المجموع : 46
لولا طُروقُ خيالٍ منكَ مُنتظَرِ
لولا طُروقُ خيالٍ منكَ مُنتظَرِ / يُلمُّ بي راقداً ما ساءني سَهَري
وإن خَلتْ منك عَيني حين تُسهِرها / فليس يُخْليك طُولُ الوجْد من فِكَري
تَحُلُّ في ناظِري إن زُرتَني أبداً / عِزّاً وفي خاطِري إن أنت لم تَزُر
يا مَن غدا فَرْط حُبّي وهْو يَحملُه / على البصيرة منّي أو على البَصَر
إنْ تَغْشَ طَرْفي وقلبي نازلاً بهما / فالطرفُ والقَلبُ كُل مَنزلُ القَمر
إن يَطْرُقِ الطّيفُ عَيني وهْي باكيةٌ / فالبَدْرُ في الغيم يَسْري وهْو ذو مَطر
عَمْري لقد سَحَر الأبصارَ حين سَرى / بَدراً ولم يُر لمّا زار في سَحَر
فَمَرَّ مِنّي بغُمْضٍ كان جاء به / وقُمْتُ أبكي بدمْعٍ عندها دَرَر
كأنّ جَفْنِيَ إكراماً لزائرِه / أمسَى على قَدمَيْه ناثرَ الدُّرر
تحيّةٌ من عَرارِ الرَّمْلِ واصلةٌ / والرَّكبُ يَطلُعُ من أعلامِ ذي بَقَر
وليس بالرّيح إلاّ أنّها نَسمَتْ / على مساحب ذيلٍ بالحِمَى عَطِر
كم زرتُهم وحُماةُ الحَيِّ مانعةٌ / للبيضِ بالبيض أو للسُّمْر بالسُّمُر
أرمي إليهم بطَرْفِ العَيْن أقسِمُه / بين الرّقيب وبين الإْلف من حَذَر
كعَينِ ذي ظَمأ أمسَتْ مُعايِنةً / للماء ساعةَ لا وِرْدٍ ولا صَدَر
لله خيلُ بُكاً تَجْري صَوالِجُها / أهدابُ عَيني وقَطْرُ الدّمع كالأُكر
تَخُدُّ حَلْبةَ خَدّي كلّما ذكروا / منها سَوابقُ ما تَنفكُّ في حُضُر
والجوُّ كالرّوضةِ الخضراءِ مُعرِضةٌ / لناظرِي والنّجومُ الزُّهْرُ كالزَّهَر
واللّيلُ كالرّاية السّوداء قدّمَها / للصُّبِح خيلٌ تُرى مُبيضّةَ الغُرَر
يَحكي لواءَ بني العبّاس يومَ وغىً / إذا بدا وجيوشُ التُّركِ في الأثَر
لا حائدٌ عنهما يَنجو على بُعُدٍ / أن يُدرِكهُ ولا يَأْوي إلى وَزَر
هما اللّذانِ إذا مالا على أُمَمٍ / لم يُبْقِ مَرُّهما شيئاً ولم يَذَر
إنْ ساعَدا زَمناً أو عانَدا أتَيا / بغايةِ التّفعِ للأقوامِ والضَّرر
لا يَعجبَنّ ملوكُ الأرض حين غدَوْا / واسْمُ السّوادِ لديهم رايةُ الظَفَر
لو لم يكُنْ وأيادي اللّهِ سالفةٌ / هذا الشِّعارُ معَ الأفلاك لم تَدُر
قد أَسندَتْ أَمرَها الدُّنيا إلى مَلِكٍ / ما افتَرّ عن مثْلِه خالٍ منَ العُصُر
كأنّما قال أَحداثُ الزّمانِ له / يا أَقدرَ النّاسِ قُمْ للّهِ فانتَصِر
فقد غدا الدّينُ يُغضي طَرْفَ مُضطَهَدٍ / وأَصبحَ الحقُّ يُخْفي شخصَ مُستَتِر
فقام مُستَظْهراً باللّهِ يُظْهِرُه / بالرَأْيِ طَوراً وبالهِنديّةِ البُتُر
راعٍ يَبيتُ على قاصي رَعيّتِه / فؤادُه كجناحِ الطّائرِ الحَذِر
محاسنُ السّلَفِ الماضينَ كُلِّهمُ / مجموعةٌ فيه جَمْعَ القَطْرِ في الغُدُر
له يدٌ خُلِقَتْ للجودِ فهْو لَها / طبعٌ كما خُلِقَ العينانِ للنَّظَر
إن أنت يا بحرُ لم تَملِكْ ندىً خَضِلاً / فمِنْ يمينِ الإمامِ القائمِ اسْتَعِر
وأَنت يا بَدرُ إن أَظلَمْتَ في أُفُقٍ / فجُزْ بسُدّتهِ العَلْياء تَستَتِر
ويا حُسامُ إذا لم تَحْكِ عَزْمتَه / فما تَسَمّيك بالصّمصامةِ الذَّكَر
مَلْكٌ إذا قَدَّرتْ أمراً عزائمُه / وافَى معَ القدَر الجِاري على قَدَر
في مَعْرِضِ السِّلْمِ تَجلو الحَرْبُ نَجدَته / إذا الأعادي رَمَوا باللّحْظِ من أَشَر
فالسُّمْرُ مركوزةٌ والبِيضُ مُغمَدةٌ / لكنّها في طُلىً منهمْ وفي ثُغَر
إذا تلاقَتْ له يوماً قناً وعِداً / أَجلَيْنَ عن مِزقٍ منها وعن كِسَر
من كلِّ كَعْبٍ لها بالكَعْبِ مُختلِطٍ / وكلِّ صَدْرٍ لها في الصَّدْرِ مُنْكَسِر
للّهِ دَرُّك إذ تَرعَى الورَى حَدِباً / من مُقْتفٍ سُنَنَ الآباء مُقْتَفِر
له من الحَبْرِ عبدِ اللّهِ علْمُ هُدىً / يُجْلَى من النُّطْقِ في أَبهَى من الحِبَر
ويَسحَرُ القلبَ تسويدُ البياضِ بِه / كأنّما هو مجموعٌ منَ الحَوَر
يا مَنْ سريرتُه عَدْلٌ وسيرتُه / لكلِّ مُستَخْبِرٍ عنها ومُخْتَبِر
نَفديك من مَلِكٍ إنْ يَغْدُ مُنْتَقِماً / يُمهِلْ وإنْ يُسألِ الإنعامَ يَبتَدِر
أَغَرُّ أَزهَرُ فيّاضٌ أَنامِلُه / من معشرٍ كمصابيحِ الدُّجَى زُهُر
قومٌ بنو خَيرِ أَعمامِ النّبيِ هُمُ / فما يُدانيهمُ فَخْرٌ لمُفتَخِر
يا وارثَ الأرضِ والأمرِ المُطاعِ بها / إرْثاً من السّابقِ المكتوبِ في الزُّبُر
بِكُمْ قديماً رسولُ اللّهِ بَشَّرنا / كما بِه بشّرتْنا سالفُ النُّذُر
لمّا غدا من أبيكم واضِعاً يَدَهُ / مَجداً على ظَهْرِ خيرِ البدْوِ والحضَر
وأنتُمُ فيه أسرارٌ مُكتَّمةٌ / من كلِّ وارثِ مُلْكِ الأرضِ مُنتظَر
إليكُمُ مَدَّ يُمناهُ يُعاهِدُكم / هُناك بالعدلِ والإحسانِ في السِّيَر
شبيهَ ما عاهدَ اللّهُ الأنامَ وهم / من بعدُ في الظَّهْرِ سِرٌّ من أَبي البَشَر
حُكْمٌ قضَى لكُمُ رَبُّ السّماء به / على العبادِ برَغْمِ الكاشِحِ الأشِر
هل بعد قولِ رسولِ اللّهِ من رِيَبٍ / أم هل كصِدقِ رسول اللّه في خَبَر
سَمَّى الخلافةَ مُلكاً بعد أَربعةٍ / هم في الأنام وأنتم خِيرةُ الخِيَر
وقال من بعدُ للعبّاس في مَلأَ / افخَرْ فأنت أبو الأملاك من مُضَر
فعِلْمُنا مُدّةَ الدنيا خلافَتُكُم / بواضحٍ في بُطون الكُتْب مُستَطَر
لا مثْلما زعمَتْ من جَهْلِها عُصَبٌ / لا يَرجِعون إلى عَيْنٍ ولا أَثَر
هل بعدَ حقٍ إذا صحَّتْ دلائلُه / إلاّ ضلالٌ فخُذْ إنْ شِئْتَ أو فَذَر
إذا تَلوْنا أحاديثاً رُوِينَ لكم / تَريبُنا نَفْرةٌ تَبدو على نَفَر
حتّى لقد صار يَحكي قولُ ذي أثَرٍ / على فؤادِ المُعادي فِعْلَ ذي أُثُر
عليه حَرْفٌ من المأثور مُشتَهِرٌ / نظيرَ حَرْفٍ من المأثورِ مُشتَهر
إلى إمام الهُدَى مَدَّتْ هَواديَها / عِيسٌ وصلْن لنا الآصالَ بالبُكَر
حتّى حطَطْنا إلى الزّوراء أرحُلَها / وعُوجُ أضلاعِها يُعدَدْن من ضُمُر
كأنّها من وعولٍ وَسْطَ مُنتطَحٍ / سلَكْنَ أو من رماحٍ بين مشتَجَر
سارتْ بنا وسرَتْ حتّى أَتَتْه بنا / ومَن يَزُرْ كعبةَ العلياء لم يَجُر
خليفةَ اللهِ صفْحاً عن أخي زَلَلٍ / فَمدْحُ مثْلكَ شَيءٌ ليس في القُدَر
لغيرِك الدّهرَ قَولي إن مَدحتُ أَصِخْ / وعند مَدحِك قَولي كلُّه اغتَفِر
إن لم تُعِدْ نظَراً فينا بعَيْن رِضاً / لم يَخلُص الصَفْوُ لي يوماً من الكَدَر
لولا رجاءٌ وخوفٌ منك مُقتَسَمٌ / ما كان عن ذنْبه دهرٌ بمُعْتَذِر
الدّهرُ عَبدُك تُرعيه الورى كرماً / فَمُرْه فينا بما أَحبَبْتَ يأْتَمِر
والأرضُ دارُك والنُّعمَى قِراك بها / والضيّفُ كُلُّ الورى والنّحْرُ بالبِدَر
فَدُمْ كذاكَ أميرَ المؤمنين لنا / جَذْلانَ في ظِلِّ مُلْكٍ غيرِ مُنحَسِر
وصُمْ وأَفطِرْ بسَعْدٍ وارْمِ أَفئدةَ ال / حسّادِ يُصبِحْنَ من مُصمىً ومُنفطِر
تَغْدو بآلِكَ ذا نَفْسٍ مُمتَّعةٍ / وأَوليائك في طُولٍ من العُمُر
ما لاحَ في جُنْحِ ليلٍ أَنجمٌ زُهُرٌ / كأنّها غُرَرٌ يَلْمَعْنَ في طُرَر
أمّا الغزالُ الذي أَهوَى فقد هَجَرا
أمّا الغزالُ الذي أَهوَى فقد هَجَرا / أنْ عادَ رَوضُ شبابي مُبدِياً زَهَرا
فهل سَمعْتُمْ بظَبْيٍ في مَراتعِه / إذا رأَى زَهَراً في رَوضةٍ نَفَرا
قد كنتُ سارِقَ عيشٍ غيرَ مُفتَكِرٍ / من تحت ليلِ شبابٍ كان مُعتَكِرا
فالآن أقمَرَ ذاك اللّيلُ من كِبَرٍ / فَعُدْتُ عن سَرَقِ اللّذّاتِ مُنزَجِرا
عُلُوُّ سِنٍّ ضحا رأسي له عَجلاً / والظِلُّ مهما تعالَتْ شمسٌ انحَسَرا
نَضا رِداء سوادٍ كنتُ لابِسَه / فانظُرْ بأيِّ شعارٍ فُجِّعَ الشُّعَرا
وشِبْتُ فاحتجبتْ عنّي الحسانُ قِلىً / وكان منهنّ طَرْفي يَجْتلي صُوَرا
إذا بياضٌ أفاتَ المرءَ رُؤيةَ مَنْ / يَهوَى فسِيّانِ شَعْراً حَلَّ أو بَصَرا
عَصْرٌ أُجِدُّ بتَذْكاري له طَرَباً / حتّى أُقطِّعُ أيامي به ذِكَرا
يا قاتَلَ اللهُ بدراً لستُ أَذكرُه / إلاّ تَرقرقَ دَمعُ العَينِ فابتَدَرا
إلْفٌ أقولُ قياساً عند رُؤيتِه / إذا بدا وإذا ما زار طيفُ كَرى
مُقنَّعٌ في جُفوني كلّما رقَدَتْ / أم يُوشَعٌ في يدَيْهِ كلّما سَفَرا
بَدْرٌ سِدادُ طريقِ الدَمعِ مَطلِعُه / في ناظري فمتى ما غابَ عنه جَرى
لِثامُه مثْلُ غَيْمٍ حَشْوه بَرَدٌ / يَشِفُّ من بُعُدٍ عنه وما حُدِرا
كأنّما سَكِرَ العَينانِ منه بما / تقولُ في فيهِ من أصداغِه عُصِرا
تَمَّتْ محاسِنُه إلاّ قَساوتَه / على الأنام وإلاّ قَتْلَهمْ هَدَرا
كأنّه صنَمٌ أهدَى الحياةَ له / رَبُّ العبادِ وأبقَى قلبَه حَجَرا
لَيلي وعَينيَ لا أدري لفُرقتِه / أجُنحُه طالَ لي أم جَفنُها قَصُرا
كأن جَفْنيَّ طُولَ اللّيلِ من أرَقٍ / على حَجاجَيَّ بالأهدابِ قد سُمِرا
أو الإمام غداة العَرْضِ حين غَزا / تقاسَمتْ صُبْحَ ليلي خَيلُه غُرَرا
لمّا تَجلّتْ من الزّوراء طالعةً / تحت الفوارسِ مَرْحَى تَنْقُضُ العُذَرا
سودٌ بُنوداً وبيضٌ أوجهاً طلَبتْ / عِداً لِتَخْضِبَ حُمْراً منهُمُ السُّمُرا
تَحُفُّ أرْوعَ مَيْموناً نقيبتُه / مهما أشار بها لم يَعْدُه أشِرا
مَلْكٌ يقودُ جنوداً من ملائكةٍ / في طاعةِ اللهِ لا يَعصُونَ ما أَمَرا
وآخَرِينَ طِلاعَ الأرض من بُهَمٍ / تَهُزُ أيمانُها الهِنديّةَ البُتُرا
قومٌ إذا غَرسُوا بين الضلوعِ قناً / عادتْ حَوامِلَ من هامِ العِدا ثَمَرا
لم يَبقَ في الأرضِ لا ظُلْمٌ ولا ظُلَمٌ / إلاّ طُوِي بِيَدِ العدلِ الّذي نُشِرا
وقام مسترشِداً باللهِ أَرشَدَه / فما يطيشُ له سَهمٌ إذا افتكَرا
فإن دعا كان جُودُ الغَيثِ مُتَّصلاً / وإن سَخا كان غَيْثُ الجُودِ مُنَهمِرا
لا يَعجَبِ القومُ إنْ أَبدَى تَجَرُّدَهُ / فإنمّا هو سيفُ اللهِ قد شُهِرا
هم أغضبوا اللّهَ فاجتاحَ العُداةَ به / لا غَرو حين وتَرْتَ اللّهَ إن ثَأرا
لمّا أطالَ الطُّلَى قومٌ إلى فِتَنٍ / لم يُمْهِل السّيفُ حتّى قَصَّر القَصَرا
ضَرْباً إلى الأرضِ للتقبيلِ راغمةً / تَلقَى الثُغورَ وطَعْناً يَنِظمُ الثغَرا
ورَشْقةً تَخطِفُ الأرواحَ صائبةً / مِمّا تُطايرُهُ نارُ الوغَى شَرَرا
للمارِقينَ من الدّينِ الّذين طغَوْا / بالمارقاتِ من النَبْعِ الّذي انْأطَرا
تَجنَّحوا بسهامٍ في جُنوبِهمُ / لولا وَشيكُ الرّدى طَاروا بِها حَذَرا
لم يأكلِ النّسْرُ قَتْلاهم مُشاكلَةً / لمّا علا شِلْوَهم مَن ريشُهُ اشتَكَرا
قد أضحتِ الأرضُ تُحِكي تحتهم وضَماً / مِمّا قتلْتَ فلمَ تَعدَمْ بهمْ وضَرا
فلو غَسلْتَ الثَرى من وَطء أرجُلِهم / بغيرِ ماءِ الطُّلى منهمْ لمَا طَهُرا
فحاطَكَ اللهُ مَلْكاً ثار مُمتَعِضاً / للدِينِ حتّى جَلا عن وَجْهِهَ القَتَرا
لو لم تُكَسَّرْ رماحُ الخَطِّ شاجرةً / إذَنْ لكانَ لكَسْرِ الدّينِ ما جَبَرا
نُصْحاً لكم يا ملوكَ الأرضِ فانتَصِحوا / كفَى برائعِ ما بُلّغتُمُ خَبَرا
هو ابْنُ مَن بعجَ اللهُ الغمامَ له / حتّى تَرهْيا فأحيا البَدْوَ والحَضَرا
فحاذِروا مَن إذا ما شاء مُنتقماً / عَدَّ الحديدَ غماماً والدَّمَ المَطَرا
فيئوا إلى كُتْبِه واخشَوْا كتائبَهُ / قد أصحَر اليومَ ليثٌ طالما خَدَرا
نافٍ غِرارَيْهِ من جَفْنَيهِ ذو حَدَبٍ / يُواصِلُ الضَرْبَ دون الدِّينِ والسّهَرا
فِداؤكم آلَ عبّاسٍ وإنْ صَغَروا / من العدا مَن أسرَّ الخُلْفَ أو جَهَرا
حُكْمٌ منَ الله في الدُّنيا لدولتِكم / ألاّ يُغادِرَ حَيّاً مَن بها غَدَرا
ما استوطأ الظّهرَ مِن عَصيانِكم أحدٌ / إلاّ وقالتْ له الأيّامُ سوف تَرى
ما جَرَّد السَّيفَ باغٍ حَرْبَكم فرأى / لذلكِ السيفِ إلاّ نفسَه جَزرا
لقد رأى اللّهُ ما أَبَدى خليفتُه / وما أعادَ مِنَ العدْلِ الذي اشتَهرا
خلافةٌ رشّحتْهُ السّابقونَ لها / وِراثةً قد نَفَوا عن صَفْوِها الكَدَرا
ودَرَّجتْه إليها أوّلونَ دَعَوا / للمؤمنينَ فذادوا عنهمُ أُمَرا
سَفّاحُهم بَعْدَهُ المنصورُ يَتْبَعُه ال / مَهديُّ واقتفَر الهادي له الأَثرا
ثُمّ الرّشيدُ وأبناءٌ له نُجُبٌ / ثلاثةٌ للهُدَى أَعزِزْ بهِم نَفَرا
أمينُ مُلْكٍ ومأمونٌ ومُعتَصِمٌ / وواثقٌ وكفَى فَخْراً لِمَنْ فَخَرا
ومَن تَوَّكل فيما قد تَقلَّدَه / ومَن دَعَوه لدينِ اللّه مُنْتَصِرا
والمُستعينُ له المُعتَزُّ مُرتَدفٌ / والمُهتدي بالإلهِ المُرتَضَى سِيَرا
وقام مُعتَمِدٌ يَتلوهُ مُعتَضِدٌ / ومُكْتَفٍ مُعْقِبٌ للمُلْكِ مُقْتَدِرا
والقاهرُ العَدْلُ والرّاضي ومُتّقِياً / فاذْكرْ ومُستَكْفياً من بَعْدِ مَنْ ذُكِرا
ثُمّ المُطيعُ يَليهِ الطّائعُ اختُتِمَتْ / عُلْياهُ بالقادرِ الكافي إذِ اقتدرا
وقائمٌ قد تَلاهُ مُقْتَدٍ سَبَقا / أيّامَ مُستَظْهِرٍ باللّهِ قد ظَهَرا
خلائفٌ نُظِموا في سِلْكِ دَهْرِهمُ / ونورُ وَجْهِك منهم في المنونِ سَرى
فما عدا وهْو سِرُّ اللّهِ أَضمَرَه / بيومِ إظْهارِه أن بَشَّرَ البَشَرا
وَثمَّ عِدّةُ أملاكٍ ذَوي شَرَفٍ / تَقَدَّموه وكانوا أنجُماً زُهُرا
عِشرونَ يَتْبَعُها منهم ثمانيةٌ / كانوا المنازلَ والمسترشدُ القَمَرا
