المجموع : 70
منّا الوصالُ ومنكُمُ الهجرُ
منّا الوصالُ ومنكُمُ الهجرُ / وعلى إساءَتكمْ بنا الشّكرُ
ولكلّ من أسدى الجميلَ سوى / مسدي الجَميل إليكُمُ أجرُ
يا طَلعَةً للحُسنِ يَظلِمها / مَنْ قال يوماً إنّها البدرُ
إن كان جرماً ما ظننتِ بنا / فالجرم يمحو وِزْرَه العذرُ
حنّت إليكمْ كلُّ غاديةٍ / وبكى عليكمْ بعدِيَ القَطْرُ
وثراكُمُ لا زال مُلتمعاً / في حافَتَيْهِ النَّوْرُ والزّهرُ
وَإِذا اِبتَغى وطناً يقيم بهِ / سحُّ الحَيا فرُباكُمُ الخُضْرُ
وكأنّ قلبِي يوم بينِكُمُ / شطرٌ أقام وعندكمْ شطرُ
ولقد وقفتُ على وداعكُمُ / وجوانحِي من صبرها صِفْرُ
وبهنّ مِن تلذيع بينكُم / جمرٌ بودّي أنّه الجمرُ
وإذا مددتُ يداً إلى جَلَدي / فمحلّقٌ عنِّي به نَسْرُ
يا صاحِبيَّ وَما عَذَرتُكما / أنْ تنجوا عمّن به الأسرُ
وصحوتُها عن صاحبٍ ثمِلٍ / لم تنزُ فِي أوصاله الخمرُ
سكرانَ من عُجْبٍ يمرّ بهِ / ولربّ سكرٍ دونه السُّكرُ
وَصممتُما عنهُ وليسَ بهِ / ممّا يَخاف عليكما وِقْرُ
ألا وقد فسح الزّمانُ لنا / أَعطانَه وَاِستُغزِرَ الدَّرُّ
وَكأنّما الحولُ المجرَّمُ مِنْ / غَفلاتِنا عن مرَّه شهرُ
وإذا الأزمّةُ في أناملنا / والنَّهْيُ للأقوامِ والأمرُ
للّهِ أُمٌّ غَلّستْ بفتىً / حتّى شَككنا أنّه الفجرُ
قامَتْ تمطّى عنه عالمةً / أنّ الذي جاءتْ به الفخرُ
وَتَشاهَدَتْ مِن قبلِ مَولدهِ / بذكائهِ الأعراق والنّجرُ
فَأَتى كَما شاءَ الصديق لَه / لا مَرْقَعٌ فيه ولا جَبْرُ
وَتَخالُ كِبْراً في شَمائلهِ / مِن عزّةٍ ولغيره الكِبرُ
وَتراهُ في يومِ الهياجِ إذا / وَضَحَ الحِمامُ وصرّح الذُّعرُ
يَهوي إلى قنصِ النّفوس كما / يهوي إلى فُرصاته الصَّقْرُ
وَبِكفّه في كلِّ معركةٍ / تَرد الدّماء البِيضُ والسُّمرُ
كَم ذا أُطيلُ القولَ في زمنٍ / سِيّانِ فيه الخيرُ والشّرُّ
أَشراره في نجوةٍ أبداً / مِن شرّه والمُبتَلَى الحُرُّ
قَومٌ يرَون الفقر بينهُمُ / أن تُعدمَ الأموالُ والوَفْرُ
ويعدُّ غيرُهُم فقيرَهمُ / مَن لا جميلَ له ولا ذِكرُ
وكأنّما المعروف بينهمُ / من حشمةٍ منه هو النُّكْرُ
كَيفَ الفلاحُ وبيننا خَلَفٌ / لا نائِلٌ منهمْ ولا بِشْرُ
نبذوا الجميلَ وراء أظهرهمْ / فرباعهمْ من فعله قَفْرُ
وإذا عددتَ خيارهمْ فهمُ / مَن لا اِنتِفاعَ بِهمْ ولا ضَرُّ
في كلِّ يومٍ منهمُ تِرَةٌ / لو كان في أمثالهمْ وِتْرُ
وَلَربّ فعلٍ دقّ صاحبُهُ / حتّى أتاك وجُرمُه هَدْرُ
لَقَلَّ غَناءُ العتبِ والمجرمُ الدَهرُ
لَقَلَّ غَناءُ العتبِ والمجرمُ الدَهرُ / وضلّتْ أمانٍ لا يُبَلَّغُها العُمرُ
لَعَمْرُ العُلا لا ظلتُ طوعَ شكيَّةٍ / وإنْ كان قلبي ما يحلُّ به وِتْرُ
لَكَ اللَّهُ قَلباً ما أقلّ اِكتِراثَهُ / بما يتفادى من تحمّلهِ الصّبرُ
تَمرُّ العطايا لا تكشّف ناجذِي / وتأتي الرّزايا وهْيَ من جَزَعِي صفْرُ
وَسيّانِ عندي ثروَةٌ وخَصاصةٌ / قنوعِيَ إثرائِي وللجزعِ العُسرُ
هَجرتُ فضولَ العيش إلّا أقلَّها / وَفي القومِ من يَطغى على حلمه الوَفْرُ
أَعفّ وأَسبابُ المطامعِ جمّةٌ / وَأَعلم وَالأَلبابُ يخدعها المكرُ
لِكُلِّ زَمانٍ خُطّةٌ من مذاهبي / وأشقى الورى من لا يصرّفه الدّهرُ
وَلَم أَرَ إلّا مَن يهِي عند شدّةٍ / وَيأخذ من وافِي تجلُّدهِ الضّرُّ
صَمَتُّ ولم أصمتْ وفي القول فضلةٌ / وَقلتُ فَلَم يَأنس بِمنطِقيَ الهُجرُ
وَإِنّي قَليلُ الرّيثِ فيما يُريبنِي / لذاك رِكابِي ليس يحظى بها مصرُ
غنيٌّ بنفسي عن عديدي ومعشرِي / وإنِّيَ مَن يُلقى على غيره الفخرُ
وَمَولىً كداءِ القلبِ أَعيا دواؤهُ / يُجشّمُنِي ما لا ينوء به ظَهرُ
طوى عنِّيَ الإنصاف من غير ريبةٍ / وما بِي إلى الأنصاف من أحدٍ فقرُ
ألا ليت شعري هل أرى غير صاحبٍ / عليَّ تلظّى سرُّه ولِي الجَهْرُ
فَما أَمترِي إلّا وَفاءً مُصرَّداً / مَذِيقاً ينادي من جوانبه الغَدْرُ
