القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 46
لولا طُروقُ خيالٍ منكَ مُنتظَرِ
لولا طُروقُ خيالٍ منكَ مُنتظَرِ / يُلمُّ بي راقداً ما ساءني سَهَري
وإن خَلتْ منك عَيني حين تُسهِرها / فليس يُخْليك طُولُ الوجْد من فِكَري
تَحُلُّ في ناظِري إن زُرتَني أبداً / عِزّاً وفي خاطِري إن أنت لم تَزُر
يا مَن غدا فَرْط حُبّي وهْو يَحملُه / على البصيرة منّي أو على البَصَر
إنْ تَغْشَ طَرْفي وقلبي نازلاً بهما / فالطرفُ والقَلبُ كُل مَنزلُ القَمر
إن يَطْرُقِ الطّيفُ عَيني وهْي باكيةٌ / فالبَدْرُ في الغيم يَسْري وهْو ذو مَطر
عَمْري لقد سَحَر الأبصارَ حين سَرى / بَدراً ولم يُر لمّا زار في سَحَر
فَمَرَّ مِنّي بغُمْضٍ كان جاء به / وقُمْتُ أبكي بدمْعٍ عندها دَرَر
كأنّ جَفْنِيَ إكراماً لزائرِه / أمسَى على قَدمَيْه ناثرَ الدُّرر
تحيّةٌ من عَرارِ الرَّمْلِ واصلةٌ / والرَّكبُ يَطلُعُ من أعلامِ ذي بَقَر
وليس بالرّيح إلاّ أنّها نَسمَتْ / على مساحب ذيلٍ بالحِمَى عَطِر
كم زرتُهم وحُماةُ الحَيِّ مانعةٌ / للبيضِ بالبيض أو للسُّمْر بالسُّمُر
أرمي إليهم بطَرْفِ العَيْن أقسِمُه / بين الرّقيب وبين الإْلف من حَذَر
كعَينِ ذي ظَمأ أمسَتْ مُعايِنةً / للماء ساعةَ لا وِرْدٍ ولا صَدَر
لله خيلُ بُكاً تَجْري صَوالِجُها / أهدابُ عَيني وقَطْرُ الدّمع كالأُكر
تَخُدُّ حَلْبةَ خَدّي كلّما ذكروا / منها سَوابقُ ما تَنفكُّ في حُضُر
والجوُّ كالرّوضةِ الخضراءِ مُعرِضةٌ / لناظرِي والنّجومُ الزُّهْرُ كالزَّهَر
واللّيلُ كالرّاية السّوداء قدّمَها / للصُّبِح خيلٌ تُرى مُبيضّةَ الغُرَر
يَحكي لواءَ بني العبّاس يومَ وغىً / إذا بدا وجيوشُ التُّركِ في الأثَر
لا حائدٌ عنهما يَنجو على بُعُدٍ / أن يُدرِكهُ ولا يَأْوي إلى وَزَر
هما اللّذانِ إذا مالا على أُمَمٍ / لم يُبْقِ مَرُّهما شيئاً ولم يَذَر
إنْ ساعَدا زَمناً أو عانَدا أتَيا / بغايةِ التّفعِ للأقوامِ والضَّرر
لا يَعجبَنّ ملوكُ الأرض حين غدَوْا / واسْمُ السّوادِ لديهم رايةُ الظَفَر
لو لم يكُنْ وأيادي اللّهِ سالفةٌ / هذا الشِّعارُ معَ الأفلاك لم تَدُر
قد أَسندَتْ أَمرَها الدُّنيا إلى مَلِكٍ / ما افتَرّ عن مثْلِه خالٍ منَ العُصُر
كأنّما قال أَحداثُ الزّمانِ له / يا أَقدرَ النّاسِ قُمْ للّهِ فانتَصِر
فقد غدا الدّينُ يُغضي طَرْفَ مُضطَهَدٍ / وأَصبحَ الحقُّ يُخْفي شخصَ مُستَتِر
فقام مُستَظْهراً باللّهِ يُظْهِرُه / بالرَأْيِ طَوراً وبالهِنديّةِ البُتُر
راعٍ يَبيتُ على قاصي رَعيّتِه / فؤادُه كجناحِ الطّائرِ الحَذِر
محاسنُ السّلَفِ الماضينَ كُلِّهمُ / مجموعةٌ فيه جَمْعَ القَطْرِ في الغُدُر
له يدٌ خُلِقَتْ للجودِ فهْو لَها / طبعٌ كما خُلِقَ العينانِ للنَّظَر
إن أنت يا بحرُ لم تَملِكْ ندىً خَضِلاً / فمِنْ يمينِ الإمامِ القائمِ اسْتَعِر
وأَنت يا بَدرُ إن أَظلَمْتَ في أُفُقٍ / فجُزْ بسُدّتهِ العَلْياء تَستَتِر
ويا حُسامُ إذا لم تَحْكِ عَزْمتَه / فما تَسَمّيك بالصّمصامةِ الذَّكَر
مَلْكٌ إذا قَدَّرتْ أمراً عزائمُه / وافَى معَ القدَر الجِاري على قَدَر
في مَعْرِضِ السِّلْمِ تَجلو الحَرْبُ نَجدَته / إذا الأعادي رَمَوا باللّحْظِ من أَشَر
فالسُّمْرُ مركوزةٌ والبِيضُ مُغمَدةٌ / لكنّها في طُلىً منهمْ وفي ثُغَر
إذا تلاقَتْ له يوماً قناً وعِداً / أَجلَيْنَ عن مِزقٍ منها وعن كِسَر
من كلِّ كَعْبٍ لها بالكَعْبِ مُختلِطٍ / وكلِّ صَدْرٍ لها في الصَّدْرِ مُنْكَسِر
للّهِ دَرُّك إذ تَرعَى الورَى حَدِباً / من مُقْتفٍ سُنَنَ الآباء مُقْتَفِر
له من الحَبْرِ عبدِ اللّهِ علْمُ هُدىً / يُجْلَى من النُّطْقِ في أَبهَى من الحِبَر
ويَسحَرُ القلبَ تسويدُ البياضِ بِه / كأنّما هو مجموعٌ منَ الحَوَر
يا مَنْ سريرتُه عَدْلٌ وسيرتُه / لكلِّ مُستَخْبِرٍ عنها ومُخْتَبِر
نَفديك من مَلِكٍ إنْ يَغْدُ مُنْتَقِماً / يُمهِلْ وإنْ يُسألِ الإنعامَ يَبتَدِر
أَغَرُّ أَزهَرُ فيّاضٌ أَنامِلُه / من معشرٍ كمصابيحِ الدُّجَى زُهُر
قومٌ بنو خَيرِ أَعمامِ النّبيِ هُمُ / فما يُدانيهمُ فَخْرٌ لمُفتَخِر
يا وارثَ الأرضِ والأمرِ المُطاعِ بها / إرْثاً من السّابقِ المكتوبِ في الزُّبُر
بِكُمْ قديماً رسولُ اللّهِ بَشَّرنا / كما بِه بشّرتْنا سالفُ النُّذُر
لمّا غدا من أبيكم واضِعاً يَدَهُ / مَجداً على ظَهْرِ خيرِ البدْوِ والحضَر
وأنتُمُ فيه أسرارٌ مُكتَّمةٌ / من كلِّ وارثِ مُلْكِ الأرضِ مُنتظَر
إليكُمُ مَدَّ يُمناهُ يُعاهِدُكم / هُناك بالعدلِ والإحسانِ في السِّيَر
شبيهَ ما عاهدَ اللّهُ الأنامَ وهم / من بعدُ في الظَّهْرِ سِرٌّ من أَبي البَشَر
حُكْمٌ قضَى لكُمُ رَبُّ السّماء به / على العبادِ برَغْمِ الكاشِحِ الأشِر
هل بعد قولِ رسولِ اللّهِ من رِيَبٍ / أم هل كصِدقِ رسول اللّه في خَبَر
سَمَّى الخلافةَ مُلكاً بعد أَربعةٍ / هم في الأنام وأنتم خِيرةُ الخِيَر
وقال من بعدُ للعبّاس في مَلأَ / افخَرْ فأنت أبو الأملاك من مُضَر
فعِلْمُنا مُدّةَ الدنيا خلافَتُكُم / بواضحٍ في بُطون الكُتْب مُستَطَر
لا مثْلما زعمَتْ من جَهْلِها عُصَبٌ / لا يَرجِعون إلى عَيْنٍ ولا أَثَر
هل بعدَ حقٍ إذا صحَّتْ دلائلُه / إلاّ ضلالٌ فخُذْ إنْ شِئْتَ أو فَذَر
إذا تَلوْنا أحاديثاً رُوِينَ لكم / تَريبُنا نَفْرةٌ تَبدو على نَفَر
حتّى لقد صار يَحكي قولُ ذي أثَرٍ / على فؤادِ المُعادي فِعْلَ ذي أُثُر
عليه حَرْفٌ من المأثور مُشتَهِرٌ / نظيرَ حَرْفٍ من المأثورِ مُشتَهر
إلى إمام الهُدَى مَدَّتْ هَواديَها / عِيسٌ وصلْن لنا الآصالَ بالبُكَر
حتّى حطَطْنا إلى الزّوراء أرحُلَها / وعُوجُ أضلاعِها يُعدَدْن من ضُمُر
كأنّها من وعولٍ وَسْطَ مُنتطَحٍ / سلَكْنَ أو من رماحٍ بين مشتَجَر
سارتْ بنا وسرَتْ حتّى أَتَتْه بنا / ومَن يَزُرْ كعبةَ العلياء لم يَجُر
خليفةَ اللهِ صفْحاً عن أخي زَلَلٍ / فَمدْحُ مثْلكَ شَيءٌ ليس في القُدَر
لغيرِك الدّهرَ قَولي إن مَدحتُ أَصِخْ / وعند مَدحِك قَولي كلُّه اغتَفِر
إن لم تُعِدْ نظَراً فينا بعَيْن رِضاً / لم يَخلُص الصَفْوُ لي يوماً من الكَدَر
لولا رجاءٌ وخوفٌ منك مُقتَسَمٌ / ما كان عن ذنْبه دهرٌ بمُعْتَذِر
الدّهرُ عَبدُك تُرعيه الورى كرماً / فَمُرْه فينا بما أَحبَبْتَ يأْتَمِر
والأرضُ دارُك والنُّعمَى قِراك بها / والضيّفُ كُلُّ الورى والنّحْرُ بالبِدَر
فَدُمْ كذاكَ أميرَ المؤمنين لنا / جَذْلانَ في ظِلِّ مُلْكٍ غيرِ مُنحَسِر
وصُمْ وأَفطِرْ بسَعْدٍ وارْمِ أَفئدةَ ال / حسّادِ يُصبِحْنَ من مُصمىً ومُنفطِر
تَغْدو بآلِكَ ذا نَفْسٍ مُمتَّعةٍ / وأَوليائك في طُولٍ من العُمُر
ما لاحَ في جُنْحِ ليلٍ أَنجمٌ زُهُرٌ / كأنّها غُرَرٌ يَلْمَعْنَ في طُرَر
أمّا الغزالُ الذي أَهوَى فقد هَجَرا
أمّا الغزالُ الذي أَهوَى فقد هَجَرا / أنْ عادَ رَوضُ شبابي مُبدِياً زَهَرا
فهل سَمعْتُمْ بظَبْيٍ في مَراتعِه / إذا رأَى زَهَراً في رَوضةٍ نَفَرا
قد كنتُ سارِقَ عيشٍ غيرَ مُفتَكِرٍ / من تحت ليلِ شبابٍ كان مُعتَكِرا
فالآن أقمَرَ ذاك اللّيلُ من كِبَرٍ / فَعُدْتُ عن سَرَقِ اللّذّاتِ مُنزَجِرا
عُلُوُّ سِنٍّ ضحا رأسي له عَجلاً / والظِلُّ مهما تعالَتْ شمسٌ انحَسَرا
نَضا رِداء سوادٍ كنتُ لابِسَه / فانظُرْ بأيِّ شعارٍ فُجِّعَ الشُّعَرا
وشِبْتُ فاحتجبتْ عنّي الحسانُ قِلىً / وكان منهنّ طَرْفي يَجْتلي صُوَرا
إذا بياضٌ أفاتَ المرءَ رُؤيةَ مَنْ / يَهوَى فسِيّانِ شَعْراً حَلَّ أو بَصَرا
عَصْرٌ أُجِدُّ بتَذْكاري له طَرَباً / حتّى أُقطِّعُ أيامي به ذِكَرا
يا قاتَلَ اللهُ بدراً لستُ أَذكرُه / إلاّ تَرقرقَ دَمعُ العَينِ فابتَدَرا
إلْفٌ أقولُ قياساً عند رُؤيتِه / إذا بدا وإذا ما زار طيفُ كَرى
مُقنَّعٌ في جُفوني كلّما رقَدَتْ / أم يُوشَعٌ في يدَيْهِ كلّما سَفَرا
بَدْرٌ سِدادُ طريقِ الدَمعِ مَطلِعُه / في ناظري فمتى ما غابَ عنه جَرى
لِثامُه مثْلُ غَيْمٍ حَشْوه بَرَدٌ / يَشِفُّ من بُعُدٍ عنه وما حُدِرا
كأنّما سَكِرَ العَينانِ منه بما / تقولُ في فيهِ من أصداغِه عُصِرا
تَمَّتْ محاسِنُه إلاّ قَساوتَه / على الأنام وإلاّ قَتْلَهمْ هَدَرا
كأنّه صنَمٌ أهدَى الحياةَ له / رَبُّ العبادِ وأبقَى قلبَه حَجَرا
لَيلي وعَينيَ لا أدري لفُرقتِه / أجُنحُه طالَ لي أم جَفنُها قَصُرا
كأن جَفْنيَّ طُولَ اللّيلِ من أرَقٍ / على حَجاجَيَّ بالأهدابِ قد سُمِرا
أو الإمام غداة العَرْضِ حين غَزا / تقاسَمتْ صُبْحَ ليلي خَيلُه غُرَرا
لمّا تَجلّتْ من الزّوراء طالعةً / تحت الفوارسِ مَرْحَى تَنْقُضُ العُذَرا
سودٌ بُنوداً وبيضٌ أوجهاً طلَبتْ / عِداً لِتَخْضِبَ حُمْراً منهُمُ السُّمُرا
تَحُفُّ أرْوعَ مَيْموناً نقيبتُه / مهما أشار بها لم يَعْدُه أشِرا
مَلْكٌ يقودُ جنوداً من ملائكةٍ / في طاعةِ اللهِ لا يَعصُونَ ما أَمَرا
وآخَرِينَ طِلاعَ الأرض من بُهَمٍ / تَهُزُ أيمانُها الهِنديّةَ البُتُرا
قومٌ إذا غَرسُوا بين الضلوعِ قناً / عادتْ حَوامِلَ من هامِ العِدا ثَمَرا
لم يَبقَ في الأرضِ لا ظُلْمٌ ولا ظُلَمٌ / إلاّ طُوِي بِيَدِ العدلِ الّذي نُشِرا
وقام مسترشِداً باللهِ أَرشَدَه / فما يطيشُ له سَهمٌ إذا افتكَرا
فإن دعا كان جُودُ الغَيثِ مُتَّصلاً / وإن سَخا كان غَيْثُ الجُودِ مُنَهمِرا
لا يَعجَبِ القومُ إنْ أَبدَى تَجَرُّدَهُ / فإنمّا هو سيفُ اللهِ قد شُهِرا
هم أغضبوا اللّهَ فاجتاحَ العُداةَ به / لا غَرو حين وتَرْتَ اللّهَ إن ثَأرا
لمّا أطالَ الطُّلَى قومٌ إلى فِتَنٍ / لم يُمْهِل السّيفُ حتّى قَصَّر القَصَرا
ضَرْباً إلى الأرضِ للتقبيلِ راغمةً / تَلقَى الثُغورَ وطَعْناً يَنِظمُ الثغَرا
ورَشْقةً تَخطِفُ الأرواحَ صائبةً / مِمّا تُطايرُهُ نارُ الوغَى شَرَرا
للمارِقينَ من الدّينِ الّذين طغَوْا / بالمارقاتِ من النَبْعِ الّذي انْأطَرا
تَجنَّحوا بسهامٍ في جُنوبِهمُ / لولا وَشيكُ الرّدى طَاروا بِها حَذَرا
لم يأكلِ النّسْرُ قَتْلاهم مُشاكلَةً / لمّا علا شِلْوَهم مَن ريشُهُ اشتَكَرا
قد أضحتِ الأرضُ تُحِكي تحتهم وضَماً / مِمّا قتلْتَ فلمَ تَعدَمْ بهمْ وضَرا
فلو غَسلْتَ الثَرى من وَطء أرجُلِهم / بغيرِ ماءِ الطُّلى منهمْ لمَا طَهُرا
فحاطَكَ اللهُ مَلْكاً ثار مُمتَعِضاً / للدِينِ حتّى جَلا عن وَجْهِهَ القَتَرا
لو لم تُكَسَّرْ رماحُ الخَطِّ شاجرةً / إذَنْ لكانَ لكَسْرِ الدّينِ ما جَبَرا
نُصْحاً لكم يا ملوكَ الأرضِ فانتَصِحوا / كفَى برائعِ ما بُلّغتُمُ خَبَرا
هو ابْنُ مَن بعجَ اللهُ الغمامَ له / حتّى تَرهْيا فأحيا البَدْوَ والحَضَرا
فحاذِروا مَن إذا ما شاء مُنتقماً / عَدَّ الحديدَ غماماً والدَّمَ المَطَرا
فيئوا إلى كُتْبِه واخشَوْا كتائبَهُ / قد أصحَر اليومَ ليثٌ طالما خَدَرا
نافٍ غِرارَيْهِ من جَفْنَيهِ ذو حَدَبٍ / يُواصِلُ الضَرْبَ دون الدِّينِ والسّهَرا
فِداؤكم آلَ عبّاسٍ وإنْ صَغَروا / من العدا مَن أسرَّ الخُلْفَ أو جَهَرا
حُكْمٌ منَ الله في الدُّنيا لدولتِكم / ألاّ يُغادِرَ حَيّاً مَن بها غَدَرا
ما استوطأ الظّهرَ مِن عَصيانِكم أحدٌ / إلاّ وقالتْ له الأيّامُ سوف تَرى
ما جَرَّد السَّيفَ باغٍ حَرْبَكم فرأى / لذلكِ السيفِ إلاّ نفسَه جَزرا
لقد رأى اللّهُ ما أَبَدى خليفتُه / وما أعادَ مِنَ العدْلِ الذي اشتَهرا
خلافةٌ رشّحتْهُ السّابقونَ لها / وِراثةً قد نَفَوا عن صَفْوِها الكَدَرا
ودَرَّجتْه إليها أوّلونَ دَعَوا / للمؤمنينَ فذادوا عنهمُ أُمَرا
سَفّاحُهم بَعْدَهُ المنصورُ يَتْبَعُه ال / مَهديُّ واقتفَر الهادي له الأَثرا
ثُمّ الرّشيدُ وأبناءٌ له نُجُبٌ / ثلاثةٌ للهُدَى أَعزِزْ بهِم نَفَرا
أمينُ مُلْكٍ ومأمونٌ ومُعتَصِمٌ / وواثقٌ وكفَى فَخْراً لِمَنْ فَخَرا
ومَن تَوَّكل فيما قد تَقلَّدَه / ومَن دَعَوه لدينِ اللّه مُنْتَصِرا
والمُستعينُ له المُعتَزُّ مُرتَدفٌ / والمُهتدي بالإلهِ المُرتَضَى سِيَرا
وقام مُعتَمِدٌ يَتلوهُ مُعتَضِدٌ / ومُكْتَفٍ مُعْقِبٌ للمُلْكِ مُقْتَدِرا
والقاهرُ العَدْلُ والرّاضي ومُتّقِياً / فاذْكرْ ومُستَكْفياً من بَعْدِ مَنْ ذُكِرا
ثُمّ المُطيعُ يَليهِ الطّائعُ اختُتِمَتْ / عُلْياهُ بالقادرِ الكافي إذِ اقتدرا
وقائمٌ قد تَلاهُ مُقْتَدٍ سَبَقا / أيّامَ مُستَظْهِرٍ باللّهِ قد ظَهَرا
خلائفٌ نُظِموا في سِلْكِ دَهْرِهمُ / ونورُ وَجْهِك منهم في المنونِ سَرى
فما عدا وهْو سِرُّ اللّهِ أَضمَرَه / بيومِ إظْهارِه أن بَشَّرَ البَشَرا
وَثمَّ عِدّةُ أملاكٍ ذَوي شَرَفٍ / تَقَدَّموه وكانوا أنجُماً زُهُرا