إنِ استَسَرَّ وراءَ الحُجْبِ آوِنةً / فقد شفَى العينَ إهْلالٌ له بَدَرا
فارقَبْ نَماءَ منَ الإقبالِ مُتَّصِلاً / ودوْلةً سوف تُفْني دَهْرَها عُمُرا
يا بحرَ علمٍ نَماهُ الحَبْرُ والدُه / مَجْداً ويا بَدْرَ تِمّ يَمطُرُ الدُّررا
أنعِمْ عليَّ بخَطٍّ ما حَظِيتُ به / وكم مَددْتُ إليه العينَ مُنتَظِرا
شمسُ الهدى طلعَتْ للخَلْقِ مُشرِقةً / وما رُزِقْتُ إلى أنوارِها نَظَرا
والبيتُ من دونِه الأستارُ قد رُفِعَتْ / ولم أكنْ أنا فيمنْ حَجَّ واعتَمرا
فما أرى أنّني أهدَيْتُ مُمتدِحاً / شِعْرِي ولكنّني أهدَيْتُ مُعتَذِرا
وقَلَّ سُؤْراً لكم منّا قصائدُنا / حِياضُ مَدْحِكُمُ قَدْ أُترِعَتْ سُؤَرا
كلٌّ من البحرِ مُمتارٌ لدرّتِه / ولي إلى البحرِ راوٍ يَحمِلُ الدُّررا
وواعدي بالغنى فَقْرِي إليك وقد / نالَ الغنى مَن إلى إنعامِك افتقَرا
خليفةَ اللهِ جَلَّلْتَ الورى نِعَماً / ألا فلا لَقِيَتْ أيّامُك الغِيَرا
هَبْ للثَّرى نظْرةً تَرمي بها لتَرَى / هامَ الرُّبا برِداء النَّورِ مُعتَجِرا
قد زَيَّنَ الأرضَ شُكراً أنْ بَقيتَ لها / والوعْدُ أنْ سيزيد اللهُ مَن شَكَرا
لمّا تباشَر إصباحاً شقائقُها / بأنْ نُصِرتَ وكانتْ قُمْصُها حُمُرا
رَدَّتْ على الأرؤسِ الأذيالَ من طَرَبٍ / لخَلْعِهنّ على مَن بَلّغَ الخَبَرا
لقد بَلغْتَ أميرَ المؤمنين مَدىً / عنه السُّها قاصِرٌ لو كُنتَ مُقتصِرا
مَن فَرّ منك يَجوبُ الأرضَ مُنهزماً / يَزدادُ وِزْراً ولكنْ لا يَرى وَزَرا
في الشّرقِ والغَربِ لا يُفْضي إلى سَعَةٍ / ذو الذَّنْبِ إلاّ إذا ما كنتَ مُغتَفِرا
ألا فَنَوْرِزْ مُطاعَ الأمرِ مُبتهِجاً / مُقسِّماً في الأنامِ النّفْعَ والضّرَرا
ودُمْ لنا ووَلِيِّ العَهْدِ مُحتفِظاً / منه بأنفَسِ ذُخْرٍ للورَى ذُخِرا
في دولةٍ من صُروفِ الدَّهْرِ آمنةٍ / وعيشةٍ لا تَرَى عن وِرْدِها صَدَرا
أذاكرةٌ يومَ الوَداع نَوارُ
أذاكرةٌ يومَ الوَداع نَوارُ / وقد لَمَعتْ منها يَدٌ وسِوارُ
عَشِيّةَ ضَنّوا أن يَجودوا فعلَّلُوا / وخافوا العِدا أن يَنْطِقوا فأشاروا
حدَوْا سُفْنَ عِيسٍ لم تزَلْ بصُدورِها / تُخاضُ من اللّيلِ البهيم غِمار
فَحلُّوا قِفاراً مَرّتِ الظُّعْنُ فوقَها / وخَلَّوا ديارَ الحَيِّ وهْيَ قِفار
غدَوا دُرَراً أصدافُهنّ هوادِجٌ / وليس لها إلاّ السّرابَ بِحار
وأثمانُها الأرواحُ تُبذَلُ والوغى / لَهُنّ عُكاظٌ والرِّماحُ تِجار
أعِدْ نظَراً يا رائدَ الحَيِّ قاصداً / إلى أينَ من حُزْوَى المَطِيُّ تُثار
أما همْ إلى قلبي من العينِ غُدْوةً / يَسيرون أن زَمُّوا الجِمالَ وساروا
إلى كَبِدٍ تَشكو الغرامَ جديبةٍ / سَروْا من جفونٍ سُحْبُهنّ غِزار
وما رَحلوا إلاّ انتجاعاً فلو دَرَوْا / بِما بي لَحاروا في المَسيرِ وجاروا
بنَفْسي غزالٌ أَعرضَ البُعدُ دونَه / فعادَ رَبيبُ الوَصْلِ وَهْوَ نَوار
تُعاتَبُ عيني حين يَعلَقُ خاطري / ولَومُ المَشوقِ المُستهامِ ضِرار
ويَقْلَقُ قلبي حين يَطْرُقُ ناظري / فَبعْضِيَ من بَعْضي عليه يَغار
فهل نَهْلةٌ تَشْفي الغليلَ لمُدْنَفٍ / ففي الصّدْرِ من نارِ الفراقِ أُوار
يُواصِلُ قلبي وهْو للعين هاجِرٌ / لَصيقُ فؤادٍ شَطَّ منه مَزار
فليت ديارَ النّازحاتِ قلوبُنا / لِتسلُوَ أم ليت القلوبَ دِيار
أبى القلبُ إلاّ ذِكْرَهُنّ وقد بَدا / معَ الصّبحِ أشْباهاً لَهنَّ صُوار
وليلةَ أهْدَيْنَ الخيالَ لناظري / وبالنّومِ لولا الطّيفُ عنه نِفار
تَقنَّصْتُه والأُفْقُ يجتابُ حُلّةً / من الوَشْيِ يُسدَى نَسْجُها ويُنار
فلا يَحسَبِ الجوزاءَ طَرْفُك أنّها / هَدِيٌّ لها شُهْبُ الظّلامِ نِثار
وأنّ الثُريّا باتَ فِضّيُّ كأسِها / بأيدي نَدامَى الزَّنْجِ وهْو يُدار
فليس الدُّجَى إلاّ لنارِ تَنَفُّسي / دُخانٌ تَراقَى والنُّجومُ شَرار
رُوَيْداً لقَلْبي بالهوَى يا ابنَ حامدٍ / وإلاّ فلَيْلِي ما بَقيِت نَهار
إذا طَلَعتْ في بلدةٍ لكَ رايةٌ / فللظُّلْمِ منها والظّلامِ فِرار
فِدىً لعزيزِ الدّينِ في الدّهرِ عُصبةٌ / أجارَ من الخَطْبِ الجسيمِ وجاروا
منَ البِيضِ أمّا بَحرُه لعُفاتِه / فَطامٍ وأمّا دُرُّه فكِبار
فتَى الدّهرِ ما ثار امْرؤٌ لِيَؤمَّه / فَيْبقَى له عند المطالِبِ ثار
يُلِمُّ بمَغْشِيِّ الرِّواقَيْنِ للِنّدَى / وللبأسِ يوماً إن أظَلَّ حِذار
عِراصٌ تَرى رُسْلَ الملوكِ تَحُلُّها / كما انتثَرتْ فوق الرِّياضِ قِطار
إذا سار وَفْدٌ زائرون فَودَّعوا / تَناهَى إليها آخَرونَ فَزاروا
هُمامٌ إذا ما شاء صَبَّحَ مارِقاً / بأرْعَنَ عينُ الشّمسِ منه تَحار
وكُلُّ فتىً للعينِ والسّيفِ إنْ غَزا / يَعِزُّ بجَفْنٍ أنْ يُلِمَّ غِرار
مشيحٌ إذا الجَبّار صَعّرَ خَدّه / أعاد دَمَ الجَبّار وهْو جُبار
ورَدَّ طِوالَ السّمهريّ قصيرةً / غداةَ لجَيْن المَشْرفيَ نُضار
بحيثُ دنانير الوجوهِ مَشوفة / بنَقْرِ بنانِ المرهَفاتِ تُطار
وحيث وَقور الطَّودِ من هَوْلِ يَومِه / يَرَى وهْو نَفْع في السّماء مُثار
وإن شاء نابَتْ عن رماحٍ بكَفّهِ / أنابيبُ حتّى لا يُشَنّ غِرار
حديداتُ خَرْقِ السَمْعِ إنْ صَمّتِ القنا / تَغلغلَ فيه للقَضاء سِرار
إذا غرسَتْها كَفّه في صحيفةٍ / غدَتْ ولها غُرّ الفتوح ثِمار
ايا مَن تَفوقُ النّجمَ غُرّةُ طِرْفِه / إذا انشَقَّ عنه للعيونِ غُبار
تَخيَّركَ السّلطانُ للنُّصحِ صاحياً / فشابهَ سِرّاً من هَواكَ جِهار
غدا كاشتقاقِ اسمَيْكُما مَعْنَياكُما / صفاءً فحَبْلُ الائتِلافِ مُغار
وهل يَتّقي رَيْبَ الزّمانِ ابنُ حُرّةٍ / وأنت له مِمّا يُحاذِرُ جار
وما كان يَغشَى البدْرَ لو كنتَ جارَهُ / خُسوفٌ يُغَطّي وَجهَهُ وسِرار
ولكنّه من نورِ غَيرِك قابسٌ / فلا غَرو إن لَوَّى خُطاهُ عِثار
حَسودُك تُمسي طارقاتُ همومِه / وهنّ له دون الشِّعارِ شِعار
كتطْبيقِ سَيْفٍ فيه إطباقُ جَفْنِه / فأشفارُ عينَيْهِ عليه شِفار
إذا ضافَهُ هَمٌّ يصافِحُ قَلّبَه / ورَتْ منه ما بين الأضالعِ نار
وجاءتْ لأدْنَى مِسحةٍ فكأنّما / له الصَدْر مَرْخٌ والبَنانُ عَفار
طلعْتَ ثَنِيّاتِ المناقبِ كُلَّها / فما في العُلا إلاّ إليكَ يُشار
وما الدّهْرُ لولا أنّه لك خادِمٌ / وما الأرضُ لولا أنّها لكَ دار
تَواضَعُ عن عُظْمٍ وتُزْهَي بنَظرةٍ / بمُؤْخَرِ عَينٍ منك حينَ تُعار
فعندك إن جَفّ الغمائمُ نُجعةٌ / وفيك إذا خَفَّ الجبالُ وَقار
دُعيتَ عزيزَ الدّينِ أْيمَنَ دَعوةٍ / فباسْمِك من رَيْبِ الزّمانِ يُجار
بمَحْكيَ عَيْنٍ منه إذ يَسِمُ الثَّرَى / لك الخيلُ يَضحِي للبلادِ قَرار
وفي الأُفْقِ يَحكيه الهلالُ فَيزدَهِي / به الدّهرَ إذ يَعلوهُ منك شِعار
مَلكْتَ إذَنْ أرضَ الورى وسماءهمْ / فهل فوق هذا للفَخور فَخار
حَلفْتُ بعاديِّ البِناء مُحجَّنٍ / يُجابُ له عَرْضُ الفلا ويُزار
وتأميل عفْوِ الله تحت ظِلالِه / إذا ضَمَّه والزّائرينَ جِوار
وأبيضَ من ماء العيونِ لأجلِه / وأحمرَ من ماء النَّحورِ يُمار
وتَرجع أصواتِ المُهِلّينَ كلّما / دَمِينَ جِمالٌ أو رُمِينَ جِمار
لمَا أنت إلاّ بيتُ مجدٍ وسُؤددٍ / للُقيْاهُ يُسْرَي دائماً ويُسار
على أنَّ حَجَّ البَيتِ في العامِ مَرّةً / وحَجُّكَ في اليومِ القَصيرِ مِرار
لك البَدَراتُ الكُومُ يُنْحرْنَ للقِرَى / إذا نُحِرَتْ للآخَرينَ عِشار
فمنك نُضارٌ صُرَّ مِلءَ جُلودِها / إذا كان منهم جِلّةٌ وبِكار
مَواهبَ سَبّاقِ السُّؤالِ برِفْدِه / على حينَ جُلُّ الأُعطِياتِ ضِمار
فتىً فيه آمالُ الوفودِ إذا اعتفَوا / طِوالٌ وأعمارُ الوُعودِ قِصار
أفاضَ اللُّها حتّى قضَوا أنّ مالَهُ / لراجِي نَداهُ في يدَيْهِ مُعار
لكُلِّ سوى الدّينارِ عند فِنائهِ / ذِمامٌ إذا ما حَلّه وذِمار
وما كان لَونُ التبْر ذاك وإنّما / عَلاهُ لخَوفِ الجودِ منك صُفار
فَعيِّدْ كذا ما طافَ بالبيتِ زائرٌ / وخَبّتْ مَهارٍ شَطْرَه ومِهار
ولمّا تَجنّبتَ الحرامَ وشُربَه / أتَتْكَ حلالاً من يَديَّ عُقار
فخُذْها كؤوساً ليس في نَشوةٍ بها / لِذي الفضلِ عابٌ يَتّقيهِ وعار
ولي خاطِرٌ أضحَى وأَدنَى بَيانِه / لأبناء آدابِ الزَّمانِ مَنار
وصَدْرٌ كبَيْتِ النَّحْلِ فيه لَواسِعٌ / على أنّ أَرْيَ الشِعّرِ منه يُشار
حَدَتْنيَ من دَهْري إليك حوادثٌ / وقد قيلَ في بعضِ الشُّرور خِيار
وكم قَعد الأقوامُ عنك فأظلَمُوا / وجاؤوكَ يَرجون الغِنى فأناروا
وإنّي لفي قَيْدَيْ أياديكَ راسِفٌ / فما لي إلى وَشْكِ الرّحيلِ بِدار
وكيف أَجوبُ الأرضَ والشُكْرُ مُوثِقي / ألا إنّ طولَ المُنْعِمينَ إسار
فلا زلتَ أُفْقاً فيه للمجدِ مَطلعٌ / وقُطباً عليه للعلاء مَدار
خيالُكَ من قبلِ الكَرى طارقي ذِكْرا
خيالُكَ من قبلِ الكَرى طارقي ذِكْرا / ففيمَ التزامي للكَرى مِنّةً أُخْرَى
غدا شَخصُكمْ في العينِ مِنّيَ قائماً / فمِن نَمّةِ الواشي بكمْ آخُذُ الحِذْرا
فواللهِ ما ضَمّي الجفونَ لرَقْدةٍ / ولكنْ لأُلقي منه دونَكمُ سِتْرا
ومَن لي بكِتمانِ الّذي بي من الهَوى / ومن تُهَمِ الأعداء إن رُمتُ أن أبْرا
ومن نارِ قلبي لو تَرامَتْ شَرارةٌ / إلى الأُفْقِ ليلا رَدَّ فَحمتَهُ جَمرا
أبِيتُ نديمَ النَّجْمِ من كَلَفِي بكمْ / وإنْ لم أعاقِرْ غيرَ كأسِ الهوى خَمرا
وتَسحرُ لي سِحْرَ المقنَّعِ مُقلَتي / فتُطلِعُ لي باللّيلِ من طيفِكمْ بَدرا
فما رائعي واللّيلُ يَقْضِي ذماءه / من الصُّبحِ إلاّ نَفثةٌ تُبطِلُ السِّحرا
وللهِ من عُلْيا عُقَيلٍ عَقيلةٌ / إذا رحَلتْ كان الفؤادُ لها خِدرا
حكَى ثَغرُها عِقداً فإن أخصَر النَّدى / قلائدَها صُبحا حكَى عِقدُها الثَغْرا
وفتّانةٍ صاغَتْ سلاسلَ صُدغِها / قُيوداً على أجيادِ عُشّاقِها الأسرى
تَبسَّمُ عن دُرٍّ تَكلّمُ مثْلَه / فلم أر أحلَى منه نَظْماً ولا نَثْرا
خليلّيَّ عُوجا اليومَ نَسألْ بوَجْرةٍ / عن الظّبيةِ العَفراء كُثبانَها العفرا
ولا تأْمَنا غَيْران أصبحَ دُونَها / ببِيضٍ وسُمْرٍ يَكْنُفُ البِيضَ والسُّمرا
وما هيَ إلاّ طَوفةٌ بِفنائها / فمن ناظرٍ شَزْراً ومن طاعنٍ شَزرا
وفي الحَيِّ إن زُرْنا ذواتُ غَدائرٍ / تُغادِرُ غُدْراً في الخدودِ لنا غَدرا
وغُرُّ الثّنايا يَحسَبُ القومُ أنّها / أتَتْهم فقالَتْ وهْي صادقةُ البُشرى
إلى شَرفِ الدّينِ الوِزارةُ أُنهِيَتْ / فَرَدُّوا لها الأفواهَ مَملوءةً دُرّا
سُروراً بمَولىً مُذْ نَشا الدهرُ لم يُنِطْ / بأكملَ منه رَبُّه النّهْيَ والأمرا
تَرى صَدْرَه بَحراً وأنمُلَه حياً / وأخلاقَه روضاً وآدابَه زَهرا
وحُسنَ ثناءِ النّاسِ في كلِّ نَدوةٍ / نَسيماً تَهادَى السامعون له نَشرا
تَولّى الورَى جُوداً وبأْساً فلم يدَعْ / لهم في يَدِ الأيّامِ نَفْعاً ولا ضَرّا
ومن عَجبٍ أن يَعبُدَ الدّهْرَ مَعْشرٌ / وقد أبصروا المولَى الّذي استَعبدَ الدَّهرا
أظلَّتْ بنى الدُّنيا سماءُ عَلائهِ / وأطلعَ من أخلاقِه أنجُما زُهرا
أذالَ مَصونَ الوَفْرِ فافترعَ العُلا / ويَبذُلُ فضْلَ المَهْرِ مَن خَطَب البِكرا
هو الصّدْرُ والإسلامُ قلبٌ يَضُمُّه / ولا قلبَ إلاّ وَهْو مُتودعٌ صَدرا
أتَتْه وأقوامٌ أتَوها وِزارةٌ / فَجلُّوا بها قَدراً وجلّتْ به قَدرا
وكانتْ ذنوبُ الحادثاتِ كثيرةً / إلينا فلمّا جاء كان لها العُرا
عَجِبتُ لهُ يُبدِي إلينا تَواضُعاً / ولَمحةُ طَرْفٍ منه تُورِثُنا كِبرا
أخو باذِخ في ذُروةِ المجدِ شامخٍ / نُسورُ جَوادٍ تحته تَطَأُ النَّسرا
يُزيرُ الأعادي بعد كُتْبٍ كتائباً / وما اللّيثُ إلاّ مُتْبِعٌ نابَهُ الظُّفرا
هُمامٌ بأخْفَى كَيدِه يَصْعَقُ العِدا / فكيف إذا ما أَنذَر البَطْشةَ الكُبرى
ببِيضٍ صقيلاتِ المُتونِ صَوارمٍ / يُقَلّبْنَ يَومَ الرّوعِ ألْسِنةً حُمرا
وزُرْقٍ على سُمْرٍ إذا البِيضُ طاعَنتْ / بها الخيلَ رَدَّتْ دُهْمَ ألوانِها شُقرا
وزيرٌ غدَتْ أيّامُه وزَرَ الهُدَى / وكم مَعشرٍ كانتْ وِزراتُهم وِزْرا
وكيف يُخافُ الجَورُ في عَهدِ مُلكِه / وأعدَى اسْمُه بالعَدْلِ فيما مضَى كِسْرى
لقد عاد نوشَروانُ والعَدلُ للورَى / على حينَ نُوشَروانُ والعَدْلُ قد مَرّا
حكَى الدّهرُ بَيْتاً صاغَه اللهُ واحداً / ورَدَّ لإبداعٍ على العَجُزِ الصّدْرا
تَغالَى رسولُ اللهِ فيه مَحَبّةً / فأبْدَى بأيّامِ السّمِيِّ له فَخْرا
وإلاّ فما مَعْنَى عظيمِ افتِخارِه / بعَصْرٍ وفيه الأرضُ قد مُلِئَتْ كُفرا
ولكنْ لعِلْمٍ منه أن سَيَرى الوَرى / بسيفِ أبي نَصْرٍ لدينِ الهُدَى نَصرا
دعا فأجابَ اللهُ أنْ سَبقَ اسْمُه / إليه وأبقاهُ لأُمّتِهِ ذُخرا
فَحُيّيتَ من طَلْقٍ مُحيّاهُ ماجدٍ / أعاد قُطوبَ الدّهرِ للمُرتَجِى بِشرا
يَدُلُّ عليه الطّارقين اعْتِيادُهمْ / زيارتَه والطّيرُ لا تَجهَلُ الوَكْرا