إِذا ما تَرامتْ بِي سَجايا مخاللٍ / فأهونُ ما ترمِي يدايَ له الهَجْرُ
صَديقك مَن أَرضى مغيبَك قولُهُ / ولم يعرُهُ من فسخ عهدك ما يعرو
أَما وأَبِي ما بتُّ طوعَ مضيمةٍ / وقد عرّفتني نفسها البيضُ والسُّمْرُ
أبيْتُ اِنقِياداً للأنام بحبلهِ / وذاك صنيعٌ يستجيب له الشّكرُ
يودّ رجالٌ أن أهشّ إليهمُ / وَقَلّ عنِ الشّحناءِ ما يَنفَعُ البِشْرُ
وَآنسَ بي مَنْ لا يلين قيادُه / خلائقُ طالتْ أن يطاولها ذِكرُ
وَمِمّا نَفى عَن شِيمتِي الكِبْرَ فيهُمُ / يَقينِي بِأنّ الكُبرَ آفته الكِبرُ
عدِمتُ المنى ما أكدرَ العيشَ عندها / وَلَولا المُنى ما اِستَنجد السَّفَرَ السَّفْرُ
وَمَن عمرتْ دارُ المنى من همومهِ / تَمادى وَربْعُ المجد من مثله قَفْرُ
وَما كَلَفِي بِالعمرِ أَهوى وفورَه / وَعند الفَناء يستوي النَّزْرُ والدَّثْرُ
وَداء الورى حبُّ الحياة وشدَّ ما / تفاقم خطبُ الدّاء ما كان لا يبرُو
بنفسِي مَن لا يقبض اللّومَ سمعُه / ولا يُجتَنى من فرع منطقه عذرُ
جريءٌ إذا ضاق العراك بأهلِه / مليءٌ إذا أكدى من الأملِ الصّدرُ
أحبُّ من الفتيان كلَّ مشيَّعٍ / عصيٍّ فلا نهىٌ عليه ولا أمرُ
يجرّ أمام الرّكب فضلَ قناته / وَلا قَلبَ إلّا قَد تملّكه الذُعْرُ
يَنال الصّدى منه وَيحمِي نِطافهم / حِفاظٌ على الضرّاء مركبُه وعْرُ
وَمُستَوهلٍ لا يألف المجدَ فعلُه / إطاعته باعٌ وغايته فتْرُ
يَمدّ إلى العلياءِ عيناً كليلةً / ويبسط كفّاً ليس يعرفها النّصرُ
متى يشرع الخَطِّيُّ يطلب نحرَه / فكلُّ مكانٍ من جوانبه نحرُ
أقول له والرّعب يصبغ لونَه / وأنفاسُه يهفو بجَرْيَتها البُهْرُ
سَيَعلمُ مَن بِالظّنّ يُحيي رجاءَه / بأنّ مباراتي لآماله قبرُ
وَلِي وَطَرٌ يُنجِي الجيادَ اِدّكارُه / ولم يشقَ منِّي في تذكّرهِ فِكرُ
سَأُعطِي المَطايا ما نَوَتْه إِلى النّوى / فَما عاقَني وَصلٌ ولا راعنِي هَجرُ
إذا ما نَضَتْ أرضُ العراقِ ركابَنا / فَقُلْ لِلمَهارى ثمَّ تعريسُك الحشرُ
لَبِستُ بها البيداءَ وَاللّيل نافرٌ / وَقد كادَ أنْ يَفْترَّ عَن ثغرهِ الفجرُ
وَمال الدّجى يُخفِي عنِ الشرقِ شَخصه / وفي قبضةِ الآفاق من جسمه شطرُ
أقول لصحبي والكرى متردّدٌ / يبدّده همٌّ وينظمه شفْرُ
وقد عطفتْ أيدي الكرى من رقابهمْ / كَما عَطَفتْ أَعطافَ شاربها الخَمرُ
عُيونُ الدّجى أحنى على المجدِ منكُمُ / فما بالها تَرْنو وأجفانُكمْ فتْرُ
سَألتُكمُ باللَّه لا تَتثاقلوا / على عَلَل الآسادِ أو يطلعَ البدرُ
وملمومةٍ يغشى النهارَ غبارُها / لها لَجَبٌ كالرّيح هايجها القَطرُ
حَملنا إليها الموتَ والبيضَ والقنا / بأيدٍ دمُ الأبطال في وقعها هَدْرُ
شَببنا بها نارَ الطّعانِ بفِتْيَةٍ / مساعيرَ يخبو من تلظّيهم الجَمرُ
إِذا اِنتَقموا لَم يطمع العفوُ فيهم / وإنْ صفحوا لم يستفزّهمُ الغِمْرُ
وَما بَعَثوا في مُستطيرٍ عزيمةً / فحاجزها بَرٌّ ولا ذادَها بَحرُ
وَإِنْ تَلقَهمْ قُلّاً لدى كلِّ مطمعٍ / فإنّهمُ في كلِّ نائبةٍ كُثْرُ
أمغريةً باللّوم في سمعِ معرضٍ / دعوتِ شَروداً ما يحيقُ بهِ سِحْرُ
وراءَك إنّي ما تركتُ لباحثٍ / من الدّهر ما يُفضِي إليَّ به سَبْرُ
تُماطلنِي الأزمانُ عن ثَمراتها / وينجحُ فيما يدّعيه بها الغَمْرُ
فيا ليتنِي قصّرتُ طولَ تجاربي / فَلا عيشَ إلّا عَيشُ مَنْ ما له خُبرُ
وأشهدُ لو طالتْ يدُ الحزمِ في الورى / لما درّ للدّنيا على أهلها دَرُّ
ولو شئتُ حلّتْ ربقةُ المال في يدي / ما نفعُ مالٍ دون عورتِه سِترُ
دعِ المالَ يمري دَرَّه كلُّ حاشدٍ / فذُخرُك من كسب المعالي هو الذّخرُ
وَلا تَحسبن مُستسلماً لتِلادِه / طليقاً فأهواءُ التِّلادِ له أسرُ
هَلِ العزُّ إلّا أَن تُرى غَيرَ طالبٍ / طلابُك غُرْمٌ ليس يُخلِفه أجرُ
ولا خيرَ في رِفْدٍ تُمدُّ له يدٌ / وَلا في عطاءٍ يُقتضى عندهُ شكرُ
رَضيتُ وما أرضى بلوغاً لغايةٍ / وَعندَ اِمتداد الضّيم ما يُحمد العِشْرُ