عِشرونَ يَتْبَعُها منهم ثمانيةٌ / كانوا المنازلَ والمسترشدُ القَمَرا
إنِ استَسَرَّ وراءَ الحُجْبِ آوِنةً / فقد شفَى العينَ إهْلالٌ له بَدَرا
فارقَبْ نَماءَ منَ الإقبالِ مُتَّصِلاً / ودوْلةً سوف تُفْني دَهْرَها عُمُرا
يا بحرَ علمٍ نَماهُ الحَبْرُ والدُه / مَجْداً ويا بَدْرَ تِمّ يَمطُرُ الدُّررا
أنعِمْ عليَّ بخَطٍّ ما حَظِيتُ به / وكم مَددْتُ إليه العينَ مُنتَظِرا
شمسُ الهدى طلعَتْ للخَلْقِ مُشرِقةً / وما رُزِقْتُ إلى أنوارِها نَظَرا
والبيتُ من دونِه الأستارُ قد رُفِعَتْ / ولم أكنْ أنا فيمنْ حَجَّ واعتَمرا
فما أرى أنّني أهدَيْتُ مُمتدِحاً / شِعْرِي ولكنّني أهدَيْتُ مُعتَذِرا
وقَلَّ سُؤْراً لكم منّا قصائدُنا / حِياضُ مَدْحِكُمُ قَدْ أُترِعَتْ سُؤَرا
كلٌّ من البحرِ مُمتارٌ لدرّتِه / ولي إلى البحرِ راوٍ يَحمِلُ الدُّررا
وواعدي بالغنى فَقْرِي إليك وقد / نالَ الغنى مَن إلى إنعامِك افتقَرا
خليفةَ اللهِ جَلَّلْتَ الورى نِعَماً / ألا فلا لَقِيَتْ أيّامُك الغِيَرا
هَبْ للثَّرى نظْرةً تَرمي بها لتَرَى / هامَ الرُّبا برِداء النَّورِ مُعتَجِرا
قد زَيَّنَ الأرضَ شُكراً أنْ بَقيتَ لها / والوعْدُ أنْ سيزيد اللهُ مَن شَكَرا
لمّا تباشَر إصباحاً شقائقُها / بأنْ نُصِرتَ وكانتْ قُمْصُها حُمُرا
رَدَّتْ على الأرؤسِ الأذيالَ من طَرَبٍ / لخَلْعِهنّ على مَن بَلّغَ الخَبَرا
لقد بَلغْتَ أميرَ المؤمنين مَدىً / عنه السُّها قاصِرٌ لو كُنتَ مُقتصِرا
مَن فَرّ منك يَجوبُ الأرضَ مُنهزماً / يَزدادُ وِزْراً ولكنْ لا يَرى وَزَرا
في الشّرقِ والغَربِ لا يُفْضي إلى سَعَةٍ / ذو الذَّنْبِ إلاّ إذا ما كنتَ مُغتَفِرا
ألا فَنَوْرِزْ مُطاعَ الأمرِ مُبتهِجاً / مُقسِّماً في الأنامِ النّفْعَ والضّرَرا
ودُمْ لنا ووَلِيِّ العَهْدِ مُحتفِظاً / منه بأنفَسِ ذُخْرٍ للورَى ذُخِرا
في دولةٍ من صُروفِ الدَّهْرِ آمنةٍ / وعيشةٍ لا تَرَى عن وِرْدِها صَدَرا
أذاكرةٌ يومَ الوَداع نَوارُ
أذاكرةٌ يومَ الوَداع نَوارُ / وقد لَمَعتْ منها يَدٌ وسِوارُ
عَشِيّةَ ضَنّوا أن يَجودوا فعلَّلُوا / وخافوا العِدا أن يَنْطِقوا فأشاروا
حدَوْا سُفْنَ عِيسٍ لم تزَلْ بصُدورِها / تُخاضُ من اللّيلِ البهيم غِمار
فَحلُّوا قِفاراً مَرّتِ الظُّعْنُ فوقَها / وخَلَّوا ديارَ الحَيِّ وهْيَ قِفار
غدَوا دُرَراً أصدافُهنّ هوادِجٌ / وليس لها إلاّ السّرابَ بِحار
وأثمانُها الأرواحُ تُبذَلُ والوغى / لَهُنّ عُكاظٌ والرِّماحُ تِجار
أعِدْ نظَراً يا رائدَ الحَيِّ قاصداً / إلى أينَ من حُزْوَى المَطِيُّ تُثار
أما همْ إلى قلبي من العينِ غُدْوةً / يَسيرون أن زَمُّوا الجِمالَ وساروا
إلى كَبِدٍ تَشكو الغرامَ جديبةٍ / سَروْا من جفونٍ سُحْبُهنّ غِزار
وما رَحلوا إلاّ انتجاعاً فلو دَرَوْا / بِما بي لَحاروا في المَسيرِ وجاروا
بنَفْسي غزالٌ أَعرضَ البُعدُ دونَه / فعادَ رَبيبُ الوَصْلِ وَهْوَ نَوار
تُعاتَبُ عيني حين يَعلَقُ خاطري / ولَومُ المَشوقِ المُستهامِ ضِرار
ويَقْلَقُ قلبي حين يَطْرُقُ ناظري / فَبعْضِيَ من بَعْضي عليه يَغار
فهل نَهْلةٌ تَشْفي الغليلَ لمُدْنَفٍ / ففي الصّدْرِ من نارِ الفراقِ أُوار
يُواصِلُ قلبي وهْو للعين هاجِرٌ / لَصيقُ فؤادٍ شَطَّ منه مَزار
فليت ديارَ النّازحاتِ قلوبُنا / لِتسلُوَ أم ليت القلوبَ دِيار
أبى القلبُ إلاّ ذِكْرَهُنّ وقد بَدا / معَ الصّبحِ أشْباهاً لَهنَّ صُوار
وليلةَ أهْدَيْنَ الخيالَ لناظري / وبالنّومِ لولا الطّيفُ عنه نِفار
تَقنَّصْتُه والأُفْقُ يجتابُ حُلّةً / من الوَشْيِ يُسدَى نَسْجُها ويُنار
فلا يَحسَبِ الجوزاءَ طَرْفُك أنّها / هَدِيٌّ لها شُهْبُ الظّلامِ نِثار
وأنّ الثُريّا باتَ فِضّيُّ كأسِها / بأيدي نَدامَى الزَّنْجِ وهْو يُدار
فليس الدُّجَى إلاّ لنارِ تَنَفُّسي / دُخانٌ تَراقَى والنُّجومُ شَرار
رُوَيْداً لقَلْبي بالهوَى يا ابنَ حامدٍ / وإلاّ فلَيْلِي ما بَقيِت نَهار
إذا طَلَعتْ في بلدةٍ لكَ رايةٌ / فللظُّلْمِ منها والظّلامِ فِرار
فِدىً لعزيزِ الدّينِ في الدّهرِ عُصبةٌ / أجارَ من الخَطْبِ الجسيمِ وجاروا
منَ البِيضِ أمّا بَحرُه لعُفاتِه / فَطامٍ وأمّا دُرُّه فكِبار
فتَى الدّهرِ ما ثار امْرؤٌ لِيَؤمَّه / فَيْبقَى له عند المطالِبِ ثار
يُلِمُّ بمَغْشِيِّ الرِّواقَيْنِ للِنّدَى / وللبأسِ يوماً إن أظَلَّ حِذار
عِراصٌ تَرى رُسْلَ الملوكِ تَحُلُّها / كما انتثَرتْ فوق الرِّياضِ قِطار
إذا سار وَفْدٌ زائرون فَودَّعوا / تَناهَى إليها آخَرونَ فَزاروا
هُمامٌ إذا ما شاء صَبَّحَ مارِقاً / بأرْعَنَ عينُ الشّمسِ منه تَحار
وكُلُّ فتىً للعينِ والسّيفِ إنْ غَزا / يَعِزُّ بجَفْنٍ أنْ يُلِمَّ غِرار
مشيحٌ إذا الجَبّار صَعّرَ خَدّه / أعاد دَمَ الجَبّار وهْو جُبار
ورَدَّ طِوالَ السّمهريّ قصيرةً / غداةَ لجَيْن المَشْرفيَ نُضار
بحيثُ دنانير الوجوهِ مَشوفة / بنَقْرِ بنانِ المرهَفاتِ تُطار
وحيث وَقور الطَّودِ من هَوْلِ يَومِه / يَرَى وهْو نَفْع في السّماء مُثار
وإن شاء نابَتْ عن رماحٍ بكَفّهِ / أنابيبُ حتّى لا يُشَنّ غِرار
حديداتُ خَرْقِ السَمْعِ إنْ صَمّتِ القنا / تَغلغلَ فيه للقَضاء سِرار
إذا غرسَتْها كَفّه في صحيفةٍ / غدَتْ ولها غُرّ الفتوح ثِمار
ايا مَن تَفوقُ النّجمَ غُرّةُ طِرْفِه / إذا انشَقَّ عنه للعيونِ غُبار
تَخيَّركَ السّلطانُ للنُّصحِ صاحياً / فشابهَ سِرّاً من هَواكَ جِهار
غدا كاشتقاقِ اسمَيْكُما مَعْنَياكُما / صفاءً فحَبْلُ الائتِلافِ مُغار
وهل يَتّقي رَيْبَ الزّمانِ ابنُ حُرّةٍ / وأنت له مِمّا يُحاذِرُ جار
وما كان يَغشَى البدْرَ لو كنتَ جارَهُ / خُسوفٌ يُغَطّي وَجهَهُ وسِرار
ولكنّه من نورِ غَيرِك قابسٌ / فلا غَرو إن لَوَّى خُطاهُ عِثار
حَسودُك تُمسي طارقاتُ همومِه / وهنّ له دون الشِّعارِ شِعار
كتطْبيقِ سَيْفٍ فيه إطباقُ جَفْنِه / فأشفارُ عينَيْهِ عليه شِفار
إذا ضافَهُ هَمٌّ يصافِحُ قَلّبَه / ورَتْ منه ما بين الأضالعِ نار
وجاءتْ لأدْنَى مِسحةٍ فكأنّما / له الصَدْر مَرْخٌ والبَنانُ عَفار
طلعْتَ ثَنِيّاتِ المناقبِ كُلَّها / فما في العُلا إلاّ إليكَ يُشار
وما الدّهْرُ لولا أنّه لك خادِمٌ / وما الأرضُ لولا أنّها لكَ دار
تَواضَعُ عن عُظْمٍ وتُزْهَي بنَظرةٍ / بمُؤْخَرِ عَينٍ منك حينَ تُعار
فعندك إن جَفّ الغمائمُ نُجعةٌ / وفيك إذا خَفَّ الجبالُ وَقار
دُعيتَ عزيزَ الدّينِ أْيمَنَ دَعوةٍ / فباسْمِك من رَيْبِ الزّمانِ يُجار
بمَحْكيَ عَيْنٍ منه إذ يَسِمُ الثَّرَى / لك الخيلُ يَضحِي للبلادِ قَرار
وفي الأُفْقِ يَحكيه الهلالُ فَيزدَهِي / به الدّهرَ إذ يَعلوهُ منك شِعار
مَلكْتَ إذَنْ أرضَ الورى وسماءهمْ / فهل فوق هذا للفَخور فَخار
حَلفْتُ بعاديِّ البِناء مُحجَّنٍ / يُجابُ له عَرْضُ الفلا ويُزار
وتأميل عفْوِ الله تحت ظِلالِه / إذا ضَمَّه والزّائرينَ جِوار
وأبيضَ من ماء العيونِ لأجلِه / وأحمرَ من ماء النَّحورِ يُمار
وتَرجع أصواتِ المُهِلّينَ كلّما / دَمِينَ جِمالٌ أو رُمِينَ جِمار
لمَا أنت إلاّ بيتُ مجدٍ وسُؤددٍ / للُقيْاهُ يُسْرَي دائماً ويُسار
على أنَّ حَجَّ البَيتِ في العامِ مَرّةً / وحَجُّكَ في اليومِ القَصيرِ مِرار
لك البَدَراتُ الكُومُ يُنْحرْنَ للقِرَى / إذا نُحِرَتْ للآخَرينَ عِشار
فمنك نُضارٌ صُرَّ مِلءَ جُلودِها / إذا كان منهم جِلّةٌ وبِكار
مَواهبَ سَبّاقِ السُّؤالِ برِفْدِه / على حينَ جُلُّ الأُعطِياتِ ضِمار
فتىً فيه آمالُ الوفودِ إذا اعتفَوا / طِوالٌ وأعمارُ الوُعودِ قِصار
أفاضَ اللُّها حتّى قضَوا أنّ مالَهُ / لراجِي نَداهُ في يدَيْهِ مُعار
لكُلِّ سوى الدّينارِ عند فِنائهِ / ذِمامٌ إذا ما حَلّه وذِمار
وما كان لَونُ التبْر ذاك وإنّما / عَلاهُ لخَوفِ الجودِ منك صُفار
فَعيِّدْ كذا ما طافَ بالبيتِ زائرٌ / وخَبّتْ مَهارٍ شَطْرَه ومِهار
ولمّا تَجنّبتَ الحرامَ وشُربَه / أتَتْكَ حلالاً من يَديَّ عُقار
فخُذْها كؤوساً ليس في نَشوةٍ بها / لِذي الفضلِ عابٌ يَتّقيهِ وعار
ولي خاطِرٌ أضحَى وأَدنَى بَيانِه / لأبناء آدابِ الزَّمانِ مَنار
وصَدْرٌ كبَيْتِ النَّحْلِ فيه لَواسِعٌ / على أنّ أَرْيَ الشِعّرِ منه يُشار
حَدَتْنيَ من دَهْري إليك حوادثٌ / وقد قيلَ في بعضِ الشُّرور خِيار
وكم قَعد الأقوامُ عنك فأظلَمُوا / وجاؤوكَ يَرجون الغِنى فأناروا
وإنّي لفي قَيْدَيْ أياديكَ راسِفٌ / فما لي إلى وَشْكِ الرّحيلِ بِدار
وكيف أَجوبُ الأرضَ والشُكْرُ مُوثِقي / ألا إنّ طولَ المُنْعِمينَ إسار
فلا زلتَ أُفْقاً فيه للمجدِ مَطلعٌ / وقُطباً عليه للعلاء مَدار
خيالُكَ من قبلِ الكَرى طارقي ذِكْرا
خيالُكَ من قبلِ الكَرى طارقي ذِكْرا / ففيمَ التزامي للكَرى مِنّةً أُخْرَى
غدا شَخصُكمْ في العينِ مِنّيَ قائماً / فمِن نَمّةِ الواشي بكمْ آخُذُ الحِذْرا
فواللهِ ما ضَمّي الجفونَ لرَقْدةٍ / ولكنْ لأُلقي منه دونَكمُ سِتْرا
ومَن لي بكِتمانِ الّذي بي من الهَوى / ومن تُهَمِ الأعداء إن رُمتُ أن أبْرا
ومن نارِ قلبي لو تَرامَتْ شَرارةٌ / إلى الأُفْقِ ليلا رَدَّ فَحمتَهُ جَمرا
أبِيتُ نديمَ النَّجْمِ من كَلَفِي بكمْ / وإنْ لم أعاقِرْ غيرَ كأسِ الهوى خَمرا
وتَسحرُ لي سِحْرَ المقنَّعِ مُقلَتي / فتُطلِعُ لي باللّيلِ من طيفِكمْ بَدرا
فما رائعي واللّيلُ يَقْضِي ذماءه / من الصُّبحِ إلاّ نَفثةٌ تُبطِلُ السِّحرا
وللهِ من عُلْيا عُقَيلٍ عَقيلةٌ / إذا رحَلتْ كان الفؤادُ لها خِدرا
حكَى ثَغرُها عِقداً فإن أخصَر النَّدى / قلائدَها صُبحا حكَى عِقدُها الثَغْرا
وفتّانةٍ صاغَتْ سلاسلَ صُدغِها / قُيوداً على أجيادِ عُشّاقِها الأسرى
تَبسَّمُ عن دُرٍّ تَكلّمُ مثْلَه / فلم أر أحلَى منه نَظْماً ولا نَثْرا
خليلّيَّ عُوجا اليومَ نَسألْ بوَجْرةٍ / عن الظّبيةِ العَفراء كُثبانَها العفرا
ولا تأْمَنا غَيْران أصبحَ دُونَها / ببِيضٍ وسُمْرٍ يَكْنُفُ البِيضَ والسُّمرا
وما هيَ إلاّ طَوفةٌ بِفنائها / فمن ناظرٍ شَزْراً ومن طاعنٍ شَزرا
وفي الحَيِّ إن زُرْنا ذواتُ غَدائرٍ / تُغادِرُ غُدْراً في الخدودِ لنا غَدرا
وغُرُّ الثّنايا يَحسَبُ القومُ أنّها / أتَتْهم فقالَتْ وهْي صادقةُ البُشرى
إلى شَرفِ الدّينِ الوِزارةُ أُنهِيَتْ / فَرَدُّوا لها الأفواهَ مَملوءةً دُرّا
سُروراً بمَولىً مُذْ نَشا الدهرُ لم يُنِطْ / بأكملَ منه رَبُّه النّهْيَ والأمرا
تَرى صَدْرَه بَحراً وأنمُلَه حياً / وأخلاقَه روضاً وآدابَه زَهرا
وحُسنَ ثناءِ النّاسِ في كلِّ نَدوةٍ / نَسيماً تَهادَى السامعون له نَشرا
تَولّى الورَى جُوداً وبأْساً فلم يدَعْ / لهم في يَدِ الأيّامِ نَفْعاً ولا ضَرّا
ومن عَجبٍ أن يَعبُدَ الدّهْرَ مَعْشرٌ / وقد أبصروا المولَى الّذي استَعبدَ الدَّهرا
أظلَّتْ بنى الدُّنيا سماءُ عَلائهِ / وأطلعَ من أخلاقِه أنجُما زُهرا
أذالَ مَصونَ الوَفْرِ فافترعَ العُلا / ويَبذُلُ فضْلَ المَهْرِ مَن خَطَب البِكرا
هو الصّدْرُ والإسلامُ قلبٌ يَضُمُّه / ولا قلبَ إلاّ وَهْو مُتودعٌ صَدرا
أتَتْه وأقوامٌ أتَوها وِزارةٌ / فَجلُّوا بها قَدراً وجلّتْ به قَدرا
وكانتْ ذنوبُ الحادثاتِ كثيرةً / إلينا فلمّا جاء كان لها العُرا
عَجِبتُ لهُ يُبدِي إلينا تَواضُعاً / ولَمحةُ طَرْفٍ منه تُورِثُنا كِبرا
أخو باذِخ في ذُروةِ المجدِ شامخٍ / نُسورُ جَوادٍ تحته تَطَأُ النَّسرا
يُزيرُ الأعادي بعد كُتْبٍ كتائباً / وما اللّيثُ إلاّ مُتْبِعٌ نابَهُ الظُّفرا
هُمامٌ بأخْفَى كَيدِه يَصْعَقُ العِدا / فكيف إذا ما أَنذَر البَطْشةَ الكُبرى
ببِيضٍ صقيلاتِ المُتونِ صَوارمٍ / يُقَلّبْنَ يَومَ الرّوعِ ألْسِنةً حُمرا
وزُرْقٍ على سُمْرٍ إذا البِيضُ طاعَنتْ / بها الخيلَ رَدَّتْ دُهْمَ ألوانِها شُقرا
وزيرٌ غدَتْ أيّامُه وزَرَ الهُدَى / وكم مَعشرٍ كانتْ وِزراتُهم وِزْرا
وكيف يُخافُ الجَورُ في عَهدِ مُلكِه / وأعدَى اسْمُه بالعَدْلِ فيما مضَى كِسْرى
لقد عاد نوشَروانُ والعَدلُ للورَى / على حينَ نُوشَروانُ والعَدْلُ قد مَرّا
حكَى الدّهرُ بَيْتاً صاغَه اللهُ واحداً / ورَدَّ لإبداعٍ على العَجُزِ الصّدْرا
تَغالَى رسولُ اللهِ فيه مَحَبّةً / فأبْدَى بأيّامِ السّمِيِّ له فَخْرا
وإلاّ فما مَعْنَى عظيمِ افتِخارِه / بعَصْرٍ وفيه الأرضُ قد مُلِئَتْ كُفرا
ولكنْ لعِلْمٍ منه أن سَيَرى الوَرى / بسيفِ أبي نَصْرٍ لدينِ الهُدَى نَصرا
دعا فأجابَ اللهُ أنْ سَبقَ اسْمُه / إليه وأبقاهُ لأُمّتِهِ ذُخرا
فَحُيّيتَ من طَلْقٍ مُحيّاهُ ماجدٍ / أعاد قُطوبَ الدّهرِ للمُرتَجِى بِشرا
يَدُلُّ عليه الطّارقين اعْتِيادُهمْ / زيارتَه والطّيرُ لا تَجهَلُ الوَكْرا