تَرى الأرضَ سِفْراً من سُطورِ وُفودِه / إليه ومن حيث التفتَّ تَرَى سَفرا
إذا بَلّغتْه العِيسُ وَفْداً تَبادَرتْ / مَباسمُهُم لَثْماً مناسمَها شُكرا
ولمّا اعتزَمنا أن نَؤُمَّ فِناءه / وقد صالَ صَرْفُ الدّهرِ قُلنا له صَهرا
طَويتُ إليه للفلاةِ صحيفةً / تَخالُ مطايا الرَّكْبِ في بَطْنِها سَطرا
لَوَ انّ الفَلا أضحَى كتاباً لدارسٍ / لأبلاهُ إدماني له الطَيَّ والنّشرا
فحتّى متى أُمسِي وأُصبِحُ سادِراً / بدَهْري وأهلِيه وحاشاك مُغْتَرّا
أُطيلُ الأماني ضَلّةً وأعُدُّها / لجَهْلي غنىً والعُمْرُ قد وَدَّع الشّطرا
فحَولاءُ عَوراءُ يَظَلُّ حِسابُها / لوِتْرِ الورَى شَفْعاً وشَفْعِهمُ وِترا
ولي مِقْولٌ قد كان عَصْرُ شبيبتي / حُساماً وحُسْنُ القولِ في مَتْنِه أُثرا
ومُذْ شابَ شَعْرِي شاب شِعْري وخانَني / لرَيْبِ زمانٍ شاغلٍ مِنّيَ الفِكْرا
فمَن لي بمُلْكي من فراغٍ ومن غنىً / خِضابَيْنِ حتّى أصبُغَ الشَّعْرَ والشِّعرا
إلى شرَفِ الدّينِ الهُمامِ سرَتْ بنا / ركائبُ لم يُحمَدْ لها قَبْلَهُ مَسرى
لقد ضَلَّ مَن يَبْغي الغِنى عند غَيْرِه / وغُمْرُ الورىَ مَن رامَ مِن غُمَرٍ غَمرا
فعَطْفاً أدام اللهُ ظِلَّك وارِفاً / علينا فَنصْرُ الحُرِّ أنت به أَحرى
لاْغلَيتَ قِدْماً سِعْرَ شِعْرٍ أقولُه / وللشِّعرِ لا يُغْلي سوى الكَرَمِ السِّعرا
وإنّي لأرجو في زمانِك مِن عُلاً / إذا قلتُ شِعراً أن أرَى تحتيَ الشِّعْرى
فدونكَها في الأُذْنِ شَيئاً وضِدَّهُ / فَمِنْ سامعٍ قُرْطاً ومن حاسدٍ وَقْرا
مفوَّضةً تُهدي إلى البَعْلِ نَفْسَها / ولا تَبتغي إلاّ كفاءتَه مَهرا
لِقاؤكَ هذا وهْو أكبَرُ نِعمة / على الدّينِ والدُّنيا منَ الله لو يُدْرى
نذَرْتُ استلامَ الرُّكْنِ للبيت عندها / فألثَمني اليُمنَى لكَي أُوفيَ النَذْرا
رَضِيتُ بأَكدارِ المعيشةِ حِقْبةً / وقد يَشرَبُ الصّادي وَيغتَنمُ المُرّا
فأمّا وقد عايَنْتُ وجْهَكُ مُقبِلاً / فقد آن ألاّ أشربَ النُّطْفةَ الكَدْرا
لكلِّ امرئٍ يومٌ يُؤمِّلُ سَعْدَهُ / ويَوميَ هذا اليومُ فاشدُدْ لِيَ الأَزرا
لقد كان عن مَدْحِ الملوكِ وذِكْرِهمْ / نَوى أن يَصومَ الدّهرَ فِكْرِيَ لا الشّهْرا
ولكنّ إهْلالي بوَجْهِك آنِفاً / على صائم الآمالِ قد أوجَبَ الفِطرا
قَدِمْتَ مَع الأضحَى فأضحى مَجيئُه / وَراءك عن ثَغْرِ المَيامِنِ مُفْتَرّا
تَطالعْتُما سَعْداً ولكنْ سبَقْتَه / فأَسعَدْتَه وانساقَ يتلولكَ الإثرا
وقالوا نَرى النّحْرَ المُبشِّرَ حيث لم / يُحَلِّ بطَوْقٍ من هلالٍ له النّحرا
فَعوَّضَ من أعلامِه بأهلّةٍ / طلَعْنَ عليه يومَ مَوكبِه تَتْرى
فقلتُ بلِ المولَى ابنُ خالدٍ الّذي / بأسنَى العَطايا منه زائرُهُ يُقرى
لنا كُلَّ يومٍ منه عِيدٌ تكاملَتْ / مَواسِمُه مما قلَّب الأنمُلَ العَشرا
كفَى وجْهُه والكَفُّ والعُمْرُ والعِدا / هلالَ الورَى والعَشْرَ والعِيدَ والنَّحرا
فدَتْكَ وجوهٌ من مَوالٍ ومن عِداً / جُموعٌ كخَلْطِ النّاثرِ البِيضَ والصُّفْرا
وكلُّ حسودٍ فُوهُ خالٍ لبَغْيِه / من الشُّكْرِ لكنْ عينُه من دَمٍ شَكْرى
فلم يُبْقِ قُطْراً جودُ كفِّك لم يُفِضْ / على ساكنِيه من سَحاب النّدى قَطرا
قَريْتَ ضيوفَ الهَمِّ رأْياً كأنّما / شقَقْتَ به في جُنْحِ داجيةٍ فَجرا
وخِطّةِ إقليمٍ بعَثْتَ لعُسْرِها / بخَطّةٍ أقلامٍ فَبدَّلْتَهُ يُسرا
وبالخِنْصِرِ اليُمنَى تُعَدُّ فإن تكُنْ / غداةَ وغىً عَدّوكَ بالخِنْصِرِ اليُسرى
وإن هُمْ أعادوا نظْرةً عَلِموا بها / لجَمِعِ المَعاني أنّ فيك الورَى طُرّا
فلا بَرِحَتْ أيّامُ دَهْرِكَ كلُّها / بآثارِك الحُسنَى مُحجَّلةً غُرّا
كما قد غَدوْتَ النّاسَ طُرّاً منَ العُلا / كذا غدتِ الأعمارُ طرّاً لك العُمرا
أمَولايَ الأجلُّ نِداءَ عَبْدٍ
أمَولايَ الأجلُّ نِداءَ عَبْدٍ / بصَفْحِكَ من عتابِك مُستَجيرِ
أجِرْني من زمانٍ قد سَخا لي / بُقربِك ثمّ نافسَ في الحُضور
إلى يُمناكَ أشكو فَيْضَ سُحْبٍ / كما تَشكو الجنودُ إلى الأمير
عَدانِي القَطْرُ عن غَيْثٍ بغَيْثٍ / وعَوّقَني مَطيرٌ عنَ مَطير
وأظمأني إليك وهل سَمعْتُمْ / بغَيْثٍ مُلِهبٍ غُلَلَ الصُّدور
على أنّي لواحدةٍ أتاها / غَفْرتُ جرائمَ المُزْنَ الدَّرور
فمُذ طَرق البشيرُ بما أعَدُّوا / منَ التّشَريفِ للمولَى الوزير
يُديمُ نِثارَه ويقولُ هذا / أقَلُّ قضاءِ حَقٍ للبَشير
وبالورِقِ النثيرِ يُغَصُّ جَوّاً / غداً سيُغَصُّ بالذَّهَب النّثير
فيَحكِي ما سيَحكيهِ ازْدِحاماً / إذا أخذَ المواكبُ في المَسير
فيا عَضُدَ المكارمِ والمعالي / ويا سنَدَ السّرايا والسّرير
يذوبُ الحاسدون جوًى إذا ما / طلعتَ بغُرّةِ البدر المُنير
فتَشتعلُ القلوبُ لهم بنارٍ / وتكتحلُ العيون لهم بِنُور
ولو يَدرون من عُلْياك ماذا / يُسِرُّ لهم زمانُك في الضَّمير
إذَنْ يا صاحِ لاعْتَمدَ الأعادي / على حَدِّ الأسنّةِ بالنُّحور
وما نظَرتْ لِنُوشروانَ يوماً / من الزَّمَنِ العيونُ إلى نَظير
فقُلْ لِحَسودِه في المُلْكِ صَبْراً / وبعضُ الصَبرْ أقْتَلُ للصَبور
تُباريهِ وهل في عَيْنِ شمس / بَقاءٌ للشَّرارِ المُستَطير
له خُلِقَ المُسانِدُ غيرَ شَكٍّ / فقد رجَع المُعارُ إلى المُعير
قضَى الأحزانُ عُقْبتَها وهذا / أوانُ السُّكْرِ من نُخَبِ السُّرور
كذلك ما انقضَى ليلٌ طويلٌ / فأعقَبنا سوى يومٍ قَصير
أبا شَرفاً لدينِ اللّهِ أضحَى / له رِدْأً على صَرْفِ الدُّهور
عِراصُك جَنّةٌ وبها نُزولي / ففيمَ أنا مُقاسي الزَّمْهَرير
وأضيافُ الشتاء بحيثُ رَفْعٌ / لنيران ونَصْبٌ للقُدور
وغيرُ قِرايَ كأسٌ من عُقارٍ / ولكنْ أين كوسٌ من عَقير
فدُمْ يا أكملَ الوزراء طُرّاً / سِدادا في الأوامرِ والأمور
لِيبقَى مُلكُهم فَلَكاً مُداراً / ورأْيُك فيه كالقُطْب المُدير
كتابُ عبدٍ إلى مَولاهُ يَعتَذِرُ
كتابُ عبدٍ إلى مَولاهُ يَعتَذِرُ / ذي خَجلةٍ قَلْبُه مِمّا جنَى حَذِرُ
فإنْ غدا وله في قَلْبِه أثَرٌ / لم يَبْقَ للعَبْدِ لا عَيْنٌ ولا أثَر
وإنْ غدا قابِلاً أعذارَهُ كرماً / فلا يَزالُ على الأكفاء يَفْتَخِر
هل غافِرٌ أنت تَقْصيراً عثَرْتُ به / يا مَنْ بلُقياهُ ذَنْبُ الدّهرِ يُغتَفَر
ومَن بقُربيَ منه غُربتي وَطَنٌ / ومَن مُقاميَ عنه نائياً سَفَر
حَرمْتُ نَفْسيَ أعْلَى مَفْخَرٍ فغَدا / من الغبينةِ قلبي وهْو يَنْفَطِر
لكنْ تُعِلّلُ منّي النَفْسَ مَعرفتي / بأنّ عهدَ ولائي الدّهرَ مُدَّكَر
وأنّني من ذُرا المَولَى صفاءَ هَوىً / أُدْنَى وإن غبْتُ من قومٍ وإنْ حَضَروا
يا مَن غدا شاغِلي عن فَضْلِ خدمتِه / بفَضْلِ نعمتِه والصّدْقُ يَشْتَهِر
أكثرتَ رِفْدِي فأكثَرتُ التّفكُّرَ في / إحرازِه وأخو التّحصيلِ يَفتكِر
وقيل إن لم تُبادِرْ قَلَّ حاصِلُه / وفُرصةُ الشَّيءِ تُرجَى حينَ تُبتَدَر
فمِن حَيائي ومن شَوقي إليك أرَى / نارَيْنِ كلتاهما في القَلْبِ تَستَعِر
فلا تَظُنَّنَّ أنّي عنك مُصطَبِرٌ / وإن رحَلْتَ فمالي عنك مُصطَبَر
إن أصبحَتْ قُبلةُ التّوديعِ فائِتَتي / فَسَلْوتي أنّها للعَودِ تُدَّخَر
كأنّني بي وقد أعجلْتُ مُنصَرَفي / إلى ذُراكَ ولُطْفُ اللهِ مُنتظَر
وصدَّق اللهُ فأْلي في تَوجُّهِكُمْ / وصدْقُ فأليَ للأصحاب مُخَتَبر
وعُدْتَ أحسنَ عَوْدٍ عادَه أحَدٌ / من وِجهةٍ عَرضَتْ فاستبشَر البَشَر
وأقبلتْ رايةُ السّلطانِ طالعةً / والنَّصرُ في ظِلِّها يَختالُ والظّفَر
وزُرتُه قَلميَّ المشْي من طَرَبٍ / لمّا أتاني بهِ عن سَيْفِه الخَبَر
وصغْتُ تَهنئةً بالفتحِ تَحسُدُها / من حُسْنِها في السماء الأنجمُ الزُّهُر
ونِلْتُ منه نَوالاً لا يُشاكِلُه / إلاّ قِطارُ الغَوادي وهْي تَنْهَمِر
ولن يَفوتَ غِنىً أنت الضّمينُ له / وإنْ تَصدَّتْ ليالٍ دُونه أُخَر
يا مُغْنِياً لي بآلاءٍ يُواصِلُها / إنّي إليك وإن أغنَيْتَ مُفتَقِر
لي منك مَضْمونُ إدرارٍ إلى صِلَةٍ / كُلٌّ له حين يُسْمَى عندهُمْ خَطَر
فلو جَرى قَلَمُ المَولَى بتَوصيةٍ / في بعضِ كتْبٍ إلى النُّوّابِ يُستَطَر
كانتْ كعادةِ طَوْلٍ منه عَوَّدها / وعادةُ الطَّولِ طُولَ الدَّهر تُدَّكر
وَرْدُ الملوكِ كثيرُ الشّوكِ إن غفَلُوا / عن مُجتَنيهِ فأدْنى نَيْلِه عَسِر
وهْو الهنيءُ قِطافاً إن غدا كرماً / لهم إلى المُجتَني من بُعْده النّظَر
يا واهبَ الألْفِ جُوداً وهو يَحقِرُها / والرفُدُ أعظَمُ قَدراً حين يُحتقَر
بَقيِتَ للمُلكِ ألفاً في ظلالِ عُلاً / ودولة لك لا تنتابُها الغِيَر
ألفاً إذا الدّهرُ أحصاها استقَلَّ كما / تَغْدو لنا واهباً ألفاً وتعتَذِر
وبعدَ ألْفٍ أُلوفاً يَرتدِفْنَ كما / من جُودِ كفِّك تَتلو البِدرةَ البِدَر
مُمتَّعاً ببَنيكَ الغُرِّ أوجهُهم / مثْلَ الكواكب يبدو وَسْطَها القَمَر
في ظلِّ مَن هو ظِلُّ اللهِ من شرفٍ / في أرضِه فهْو ظِلٌّ ليس ينحَسِر
مَلْكِ الملوكِ العظيمِ المُلك حين غدا / منك الوزيرُ له في الدّهْرِ والوَزَر
تَبقَى ويَبقَونَ في نَعماءَ عاكفةٍ / وعيشةٍ ما لكم من وِرْدِها صَدَر
ومُشْبِهاً عيشَكم في الدّهرِ مُلكُكمُ / فلسَ يَعرضُ في صَفْويْهما كَدَر
بكم حَوى الفخْرَ دَهْرٌ ضمَّ شملَكمُ / ما قيمةُ السِّلْكِ إن لم تُغْلِهِ الدُّرَر
سَرى كما يَسري القَمَرْ
سَرى كما يَسري القَمَرْ / والليّلُ مُسوَدُّ الطُّرَرْ
زَوْرٌ سرَى على خَفَر / طوَى الفلا وما شعَر
بدْرٌ دُجاهُ مِن شَعَر / عَجِبتُ والليّلُ اعتكَر
مَعْ نورهِ كيف استَتر / أَوجُهُه حينَ سفَر
بسِحْرِ طَرْفٍ ذي حَوَر / لأعينِ النّاسِ سَحَر
فجاء كالبَدْرِ ومَر / ولم يَرَوا منه أثَر
أما أنا لمّا حضَر / كأنّه إحدَى الصُّور
خَبأْتُه من الحَذَر / في ناظري عنِ البَشَر
يا زائراً لم يُستَزَر / أحلَلْتُهُ منّي البَصَر
فَعَوَّضَ العينَ السّهَر / لمّا رأَى أُنْسي نَفَر
ولم يَصِلْ حتّى هَجَر / وزوَّد الصّبَّ الذِّكَر
فقُمتُ والدّمعُ درَر / أَكُفُّ منه ما بَدَر
وأكتُمُ الصَّحبَ الخَبَر / ونحن أبناءُ سَفَر
من وطَنٍ إلى وَطَر / إلى بَعيرٍ قد ضَمُر
رَعى بأعْلى ذي نَفر / بينَ رياضٍ وزَهَر
كأنّها نَشْرُ الحِبَر / يأخُذُ نَبْتاً ويَذَر
في أُنُفٍ منَ الخُضَر / ونُطَفٍ فيها خَصَر
حتّى أتَى مِلْءَ الضُّفُر / يُلاعِبُ الظِّلَّ أَشر
فمَرّ كالسَّيلِ انحدَر / يَقسِمُ عينَيْه حَذَر
بينَ الطّريقِ المُبتَدَر / ووَقْعِ مَفْتولِ المرَر
بعِطْفِه عنه زَوَر / حتّى إذا الحادي نَعَر
طوَى بلاداً ونَشَر / إلى ذُرا مَلْكٍ أَغَر
إليه للخَلْقِ المَفَر / تَجْري يَداهُ بالبِدَر
جَرْيَ القضاء والقَدَر / وزيرُ صِدْقٍ مُذ وَزَر
أصبحَ للمُلْكِ وَزَر / نَهَى مُطاعاً وأَمَر
وساء مَن شاء وسَر / ونَفع النّاسَ وضَر
ذو سيرةٍ من السِّيَر / تُتلَى كما تُتلى السُّورَ
إن وتَر الدّهرُ ثأر / أو نُسِيَ العَهدُ ذَكَر
أو عَظُمَ الذَّنْبُ غَفَر / أو جَمَد النّوْءُ مَطَر
أو خفَّتِ الخَيلُ وقَر / مهما رأى الشّرَّ فَغَر
قام كريماً وصَبَر / وقال أمْرٌ قد قُدِر
وأرسَلَ الخَيلَ زُمَر / عَوابِساً معَ الغُرَر
نوافِضاً فيها العُذَر / تَصلَى إذا النّبْعُ انْأطَر
ناراً لها النَّبْلُ شَرَر / حتّى ثنَى البِيضَ كِسَر
وقَصَّرَ الضَّرْبُ قَصَر / بخَطْفِها المُلْكُ اسَتقَر
ورُبَّ نَفْعٍ في ضَرَر / يا مالكاً قدِ اقتَدَر
إليك منك الدَّهرُ فَرّ / فكُنْ مُقيلاً إن عَثَر
دهْرٌ جنَى ثُمَّ اعتَذَر / مُحَكَّماً فيما شَجَر
وماكِراً بمَنْ مكَر / لم يَبْقَ والبَغيُ غَرَر
باغٍ على البَغْيِ أصَر / أعلَن ذاكَ أو أسَر
إلاّ له اللهُ كَسَر / ولم يُغادِرْ مَن غَدَر
وفي الزّمانِ مُعتَبَر / إن كان فينا مُصطَبَر
فاصنَعْ صنيعَ مَن شكَر / مَن كفَر النُّعمَى كفَر
حاشا بَقاكَ المُختَبَر / يا بدْرَ مُلْكٍ لا استَسَر
ونجمَ عَدْلٍ لا انكَدَر / محا منَ الجَوْرِ الأَثَر
تَصحيفُها مِمّا استَمر / وكان فيها مُفتَخَر
على المَمالِكِ الأُخَر / فَصفّها منَ الكَدَر
وعُمَّ هاتيكَ الكُوَر / عَدْلاً إذا عَمَّ عَمَر
كم قائلٍ وما افتَكر / رَبُّ العبادِ ما فَطَر
في طَبْعِ نَوشَروانَ شَر / ولو مِنَ اسْمِهِ قَدَر
الشِّينَ والرّاءَ ستَر / عنِ الورَى إذا سطَر
قلتُ بِذا لا يُغْتَرَر / فهْو بعيد المُسْتَمَر
مُحْلٍ إذا شاءَ أَمَر / كالطّودِ ما لم يُستَثَر
واللّيثِ ما شاء خَدَر / غامدَ نابٍ وظُفُر
ثمّ إذا عادَى جَهَر / ولا يماشِيكَ الخَمَر
فلا قَرارٌ إن زَأَر / ولا بقاءٌ إن هَصَر
يا مُخجِلَ العَضْبِ الذَّكَر / من صَدْرِه رَأيٌ صَدَر
أطمعْتَ في الدَّهْرِ الظَّفَر / فلا تَعلّلْ بالعِذَر
ولا تَبِتْ على وَغَر / فلو وخَزْتَ بالإبَر
صارتْ رماحاً في الثُّغَر / يا حادِيَ العِيسِ أَثِر