وَهَل مُبهِجي قدرٌ رَضي النَّاسُ مثلَه / إذا كان همَّي لا يحيط به قدرُ
سَقى اللَّه دَهراً لم أطع فيه رِقْبةً / ولم يَنْهَنِي منه ملامٌ ولا زَجْرُ
إِذا اِلتَبَستْ بِي خُطّةٌ فُتّ شأْوَها / كما فوّت الأقذاءَ جانبَه التِّبْرُ
نَصيبُك مِمّا يُكثر النّاسُ ذكرُهُ / ومحصولُه في عَرْضِ أفعالهمْ نَزْرُ
فَلِلمجدِ ما أهوَى البقاءِ وربّما / حباني به عصرٌ ودافعني عصرُ
أمِن أجلِ مَن سارتْ بهنّ الأباعرُ
أمِن أجلِ مَن سارتْ بهنّ الأباعرُ / ضحىً والهوى فيهنّ قبلك طائرُ
جزعتَ لأنْ غابوا وتلك سفاهةٌ / تُلامُ بها لو أنّ لُبَّك حاضرُ
ولمّا جَحدتُ الحبَّ قال خبيرُه / إذا كنت لا تهوى فلِمْ أنتَ زافرُ
يلوموننِي والحبُّ عندِيَ دونهمْ / ومن أين للمشتاق في النّاس عاذرُ
أيا صاحِ في الرّبْعِ الّذي بان أهلُه / كأنّهمُ سِرْبٌ على الدّوِّ نافرُ
فلا الرّبعُ فيهِ منهمُ اليومَ رابعٌ / ولا سَمُراتُ الجِزْعِ فيهنّ سامرُ
أعِنِّي غداةَ البين منك بنظرةٍ / فقد عَشِيَتْ بالدّمعِ منّا النواظرُ
وَسِرَّك فَاِكتُمه عليك وخلِّنا / فَقَد ظَهرتْ بالبين منَّا السَّرائرُ
وَقُل لِحَبيبٍ خافَ منّي ملالةً / محلُّك من قلبي مدى الدّهر عامرُ
فَللّه يومُ الشِّعب قلبي وَقَد بَدَتْ / من الشِّعبِ أطلاءٌ لنا وجآذرُ
وقفنا فدمعٌ قاطرٌ من جفونِه / ودمعٌ نَهَتْه رِقْبَةٌ فهْوَ حائرُ
وفي السِّرْبِ ملآنٌ من الحسن مُتْرَعٌ / أوائل قلبي عنده والأواخرُ
أجود عليه بالمنى وهْوَ باخلٌ / وآتِي وصالاً بينه وهو هاجرُ
أحبُّ الثّرى النجديَّ فاح بعَرْفِه / إلى الرّكبِ رَجْراجُ العشيّاتِ مائرُ
وَيُعجبني والنّاعجاتُ مُشيحةٌ / خيالٌ من الزّوراءِ في اللّيل زائرُ
يَزورُ وَأعناقُ المطيِّ خواضعٌ / كلالاً وأحشاها ظوامٍ ضوامرُ
إِلى ملكِ الأملاكِ أعملتُ مادحاً / قوافِيَ تنتابُ العُلا وتُزاوِرُ
نوازعَ لا يدنو الكلالُ وجيفَها / وَلا يَتَشكّى أينَهُنَّ المسافرُ
حَملن إِليهِ مِن ثَنائي بفضلهِ / وإنعامِه ما لا تقِلُّ الأباعرُ
إِلى حَيثُ حَلّ المجدُ جمّاً عديدُه / وحيث يكون السُّؤدُدُ المتكاثرُ
فَأَنت الّذي أوليتنِي النِّعَمَ الّتي / تغيبُ النّجوم الزهْرُ وهْيَ ظواهرُ
غرائبُ لم تَسبقْ إليهنّ فكرةٌ / ولا أحضَرَتْها في القلوبِ الضّمائرُ
عرفتُ بهنّ النّاسَ لمّا أصبْننِي / فبان صديقٌ أو عدوٌّ مكاشِرُ
كأنّ الّذي يُثنِي بهنّ وما وفى / بمَبْلَغِهِنّ كافرٌ وهْوَ شاكرُ
وقبلك ما فتُّ الملوكَ فلم يكن / لتيجانهمْ من نَظْمِ لفظي جواهرُ
وَما كانَ تاج الملّةِ اِحتلَّ سَمْعَهُ / قريضي لم يشعرْ بأنّيَ شاعرُ
إِلى أَن مَضى عنّي ومَن كان بعدهِ / وسارت بتقريضي عُلاكَ السّوائرُ
ثَناءٌ حَدَتْه من عُلاك كرائمٌ / ثقالٌ على الأعناق غُرٌّ غرائرُ
كأنِّيَ أنثوهنَ ربُّ لَطيمةٍ / تَجَعْجَعَها في سوق دارِينَ عاطِرُ
فهبْ لِيَ ما فرّطتُ فيه وما مضتْ / ضياعاً له عنّي السّنونُ الغوائرُ
ودونك منّي اليومَ كلَّ قصيدةٍ / مهذّبةٍ قد ثقّفَتْها الخواطرُ
إذا أُنشدتْ قال المصيخون هكذا / تنظّمُ في أهلِ الفَخار المفاخرُ
وَقَد علمَ المَغرورُ بالملك أنّكم / سِدادٌ له ممّنْ سواكم وحاجرُ
وأنّكُمُ من دونِه لمرُيغِه / رماحٌ طِوالٌ أو سيوفٌ بواتِرُ
فكمْ مزّقتْ أشلاءَ قومٍ تطامحوا / إلى الملكِ أنيابٌ لكمْ وأظافرُ
ودون الثّنايا المطلعاتِ إلى الذُّرا / ذُرا الملكِ مفتولُ الذّراعين خادِرُ
يصرّف أحياءَ الورى وهو وادعٌ / ويُطرقُ إطراقَ الكرى وهو ناظرُ
وتصبح في فجٍّ من الأرض دارُهُ / وفي أُذنِ الآفاقِ منه زماجرُ
مَهيبٌ فلا تُلوى عليه حقوقهُ / مِطالاً ولا تُعصى لديه الأوامرُ
وَيَركبُ أَثباجاً منَ الأمرِ لَم يكُن / لِيَركَبها إلّا الغلامُ المخاطرُ
ومُغبرةِ الآفاق بالنّقعِ لا يُرى / بِأَرجائها إلّا القنا المتشاجرُ
وَإلّا يَدٌ تَهوِي إِلى القِرْن بِالرّدى / وَإلّا دَمٌ من عاملِ الرّمحِ قاطِرُ