تَرى الأرضَ سِفْراً من سُطورِ وُفودِه / إليه ومن حيث التفتَّ تَرَى سَفرا
إذا بَلّغتْه العِيسُ وَفْداً تَبادَرتْ / مَباسمُهُم لَثْماً مناسمَها شُكرا
ولمّا اعتزَمنا أن نَؤُمَّ فِناءه / وقد صالَ صَرْفُ الدّهرِ قُلنا له صَهرا
طَويتُ إليه للفلاةِ صحيفةً / تَخالُ مطايا الرَّكْبِ في بَطْنِها سَطرا
لَوَ انّ الفَلا أضحَى كتاباً لدارسٍ / لأبلاهُ إدماني له الطَيَّ والنّشرا
فحتّى متى أُمسِي وأُصبِحُ سادِراً / بدَهْري وأهلِيه وحاشاك مُغْتَرّا
أُطيلُ الأماني ضَلّةً وأعُدُّها / لجَهْلي غنىً والعُمْرُ قد وَدَّع الشّطرا
فحَولاءُ عَوراءُ يَظَلُّ حِسابُها / لوِتْرِ الورَى شَفْعاً وشَفْعِهمُ وِترا
ولي مِقْولٌ قد كان عَصْرُ شبيبتي / حُساماً وحُسْنُ القولِ في مَتْنِه أُثرا
ومُذْ شابَ شَعْرِي شاب شِعْري وخانَني / لرَيْبِ زمانٍ شاغلٍ مِنّيَ الفِكْرا
فمَن لي بمُلْكي من فراغٍ ومن غنىً / خِضابَيْنِ حتّى أصبُغَ الشَّعْرَ والشِّعرا
إلى شرَفِ الدّينِ الهُمامِ سرَتْ بنا / ركائبُ لم يُحمَدْ لها قَبْلَهُ مَسرى
لقد ضَلَّ مَن يَبْغي الغِنى عند غَيْرِه / وغُمْرُ الورىَ مَن رامَ مِن غُمَرٍ غَمرا
فعَطْفاً أدام اللهُ ظِلَّك وارِفاً / علينا فَنصْرُ الحُرِّ أنت به أَحرى
لاْغلَيتَ قِدْماً سِعْرَ شِعْرٍ أقولُه / وللشِّعرِ لا يُغْلي سوى الكَرَمِ السِّعرا
وإنّي لأرجو في زمانِك مِن عُلاً / إذا قلتُ شِعراً أن أرَى تحتيَ الشِّعْرى
فدونكَها في الأُذْنِ شَيئاً وضِدَّهُ / فَمِنْ سامعٍ قُرْطاً ومن حاسدٍ وَقْرا
مفوَّضةً تُهدي إلى البَعْلِ نَفْسَها / ولا تَبتغي إلاّ كفاءتَه مَهرا
لِقاؤكَ هذا وهْو أكبَرُ نِعمة / على الدّينِ والدُّنيا منَ الله لو يُدْرى
نذَرْتُ استلامَ الرُّكْنِ للبيت عندها / فألثَمني اليُمنَى لكَي أُوفيَ النَذْرا
رَضِيتُ بأَكدارِ المعيشةِ حِقْبةً / وقد يَشرَبُ الصّادي وَيغتَنمُ المُرّا
فأمّا وقد عايَنْتُ وجْهَكُ مُقبِلاً / فقد آن ألاّ أشربَ النُّطْفةَ الكَدْرا
لكلِّ امرئٍ يومٌ يُؤمِّلُ سَعْدَهُ / ويَوميَ هذا اليومُ فاشدُدْ لِيَ الأَزرا
لقد كان عن مَدْحِ الملوكِ وذِكْرِهمْ / نَوى أن يَصومَ الدّهرَ فِكْرِيَ لا الشّهْرا
ولكنّ إهْلالي بوَجْهِك آنِفاً / على صائم الآمالِ قد أوجَبَ الفِطرا
قَدِمْتَ مَع الأضحَى فأضحى مَجيئُه / وَراءك عن ثَغْرِ المَيامِنِ مُفْتَرّا
تَطالعْتُما سَعْداً ولكنْ سبَقْتَه / فأَسعَدْتَه وانساقَ يتلولكَ الإثرا
وقالوا نَرى النّحْرَ المُبشِّرَ حيث لم / يُحَلِّ بطَوْقٍ من هلالٍ له النّحرا
فَعوَّضَ من أعلامِه بأهلّةٍ / طلَعْنَ عليه يومَ مَوكبِه تَتْرى
فقلتُ بلِ المولَى ابنُ خالدٍ الّذي / بأسنَى العَطايا منه زائرُهُ يُقرى
لنا كُلَّ يومٍ منه عِيدٌ تكاملَتْ / مَواسِمُه مما قلَّب الأنمُلَ العَشرا
كفَى وجْهُه والكَفُّ والعُمْرُ والعِدا / هلالَ الورَى والعَشْرَ والعِيدَ والنَّحرا
فدَتْكَ وجوهٌ من مَوالٍ ومن عِداً / جُموعٌ كخَلْطِ النّاثرِ البِيضَ والصُّفْرا
وكلُّ حسودٍ فُوهُ خالٍ لبَغْيِه / من الشُّكْرِ لكنْ عينُه من دَمٍ شَكْرى
فلم يُبْقِ قُطْراً جودُ كفِّك لم يُفِضْ / على ساكنِيه من سَحاب النّدى قَطرا
قَريْتَ ضيوفَ الهَمِّ رأْياً كأنّما / شقَقْتَ به في جُنْحِ داجيةٍ فَجرا
وخِطّةِ إقليمٍ بعَثْتَ لعُسْرِها / بخَطّةٍ أقلامٍ فَبدَّلْتَهُ يُسرا
وبالخِنْصِرِ اليُمنَى تُعَدُّ فإن تكُنْ / غداةَ وغىً عَدّوكَ بالخِنْصِرِ اليُسرى
وإن هُمْ أعادوا نظْرةً عَلِموا بها / لجَمِعِ المَعاني أنّ فيك الورَى طُرّا
فلا بَرِحَتْ أيّامُ دَهْرِكَ كلُّها / بآثارِك الحُسنَى مُحجَّلةً غُرّا
كما قد غَدوْتَ النّاسَ طُرّاً منَ العُلا / كذا غدتِ الأعمارُ طرّاً لك العُمرا
أمَولايَ الأجلُّ نِداءَ عَبْدٍ
أمَولايَ الأجلُّ نِداءَ عَبْدٍ / بصَفْحِكَ من عتابِك مُستَجيرِ
أجِرْني من زمانٍ قد سَخا لي / بُقربِك ثمّ نافسَ في الحُضور
إلى يُمناكَ أشكو فَيْضَ سُحْبٍ / كما تَشكو الجنودُ إلى الأمير
عَدانِي القَطْرُ عن غَيْثٍ بغَيْثٍ / وعَوّقَني مَطيرٌ عنَ مَطير
وأظمأني إليك وهل سَمعْتُمْ / بغَيْثٍ مُلِهبٍ غُلَلَ الصُّدور
على أنّي لواحدةٍ أتاها / غَفْرتُ جرائمَ المُزْنَ الدَّرور
فمُذ طَرق البشيرُ بما أعَدُّوا / منَ التّشَريفِ للمولَى الوزير
يُديمُ نِثارَه ويقولُ هذا / أقَلُّ قضاءِ حَقٍ للبَشير
وبالورِقِ النثيرِ يُغَصُّ جَوّاً / غداً سيُغَصُّ بالذَّهَب النّثير
فيَحكِي ما سيَحكيهِ ازْدِحاماً / إذا أخذَ المواكبُ في المَسير
فيا عَضُدَ المكارمِ والمعالي / ويا سنَدَ السّرايا والسّرير
يذوبُ الحاسدون جوًى إذا ما / طلعتَ بغُرّةِ البدر المُنير
فتَشتعلُ القلوبُ لهم بنارٍ / وتكتحلُ العيون لهم بِنُور
ولو يَدرون من عُلْياك ماذا / يُسِرُّ لهم زمانُك في الضَّمير
إذَنْ يا صاحِ لاعْتَمدَ الأعادي / على حَدِّ الأسنّةِ بالنُّحور
وما نظَرتْ لِنُوشروانَ يوماً / من الزَّمَنِ العيونُ إلى نَظير
فقُلْ لِحَسودِه في المُلْكِ صَبْراً / وبعضُ الصَبرْ أقْتَلُ للصَبور
تُباريهِ وهل في عَيْنِ شمس / بَقاءٌ للشَّرارِ المُستَطير
له خُلِقَ المُسانِدُ غيرَ شَكٍّ / فقد رجَع المُعارُ إلى المُعير
قضَى الأحزانُ عُقْبتَها وهذا / أوانُ السُّكْرِ من نُخَبِ السُّرور
كذلك ما انقضَى ليلٌ طويلٌ / فأعقَبنا سوى يومٍ قَصير
أبا شَرفاً لدينِ اللّهِ أضحَى / له رِدْأً على صَرْفِ الدُّهور
عِراصُك جَنّةٌ وبها نُزولي / ففيمَ أنا مُقاسي الزَّمْهَرير
وأضيافُ الشتاء بحيثُ رَفْعٌ / لنيران ونَصْبٌ للقُدور
وغيرُ قِرايَ كأسٌ من عُقارٍ / ولكنْ أين كوسٌ من عَقير
فدُمْ يا أكملَ الوزراء طُرّاً / سِدادا في الأوامرِ والأمور
لِيبقَى مُلكُهم فَلَكاً مُداراً / ورأْيُك فيه كالقُطْب المُدير
كتابُ عبدٍ إلى مَولاهُ يَعتَذِرُ
كتابُ عبدٍ إلى مَولاهُ يَعتَذِرُ / ذي خَجلةٍ قَلْبُه مِمّا جنَى حَذِرُ
فإنْ غدا وله في قَلْبِه أثَرٌ / لم يَبْقَ للعَبْدِ لا عَيْنٌ ولا أثَر
وإنْ غدا قابِلاً أعذارَهُ كرماً / فلا يَزالُ على الأكفاء يَفْتَخِر
هل غافِرٌ أنت تَقْصيراً عثَرْتُ به / يا مَنْ بلُقياهُ ذَنْبُ الدّهرِ يُغتَفَر
ومَن بقُربيَ منه غُربتي وَطَنٌ / ومَن مُقاميَ عنه نائياً سَفَر
حَرمْتُ نَفْسيَ أعْلَى مَفْخَرٍ فغَدا / من الغبينةِ قلبي وهْو يَنْفَطِر
لكنْ تُعِلّلُ منّي النَفْسَ مَعرفتي / بأنّ عهدَ ولائي الدّهرَ مُدَّكَر
وأنّني من ذُرا المَولَى صفاءَ هَوىً / أُدْنَى وإن غبْتُ من قومٍ وإنْ حَضَروا
يا مَن غدا شاغِلي عن فَضْلِ خدمتِه / بفَضْلِ نعمتِه والصّدْقُ يَشْتَهِر
أكثرتَ رِفْدِي فأكثَرتُ التّفكُّرَ في / إحرازِه وأخو التّحصيلِ يَفتكِر
وقيل إن لم تُبادِرْ قَلَّ حاصِلُه / وفُرصةُ الشَّيءِ تُرجَى حينَ تُبتَدَر
فمِن حَيائي ومن شَوقي إليك أرَى / نارَيْنِ كلتاهما في القَلْبِ تَستَعِر
فلا تَظُنَّنَّ أنّي عنك مُصطَبِرٌ / وإن رحَلْتَ فمالي عنك مُصطَبَر
إن أصبحَتْ قُبلةُ التّوديعِ فائِتَتي / فَسَلْوتي أنّها للعَودِ تُدَّخَر
كأنّني بي وقد أعجلْتُ مُنصَرَفي / إلى ذُراكَ ولُطْفُ اللهِ مُنتظَر
وصدَّق اللهُ فأْلي في تَوجُّهِكُمْ / وصدْقُ فأليَ للأصحاب مُخَتَبر
وعُدْتَ أحسنَ عَوْدٍ عادَه أحَدٌ / من وِجهةٍ عَرضَتْ فاستبشَر البَشَر
وأقبلتْ رايةُ السّلطانِ طالعةً / والنَّصرُ في ظِلِّها يَختالُ والظّفَر
وزُرتُه قَلميَّ المشْي من طَرَبٍ / لمّا أتاني بهِ عن سَيْفِه الخَبَر
وصغْتُ تَهنئةً بالفتحِ تَحسُدُها / من حُسْنِها في السماء الأنجمُ الزُّهُر
ونِلْتُ منه نَوالاً لا يُشاكِلُه / إلاّ قِطارُ الغَوادي وهْي تَنْهَمِر
ولن يَفوتَ غِنىً أنت الضّمينُ له / وإنْ تَصدَّتْ ليالٍ دُونه أُخَر
يا مُغْنِياً لي بآلاءٍ يُواصِلُها / إنّي إليك وإن أغنَيْتَ مُفتَقِر
لي منك مَضْمونُ إدرارٍ إلى صِلَةٍ / كُلٌّ له حين يُسْمَى عندهُمْ خَطَر
فلو جَرى قَلَمُ المَولَى بتَوصيةٍ / في بعضِ كتْبٍ إلى النُّوّابِ يُستَطَر
كانتْ كعادةِ طَوْلٍ منه عَوَّدها / وعادةُ الطَّولِ طُولَ الدَّهر تُدَّكر
وَرْدُ الملوكِ كثيرُ الشّوكِ إن غفَلُوا / عن مُجتَنيهِ فأدْنى نَيْلِه عَسِر
وهْو الهنيءُ قِطافاً إن غدا كرماً / لهم إلى المُجتَني من بُعْده النّظَر
يا واهبَ الألْفِ جُوداً وهو يَحقِرُها / والرفُدُ أعظَمُ قَدراً حين يُحتقَر
بَقيِتَ للمُلكِ ألفاً في ظلالِ عُلاً / ودولة لك لا تنتابُها الغِيَر
ألفاً إذا الدّهرُ أحصاها استقَلَّ كما / تَغْدو لنا واهباً ألفاً وتعتَذِر
وبعدَ ألْفٍ أُلوفاً يَرتدِفْنَ كما / من جُودِ كفِّك تَتلو البِدرةَ البِدَر
مُمتَّعاً ببَنيكَ الغُرِّ أوجهُهم / مثْلَ الكواكب يبدو وَسْطَها القَمَر
في ظلِّ مَن هو ظِلُّ اللهِ من شرفٍ / في أرضِه فهْو ظِلٌّ ليس ينحَسِر
مَلْكِ الملوكِ العظيمِ المُلك حين غدا / منك الوزيرُ له في الدّهْرِ والوَزَر
تَبقَى ويَبقَونَ في نَعماءَ عاكفةٍ / وعيشةٍ ما لكم من وِرْدِها صَدَر
ومُشْبِهاً عيشَكم في الدّهرِ مُلكُكمُ / فلسَ يَعرضُ في صَفْويْهما كَدَر
بكم حَوى الفخْرَ دَهْرٌ ضمَّ شملَكمُ / ما قيمةُ السِّلْكِ إن لم تُغْلِهِ الدُّرَر
سَرى كما يَسري القَمَرْ
سَرى كما يَسري القَمَرْ / والليّلُ مُسوَدُّ الطُّرَرْ
زَوْرٌ سرَى على خَفَر / طوَى الفلا وما شعَر
بدْرٌ دُجاهُ مِن شَعَر / عَجِبتُ والليّلُ اعتكَر
مَعْ نورهِ كيف استَتر / أَوجُهُه حينَ سفَر
بسِحْرِ طَرْفٍ ذي حَوَر / لأعينِ النّاسِ سَحَر
فجاء كالبَدْرِ ومَر / ولم يَرَوا منه أثَر
أما أنا لمّا حضَر / كأنّه إحدَى الصُّور
خَبأْتُه من الحَذَر / في ناظري عنِ البَشَر
يا زائراً لم يُستَزَر / أحلَلْتُهُ منّي البَصَر
فَعَوَّضَ العينَ السّهَر / لمّا رأَى أُنْسي نَفَر
ولم يَصِلْ حتّى هَجَر / وزوَّد الصّبَّ الذِّكَر
فقُمتُ والدّمعُ درَر / أَكُفُّ منه ما بَدَر
وأكتُمُ الصَّحبَ الخَبَر / ونحن أبناءُ سَفَر
من وطَنٍ إلى وَطَر / إلى بَعيرٍ قد ضَمُر
رَعى بأعْلى ذي نَفر / بينَ رياضٍ وزَهَر
كأنّها نَشْرُ الحِبَر / يأخُذُ نَبْتاً ويَذَر
في أُنُفٍ منَ الخُضَر / ونُطَفٍ فيها خَصَر
حتّى أتَى مِلْءَ الضُّفُر / يُلاعِبُ الظِّلَّ أَشر
فمَرّ كالسَّيلِ انحدَر / يَقسِمُ عينَيْه حَذَر
بينَ الطّريقِ المُبتَدَر / ووَقْعِ مَفْتولِ المرَر
بعِطْفِه عنه زَوَر / حتّى إذا الحادي نَعَر
طوَى بلاداً ونَشَر / إلى ذُرا مَلْكٍ أَغَر
إليه للخَلْقِ المَفَر / تَجْري يَداهُ بالبِدَر
جَرْيَ القضاء والقَدَر / وزيرُ صِدْقٍ مُذ وَزَر
أصبحَ للمُلْكِ وَزَر / نَهَى مُطاعاً وأَمَر
وساء مَن شاء وسَر / ونَفع النّاسَ وضَر
ذو سيرةٍ من السِّيَر / تُتلَى كما تُتلى السُّورَ
إن وتَر الدّهرُ ثأر / أو نُسِيَ العَهدُ ذَكَر
أو عَظُمَ الذَّنْبُ غَفَر / أو جَمَد النّوْءُ مَطَر
أو خفَّتِ الخَيلُ وقَر / مهما رأى الشّرَّ فَغَر
قام كريماً وصَبَر / وقال أمْرٌ قد قُدِر
وأرسَلَ الخَيلَ زُمَر / عَوابِساً معَ الغُرَر
نوافِضاً فيها العُذَر / تَصلَى إذا النّبْعُ انْأطَر
ناراً لها النَّبْلُ شَرَر / حتّى ثنَى البِيضَ كِسَر
وقَصَّرَ الضَّرْبُ قَصَر / بخَطْفِها المُلْكُ اسَتقَر
ورُبَّ نَفْعٍ في ضَرَر / يا مالكاً قدِ اقتَدَر
إليك منك الدَّهرُ فَرّ / فكُنْ مُقيلاً إن عَثَر
دهْرٌ جنَى ثُمَّ اعتَذَر / مُحَكَّماً فيما شَجَر
وماكِراً بمَنْ مكَر / لم يَبْقَ والبَغيُ غَرَر
باغٍ على البَغْيِ أصَر / أعلَن ذاكَ أو أسَر
إلاّ له اللهُ كَسَر / ولم يُغادِرْ مَن غَدَر
وفي الزّمانِ مُعتَبَر / إن كان فينا مُصطَبَر
فاصنَعْ صنيعَ مَن شكَر / مَن كفَر النُّعمَى كفَر
حاشا بَقاكَ المُختَبَر / يا بدْرَ مُلْكٍ لا استَسَر
ونجمَ عَدْلٍ لا انكَدَر / محا منَ الجَوْرِ الأَثَر
تَصحيفُها مِمّا استَمر / وكان فيها مُفتَخَر
على المَمالِكِ الأُخَر / فَصفّها منَ الكَدَر
وعُمَّ هاتيكَ الكُوَر / عَدْلاً إذا عَمَّ عَمَر
كم قائلٍ وما افتَكر / رَبُّ العبادِ ما فَطَر
في طَبْعِ نَوشَروانَ شَر / ولو مِنَ اسْمِهِ قَدَر
الشِّينَ والرّاءَ ستَر / عنِ الورَى إذا سطَر
قلتُ بِذا لا يُغْتَرَر / فهْو بعيد المُسْتَمَر
مُحْلٍ إذا شاءَ أَمَر / كالطّودِ ما لم يُستَثَر
واللّيثِ ما شاء خَدَر / غامدَ نابٍ وظُفُر
ثمّ إذا عادَى جَهَر / ولا يماشِيكَ الخَمَر
فلا قَرارٌ إن زَأَر / ولا بقاءٌ إن هَصَر
يا مُخجِلَ العَضْبِ الذَّكَر / من صَدْرِه رَأيٌ صَدَر
أطمعْتَ في الدَّهْرِ الظَّفَر / فلا تَعلّلْ بالعِذَر
ولا تَبِتْ على وَغَر / فلو وخَزْتَ بالإبَر
