المجموع : 24
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري / ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار
بَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً / حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها / صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ
وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها / مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ
وَإِذا رَجَوتَ المُستَحيل فَإِنَّما / تَبني الرَجاءَ عَلى شَفيرٍ هارِ
فَالعَيشُ نَومٌ وَالمَنِيَّةُ يَقِظَةٌ / وَالمَرءُ بَينَهُما خَيالِ ساري
وَالنَفسُ إِن رَضِيَت بِذَلِكَ أَو أَبَت / مُنقادة بِأَزمَّة الأَقدارِ
فاِقضوا مآرِبكم عُجَالاً إِنَّما / أَعمارُكُم سِفرٌ مِنَ الأَسفارِ
وَتَراكَضوا خَيلَ الشَبابِ وَبادِروا / إِن تُستَرَدَّ فَإِنَّهُنَّ عَواري
فالدهر يَخدَع بِالمني وَيغُصُّ إِن / هَنّا وَيَهدِمُ ما بَنى بِبوارِ
لَيسَ الزَمانَ وَإِن حرصت مُسالِماً / خُلُق الزَمانِ عَداوَة الأَحرارِ
إِنّي وُتِرتُ بِصارِمٍ ذي رَونَقٍ / أَعدَدتَهُ لِطِلابَةِ الأَوتارِ
أَثني عَلَيهِ بِأثرِهِ وَلَو أَنَّهُ / لَم يَغتَبِط أَثنَيتُ بِالآثارِ
لَو كنت تُمنَعُ خاض نحوكَ فَتية / مِنّا بحار عَوامِل وَشفارِ
وَدَحوا فُوَيقَ الأَرض أَرضاً مِن دَمٍ / ثُمَّ اِنثَنوا فَبَنوا سَماءَ غبارِ
قَومٌ إِذا لَبِسوا الدُروعَ حَسِبتَها / سُحُباً مزرَّرَة عَلى الأَقمارِ
وَتَرى سيوفَ الدارِعينَ كَأَنَّها / خَلج تَمُدُّ بِها أَكُفَّ بِحارِ
لَو أَشرَعوا أَيمانِهِم مِن طولِها / طَعَنوا بِها عوض القَنا الخَطَّارِ
شَوسٌ إِذا عدموا الوَغى انتَجَعوا لَها / في كُلِّ أَوبٍ نَجعَة الأَمطّارِ
جنبوا الجِيادَ إِلى المُطيِّ وَراوجوا / بَينَ السُروجِ هُناكَ وَالأَكوارِ
فَكَأَنَّما مَلأوا عِياب دروعهم / وَغمود أَنصلهم سَراب قِفارِ
وَكَأَنَّما صَنع السَوابِغ عَزَّهُ / ماء الحَديد فَصاعَ ماءَ قِرارِ
زَرَداً فَأحكم كل موصل حَلقَةٍ / بِجُبابَة في مَوضع المُسمارِ
فَتَدَرَّعوا بمتون ماء جامِدٍ / وَتَقنَّعوا بِحَباب ماء جاري
أسد ولكن يؤثرونَ بِزادِهِم / وَالأسد لَيسَ تدين بالإِيثارِ
يَتَزَّيَنُ النادي بِحُسنِ وُجوهِهِم / كَتَزَيُّنِ الهالاتِ بالأَقمارِ
يَتَعَطَّفونَ عَلى المَجاوِر فيهِم / بالمنفسات تعطُّف الآظارِ