أَسْرِ على السّعْدِ وسِر / إن مَسّك الدَّهْرُ بِضُر
فكَعبةَ الآمالِ زُر / فهْو مَطافُ كلِّ حُر
فاحجُجْ ذُراهُ واعتَمِر / بشَرفِ الدّينِ استَجِر
من حادثِ الدَّهْرِ يُجِر / مَولىً على النَّجمِ أَبَر
بفَضْلِه كلٌّ أَقَر / من آلِ كسْرَى في نَفَر
مثْلَ النّبِيِّ في مُضَر / نَمَوْهُ من أَزْكَى شَجَر
فطابَ فَرْعاً وطَهُر / آثارُه لِمَنْ أَثَر
كأنّها المِسْكُ ذَفَر / فَداهُ إنْ دَهْرٌ كَشَر
عن نابِ خَطْبٍ قد فَطَر / نِكْسٌ له القَلْبُ انفَطَر
مِن نُورِه الّذي بَهَر / وهل يُباري إنْ فَخَر
شمسَ الضُّحَى نجْمُ السّحر / سيفُ أَبي نَصْرٍ نَصَر
دينَ الهدى حتّى انتصَر / وللعدا طُرّاً قَهَر
سيفٌ له اللهُ شَهَر / دَمُ العدا به هَدَر
فاسلَمْ لنا من الغِير / في ظِلِّ عيشٍ لا انْحَسر
بَعيدِ وِردٍ مِنْ صَدَر / مَصونِ صَفْوٍ من كَدَر
يا مَن به العَدْلُ انتشَر / ومَن له الفَضْلُ اشْتَهَر
مادِحُه إذا نظَر / يُفرغُ في غَمْرٍ غُمَر
وعندَه الحظُّ وفَر / من كلِّ عِلمٍ يُستَطَر
نادى إليه وحشَر / آدِبُ فَضْلٍ ما انتقَر
عش ما بدا بَدْرٌ زهَر / وما به الليّلُ اعتَجَر
من غَيْثِ جُودٍ انهمَر / ولَيثِ بأسٍ استَعر
مُعطِي عطاءٍ قد غَمَر / أَصبح أَدناهُ البِدَر
مُبِرُّ رِفْدِ مَن شَعَر / وغاص فيه بالفِكَر
ثُمَّ سخا وما اقتَصَر / في كُلِّ بَدْوٍ وحَضَر
فكان كالبَحْرِ زَخَر / فَعَمَّ كُلاً بالمَطَر
وخَصَّ قوماً بالدُّرَر / ياجُودُ قَولاً مُعتَبَر
حقيقةً لم تُسَتعر / مِثْلُك ما كان ظَهَر
الجودُ في شَخْصِ بَشَر / يَمْلأُ عَيْنَيْ مَن نَظَر
واللّهُ مُبِدعُ الفِطَر / يا مُغْنِياً مَنِ افتقَر
وجابِراً مَنِ انكَسَر / عَصْرُك نِعمَ المُعْتَصَر
لَديك آمالي أُخَر / ولي معاشٌ مُحتَقَر
لو كان دَمْعاً ما قَطَر / فَضُمَّ من أَمري النّشَر
وازْجُرْ زماناً بي أَضَر / فلو زجرتَ لا نْزجَر
هل بعدَ هذا منتظَر / أم آن أن يُجنَى ثَمَر
من غَرْسِ وُدٍّ مُدَّخَر / هذا المَسيرُ يُبتَدَر
فهل لنا من مُدَّكَر / كُلٌّ بأُهْبَةِ السَّفَر
أضحَى كَفُوقٍ في وَتَر / وليس لي من مُقْتَدَر
لمَرْجِعٍ ولا مَمَر / فخاطِري على خَطَر
من خَوفِ ما فيه خَطَر / بالحِجْرِ منّي والحَجَر
يَمينُ بِرٍّ ما فَجَر / لو مُلِّكَتْ نَفْسي الخِيَر
كان ذُراكَ لي مَقَر / وكان للعَينِ أَقَر
فكن أحَقَّ مَن عَذَر / عبداً لعَهْدٍ ما خَفَر
سوى هواكَ ما ذَخَر / وغيرَ عَوْدٍ ما نَذَر
فمُرْ بأمْرٍ يُؤتَمَر / أَعِدْ إلى أَمْرِي نَظَر
وهاكَ من قَولي فِقَر / كأنّها الدُّرُّ انتثَر
من كُلِّ معنىً مُبتكَر / في كلِّ بَيتٍ مُختَصَر
كأنّه على القَدَر / يومُ السُّرورِ في العُمُر
حُسْناً وطِيباً وقِصَر / كعُمْرِ سِيدِ من مُضَر
ذكَر المعسكَر صاحبي ذِكْرا
ذكَر المعسكَر صاحبي ذِكْرا / فأثارَ لي تَذكارُه فِكْرا
وحَنَنْتُ حَنّةَ واجدٍ طَرِبٍ / وذكرتُ صُحبةَ أهلِه دَهرا
فجَعلْتُ حتّى زُرْتُهُ عَجِلاَ / نِضْوِي وِشاحاً والفلا خَصرا
ولسيّدِ الوزراء قاطبةً / لمّا سَمِعْتُ على النّوى بُشرى
أقسمتُ لا قَصرَ الزّمامَ يَدِي / حتّى نَرى هَمذانَ والقَصرا
لمّا نظرتُ إليه من بُعُدٍ / كَبَّرتُ من طَربٍ له عَشرا
ونزلتُ من أقصى مدَى نَظَرِي / ليدِ المطيّةِ لاثِماً شُكرا
حَرَمٌ من الدّنيا إليه غَدَتْ / تُجْبَى محاسنُ أهلها طُرّا
بَحرٌ يموجُ إذا رآه فتىً / أقسمتُ لم يَر قبلَه بَحرا
فِرَقٌ تعودُ وتَبتدِي فِرَقٌ / كالبحرِ يُبدِي المَدَّ والجزَرا
وحكَى القِبابُ به الحَبابَ ضُحىً / يَلمعْنَ من صُغْرَى ومِن كُبرى
تَحكي رياضَ الأقحوانِ بدَتْ / ومن الشّقائقِ وُسِّطَتْ شَذرا
والقصرُ من إعظامِ ساكتِه / الطّرفُ يَقصُرُ دونه قَصرا
بُرْجٌ لشمسِ الأرضِ مُكتنَفٌ / بالأُسْدِ تَزأرُ حَولَهُ زأرا
ولذاكَ سَمَّتْ بُرجَها أَسَداً / شمسُ السّماء وحَسْبُها فَخرا
لمّا وصَلْنا سالمِينَ قضَى / كُلٌّ غداةَ وُصولِه نَذرا
وانبَثَّ يُشيعُ عينَه نظَراً / منه ويَخبُرُ أمْرَهُ خُبرا
فتَرى الورى أُمَماً كأنّهمُ / حُشِروا ليومِ حِسابِهم حَشرا
وحكَتْ خيامُ الجُنْدِ نازلةً / صدَفاً تَضُمّ بُطونُها دُرّا
وتُجيلُ طَرْفَكَ لا ترَى خَلَلاً / مِمّا يَسُدُّ القَطْرَ والقُطرا
حيث التَفتَّ ملأتَ من فَرَقٍ / عَيْناً ومن فَرَحٍ بهمْ صَدرا
ورأيتَ أنديةً وأفنيةً / فيها الصّهيلُ يُجاوِبُ الهَدرا
وتَرى على الأبوابِ مُقْربَةً / مَطْوِيّةً أقرابُها ضُمرا
مشمولةً أمْناً ومن كرمٍ / قد حَدَّدتْ آذانَها حِذرا
ومراكزَ الأرماحِ قد نشَرتْ / كَفّ الصَّبا عذَباتِها الحُمرا
وعلى جيادِ الخيلِ أغلمةٌ / غُرّ تُصَرَفُ تحتها غُرّا
من ضاربٍ كُرَةً ينُزِّقُها / في مَلْعبٍ أو رائضٍ مُهرا
أو مُردِفٍ فَهْداً ليُقنصَه / أُدْمَ الفلا أو مُمْسِكٍ صَقرا
وخلالَ أطنابِ الخيامِ تَرَى / رَشْقَ الرُّماةِ سِهامَها تَتْرى
نثَروا لأيديهمْ وأعينِهم / ما في الكنائنِ كُلِّها نَثْرا
مَجعولةً أصداغُها حَلَقاً / منها على آذانِها كِبرا
يَرمون قِرطاساً وأفئدةً / فسَوادُها ببياضِه يُغْرى
والسّوقُ تُبصِرُ من عجائبِها / في كلِّ مَرْمَى نَظرةٍ مِصرا
بلَدٌ يسيرُ وما رأى أحَدٌ / بلداً يُسارُ بهِ ولا يُسرى
حتّى إذا بِتْنا على أَمَلٍ / نَعِدُ النّفوسَ بكُلِّ ما سَرّا
ودجَا الظّلامُ فكاثَروا عَدَداً / بشَبا الرّماحِ نُجومَه الزُّهرا
وتَغنّتِ الحُرّاسُ واصطفقَتْ / عِيدانُها وتجاوبَتْ نَقرا
تَحْدو وراء الليّلِ قارعةً / لطُبولِها أو تُبصِرَ الفَجرا
والغُضْفُ مَن لَقِيَتْ تُمزَقُه / وتَعُلُّ منه النّابَ والظُّفرا
فلَوَ انّ طيفاً رام من طُنُبٍ / لهمُ دُنُوّاً لم يَجِدْ مَسرى
حتّى إذا ما الصّبحُ لاحَ وقد / نُشرَتْ لنا راياتُه نَشرا
وسَمعتَ صيحاتِ الأذانِ من ال / جنَباتِ تَنْعَرُ بالدُّجَى نَعرا
وتَخالُ أصواتَ الطّبولِ إذا / أصغَيتَ إنْ ظُهراً وإنْ عَصرا
رَعْداً يُقطَّعُ بالعَروضِ فما / تَلقَى له زَحْفاً ولا كَسرا
فنفَوا بقايا غُمضِهمْ وقَضَوا / فَرْضَ الصّلاةِ وأخلَصوا السِّرّا
وتَقاطَر الغِلمانُ راكضةً / للخيلِ تابعةً له الإثرا
المُحكِمين عقودَ أقبيةٍ / فيها يُرونَكَ أَوجُها زُهرا
كالدُّرِّ زِيدَ كمالُ بَهجتِهِ / في العَينِ أنْ قد كُلِّلَ التِّبرا
وكأنّما أضحَتْ قَلانِسُهم / من عَكْسِ ضوء خُدودِهم حُمرا
حتّى إذا أخذوا صوالجَهمْ / جَهَدوا سوابقَ خَيلهِم حُضرا
وتَنازعوا الآدابَ وامتحَنوا النْ / نُشّابَ والخَطِّيّةَ السُّمرا
فثنَى الأعِنّةَ راجعاً بهمُ / مَولَى الورَى واليومُ قد حَرّا
والسِّترةُ السوداءُ قد رُفعَتْ / في الجَوِّ فوق الغُرّةِ الزَّهرا
فسَلُوا المَظَلّةَ إنّها دُفِعَتْ / عن أيّةِ الشّمْسَيْنِ للأُخرى
حجَبَتْ تَزايُدَ نُورِ غُرَّتهِ / من رأْفةٍ عن عينِها الحَرّى
حتّى إذا ما لاحَ من بُعُدٍ / جهَرَ الورى بدُعائهمْ جَهرا
والصّدْرُ في الدّيوانِ مُستَنِدٌ / منه الأوامرُ تَشرَحُ الصَّدرا
صَدْرٌ رداءٌ تُقاهُ يَستُرُه / عن سهمِ عينِ زمانهِ سَترا
مُستودَعٌ لُبّاً لعِزّتِه / تَخِذَ الحديدَ لصَوْنِه قِشرا
والمُلْكُ مُلْكُ الأرضِ أجمعِها / كالطّوقِ منه أُلزِمَ النَّحرا
والدِّينُ قَلْبٌ في جوانحِه / مهما اتّقَى من مارقٍ شرّا
وعلومُ ما يأْتي الزّمانُ به / مكنونةٌ في طَيِّه سِرّا
كم فيه صُحْفِ ندىً ولست تَرى / للبُخلِ في أثنائها سَطرا
هذا الكمالُ على الحقيقةِ لا / ما كان يُذْكَرُ قبْلَه ذِكرا
إنّي لأذكُرُ معشراً عُهِدوا / ولربّما تَتجدَّدُ الذّكرى
أبناءَ دَهرٍ لا لَقِيتَ له / يا صاحِ بعدَ وفائهِ غَدرا
ما تَنقضِي في أمرِه فِكَرِي / بلْ لا يُساوي أمرُه الفِكرا
عَهْدِي بهم تُضحِي دُموعُهمُ / غُزْراً إذا وهَبوا لنا نَزرا
كم رجعةٍ عنهم رجَعْتُ أنا / مُتَحّسِراً وركائبي حَسْرى
أمّلْتُ منهم أن أنالَ غِنىً / والحُولُ تَحسَبُ شَفْعَها الوِترا
كُلُّ الصّدورِ سواك كنتُ أَرى / صدْراً غدا من قلبِهِ قَفرا
كُلٌّ غدا غُمْراً وصاحبُه / قد ظَل منه طالباً غَمرا
فاليومَ صرتُ إلى ذُرا مَلِكٍ / ضَيفُ الرّجاءِ بجُودهِ يُقرى
ودَعَوا لسلطانِ الأنامِ بأنْ / أَعزِزْ له يا ناصِرُ النّصرا
وغدَوا إلى الدّركاةِ وازدحَموا / فهُناك تَلقَى البَدْوَ والحَضرا
وأكابرُ الأُمَراء تُبصِرُهمْ / مُتحاشدِينَ فتُكْبِرُ الأَمرا
والبِيضُ مُصلتَةٌ تَحُفُّ بهم / وتَذودُ من يُمنَى ومن يُسرى
فَنٌّ أَجَدَّ الدّهرُ سُنّتَه / ويَحارُ مَن يتأَمّلُ الدّهرا
وبنو الرّجاء بكلِّ مُلتفَتٍ / منهم تُشاهِدُ عسكراً مَجرا
وذوو العمائمِ في مناصِبهم / والتُّركُ تَرمُقُ نَحوهَم خُزرا
مِيلاً قلانسُهم كأنّهمُ / قِطَعُ الرياضِ تَكلّلتْ زَهرا
وتَرى سِماطَيْهم وقد وقَفُوا / كالسّطْرِ حاذَى نَظْمُه السّطرا
والملْكُ مثْلُ الشّمسِ كاسِرةً / أبصارَنا من دُونِها كَسرا
ومِنَ الجيوشِ المُحدِقينَ به / لُجَجاً تَرى من حَوْلِه خُضرا
من عُظْمِ ما يَلْقَى تَضايُقُها / ما تَستبِينُ من الثّرَى شِبرا
وتَرى مُلوكَ الأرضِ خافتةً / وقَفوا أمامَ سريرِه صُغرا
والقولُ هَمْسٌ لا حَسيسَ له / والعينُ تَسرِقُ لَحْظَها سِرّا
والرُّسْلُ بعدَ الرُّسْلِ واردةٌ / كالقَطْرِ أصبحَ يَتبَعُ القَطرا
وذوو الوجوهِ البيضِ مَن جَعلوا / يومَ السّلامِ جِباهَهم غُبرا
وتَصايُحُ المُتظَلِّمينَ حكَى / لَغَطَ القطا أوسعْتَها زَجرا
رفَعُوا على قَصباتِهم قصَصاً / ويناشدون اللّهَ أن تُقْرا
يَدنونَ والجاؤوشُ مُعتَرِضٌ / حَرِدٌ يَجُرُّ سِياطَه جَرّا
وكأنّه حَنِقٌ بلا حَنَقٍ / يُغْشِي السّياطَ البَطْنَ والظَّهرا
والخيلُ جائيةٌ وذاهِبةٌ / هذى تُقادُ وهذِه تُجْرى
تحت الأُغَيلمةِ الصّغار منَ التْ / تَأْديبِ لا تَعْصِي لها أمرا
والفيلُ في ذَيلِ السّماطِ له / زَجَلٌ يُهالُ له الفتَى ذُعرا
في مَوقفِ الحُجّاب يُؤْمَرُ أو / يُنْهَي فَيُمضِي النّهْيَ والأَمرا
أُذْنانِ كالتُّرسَيْنِ تحتهما / نابانِ كالرُّمحَينِ إن كَرّا
يَعلو له فَيّالُه قَصَراً / فيظَلُّ مثْلَ مَنِ اعتلَى قَصرا
وكأنّما خُرطومُه مثَلاً / راووقُ خُرطومٍ إذا افتَرّا
وتَرنُّمُ البُوقاتِ إن رَكبَ السْ / سُلطانُ تَحسَبُها بهِ نَذرا
مَولىً فرَرْتُ إليه من زَمني / وأخو الفَخارِ إليه مَن فَرّا
فلأَصفحَنّ عنِ الّذين قَضَوْا / عُرْفاً أتَى الأقوامُ أم نُكْرا
ما لي أذمُّ ليالياً سلَفتْ / إن عَقّ ماضيها وإن بَرّا
عهْدٌ قديمٌ إن حَلا فخَلا / أو إنْ أمَرَّ لنا فقد مَرّا
شُكْرِي لهذا العَصْرِ يَشغَلُني / عن أن أعاتبَ ذلك العَصرا
بالصّاحبِ العَدْلِ احتمَى زَمنِي / فلأغفِرنَّ ذنوبَه غَفرا
مولىً إلينا الدّهرُ مُعتَذِرٌ / ببقائه وكفَى به عُذرا
جاورْتُه فبلَغْتُ كُلَّ مُنىً / ولذاك قالوا جاوِرِ البَحرا
وأتَتْه آمالِي مُحلأةً / فشفَى النّدَى أكبادَها الحَرّى
أوردْتُها عَشْراً كَرُمْنَ له / من بعدِ ما أظمأتُها عشرا
فلأشكُرَنّ جزيلَ أنعُمِه / ويفوقُ كُفْرُ النِّعمةِ الكُفرا
يا أيّها المولَى المُعيدُ إلى / وَجْهِ الزّمانِ بِعَدْلِه بشرا
مَفتوقةٌ أجفانُ حاسِده / ما إن يَخيطُ بهُدْبِها شُفْرا
وكأنّما أقلامُه طَفِقَتْ / للغَيْظِ من أضلاعِهِمْ تُبْرى
مَن ذا يُؤمِّلُ أن يُرَى نفَساً / قُدّامَ حَربِكَ مالِكاً صَبرا
ولَوَ انّ كِسرَى عاش كان يُرَى / من خَوفِ بأسِكَ لازماً كِسرا
يا مَن ذخَرْتُ ولاءه زَمناً / من أجلِ يومٍ يَحمَدُ الذُّخرا
أَوْلَيتَ فَضْلي نظرةً سَلَفَتْ / فامْنُنْ إليه بنَظرةٍ أُخرى
وملَكْتَ من دُنْيايَ أَجمعِها / فالْمَحْ بِفكْرِكَ أَمْريَ الإمرا
عَيْناً بلا نَومٍ مُغمّضَةً / وأنامِلاً مَضْمومةً صِفرا
نظَر الحسودُ إلى ظواهرِها / وأنا بباطِنِ أَمرِها أَدْرى
فإلى متى يقتادُني طَمعِي / عْبداً له وأَظُنُّني حُرّا
والشَّيبُ فاتحُ عَيْنِه عجَباً / يرنو إليّ بطَرْفِه شَزرا
فكُنِ المُفرِّغَ خاطرِي كَرماً / فالحُرُّ أَنتَ بنَصْرِه أَحرى
يا مَن جَعلْتُك مَقْصِدِي فغدا / سَهْلاً إليكَ رُكوبِيَ الوَعرا
وأَرى الغِنى طَوْعِي إذا جَعلَتْ / نُوَبُ الزّمانِ إليك لي فَقرا
جاءْتكَ من فِكَري ابنةٌ كَرُمتْ / فجلَوتُها لكَ حُرّةً بِكرا
لا يَرتضِي سيفَ اللّسانِ فتىً / ما لم يُبِنْ في مَدْحِكَ الأُثرا
يا مَن لدَيهِ لعُظْمِ مَنْصِبِه / سِيّانِ مَن لم يُطْرِ أو أَطْرى
العِيد عاد إليك فاجْتَلِهِ / ثَغْراً عنِ الإقبالِ مُفترّا
في دولةٍ غرّاءَ دائمةٍ / مادامَ صَومٌ مُعقِباً فِطرا
طرَقتْ بليلٍ من سَناها مُقْمِر
طرَقتْ بليلٍ من سَناها مُقْمِر / فأضاءَ مُعتَلَجُ الكثيبِ الأعفَرِ
قَمرٌ تَدّرعَ جُنْحَ ليلٍ سارياً / لكنْ سوى طَرْفي به لم يَشْعُر