صارتْ رماحاً في الثُّغَر / يا حادِيَ العِيسِ أَثِر
أَسْرِ على السّعْدِ وسِر / إن مَسّك الدَّهْرُ بِضُر
فكَعبةَ الآمالِ زُر / فهْو مَطافُ كلِّ حُر
فاحجُجْ ذُراهُ واعتَمِر / بشَرفِ الدّينِ استَجِر
من حادثِ الدَّهْرِ يُجِر / مَولىً على النَّجمِ أَبَر
بفَضْلِه كلٌّ أَقَر / من آلِ كسْرَى في نَفَر
مثْلَ النّبِيِّ في مُضَر / نَمَوْهُ من أَزْكَى شَجَر
فطابَ فَرْعاً وطَهُر / آثارُه لِمَنْ أَثَر
كأنّها المِسْكُ ذَفَر / فَداهُ إنْ دَهْرٌ كَشَر
عن نابِ خَطْبٍ قد فَطَر / نِكْسٌ له القَلْبُ انفَطَر
مِن نُورِه الّذي بَهَر / وهل يُباري إنْ فَخَر
شمسَ الضُّحَى نجْمُ السّحر / سيفُ أَبي نَصْرٍ نَصَر
دينَ الهدى حتّى انتصَر / وللعدا طُرّاً قَهَر
سيفٌ له اللهُ شَهَر / دَمُ العدا به هَدَر
فاسلَمْ لنا من الغِير / في ظِلِّ عيشٍ لا انْحَسر
بَعيدِ وِردٍ مِنْ صَدَر / مَصونِ صَفْوٍ من كَدَر
يا مَن به العَدْلُ انتشَر / ومَن له الفَضْلُ اشْتَهَر
مادِحُه إذا نظَر / يُفرغُ في غَمْرٍ غُمَر
وعندَه الحظُّ وفَر / من كلِّ عِلمٍ يُستَطَر
نادى إليه وحشَر / آدِبُ فَضْلٍ ما انتقَر
عش ما بدا بَدْرٌ زهَر / وما به الليّلُ اعتَجَر
من غَيْثِ جُودٍ انهمَر / ولَيثِ بأسٍ استَعر
مُعطِي عطاءٍ قد غَمَر / أَصبح أَدناهُ البِدَر
مُبِرُّ رِفْدِ مَن شَعَر / وغاص فيه بالفِكَر
ثُمَّ سخا وما اقتَصَر / في كُلِّ بَدْوٍ وحَضَر
فكان كالبَحْرِ زَخَر / فَعَمَّ كُلاً بالمَطَر
وخَصَّ قوماً بالدُّرَر / ياجُودُ قَولاً مُعتَبَر
حقيقةً لم تُسَتعر / مِثْلُك ما كان ظَهَر
الجودُ في شَخْصِ بَشَر / يَمْلأُ عَيْنَيْ مَن نَظَر
واللّهُ مُبِدعُ الفِطَر / يا مُغْنِياً مَنِ افتقَر
وجابِراً مَنِ انكَسَر / عَصْرُك نِعمَ المُعْتَصَر
لَديك آمالي أُخَر / ولي معاشٌ مُحتَقَر
لو كان دَمْعاً ما قَطَر / فَضُمَّ من أَمري النّشَر
وازْجُرْ زماناً بي أَضَر / فلو زجرتَ لا نْزجَر
هل بعدَ هذا منتظَر / أم آن أن يُجنَى ثَمَر
من غَرْسِ وُدٍّ مُدَّخَر / هذا المَسيرُ يُبتَدَر
فهل لنا من مُدَّكَر / كُلٌّ بأُهْبَةِ السَّفَر
أضحَى كَفُوقٍ في وَتَر / وليس لي من مُقْتَدَر
لمَرْجِعٍ ولا مَمَر / فخاطِري على خَطَر
من خَوفِ ما فيه خَطَر / بالحِجْرِ منّي والحَجَر
يَمينُ بِرٍّ ما فَجَر / لو مُلِّكَتْ نَفْسي الخِيَر
كان ذُراكَ لي مَقَر / وكان للعَينِ أَقَر
فكن أحَقَّ مَن عَذَر / عبداً لعَهْدٍ ما خَفَر
سوى هواكَ ما ذَخَر / وغيرَ عَوْدٍ ما نَذَر
فمُرْ بأمْرٍ يُؤتَمَر / أَعِدْ إلى أَمْرِي نَظَر
وهاكَ من قَولي فِقَر / كأنّها الدُّرُّ انتثَر
من كُلِّ معنىً مُبتكَر / في كلِّ بَيتٍ مُختَصَر
كأنّه على القَدَر / يومُ السُّرورِ في العُمُر
حُسْناً وطِيباً وقِصَر / كعُمْرِ سِيدِ من مُضَر
ذكَر المعسكَر صاحبي ذِكْرا
ذكَر المعسكَر صاحبي ذِكْرا / فأثارَ لي تَذكارُه فِكْرا
وحَنَنْتُ حَنّةَ واجدٍ طَرِبٍ / وذكرتُ صُحبةَ أهلِه دَهرا
فجَعلْتُ حتّى زُرْتُهُ عَجِلاَ / نِضْوِي وِشاحاً والفلا خَصرا
ولسيّدِ الوزراء قاطبةً / لمّا سَمِعْتُ على النّوى بُشرى
أقسمتُ لا قَصرَ الزّمامَ يَدِي / حتّى نَرى هَمذانَ والقَصرا
لمّا نظرتُ إليه من بُعُدٍ / كَبَّرتُ من طَربٍ له عَشرا
ونزلتُ من أقصى مدَى نَظَرِي / ليدِ المطيّةِ لاثِماً شُكرا
حَرَمٌ من الدّنيا إليه غَدَتْ / تُجْبَى محاسنُ أهلها طُرّا
بَحرٌ يموجُ إذا رآه فتىً / أقسمتُ لم يَر قبلَه بَحرا
فِرَقٌ تعودُ وتَبتدِي فِرَقٌ / كالبحرِ يُبدِي المَدَّ والجزَرا
وحكَى القِبابُ به الحَبابَ ضُحىً / يَلمعْنَ من صُغْرَى ومِن كُبرى
تَحكي رياضَ الأقحوانِ بدَتْ / ومن الشّقائقِ وُسِّطَتْ شَذرا
والقصرُ من إعظامِ ساكتِه / الطّرفُ يَقصُرُ دونه قَصرا
بُرْجٌ لشمسِ الأرضِ مُكتنَفٌ / بالأُسْدِ تَزأرُ حَولَهُ زأرا
ولذاكَ سَمَّتْ بُرجَها أَسَداً / شمسُ السّماء وحَسْبُها فَخرا
لمّا وصَلْنا سالمِينَ قضَى / كُلٌّ غداةَ وُصولِه نَذرا
وانبَثَّ يُشيعُ عينَه نظَراً / منه ويَخبُرُ أمْرَهُ خُبرا
فتَرى الورى أُمَماً كأنّهمُ / حُشِروا ليومِ حِسابِهم حَشرا
وحكَتْ خيامُ الجُنْدِ نازلةً / صدَفاً تَضُمّ بُطونُها دُرّا
وتُجيلُ طَرْفَكَ لا ترَى خَلَلاً / مِمّا يَسُدُّ القَطْرَ والقُطرا
حيث التَفتَّ ملأتَ من فَرَقٍ / عَيْناً ومن فَرَحٍ بهمْ صَدرا
ورأيتَ أنديةً وأفنيةً / فيها الصّهيلُ يُجاوِبُ الهَدرا
وتَرى على الأبوابِ مُقْربَةً / مَطْوِيّةً أقرابُها ضُمرا
مشمولةً أمْناً ومن كرمٍ / قد حَدَّدتْ آذانَها حِذرا
ومراكزَ الأرماحِ قد نشَرتْ / كَفّ الصَّبا عذَباتِها الحُمرا
وعلى جيادِ الخيلِ أغلمةٌ / غُرّ تُصَرَفُ تحتها غُرّا
من ضاربٍ كُرَةً ينُزِّقُها / في مَلْعبٍ أو رائضٍ مُهرا
أو مُردِفٍ فَهْداً ليُقنصَه / أُدْمَ الفلا أو مُمْسِكٍ صَقرا
وخلالَ أطنابِ الخيامِ تَرَى / رَشْقَ الرُّماةِ سِهامَها تَتْرى
نثَروا لأيديهمْ وأعينِهم / ما في الكنائنِ كُلِّها نَثْرا
مَجعولةً أصداغُها حَلَقاً / منها على آذانِها كِبرا
يَرمون قِرطاساً وأفئدةً / فسَوادُها ببياضِه يُغْرى
والسّوقُ تُبصِرُ من عجائبِها / في كلِّ مَرْمَى نَظرةٍ مِصرا
بلَدٌ يسيرُ وما رأى أحَدٌ / بلداً يُسارُ بهِ ولا يُسرى
حتّى إذا بِتْنا على أَمَلٍ / نَعِدُ النّفوسَ بكُلِّ ما سَرّا
ودجَا الظّلامُ فكاثَروا عَدَداً / بشَبا الرّماحِ نُجومَه الزُّهرا
وتَغنّتِ الحُرّاسُ واصطفقَتْ / عِيدانُها وتجاوبَتْ نَقرا
تَحْدو وراء الليّلِ قارعةً / لطُبولِها أو تُبصِرَ الفَجرا
والغُضْفُ مَن لَقِيَتْ تُمزَقُه / وتَعُلُّ منه النّابَ والظُّفرا
فلَوَ انّ طيفاً رام من طُنُبٍ / لهمُ دُنُوّاً لم يَجِدْ مَسرى
حتّى إذا ما الصّبحُ لاحَ وقد / نُشرَتْ لنا راياتُه نَشرا
وسَمعتَ صيحاتِ الأذانِ من ال / جنَباتِ تَنْعَرُ بالدُّجَى نَعرا
وتَخالُ أصواتَ الطّبولِ إذا / أصغَيتَ إنْ ظُهراً وإنْ عَصرا
رَعْداً يُقطَّعُ بالعَروضِ فما / تَلقَى له زَحْفاً ولا كَسرا
فنفَوا بقايا غُمضِهمْ وقَضَوا / فَرْضَ الصّلاةِ وأخلَصوا السِّرّا
وتَقاطَر الغِلمانُ راكضةً / للخيلِ تابعةً له الإثرا
المُحكِمين عقودَ أقبيةٍ / فيها يُرونَكَ أَوجُها زُهرا
كالدُّرِّ زِيدَ كمالُ بَهجتِهِ / في العَينِ أنْ قد كُلِّلَ التِّبرا
وكأنّما أضحَتْ قَلانِسُهم / من عَكْسِ ضوء خُدودِهم حُمرا
حتّى إذا أخذوا صوالجَهمْ / جَهَدوا سوابقَ خَيلهِم حُضرا
وتَنازعوا الآدابَ وامتحَنوا النْ / نُشّابَ والخَطِّيّةَ السُّمرا
فثنَى الأعِنّةَ راجعاً بهمُ / مَولَى الورَى واليومُ قد حَرّا
والسِّترةُ السوداءُ قد رُفعَتْ / في الجَوِّ فوق الغُرّةِ الزَّهرا
فسَلُوا المَظَلّةَ إنّها دُفِعَتْ / عن أيّةِ الشّمْسَيْنِ للأُخرى
حجَبَتْ تَزايُدَ نُورِ غُرَّتهِ / من رأْفةٍ عن عينِها الحَرّى
حتّى إذا ما لاحَ من بُعُدٍ / جهَرَ الورى بدُعائهمْ جَهرا
والصّدْرُ في الدّيوانِ مُستَنِدٌ / منه الأوامرُ تَشرَحُ الصَّدرا
صَدْرٌ رداءٌ تُقاهُ يَستُرُه / عن سهمِ عينِ زمانهِ سَترا
مُستودَعٌ لُبّاً لعِزّتِه / تَخِذَ الحديدَ لصَوْنِه قِشرا
والمُلْكُ مُلْكُ الأرضِ أجمعِها / كالطّوقِ منه أُلزِمَ النَّحرا
والدِّينُ قَلْبٌ في جوانحِه / مهما اتّقَى من مارقٍ شرّا
وعلومُ ما يأْتي الزّمانُ به / مكنونةٌ في طَيِّه سِرّا
كم فيه صُحْفِ ندىً ولست تَرى / للبُخلِ في أثنائها سَطرا
هذا الكمالُ على الحقيقةِ لا / ما كان يُذْكَرُ قبْلَه ذِكرا
إنّي لأذكُرُ معشراً عُهِدوا / ولربّما تَتجدَّدُ الذّكرى
أبناءَ دَهرٍ لا لَقِيتَ له / يا صاحِ بعدَ وفائهِ غَدرا
ما تَنقضِي في أمرِه فِكَرِي / بلْ لا يُساوي أمرُه الفِكرا
عَهْدِي بهم تُضحِي دُموعُهمُ / غُزْراً إذا وهَبوا لنا نَزرا
كم رجعةٍ عنهم رجَعْتُ أنا / مُتَحّسِراً وركائبي حَسْرى
أمّلْتُ منهم أن أنالَ غِنىً / والحُولُ تَحسَبُ شَفْعَها الوِترا
كُلُّ الصّدورِ سواك كنتُ أَرى / صدْراً غدا من قلبِهِ قَفرا
كُلٌّ غدا غُمْراً وصاحبُه / قد ظَل منه طالباً غَمرا
فاليومَ صرتُ إلى ذُرا مَلِكٍ / ضَيفُ الرّجاءِ بجُودهِ يُقرى
ودَعَوا لسلطانِ الأنامِ بأنْ / أَعزِزْ له يا ناصِرُ النّصرا
وغدَوا إلى الدّركاةِ وازدحَموا / فهُناك تَلقَى البَدْوَ والحَضرا
وأكابرُ الأُمَراء تُبصِرُهمْ / مُتحاشدِينَ فتُكْبِرُ الأَمرا
والبِيضُ مُصلتَةٌ تَحُفُّ بهم / وتَذودُ من يُمنَى ومن يُسرى
فَنٌّ أَجَدَّ الدّهرُ سُنّتَه / ويَحارُ مَن يتأَمّلُ الدّهرا
وبنو الرّجاء بكلِّ مُلتفَتٍ / منهم تُشاهِدُ عسكراً مَجرا
وذوو العمائمِ في مناصِبهم / والتُّركُ تَرمُقُ نَحوهَم خُزرا
مِيلاً قلانسُهم كأنّهمُ / قِطَعُ الرياضِ تَكلّلتْ زَهرا
وتَرى سِماطَيْهم وقد وقَفُوا / كالسّطْرِ حاذَى نَظْمُه السّطرا
والملْكُ مثْلُ الشّمسِ كاسِرةً / أبصارَنا من دُونِها كَسرا
ومِنَ الجيوشِ المُحدِقينَ به / لُجَجاً تَرى من حَوْلِه خُضرا
من عُظْمِ ما يَلْقَى تَضايُقُها / ما تَستبِينُ من الثّرَى شِبرا
وتَرى مُلوكَ الأرضِ خافتةً / وقَفوا أمامَ سريرِه صُغرا
والقولُ هَمْسٌ لا حَسيسَ له / والعينُ تَسرِقُ لَحْظَها سِرّا
والرُّسْلُ بعدَ الرُّسْلِ واردةٌ / كالقَطْرِ أصبحَ يَتبَعُ القَطرا
وذوو الوجوهِ البيضِ مَن جَعلوا / يومَ السّلامِ جِباهَهم غُبرا
وتَصايُحُ المُتظَلِّمينَ حكَى / لَغَطَ القطا أوسعْتَها زَجرا
رفَعُوا على قَصباتِهم قصَصاً / ويناشدون اللّهَ أن تُقْرا
يَدنونَ والجاؤوشُ مُعتَرِضٌ / حَرِدٌ يَجُرُّ سِياطَه جَرّا
وكأنّه حَنِقٌ بلا حَنَقٍ / يُغْشِي السّياطَ البَطْنَ والظَّهرا
والخيلُ جائيةٌ وذاهِبةٌ / هذى تُقادُ وهذِه تُجْرى
تحت الأُغَيلمةِ الصّغار منَ التْ / تَأْديبِ لا تَعْصِي لها أمرا
والفيلُ في ذَيلِ السّماطِ له / زَجَلٌ يُهالُ له الفتَى ذُعرا
في مَوقفِ الحُجّاب يُؤْمَرُ أو / يُنْهَي فَيُمضِي النّهْيَ والأَمرا
أُذْنانِ كالتُّرسَيْنِ تحتهما / نابانِ كالرُّمحَينِ إن كَرّا
يَعلو له فَيّالُه قَصَراً / فيظَلُّ مثْلَ مَنِ اعتلَى قَصرا
وكأنّما خُرطومُه مثَلاً / راووقُ خُرطومٍ إذا افتَرّا
وتَرنُّمُ البُوقاتِ إن رَكبَ السْ / سُلطانُ تَحسَبُها بهِ نَذرا
مَولىً فرَرْتُ إليه من زَمني / وأخو الفَخارِ إليه مَن فَرّا
فلأَصفحَنّ عنِ الّذين قَضَوْا / عُرْفاً أتَى الأقوامُ أم نُكْرا
ما لي أذمُّ ليالياً سلَفتْ / إن عَقّ ماضيها وإن بَرّا
عهْدٌ قديمٌ إن حَلا فخَلا / أو إنْ أمَرَّ لنا فقد مَرّا
شُكْرِي لهذا العَصْرِ يَشغَلُني / عن أن أعاتبَ ذلك العَصرا
بالصّاحبِ العَدْلِ احتمَى زَمنِي / فلأغفِرنَّ ذنوبَه غَفرا
مولىً إلينا الدّهرُ مُعتَذِرٌ / ببقائه وكفَى به عُذرا
جاورْتُه فبلَغْتُ كُلَّ مُنىً / ولذاك قالوا جاوِرِ البَحرا
وأتَتْه آمالِي مُحلأةً / فشفَى النّدَى أكبادَها الحَرّى
أوردْتُها عَشْراً كَرُمْنَ له / من بعدِ ما أظمأتُها عشرا
فلأشكُرَنّ جزيلَ أنعُمِه / ويفوقُ كُفْرُ النِّعمةِ الكُفرا
يا أيّها المولَى المُعيدُ إلى / وَجْهِ الزّمانِ بِعَدْلِه بشرا
مَفتوقةٌ أجفانُ حاسِده / ما إن يَخيطُ بهُدْبِها شُفْرا
وكأنّما أقلامُه طَفِقَتْ / للغَيْظِ من أضلاعِهِمْ تُبْرى
مَن ذا يُؤمِّلُ أن يُرَى نفَساً / قُدّامَ حَربِكَ مالِكاً صَبرا
ولَوَ انّ كِسرَى عاش كان يُرَى / من خَوفِ بأسِكَ لازماً كِسرا
يا مَن ذخَرْتُ ولاءه زَمناً / من أجلِ يومٍ يَحمَدُ الذُّخرا
أَوْلَيتَ فَضْلي نظرةً سَلَفَتْ / فامْنُنْ إليه بنَظرةٍ أُخرى
وملَكْتَ من دُنْيايَ أَجمعِها / فالْمَحْ بِفكْرِكَ أَمْريَ الإمرا
عَيْناً بلا نَومٍ مُغمّضَةً / وأنامِلاً مَضْمومةً صِفرا
نظَر الحسودُ إلى ظواهرِها / وأنا بباطِنِ أَمرِها أَدْرى
فإلى متى يقتادُني طَمعِي / عْبداً له وأَظُنُّني حُرّا
والشَّيبُ فاتحُ عَيْنِه عجَباً / يرنو إليّ بطَرْفِه شَزرا
فكُنِ المُفرِّغَ خاطرِي كَرماً / فالحُرُّ أَنتَ بنَصْرِه أَحرى
يا مَن جَعلْتُك مَقْصِدِي فغدا / سَهْلاً إليكَ رُكوبِيَ الوَعرا
وأَرى الغِنى طَوْعِي إذا جَعلَتْ / نُوَبُ الزّمانِ إليك لي فَقرا
جاءْتكَ من فِكَري ابنةٌ كَرُمتْ / فجلَوتُها لكَ حُرّةً بِكرا
لا يَرتضِي سيفَ اللّسانِ فتىً / ما لم يُبِنْ في مَدْحِكَ الأُثرا
يا مَن لدَيهِ لعُظْمِ مَنْصِبِه / سِيّانِ مَن لم يُطْرِ أو أَطْرى
العِيد عاد إليك فاجْتَلِهِ / ثَغْراً عنِ الإقبالِ مُفترّا
في دولةٍ غرّاءَ دائمةٍ / مادامَ صَومٌ مُعقِباً فِطرا
طرَقتْ بليلٍ من سَناها مُقْمِر
طرَقتْ بليلٍ من سَناها مُقْمِر / فأضاءَ مُعتَلَجُ الكثيبِ الأعفَرِ
قَمرٌ تَدّرعَ جُنْحَ ليلٍ سارياً / لكنْ سوى طَرْفي به لم يَشْعُر