مِن كل مَن جَعلَ الظُبى أَنصارَهُ / وَكرُمنَ فاِستَغنى عَنِ الأَنصارِ
وَاللَيثُ إِن بارَزتُهُ لَم يَعتَمِد / إِلّا عَلى الأَنيابِ وَالأَظفارِ
وَإِذا هوَ اعتَقَلَ القَناة حَسِبتُها / صِلاً تأبَّطُهُ هزبَرٌ ضاري
زَرَدُ الدِلاصِ مِنَ الطِعانِ بِرُمحِهِ / مِثلَ الأَساوِر في يد الإِسوارِ
وَيَجُرُّ حينَ يُجَرُّ صَعدَةَ رُمحِهِ / في الجَحفَلِ المُتَضائِق الجِرارِ
ما بَينَ ثَوبٍ بِالدماءِ مُلَبَّدٍ / زَلقٍ وَتَقَع بِالطِرادِ مثارِ
وَالهَون في ظِلِّ الهوَينا كامِنٌ / وَجَلالَة الأَخطارِ في الإِخطارِ
تندى أسرة وَجهِهِ وَيَمينَهُ / في حالَةِ الإِعسارِ والإِيسارِ
وَيَمُدُّ نَحوَ المَكرُماتِ أَنامِلاً / لِلرِزقِ في أَثنائِهِنَّ مَجاري
يَحوي المَعالي كاسِباً أَو غالِباً / أَبداً يُدارى دونَها وَيُداري
قَد لاحَ في لَيلِ الشَبابِ كَواكِبٌ / إِن أَمهلت آلَت إِلى الإِسفارِ
يا كَوكَباً ما كانَ أَقصَرَ عُمرَهُ / وَكَذاكَ عُمرُ كَواكِبِ الأَسحارِ
وَهلال أَيّامٍ مَضى لَم يَستَدِر / بَدراً وَلَم يمهل لِوَقت سِرارِ
عَجِلَ الخُسوف عَلَيهِ قَبلَ أَوانِهِ / فَمَحاهُ قَبلَ مَظَنَّة الإِبدارِ
واستَلَّ مِن أَترابِهِ وَلِداتِهِ / كَالمُقلَةِ استَلَت مِنَ الأَشفارِ
فَكَأَنَّ قَلبي قبره وَكَأَنَّهُ / في طَيِّهِ سِرٌّ مِنَ الأَسرارِ
إِن يُحتقر صِغَراً فَرُبٌ مُفَخَّمٍ / يَبدو ضَئيل الشَخصِ لِلنُّظّارِ
إِنَّ الكَواكِبِ في عُلُوِّ مَكانِها / لَتُرى صِغاراً وَهيَ غَيرُ صِغارِ
ولدُ المُعَزّى بَعضه فَإِذا مَضى / بَعضُ الفتى فَالكُلُّ في الآثارِ
أَبكيهِ ثُمَّ أَقولُ مُعتَذِراً لَهُ / وُفِّقتَ حينَ تَرَكتَ آلامَ دارِ
جاوَرتُ أَعدائي وَجاوَرَ رَبَّهُ / شَتّان بَينَ جِوارِهِ وَجِواري
أَشكو بُعادك لي وَأَنت بَمَوضِعٍ / لولا الرَدى لَسَمِعتَ فيهِ سَراري
وَالشَرق نَحوَ الغَربِ أَقرَبُ شُقة / مِن بُعدِ تِلكَ الخَمسَةِ الأَشبارِ
هَيهات قَد علقتك أَشراك الرَدى / واعتاقَ عُمرَكَ عائِق الأَعمارِ
وَلَقَد جَرَيتَ كَما جريتُ لِغايَةٍ / فبلغتها وَأَبوكَ في المِضمارِ
فَإِذا نَطَقتُ فَأَنت أَوَل مَنطِقي / وَإِذا سكت فَأَنتَ في إِضماري
أَخفي مِنَ البُرَحاء ناراً مِثلَما / يَخفى مِنَ النارِ الزِنادَ الواري
وَأُخَفِّضُ الزَفرات وَهيَ صَواعِدٌ / وَأُكَفكِفُ العَبرات وَهيَ جَواري
وَشِهابُ زَندِ الحُزنِ إِن طاوَعتُهُ / وَآرٍ وَإِن عاصَيتَهُ مُتَواري
وَأَكُفُّ نيران الأَسى وَلَرُبَّما / غلب التَصَبُّر فارتَمَت بِشَرارِ
