصرت تفليج الثغور
فرُبَّ دجىً لنا فيه عناقٌ / تغوص به القلائد في النحور
زمانُ العيش مبتسمُ الثنايا / ووجهُ الأنس وضَّاح السرور
ووصلُ معذِّبي جناتُ عدنٍ / لباسي فيه ضمٌّ كالحرير
تروم يداي في خصريه مسرًى / ولكن ضاق فترٌ عن مسير
وتعي الكفّ عن كشحٍ هضيمٍ / فأرفعها إلى رِدفٍ وثير
وأستر ثغره باللثمِ خوفاً / على ليلي من الصبح المنير
سقى صوب الحيا تلك الليالي / وإن عوضتُ بالدمعِ الغزير
وحيى منزل اللّذات عنا / وإن لم يمس منا بالعمير
وبدراً فائزاً بالحسنِ يحثو / تراب السبق في وجه البدور
يلذّ تغزّلُ الأشعار فيه / لذاذة مدحها في ابن الأثير
أغرّ إذا اجتنى وحبا العطايا / رأيت السيل يدفع من ثبير
أخو يومين يوم ندًى ضحوكٍ / ويوم ردًى عبوسٍ قمطرير
يصوّب مقلتي كرمٍ وبأسٍ / فيقلع عن فقيد أو عقير
كذلك المجد ليس يتم إلا / بمزج العُرف فيه والنكير
رأيت عليّ كابن عليّ قدماً / وزيراً جلَّ عن لقب الوزير
يسائله عن التمهيد ملكٌ / فيسأل جدّ مطّلعٍ خبير
ويبعث كتبه في كلّ روعٍ / كتائب نقعها شكل السطور
فمن دالٍ ومن ألفٍ وميمٍ / كقوسٍ أو كسهمٍ أو قتير
كأن طروسه بين الأعادي / نذيرُ الشيب بالأجل المبير
كأنَّ حديثه في كلِّ نادٍ / حديث النار عن نفسِ العبير
يظلّ السائدون لدى حماه / سدًى يستأذنون على الحضور
مثولاً مع ذوي الحاجات منّا / فما يُدرى الغنيّ من الفقير
إلى أن يرفعَ الأستارَ وجهٌ / تراه من المهابة في ستور
فمن رفدٍ يفيئ لمستميحٍ / ومن رأيٍ يضيئ لمستنير
ومن حقٍّ يساقُ إلى حقيق / ومن جدوى تفاض على جدير
سجية سابق الطلبات سامٍ / يظلّ على معاركة الأمور
ذكيرٌ لا ينقّب عن حلاه / تلقى المجد عن سلفٍ ذكير
فإن تحجب فلهجة كلّ راوٍ / وإن تظهر فنصب يد المشير
كذا فليحوها قصب المعالي / سبوقٌ جاء في الزَّمن الأخير
بعيد القدر من آمال باغٍ / قريب البرّ من يد مستمير
يهاب سبيل مسعاه المجاري / كأنَّ الرَّجل منه على شفير
ويرجع بعد جهدٍ عن مداه / بلا حظٍّ خلا نفس نهير
يحدّث عن علاه رغيم أنفٍ / فيتبع ما يحدّث بالزفير
وكيف ترام غاية ذي علاءٍ / يردّ الطرف منها كالحسير
سميّ الشكر من هنّا وهنّا / ونبت عذراه مثل الشكير
مكارم لا تمنّع عن طلوبٍ / كما لمع الصباح لمستنير
فلو شاء المشبه قال سحراً / بسرعتها لإخراج الضمير
له قلمٌ سريُّ النفع سار / يبيت على الممالك كالخفير
تعلّم وهو في الأجمات نبتٌ / سجايا الأسد حتى في الزئير
ألم تره إذا اعترضت أمورٌ / ورام الفرس أعلن بالصرير
ولثّمه المداد لثامَ ليلٍ / فأسفر عن سنا صبحٍ منير
وأنشأ في الطروس جنان عدنٍ / فحلّ بطرسهِ شرب الخمور
وجاوره الحيا المنهلّ حتى / تصبّب منه كالعرَق الدزير
تصرَّف حكمه بمنى حكيمٍ / بأدواء العلى يقظٍ بصير
من القوم الذين لهم صعودٌ / إلى العلياءِ أسرع من حدور
تبيتُ الناسُ في سلمٍ وتمسي / تحارب عنهم كرّ العصور
صدورٌ فيهمُ لله سرٌ / كذا الأسرار تودع في الصدور
رست أحلامهم وسرت لهاهمُ / فأكرم بالجبالِ وبالصخور
ولي لفظٌ رقيق الوِرد جزل / كما نبع الزّلالُ من الصخور
سما شعري وعاد على علاهم / فلقّبناه بالفلك الأثير
وأحسن ما سرى بيت لطيف / يصاغ ثناه في بيتٍ كبير
أأندى العالمين ندًى وأجدى / على العافين في الزمن العسير
عذرنا فيك دهراً زادَ حبًّا / لما ميزْت منه على الدهور
إذا أحصى الضعيف عليه ذنباً / أتت يمناك بالكرم الغفور
ودولة مالكٍ نثلت جفيراً / فكنت أشدّ سهمٍ في الجفير
حميت رواقها وبنيت فيها / بيمنك كلّ سطرٍ مثل سور
وسكّنت البسيطةَ من هياجٍ / فما يهتزّ فرعٌ في دَبور
ولمْ يعجزْك في الأيام شيءٌ / تحاوله سوى مرأًى نضير
لتهنك حجةٌ غرّاء يحلو / تذكرها على مرّ الدّهور
جنيتم كلّ ضامرةٍ لعيش / فرار الورق قدّام الصقور
كأنَّ الأرض تحتكمُ سماءٌ / تجلّت بالأهلة والبدور
سُرىً تطوى به الفلوات طياًّ / ونعم الذَّخر في يوم النشور
تقولُ بطاحُ مكةَ يوم لحتم / ألا لله من وفدٍ جهير
ألستم خير من ركب المطايا / وأعلا القادمين سنا نور
يطوف عليكم الرّضوان فيها / طوافكُم على البيتِ الطهور
ويعبق بينكم في النحر عرفٌ / كأنَّ المسك بعضُ دم النحير
وتمكث بالحجاز سيولُ رفدٍ / فما تهفو إلى نوءٍ مطير
إذا كرمت مساعي المرءِ حثت / لبذل الوفر في جمع الأجور
فيا بشرى لمصرَ وساكنيها / مصيرك نحوها أزكى مصير
وعودك في سما التدبير بدراً / يفرّع من ركوب هلال كور
وعيناً للزمان تجيل رأياً / تبسم عنه أرجاء الثغور
أطلتُ مديحه وأجدتّ فيه / وما حابيته وَزْن النقير
وقمت بجاهه أشكو الليالي / كما تشكو الرّعية للأمير
وأعجب كيف أظمأ من غمامٍ / وقد شمل الجليل مع الحقير
وكيف ظلاله تسعُ البرايا / وشخصي قائمٌ وسطَ الهجير
وما في السحب مثل ندى يديه / ولا في الأرض مثليَ من شكور
رعاك الله دارِكْ شكوَ عبدٍ / تمسّك منك بالعدل السفير
فمثلك من أغاث حليف بيتٍ / فأحيى بعضَ سكانِ القبور
ولا تنظرْ إلى حقي ولكنْ / إلى ما فيك من كرمٍ وخير
أتيتك محرماً من كل صنعٍ / فدُمْ يا كعبةً للمستجير
وجمعْ في زمانك كلّ عصرٍ / كجمع العام أفراد الشهور