خطَرتْ ببَطْنِ الواديَيْنِ تَزورُنا / عَجَباً ونحن ببالِها لم نَخْطُر
بيضاءُ تَبسِمُ عن أقاحي روضةٍ / جُلِيَتْ وتكْسِرُ عن لواحظِ جُؤْذَر
هجَرتْ وَوكَّل ناظري بخيالها / ذِكْري لها فكأنّها لم تَهْجُر
أَهْلاً بزائرةٍ أتتْ لو لم تكُنْ / من عندِ فكرٍ للمَزارِ مُزَوِّر
واصَلْتُها والبِيضُ لم تَقطُرْ دماً / مِن دُونِها والسُّمْرُ لم تَتَكَسّر
وأجبْتُ داعيةَ الصَّبابةِ نَحْوَها / فلَقِيتُ عاديةَ الخميسِ المُصْحِر
ولَربّما آثرتُ ما لم أَلقَه / حتّى رَكِبْتُ إليه ما لم أُوثِر
فدَعِ الملامَ فقد نَزَعْتُ عن الصِّبا / وصحَوْتُ إلاّ طَرْبةَ المُتذَكِّر
أَ أُخيَّ مارَسْتُ الرّجالَ فلم أَجِدْ / عند الشّدائدِ صاحِباً لم يَغْدِر
إنّ الصّنائعَ والأياديَ في الورَى / غَرْسُ المودّةِ والقِلَى فتدَبّر
وإذا اصطنَعْتَ حسيبَ قومٍ فارْجُه / وإذا اصطَنَعْتَ دَنِيءَ قومٍ فاحْذَر
قُلْ للجميلِ وما سَمِعْتُ بمثْلِه / مظلومَ قومٍ بينَهمْ لم يُنْصَر
ما لِي أراك وقد خُصِصْتَ منَ الورى / في حالتَيْكَ معاً بظلْمٍ مُنْكَر
فإذا طُلِبْتَ منَ امرئٍ لم يَصْطَنعْ / وإذا اصطَنَعْتَ معَ امرئٍ لم يَشْكُر
هلاّ شكَوْتَ إلى الوزيرِ وعَدْلِه / مِمّا لَقيتَ منَ العديدِ الأَكثَر
فهو الّذي يَرعاكَ غيرَ مُضيِّعٍ / وهو الذي يُوليكَ غيرَ مُكدِّر
وهو المُجيرُ لمنْ يلوذُ بظِلِّه / من كُلِّ عَدْوةِ جائرٍ مُستَكْبِر
مَلِكٌ أنامَ من الأنامِ عُيونَهم / أَمْناً وقال لِعَيْنِه لَهُمُ اسْهَري
ووزيرُ صِدْقٍ جازَ في دَرَج العُلا / غاياتِ كُّلِ مُملَّكٍ ومُؤزَّر
وافَى به العصرُ الأخيرُ وقَصّرَتْ / عن شَأْوِه وزراءُ كُلِّ الأَعصُر
فكأنّما كانوا فوارسَ حَلْبةٍ / ركَضوا فكان السّبْقُ للمُتأخِّر
لا غْروَ لم تَزَلِ الوِزارةُ قَبلَهُ / تَستَنُّ بينَ مُقَصِّرٍ أو مُقْصِر
من مُسْرفٍ في البخلِ غيرِ مُوفَّقٍ / أو مُوحِشٍ بالمَطْلِ غيرِ مُنَكَّر
أو ذاهبٍ في الهَزْلِ أبعدَ مَذْهبٍ / أو حائرٍ في الجهلِ شَرَّ تَحَيُّر
حتّى أُتيحَ وللأمورِ عواقبٌ / إقبالُ مَنْصورِ اللِواء مُظفّر
فتَحلَّتِ العلْيا بأَشرفِ حِلْيةٍ / وتَجلَّتِ الدُّنيا بأَحسنِ مَنْظَر
أنظامَ دينِ اللهِ أيّةُ رُتْبةٍ / أَدركْتَ غايتَها وإنْ لم تفخَر
هُمْ قَصّروا عنها ولم يَتواضَعُوا / وحَظِيتَ أنتَ بها ولم تَتكبَّر
وبَسطْتَ كفّك بالنّوالِ فطَبّقتْ / بالجودِ تَطبيقَ الغمامِ المُمْطِر
وكَسبْتَ حُسْنَ الذّكرِ في الدُّنيا التي / تَفْنَى ومَن يَفعَلْ كفِعْلك يُذْكَر
قد أَنقذَتْ كفّاك شِلْوَ فريسةٍ / من بعدِ ما عَلِقتْ بنابِ غَضنْفَر
فرجَعْتَ بالمُلْكِ المُطلّقِ أهلَهُ / وأقمتَ من خَدِّ العَدّوّ الأصعَر
حتّى كأنّك أَردَشِيرُ الفُرسِ إذْ / وافَى فقَصَّ طوائفَ الإسكَنْدر
لم تَدّعِ الأقوامُ دُونَك أنّهم / وصَلوا إلى الفَتْحِ المُتاحِ الأَكْبَر
وأمامَ جيشِك سار ذِكْرُك سابقاً / نحوَ العُداةِ يَفُضُّ جَمْعَ العَسكَر
والشّمسُ قبل طُلوعِها من أُفْقِها / تَجلو الدُّجنّةَ بالصَّباح المُسفِر
حضَرتْ مَيامِنُك التي شَملَتْهمُ / بسُعودِها فكفَتْ وإنْ لم تَحضُر
لم يَعْصِ أمرَك رأسُ أغلبَ أبيضٍ / إلاّ تَعّوضَ صدْرَ أعجَفَ أَسمَر
ما عاد من حَربٍ قَناك وقد سقَتْ / أطرافُها إلاّ كأيْكٍ مُثْمِر
يَنْآدُ من حَمْلِ الرّؤوسِ المُجتنَى / ويَرِفُّ من وَرْدِ النّجيعِ الأحمْر
عجَباً لأَنْ سُمِّينَ خَمْسَ أناملٍ / نشأَتْ بكفِّكَ وهْي خَمسةُ أَبحُر
يتَعرَّضُ العافِي للَثْمِ ظُهورها / حتّى يَغوصَ على نَفيسِ الجَوهر
وتكادُ أقلامٌ تمَسّ بطونَها / تَلتَفُّ بالوَرِقِ المُعادِ الأَخضَر
قُلْ للّذي فَضَلَ الأنامَ فواجبٌ / عَطْفُ الكبيرِ على الوَلِيّ الأصغَر
أنا كالسُّها خافي المكانِ فضُمَّني / يا صاح منكَ إلى ابْنِ نَعشٍ أُبْصَر
كم ذا التّطَوُّفُ في البلادِ مُضيَّعاً / حَيرانَ يَقرُبُ مَوْردى من مَصْدَري
وأخوضُ في لُجَجِ البحار معَ الظّما / فأعودُ منها ذا أديمٍ أَغْبَر
حالٌ من الحظِّ المُضاعِ تَغَيَّرُ الدْ / دُنْيا مِراراً وهْي لم تَتغَيّر
ما بينَ آمرِ دولةٍ لم يُمتثَلْ / منه ومالِكِ طاعةٍ لم يأْمُر
وقد انتَهيْتُ إلى فِنائك فاسْقني / من سَيْبِ كَفِّكَ بالذَّنوبِ الأوفر
فَمُنايَ أن تَحْيا حياةَ مُنعَّمٍ / جَذِلٍ وأن تَبْقَى بَقَاءَ معمَّر
وتَعيشُ للمُلْكِ الّذي أَحْيَيْتَهُ / وتَدومُ فيه كمُقْلةٍ في مَحْجَر
رأيتُ الطّريقَ إلى الوَصْلِ وَعْرا
رأيتُ الطّريقَ إلى الوَصْلِ وَعْرا / فقدَّمْتُ رِجْلاً وأَخّرْتُ أُخْرَى
وأودَعْتُ شَطْرَ الفؤادِ الرَّجَا / ءَ حَزْماً وفَرَّغْتُ لليأسِ شَطْرا
وقد جعَل النّاسُ إلاّ الأقَلْ / لَ يُبدونَ عُرْفاً ويُخْفُونَ نُكرا
فإنْ كنتَ من شَرِّهم خائفاً / فَظُنَّ بخَيرِهمُ الدّهرَ شَرّا
لهم ألسُنٌ تَتواصَى بأنْ / يَعِدْنَ وفاءً ويُنْجِزْنَ غَدرا
فضاحِكْ عَدُوَّكَ تُشغِلْ أذاه / بمَنْ أظهرَ البُغضَ عمَّن أسَرّا
وأعلِمْه أنّك منه أمِنْتَ / ومن حيث يجهلُ خُذْ منه حِذرا
وأَوْلِ صديقَكَ منكَ الجَمي / لَ مهما أَطقْتَ ولا تَبْغِ شُكْرا
وكثِّرْ قلائلَ إحسانِه / ومهما أساءَ فَلقِّنْه عُذرا
وعاشِرْ أخاكَ بتَرْكِ العِتابِ / ولا تُخْلِقِ الوُدَّ طيّاً ونَشْرا
عليك بتَفْريغِ قلبِ الودودِ / لكي يجدَ الوُدُّ فيه المَقَرّا
ونفسَك أَنفِقْ على النّائباتِ / وخَلِّ صديقَكَ للدّهرِ ذُخرا
وسَدِّدْ سهامكَ واشْدُدْ قُواك / تَجِدْ غَرضاً إنْ قضَى اللّهُ يُسرا
ويأْتي من الحِرْصِ أن رُبّما / نقَضْتَ أُموراً وأَبرَمْتَ أُخرى
فحسِّنْ بجُهْدِك منك اثنتَيْ / نِ للّهِ سِرّاً وللنّاسِ جَهرا
فنفسُك وحْدَك إصلاحُها / عليكَ وإنْ فَسَدَ النّاسُ طُرّا
وسِرْ غيرَ مُلتفِتٍ إنّما / إلى اللّهِ تَخْطو منَ العُمْرِ جِسرا
لك الشُّهْبُ والدُّهْمُ مخلوقَةٌ / فأَحسِنْ بهنّ إليهِ المَفَرّا
وخُذْها وصيّةَ ذي دُرْبةٍ / أَحاطَ بتَجربَةِ النّاسِ خُبرا
ولا تَعْصِ ذا النُّصْحِ في أَمره / وأَنت بنَفْسِك من بَعْدُ أَدرى
أَعاذِلَتا لا تُطيلي المَلا / مَ في مُقْلةٍ من جوىَ القلبِ عَبْرى
فعَينُك سَكْرَى بخَمْرِ الصِّبا / وعَيْنيَ من حَيْرةِ الدّمعِ شَكْرى
ولو كنتُ أَبكي من الدّهرِ حَولاً / على كلِّ يومٍ من العُمْرِ مَرّا
لم أَقضِ به حقه إذ مضَى / ولم أكتسِبْ فيه حَمْداً وأَجرا
ولمّا محا النّاسُ رَسْمَ الجميلِ / سطَرْتُ من العيسِ في البيدِ سَطرا
وآليتُ ألاّ أَرحتُ المَطِيْ / يَ حتّى أُصادِفَ في النّاسِ حُرّا
فكان الرّئيسُ لدينِ الهُدَى / لتلك الأَليّةِ منّي مُبِرّا
وحَبّرتُ غرّاءَ من مِدْحهِ / لأَلْقَي بها منه مَلْكاً أَغَرّا
جعَلْتُ رِكابي وِشاحاً فجا / لَ لمّا جَعلْتُ له البِيدَ خَصرا
وقاسَيْنَ عِشْراً إلى أن ورَدْنَ / صباحاً سَحائبَ كفَّيْهِ عَشرا
أخو الجِدِّ في غُلَواء الخُطو / بِ يَملأُ يومَيْهِ نَفْعاً وضَرّا
وحَكَّمه الدَّهرُ في أَهلِه / إذا شاء ساءَ وإن شاءَ سَرّا
له مَنطِقٌ يَبهَرُ السامِعينَ / ولا غَرْو أن يَلفِظَ البَحرُ دُرّا
وضَمَّ تليدَ العُلا والطّريفَ / فطالَ بنى الدَّهْرِ نَفْساً ونَجْرا
يَنُمُّ به نَفَسٌ للحسو / دِ يَنقَدُّ من كبِدٍ منه حَرّى
ويَكشِرُ عن حَدِّ أَنيابِه / وفي قلبِه مَرَضٌ ليسَ يَبْرا
يكونُ على حِدَةٍ أُمّةً / ويَعدِلُ يومٌ يُرَى فيهِ عُمرا
يُفيدُ النَّدى ويُبِيدُ العِدا / إذا ما الأسِنّةُ أَصبحْنَ حُمْرا
يُصرِّعُ أَشلاءهم في الثّرى / كأنّهمُ يتَساقَونَ خَمرا
وحارَ الورَى في ليالي الخطوب / فشَقَّ مُحيّاهُ للنّاسِ فَجرا
وتُبصِرُ غَيثاً ولَيثاً يَصولُ / غداةَ السّلامِ وبَدْراً وبَحرا
إذا هَمَّ صَمَّم في الكاشحِينَ / كما يَتبَعُ اللّيثُ بالنّابِ ظُفرا
أيا سَيِّدَ الرّؤساء الكبيرُ / أَرَى في عَلائكَ للّهِ سِرّا
نصَرْتَ الهُدَى فَنبِيُّ الهُدَى / يُجازيكَ عن نَصْرِكَ الدِّينَ نَصرا
وجادَلْتَ حتّى أَريتَ الخُصومَ / صِغارَ الكواكبِ في الأُفْقِ ظُهرا
لِتَحصُدَ بالسّيفِ كلَّ امرئٍ / تَعرَّض يَنثُرُ للشّرِّ بَذرا
رعَيْتَ الممالكَ حتّى غدا / فِعالُك والمجدُ عِقداً ونَحْرا
وحتّى كحَلْتَ بشَزْرِ الطِّعانِ / عُيوناً نظَرْنَ إلى المُلْكِ شَزرا
لقد سُدْتَ قبلَ خُلُوِّ الدِّيارِ / منَ الصِّيدِ مَن كنتَ عاصَرْتَ دَهرا
فكيف بكَ اليومَ والأَكرمونَ / غدا منهمُ ظاهرُ الأرضِ قَفرا
غدا مَلِكُ الأُمَراء الكبيرُ / يَهُزُّ بِكَ العِطْفَ تِيهاً وفَخرا
حوَتْ منك يُمناهُ سَيفاً له / رأَى أَثراً يَرتَضيهِ وأُثرا
حساماً بحدَّيْهِ مهما انتَضا / هُ يَكْسِرُ جيشَ المُلِمّاتِ كسرا
فلا زالَ أيّامُه بالفُتوح / مُحجّلةً تَبهَرُ الخَلْقَ غُرّا
فلم تَخْلُ يوماً من اليُمْنِ يُمْنَى / ولم تَخْلُ يوماً من اليُسْرِ يُسرى
فمنذُ رأَى الوجْهُ ذا البِشْرَ مِنْ / كَ كان له الدَّهرَ بالَسّعْدِ بُشْرى
ودُونَكَ فاجْتَلِ بالسّمْعِ منك / أَزُفُّ إليك ابنةَ الفِكْرِ بِكْرا
وإنّي لأَرضاكَ للمَدْحِ كفْوءاً / كريماً وأَرضى بنُعماكَ مَهرا
فأَمضِ على اسْمِيَ إدراريَ ال / قديمَ وأَجْرِ كما كان يُجْرى
وأَستغفِرُ اللّهَ فالحالُ فيه / تَفاوَتَ جِدّاً فيا رَبُّ غَفْرا
وكان زمانُ لئامِ الوُلاةِ / ومَنْ بسوى الشّرِّ لم يُبْقِ ذِكرا
عليهم إذا بَعْدَ حَولٍ أُحِي / لُ لاقيتُ أَمراً من المَطْلِ إمرا
له اسْمٌ يُسمّى ولا جِسمَ كان / كما يَقْبَضُ الرَجُلُ الكَفَّ صِفرا
ولكنْ عليك إذا ما أَحلْتُ / مَلأْتَ ليَ الحِجْرَ بِيضاً وصُفرا
فجَرْياً على عادةٍ في السّما / ح عُوِّدْتَ يا أَعْظَمَ النّاسِ قَدرا
من القَصْرِ جُدْتَ فإنْ تُعطِهِ / بعَسكرَ تَبْنِ من المجدِ قَصرا
وأَنت سحابٌ إذا ما مطَرتَ / عَمَمْتَ لنا القُربَ والبُعدَ قَطرا
فما زلْتُ منذُ مدَحْتُ المُلو / كَ يُولونَني العُرْفَ عَصْراً فعَصْرا
وكانوا بِبَسْطِ ندىً أحرياءَ / وأنت به منهمُ اليومَ أحْرى
وباعُك أطْولُ يومَ الفَخارِ / وخَيلُك في حَلبةِ المجدِ أجرى
وغيَرُك يُغْرَى بكَسْبِ الثَّراءِ / وكسْبُ الثّناء بهِ أنت مُغْرى
سَئمتُ بتُستَرَ طُولَ المُقامِ / فما تَرَكَ الدَّهرُ فيها مَقَرّا
ولكنّها وطَنٌ والطُّيورُ / تَحِنُّ إذا هُنّ خالفْنَ وَكرا
لعَمْري لقد ظَلمَ الحاسِبو / نَ إذ جَعلوا جَزْلَ جدُواكَ نَزرا
وقد وضَعوا اسماً لَها مُحدَثاً / إذا قيلَ إدرارُ رِزقٍ أُدِرّا
فتلك صِلاتُ بها لي تَجودُ / وما هي عندي أداريرُ تُجْرى
ولكنّها مِنَحٌ منك أُقْرَى / بهنّ على مِدَح فيك أَقْرا
أعِنّي على حدَثانِ الزّمانِ / فقد يُسنِتُ الحَيُّ والضَيْفُ يُقْرى
ألم يأْنِ لي مَرّةً أنْ أُراشَ / فَحتّامَ يُنْحَتُ قِدْحي ويُبْرى
وأعقِلُ نَضوي بحَبْل الرّجاءِ / وما زالَ للأملِ النّاسُ أسرى
فدونَك منّي مَديحاً تَراه / يُبارِي النجومَ مَسيراً ومَسْرى
ودُرّاً كما لاح دُرًىُّ نَجمٍ / وشِعراً كما أهدَتِ النّورَ شِعْري
يقولون ما خَربَتْ تُستَرٌ / وفيها كذا تَركَ الدَّهرُ دُرّا
فَعُمّرْتَ ما امتدَّ عُمْرُ الزّمانِ / وفي نِعَمٍ يَتوالَيْنَ تَتْرى
فقد خلَق اللّهُ فِعْلَ الجميلِ / فُؤاداً وأودَعَهُ منك صَدرا
قلب المشوقِ بأن يساعدَ أجْدَرُ
قلب المشوقِ بأن يساعدَ أجْدَرُ / فإذا عَصاهُ فالأحِبّةُ أعذرُ
لا طالَبَ اللّهُ الأحِبّةَ إنّهم / نامُوا عن الصّبِّ الكئيب وأسهَروا
هجَروا وقدَ وصَّوا بهَجْري طيفهم / يا طيفُ حتّى أنت مِمَّنْ يَهْجُر
دونَ الخَيالِ ودونَ مَن تَشتاقُه / ليلٌ يطولُ على جفونٍ تَقْصُر
وَمُخيِّمون معَ القطيعة إن دَنوا / هَجَروا وإن راحوا إلينا هَجَّروا
طاروا إلى شُعَبٍ وهم من قَبْلها / كانوا إذا سَمِعوا الرَّحيلَ تَطَيّروا
قَصروا الزّمانَ على صُدودٍ أو نوىً / والعُمْرُ من هذا وذلكَ أَقْصَر
أرأيتَ يومَ الجِزعِ ما صنعوا بنا / والحَيُّ منهم مُنجِدٌ ومُغَوِّر
سَفَروا فلما عارضَ القومُ اتَّقوا / بمعاصمٍ وكأنّهم لم يَسفِروا
وغَدوا ومن عيني لهن منيحةٌ / تُمْرَي ومن قلبي وَطيسٌ يُسعَر
أعقيلةَ الحيِّ المُطنَّب بيتُها / حيث القَنا من دُونها تَتكَسَّر
كَالبْدرِ إلاّ أنّها لا تُجتلَى / والظّبْيِ إلاّ أنّها لا تُذعَر
أخْفَى إذا فارقتُ وجْهَكِ من ضنىً / فأدِقُّ عن دَرْكِ العيونِ وأَصغُر
وأرى بنورِكِ كلّما أدنَيْتنِي / وكذا السّها ببناتِ نَعْشٍ يُبصَر
مَن زائري واللّيلُ أدهمُ صافِنٌ / ومُودّعي والفجرُ أَشقَرُ مُحضِر
خطَرتْ إليَّ فزادَني طرَبا لها / أنْ لم تكن بالبال مِمّا يَخْطُر
وغَدت مُودِّعةً فقلبٌ يلْتظي / حتّى تَعودَ ومُقلةٌ تَستَعْبِر
فكأنّما تَركتْ بخَدِّي عِقْدَها / ليكونَ تَذكِرةً بها يُتذَكَّر