ثَوب الرِياء يَشِفُّ عَن ما تَحتَهُ / فَإِذا التحفت بِهِ فَإِنَّكَ عاري
قَصُرت جُفوني أَم تَباعَد بَينَها / أَم صُوِّرت عَيني بِلا أَشفارِ
جَفَت الكَرى حَتّى كَأَنَّ غراره / عِندَ اِغتِماضِ العَينَ حد غِرارِ
وَلَو اِستَزارَت رقدة لَدَجابِها / ما بَينَ أَجفاني إِلى التَيّارِ
أُحَيي لَيالي التَمِّ وَهيَ تُميتُني / وَيُميتُهُنَّ تبلج الأَنوارِ
حَتّى رَأَيتُ الصُبحَ يَرفَعُ كفه / بِالضوءِ رَفرَف خيمَة كالقارِ
وَالصُبحُ قَد غمر النُجوم كَأَنَّهُ / سيل طَغى فَطمى عَلى النَوارِ
وَتلهُّب الأَحشاء شَيَّب مفرقي / هَذا الضِياء شَواظ تِلكَ النارِ
شابَ القذال وَكُلُّ غُصنٍ صائِرٍ / فينانه الأَحوى إِلى الإِزهارِ
وَالشِبه مُنجَذِبٌ فَلِم بَيضُ الدُمى / عَن بَيضِ مفرقه ذَوات نِفارِ
وَتَوَدُّ لَو جعلت سواد قُلوبِها / وَسواد أَعيُنها خِضاب عِذاري
لا تَنفِر الظَبَياتُ عَنه فَقَد رأت / كَيفَ اختِلاف النَبت في الأَطوارِ
شَيئانِ يَنقَشِعانِ أَوَّل وَهلَةٍ / ظِلُّ الشَبابِ وَخِلَّةُ الأَشرارِ
لا حَبَّذا الشيب الوَفيُّ وَحَبَّذا / شَرخ الشَبابِ الخائِنِ الغَدّارِ
وَطري مِنَ الدُنيا الشَباب وَروقه / فَإِذا اِنقَضى فَقَد انقَضَت أَوطاري
قصرت مَسافَته وَما حَسَناتُهُ / عِندي وَلا آلاؤُهُ بِقِصارِ
نَزدادُ هَمّاً كُلَمّا اِزدَدنا غِنَىً / وَالفَقرُ كُلَّ الفَقرِ في الإِكثارِ
ما زادَ فَوق الزادِ خُلِّف ضائِعاً / في حادِثٍ أَو وارِث أَو عاري
إِنّي لأَرحَم حاسِديَّ لِحَرِ ما / ضَمَّت صُدورُهُم مِنَ الأَوغارِ
نَظَروا صَنيعَ اللَهِ بي فَعُيونُهُم / في جَنَّةٍ وَقُلوبهم في نارِ
لا ذَنبَ لي كَم رمت كتم فَضائِلي / فَكَأَنَّما برقعت وَجه نَهاري
وَسترتها بِتَواضعي فَتطلَّعت / أَعناقها تَعلو عَلى الأَستارِ
وَمِنَ الرِجال مَعالِم وَمَجاهِل / وَمِنَ النُجومِ غَوامِض وَداري
وَالناسُ مُشتَبِهونَ في إِيرادِهِم / وَتَباين الأَقوامِ في الإِصدارِ
عَمري لَقَد أَوطأتُهُم طُرق العُلى / فَعَموا وَلَم يَقَعوا عَلى آثاري
لَو أَبصَروا بِقُلوبِهِم لاستَبصَروا / وَعمى البَصائِرِ مَن عَمى الأَبصارِ
هَلّا سَعوا سَعيَ الكِرامِ فَأَدرَكوا / أَو سَلَّموا لِمَواقِعِ الأَقدارِ
ذهب التَكرم وَالوَفاء مِنَ الوَرى / وَتصرَّما إِلّا مِنَ الأَشعارِ
وَفَشَت خِيانات الثِقاتِ وَغيرهم / حَتّى أتَّهمنا رُؤية الأَبصارِ