تبلّجتَ فيها والوجوه كواسفٌ / وأقدَمْتَ بأساً والنّفوسُ حواذرُ
وقُدتَ إليها كلَّ جرداءَ سَمْحةٍ / لها أوّلٌ في السّابقاتِ وآخِرُ
إِذا أَرسلتْ في الخيلِ تَعدو إلى مدىً / تُحاضرُ حتّى لا ترى مَن تحاضِرُ
فَلا أوحشتْ منك الدّيارُ ولا خَلَتْ / محافلُ من أسمائكمْ ومنابرُ
وَضلّتْ صروفُ الدهرِ عنك وحاذرتْ / رِباعُك أن تعتادهنّ المحاذِرُ
تروح وتغدو في الزَّمان مُحكّماً / وتجري بما تهواه فينا المقادِرُ
ويفديك مَن لا يُرتَجى لمُلِمَّةٍ / ولا هو فيما أنت تصبر صابرُ
تَموَّهَ دهراً لومه ثم صرّحتْ / به النّفسُ إذ ضاقتْ عليه المعاذِرُ
وهنّئتَ يومَ المهرجانِ فإنّه / زمانٌ كزهر الرّوض أخضر ناضرُ
توسّط في قُرٍّ وحَرٍّ فخلفُهُ / وقُدَّامُه ظهائرٌ وصَنابرُ
وَدُمْ مُستقرَّ العِزِّ مُستَوفِزَ العِدى / فأُمُّ زمانٍ لا يسرّك عاقرُ
مِن مِثلها كنتَ تخشى أيّها الحَذِرُ
مِن مِثلها كنتَ تخشى أيّها الحَذِرُ / والدَّهرُ إنْ همَّ لا يُبقي ولا يَذَرُ
نعاك ناعٍ إلى قلبٍ كأنّ به / لواذعَ الجمر لمّا ساءَه الخبرُ
فَلَم يَكن لِيَ إلّا أَن أَقول لَهُ / بفِيكَ ناعِي هذا الرَّاحِلِ الحَجَرُ
كم ذا نداءٍ لماضٍ غير ملتفتٍ / وكم عتابٍ لجانٍ ليس يعتذرُ
فَكلّما اِستُلّ منّا صاحبٌ فمَضى / ولا إيابَ له قالوا هو القَدَرُ
وَلَيسَ يَدرِي الفتى لِمْ طالَ عمرُ فتىً / وَلا لأيّةِ حالٍ يُنقَصُ العُمُرُ
وَقَد طلبنا فلا نجحٌ ولا ظَفَرٌ / وقد هربنا فلا منجىً ولا عَصَرُ
وَهَذهِ عِبرٌ لا شكّ مالئةٌ / منّا العيونَ ولكنْ أين مُعتبِرُ
نُعَلُّ مِن كلِّ مَكروهٍ ويملِكنا / حُبُّ الحياةِ الّتي أيّامُها غَرَرُ
وَما اِلتِزامُ المُنى والمرءُ رهنُ ردىً / إلّا جنونٌ يغول العقلَ أو سُكُرُ
يا قاتلَ اللّه هَذا الدّهرَ يزرعنا / ثمّ الحصاد فمنه النّفعُ والضّرَرُ
فإن يكن معطياً شيئاً فمرتجِعٌ / وَإِنْ يكن مبطئاً يوماً فمبتدِرُ
داءٌ عرا آل قحطانٍ فزال بهمْ / وذاق منه نِزارٌ وَاِحتَسى مُضَرُ
مِن بعد أَن لبِسوا التّيجان وَاِعتَصموا / وأُركبوا ثَبَجَ الأعواد واِشتهروا
وَأَوسعوا النّاس مِن رَغْبٍ ومن رَهَبٍ / وَعاقَبوا بِاِجتِرامِ الذّنبِ وَاِغتَفَروا
تَندى مِفارِقُهمْ مِسْكاً فإنْ جُهلوا / نمّت عليهمْ برَيّا نشرها الأُزُرُ
وَيَسحَبونَ ذُيولَ الرّيْطِ ضامنةً / أن ليس تُسحَبُ إلّا منهمُ الحِبَرُ
قالوا قَضى غيرَ ذي ضَعفٍ ولا كِبَرٍ / فقلت ما كلُّ أسبابِ الرّدى كِبَرُ
وغرّني فيك بُرْءٌ بعد طولِ ضنىً / ومنْ يَبِتْ خَطِراً أودى به خَطَرُ
ما ضَرّ فَقدُك والأيّامُ شاهدةٌ / بأنّ فضلك فيها الأنجُمُ الزُّهُرُ
أَغنيت في الأرض والأقوام كلّهمُ / من المحاسن ما لم يُغنِه المَطَرُ
فَأَنتَ شَمسُ الضُّحى للسّاربينَ وَلل / سارينَ في جُنحِ ليل ضوءُك القمرُ
إِن تُمسِ موتاً بلا سمعٍ ولا بصرٍ / فطالما كنت أنتَ السمعُ والبصرُ
وإن تَبِتْ حَصِراً عن قول فاضلةٍ / فطالما لم يكن من دَأْبك الحَصَرُ
قالوا اِصطَبِر عنه بأساً أو مجاملةً / والصّبرُ يُلعَقُ من أثنائه الصَّبِرُ
وَلَو دَرى مِن على حُزنٍ يقرّعنِي / بمن فُجعتُ ومن خُولستُه عَذَروا
وَكيفَ أَسلو وَما في غَيرهِ عوضٌ / من الرّجال ولا لِي عنه مُصطَبَرُ
وَكيفَ لِي بعده مَيْلٌ إلى وَطَرٍ / وليس لِي أبداً في غيره وَطَرُ
مجاوراً دارَ قومٍ ليس جارُهُمُ / بنصرهمْ أبَدَ الأيّامِ ينتصرُ
في أربُعٍ كلّما زادوا بها نقصوا / نقصَ الفَناء وقلّوا كلّما كَثروا
فَاِذهَبْ كما شاءتِ الأقدارُ مُقتَلعاً / منّا به الخوف مجنوناً به الحَذَرُ
فَلِلقُلوبِ الّتي أَبهَجْتَها حَزَنٌ / وَبِالعُيونِ الّتي أقررتها سَهَرُ
وَما لِعَيشٍ وَقد ودّعتَه أَرَجٌ / ولا لِلَيلٍ وقد فارقتَه سَحَرُ
وَما لَنا بَعدَ أَن أَضحَتْ مَطالِعُنا / مسلوبةً منك أوضاحٌ ولا غُرَرُ
إِن كانَ غيّبك الترابُ الأحمرُ