يَلْقَى الحسودُ تجلُّدي فيَسوؤهُ / أَنّي على رَيْبِ الحوادثِ أَصبِر
مالي وما لعِصابةٍ مُغتابةٍ / هل فيَّ إلاّ أن سَعيْتُ وقَصَّروا
إنّي لأُصبِحُ للفضيلةِ ساتراً / مِنّي كَمَنْ هو للنّقيصةِ يَستُر
وأرى أَمامي ما ورائي دائماً / مثْلَ الذي هو في مِراةٍ يَنظُر
لا تضطربْ عند الخطوبِ فإنّما / يَصفو إذا ما أُمِهلَ المُتكَدَّر
وإذا تَولّى مَعشَرٌ كَرمُوا فلا / تَهلِكْ أسىً حتّى يُوافيَ مَعشَر
فصحيفةُ الدّنيا الطّويلةُ لم تَزَلْ / يُطوى لها طَرَفٌ وآخَرُ يُنشَر
ما زالتِ الأيّامُ حتّى أَعقبَتْ / يوماً ذُنوبُ الدَّهرِ فيه تُغفَر
يومٌ أَغرَّ مُشهَّر في صَدرِه / أَحيا الوَرى صَدْرٌ أَغرُّ مُشَهَّر
بِوزارةٍ راحتْ وكُل يشتكي / من دَهْره وغدتْ وكلُّ يَشكُر
فكأنَّ آمالَ الخلائقِ كُلَّها / رِممٌ مُفرَّقةٌ أتاها المحْشَر
حتّى إذا غَصَّ الفضاءُ بمَوكِبٍ / من وَطْئهِ كَبِدُ الحَسودِ تَفطَّر
والأرضُ من ضيقِ المسالكِ تَشتكي / والجَوُّ في نَسْج السَّنابِك يَعثُر
وعلى النّظامِ ابنِ النّظامِ مَهابةٌ / تَنْهَى عيونَ النّاظرِينِ وتَأْمُر
مشَتِ الملوكُ الصِيّدُ حولَ رِكابهِ / رَجْلَي وكان لهم بذاكَ المَفْخَر
وتَبسّمَتْ خِلَعٌ عليه كأنّها / رَوضٌ تَقمّصها غمامٌ مُمطِرِ
ومُرصَّعاتٌ يأتلقْنَ وراءه / تَشكو السّواعدُ حَمْلَها والأظْهُر
وأمامَه جُرْدٌ يُقَدْنَ جَنائباً / مَرْحَى تَخِفُّ بها الخُطا فتَوقَّر
يَظْلَلْنَ في بحرِ النُّضارِ سَوابِحاً / والجَوُّ من عَكْسِ الأشِعّة أحمَر
وبدا الجوادُ على الجوادِ كأنّه / طَوْدٌ أظَلَّ عليه نَجْمٌ أزهر
وأتَى به واليُمْنُ منه أيمَنٌ / مُتَكِنّفاً واليُسْرُ منه أيسر
حتّى ثنَى عنه لِيَنْزلَ عِطْفَهُ / في مَوْقفٍ فيه الجِباهُ تُعفَّر
فالجوُّ طولَ اليومِ تبرٌ ماطرٌ / والتُربُ طولَ العام مِسْكٌ أذْفَر
ولَقلّتِ الأرواحُ لو نَثَروا له / لو كانتِ الأرواحُ مِمّا يُنثَر
لأغرَّ يَعتذِرُ الزّمانُ بوَجْهِه / عمّا جناهُ من الذُّنوبِ فيُعْذَر
ويُريكَ منه إذا بدا لك منظراً / ما فوقَهُ في الحُسْنِ إلاّ المَخْبَر
وعليه من سِيما أبيهِ شواهدٌ / ودلائلٌ تَبدو عليهِ وتَظْهَر
ولئن تأَخَّرَ في الوِزارةِ عَصرُه / فلكُلِّ أمرٍ غايةٌ تَتأخّر
كانتْ تنقَّلُ في الرّجال كأنّها / سارٍ يُنَوَّخُ تارةً ويُثَوَّر
حتّى انتهتْ شوقاً إليه وإنّه / ما مِن وراء نهايةٍ مُتنَظَّر
اليومَ عَزَّ حِمَى الرّعيّةِ أنْ غَدا / يَرعاهُمُ حَدِبٌ يُنيمُ ويَسْهَر
فالعدْلُ ثَغْرُ الدَّهرِ منه ضاحِكٌ / والأمنُ غصْنُ العيشِ فيه أخْضَر
وافَى فقيلَ أواحدٌ أم جَحفَلٌ / وسخا فقيل أَنمُلٌ أم أبحُر
وتَيمّنَ السّلطانُ منه بصاحبٍ / نَدْبٍ يَهُمُّ بما يَرومُ فَيظْفَر
لمّا رأى فَتْحَ الدَّواةِ بكَفّهِ / وافاه فَتْحُ القلعةِ المُتَعذّرِ
فتفاخَرَ الفَتْحانِ حتّى لم يَبِنْ / للنّاسِ أيُّهما أجَلُّ وأكبَر
للهِ أيةَ ليلةٍ في صُبحِها / تَبِعَ اللّواءَ إلى الجهادِ العَسكَر
سَمتِ الجنودُ إليهمُ حتّى إذا / طلَعوا الثّنِيّةَ بالبنُودِ وَكبّروا
ما كان إلاّ من نهارٍ ساعةً / حتّى جَرَتْ مِمّا أرَاقوا أنْهُر
مَطَروا عليهم بالسِّهامِ ولم تكُن / من قبلِ نهضِتهمْ سماءٌ تَمطُر
من كلِّ أزرقَ ذي جناحٍ طائرٍ / غَرثانَ عن حَبِّ القلوبِ يُنَقِّر
يُطعِمْنَ قَتْلاها النُّسورَ جَوازياً / إذ كُنّ طِرْنَ بما كسَتْهُ الأَنسُر
حتّى انثنَوا والبِيضُ في أيمانِهم / حُمْرٌ تُقَطِّرُ بالغُواةِ وتَقطُر
وغدا عدوُّ اللّهِ طَوْعَ أَكفِّهم / يَجْري مُقلَّدَ رِبْقةً ويُجَرَّر
مثْلَ البعيرِ تَقودُه بسِبالِه / فيَخِفُّ وهْو من الجهالةِ مُوقَر
وكأنّ لِحْيتَهُ هشيمٌ ماحِلٌ / وكأنّ أيدي القوم رِيحٌ صَرْصَر
ولَوَ انّه تَرَكَ الخبيثَ هُنَيْهةً / لتَصافنوا دمَهُ الذي هو أَقذَر
قد قَدَّروا للمسلمينَ عجائباً / واللّهُ غيَّر كلَّ ما قد قَدَّروا
كم خَوَّفوا سَنةَ القِرانِ وخَيّلُوا / أنّا سنَخْرُجُ عندَ ذاكَ ونَظْهَر
أرواحُهم خرجَتْ وهم لم يَخْرُجوا / وهَناتُهم ظهَرتْ وهم لم يَظْهَروا
تاللّهِ ما فَتَحوا البلادَ وإنّما / فتَحوا العيونَ فأَبصَروا ما أبصَروا
تلك الأكاذيبُ المُلفَّقةُ التي / غَرُّوا بها شِيَعَ الضَّلالِ وغَرّروا
بلغَتْ بهم سَلْخَ الجُلودِ كما رَأَوا / والسَّلْخُ عِندَهُمُ البَلاغُ الأكبَر
فاسأَلْ بني العّباسِ عمّا شاهَدوا / زمَنَ البَساسيريِّ هل يُتذَكَّر
لم يُكْفَ قائِمُهم إذا ما قايَسوا / ما قد كُفِي في هذه المُستَظهِر
كلاّ ولا ارتجَعَ الخِلافةَ طُغْرِلٌ / مِثْلَ ارْتجاعِ مُحمّدٍ لو فَكَّروا
بيَمينهِ آلَى يميناً سَيْفُه / ألا يُغادِرَ بالهُدَى مَن يَغْدِر
فعِداهُ إن طلَبوا القَرارَ تَعَجَّلوا / حتْفاً وإنْ طلَبوا الفِرارَ تَحَيَّروا
يُمسُونَ أمّاليلُهم فيُريهِمُ / قَتْلاً وأمّا صُبحُهم فَيُفَسّر
يا ماجداً رَوِيَتْ بسَجْلِ نَوالِه / كلُّ الورى باديهمُ والحُضَّر
يَكِفي الممالكَ أن يُديرَ بكَفّهِ / قَلماً له الفَلكُ المُدارُ مُسَخّر
يُمِلي وأيدِي القَطْرِ تَنْسَخُ جودَه / ولَما يفوتُكِ يا قِطارُ الأكثَر
فِفداءُ كفِّكَ وهْي بحرُ سماحةٍ / قومٌ إذا ورَد العُفاةُ استَحْجَروا
قَدَروا وما سَدُّوا لِحُرٍّ خَلّةً / بصنيعةِ فكأنّهم لم يَقْدِروا
وتَصدَّروا من غيرِ فضْلِ عطيّةٍ / والصّدْرُ مَنْ مِنْه العطايا تَصدُر
إن يَشْكُرِ السّلطانُ غُرَّ فَضائلٍ / وشمائلٍ لك فالرّعيّةُ أشكَر
أو كان مُلْكُ محمّد بكَ عامِراً / فافْخَرْ فديِنُ مُحمّدٍ بك أعَمَر
جاءتْكَ مِثْلَ العِقْدِ وهْو مُفَصَّلٌ / حُسْناً ومثْلَ البُردِ وهْو مُحَبَّر
أنا غَرْسُ بيتِكمُ الكريمِ بجودكم / يُسقَى وبالمِدَح الغرائبِ يُثْمِر
فإنِ ارتضَوا حُكْمِي فغيرُ بديعةٍ / من مثْلِ ذاكَ البحرِ هذا الجوهر
فاسْلَمْ لنا ما انجابَ لَيْلٌ مُظلِمٌ / عن ناظرٍ وانتابَ صُبْحٌ مُسْفِر
وبَقِيتَ بينَ بني أبيكَ كما بدا / بَدْرٌ تَحُفُّ بهِ نُجومٌ تَزْهَر
هُمُ منَعوا مِنّا الخيالَ الّذي يَسْري
هُمُ منَعوا مِنّا الخيالَ الّذي يَسْري / فلا وَصْلَ إلاّ ما تَصوَّر في الفِكْرِ
فيا مالكي منْعَ الجُفونِ من الكرَى / ألم تمَلِكوا منْعَ الفؤادِ منَ الذّكر
أَبِيتُ وسُمّارُ المُنَى بي مُطِيفةٌ / وبحرُ البُكا بالطّيْفِ مُمتَنِعُ العَبر
وقد وَتّدَ اللّيلُ النُّجومَ مُخَيّماً / وطَنَّب أجفاني إليها يَدُ الهَجر
وغادَر في خَدَّيَّ غُدْراً من البُكا / تَولُّعُ ربِّاتِ الغدائرِ بالغَدر
لقد أصبَحَتْ سمراءَ والسُّمْرُ بيننا / فماذا لَقِينا من سَمِيّاتِها السُّمر
ولم أنْسَها يومَ الرَّحيلِ وقد لَوتْ / بتَسليمةِ التّوديع حاشيةَ السِّتر
وقلبي مع الرَكْبِ اليمانينَ رائحٌ / لقىً بين أيدي العيسِ في البلَدِ القَفر
أقولُ وإلْفي للوداعِ مُعانِقي / ولى دَمعةٌ غَيّضْتُها فهْي في نَحْري
أدِرْ لي كؤوسَ اللَّثْمِ صِرْفاً لعلّه / تَسيرُ المطايا عند سُكْري ولا أدْري
فلي عَبراتٌ إن أحسَّتْ بِبَيْنِكم / إذنْ تَركَتْ بحراً لكم جانبَ البَرّ
أأحبابَنا هَبْكمْ عُذِرْتُم على النَّوى / فهل لصُدودِ الطَّيْفِ باللّيلِ من عُذر
وما لِسَمائي بعدكمْ حار بَدْرُها / ألم يتَعلَّمْ سرعةَ السَّيْرِ من بَدري
ولِمْ ثَقُلَتْ ريحُ الصَّبا مُذْ رحلْتُم / وكانتْ برَدْعِ المِسْكِ طَيِّيةَ النَّشر
رَحلتُمْ فقرَّبتُمْ مشيبي من الصِّبا / هموماً وباعدتُمْ عِشائي منَ الفَجر
فبينَ بياضَيْ عارضِي لَمْعُ بارقٍ / وبين بياضَيْ ليلتي مَوعِدُ الحَشر
فهل من نَقيبٍ للّيالي مُوكَّلٍ / بأنْ يَنفِيَ النّومَ الدَّعِيَّ من العَصر
فيأخذُ مُذْ بِنتُمْ ليالِيَّ قاطِعاً / ذَوائبَها لم يَنتسِبْنَ إلى عُمري
فأيُّ فتىً جلّى الغداةَ شِكايتي / جلَوتُ لِما يوليهِ عند الرِّضا شُكرى
لدى مَلكٍ في الشُّمِّ من آلِ هاشمٍ / نَدي الوجْهِ سامي الطّرفِ مرتَهنِ البِشر
مَهيبٌ لدى النّادي مُرجَّى لدى النّدى / فيُمناهُ من يُمْنٍ ويُسراهُ من يُسر
تُشيرُ إليه هاشمٌ بأكُفِّها / إشارةَ أيدي النّاظرينَ إلى البَدر
وتأْوي إليه إن ألمّتْ مُلِمّةٌ / ويأْوي جَناحُ الطّيْرِ ليلاً إلى الوَكْر
يُظاهِرُ بينَ الرَّأْيِ والسّيفِ دونهمْ / كما شَيّعَ ابْنُ الغابةِ النّابَ بالظُّفر
تكاد الرّماحُ السُّمْرُ وهْي ذَوابلٌ / تَعودُ بكَفّيهِ إلى الوَرَقِ الخُضر
ويُعطي عِنانَ البرقِ ضمْنَ سحائبٍ / إذا هَزَّ عِطْفَ الأعوجِيّةِ بالحُضر
وما ثار ذو شِبلَيْنِ من دونِ غِيلِه / بعَينَيْنِ كالمَقْدودَتَينِ منَ الجَمر
كإذْكائه دونَ الخلافةِ طَرْفَه / مُدِلاًّ برأْيٍ يَقرُنُ النَّصْلَ بالنَّصر
ومَن مثْلُ ذي الفَخْرَينِ فَخْرٍ بنفسه / وفَخرٍ بمَنْ أبقَوا له غايةَ الفَخر
حلَلْتَ من العّباسِ جَدِّك يا ابنَهُ / بحيثُ يُرىَ العبَاسُ مِن جَدِّه عَمْرو
فتىً كلُّ حُبِّ المجدِ غُرّةُ وجههِ / فوشّحه بِيضاً بأيّامِه الغُرّ
فيُقْمِرُ هذا اللّيلُ بالبدرِ وَحْدَه / ولكنّه بَدْرٌ معَ الأنجُمِ الزُّهر
ملوكٌ تَسامَوا للعُلا وأَئمّةٌ / أُولو العزْمِ في أزمانهمْ وأُولو الأَمر
تَبدَّى اللَّيالي في تَتابُعِ مُلكِهمْ / كما يتَبدَّى السّلْكُ من خَلَلِ الدُّرّ
ولم يُرَ كالعبّاسِ قِدْماً وهاشمٍ / شَبيهانِ مَجْداً في مُلوك بني النّضر
فهذا الّذي تُغْنِي عنِ القَطْرِ كَفُّه / وهذا الذي يَأْتي مُحَيّاهُ بالقَطر
فدَتْكَ نظامَ الحَضرتَيْنِ منَ الوَرى / أكفُّ رجالٍ لا تَريشُ ولا تَبْري
وما حِليةُ الأَشرافِ إلاّ مآثرٌ / وهل حِلْيةٌ للمشرفيِّ سوى الأثر
ويا ذِروةَ الخُطّابِ عزّاً وقد سعَتْ / إليك هوىً فاطْرَبْ لغانيةٍ بِكْر
فما تَرتضِي إلاّ علاءكَ بَعْلَها / وما تَبتغِي إلاّ العنايةَ من مَهر
وأنّى تَرى كُفْوءاً كريماً من الوَرى / إذا عدَلَتْ بالوُدِّ عنك ابنةُ الفِكر
ولي خاطرٌ يُغْري بِوأْدِ بناتِه / على حُسْنِها من فَقْدِه كرَمَ الصِّهر
ولكنْ تَجلّى وجْهُ عَلياكَ طالعاً / فلم تَبْقَ منه اليومَ حسناءُ في خِدر
ولم أُهدِ للدّنيا ثنائي ولا أرَى / ولائي لكم إلاّ لآخِرتي ذُخري
وكم جُدْتُ بالنّفْسِ العزيزةِ فيكمُ / كجودِ أخي الإحسانِ للوَفْدِ بالوَفر
ولن أَكبُتَ الحُسّادَ إلاّ بنَظْرةٍ / من المَوقفِ الأَسْمَى الإماميِّ في أَمري
فصِلْني بهِ يا ابنَ الأكارمِ مُدنِياً / فما أنت إلاّ الباعُ من ذلكَ الصَّدر
وعشْ شَرفاً للدِّينِ ما حَنَّ شارِفٌ / ودُمْ ما تَروَّى الروَّضُ من دِيَمٍ غُزر
وخُذْ ليمينِ الدّولةِ السّمْحِ كَفُّه / سِرارَ مَعانٍ صيغَ من خالصِ الشِّعر
إليك اقتباساً يَنْتهِي كُلُّ فاضلٍ / كما مَجَّ أفواهُ الشِّعابِ إلى البَحر
فيا فاضِلاً يُولي الفواضلَ للورَى / ويا عارِفاً يَروِي العوارِفَ للحُرّ
إذا ما درَى الإنسانُ أخبارَ مَنْ مضَى / فتَحسَبُه قد عاشَ في أوَّلِ الدَّهر
وتَحسَبُه قد عاش آخِرَ دَهْرِه / إلى الحشْرِ إن أبقَى الجميلَ من الذِّكر
فقد عاش كُلَّ الدَّهرِ مَن عاش بَعضَهُ / كريماً حليماً فاغتَنِمْ أَطْولَ العُمر
نشَدْتُك اللّهَ هل تَدرينَ يا دارُ
نشَدْتُك اللّهَ هل تَدرينَ يا دارُ / ماذا دَعا الحَيَّ من مَغْناكِ أنْ ساروا
ساروا يَسيحون في آثار ما تَركُوا / في الدّارِ من جَفْنِ عَيْني وهْو مِدرار
وقفتُ لم أتقَلّدْ للحَيا مِنَناً / فيها ومنّيَ في الأجفانِ إسْآر
كأنّني واضعاً خَدّي به قَلَمٌ / أَبكِي أَسىً ورُسومُ الدّارِ أَسطار
دارُ التي قلتُ لمّا أن تأوَّبني / منها خيالٌ سَرى والركبُ قد حاروا
أَبارِقٌ ما أَرى أم رأيةٌ نُشِرَتْ / أم كوكبٌ في سوادِ الّليلِ أم نار
لا بل أُميمةُ أمستْ سافِراً فبَدَا / من أوّلِ الّليلِ للإصباح إِسفار
أكلّما كاد يَبْلَى الوَجْدُ جَدَّدهُ / طَيْفٌ على عُدَواء الدّارِ زَوّار
لغادةٍ كمَهاةِ الرَّمْلِ ناظرةٍ / شِفارُ أسيافِها للفَتْكِ أَشفار
خَوْدٌ إذا سفَرتْ للعين أو نطَقتْ / فالطَرْفُ لي قاطفُ والسّمعُ مُشتار
تُريكَ حَلْياً على نَحْرٍ إذا التمَعا / لاحا كأنّهما جَمْرٌ وجُمّار
لمّا أتَتْ رُسُلُ الأحلام زُرتُهمُ / ليلاً وهل عن هوَى الحسناء إقصار
والحَيُّ صرعَى كرىً في جُنْح داجيةٍ / كأنّهم منه في الأحشاء أَسرار
سحَبْتُ ذَيلَ الدُّجَى حتّى طَرقتُهمُ / بسُحرةٍ وقميصُ اللّيلِ أَطمار
أَزورُهم وسِنانُ الرُّمح من بُعُدٍ / إليّ بالمُقْلةِ الزَّرقاء نَظّار
فاليومَ لا وَصْلَ إلاّ أن يُعِلّلَني / في العينِ طيفٌ لها والقلب تَذْكار
لا أَشربُ الدّمعَ إلاّ أن تُغَنِّيَني / وُرْقٌ سواحِرُ مهما رَقَ أَسحار
من كُلِّ أخطَبَ مِسْكِيّ العِلاطِ له / في مِنْبَر الأيكِ تَسجاعٌ وتَهدار