وَلَرُبَّما اعتَضد الحَليم بِجاهِلٍ / لا خَير في يُمني بِغَيرِ يَسارِ
لِلَّهِ دُرُّ النائِباتِ فَإِنَّها / صَدأُ اللِئامِ وَصيقل الأَحرارِ
هَل كنت إِلّا زَبرَةً فَطَبَعنَني / سَيفاً وَأطلق صرفهن غراري
زَمن كأمِّ الكلب تر أُم جروها / وَتصد عَن ولد الهزبر الضاري
أَبا الفَضلِ طالَ اللَيلُ أَم خانَني صَبري
أَبا الفَضلِ طالَ اللَيلُ أَم خانَني صَبري / فَخيِّل لي أَنَّ الكَواكِب لا تَسري
أَرى الرَملَة البَيضاء بَعدَكَ أَظلَمَت / فَدَهري لَيلٌ لَيسَ يُفضي إِلى فَجرِ
وَما ذاكَ إِلّا أَنَّ فيها وَديعَة / أَبى ربها أَن تَستَرِد إِلى الحَشرِ
رَزيت بِملء العَين يُحسَب كَوكَباً / تولَّد بَينَ الشَمس وَالقَمَر وَالبَدرِ
بِأَبلَجَ لَو يَخفي لَنَمَّ ضِياؤُهُ / عَلَيهِ كَما نَمَّ النَسيمُ عَلى الزَهرِ
بِنَفسي هِلال كُنتُ أَرجو تَمامَهُ / فَعاجله المِقدار في غُرَّة الشَهرِ
وَشِبل رَجَونا أَن يَكون غَضَنفَراً / فَماتَ وَلَم يَجرح بِنابٍ وَلا ظفرِ
أَتاهُ قَضاءُ اللَهِ في دار غُربَةٍ / بِنَفسي غَريبُ الأَصلِ وَالقَبرِ وَالقَدرِ
أُحَمِّلُهُ ثقل التُرابِ وَإِنَّني / لأَخشى عَلَيهِ الثُقلَ مِن مَوطءِ الذَرِ
وَأودعه غَبراء غَيرَ أَمينَةٍ / عَلَيهِ وَلَكِن قادَ شر إِلى شَرِّ
فَواللَهِ لَو أَسطيعَ قاسَمتُهُ الرَدى / فَمُتنا جَميعاً أَو لقاسَمَني عُمري
وَلَكِنّما أَرواحَنا مُلكَ غَيرِنا / فَماليَ في نَفسي وَلا فيهِ مِن أَمرِ
وَما اقتَضتِ الأَيّام إِلّا هِباتها / فألّا اقتَضتها قَبلَ أَن مَلأتَ صَدري
وَمِن قبل أَن يَجري هَواهُ وَإِلفه / بِقَلبي جَريَ الماء في الغُصُنِ النَضرِ
وَلا حُزنَ أَلّا يَومَ وَارَيتُ شَخصَهُ / وَرُحتُ بِبَعضِ النَفسِ وَالبعض في القَبرِ
وَأَعلَمُ أَنَّ الحادِثاتِ بِمُرصِدٍ / لِتأخُذ كُلّي مِثلَما أَخذت شَطري
أَحينَ نَضا ثَوب الطُفولَة ناسِلاً / كَما يَنسَّلُ الرِيش اللَوام عَن النَسرِ
وَخَلَّى رِضاعَ الثَدي مُستَبدِلاً بِهِ / أَفاويق مِن دَرِّ البَلاغَة وَالشِعرِ
وَالقى تَميمات الصِبا وَتباشَرَت / حَمائِل أَغماد المهنَّدَةِ البُترِ
وَبانَ عَلَيهِ الفَضل قَبلَ اثِّغارِهِ / وَيَبدو وَإِن لَم يثَّغر كرم المُهرِ
وَقامَت عَلَيهِ لِلعَلاءِ شَواهِدُ / كَما استَشهَد العَضب السَريجي بِالأَثَرِ
وَخَبَّرنا عَن طيبهِ ماء وَجهِهِ / كَتَخبير ماء الظَلم عَن طيبة الثَغَرِ
وَجادَت بِهِ الأَيام وَهيَ بَخيلَة / وَقَد يَنبَع الماء الزُلال مِنَ الصَخرِ