إِن كانَ غيّبك الترابُ الأحمرُ / وحَلَلْتَ مَرْتاً لا يزورك زُوَّرُ
فلقد جَزِعتُ على فراقك بعدما / ظنّوا بأنّي عنك جهلاً أصبِرُ
فالنّارُ في جَنْبَيَّ يوقدها الأسى / والماءُ من عينيَّ حُزناً يقطرُ
كم في التّرابِ لنا محيّاً مشرقٌ / بيد المواحِي أو جبينٌ أزهرُ
ومرفّعٌ فوق الرّجال جلالةً / ومتوّجٌ ومطوّقٌ ومسوّرُ
أَعيَتْ على طلبِ الرّدى نُجُبُ السُّرى / وخُطا المَهارى والجيادُ الضُّمَّرُ
وَمَضى الأنامُ تكنّهمْ آجالهمْ / فمغصّصٌ ومنغّصٌ ومُحَسّرُ
ومُخالَسٌ ما كان يُحذر هُلْكُه / ومتارَكٌ ومُقدّمٌ ومؤخّرُ
وكأنّهمْ بيد الحِمامِ يلفُّهمْ / عَصْفٌ تصفِّقُهُ خَريقٌ صَرْصَرُ
وَمواطنٌ لِترنّمٍ وتنعّمٍ / ومواطنٌ فيها الزّوافر تزفِرُ
لو كان في خُلدٍ لحيٍّ مَطمعٌ / فيها وروّادِ المنيّةِ مَزْجَرُ
لنجا المنونَ مغامرٌ في حومةٍ / وخطا المنيّةَ في العرين القَسْوَرُ
ولَسَدّ طُرْق الموتِ عن أبوابه / كِسرى وحاد عن المنيّةِ قيصرُ
وَلكانَ مَن ولدتْ نِزَارٌ في حمىً / منه ودفّاعُ العظيمةِ حِميَرُ
ولما مضى طوعَ الرّدى متكبّرٌ / سكن القلاعَ ولا مضى متجبّرُ
ولما خلا عن أهله ووفودِه / وضيوفِه فينا مكانٌ مُقفِرُ
فَاُنظُرْ بِعينك هل ترى فيما مضى / عنّا وصار إلى التّرابِ مخبّرُ
ولقد فقدتُ معاشراً ومعاشراً / ويسرّني أنْ لم يكن لِيَ معشَرُ
وَاِشتَطّ روّادُ الحمامِ عليَّ في / أهلي وقومي فاِنتقَوْا وتخيَّروا
فمجدّلٌ وسْطَ الأسنّةِ بالقنا / ما كان يوماً للّباسِ يُعَصفِرُ
وَمُعَصفرٌ أَثوابهُ طعن القَنا / ما كان يوماً للّباس يُعَصفرُ
وَمُقطّرٌ لولا القضاءُ تقطّرتْ / فينا النجومُ ولم يكن يتقطّرُ
ومُعفّرٌ دخل السّنانُ فؤادَه / ما كان يألفه الترابُ الأحمرُ
والذّاهبون من الّذين ترحّلوا / ممَّنْ أقام ولم يفتنِي أكثرُ
خذ بالبنانِ من الحياة فإنّما / هو عارضٌ متكشّفٌ مُتحسّرُ
وَدعِ الكثيرَ فإنَّما لِهمومِه / جمع النُّضارِ إلى النُّضارِ مُبَدَّرُ
وكأنّما ظلُّ الحياةِ على الفتى / ظلٌّ أتاهُ في الهجير مُهجّرُ
ما لِلفَتى في الدّهرِ يومٌ أبيضٌ / ووراءَه بالرّغم موتٌ أحمرُ
ولِمنْ تراهُ ساكناً في قصره / مُتنعّماً هذِي الحفائرُ تُحفرُ
وعلى أبي الفتح الّذي قنص الرّدى / ماءُ الأسى من مقلتي يتحدّرُ
قد كان لِي منه أنيسٌ مُبهِجٌ / فالآن لِي منه وَعوظٌ مُذكِرُ
إن لم يكن من عُنصري وأرومتِي / فلحُرمةِ الآدابِ فينا عنصرُ
أو لم تكن للعُربِ فيك ولادَةٌ / فالمعربون كلامهمْ بك بُصِّرُوا
ما ضَرّ شَيئاً مَن نَمَتْه أعاجمٌ / وَلَديهِ آدابُ الأعاربِ تُسطَرُ
وَلَكَمْ لَنا عُربُ الأصولِ تراهُمُ / عُمْياً عَنِ الإِعرابِ لم يَستَبصِروا
وَلَقد حذرتُ من التفرّق بيننا / شُحّاً عَليك فَجاءني ما أحذرُ
وَذخرتُ منكَ على الزّمانِ نفيسةً / لَو كانَ يَبقى لِلفَتى ما يذخرُ
وَنَفضتُ بعدك راحتي من معشرٍ / لو سابقوك إلى الفضيلةِ قصّرُوا
فَمَتى حَزِنتُ عُذِرتُ فيك على الأسى / وإذا سلوتُ فإِنّني لا أُعذَرُ
وَالغَدرُ سُلوانُ الفَتى لِحَميمِه / بعد الحِمامِ وليس مِثلِي يغدُرُ
وَلَقد رَأيتك مطفئاً من لوعتِي / والحزن يُملي منه ما أنا أسطُرُ
فَاِفخَرْ بها ميتاً فكم لمعاشرٍ / من بعد أن قبروا بقبر مَفخرُ
كَلِماً يُعِرْن الشِّيبَ أرديةَ الصِّبا / فكأنّهمْ طرباً بها لم يكْبَرُوا
وَتراهُ طلّاعاً لكلِّ ثنيّةٍ / يسري بأفواه الورى ويُسيَّرُ
يَصفو بِلا كدرٍ يشين صفاءَه / والشّعر يصفو تارةً ويُكدَّرُ
وكأنّه في ليلِ أقوالٍ مضتْ / قمرٌ بدا وسْطَ الدُّجُنَّةِ أنورُ
فَإِليهِ مِنّا كلُّ طَرفٍ ناظرٌ / وعليه مِنّا كلُّ جِيدٍ أَصْوَرُ
وَسَقاكَ ربّك ماءَ كلّ سحابةٍ / تهمي إذا وَنَت الغيوم وَتمطُرُ
وإذا طَوَتْ عنك العُداةُ كَنَهْوَراً / وافى ترابَك بالعشيّ كنَهْوَرُ
وكأنّه والبرقُ ملتمعٌ به / بُرْدٌ على أيدي الرّياحِ مُحبَّرُ