خطيبُ خَطْبٍ وقد أفنى السّوادَ بلىً / فمِنْ بَقِيّتِه في الجِيدِ أزرار
شادٍ على مذهبِ العُشّاق أَعجَبَه / تَفَقُّهٌ فله باللّيل تَكرار
حُرٌّ رأَى فَرْطَ أشواقي فاَسعدَني / والحُرُّ يُسعِدُه في الدَّهر أحرار
صَبٌّ تَجاذَبُه الأهواءُ واقتسمَتْ / سُرىَ مطاياهُ أنجادُ وأغوار
والدَّهرُ مذ كان من تَكْديرِ مَشْربهِ / لم تَجتمِعْ فيه أوطان وأوطار
للرّوضِ والرّيحِ إذْكارٌ بفاتنتِي / فالرّوضُ حاليةٌ والريحُ مِعطار
أَمتارُ من جَفْنِها سُقْماً يُحالِفُني / فهل سَمعتُمْ بسُقْمٍ قَطُّ يُمتار
لا تَكْذِبَنَّ فسلطانُ الهَوى أبداً / في دينِه لدمِ العُشاقِ إهدار
حتّى متى يا ابنةَ الأقوامِ ظالمةً / لكِ الذُّنوبُ ولي عنهنّ أَعذار
أقسَمْتُ ما كُلُّ هذا الضّيم مُحتَملٌ / ولا فُؤادي على ما سُمْتُ صَبّار
إلاّ لأنّكِ منّى اليوم نازلةٌ / في القلب حيثُ سديدُ الدّولةِ الجار
أَعَزُّ مَن ذَبَّ عن جارٍ وأَكَرمُ مَن / هُزَّتْ إليه على الأنضاء أكوار
للهِ يومٌ تَجلَتْ فيه عُزَّتُه / ساعاتُه غُرّةٌ للنّاسِ أعمار
كأنّه كَعبةٌ قد سافَرتْ كَرماً / حتّى قضَى الحَجَّ في الأوطانِ زُوّار
لكنْ بدا كعبةً ما دونَ طَلْعتِه / للعينِ إلاّ غبارَ الخيلِ أَستار
كأنّما الشّمسُ فيما ثار مِن رَهَجٍ / سِرٌّ له في صَميمِ القلبِ إضمار
كأنّها من خلالِ النَقْعِ قائلةٌ / إن غابَ نُورٌ كفَتْكم منه أَنوار
من باهرِ البِشْرِ وَضّاحِ أَسِرَّتُه / بالوجهِ منه للَيْلِ النّقْعِ أَقمار
وتحته مُقْبِلاً رِيحٌ مُجسّمَةٌ / يُصيبُ منها جَبينَ النّجمِ إعصار
كأنّها في حواشي رَوضةٍ أُنُفٍ / فالحلْيُ منها على الأَقطار نُوّار
إذا مَساعِي سديدِ الدَّولتينِ بدَتْ / فما لِسَعْيِ ملوكِ الدَّهْرِ أخطار
سما يرومُ العلا حتّى المجَرّة مِن / تَسحابِه الذَّيلَ في مَسْراه آثار
والشّمسُ والبدرُ مِن فَضْلاتِ ما نثروا / في طُرْقِه درهمٌ مُلقىً ودينار
للنّاظِرِين إلى عَليائه وإلى / عُلْيا بني الدّهرِ إكبارٌ وإصغار
في كفِّه قلمٌ للخطْبِ يُعملُه / كأنّه لجِراحِ الدَّهرِ مِسْبار
تخالُه رايةَ للفضلِ في يدِه / وخلْفَها جحفلٌ للرَّأيِ جرّار
يَزِلُّ منه إلى القرطاسِ دُرُّ نُهىً / لهنّ عند ذوِي التّيجانِ أقدار
ما تُضمِرُ النّفْسُ شكّاً أنّها دُرَرٌ / بِيضٌ لهنَّ كما للدُّرِّ أَبشار
لكنْ لمُلْكِ بني العّباسِ دَعْوَتُها / من أجلِ ذلكَ للتّسويدِ تُختار
تَهْدِي الوَرى بمِدادٍ والعيونَ كذا / منها الأناسيُّ سُودٌ وهْي أبصار
لمّا أهابَ أميرُ المؤمنين إلى / تذْليلِ صعْبٍ أُتيحتْ فيه أسفار
فارقْتَه لا لنقْصٍ منك يُكْمِلُه / سيْرٌ كما ابتدَرتْ بالبُعْدِ أقمار
وإنّما لك عند الاجتماعِ به / قبلَ انصرافِكَ عنه ثَمَّ إبدار
بل أنت سَهْمٌ سديد من كِنانتهِ / له مع اليُمْنِ إيرادٌ وإصدار
سَهْمٌ يُنالُ به ثأْرُ الهُدَى أبداً / إذا ترامتْ به في اللهِ أوتار
يُصيبُ قاصيةَ الأغراضِ مُرسِلُه / حزْماً وَيسبِقُ بالإصماء إنذار
يُرضي الأئمّةَ في قُرْبٍ وفي بُعُدٍ / أقام في الحيِّ أم شطّتْ بهِ الدّار
ذو طاعَتيْنِ بخط لم يزَلْ وخُطاً / ميْمونةٍ نقْلُها للمُلْكِ إقرار
يَسيرُ كيْما يُقِيموا في العُلا وكذا / شُهْبُ الدُّجَى ثابِتٌ منها وسَيّار
فالمُلْكُ في بَيْتِه يُلْفَي تَمَهُّدُه / بأن يُرَى منك في الآفاقِ تَسيار
كالأرضِ يُمْسِكُها ألاّ يَزال يُرَى / من حَولِها فَلَكٌ يُحْتَثُّ دَوّار
يا ابنَ الأكارمِ والآباءُ ما كسَبوا / منَ العُلا فهْو للأبناء أذخار
شَرُفْتَ نفْساً ونَجْراً والأصولُ كَذا / إذا صفَتْ لم تَضِرْ بالفَرْعِ أكدار
آلاؤك الطّوقُ والنّاسُ الحَمامُ فهم / في حَلْيها وقَعوا في الأرضِ أم طاروا
ما إن تُفَكُّ طُلاهم من قلائدِها / ما أنجدوا في بلادِ اللهِ أو غاروا
كمن تألَّى على مَسْح السّحاب إذا / صافَحْتَهُ أنت عامَ الجَدْبِ أبرار
جَزتْكَ عنّا جوازي الخيرِ من رَجُلٍ / آثارُه كلُّها في الحُسْن أسمار
ليثُ الكتيبةِ أم ليثُ الكتابة أم / حاوِي المعاني وما للحَقِّ إنكار
ليثٌ عَرِيناهُ باْسٌ أو ندىً ولَه / بالبِيضِ والرُّقشِ أنيابٌ وأظفار
لكَ المَقاوِمُ دونَ الدّينِ قُمْتَ بها / ثَبْتَ المواقفِ والأعداءُ قد ثاروا
والبِيضُ قد فُتّقتْ عنها كَمائمُها / والسُّمْرُ منهنّ في الأطرافِ أزهار
والخيلُ تُوردُها الفُرسانُ بحْرَدَمٍ / تَخوضُه ولبَرقِ السّيفِ أمطار
لمّا انثنَوا وسيوفُ الهندِ مخمَدةٌ / نيرانُها ورماحُ الخَطِّ أكسار
حَنَّتْ ضلوعُ الحنايا العوجُ نحوَ عِداً / أحداقُهم لِمُطارِ النَّبْلِ أوكار
حتّى إذا ما جرتْ في كلِّ مُلتفَتٍ / من فْرطِ إنهارِهم للطَّعْنِ أنهار
رَدّوا الوشيجَ وفي أغصانِه وَرَقٌ / من الدّماء وبالهاماتِ أثمار
ما إن شهِدْتَ الحروبَ العُونَ لاقِحةً / إلاّ نتجْنَ فُتوحٌ ثَمَّ أبكار
عاداتُ نصْرٍ على الأعداء عَوّدها / هادٍ إلى اللهِ يُهْدِي الخلقَ إن حاروا
خليفةُ اللهِ مَن أضحَى مُخالِفَه / أتاه مِن طَرفيْهِ النّارُ والعار
فلا عَدا السّوءُ مَنْ عاداهُ من مَلكٍ / كَفّارُ أنعُمه باللهِ كَفّار
ودامَ مُرعيهِ أهْلَ الدّهرِ راعيَهُ / ما استَوعبَتْ سِيَرَ الأحرارِ أشعار
وعادَ وافِدُ هذا العيدِ نَحوَكُما / بالسّعْدِ مَاكرَّ بالأعيادِ أعصار
مُضحّياً بالعدا تُدمَى تَرائبُها / ما سُنَّ بالبُدنِ إذ يُهدَيْنَ إشعار
سَلا رسوماً أقامتْ بعدَ ما ساروا
سَلا رسوماً أقامتْ بعدَ ما ساروا / أعِندها بمكانِ الحيِّ أخبارُ
ورَوّحا عاتقي من حَمْلِها مِنَناً / للسُّحْبِ فيها وفي الأجفانِ إسْآر
رَبْعٌ وقفْتُ به والسّمعُ مُرتَنِقٌ / عنِ الملامِ هوىً والدّمعُ مدرار
كأنّني واضعاً خَدِّي به قَلَمٌ / أبكِي أسىً ورُسومُ الدّارِ أسطار
خَطبْنَ وأَيمانُ الكُماةِ المَنابرُ
خَطبْنَ وأَيمانُ الكُماةِ المَنابرُ / بألسُنهِنَّ الحُمْرِ بِيضٌ بَواترُ
فخَرّتْ سُجوداً في الثّرى لِدُعائها / رُؤوسُ عُداةٍ أَسلَمتْها المَغافر
وما افتَضَّ أبكارَ الفُتوحِ سوى ظُبيً / لأغمادِها هامُ المُلوكِ ضَرائر
ذُكورٌ إذا الحَربُ العَوانُ تَمخّضتْ / لها طائرُ الفَتْحِ القريبِ البشائر
فللنّصرِ ثَغْرُ النّصْلِ يَبْسِمُ ضاحكاً / وفي الأرضِ صِدْقُ الضّرْبِ للهامِ ناثر
بيومِ وغىً أُمُّ اللّيالي بمِثْلِه / غدَتْ من أَبي أيّامِها وهْي عاقر
ودونَ سنا وجْهِ النّهارِ إذا بدا / تَظاهَر للنّفْعِ المُثارِ سَتائر
فما شَمسُه إلاّ شُعاعُ صفائح / وما أَرضُه إلاّ ثَرىً فيه ثائر
لِمُدْنٍ ذَراها في الرياح لخيلهم / بكَرٍّ وفَرّ بينهنَّ الحوافر
سقاها سحابٌ والرُّؤوس لسَيله / حبابٌ تنزَّى والدِّماءُ مَواطر
وبالحربِ كم صُقْعٍ تناهَى خرابُه / وبالسِّلمِ عن قُربٍ غدا وهْو عامر
كذاك مجاري السَّيلِ غِبَّ انجِلائه / إذا عُدَّ أيّامٌ رياضٌ نواضر
متى تَسْتُرُ الغبراءُ تُستَرَ كاسْمِها / فكم ذا إليها ناظرُ السَّوء ناظر
يَسُرُّك ماضي عَهْدِ عدْلٍ إذا أتى / على حينَ من أهليكَ لم يبقَ غابر
فلولا زمانٌ مانعٌ وزَمانةٌ / لطار برَحْلي منك هوجاءُ ضامر
وكم لخطوبِ الدَّهر ساءتْ أوائلٌ / وحال بها حالٌ فسُرَّتْ أواخر
فصابِر تصاريفَ اللّيالي إذا دهَتْ / فما يُدركُ المأمولَ إلاّ المُصابر
وللهِ قومٌ لستُ ناسيَ عهدِهم / وإن نقضَتْ عهدي اللَّيالي الغوادر
متى زاد دهري غَدْرةً زِدتُ ذُكرةً / لأيّامهم والحرُّ للعهدِ ذاكر
أَباعِدُ أملاكٍ إذا ما طرَفْتهم / كأنْ قد أطافتْ منهمُ بي عشائر
لِقُرْبيَ منهمْ لا لِقُرْبي برحلتي / إليهم يُباهِي كُلُّهم ويُفاخر
وقد خلَطوني بالنّفوسِ كأنّما / نَماهُم أَبو الأقيالِ عَمْروٌ وعامر
ولم يُسْلِني عنهم وإنْ عشتُ بعدهم / بنو زمني هذا الّذينَ أُزاوِر
فكيف وقد أَصبحتُ لا أَنا مُنجدٌ / إلى طَرَفٍ سَيْراً ولا أَنا غائر
فإن تَكُ بابنَيْ قَيلةٍ شَطّتِ النّوى / فكم قَولةٍ منّى بها الدَّهْرُ فاخر
وإن أَصبحَ الأنصارُ عنّيَ غُيّباً / فناصرُ ديِنِ اللهِ لي منه ناصر
لقد شِمتُ من كفَّيهِ عَشْرَ سَحائبٍ / فأوردْتُ آمالي وهُنَّ عَواشر
إلى أَوحدِ الدُّنيا الكبيرِ الذي غدا / إلى كابرٍ يَنْميهِ في المجدِ كابر
هَجرْتُ الورَى طُرّاً وهاجرْتُ طائعاً / فلم يَحْظَ منّي هاجِرٌ ومُهاجر
إمامٌ هو الشَّمسُ المنيرةُ للورى / به تَهْتدي أَبصارُهم والبصائر
تَسترّتُ من رَيْبِ الزّمانِ بِظِلِّه / فما هو لي عن عَيْنِ دَهْريَ ساتر
بأقضَى قضاةِ الدَّهرِ أَعزَزْتُ جانبي / فأحجَم عنّي صَرْفُه وهْو صاغر
بمَوْلى مَوالٍ رأيُه العضْبُ صائبٌ / ومُولي نوالٍ بحْرُه العَذْبُ زاخر
له أَرقَمٌ ما انفَكَّ يَرقُمُ أحرُفاً / بها الدِّينُ ناهٍ للعِبادِ وآمِر
تُداوِي وتُدْوي دائماً نفثاتُه / فمِن نابِه التِّرياقُ والسُّمُّ قاطر
يُجِيبُ بفَتْوى أو بجَدْوى سؤالَهم / فما هو عنها طُرْفةَ العينِ فاتر
مَليٌّ بتَقْريبِ البعيدِ برأيِه / إذا ما خلا يوماً بَملْكٍ يُشاور
مَيامِنُه من غيرِ بعثٍ لعَسْكرٍ / غَدتْ دونَ هذا المُلْكِ وهْي عَساكر
إذا ما رجالَ الدّهرِ عَدَّتْ أناملُ ال / وَرى سجدَتْ عَجلَى إليك الخَناصر
فإن يُنْوَ تَقديمٌ بها فأيامِنٌ / وإنْ يَنْو تَفْخيمٌ بها فالأياسر
فِداؤك مِن صَرْفِ الرَّدى كُلُّ كاشحٍ / غدا وهْو عن نابِ العداوةِ كاشر
وخاطَرَ بالنَّفْسِ امْرؤٌ باتَ ليلَه / خِلافُك منه وهْو بالبالِ خاطر
أيا رُكنَ إسلامٍ أُراقِبُ حَجَّه / ولي عنه دَهْري مُحصَرٌ ومُحاصَر
متى تَلْتَقي عيني بغُرّةِ وَجْهِه / فقلبي إليه رائدُ الشَّوقِ طائر
أأصبِرُ عن نادِيه يوماً يَمرُّ بي / وما أنا فيه حاضِرٌ ومُحاضِر
وإنّ امرأً أرجَا من العُمْرِ ساعةً / ولم يَكْتسِبْ فيها علاءً لَخاسر
فِدىً لك نَفْسي من كريمٍ وناصِرٍ / تَملَّكني إنعامُه المُتَناصر
له مِنَنٌ عندي جَديدٌ رُسومُها / وما الطَّوقُ ما عاش الحمامةُ دائر
وكم جاء بي نِضْوٌ طوَى الأرضَ ذارِعاً / فعاد بما أَوْقَرْتَهُ وهْو شابر
فيا مالِكي عطفاً عليَّ بنَظْرةٍ / لها منكَ في ماضي الزَّمانِ نظائر
تَماسَكْتُ حتّى لم أَجِدْ لي تماسُكاً / فها هيَ صارتْ بي إليك المصائر
ولي شِبْلُ صِدْقٍ غيرَ أنْ ليس حاضري / فَتُنجِدُني أَنيابُه والأظافر
وصَعْبٌ بلا إسعادِ صَحبٍ نفائسٍ / إذا لم يكنْ بعضٌ لبعضٍ يُضافر
وإنّي لَتُضْنيني حَوالَيَّ أنْ أرَى / معاشرَ كُلٌّ لي خليلٌ مُعاشر
فأشكوهُمُ يَشْكونَ أيضاً إضاقةً / عُمومُ الأذى منها على النّاسِ ظاهر
وقد أكّدوا الشَّكْوَى بنادرةٍ حكَوا / وتُبدي خَفّياتِ النّفوسِ النَّوادر
حكَوا أنّ في مِصْرٍ صلاةَ جماعةٍ / رأتْ عينَ بادٍ وهْو إذْ ذاكَ حاضر
فخالطَهمْ حتّى يصلِّي وما درَى الصْ / صَلاةَ فأضحى واقِفاً وهْو حائر
فقالوا له افْعَلْ ما فعَلْنا ولا تخَفْ / إذا لم تكُن منه لشَيْءٍ تُغادر
فلمّا استَوى خلْفَ الإمام وصارَ في الرْ / رُكوعِ تَدلَّى ما حوَتْه المَآزر
فأَمسكَ خِصْيَيْهِ فتىً كان خلْفَه / لَيضْحكَ منه وهْو حَيرانُ سادر
ومن بعضِ أركانِ الصَّلاة لجَهْلِه / تَوهَّمَهُ رُكناً فأَهوَى يُبادر
وأمسَك بالشّيخ الإمامِ أمامَه / كذلك فاسودَّتْ عليهِ المَناظر
وظلَّ البُدَيْوِيُّ المُعنَّى وماجِنٌ / من الظّهْرِ خِصْيَيْهِ إلى العَصْرِ عاصر
وخَلَّى الإمامَ حينَ خَلّوهُ بعدَما / أضاعَتْ من الضِّحكِ الصّلاةَ المَعاشر
وما شَبّهوا إلاّ الحواشي بما حكَوا / فجَلَّ عن الشِّبْهِ المَوالي الأكابر
وثقْلُ اللّيالي لا الحواشي شِكايَتي / فهل عاذِلٌ لي لو تَحقّقَ عاذر
وحاشا حواشي سَيّدٍ أنا عَبْدُه / له ولهم ودّاً صفتْ لي الضمائر
مكاريمُ للأضياف في عَرصاته / سقَى عهدَهم عنّي الغُيوث البواكر
فما قصَّروا بي عن مدىً من كرامةٍ / ولكنّني عن شُكْرِهم أنا قاصر
إليك إذَنْ لامنكَ نُنْهي شِكايةً / ولا مُشتكَي إلاّ اللّيالي الجَوائر
فهَبْ نظرةً عَدْلاً يَصِخْ لك ناظِراً / بَواطِنُ من أَحوالنا وظَواهر
إذا ما علَى النُّوّابِ ثُقِّلَ ثَقّلوا / عَلّى فلِي ما ضّرَّ صَحْبِيَ ضائر
يقولون نحن الغارمون فما لنا / يُساهِمُنا ذو تُرْفةٍ ويُشاطر
فقلتُ هما صِنْفانِ صِنْفٌ مَغارِمٌ / بها استَوجَبوا سَهْماً وصِنْفٌ مَفاقر
ولا تَخْرِقُ العاداتِ أنظارُ مُعْسِرٍ / شكا زمَناً حتّى تَعودَ مَياسر
وغير بعيدٍ حيثُ كُذِّبَ أَوّلٌ / لطالعِ فَجرٍ أنْ يُصَدَّقَ آخِر
لعلّ لعاً إن قلتَ يَرجِعُ ناهِضاً / بإقْبالِك الجَدُّ الّذي هو عاثر
فمُرْ لي بتَسْويغ القضاء ومُرْهُمُ / بقَسْمٍ سواءٍ دامَ منك الأَوامر
لِيجمعَ كُلاً ظِلُّ دولتِكَ التي / علينا الغِنَى من سُحْبِها مُتَقاطر
فأنت لنا المَولَى العظيمُ جلالُه / ونحن فأَسعِدْنا العَبيدُ الأصاغر
ومادُمْتَ حيّاً فالحقوقُ قديمةٌ / لبَحْرِك يا ابنَ الأكرمينَ أُجاور