طَواهُ الرَدى طَيَّ الرِداءِ فَأَصبَحَت / مَغانيهِ ما فِيهِنَّ مِنهُ سِوى الذِكرِ
فَجادَ عَلى قَسرٍ بِباقي ذِمائِهِ / وَقَد كانَ مِمَّن لا يَجود عَلى القَسرِ
فَإِن أَبكِ فَالقُربى القَريبَةُ تَقتَضي / بُكايَ وَإِن أَصبِر فَبَقياً عَلى الأَجرِ
فَبي مِنهُ ما يوهي القوى غَيرَ أَنَّني / بُنيتُ كَما يُبنى الكَريم عَلى الصَبرِ
وَما صَبرُ مَحزونٍ جناح فؤادِهِ / يُرَفرِفُ ما بَينَ التَرائِبِ وَالنَحرِ
يُقَلِّبُ عَيناً ما تَنامُ كَأَنَّها / بِلا هَدبٍ يُثنى عَلَيها وَلا شَفرِ
غَطا دمعها أَنسانُها فَكَأَنَّها / غَريق تَسامى فَوقه لُجَجُ البَحرِ
يُنَغِّصُ نَومي كُلَّ يَومٍ وَيقظَتي / خَيالٌ لَهُ يَسري وَذِكرٌ لَهُ يَجري
وَيوسع صَدري بِالزَفير ادِّكاره / عَلى أَنَّ ذاكَ الوسع أَضيقُ لِلصَّدرِ
وَقالوا سيسليه التأَسّي بِغَيرِهِ / فَقُلتُ لَهُم هَل يَطفأ الجَمرُ بِالجَمرِ
أَيندَمِلُ الجَرحُ الرَغيب بِمِثلِهِ / إِلّا لا وَلَكِن يَستَطيرُ وَيَستَشري
وَلَيتَ التأسي بِالمُصيبَةِ كائِنٌ / كفافاً فَلا يُسلي هُناك وَلا يُغري
فَلا تَسأَلوني عَنهُ صَبراً فَإِنَّني / دفنت بِهِ قَلبي وَفي طَيِّهِ صَبري
فإلّا تَكُن قَلبي فَإِنَّكَ شَطرِهِ / قُددتَ كَما قُدَّ الهِلالُ مِنَ البَدرِ
أَيا نِعمَةً حَلَّت وَوَلَّت وَلَم أَكُن / نهَضتُ بِما لِلَّهِ فيها مِنَ الشُكرِ
وَضاعفَ وَجدي أَن قَضيتَ وَلَم تُقِم / مَقامَ الشَجا المَعروض في ثَغرة الثَغرِ
وَلَم تَلقَ صَفّاً مِن عِداكَ بِمِثلِهِ / كَما أَسنَد الكِتاب سَطراً إِلى سَطرِ
وَما خُضتَ جَيشاً بِالدِماءِ مُضمَّخاً / يَرى بيضُهم مِثلَ الحَبابِ عَلى الخَمرِ
وَلَم تَختَصِم حوليك أَلسِنَة القَنا / فَتَحكُمُ في الهَيجاء بِالعرف وَالنُكرِ
بَضَربٍ يَطير البَيضُ مِن حَرِّ وَقعِهِ / شَعاعاً كَما طارَ الشَرارُ عَن الجَمرِ
تَرى زرد الماذيِّ مِنهُ مفكَّكاً / يَطيح كَما طاحَ القُلامُ عَن الظفرِ
وَلَمّا تُضِف في نَصرَةِ اللَهِ طعنه / إِلى ضَربَةٍ كالبِئرِ فَوقَ شَفا نَهرِ
وَلَمّا تَقُم لِلَّهِ بِالقِسطِ مَوقِفاً / سَأَقضي وَلمّا أَقضِ مِن مِثلِهِ نذري
وَلَم تَمشِ في ظِلِّ اللواء كَما مَشى / إِلى الصَيدِ فهد تَحتَ رفرفة الصَقرِ
وَلَم تُخفِق النيران حَولَك للقِرى / كَما خفقت أَطراف الويةٍ حُمرِ
وَلَم تَقفُ أَبكار المَعاني وعونِها / فَتَرغب فيها مِن عَوانٍ إِلى بِكرِ