وَمَتى ذهبتَ بزلّةٍ فإلى الّذي / يمحو جرائر مَن يشاء ويغفِرُ
يقولون أسبابُ الحياة كثيرةٌ
يقولون أسبابُ الحياة كثيرةٌ / فقلت وأسبابُ المنونِ كثيرُ
وما هذه الأيّامُ إلّا مصائدٌ / وأشراكُ مكروهٍ لنا وغُرورُ
يُسارُ بنا في كلّ يومٍ وليلةٍ / فكم ذا إلى ما لا نُريد نسيرُ
وَما الدّهرُ إلّا فرحةٌ ثمّ تَرحةٌ / وَما النّاس إلّا مُطلقٌ وأسيرُ
يا سائِلي عَن ذنوبِ الدّهر آونةً
يا سائِلي عَن ذنوبِ الدّهر آونةً / اِسمعْ فَعندِيَ أنباءٌ وأخبارُ
كُلُّ الرّجالِ إِذا لم يخشعوا طمعاً / ولم تكدّرهمُ الآمالُ أحرارُ
إنْ تُضح دارِيَ في عمّانَ نائيةً / يوماً عليَّ فبالخُلصاءِ لِي دارُ
لو لم يكن لِيَ جارٌ مِن نِزَارِهِمُ / يحنو عليَّ فمن قحطانهمْ جارُ
وإنْ يضقْ خُلُقٌ من صاحب سَئِمٍ / فلم يضقْ بِيَ في ذي الأرض أقطارُ
وما أبالِي ونفسي ما تملّكها / أَسْرُ الغرامِ أقامَ الحيُّ أم ساروا
سَقْياً لقلبٍ يَعافُ الذُّلَّ ذِي أَنَفٍ / العارُ في لُبّهِ سِيّان والنّارُ
يَكسو الجديدَ لمَن يَعتام مِنحتَه / ولبسُه الدّهرَ أَهدامٌ وأطمارُ
ذلّ الّذي في يد الحسناءِ مهجتُه / ومن له في ذواتِ الخِدْرِ أوطارُ
وعزّ مَن لا هوىً منه وكان له / عنه مدَى الدّهر إقصاءٌ وإقصارُ
ما سرّنِي أنّني أحوِي الغِنى وبدا / في كفّ جارِيَ إعسارٌ وإقتارُ
وأنّ لِي نَصرةً من كلّ حادثةٍ / وما له من صروف الدّهرِ نَصّارُ
وأنّني بالغٌ من عيشتِي وَطَراً / وليس تُقضى له ما عاش أوطارُ
لا بارَكَ اللَّه في وادِي اللّئامِ ولا / سالتْ به عند جَدْبِ العام أمطارُ
وَالخيرُ كُلفةُ هذا الخلقِ كلّهِمُ / والنّاسُ بالطّبعِ والأخلاقِ أشرارُ
إنّ الّذين أقاموا قبلنا زمناً / مُحكّمين على أيّامهمْ ساروا
خَلت منازلُهمْ منهمْ وشرّدهمْ / دهرٌ خؤونٌ لمن يؤذيه غدّارُ
وحطّهمْ قَدَرٌ من بعد أن رُفعِتْ / منهمْ إلى قُلّةِ العلياءِ أقدارُ
وَدُهْمٍ كسَوْنَ اللّيلَ سودَ ثيابهِ
وَدُهْمٍ كسَوْنَ اللّيلَ سودَ ثيابهِ / عليهنّ فيحاءُ الفروج فَؤرُ
علتْ والمنى ترنو إليها كما علا / مليكٌ على كرسيّه وأميرُ
منَ اللّاتِ فيهن السَّديفُ كأنّه / إذا ما تراءته العيون ثبيرُ
يُحزنَ لأضياف الشّتاء فكلُّ مَن / أراد القِرى منهنّ فهْوَ قديرُ
كأنّ شحومَ البُزَّلِ الكُومِ وسطها / يطارحه فوّارهنّ صبيرُ
فَما لِلبُيوتِ دونَهنّ مغالقٌ / ولا للكلابِ حولهنّ هريرُ
فكم عُقِرتْ من أجلهنّ شِمِلَّةٌ / وذاق الرّدى حتّى فَهِقْنَ بعيرُ
جنيتَ علينا أيّها الدّهر عامداً
جنيتَ علينا أيّها الدّهر عامداً / ولم تعتذرْ أنّى وليس لك العذرُ
وكنتُ متى أسأل الدّهرَ حاجةً / تكون فيما أتى خَرِس الدّهرُ
بنفسِيَ مَنْ لو جاوَد القطر بذَّه / أو البحر في فيض النّدى خجل البحرُ
ويا منزلاً أمسى به غيرُ أهلِهِ / عَدَتْك تحيّاتٌ ولا جادك القَطْرُ
ولا زلتَ منزوعاً من الخير كلّهِ / ولا زال مسنوناً بساحتك الشّرُّ
فأين الأُلى كانوا بجوّك نُعَّماً / تدور عليهمْ في أباريقها الخَمرُ
لنا منهُمُ كلُّ الذي يملكونه / وَلَيس لهمْ إلّا المحامدُ والشّكرُ
وإنّي لمُطفٍ بالمعاريض غلّتي / وبالسّر سرّ القول إذ يمكن الجهرُ
إمّا بقيتَ فهلكُ غيرك هّينٌ
إمّا بقيتَ فهلكُ غيرك هّينٌ / وإذا نجوتَ فجرمُ دهرك يغفرُ
وإذا المَحاذر تِهنَ عنك فما لنا / ولنا الأمان عليك شيءٌ يُحذرُ
ما نَحن إلّا لِلرّدى وإلى الرّدى / فمقدَّمٌ لحِمامه ومؤخَّرُ
وعلى المنيّةِ طُرقنا ومسيرُنا / والرّجلُ تهفو والأخامص تعثرُ
ذاق الرّدى متكِرّمٌ ومبخّلٌ / وأتى الحِمامَ معجّلٌ ومعمّرُ
كم شذّبتْ منّا السّنون وكم طوى / منّا الخضارمَ ذا التّراب الأغبرُ
لا تربةٌ إلّا وَفيها للبِلى / خدٌّ أسِيلٌ أو جبينٌ أزهرُ
مَن عاشَ إِمّا مات أو كانت له / في كلّ يومٍ عَبرةٌ تتحدّرُ
وَهوَ الزّمان فضاحكٌ مستغرِبٌ / ممّا اِستَفادَ وناشجٌ مستعبِرُ