فإنّ مَعاشي في بقيّةِ عيشتي / عليك فلا تَشْغَلْكَ عنّي المَعاذر
ضَياعي كذا عارٌ على كُلِّ صاحبٍ / وحاشاك أن تغْشَى عُلاكَ المَعاير
وإلاّ فَطَيّاً للفيافي تَجوزُ بي / عُذافِرَةٌ أَجوازَها أَو عُذافر
ولا عَيْبَ أنّي من جنابِكَ راحلٌ / إلى جانبٍ لي فيه تُرعَى أواصر
فقد خِفْتُ حتّى خِفْتُ أنْ ستقولُ لي / وأنت على ما شئْتَ لو شئتَ قادر
كما قال زَيْدُ الخيلِ يومَ حفيظةٍ / غدا وهْو فيه للحُطَيئةِ آسر
أقولُ لعَبْدَيْ جَرْوَلٍ إذْ أسَرْتُه / أَثِبْني ولا يَغْرُرْكَ أنّك شاعر
فقال ألا لا مالَ عندي وإنّما / ثَوابي ثناءٌ في البسيطةِ سائر
فأَطلَقَ عن قَيْنَيهِ قَيْدَيهِ مُسرعاً / وعاد إلى أصحابهِ وهْو شاكر
فيا أيُّها الصّدْرُ الّذي بَحْرُ جُودِه / له الواردُ التّأميلُ والشكرُ صادر
سريرتُك الإحسانُ والعَدْلُ والتُّقَى / وفي كُلِّ صَدْرٍ إن نظرنا سَرائر
حياؤك يَطْوِي ما يُفيدُ منَ الّلها / ولكنّ ما يَطْويِه شُكريَ ناشر
فزِدْني جميلاً منك وازْدَدْ بشُكْرِه / جمالاً فَمولِيُّ الجميلِ مُتَاجر
ومُكْرِمُ مثْلي مُكْرِمٌ بي نفسَه / إذا أَعملَ الفِكْرَ الفقيهُ المُناظر
وسيّانِ معنىً أن يُنَوَّلَ ناظِمٌ / مديحَ جوادٍ أو يُقَبّلَ ناظر
فدُمْ للعُلا والمجدِ مادام دِيمةٌ / تُرَجّي البوادي صَوْبَها والحَواضر
ودام شهابٌ أنت مَطْلعُ سَعْدِه / وأَنوارُهُ للنّاظرِينَ بَواهر
لمّا شَكا قلبي هَوَى نَوارِ
لمّا شَكا قلبي هَوَى نَوارِ / وعارِضي كالصُّبحِ في الإسفارِ
والشَّعْرُ منها أَسودُ الشِّعار / كجُنْحِ ليلٍ جَدّ في اعْتِكار
مالتْ من الإنْسِ إلى النِّفار / وأصبحَتْ قاطعةَ المَزار
ولم تكد تَقرُبُ من دِياري / إلاّ طُروقاً بخيالٍ سار
وزادَهَمَّ قلبِها المُطار / إعسارُ شَيخٍ رافعِ الأستار
والجمْعُ بينَ الشّيبِ والإعسار / عند الدُّمَى ذَنْبٌ بلا اغْتِفار
ولا له يُصْغَي إلى اعتِذار / فكلّما لَطّفْتُ لاسْتِهْتاري
عُذْري غدَتْ تومي إلى عِذاري / فعندَ ذاك عَظُمَ افتِكاري
وشَبَّ في قلبي شُواظُ نار / وغلَبتْ حَيْرتِي اصْطِباري
لكنْ لمكْتومٍ منَ الأسْرار / وقَدَرٍ سَعْدٍ منَ الأقْدار
أقبلَ وفْدُ المِهْرجانِ الطّاري / مُعدِّلاً عند ذوي الأبصار
للَّيل والنّهارِ في المِقْدار / فَتَّم صُلْحٌ لا على إنكار
ما بين خَصَمْينِ ذَوَيْ أشجار / من ظُلَمٍ تَجْنى على أنوار
وحَكَم النّاسُ على استبْصار / أنّ استواءَ اللّيلِ والنّهار
قد كانَ بَعدَ ذلك الضِرّار / يَطرَحُ كَفَّ الفَلَكِ الدَّوّار
للشّمسِ في الميزانِ كالدّيِنار / فنَبّهتْني نظرةُ اعْتِبار
وعلَّمتْني شيمةَ المُدار / وهل فتىً في زمَنِ اضْطِرار
بعَجْزِه يَجْرِي ولا يُداري / إلى رُجوعِ زمَنِ اخْتِيار
فقُمْتُ مثلَ الأسَدِ المُثار / ولم أَزلْ بكَثْرةِ التَّدوار
والطّوفِ في الأنجادِ والأغْوار / والقَطْعِ للمَهامِهِ القِفار
مُستَبْضِعاً غُرّاً منَ الأشعار / وحامِلاً دُرّاً إلى بِحار
من خلفاء اللّهِ في الأمصار / أو السّلاطينِ ذَوي الأقطار
أو صاحبٍ قُدّمَ لاسْتِيزار / من كُلِّ نَهّاء الوَرى أمّار
حتّى رجَعْتُ ظاهرَ اليَسار / مُمتِليءَ اليمينِ واليَسار
فكم غَدوتُ وازِنَ النُّضار / ورُحْتُ منه قاضيَ الأوطار
ونلتُ وَصْلَ الكاعِبِ المِعطار / ومَفْرِقي منَ السّوادِ عار
والذّهَبُ المُذهِبُ للأفكار / فالحمدُ للهِ العزيزِ الجار
مُبدّلِ الإقلالِ بالأكثار / ثُمّ الصّلاةُ دائمُ الأدوار
منّا على نَبيِّه المُختار / مُحمدٍّ وآلِه الأخيار
هذا حديثُ قَطْعِيَ البراري / وجَرْيِ أحوالي على المَجاري
حتّى حطَطْتُ الفَقْرَ عن فَقاري / وسفَرتْ عنِ الغِنى أسفاري
فَكَرّ صَرْفُ دَهْريَ الكَرّار / وصار طَعْمُ العيشِ ذي الأطوار
من بَعْدِ إحلاءٍ إلى إمراء / ظِلُّ غنىً آذَنَ بانحسار
فاليوم عاد عائدُ الإقْتار / وما أظُنُّ جابِرَ انكساري
بعد رجائي نَفحاتِ الباري / سوى كريمِ النفْسِ والنِّجار
حَلاّلُ أعلَى قُلَلِ الفَخار / بَنانُه كالدّيمةِ المِدْرار
وشأنُه مَعونةُ الأحرار / مثْلُ رشيدِ الدّين في الكِبار
وقولُ مِثْلُ مُوجِبُ استِغْفاري / فما لَه مِثْلٌ ولا مُجار
وما لَهُ في فَضْلِه مُمار / طَوْدٌ من الأطوادِ ذو وَقار
مُسدَّدُ الإيرادِ والأصدار / عَزْمَتُه كالصّارمِ البَتّار
ورأْيُه زَنْدُ النّجاحِ الواري / إذا انتدَى للحَمِدِ في أيسار
يَضْرِبُ بالسَهْمَيْنِ في الأعشار / أخبارُه عظيمةُ الإكبار
وخَيْرُه مُصغَّر الأخبار / فبَحْرُهُ مُلتَطِمُ التّيّار
وقَطْرُه ما انفَكَّ في انْهِمار / قد زارَنا نَفْديهِ مِن زَوّار
وما قَرأْنا قَطُّ في الأسفار / وما سَمِعْنا قَطُّ في الأسمار
بكعبةٍ سارَتْ إلى الزُّوّار / ولم يَشُدّوا العِيسَ بالأكوار
يا مُحسِناً حمايةَ الذِّمار / اُذكُرْ مقُامي وهْو ذو اشْتِهار
يا غيْرَ محتاج إلى الإذْكار / بمِدَحِ جلَوْتُها أبكار
في مِعصَمْ العلياء كالسِّوار / كَدُرَرٍ يُصَنَّ أو دَرار
فقلْ لعاً إن ذلَّ ذو عِثار / ظامٍ يَعافُ الوِرْدَ للإسْآر
كم ذا أُواري هكذا أُواري / وأَطلُبُ الصّفْوَ منَ الأكدار
في قُرْبِ شَرٍّ طائرِ الشَّرار / وتُرْبِ أرضٍ مُنْبِتِ الأشرار
شُكْري لبَحْرِ جُودِكَ الزَخّار / إذ لا يزالُ طافِحَ الغِمار
وَقْفاً على الغُيّابِ والحُضّار / فأَجْرِ إدْراريَ وهْو جار
مادام حُسْنُ الرّأيِ منكَ جار / واسْمَعْ بديعَ مَدْحِيَ السّيّار
فالدُّرُّ منّى ثَمَنُ الإدرار / أَرْبِحْ بها من صَفْقةٍ للشّاري
يا طالعاً سَعْداً على الدِّيار / طُلوعَ غيثٍ مُسْبِلِ القِطار
قِطارُه تَهمى على الأقطار / وساعياً للنّفع لا الإضرار
وبَثُّ عَدْلٍ عامرُ الأمصار / عيونُها إليه في انتِظار
لا زلتَ نجماً عاليَ التَّسيار / وَحْدتُه تُغْنِي بلا أنصار
غَناءَ ألفِ عسكرٍ جَرّار / يَغدو غُدُوَّ الضّيغَم الهصّار
ما غاب عن غابٍ طَلوبُ ثار / إلاّ وعادَ ظافرَ الأظفار
عشْتَ لمُلْكٍ ثابتٍ القَرار / طويلَ عُمْرٍ طالَ في اقْتِدار
قصيرِ أيّامٍ مِن استِبشار / حتّى تَرى عُمْرَك في الأعمار
يُسمونَهُ الطّويلَ بالقِصار / دُمتَ تَزينُ المُلكَ بالآثار
ما زِينَتِ الرّياضُ بالأزهار /
أيا غائبَ الشّخصِ عن ناظري
أيا غائبَ الشّخصِ عن ناظري / على أنّ نعمتَهُ حاضِرَهْ
إذا شئتُ نَزَّهتُ من دارِه / لِحاظيَ في جَنّةٍ ناضِره
ولكنّ عينيَ تشَتاقُ أن / تكونَ إلى رَبِّها ناظِره
يا راحلاً بالسّعدِ عن مُقْلتي
يا راحلاً بالسّعدِ عن مُقْلتي / ونازلاً ما بينَ أَفكاري
إنْ يَخْلُ طَرْفي منك في حالةٍ / فليس يَخْلو منك إضماري
أحلَلْتَني في مَنْزلٍ آنِسٍ / مَأْلَفِ قُصّادٍ وزُوّار
وروضةٍ غَنّاءَ في صَحْنِها / نُزْهةُ أَسماعٍ وأبصار
فإنّما بُعدُك لا غَيره / هو الّذي يَشغَلُ أَسراري
فنحن من دارِك في جَنّةٍ / نَعَمْ ومن بُعْدِك في نار
فهل سَمعْتُم بفتىً نازِلٍ / بالّنارِ والجنّةِ في دار
لمّا غدَتْ خَيلُ اشتِياقي لكم / تَركُضُ في مِضمارِ إضماري
جَرى إليكم قَلَمي سابِقاً / واحسَدا للقلَمِ الجاري
برَيتُه فانقادَ لي طائعاً / وليس بِدْعاً طاعةُ الباري
وقام لي بالرّأسِ يَعْدو به / عَدْواً كلَمْحِ البارقِ السّاري
فَودَّ قلبي والفلا بيننا / يُعْيِي المطايا بُعدُ أقطاري
لو أنّها طِرْسي ولو أنّني / لقلَمِي أحكِي بتَسْيار
بل لو وصَفْتُ الشّوقَ يا سادتي / مُذْ بَعُدَتْ من دارِكم داري
لكان أَصفاري إذا ضُمِنَتْ / أَقلَّه في طُولِ أسفاري
متى أرَى ليلَ فراقي لكم / يَصدَعُه صُبْحٌ بإسْفار
وأيَّ يومٍ يغَتْدِي ناظري / مُكتحِلاً منكمْ بأنوار
فدَتْك نَفْسي يا ضياءَ الهُدى / من ماجدٍ مُسعِدِ أحرار
لم يُسْلِني عنك كرامُ الوَرى / بل زاد كُلُّ بك إذْكاري
وما أرَى مثلَك في طُولِ ما / أَلُفُّ أنجاداً بأَغوار
فلستَ تغدو يا حليفَ النّدى / إلاّ مُقيماً بينَ أسراري
إليك كنتُ بادئاً هِجْرتيِ / فكنتَ من أكرمِ أنصاري
فانصُرْ أبا نصْرٍ فؤادي على / جَيشَيْنِ من شَوقٍ وأفكار
بِمَدَدٍ تُلْحِقُه عاجِلاً / منك ولو خَمْسةَ أسطار
أهكذا يَسْري القَمَرْ
أهكذا يَسْري القَمَرْ / واللّيلُ مُسوَدُّ الطُّرَرْ
لم يَجْلُ منه ما اعتكَر / ولم يَرَ النّاسُ أَثَر
لا بل هو الطّيْفُ عَبَر / مُنتقِباً وما سَفَر
فيتْرُكَ اللّيلَ أَغَرّ / ويَشْفيَ العينَ نَظَر
يا زائراً ولم يُزَر / دَلّس بُخْلاً بخفَر
ولم يَصِلْ حتّى هَجَر / وسبَقَ الوِرْدَ الصَّدر
وكان ظِلاًّ فانحَسَر / إلاّ بقايا مِن ذِكَر
تكْحَلُ عَيناً بسَهَر / فقُمْتُ والدَّمعُ درَر
أَكُفُّ منه ما بَدَر / وأكتُمُ الصّحْبَ الخَبر
ودوننا خافي الأثر / وليلُه إذا افتقَر
يَسوفُ أنفاسَ العُفُر / إلى شديدِ المُضْطَمر
مِن المَطيِّ المُدَّخَر / مُلِّكتُه مِلْكَ الظّفَر
فيه معَ العِتْقِ أَشَر / رعَى بأعلى ذي عُثَر
بين رياضٍ وغُدُر / أَوديةً حُوَّ السُّرَر
بها كَتَوشيع الحِبَر / أَوّلُ ما فاحَ الزَّهَر
فخاضَها على غَرَر / من القَنا بمُشتَجَر
يأخذُ نَبتاً ويَذَر / معَ الجواري بالخُضَر
عن نُطَفٍ فيها خَصَر / حتّى أتى وقد أَشِر
يَملأُ عينَيْ مَن نظَر / فيه على العيسِ الخِيَر
يَبعُدُ عنه في الحُضَر / بعدَ تماحٍ من أَثر
فإن نَشِطْنَ وفَتَر / بين صَفاءٍ وكَدَر
كألِفٍ بَيْنٍ سَطَر / فمَرّ كالظّبْيِ نَفر
أو لا فكالسّيلِ انحدَر / أو لا فكالنّجمِ انكَدَر
أو لا فكالوَهْمِ خَطَر / من وَقْعِ مَجْدولِ المِرَر
بعِطْفِه عنه زَوَر / حتّى إذا الحادي نَعر
وطالَ بالرَّكْبِ السّفَر / وجالَ بالنَّسْعِ الضُّمُر
ومال بالنَّفْسِ البَهَر / طَوى البلادَ ونَشَر
حتّى طرقْنا عن عَفَر / فِناءَ عزٍّ مُحْتَضَر
عند مليكٍ مقتَدِر / يَجْري نَداهُ في البَشَر
جَرْيَ القضاء والقَدَر / سامي العُلا عالي السُّرُر
نَزْرُ البُرَى جَمُّ القُدُر / إن وتَرَ الدَّهرُ ثَأَر
أو كُسِرَ العَظْمُ جَبَر / أو جمَدَ النَّوءُ مَطَر
أو خَفَّتِ الخيلُ وَقَر / لمّا رأى الإمْرَ احْتَضر
وأصبحَ العُسْرُ فَغَر / صابَرَ فيهِ وصَبَر
في قلّةٍ مِمّنْ نَصَر / حتّى ثنَى البِيضَ كِسَر
وحَلَّ هاماً ونثَر / وأَرسَلَ الخَيلَ زُمَر
عَوابِساً مَعَ الغُرَر / وهُنَّ ينفُضْنَ الغُدَر
صوابِراً تحت صُبُر / تَصلَى إذا الرَّوعُ استَعَر
ناراً لها النَّبْلُ شَرَر / يومٌ أَغرُّ مُشتَهر
ألّفَ للمَلْكِ الأغَرّ / بينَ المُرادِ والظّفَر
يا سَيفَهُ إذا انتصَر / وغَوْثَه إذا اعتَصر
ومجْدَه إذا افتخَر / أنت الوزيرُ والوَزَر
ومَن سِواكَ مُحتقَر / وهل يُداني في الخَطَر
شمسَ ضُحىً نَجْمُ سَحَر / ما للعدُوِّ لا نُصِر
يَرُدُّ أمراً قد قُدِر / كما يَلُحُّ من قُمِر
تَعْساً له إذا استَمر / ولا لَعاً إذا عَثَر
مُرِ الزّمانَ يأتَمِر / ولا تُضِعْ فيه الغُرَر
وأنتَ مَيمونٌ ظَفَر / فلو وخَزْتَ بالإبَر
صارتْ رماحاً في الثُّغَر / فنَلْ بها القومَ الغُدُر
فهنّ يَنزَعْنَ الوَحَر / من كلِّ صَدْرٍ قد وَغَر
يا مَن إذا شاءَ قَدَر / ومَن إذا أعطَى ابتَدَر
حتّى إذا سِيلَ اعتَذَر / حتّى إذا زادَ شَكَر
ليس النّدى وإنْ غَمُر / وكان أَدناهُ بِدَر
بمُعْقِبٍ حُسْنَ أَثَر / ما لم يكُنْ إذا انهَمَر
أَنْفَسُه لِمَنْ شَعَر / وغاصَ فيه بالفِكَر
وقِسْمُه الأَدنَى خَطَر / نَصْباً لكلِّ مَن حَضَر
أما تَرى البحرَ زَخَر / فعَمَّ كلاً بالمَطَر
وخَصَّ قَوماً بالدُّرَر / مُؤيَّدُ المُلْكِ وَزَر
فما عدا هذا هَذَر / مِمّا جنَى دَهْرٌ غِرَر
كلُّ الذّنوبِ تُغتفَر / إذا بعلياهُ اعتَذر
أبدَع في حُسْنِ السِّيَر / فيما نهَى وما أَمَر
فقيلَ قولٌ قد ذُكِر / فاقَ أبو بَكْرٍ عُمَر
إن لم يَفُقْهُ لم يُضَر / فقد تَساوَى المُختَبر
يا مَن إذا الفَحْلُ هَدَر / مِن يَمَنٍ أو مِن مُضَر
إلاّ النّبيَّ والعِتَر / أَقبلَ لا يَمْشي الخَمَر
فطالَ فَخْرُ مَن فَخَر / وطاب عند مَن خَبَر
طبْعاً ونَفْساً ونَفَر / هَناكَ ما شِئتَ العُمُر
ودُمتَ ما حَنَّ الوَتَر / ونلْتَ في العِزِّ الوَطَر
أَنطْتَ مُلْكاً فَطَهُر / من بَينِ أحشاءِ الغِيَر
بجِدِّ بِيضٍ وسُمُر / فكن رَبيطَ المُصطَبَر
إن طَرقَتْ فيه فِكَر / كُلُّ قَليبٍ مُحتَفَر
أَوّلُه كان كَدَر / ثُمّ صفا على الأَثَر
كفاكَ مِن قَوْلي فِقَر / من كُلِّ معنىً مُبتكَر
في كلِّ بيتٍ مُخْتَصَر / كأنّه على القَدَر
يومٌ سُرورٍ من عُمُر / حُسْناً وطِيباً وقِصَر
قلتُ للحاسدِ نمّا
قلتُ للحاسدِ نمّا / عَمِلَتْ فيه البِشارَهْ
والوِلاياتُ جميعاً / عند أَهليِها مُعاره
ما عُبَيْدُ اللّهِ مِمّنْ / نالَ بالعَزْلِ خَساره
هو لم يُعزَلْ ولكنْ / عُزِلَتْ عنه الوِزاره
وكأنّي باللّيالي / ولقد تَكْفي الإشاره