خطَرتْ ببَطْنِ الواديَيْنِ تَزورُنا / عَجَباً ونحن ببالِها لم نَخْطُر
بيضاءُ تَبسِمُ عن أقاحي روضةٍ / جُلِيَتْ وتكْسِرُ عن لواحظِ جُؤْذَر
هجَرتْ وَوكَّل ناظري بخيالها / ذِكْري لها فكأنّها لم تَهْجُر
أَهْلاً بزائرةٍ أتتْ لو لم تكُنْ / من عندِ فكرٍ للمَزارِ مُزَوِّر
واصَلْتُها والبِيضُ لم تَقطُرْ دماً / مِن دُونِها والسُّمْرُ لم تَتَكَسّر
وأجبْتُ داعيةَ الصَّبابةِ نَحْوَها / فلَقِيتُ عاديةَ الخميسِ المُصْحِر
ولَربّما آثرتُ ما لم أَلقَه / حتّى رَكِبْتُ إليه ما لم أُوثِر
فدَعِ الملامَ فقد نَزَعْتُ عن الصِّبا / وصحَوْتُ إلاّ طَرْبةَ المُتذَكِّر
أَ أُخيَّ مارَسْتُ الرّجالَ فلم أَجِدْ / عند الشّدائدِ صاحِباً لم يَغْدِر
إنّ الصّنائعَ والأياديَ في الورَى / غَرْسُ المودّةِ والقِلَى فتدَبّر
وإذا اصطنَعْتَ حسيبَ قومٍ فارْجُه / وإذا اصطَنَعْتَ دَنِيءَ قومٍ فاحْذَر
قُلْ للجميلِ وما سَمِعْتُ بمثْلِه / مظلومَ قومٍ بينَهمْ لم يُنْصَر
ما لِي أراك وقد خُصِصْتَ منَ الورى / في حالتَيْكَ معاً بظلْمٍ مُنْكَر
فإذا طُلِبْتَ منَ امرئٍ لم يَصْطَنعْ / وإذا اصطَنَعْتَ معَ امرئٍ لم يَشْكُر
هلاّ شكَوْتَ إلى الوزيرِ وعَدْلِه / مِمّا لَقيتَ منَ العديدِ الأَكثَر
فهو الّذي يَرعاكَ غيرَ مُضيِّعٍ / وهو الذي يُوليكَ غيرَ مُكدِّر
وهو المُجيرُ لمنْ يلوذُ بظِلِّه / من كُلِّ عَدْوةِ جائرٍ مُستَكْبِر
مَلِكٌ أنامَ من الأنامِ عُيونَهم / أَمْناً وقال لِعَيْنِه لَهُمُ اسْهَري
ووزيرُ صِدْقٍ جازَ في دَرَج العُلا / غاياتِ كُّلِ مُملَّكٍ ومُؤزَّر
وافَى به العصرُ الأخيرُ وقَصّرَتْ / عن شَأْوِه وزراءُ كُلِّ الأَعصُر
فكأنّما كانوا فوارسَ حَلْبةٍ / ركَضوا فكان السّبْقُ للمُتأخِّر
لا غْروَ لم تَزَلِ الوِزارةُ قَبلَهُ / تَستَنُّ بينَ مُقَصِّرٍ أو مُقْصِر
من مُسْرفٍ في البخلِ غيرِ مُوفَّقٍ / أو مُوحِشٍ بالمَطْلِ غيرِ مُنَكَّر
أو ذاهبٍ في الهَزْلِ أبعدَ مَذْهبٍ / أو حائرٍ في الجهلِ شَرَّ تَحَيُّر
حتّى أُتيحَ وللأمورِ عواقبٌ / إقبالُ مَنْصورِ اللِواء مُظفّر
فتَحلَّتِ العلْيا بأَشرفِ حِلْيةٍ / وتَجلَّتِ الدُّنيا بأَحسنِ مَنْظَر
أنظامَ دينِ اللهِ أيّةُ رُتْبةٍ / أَدركْتَ غايتَها وإنْ لم تفخَر
هُمْ قَصّروا عنها ولم يَتواضَعُوا / وحَظِيتَ أنتَ بها ولم تَتكبَّر
وبَسطْتَ كفّك بالنّوالِ فطَبّقتْ / بالجودِ تَطبيقَ الغمامِ المُمْطِر
وكَسبْتَ حُسْنَ الذّكرِ في الدُّنيا التي / تَفْنَى ومَن يَفعَلْ كفِعْلك يُذْكَر
قد أَنقذَتْ كفّاك شِلْوَ فريسةٍ / من بعدِ ما عَلِقتْ بنابِ غَضنْفَر
فرجَعْتَ بالمُلْكِ المُطلّقِ أهلَهُ / وأقمتَ من خَدِّ العَدّوّ الأصعَر
حتّى كأنّك أَردَشِيرُ الفُرسِ إذْ / وافَى فقَصَّ طوائفَ الإسكَنْدر
لم تَدّعِ الأقوامُ دُونَك أنّهم / وصَلوا إلى الفَتْحِ المُتاحِ الأَكْبَر
وأمامَ جيشِك سار ذِكْرُك سابقاً / نحوَ العُداةِ يَفُضُّ جَمْعَ العَسكَر
والشّمسُ قبل طُلوعِها من أُفْقِها / تَجلو الدُّجنّةَ بالصَّباح المُسفِر
حضَرتْ مَيامِنُك التي شَملَتْهمُ / بسُعودِها فكفَتْ وإنْ لم تَحضُر
لم يَعْصِ أمرَك رأسُ أغلبَ أبيضٍ / إلاّ تَعّوضَ صدْرَ أعجَفَ أَسمَر
ما عاد من حَربٍ قَناك وقد سقَتْ / أطرافُها إلاّ كأيْكٍ مُثْمِر
يَنْآدُ من حَمْلِ الرّؤوسِ المُجتنَى / ويَرِفُّ من وَرْدِ النّجيعِ الأحمْر
عجَباً لأَنْ سُمِّينَ خَمْسَ أناملٍ / نشأَتْ بكفِّكَ وهْي خَمسةُ أَبحُر
يتَعرَّضُ العافِي للَثْمِ ظُهورها / حتّى يَغوصَ على نَفيسِ الجَوهر
وتكادُ أقلامٌ تمَسّ بطونَها / تَلتَفُّ بالوَرِقِ المُعادِ الأَخضَر
قُلْ للّذي فَضَلَ الأنامَ فواجبٌ / عَطْفُ الكبيرِ على الوَلِيّ الأصغَر
أنا كالسُّها خافي المكانِ فضُمَّني / يا صاح منكَ إلى ابْنِ نَعشٍ أُبْصَر
كم ذا التّطَوُّفُ في البلادِ مُضيَّعاً / حَيرانَ يَقرُبُ مَوْردى من مَصْدَري
وأخوضُ في لُجَجِ البحار معَ الظّما / فأعودُ منها ذا أديمٍ أَغْبَر
حالٌ من الحظِّ المُضاعِ تَغَيَّرُ الدْ / دُنْيا مِراراً وهْي لم تَتغَيّر
ما بينَ آمرِ دولةٍ لم يُمتثَلْ / منه ومالِكِ طاعةٍ لم يأْمُر
وقد انتَهيْتُ إلى فِنائك فاسْقني / من سَيْبِ كَفِّكَ بالذَّنوبِ الأوفر
فَمُنايَ أن تَحْيا حياةَ مُنعَّمٍ / جَذِلٍ وأن تَبْقَى بَقَاءَ معمَّر
وتَعيشُ للمُلْكِ الّذي أَحْيَيْتَهُ / وتَدومُ فيه كمُقْلةٍ في مَحْجَر
رأيتُ الطّريقَ إلى الوَصْلِ وَعْرا
رأيتُ الطّريقَ إلى الوَصْلِ وَعْرا / فقدَّمْتُ رِجْلاً وأَخّرْتُ أُخْرَى
وأودَعْتُ شَطْرَ الفؤادِ الرَّجَا / ءَ حَزْماً وفَرَّغْتُ لليأسِ شَطْرا
وقد جعَل النّاسُ إلاّ الأقَلْ / لَ يُبدونَ عُرْفاً ويُخْفُونَ نُكرا
فإنْ كنتَ من شَرِّهم خائفاً / فَظُنَّ بخَيرِهمُ الدّهرَ شَرّا
لهم ألسُنٌ تَتواصَى بأنْ / يَعِدْنَ وفاءً ويُنْجِزْنَ غَدرا
فضاحِكْ عَدُوَّكَ تُشغِلْ أذاه / بمَنْ أظهرَ البُغضَ عمَّن أسَرّا
وأعلِمْه أنّك منه أمِنْتَ / ومن حيث يجهلُ خُذْ منه حِذرا
وأَوْلِ صديقَكَ منكَ الجَمي / لَ مهما أَطقْتَ ولا تَبْغِ شُكْرا
وكثِّرْ قلائلَ إحسانِه / ومهما أساءَ فَلقِّنْه عُذرا
وعاشِرْ أخاكَ بتَرْكِ العِتابِ / ولا تُخْلِقِ الوُدَّ طيّاً ونَشْرا
عليك بتَفْريغِ قلبِ الودودِ / لكي يجدَ الوُدُّ فيه المَقَرّا
ونفسَك أَنفِقْ على النّائباتِ / وخَلِّ صديقَكَ للدّهرِ ذُخرا
وسَدِّدْ سهامكَ واشْدُدْ قُواك / تَجِدْ غَرضاً إنْ قضَى اللّهُ يُسرا
ويأْتي من الحِرْصِ أن رُبّما / نقَضْتَ أُموراً وأَبرَمْتَ أُخرى
فحسِّنْ بجُهْدِك منك اثنتَيْ / نِ للّهِ سِرّاً وللنّاسِ جَهرا
فنفسُك وحْدَك إصلاحُها / عليكَ وإنْ فَسَدَ النّاسُ طُرّا
وسِرْ غيرَ مُلتفِتٍ إنّما / إلى اللّهِ تَخْطو منَ العُمْرِ جِسرا
لك الشُّهْبُ والدُّهْمُ مخلوقَةٌ / فأَحسِنْ بهنّ إليهِ المَفَرّا
وخُذْها وصيّةَ ذي دُرْبةٍ / أَحاطَ بتَجربَةِ النّاسِ خُبرا
ولا تَعْصِ ذا النُّصْحِ في أَمره / وأَنت بنَفْسِك من بَعْدُ أَدرى
أَعاذِلَتا لا تُطيلي المَلا / مَ في مُقْلةٍ من جوىَ القلبِ عَبْرى
فعَينُك سَكْرَى بخَمْرِ الصِّبا / وعَيْنيَ من حَيْرةِ الدّمعِ شَكْرى
ولو كنتُ أَبكي من الدّهرِ حَولاً / على كلِّ يومٍ من العُمْرِ مَرّا
لم أَقضِ به حقه إذ مضَى / ولم أكتسِبْ فيه حَمْداً وأَجرا
ولمّا محا النّاسُ رَسْمَ الجميلِ / سطَرْتُ من العيسِ في البيدِ سَطرا
وآليتُ ألاّ أَرحتُ المَطِيْ / يَ حتّى أُصادِفَ في النّاسِ حُرّا
فكان الرّئيسُ لدينِ الهُدَى / لتلك الأَليّةِ منّي مُبِرّا
وحَبّرتُ غرّاءَ من مِدْحهِ / لأَلْقَي بها منه مَلْكاً أَغَرّا
جعَلْتُ رِكابي وِشاحاً فجا / لَ لمّا جَعلْتُ له البِيدَ خَصرا
وقاسَيْنَ عِشْراً إلى أن ورَدْنَ / صباحاً سَحائبَ كفَّيْهِ عَشرا
أخو الجِدِّ في غُلَواء الخُطو / بِ يَملأُ يومَيْهِ نَفْعاً وضَرّا
وحَكَّمه الدَّهرُ في أَهلِه / إذا شاء ساءَ وإن شاءَ سَرّا
له مَنطِقٌ يَبهَرُ السامِعينَ / ولا غَرْو أن يَلفِظَ البَحرُ دُرّا
وضَمَّ تليدَ العُلا والطّريفَ / فطالَ بنى الدَّهْرِ نَفْساً ونَجْرا
يَنُمُّ به نَفَسٌ للحسو / دِ يَنقَدُّ من كبِدٍ منه حَرّى
ويَكشِرُ عن حَدِّ أَنيابِه / وفي قلبِه مَرَضٌ ليسَ يَبْرا
يكونُ على حِدَةٍ أُمّةً / ويَعدِلُ يومٌ يُرَى فيهِ عُمرا
يُفيدُ النَّدى ويُبِيدُ العِدا / إذا ما الأسِنّةُ أَصبحْنَ حُمْرا
يُصرِّعُ أَشلاءهم في الثّرى / كأنّهمُ يتَساقَونَ خَمرا
وحارَ الورَى في ليالي الخطوب / فشَقَّ مُحيّاهُ للنّاسِ فَجرا
وتُبصِرُ غَيثاً ولَيثاً يَصولُ / غداةَ السّلامِ وبَدْراً وبَحرا
إذا هَمَّ صَمَّم في الكاشحِينَ / كما يَتبَعُ اللّيثُ بالنّابِ ظُفرا
أيا سَيِّدَ الرّؤساء الكبيرُ / أَرَى في عَلائكَ للّهِ سِرّا
نصَرْتَ الهُدَى فَنبِيُّ الهُدَى / يُجازيكَ عن نَصْرِكَ الدِّينَ نَصرا
وجادَلْتَ حتّى أَريتَ الخُصومَ / صِغارَ الكواكبِ في الأُفْقِ ظُهرا
لِتَحصُدَ بالسّيفِ كلَّ امرئٍ / تَعرَّض يَنثُرُ للشّرِّ بَذرا
رعَيْتَ الممالكَ حتّى غدا / فِعالُك والمجدُ عِقداً ونَحْرا
وحتّى كحَلْتَ بشَزْرِ الطِّعانِ / عُيوناً نظَرْنَ إلى المُلْكِ شَزرا
لقد سُدْتَ قبلَ خُلُوِّ الدِّيارِ / منَ الصِّيدِ مَن كنتَ عاصَرْتَ دَهرا
فكيف بكَ اليومَ والأَكرمونَ / غدا منهمُ ظاهرُ الأرضِ قَفرا
غدا مَلِكُ الأُمَراء الكبيرُ / يَهُزُّ بِكَ العِطْفَ تِيهاً وفَخرا
حوَتْ منك يُمناهُ سَيفاً له / رأَى أَثراً يَرتَضيهِ وأُثرا
حساماً بحدَّيْهِ مهما انتَضا / هُ يَكْسِرُ جيشَ المُلِمّاتِ كسرا
فلا زالَ أيّامُه بالفُتوح / مُحجّلةً تَبهَرُ الخَلْقَ غُرّا
فلم تَخْلُ يوماً من اليُمْنِ يُمْنَى / ولم تَخْلُ يوماً من اليُسْرِ يُسرى
فمنذُ رأَى الوجْهُ ذا البِشْرَ مِنْ / كَ كان له الدَّهرَ بالَسّعْدِ بُشْرى
ودُونَكَ فاجْتَلِ بالسّمْعِ منك / أَزُفُّ إليك ابنةَ الفِكْرِ بِكْرا
وإنّي لأَرضاكَ للمَدْحِ كفْوءاً / كريماً وأَرضى بنُعماكَ مَهرا
فأَمضِ على اسْمِيَ إدراريَ ال / قديمَ وأَجْرِ كما كان يُجْرى
وأَستغفِرُ اللّهَ فالحالُ فيه / تَفاوَتَ جِدّاً فيا رَبُّ غَفْرا
وكان زمانُ لئامِ الوُلاةِ / ومَنْ بسوى الشّرِّ لم يُبْقِ ذِكرا
عليهم إذا بَعْدَ حَولٍ أُحِي / لُ لاقيتُ أَمراً من المَطْلِ إمرا
له اسْمٌ يُسمّى ولا جِسمَ كان / كما يَقْبَضُ الرَجُلُ الكَفَّ صِفرا
ولكنْ عليك إذا ما أَحلْتُ / مَلأْتَ ليَ الحِجْرَ بِيضاً وصُفرا
فجَرْياً على عادةٍ في السّما / ح عُوِّدْتَ يا أَعْظَمَ النّاسِ قَدرا
من القَصْرِ جُدْتَ فإنْ تُعطِهِ / بعَسكرَ تَبْنِ من المجدِ قَصرا
وأَنت سحابٌ إذا ما مطَرتَ / عَمَمْتَ لنا القُربَ والبُعدَ قَطرا
فما زلْتُ منذُ مدَحْتُ المُلو / كَ يُولونَني العُرْفَ عَصْراً فعَصْرا
وكانوا بِبَسْطِ ندىً أحرياءَ / وأنت به منهمُ اليومَ أحْرى
وباعُك أطْولُ يومَ الفَخارِ / وخَيلُك في حَلبةِ المجدِ أجرى
وغيَرُك يُغْرَى بكَسْبِ الثَّراءِ / وكسْبُ الثّناء بهِ أنت مُغْرى
سَئمتُ بتُستَرَ طُولَ المُقامِ / فما تَرَكَ الدَّهرُ فيها مَقَرّا
ولكنّها وطَنٌ والطُّيورُ / تَحِنُّ إذا هُنّ خالفْنَ وَكرا
لعَمْري لقد ظَلمَ الحاسِبو / نَ إذ جَعلوا جَزْلَ جدُواكَ نَزرا
وقد وضَعوا اسماً لَها مُحدَثاً / إذا قيلَ إدرارُ رِزقٍ أُدِرّا
فتلك صِلاتُ بها لي تَجودُ / وما هي عندي أداريرُ تُجْرى
ولكنّها مِنَحٌ منك أُقْرَى / بهنّ على مِدَح فيك أَقْرا
أعِنّي على حدَثانِ الزّمانِ / فقد يُسنِتُ الحَيُّ والضَيْفُ يُقْرى
ألم يأْنِ لي مَرّةً أنْ أُراشَ / فَحتّامَ يُنْحَتُ قِدْحي ويُبْرى
وأعقِلُ نَضوي بحَبْل الرّجاءِ / وما زالَ للأملِ النّاسُ أسرى
فدونَك منّي مَديحاً تَراه / يُبارِي النجومَ مَسيراً ومَسْرى
ودُرّاً كما لاح دُرًىُّ نَجمٍ / وشِعراً كما أهدَتِ النّورَ شِعْري
يقولون ما خَربَتْ تُستَرٌ / وفيها كذا تَركَ الدَّهرُ دُرّا
فَعُمّرْتَ ما امتدَّ عُمْرُ الزّمانِ / وفي نِعَمٍ يَتوالَيْنَ تَتْرى
فقد خلَق اللّهُ فِعْلَ الجميلِ / فُؤاداً وأودَعَهُ منك صَدرا
قلب المشوقِ بأن يساعدَ أجْدَرُ
قلب المشوقِ بأن يساعدَ أجْدَرُ / فإذا عَصاهُ فالأحِبّةُ أعذرُ
لا طالَبَ اللّهُ الأحِبّةَ إنّهم / نامُوا عن الصّبِّ الكئيب وأسهَروا
هجَروا وقدَ وصَّوا بهَجْري طيفهم / يا طيفُ حتّى أنت مِمَّنْ يَهْجُر
دونَ الخَيالِ ودونَ مَن تَشتاقُه / ليلٌ يطولُ على جفونٍ تَقْصُر
وَمُخيِّمون معَ القطيعة إن دَنوا / هَجَروا وإن راحوا إلينا هَجَّروا
طاروا إلى شُعَبٍ وهم من قَبْلها / كانوا إذا سَمِعوا الرَّحيلَ تَطَيّروا
قَصروا الزّمانَ على صُدودٍ أو نوىً / والعُمْرُ من هذا وذلكَ أَقْصَر
أرأيتَ يومَ الجِزعِ ما صنعوا بنا / والحَيُّ منهم مُنجِدٌ ومُغَوِّر
سَفَروا فلما عارضَ القومُ اتَّقوا / بمعاصمٍ وكأنّهم لم يَسفِروا
وغَدوا ومن عيني لهن منيحةٌ / تُمْرَي ومن قلبي وَطيسٌ يُسعَر
أعقيلةَ الحيِّ المُطنَّب بيتُها / حيث القَنا من دُونها تَتكَسَّر
كَالبْدرِ إلاّ أنّها لا تُجتلَى / والظّبْيِ إلاّ أنّها لا تُذعَر
أخْفَى إذا فارقتُ وجْهَكِ من ضنىً / فأدِقُّ عن دَرْكِ العيونِ وأَصغُر
وأرى بنورِكِ كلّما أدنَيْتنِي / وكذا السّها ببناتِ نَعْشٍ يُبصَر
مَن زائري واللّيلُ أدهمُ صافِنٌ / ومُودّعي والفجرُ أَشقَرُ مُحضِر
خطَرتْ إليَّ فزادَني طرَبا لها / أنْ لم تكن بالبال مِمّا يَخْطُر
وغَدت مُودِّعةً فقلبٌ يلْتظي / حتّى تَعودَ ومُقلةٌ تَستَعْبِر
فكأنّما تَركتْ بخَدِّي عِقْدَها / ليكونَ تَذكِرةً بها يُتذَكَّر