وَقُصورنا قَصران هذا مُخرَبٌ / متعطّلُ حزناً وهذا يُعمرُ
وَعُيوننا عَينان هذي دمعُها / متحلّقٌ ودموع أخرى تقطرُ
إِنّ المصيبة في الأحبّةِ للفتى / لو كان يعلم نعمةٌ لا تُشكرُ
فَدعِ التذكّر للذين تطارحوا / بيدِ المنون فهالكٌ لا يُذكرُ
وإِذا جرى قَدَرٌ بشيءٍ فاِرضَه / فالمُعتبون لَساخِطو ما يُقدَرُ
باهِ الرّجالَ بفضل حلمك فيهمُ / وَاِفخَرْ بِه فَبِمثل ذلك يفخَرُ
وَإِذا ألمَّ بك الزّمان فلا تَلُمْ / خُلْساتِه فَلما خطاهُ أكثرُ
ولطالما عزّيت غيرَك في ردىً / بالصّبر والمُعزى بصبرٍ يصبرُ
ما إِنْ رمتنا بالجنادل شدّةٌ / إلّا وَأَنتَ لها الأشدُّ الأصبرُ
تفدِي الإناثُ ذكورَهنَّ من الورى / ويقِي الكبيرَ من الحمامِ الأصغَرُ
ولْيُسْلَ عنها إنّها درجتْ ولل / تقوى الإزارُ وللعفافِ المِئزَرُ
كسرٌ له جَبرٌ بأمثالٍ له / ووقاك ربُّكَ كسرةً لا تُجبرُ
لا تُوعدَنِّي الشرَّ تُرهبنِي
لا تُوعدَنِّي الشرَّ تُرهبنِي / فلربّما لم ينجنِي حَذرُهْ
فوقوعُ مكروهٍ أعالجُه / خيرٌ من المكروه أنتظرُهْ
وإذا صفا يومٌ ظفرتُ به / فلمن يعيش إلى غدٍ كدرُهْ
فلربّ مغتبطٍ بليلتِه / شنّ الهمومَ بقلبهِ سحرُهْ
والعيشُ ما تقضِي به وَطَراً / فكميّتٍ مَن فاتَه وَطَرُهْ
وإذا قصرن به مطالبُهُ / عن راحتيه فلم يطلْ عُمُرُهْ
والدّهرُ إمّا شمسُه بضحىً / تُرديك أو في ليلةٍ قمرُهْ
وإذا أنامكَ غير متَّئدٍ / في القبر أشبه طولَه قِصَرُهْ
بِجانبِ الكرخِ من بغداد عنّ لنا
بِجانبِ الكرخِ من بغداد عنّ لنا / ظبيٌ ينفّرهُ عن وصلنا نَفَرُ
ذُؤابتاه نجادا سيف مقلتِهِ / وَجَفنُهُ جَفنُهُ واِفرِندُهُ الحَوَرُ
ضَفيرتاهُ على قَتلي تَضافَرَتا / فمن رأى شاعراً أودى به الشَّعَرُ
كَم في الكَثيبِ وَكَم عارضته قمرٌ
كَم في الكَثيبِ وَكَم عارضته قمرٌ / يودّ أنّ له من حسنه القمرُ
يجنِي عليَّ سقاماً سقمُ مقلتِه / وكلُّ جرمٍ جناه الحبُّ مُغتَفَرُ
قال العواذل سَرْعاً ما عشِقتَ وما / يدرون أنّ طريق العِشقِ مختصرُ
وَما الصّبابة إلّا خُلسةٌ عَرَضتْ / سمعٌ جناها على الأحشاء أو بصرُ
النارُ في كَبِدي مذ غبتَ عن بصري / ومن جفوني وقد فارقتني المطرُ
قالت مشيبك فجرٌ والشّباب إذا
قالت مشيبك فجرٌ والشّباب إذا / زرناك ظلمةُ ليلٍ فيه مستترُ
فقلت من كان هجري الدّهرَ عادتُه / ما إن له ببياض الشّيبِ مُعتَذَرُ
لا تسخطيه فهذا الشّيب مظهرةٌ / على عيوبٍ بضدّ الشّيبِ تستترُ
تَرَيْنَ منِّي وضوءُ الشيب يفضحني / ما زاغ عنه ورأْسي أسودُ البصرُ
كلّ اِمرِئٍ ناله جَدٌّ فأسعده
كلّ اِمرِئٍ ناله جَدٌّ فأسعده / وإن أساء إلى الأقوام معذورُ
وَيلُ اِمّ مَن في الورى أَكدتْ مطالبَه / فإنّه بسحاب اللّومِ ممطورُ
وَكَيف يُعزى إلى عجزٍ وليس بهِ / مَن خاب سعياً وخانته المقاديرُ
حَلَفت بِمَن لاذتْ قريشٌ ببيتهِ
حَلَفت بِمَن لاذتْ قريشٌ ببيتهِ / وَطافوا بِهِ يومَ الطّواف وَكَبّروا
وَبِالحُصَياتِ اللّات يُقذَفْنَ في مِنىً / وَقَد أَمّ نحوَ الجَمرةِ المتجمّرُ
وَوادٍ تَذوق البُزْلُ فيه حِمامَها / فَلَيسَ بهِ إلّا الهديُّ المُعَفّرُ
وَجَمْعٍ وَقَد حَطّتْ إليهِ كَلاكلٌ / طَلائحُ أَضنَتها التّنائفُ ضُمَّرُ
يُخَلْن عليهنّ الهوادجُ في الضّحى / سفائنَ في بحرٍ من الآلِ يزخَرُ
وَيوم وقوفِ المحرمين على ثرىً / تطاحُ بهِ الزلّاتُ منهم وتُغفَرُ
أَتوهُ أسارى الموبقاتِ وودّعوا / وَما فيهمُ إلّا الطّليقُ المحرّرُ
لَقَد كُسِرتْ للدّين في يومِ كَربلا / كسائرُ لا توسى ولا هِيَ تُجبَرُ
فإمّا سبيٌّ بالرّماحِ مسوّقٌ / وإمّا قتيلٌ في التّراب مُعَفَّرُ
وَجَرحى كَما اِختارَت رِماحٌ وَأَنصُلٌ / وَصَرعى كَما شاءَت ضباعٌ وأنسُرُ
لَهُم وَالدّجى بِالقاعِ مُرخٍ سدولَه / وجوهٌ كأمثال المصابيح تزهَرُ
تُراح بريحانٍ ورَوْحٍ ورحمةٍ / وتُوبَل من وبلِ الجِنانِ وتُمطَرُ
فقل لبنِي حَربٍ وفي القلب منهمُ / دفائنُ تبدو عن قليلٍ وتظهرُ