يَلْقَى الحسودُ تجلُّدي فيَسوؤهُ / أَنّي على رَيْبِ الحوادثِ أَصبِر
مالي وما لعِصابةٍ مُغتابةٍ / هل فيَّ إلاّ أن سَعيْتُ وقَصَّروا
إنّي لأُصبِحُ للفضيلةِ ساتراً / مِنّي كَمَنْ هو للنّقيصةِ يَستُر
وأرى أَمامي ما ورائي دائماً / مثْلَ الذي هو في مِراةٍ يَنظُر
لا تضطربْ عند الخطوبِ فإنّما / يَصفو إذا ما أُمِهلَ المُتكَدَّر
وإذا تَولّى مَعشَرٌ كَرمُوا فلا / تَهلِكْ أسىً حتّى يُوافيَ مَعشَر
فصحيفةُ الدّنيا الطّويلةُ لم تَزَلْ / يُطوى لها طَرَفٌ وآخَرُ يُنشَر
ما زالتِ الأيّامُ حتّى أَعقبَتْ / يوماً ذُنوبُ الدَّهرِ فيه تُغفَر
يومٌ أَغرَّ مُشهَّر في صَدرِه / أَحيا الوَرى صَدْرٌ أَغرُّ مُشَهَّر
بِوزارةٍ راحتْ وكُل يشتكي / من دَهْره وغدتْ وكلُّ يَشكُر
فكأنَّ آمالَ الخلائقِ كُلَّها / رِممٌ مُفرَّقةٌ أتاها المحْشَر
حتّى إذا غَصَّ الفضاءُ بمَوكِبٍ / من وَطْئهِ كَبِدُ الحَسودِ تَفطَّر
والأرضُ من ضيقِ المسالكِ تَشتكي / والجَوُّ في نَسْج السَّنابِك يَعثُر
وعلى النّظامِ ابنِ النّظامِ مَهابةٌ / تَنْهَى عيونَ النّاظرِينِ وتَأْمُر
مشَتِ الملوكُ الصِيّدُ حولَ رِكابهِ / رَجْلَي وكان لهم بذاكَ المَفْخَر
وتَبسّمَتْ خِلَعٌ عليه كأنّها / رَوضٌ تَقمّصها غمامٌ مُمطِرِ
ومُرصَّعاتٌ يأتلقْنَ وراءه / تَشكو السّواعدُ حَمْلَها والأظْهُر
وأمامَه جُرْدٌ يُقَدْنَ جَنائباً / مَرْحَى تَخِفُّ بها الخُطا فتَوقَّر
يَظْلَلْنَ في بحرِ النُّضارِ سَوابِحاً / والجَوُّ من عَكْسِ الأشِعّة أحمَر
وبدا الجوادُ على الجوادِ كأنّه / طَوْدٌ أظَلَّ عليه نَجْمٌ أزهر
وأتَى به واليُمْنُ منه أيمَنٌ / مُتَكِنّفاً واليُسْرُ منه أيسر
حتّى ثنَى عنه لِيَنْزلَ عِطْفَهُ / في مَوْقفٍ فيه الجِباهُ تُعفَّر
فالجوُّ طولَ اليومِ تبرٌ ماطرٌ / والتُربُ طولَ العام مِسْكٌ أذْفَر
ولَقلّتِ الأرواحُ لو نَثَروا له / لو كانتِ الأرواحُ مِمّا يُنثَر
لأغرَّ يَعتذِرُ الزّمانُ بوَجْهِه / عمّا جناهُ من الذُّنوبِ فيُعْذَر
ويُريكَ منه إذا بدا لك منظراً / ما فوقَهُ في الحُسْنِ إلاّ المَخْبَر
وعليه من سِيما أبيهِ شواهدٌ / ودلائلٌ تَبدو عليهِ وتَظْهَر
ولئن تأَخَّرَ في الوِزارةِ عَصرُه / فلكُلِّ أمرٍ غايةٌ تَتأخّر
كانتْ تنقَّلُ في الرّجال كأنّها / سارٍ يُنَوَّخُ تارةً ويُثَوَّر
حتّى انتهتْ شوقاً إليه وإنّه / ما مِن وراء نهايةٍ مُتنَظَّر
اليومَ عَزَّ حِمَى الرّعيّةِ أنْ غَدا / يَرعاهُمُ حَدِبٌ يُنيمُ ويَسْهَر
فالعدْلُ ثَغْرُ الدَّهرِ منه ضاحِكٌ / والأمنُ غصْنُ العيشِ فيه أخْضَر
وافَى فقيلَ أواحدٌ أم جَحفَلٌ / وسخا فقيل أَنمُلٌ أم أبحُر
وتَيمّنَ السّلطانُ منه بصاحبٍ / نَدْبٍ يَهُمُّ بما يَرومُ فَيظْفَر
لمّا رأى فَتْحَ الدَّواةِ بكَفّهِ / وافاه فَتْحُ القلعةِ المُتَعذّرِ
فتفاخَرَ الفَتْحانِ حتّى لم يَبِنْ / للنّاسِ أيُّهما أجَلُّ وأكبَر
للهِ أيةَ ليلةٍ في صُبحِها / تَبِعَ اللّواءَ إلى الجهادِ العَسكَر
سَمتِ الجنودُ إليهمُ حتّى إذا / طلَعوا الثّنِيّةَ بالبنُودِ وَكبّروا
ما كان إلاّ من نهارٍ ساعةً / حتّى جَرَتْ مِمّا أرَاقوا أنْهُر
مَطَروا عليهم بالسِّهامِ ولم تكُن / من قبلِ نهضِتهمْ سماءٌ تَمطُر
من كلِّ أزرقَ ذي جناحٍ طائرٍ / غَرثانَ عن حَبِّ القلوبِ يُنَقِّر
يُطعِمْنَ قَتْلاها النُّسورَ جَوازياً / إذ كُنّ طِرْنَ بما كسَتْهُ الأَنسُر
حتّى انثنَوا والبِيضُ في أيمانِهم / حُمْرٌ تُقَطِّرُ بالغُواةِ وتَقطُر
وغدا عدوُّ اللّهِ طَوْعَ أَكفِّهم / يَجْري مُقلَّدَ رِبْقةً ويُجَرَّر
مثْلَ البعيرِ تَقودُه بسِبالِه / فيَخِفُّ وهْو من الجهالةِ مُوقَر
وكأنّ لِحْيتَهُ هشيمٌ ماحِلٌ / وكأنّ أيدي القوم رِيحٌ صَرْصَر
ولَوَ انّه تَرَكَ الخبيثَ هُنَيْهةً / لتَصافنوا دمَهُ الذي هو أَقذَر
قد قَدَّروا للمسلمينَ عجائباً / واللّهُ غيَّر كلَّ ما قد قَدَّروا
كم خَوَّفوا سَنةَ القِرانِ وخَيّلُوا / أنّا سنَخْرُجُ عندَ ذاكَ ونَظْهَر
أرواحُهم خرجَتْ وهم لم يَخْرُجوا / وهَناتُهم ظهَرتْ وهم لم يَظْهَروا
تاللّهِ ما فَتَحوا البلادَ وإنّما / فتَحوا العيونَ فأَبصَروا ما أبصَروا
تلك الأكاذيبُ المُلفَّقةُ التي / غَرُّوا بها شِيَعَ الضَّلالِ وغَرّروا
بلغَتْ بهم سَلْخَ الجُلودِ كما رَأَوا / والسَّلْخُ عِندَهُمُ البَلاغُ الأكبَر
فاسأَلْ بني العّباسِ عمّا شاهَدوا / زمَنَ البَساسيريِّ هل يُتذَكَّر
لم يُكْفَ قائِمُهم إذا ما قايَسوا / ما قد كُفِي في هذه المُستَظهِر
كلاّ ولا ارتجَعَ الخِلافةَ طُغْرِلٌ / مِثْلَ ارْتجاعِ مُحمّدٍ لو فَكَّروا
بيَمينهِ آلَى يميناً سَيْفُه / ألا يُغادِرَ بالهُدَى مَن يَغْدِر
فعِداهُ إن طلَبوا القَرارَ تَعَجَّلوا / حتْفاً وإنْ طلَبوا الفِرارَ تَحَيَّروا
يُمسُونَ أمّاليلُهم فيُريهِمُ / قَتْلاً وأمّا صُبحُهم فَيُفَسّر
يا ماجداً رَوِيَتْ بسَجْلِ نَوالِه / كلُّ الورى باديهمُ والحُضَّر
يَكِفي الممالكَ أن يُديرَ بكَفّهِ / قَلماً له الفَلكُ المُدارُ مُسَخّر
يُمِلي وأيدِي القَطْرِ تَنْسَخُ جودَه / ولَما يفوتُكِ يا قِطارُ الأكثَر
فِفداءُ كفِّكَ وهْي بحرُ سماحةٍ / قومٌ إذا ورَد العُفاةُ استَحْجَروا
قَدَروا وما سَدُّوا لِحُرٍّ خَلّةً / بصنيعةِ فكأنّهم لم يَقْدِروا
وتَصدَّروا من غيرِ فضْلِ عطيّةٍ / والصّدْرُ مَنْ مِنْه العطايا تَصدُر
إن يَشْكُرِ السّلطانُ غُرَّ فَضائلٍ / وشمائلٍ لك فالرّعيّةُ أشكَر
أو كان مُلْكُ محمّد بكَ عامِراً / فافْخَرْ فديِنُ مُحمّدٍ بك أعَمَر
جاءتْكَ مِثْلَ العِقْدِ وهْو مُفَصَّلٌ / حُسْناً ومثْلَ البُردِ وهْو مُحَبَّر
أنا غَرْسُ بيتِكمُ الكريمِ بجودكم / يُسقَى وبالمِدَح الغرائبِ يُثْمِر
فإنِ ارتضَوا حُكْمِي فغيرُ بديعةٍ / من مثْلِ ذاكَ البحرِ هذا الجوهر
فاسْلَمْ لنا ما انجابَ لَيْلٌ مُظلِمٌ / عن ناظرٍ وانتابَ صُبْحٌ مُسْفِر
وبَقِيتَ بينَ بني أبيكَ كما بدا / بَدْرٌ تَحُفُّ بهِ نُجومٌ تَزْهَر
هُمُ منَعوا مِنّا الخيالَ الّذي يَسْري
هُمُ منَعوا مِنّا الخيالَ الّذي يَسْري / فلا وَصْلَ إلاّ ما تَصوَّر في الفِكْرِ
فيا مالكي منْعَ الجُفونِ من الكرَى / ألم تمَلِكوا منْعَ الفؤادِ منَ الذّكر
أَبِيتُ وسُمّارُ المُنَى بي مُطِيفةٌ / وبحرُ البُكا بالطّيْفِ مُمتَنِعُ العَبر
وقد وَتّدَ اللّيلُ النُّجومَ مُخَيّماً / وطَنَّب أجفاني إليها يَدُ الهَجر
وغادَر في خَدَّيَّ غُدْراً من البُكا / تَولُّعُ ربِّاتِ الغدائرِ بالغَدر
لقد أصبَحَتْ سمراءَ والسُّمْرُ بيننا / فماذا لَقِينا من سَمِيّاتِها السُّمر
ولم أنْسَها يومَ الرَّحيلِ وقد لَوتْ / بتَسليمةِ التّوديع حاشيةَ السِّتر
وقلبي مع الرَكْبِ اليمانينَ رائحٌ / لقىً بين أيدي العيسِ في البلَدِ القَفر
أقولُ وإلْفي للوداعِ مُعانِقي / ولى دَمعةٌ غَيّضْتُها فهْي في نَحْري
أدِرْ لي كؤوسَ اللَّثْمِ صِرْفاً لعلّه / تَسيرُ المطايا عند سُكْري ولا أدْري
فلي عَبراتٌ إن أحسَّتْ بِبَيْنِكم / إذنْ تَركَتْ بحراً لكم جانبَ البَرّ
أأحبابَنا هَبْكمْ عُذِرْتُم على النَّوى / فهل لصُدودِ الطَّيْفِ باللّيلِ من عُذر
وما لِسَمائي بعدكمْ حار بَدْرُها / ألم يتَعلَّمْ سرعةَ السَّيْرِ من بَدري
ولِمْ ثَقُلَتْ ريحُ الصَّبا مُذْ رحلْتُم / وكانتْ برَدْعِ المِسْكِ طَيِّيةَ النَّشر
رَحلتُمْ فقرَّبتُمْ مشيبي من الصِّبا / هموماً وباعدتُمْ عِشائي منَ الفَجر
فبينَ بياضَيْ عارضِي لَمْعُ بارقٍ / وبين بياضَيْ ليلتي مَوعِدُ الحَشر
فهل من نَقيبٍ للّيالي مُوكَّلٍ / بأنْ يَنفِيَ النّومَ الدَّعِيَّ من العَصر
فيأخذُ مُذْ بِنتُمْ ليالِيَّ قاطِعاً / ذَوائبَها لم يَنتسِبْنَ إلى عُمري
فأيُّ فتىً جلّى الغداةَ شِكايتي / جلَوتُ لِما يوليهِ عند الرِّضا شُكرى
لدى مَلكٍ في الشُّمِّ من آلِ هاشمٍ / نَدي الوجْهِ سامي الطّرفِ مرتَهنِ البِشر
مَهيبٌ لدى النّادي مُرجَّى لدى النّدى / فيُمناهُ من يُمْنٍ ويُسراهُ من يُسر
تُشيرُ إليه هاشمٌ بأكُفِّها / إشارةَ أيدي النّاظرينَ إلى البَدر
وتأْوي إليه إن ألمّتْ مُلِمّةٌ / ويأْوي جَناحُ الطّيْرِ ليلاً إلى الوَكْر
يُظاهِرُ بينَ الرَّأْيِ والسّيفِ دونهمْ / كما شَيّعَ ابْنُ الغابةِ النّابَ بالظُّفر
تكاد الرّماحُ السُّمْرُ وهْي ذَوابلٌ / تَعودُ بكَفّيهِ إلى الوَرَقِ الخُضر
ويُعطي عِنانَ البرقِ ضمْنَ سحائبٍ / إذا هَزَّ عِطْفَ الأعوجِيّةِ بالحُضر
وما ثار ذو شِبلَيْنِ من دونِ غِيلِه / بعَينَيْنِ كالمَقْدودَتَينِ منَ الجَمر
كإذْكائه دونَ الخلافةِ طَرْفَه / مُدِلاًّ برأْيٍ يَقرُنُ النَّصْلَ بالنَّصر
ومَن مثْلُ ذي الفَخْرَينِ فَخْرٍ بنفسه / وفَخرٍ بمَنْ أبقَوا له غايةَ الفَخر
حلَلْتَ من العّباسِ جَدِّك يا ابنَهُ / بحيثُ يُرىَ العبَاسُ مِن جَدِّه عَمْرو
فتىً كلُّ حُبِّ المجدِ غُرّةُ وجههِ / فوشّحه بِيضاً بأيّامِه الغُرّ
فيُقْمِرُ هذا اللّيلُ بالبدرِ وَحْدَه / ولكنّه بَدْرٌ معَ الأنجُمِ الزُّهر
ملوكٌ تَسامَوا للعُلا وأَئمّةٌ / أُولو العزْمِ في أزمانهمْ وأُولو الأَمر
تَبدَّى اللَّيالي في تَتابُعِ مُلكِهمْ / كما يتَبدَّى السّلْكُ من خَلَلِ الدُّرّ
ولم يُرَ كالعبّاسِ قِدْماً وهاشمٍ / شَبيهانِ مَجْداً في مُلوك بني النّضر
فهذا الّذي تُغْنِي عنِ القَطْرِ كَفُّه / وهذا الذي يَأْتي مُحَيّاهُ بالقَطر
فدَتْكَ نظامَ الحَضرتَيْنِ منَ الوَرى / أكفُّ رجالٍ لا تَريشُ ولا تَبْري
وما حِليةُ الأَشرافِ إلاّ مآثرٌ / وهل حِلْيةٌ للمشرفيِّ سوى الأثر
ويا ذِروةَ الخُطّابِ عزّاً وقد سعَتْ / إليك هوىً فاطْرَبْ لغانيةٍ بِكْر
فما تَرتضِي إلاّ علاءكَ بَعْلَها / وما تَبتغِي إلاّ العنايةَ من مَهر
وأنّى تَرى كُفْوءاً كريماً من الوَرى / إذا عدَلَتْ بالوُدِّ عنك ابنةُ الفِكر
ولي خاطرٌ يُغْري بِوأْدِ بناتِه / على حُسْنِها من فَقْدِه كرَمَ الصِّهر
ولكنْ تَجلّى وجْهُ عَلياكَ طالعاً / فلم تَبْقَ منه اليومَ حسناءُ في خِدر
ولم أُهدِ للدّنيا ثنائي ولا أرَى / ولائي لكم إلاّ لآخِرتي ذُخري
وكم جُدْتُ بالنّفْسِ العزيزةِ فيكمُ / كجودِ أخي الإحسانِ للوَفْدِ بالوَفر
ولن أَكبُتَ الحُسّادَ إلاّ بنَظْرةٍ / من المَوقفِ الأَسْمَى الإماميِّ في أَمري
فصِلْني بهِ يا ابنَ الأكارمِ مُدنِياً / فما أنت إلاّ الباعُ من ذلكَ الصَّدر
وعشْ شَرفاً للدِّينِ ما حَنَّ شارِفٌ / ودُمْ ما تَروَّى الروَّضُ من دِيَمٍ غُزر
وخُذْ ليمينِ الدّولةِ السّمْحِ كَفُّه / سِرارَ مَعانٍ صيغَ من خالصِ الشِّعر
إليك اقتباساً يَنْتهِي كُلُّ فاضلٍ / كما مَجَّ أفواهُ الشِّعابِ إلى البَحر
فيا فاضِلاً يُولي الفواضلَ للورَى / ويا عارِفاً يَروِي العوارِفَ للحُرّ
إذا ما درَى الإنسانُ أخبارَ مَنْ مضَى / فتَحسَبُه قد عاشَ في أوَّلِ الدَّهر
وتَحسَبُه قد عاش آخِرَ دَهْرِه / إلى الحشْرِ إن أبقَى الجميلَ من الذِّكر
فقد عاش كُلَّ الدَّهرِ مَن عاش بَعضَهُ / كريماً حليماً فاغتَنِمْ أَطْولَ العُمر
نشَدْتُك اللّهَ هل تَدرينَ يا دارُ
نشَدْتُك اللّهَ هل تَدرينَ يا دارُ / ماذا دَعا الحَيَّ من مَغْناكِ أنْ ساروا
ساروا يَسيحون في آثار ما تَركُوا / في الدّارِ من جَفْنِ عَيْني وهْو مِدرار
وقفتُ لم أتقَلّدْ للحَيا مِنَناً / فيها ومنّيَ في الأجفانِ إسْآر
كأنّني واضعاً خَدّي به قَلَمٌ / أَبكِي أَسىً ورُسومُ الدّارِ أَسطار
دارُ التي قلتُ لمّا أن تأوَّبني / منها خيالٌ سَرى والركبُ قد حاروا
أَبارِقٌ ما أَرى أم رأيةٌ نُشِرَتْ / أم كوكبٌ في سوادِ الّليلِ أم نار
لا بل أُميمةُ أمستْ سافِراً فبَدَا / من أوّلِ الّليلِ للإصباح إِسفار
أكلّما كاد يَبْلَى الوَجْدُ جَدَّدهُ / طَيْفٌ على عُدَواء الدّارِ زَوّار
لغادةٍ كمَهاةِ الرَّمْلِ ناظرةٍ / شِفارُ أسيافِها للفَتْكِ أَشفار
خَوْدٌ إذا سفَرتْ للعين أو نطَقتْ / فالطَرْفُ لي قاطفُ والسّمعُ مُشتار
تُريكَ حَلْياً على نَحْرٍ إذا التمَعا / لاحا كأنّهما جَمْرٌ وجُمّار
لمّا أتَتْ رُسُلُ الأحلام زُرتُهمُ / ليلاً وهل عن هوَى الحسناء إقصار
والحَيُّ صرعَى كرىً في جُنْح داجيةٍ / كأنّهم منه في الأحشاء أَسرار
سحَبْتُ ذَيلَ الدُّجَى حتّى طَرقتُهمُ / بسُحرةٍ وقميصُ اللّيلِ أَطمار
أَزورُهم وسِنانُ الرُّمح من بُعُدٍ / إليّ بالمُقْلةِ الزَّرقاء نَظّار
فاليومَ لا وَصْلَ إلاّ أن يُعِلّلَني / في العينِ طيفٌ لها والقلب تَذْكار
لا أَشربُ الدّمعَ إلاّ أن تُغَنِّيَني / وُرْقٌ سواحِرُ مهما رَقَ أَسحار
من كُلِّ أخطَبَ مِسْكِيّ العِلاطِ له / في مِنْبَر الأيكِ تَسجاعٌ وتَهدار
خطيبُ خَطْبٍ وقد أفنى السّوادَ بلىً / فمِنْ بَقِيّتِه في الجِيدِ أزرار
شادٍ على مذهبِ العُشّاق أَعجَبَه / تَفَقُّهٌ فله باللّيل تَكرار
حُرٌّ رأَى فَرْطَ أشواقي فاَسعدَني / والحُرُّ يُسعِدُه في الدَّهر أحرار
صَبٌّ تَجاذَبُه الأهواءُ واقتسمَتْ / سُرىَ مطاياهُ أنجادُ وأغوار
والدَّهرُ مذ كان من تَكْديرِ مَشْربهِ / لم تَجتمِعْ فيه أوطان وأوطار
للرّوضِ والرّيحِ إذْكارٌ بفاتنتِي / فالرّوضُ حاليةٌ والريحُ مِعطار
أَمتارُ من جَفْنِها سُقْماً يُحالِفُني / فهل سَمعتُمْ بسُقْمٍ قَطُّ يُمتار
لا تَكْذِبَنَّ فسلطانُ الهَوى أبداً / في دينِه لدمِ العُشاقِ إهدار
حتّى متى يا ابنةَ الأقوامِ ظالمةً / لكِ الذُّنوبُ ولي عنهنّ أَعذار
أقسَمْتُ ما كُلُّ هذا الضّيم مُحتَملٌ / ولا فُؤادي على ما سُمْتُ صَبّار
إلاّ لأنّكِ منّى اليوم نازلةٌ / في القلب حيثُ سديدُ الدّولةِ الجار
أَعَزُّ مَن ذَبَّ عن جارٍ وأَكَرمُ مَن / هُزَّتْ إليه على الأنضاء أكوار
للهِ يومٌ تَجلَتْ فيه عُزَّتُه / ساعاتُه غُرّةٌ للنّاسِ أعمار
كأنّه كَعبةٌ قد سافَرتْ كَرماً / حتّى قضَى الحَجَّ في الأوطانِ زُوّار
لكنْ بدا كعبةً ما دونَ طَلْعتِه / للعينِ إلاّ غبارَ الخيلِ أَستار
كأنّما الشّمسُ فيما ثار مِن رَهَجٍ / سِرٌّ له في صَميمِ القلبِ إضمار
كأنّها من خلالِ النَقْعِ قائلةٌ / إن غابَ نُورٌ كفَتْكم منه أَنوار
من باهرِ البِشْرِ وَضّاحِ أَسِرَّتُه / بالوجهِ منه للَيْلِ النّقْعِ أَقمار
وتحته مُقْبِلاً رِيحٌ مُجسّمَةٌ / يُصيبُ منها جَبينَ النّجمِ إعصار
كأنّها في حواشي رَوضةٍ أُنُفٍ / فالحلْيُ منها على الأَقطار نُوّار
إذا مَساعِي سديدِ الدَّولتينِ بدَتْ / فما لِسَعْيِ ملوكِ الدَّهْرِ أخطار
سما يرومُ العلا حتّى المجَرّة مِن / تَسحابِه الذَّيلَ في مَسْراه آثار
والشّمسُ والبدرُ مِن فَضْلاتِ ما نثروا / في طُرْقِه درهمٌ مُلقىً ودينار
للنّاظِرِين إلى عَليائه وإلى / عُلْيا بني الدّهرِ إكبارٌ وإصغار
في كفِّه قلمٌ للخطْبِ يُعملُه / كأنّه لجِراحِ الدَّهرِ مِسْبار
تخالُه رايةَ للفضلِ في يدِه / وخلْفَها جحفلٌ للرَّأيِ جرّار
يَزِلُّ منه إلى القرطاسِ دُرُّ نُهىً / لهنّ عند ذوِي التّيجانِ أقدار
ما تُضمِرُ النّفْسُ شكّاً أنّها دُرَرٌ / بِيضٌ لهنَّ كما للدُّرِّ أَبشار
لكنْ لمُلْكِ بني العّباسِ دَعْوَتُها / من أجلِ ذلكَ للتّسويدِ تُختار
تَهْدِي الوَرى بمِدادٍ والعيونَ كذا / منها الأناسيُّ سُودٌ وهْي أبصار
لمّا أهابَ أميرُ المؤمنين إلى / تذْليلِ صعْبٍ أُتيحتْ فيه أسفار
فارقْتَه لا لنقْصٍ منك يُكْمِلُه / سيْرٌ كما ابتدَرتْ بالبُعْدِ أقمار
وإنّما لك عند الاجتماعِ به / قبلَ انصرافِكَ عنه ثَمَّ إبدار
بل أنت سَهْمٌ سديد من كِنانتهِ / له مع اليُمْنِ إيرادٌ وإصدار
سَهْمٌ يُنالُ به ثأْرُ الهُدَى أبداً / إذا ترامتْ به في اللهِ أوتار
يُصيبُ قاصيةَ الأغراضِ مُرسِلُه / حزْماً وَيسبِقُ بالإصماء إنذار
يُرضي الأئمّةَ في قُرْبٍ وفي بُعُدٍ / أقام في الحيِّ أم شطّتْ بهِ الدّار
ذو طاعَتيْنِ بخط لم يزَلْ وخُطاً / ميْمونةٍ نقْلُها للمُلْكِ إقرار
يَسيرُ كيْما يُقِيموا في العُلا وكذا / شُهْبُ الدُّجَى ثابِتٌ منها وسَيّار
فالمُلْكُ في بَيْتِه يُلْفَي تَمَهُّدُه / بأن يُرَى منك في الآفاقِ تَسيار
كالأرضِ يُمْسِكُها ألاّ يَزال يُرَى / من حَولِها فَلَكٌ يُحْتَثُّ دَوّار
يا ابنَ الأكارمِ والآباءُ ما كسَبوا / منَ العُلا فهْو للأبناء أذخار
شَرُفْتَ نفْساً ونَجْراً والأصولُ كَذا / إذا صفَتْ لم تَضِرْ بالفَرْعِ أكدار
آلاؤك الطّوقُ والنّاسُ الحَمامُ فهم / في حَلْيها وقَعوا في الأرضِ أم طاروا
ما إن تُفَكُّ طُلاهم من قلائدِها / ما أنجدوا في بلادِ اللهِ أو غاروا
كمن تألَّى على مَسْح السّحاب إذا / صافَحْتَهُ أنت عامَ الجَدْبِ أبرار
جَزتْكَ عنّا جوازي الخيرِ من رَجُلٍ / آثارُه كلُّها في الحُسْن أسمار
ليثُ الكتيبةِ أم ليثُ الكتابة أم / حاوِي المعاني وما للحَقِّ إنكار
ليثٌ عَرِيناهُ باْسٌ أو ندىً ولَه / بالبِيضِ والرُّقشِ أنيابٌ وأظفار
لكَ المَقاوِمُ دونَ الدّينِ قُمْتَ بها / ثَبْتَ المواقفِ والأعداءُ قد ثاروا
والبِيضُ قد فُتّقتْ عنها كَمائمُها / والسُّمْرُ منهنّ في الأطرافِ أزهار
والخيلُ تُوردُها الفُرسانُ بحْرَدَمٍ / تَخوضُه ولبَرقِ السّيفِ أمطار
لمّا انثنَوا وسيوفُ الهندِ مخمَدةٌ / نيرانُها ورماحُ الخَطِّ أكسار
حَنَّتْ ضلوعُ الحنايا العوجُ نحوَ عِداً / أحداقُهم لِمُطارِ النَّبْلِ أوكار
حتّى إذا ما جرتْ في كلِّ مُلتفَتٍ / من فْرطِ إنهارِهم للطَّعْنِ أنهار
رَدّوا الوشيجَ وفي أغصانِه وَرَقٌ / من الدّماء وبالهاماتِ أثمار
ما إن شهِدْتَ الحروبَ العُونَ لاقِحةً / إلاّ نتجْنَ فُتوحٌ ثَمَّ أبكار
عاداتُ نصْرٍ على الأعداء عَوّدها / هادٍ إلى اللهِ يُهْدِي الخلقَ إن حاروا
خليفةُ اللهِ مَن أضحَى مُخالِفَه / أتاه مِن طَرفيْهِ النّارُ والعار
فلا عَدا السّوءُ مَنْ عاداهُ من مَلكٍ / كَفّارُ أنعُمه باللهِ كَفّار
ودامَ مُرعيهِ أهْلَ الدّهرِ راعيَهُ / ما استَوعبَتْ سِيَرَ الأحرارِ أشعار
وعادَ وافِدُ هذا العيدِ نَحوَكُما / بالسّعْدِ مَاكرَّ بالأعيادِ أعصار
مُضحّياً بالعدا تُدمَى تَرائبُها / ما سُنَّ بالبُدنِ إذ يُهدَيْنَ إشعار
سَلا رسوماً أقامتْ بعدَ ما ساروا
سَلا رسوماً أقامتْ بعدَ ما ساروا / أعِندها بمكانِ الحيِّ أخبارُ
ورَوّحا عاتقي من حَمْلِها مِنَناً / للسُّحْبِ فيها وفي الأجفانِ إسْآر
رَبْعٌ وقفْتُ به والسّمعُ مُرتَنِقٌ / عنِ الملامِ هوىً والدّمعُ مدرار
كأنّني واضعاً خَدِّي به قَلَمٌ / أبكِي أسىً ورُسومُ الدّارِ أسطار
خَطبْنَ وأَيمانُ الكُماةِ المَنابرُ
خَطبْنَ وأَيمانُ الكُماةِ المَنابرُ / بألسُنهِنَّ الحُمْرِ بِيضٌ بَواترُ
فخَرّتْ سُجوداً في الثّرى لِدُعائها / رُؤوسُ عُداةٍ أَسلَمتْها المَغافر
وما افتَضَّ أبكارَ الفُتوحِ سوى ظُبيً / لأغمادِها هامُ المُلوكِ ضَرائر
ذُكورٌ إذا الحَربُ العَوانُ تَمخّضتْ / لها طائرُ الفَتْحِ القريبِ البشائر
فللنّصرِ ثَغْرُ النّصْلِ يَبْسِمُ ضاحكاً / وفي الأرضِ صِدْقُ الضّرْبِ للهامِ ناثر
بيومِ وغىً أُمُّ اللّيالي بمِثْلِه / غدَتْ من أَبي أيّامِها وهْي عاقر
ودونَ سنا وجْهِ النّهارِ إذا بدا / تَظاهَر للنّفْعِ المُثارِ سَتائر
فما شَمسُه إلاّ شُعاعُ صفائح / وما أَرضُه إلاّ ثَرىً فيه ثائر
لِمُدْنٍ ذَراها في الرياح لخيلهم / بكَرٍّ وفَرّ بينهنَّ الحوافر
سقاها سحابٌ والرُّؤوس لسَيله / حبابٌ تنزَّى والدِّماءُ مَواطر
وبالحربِ كم صُقْعٍ تناهَى خرابُه / وبالسِّلمِ عن قُربٍ غدا وهْو عامر
كذاك مجاري السَّيلِ غِبَّ انجِلائه / إذا عُدَّ أيّامٌ رياضٌ نواضر
متى تَسْتُرُ الغبراءُ تُستَرَ كاسْمِها / فكم ذا إليها ناظرُ السَّوء ناظر
يَسُرُّك ماضي عَهْدِ عدْلٍ إذا أتى / على حينَ من أهليكَ لم يبقَ غابر
فلولا زمانٌ مانعٌ وزَمانةٌ / لطار برَحْلي منك هوجاءُ ضامر
وكم لخطوبِ الدَّهر ساءتْ أوائلٌ / وحال بها حالٌ فسُرَّتْ أواخر
فصابِر تصاريفَ اللّيالي إذا دهَتْ / فما يُدركُ المأمولَ إلاّ المُصابر
وللهِ قومٌ لستُ ناسيَ عهدِهم / وإن نقضَتْ عهدي اللَّيالي الغوادر
متى زاد دهري غَدْرةً زِدتُ ذُكرةً / لأيّامهم والحرُّ للعهدِ ذاكر
أَباعِدُ أملاكٍ إذا ما طرَفْتهم / كأنْ قد أطافتْ منهمُ بي عشائر
لِقُرْبيَ منهمْ لا لِقُرْبي برحلتي / إليهم يُباهِي كُلُّهم ويُفاخر
وقد خلَطوني بالنّفوسِ كأنّما / نَماهُم أَبو الأقيالِ عَمْروٌ وعامر
ولم يُسْلِني عنهم وإنْ عشتُ بعدهم / بنو زمني هذا الّذينَ أُزاوِر
فكيف وقد أَصبحتُ لا أَنا مُنجدٌ / إلى طَرَفٍ سَيْراً ولا أَنا غائر
فإن تَكُ بابنَيْ قَيلةٍ شَطّتِ النّوى / فكم قَولةٍ منّى بها الدَّهْرُ فاخر
وإن أَصبحَ الأنصارُ عنّيَ غُيّباً / فناصرُ ديِنِ اللهِ لي منه ناصر
لقد شِمتُ من كفَّيهِ عَشْرَ سَحائبٍ / فأوردْتُ آمالي وهُنَّ عَواشر
إلى أَوحدِ الدُّنيا الكبيرِ الذي غدا / إلى كابرٍ يَنْميهِ في المجدِ كابر
هَجرْتُ الورَى طُرّاً وهاجرْتُ طائعاً / فلم يَحْظَ منّي هاجِرٌ ومُهاجر
إمامٌ هو الشَّمسُ المنيرةُ للورى / به تَهْتدي أَبصارُهم والبصائر
تَسترّتُ من رَيْبِ الزّمانِ بِظِلِّه / فما هو لي عن عَيْنِ دَهْريَ ساتر
بأقضَى قضاةِ الدَّهرِ أَعزَزْتُ جانبي / فأحجَم عنّي صَرْفُه وهْو صاغر
بمَوْلى مَوالٍ رأيُه العضْبُ صائبٌ / ومُولي نوالٍ بحْرُه العَذْبُ زاخر
له أَرقَمٌ ما انفَكَّ يَرقُمُ أحرُفاً / بها الدِّينُ ناهٍ للعِبادِ وآمِر
تُداوِي وتُدْوي دائماً نفثاتُه / فمِن نابِه التِّرياقُ والسُّمُّ قاطر
يُجِيبُ بفَتْوى أو بجَدْوى سؤالَهم / فما هو عنها طُرْفةَ العينِ فاتر
مَليٌّ بتَقْريبِ البعيدِ برأيِه / إذا ما خلا يوماً بَملْكٍ يُشاور
مَيامِنُه من غيرِ بعثٍ لعَسْكرٍ / غَدتْ دونَ هذا المُلْكِ وهْي عَساكر
إذا ما رجالَ الدّهرِ عَدَّتْ أناملُ ال / وَرى سجدَتْ عَجلَى إليك الخَناصر
فإن يُنْوَ تَقديمٌ بها فأيامِنٌ / وإنْ يَنْو تَفْخيمٌ بها فالأياسر
فِداؤك مِن صَرْفِ الرَّدى كُلُّ كاشحٍ / غدا وهْو عن نابِ العداوةِ كاشر
وخاطَرَ بالنَّفْسِ امْرؤٌ باتَ ليلَه / خِلافُك منه وهْو بالبالِ خاطر
أيا رُكنَ إسلامٍ أُراقِبُ حَجَّه / ولي عنه دَهْري مُحصَرٌ ومُحاصَر
متى تَلْتَقي عيني بغُرّةِ وَجْهِه / فقلبي إليه رائدُ الشَّوقِ طائر
أأصبِرُ عن نادِيه يوماً يَمرُّ بي / وما أنا فيه حاضِرٌ ومُحاضِر
وإنّ امرأً أرجَا من العُمْرِ ساعةً / ولم يَكْتسِبْ فيها علاءً لَخاسر
فِدىً لك نَفْسي من كريمٍ وناصِرٍ / تَملَّكني إنعامُه المُتَناصر
له مِنَنٌ عندي جَديدٌ رُسومُها / وما الطَّوقُ ما عاش الحمامةُ دائر
وكم جاء بي نِضْوٌ طوَى الأرضَ ذارِعاً / فعاد بما أَوْقَرْتَهُ وهْو شابر
فيا مالِكي عطفاً عليَّ بنَظْرةٍ / لها منكَ في ماضي الزَّمانِ نظائر
تَماسَكْتُ حتّى لم أَجِدْ لي تماسُكاً / فها هيَ صارتْ بي إليك المصائر
ولي شِبْلُ صِدْقٍ غيرَ أنْ ليس حاضري / فَتُنجِدُني أَنيابُه والأظافر
وصَعْبٌ بلا إسعادِ صَحبٍ نفائسٍ / إذا لم يكنْ بعضٌ لبعضٍ يُضافر
وإنّي لَتُضْنيني حَوالَيَّ أنْ أرَى / معاشرَ كُلٌّ لي خليلٌ مُعاشر
فأشكوهُمُ يَشْكونَ أيضاً إضاقةً / عُمومُ الأذى منها على النّاسِ ظاهر
وقد أكّدوا الشَّكْوَى بنادرةٍ حكَوا / وتُبدي خَفّياتِ النّفوسِ النَّوادر
حكَوا أنّ في مِصْرٍ صلاةَ جماعةٍ / رأتْ عينَ بادٍ وهْو إذْ ذاكَ حاضر
فخالطَهمْ حتّى يصلِّي وما درَى الصْ / صَلاةَ فأضحى واقِفاً وهْو حائر
فقالوا له افْعَلْ ما فعَلْنا ولا تخَفْ / إذا لم تكُن منه لشَيْءٍ تُغادر
فلمّا استَوى خلْفَ الإمام وصارَ في الرْ / رُكوعِ تَدلَّى ما حوَتْه المَآزر
فأَمسكَ خِصْيَيْهِ فتىً كان خلْفَه / لَيضْحكَ منه وهْو حَيرانُ سادر
ومن بعضِ أركانِ الصَّلاة لجَهْلِه / تَوهَّمَهُ رُكناً فأَهوَى يُبادر
وأمسَك بالشّيخ الإمامِ أمامَه / كذلك فاسودَّتْ عليهِ المَناظر
وظلَّ البُدَيْوِيُّ المُعنَّى وماجِنٌ / من الظّهْرِ خِصْيَيْهِ إلى العَصْرِ عاصر
وخَلَّى الإمامَ حينَ خَلّوهُ بعدَما / أضاعَتْ من الضِّحكِ الصّلاةَ المَعاشر
وما شَبّهوا إلاّ الحواشي بما حكَوا / فجَلَّ عن الشِّبْهِ المَوالي الأكابر
وثقْلُ اللّيالي لا الحواشي شِكايَتي / فهل عاذِلٌ لي لو تَحقّقَ عاذر
وحاشا حواشي سَيّدٍ أنا عَبْدُه / له ولهم ودّاً صفتْ لي الضمائر
مكاريمُ للأضياف في عَرصاته / سقَى عهدَهم عنّي الغُيوث البواكر
فما قصَّروا بي عن مدىً من كرامةٍ / ولكنّني عن شُكْرِهم أنا قاصر
إليك إذَنْ لامنكَ نُنْهي شِكايةً / ولا مُشتكَي إلاّ اللّيالي الجَوائر
فهَبْ نظرةً عَدْلاً يَصِخْ لك ناظِراً / بَواطِنُ من أَحوالنا وظَواهر
إذا ما علَى النُّوّابِ ثُقِّلَ ثَقّلوا / عَلّى فلِي ما ضّرَّ صَحْبِيَ ضائر
يقولون نحن الغارمون فما لنا / يُساهِمُنا ذو تُرْفةٍ ويُشاطر
فقلتُ هما صِنْفانِ صِنْفٌ مَغارِمٌ / بها استَوجَبوا سَهْماً وصِنْفٌ مَفاقر
ولا تَخْرِقُ العاداتِ أنظارُ مُعْسِرٍ / شكا زمَناً حتّى تَعودَ مَياسر
وغير بعيدٍ حيثُ كُذِّبَ أَوّلٌ / لطالعِ فَجرٍ أنْ يُصَدَّقَ آخِر
لعلّ لعاً إن قلتَ يَرجِعُ ناهِضاً / بإقْبالِك الجَدُّ الّذي هو عاثر
فمُرْ لي بتَسْويغ القضاء ومُرْهُمُ / بقَسْمٍ سواءٍ دامَ منك الأَوامر
لِيجمعَ كُلاً ظِلُّ دولتِكَ التي / علينا الغِنَى من سُحْبِها مُتَقاطر
فأنت لنا المَولَى العظيمُ جلالُه / ونحن فأَسعِدْنا العَبيدُ الأصاغر
ومادُمْتَ حيّاً فالحقوقُ قديمةٌ / لبَحْرِك يا ابنَ الأكرمينَ أُجاور