ظَنَنتمْ وَبعضُ الظنّ عَجزٌ وغفلةٌ / بأنّ الّذي أسلفتُمُ ليس يُذكرُ
وهيهاتَ تأبى الخيلُ والبيضُ والقنا / مجاري دمٍ للفاطميين يُهدَرُ
وَلَستمْ سواءً والّذين غَلبتُمُ / ولكنّها الأقدار في القومِ تُقدَرُ
وَإِن نِلتُموها دَولةً عَجرفيَّةً / فَقَد نالَ ما قَد نالَ كِسرى وَقيصرُ
وَلَيسَ لَكُم مِن بعد أَن قد غدرتُمُ / بمن لم يكن يوماً من الدّهرِ يغدُرُ
سوى لائماتٍ آكلاتٍ لحومَكم / وإلّا هِجاءٌ في البلادِ مُسَيَّرُ
تقطّع وصلٌ كان منّا ومنكمُ / ودانٍ من الأرحامِ يَثنِي ويَسطُرُ
وَهَل نافِعٌ أَنْ فَرّقتنا أصولُكمْ / أصولٌ لنا نأوي إليها وعنصرُ
وَعُضو الفَتى إن شلّ ليس بعضوهِ / وليس لربّ السّرب سربٌ مُنَفَّرُ
وَلا بدَّ مِن يَومٍ به الجوّ أغبرٌ / وفيه الثرى من كثرةِ القتلِ أحمرُ
وَأَنتُمْ بِمجتاز السّيولِ كأنّكمْ / هَشيمٌ بِأَيدي العاصِفاتِ مطيَّرُ
فَتَهبِطُ مِنكم أَرؤُسٌ كنّ في الذُّرا / ويخبو لكم ذاك اللّهيب المُسَعَّرُ
ويثأرُ منكم ثائرٌ طال مطلُهُ / وقد تُظفر الأيّام من ليس يَظفرُ
ولمّا أَردت طروقَ الفتاةِ
ولمّا أَردت طروقَ الفتاةِ / وصاحبني صاحبٌ لا يغارُ
صموتُ اللسان بعيد السّماعِ / فسرِّيَ مُكتَتَمٌ والجهارُ
وَضاق العناقُ فصار الرّداء / لها ملبساً ولباسي الخمارُ
وَما لفّنا كاِلتفافِ الغصونِ / جَميعاً هنالك إلّا الإزارُ
وطاب لنا بعد طولِ البعادِ / رُواء الحديث وذاك الجِوارُ
شَربتُ بريقَتها خَمرةً / ولكنّها خمرةٌ لا تُدارُ
كأنّ الظّلامَ بإشراق ما / أنالَتْ وأعطته منها نهارُ
وَأَثّر في جيدِها ساعدي / وأثّر في جانبيَّ السِّوارُ
فَلو صُبَّتِ الكأس ما بَيننا / لما خرجت من يدينا العُقارُ
وناب منابَ ليالٍ طوالٍ / تقصّر هذي الليالي القصارُ
أَتَدري مَن بها تلك الديارُ
أَتَدري مَن بها تلك الديارُ / وتعلم ما غطا ذاك الخمارُ
أقامتْ ضرّةُ القمرين فيها / فكلُّ بلاد ساكنها نهارُ
فتاة حُكّمتْ في كلّ حسنٍ / وليس لغيرها فيه الخيارُ
ففي كلّ القلوب لها وجيبٌ / كما كلُّ القلوبِ لها ديارُ
فحسبك يا زمانُ فمنك عندي / قبيحٌ لا يحسّنهُ اِعتذارُ
أَأَنسى الغدرَ منك وَأنت إلْفِي / وغِشَّكَ لي وَأنتَ المُستشارُ
وعندي من حديثك ما لوَ اِنّي / سمرتُ به لشاب له الصّغارُ
يا ربّ ليلٍ أخذنا فيهِ منيتنا
يا ربّ ليلٍ أخذنا فيهِ منيتنا / كأنّ أوّله في ذاك آخرُهُ
كأنّ نَجمَ الثريّا مَلَّ مَجمعَنا / فَما اِستَطاعَ مقاماً وهو ناظرُهُ
ومَهْمَهٍ جُبتُه وحدي على قَلقٍ / معوّدٍ لِيَ خوضَ البحرِ حافِرُهُ
مِن لَونهِ يَستمدّ اللّيلُ ظلمتَه / والفجرُ من وجهه لاحت عساكرُهُ
مُعانِقاً نَبعةً سَمراء ما حُملتْ / إلّا ليومٍ جريءٌ من يباشرُهُ
ولا فَرَتْ يدُها نحراً فتتركَهُ / إلّا وقد نُشرتْ منه نواشرُهُ
وَصاحِبٍ ما نَبَتْ منه مضاربُه / في كلّ خطبٍ ولم تُؤمَن محاذِرُهُ
يَظَلُّ شَوقاً إلى الأعناقِ مُنتَصباً / لنفسه قبل أن يرتاحَ شاهرُهُ
ولِي جَنانٌ كأنّ الأرضَ ساحتُهُ / فما يضيق لمرهوبٍ يُخامرُهُ
يَستنزرُ الكَثْرَ من هذا الزّمان له / فكلُّ ما حلّ فيه فهو حاقرُهُ
لَيت أنّا لا نعرف القومَ فيهمْ
لَيت أنّا لا نعرف القومَ فيهمْ / حَيَدٌ عن ودادنا واِزوِرارُ
وَلَبِئس الصّديقُ هبّ نسيماً / بمقالٍ وبالحُشاشةِ نارُ
وإذا سمتُهُ نهوضاً بثِقْلٍ / خاننِي منه عودُهُ الخَوّارُ
فعفاءٌ على وداد أُناسٍ / هو ما بينهمْ غبارٌ مُثارُ
إنَّ قوماً كانوا الكرامَ لدينا / أوحشتْ منهمُ علينا الدّيارُ
لم يَبِتْ بينهمْ قبيحٌ ولا عر / رَجَ فيهم فيما يُعرّجُ عارُ
هم ليوثٌ إذا اِستحرَّت وَفي يو / مِ عطاءٍ هُمُ عطاءً بحارُ
خلّفونا وعرّسوا في محلٍّ / هَجَرتْهُ الخُطا فليس يُزارُ
ما لهمْ مؤنِسٌ سوى عَرفجِ الدو / وِ سقاهمِ كما سقاه القُطارُ
فتراهمْ في القاع صرعى كَرَكْبٍ / هجّروا عندنا قليلاً وساروا