فإنّ مَعاشي في بقيّةِ عيشتي / عليك فلا تَشْغَلْكَ عنّي المَعاذر
ضَياعي كذا عارٌ على كُلِّ صاحبٍ / وحاشاك أن تغْشَى عُلاكَ المَعاير
وإلاّ فَطَيّاً للفيافي تَجوزُ بي / عُذافِرَةٌ أَجوازَها أَو عُذافر
ولا عَيْبَ أنّي من جنابِكَ راحلٌ / إلى جانبٍ لي فيه تُرعَى أواصر
فقد خِفْتُ حتّى خِفْتُ أنْ ستقولُ لي / وأنت على ما شئْتَ لو شئتَ قادر
كما قال زَيْدُ الخيلِ يومَ حفيظةٍ / غدا وهْو فيه للحُطَيئةِ آسر
أقولُ لعَبْدَيْ جَرْوَلٍ إذْ أسَرْتُه / أَثِبْني ولا يَغْرُرْكَ أنّك شاعر
فقال ألا لا مالَ عندي وإنّما / ثَوابي ثناءٌ في البسيطةِ سائر
فأَطلَقَ عن قَيْنَيهِ قَيْدَيهِ مُسرعاً / وعاد إلى أصحابهِ وهْو شاكر
فيا أيُّها الصّدْرُ الّذي بَحْرُ جُودِه / له الواردُ التّأميلُ والشكرُ صادر
سريرتُك الإحسانُ والعَدْلُ والتُّقَى / وفي كُلِّ صَدْرٍ إن نظرنا سَرائر
حياؤك يَطْوِي ما يُفيدُ منَ الّلها / ولكنّ ما يَطْويِه شُكريَ ناشر
فزِدْني جميلاً منك وازْدَدْ بشُكْرِه / جمالاً فَمولِيُّ الجميلِ مُتَاجر
ومُكْرِمُ مثْلي مُكْرِمٌ بي نفسَه / إذا أَعملَ الفِكْرَ الفقيهُ المُناظر
وسيّانِ معنىً أن يُنَوَّلَ ناظِمٌ / مديحَ جوادٍ أو يُقَبّلَ ناظر
فدُمْ للعُلا والمجدِ مادام دِيمةٌ / تُرَجّي البوادي صَوْبَها والحَواضر
ودام شهابٌ أنت مَطْلعُ سَعْدِه / وأَنوارُهُ للنّاظرِينَ بَواهر
لمّا شَكا قلبي هَوَى نَوارِ
لمّا شَكا قلبي هَوَى نَوارِ / وعارِضي كالصُّبحِ في الإسفارِ
والشَّعْرُ منها أَسودُ الشِّعار / كجُنْحِ ليلٍ جَدّ في اعْتِكار
مالتْ من الإنْسِ إلى النِّفار / وأصبحَتْ قاطعةَ المَزار
ولم تكد تَقرُبُ من دِياري / إلاّ طُروقاً بخيالٍ سار
وزادَهَمَّ قلبِها المُطار / إعسارُ شَيخٍ رافعِ الأستار
والجمْعُ بينَ الشّيبِ والإعسار / عند الدُّمَى ذَنْبٌ بلا اغْتِفار
ولا له يُصْغَي إلى اعتِذار / فكلّما لَطّفْتُ لاسْتِهْتاري
عُذْري غدَتْ تومي إلى عِذاري / فعندَ ذاك عَظُمَ افتِكاري
وشَبَّ في قلبي شُواظُ نار / وغلَبتْ حَيْرتِي اصْطِباري
لكنْ لمكْتومٍ منَ الأسْرار / وقَدَرٍ سَعْدٍ منَ الأقْدار
أقبلَ وفْدُ المِهْرجانِ الطّاري / مُعدِّلاً عند ذوي الأبصار
للَّيل والنّهارِ في المِقْدار / فَتَّم صُلْحٌ لا على إنكار
ما بين خَصَمْينِ ذَوَيْ أشجار / من ظُلَمٍ تَجْنى على أنوار
وحَكَم النّاسُ على استبْصار / أنّ استواءَ اللّيلِ والنّهار
قد كانَ بَعدَ ذلك الضِرّار / يَطرَحُ كَفَّ الفَلَكِ الدَّوّار
للشّمسِ في الميزانِ كالدّيِنار / فنَبّهتْني نظرةُ اعْتِبار
وعلَّمتْني شيمةَ المُدار / وهل فتىً في زمَنِ اضْطِرار
بعَجْزِه يَجْرِي ولا يُداري / إلى رُجوعِ زمَنِ اخْتِيار
فقُمْتُ مثلَ الأسَدِ المُثار / ولم أَزلْ بكَثْرةِ التَّدوار
والطّوفِ في الأنجادِ والأغْوار / والقَطْعِ للمَهامِهِ القِفار
مُستَبْضِعاً غُرّاً منَ الأشعار / وحامِلاً دُرّاً إلى بِحار
من خلفاء اللّهِ في الأمصار / أو السّلاطينِ ذَوي الأقطار
أو صاحبٍ قُدّمَ لاسْتِيزار / من كُلِّ نَهّاء الوَرى أمّار
حتّى رجَعْتُ ظاهرَ اليَسار / مُمتِليءَ اليمينِ واليَسار
فكم غَدوتُ وازِنَ النُّضار / ورُحْتُ منه قاضيَ الأوطار
ونلتُ وَصْلَ الكاعِبِ المِعطار / ومَفْرِقي منَ السّوادِ عار
والذّهَبُ المُذهِبُ للأفكار / فالحمدُ للهِ العزيزِ الجار
مُبدّلِ الإقلالِ بالأكثار / ثُمّ الصّلاةُ دائمُ الأدوار
منّا على نَبيِّه المُختار / مُحمدٍّ وآلِه الأخيار
هذا حديثُ قَطْعِيَ البراري / وجَرْيِ أحوالي على المَجاري
حتّى حطَطْتُ الفَقْرَ عن فَقاري / وسفَرتْ عنِ الغِنى أسفاري
فَكَرّ صَرْفُ دَهْريَ الكَرّار / وصار طَعْمُ العيشِ ذي الأطوار
من بَعْدِ إحلاءٍ إلى إمراء / ظِلُّ غنىً آذَنَ بانحسار
فاليوم عاد عائدُ الإقْتار / وما أظُنُّ جابِرَ انكساري
بعد رجائي نَفحاتِ الباري / سوى كريمِ النفْسِ والنِّجار
حَلاّلُ أعلَى قُلَلِ الفَخار / بَنانُه كالدّيمةِ المِدْرار
وشأنُه مَعونةُ الأحرار / مثْلُ رشيدِ الدّين في الكِبار
وقولُ مِثْلُ مُوجِبُ استِغْفاري / فما لَه مِثْلٌ ولا مُجار
وما لَهُ في فَضْلِه مُمار / طَوْدٌ من الأطوادِ ذو وَقار
مُسدَّدُ الإيرادِ والأصدار / عَزْمَتُه كالصّارمِ البَتّار
ورأْيُه زَنْدُ النّجاحِ الواري / إذا انتدَى للحَمِدِ في أيسار
يَضْرِبُ بالسَهْمَيْنِ في الأعشار / أخبارُه عظيمةُ الإكبار
وخَيْرُه مُصغَّر الأخبار / فبَحْرُهُ مُلتَطِمُ التّيّار
وقَطْرُه ما انفَكَّ في انْهِمار / قد زارَنا نَفْديهِ مِن زَوّار
وما قَرأْنا قَطُّ في الأسفار / وما سَمِعْنا قَطُّ في الأسمار
بكعبةٍ سارَتْ إلى الزُّوّار / ولم يَشُدّوا العِيسَ بالأكوار
يا مُحسِناً حمايةَ الذِّمار / اُذكُرْ مقُامي وهْو ذو اشْتِهار
يا غيْرَ محتاج إلى الإذْكار / بمِدَحِ جلَوْتُها أبكار
في مِعصَمْ العلياء كالسِّوار / كَدُرَرٍ يُصَنَّ أو دَرار
فقلْ لعاً إن ذلَّ ذو عِثار / ظامٍ يَعافُ الوِرْدَ للإسْآر
كم ذا أُواري هكذا أُواري / وأَطلُبُ الصّفْوَ منَ الأكدار
في قُرْبِ شَرٍّ طائرِ الشَّرار / وتُرْبِ أرضٍ مُنْبِتِ الأشرار
شُكْري لبَحْرِ جُودِكَ الزَخّار / إذ لا يزالُ طافِحَ الغِمار
وَقْفاً على الغُيّابِ والحُضّار / فأَجْرِ إدْراريَ وهْو جار
مادام حُسْنُ الرّأيِ منكَ جار / واسْمَعْ بديعَ مَدْحِيَ السّيّار
فالدُّرُّ منّى ثَمَنُ الإدرار / أَرْبِحْ بها من صَفْقةٍ للشّاري
يا طالعاً سَعْداً على الدِّيار / طُلوعَ غيثٍ مُسْبِلِ القِطار
قِطارُه تَهمى على الأقطار / وساعياً للنّفع لا الإضرار
وبَثُّ عَدْلٍ عامرُ الأمصار / عيونُها إليه في انتِظار
لا زلتَ نجماً عاليَ التَّسيار / وَحْدتُه تُغْنِي بلا أنصار
غَناءَ ألفِ عسكرٍ جَرّار / يَغدو غُدُوَّ الضّيغَم الهصّار
ما غاب عن غابٍ طَلوبُ ثار / إلاّ وعادَ ظافرَ الأظفار
عشْتَ لمُلْكٍ ثابتٍ القَرار / طويلَ عُمْرٍ طالَ في اقْتِدار
قصيرِ أيّامٍ مِن استِبشار / حتّى تَرى عُمْرَك في الأعمار
يُسمونَهُ الطّويلَ بالقِصار / دُمتَ تَزينُ المُلكَ بالآثار
ما زِينَتِ الرّياضُ بالأزهار /
أيا غائبَ الشّخصِ عن ناظري
أيا غائبَ الشّخصِ عن ناظري / على أنّ نعمتَهُ حاضِرَهْ
إذا شئتُ نَزَّهتُ من دارِه / لِحاظيَ في جَنّةٍ ناضِره
ولكنّ عينيَ تشَتاقُ أن / تكونَ إلى رَبِّها ناظِره
يا راحلاً بالسّعدِ عن مُقْلتي
يا راحلاً بالسّعدِ عن مُقْلتي / ونازلاً ما بينَ أَفكاري
إنْ يَخْلُ طَرْفي منك في حالةٍ / فليس يَخْلو منك إضماري
أحلَلْتَني في مَنْزلٍ آنِسٍ / مَأْلَفِ قُصّادٍ وزُوّار
وروضةٍ غَنّاءَ في صَحْنِها / نُزْهةُ أَسماعٍ وأبصار
فإنّما بُعدُك لا غَيره / هو الّذي يَشغَلُ أَسراري
فنحن من دارِك في جَنّةٍ / نَعَمْ ومن بُعْدِك في نار
فهل سَمعْتُم بفتىً نازِلٍ / بالّنارِ والجنّةِ في دار
لمّا غدَتْ خَيلُ اشتِياقي لكم / تَركُضُ في مِضمارِ إضماري
جَرى إليكم قَلَمي سابِقاً / واحسَدا للقلَمِ الجاري
برَيتُه فانقادَ لي طائعاً / وليس بِدْعاً طاعةُ الباري
وقام لي بالرّأسِ يَعْدو به / عَدْواً كلَمْحِ البارقِ السّاري
فَودَّ قلبي والفلا بيننا / يُعْيِي المطايا بُعدُ أقطاري
لو أنّها طِرْسي ولو أنّني / لقلَمِي أحكِي بتَسْيار
بل لو وصَفْتُ الشّوقَ يا سادتي / مُذْ بَعُدَتْ من دارِكم داري
لكان أَصفاري إذا ضُمِنَتْ / أَقلَّه في طُولِ أسفاري
متى أرَى ليلَ فراقي لكم / يَصدَعُه صُبْحٌ بإسْفار
وأيَّ يومٍ يغَتْدِي ناظري / مُكتحِلاً منكمْ بأنوار
فدَتْك نَفْسي يا ضياءَ الهُدى / من ماجدٍ مُسعِدِ أحرار
لم يُسْلِني عنك كرامُ الوَرى / بل زاد كُلُّ بك إذْكاري
وما أرَى مثلَك في طُولِ ما / أَلُفُّ أنجاداً بأَغوار
فلستَ تغدو يا حليفَ النّدى / إلاّ مُقيماً بينَ أسراري
إليك كنتُ بادئاً هِجْرتيِ / فكنتَ من أكرمِ أنصاري
فانصُرْ أبا نصْرٍ فؤادي على / جَيشَيْنِ من شَوقٍ وأفكار
بِمَدَدٍ تُلْحِقُه عاجِلاً / منك ولو خَمْسةَ أسطار
أهكذا يَسْري القَمَرْ
أهكذا يَسْري القَمَرْ / واللّيلُ مُسوَدُّ الطُّرَرْ
لم يَجْلُ منه ما اعتكَر / ولم يَرَ النّاسُ أَثَر
لا بل هو الطّيْفُ عَبَر / مُنتقِباً وما سَفَر
فيتْرُكَ اللّيلَ أَغَرّ / ويَشْفيَ العينَ نَظَر
يا زائراً ولم يُزَر / دَلّس بُخْلاً بخفَر
ولم يَصِلْ حتّى هَجَر / وسبَقَ الوِرْدَ الصَّدر
وكان ظِلاًّ فانحَسَر / إلاّ بقايا مِن ذِكَر
تكْحَلُ عَيناً بسَهَر / فقُمْتُ والدَّمعُ درَر
أَكُفُّ منه ما بَدَر / وأكتُمُ الصّحْبَ الخَبر
ودوننا خافي الأثر / وليلُه إذا افتقَر
يَسوفُ أنفاسَ العُفُر / إلى شديدِ المُضْطَمر
مِن المَطيِّ المُدَّخَر / مُلِّكتُه مِلْكَ الظّفَر
فيه معَ العِتْقِ أَشَر / رعَى بأعلى ذي عُثَر
بين رياضٍ وغُدُر / أَوديةً حُوَّ السُّرَر
بها كَتَوشيع الحِبَر / أَوّلُ ما فاحَ الزَّهَر
فخاضَها على غَرَر / من القَنا بمُشتَجَر
يأخذُ نَبتاً ويَذَر / معَ الجواري بالخُضَر
عن نُطَفٍ فيها خَصَر / حتّى أتى وقد أَشِر
يَملأُ عينَيْ مَن نظَر / فيه على العيسِ الخِيَر
يَبعُدُ عنه في الحُضَر / بعدَ تماحٍ من أَثر
فإن نَشِطْنَ وفَتَر / بين صَفاءٍ وكَدَر
كألِفٍ بَيْنٍ سَطَر / فمَرّ كالظّبْيِ نَفر
أو لا فكالسّيلِ انحدَر / أو لا فكالنّجمِ انكَدَر
أو لا فكالوَهْمِ خَطَر / من وَقْعِ مَجْدولِ المِرَر
بعِطْفِه عنه زَوَر / حتّى إذا الحادي نَعر
وطالَ بالرَّكْبِ السّفَر / وجالَ بالنَّسْعِ الضُّمُر
ومال بالنَّفْسِ البَهَر / طَوى البلادَ ونَشَر
حتّى طرقْنا عن عَفَر / فِناءَ عزٍّ مُحْتَضَر
عند مليكٍ مقتَدِر / يَجْري نَداهُ في البَشَر
جَرْيَ القضاء والقَدَر / سامي العُلا عالي السُّرُر
نَزْرُ البُرَى جَمُّ القُدُر / إن وتَرَ الدَّهرُ ثَأَر
أو كُسِرَ العَظْمُ جَبَر / أو جمَدَ النَّوءُ مَطَر
أو خَفَّتِ الخيلُ وَقَر / لمّا رأى الإمْرَ احْتَضر
وأصبحَ العُسْرُ فَغَر / صابَرَ فيهِ وصَبَر
في قلّةٍ مِمّنْ نَصَر / حتّى ثنَى البِيضَ كِسَر
وحَلَّ هاماً ونثَر / وأَرسَلَ الخَيلَ زُمَر
عَوابِساً مَعَ الغُرَر / وهُنَّ ينفُضْنَ الغُدَر
صوابِراً تحت صُبُر / تَصلَى إذا الرَّوعُ استَعَر
ناراً لها النَّبْلُ شَرَر / يومٌ أَغرُّ مُشتَهر
ألّفَ للمَلْكِ الأغَرّ / بينَ المُرادِ والظّفَر
يا سَيفَهُ إذا انتصَر / وغَوْثَه إذا اعتَصر
ومجْدَه إذا افتخَر / أنت الوزيرُ والوَزَر
ومَن سِواكَ مُحتقَر / وهل يُداني في الخَطَر
شمسَ ضُحىً نَجْمُ سَحَر / ما للعدُوِّ لا نُصِر
يَرُدُّ أمراً قد قُدِر / كما يَلُحُّ من قُمِر
تَعْساً له إذا استَمر / ولا لَعاً إذا عَثَر
مُرِ الزّمانَ يأتَمِر / ولا تُضِعْ فيه الغُرَر
وأنتَ مَيمونٌ ظَفَر / فلو وخَزْتَ بالإبَر
صارتْ رماحاً في الثُّغَر / فنَلْ بها القومَ الغُدُر
فهنّ يَنزَعْنَ الوَحَر / من كلِّ صَدْرٍ قد وَغَر
يا مَن إذا شاءَ قَدَر / ومَن إذا أعطَى ابتَدَر
حتّى إذا سِيلَ اعتَذَر / حتّى إذا زادَ شَكَر
ليس النّدى وإنْ غَمُر / وكان أَدناهُ بِدَر
بمُعْقِبٍ حُسْنَ أَثَر / ما لم يكُنْ إذا انهَمَر
أَنْفَسُه لِمَنْ شَعَر / وغاصَ فيه بالفِكَر
وقِسْمُه الأَدنَى خَطَر / نَصْباً لكلِّ مَن حَضَر
أما تَرى البحرَ زَخَر / فعَمَّ كلاً بالمَطَر
وخَصَّ قَوماً بالدُّرَر / مُؤيَّدُ المُلْكِ وَزَر
فما عدا هذا هَذَر / مِمّا جنَى دَهْرٌ غِرَر
كلُّ الذّنوبِ تُغتفَر / إذا بعلياهُ اعتَذر
أبدَع في حُسْنِ السِّيَر / فيما نهَى وما أَمَر
فقيلَ قولٌ قد ذُكِر / فاقَ أبو بَكْرٍ عُمَر
إن لم يَفُقْهُ لم يُضَر / فقد تَساوَى المُختَبر
يا مَن إذا الفَحْلُ هَدَر / مِن يَمَنٍ أو مِن مُضَر
إلاّ النّبيَّ والعِتَر / أَقبلَ لا يَمْشي الخَمَر
فطالَ فَخْرُ مَن فَخَر / وطاب عند مَن خَبَر
طبْعاً ونَفْساً ونَفَر / هَناكَ ما شِئتَ العُمُر
ودُمتَ ما حَنَّ الوَتَر / ونلْتَ في العِزِّ الوَطَر
أَنطْتَ مُلْكاً فَطَهُر / من بَينِ أحشاءِ الغِيَر
بجِدِّ بِيضٍ وسُمُر / فكن رَبيطَ المُصطَبَر
إن طَرقَتْ فيه فِكَر / كُلُّ قَليبٍ مُحتَفَر
أَوّلُه كان كَدَر / ثُمّ صفا على الأَثَر
كفاكَ مِن قَوْلي فِقَر / من كُلِّ معنىً مُبتكَر
في كلِّ بيتٍ مُخْتَصَر / كأنّه على القَدَر
يومٌ سُرورٍ من عُمُر / حُسْناً وطِيباً وقِصَر
قلتُ للحاسدِ نمّا
قلتُ للحاسدِ نمّا / عَمِلَتْ فيه البِشارَهْ
والوِلاياتُ جميعاً / عند أَهليِها مُعاره
ما عُبَيْدُ اللّهِ مِمّنْ / نالَ بالعَزْلِ خَساره
هو لم يُعزَلْ ولكنْ / عُزِلَتْ عنه الوِزاره
وكأنّي باللّيالي / ولقد تَكْفي الإشاره

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025