وَلَمّا تَبارى النَجم ضوءاً ورِفعَةً / وَصيتاً وَأَنواءً وَهَدياً إِذا يَسري
وَلَم تَخجَل الرَوض الأَنيق بِرَوضَةٍ / مفوَّقةِ الأَرجاءِ بِالنَظمِ وَالنَثرِ
وَلَمّا تَقم في مَشهَدٍ بَعدَ مَشهَدٍ / تَصدّق أَخبار المَخايلَ بِالخُبرِ
وَما قلت إِلّا ما ذَكاؤُكَ ضامِنٌ / لَهُ كَضَمانات السَحائِب لِلقَطر
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ربك إِن تَكُن / عبرت إِلى الأُخرى فَنَحنُ عَلى الجِسرِ
وَما نَحنُ إِلّا مِثلَ أَفراس حلبةٍ / تَقَدَّمنا شيء وَنَحنُ عَلى الإِثرِ
وَلَمّا تَجارَينا وَغايَة سَبقنا / إِلى المَوتِ كانَ السَبقُ لِلجَذَعِ الغَمرِ
مَحاك الرَدى مِن رأي عَيني وَمامَحا / خَيالك مِن قَلبي وَذِكرك مِن فِكري
فَما أَنسَ مِن شيء وَإِن جَلَّ قدره / فَإِنَّكَ مِنّي ما حَييتُ عَلى ذِكرِ
وَإِنّي مِن دَهرٍ أَصابَكَ صِرفِهِ / وَأَخطأَني مِن أَن يُصيبَ عَلى حِذرِ
رحلتَ وَخَلَّفتَ الَّذينَ تَرَكتَهُم / وَراءَكَ بالأَحزانِ وَالهَمِّ وَالفِكرِ
فَلَو لفضتكَ الأَرض قلت تَشابَهت / مَناظِر من في البطن مِنها وَفي الظَهرِ
وَلا فَرقَ فيما بَينَنا غَيرَ أَنَّنا / بِمَسِّ الأَذى نَدري وَأَنَّكَ لا تَدري
رَجوتك للدُّنيا وَللدِّينِ قَبلَها / وَرُحتَ بِكَفٍ مِن رَجائِهما صِفرِ
أَزورَكَ إِكراماً وَبِرّاً وَفي البِلى / لِمثلِكَ شغل عَن وَفائي وَعَن بِرّي
وَلَمّا أَتى بَعدَ المَشيب عَدَلتُهُ / بِعَصر الشَباب الغَضِّ بورك من عَصرِ
وَقلت شَبابُ ابني شَبابي وَإِنَّما / يَنقَّلُ مَعنى الشَطر مِنّي إِلى الشَطرِ
فَوَلّى كَما وَلّى الشَبابُ كِلاهُما / حَميد فَقيد طَيِّب العَهدِ وَالنَشرِ
وَكانَ كَمِثلِ العَنبَرِ الجونِ لبثِّهِ / فَبانَ وَأَبقى في يدي عبق العِطرِ
نَقضت عُهود الوُدِّ إِن ذقت بَعدِهِ / سلواً إِلّا إِنَّ السَلو أَخو الغَدرِ
وَما أَنا بِالوافي وَقَد عِشتُ بَعدَهُ / وَرُبَّ اعتِراف كانَ أَبلَغ مِن عُذرِ
كَفى حُزناً أَنّي دعوت فَلَم يَجِب / وَلَم يَكُ صَمتاً عَن وَقارٍ وَلا وَقرِ
وَلَم يَكُ مِن بُعدِ المَسافَة صَمته / فَما بَينَنا إِلّا ذِراعانِ في القَدرِ
نُنافِسُ في الدُنيا غُروراً وَإِنَّما / قَصارى غِناها أَن يَؤولَ إِلى الفَقرِ
وَإِنّا لَفي الدُنيا كركب سَفينَةٍ / نَظُنُّ وقوفاً وَالزَمان بِنا يَجري
طويت اللَيالي وَاللَيالي مَراحِل / إِلى أَجَلٍ يَسري إِليَّ كَما أَسري
وَأَفنَيتُ أَياماً فَنيتُ بِمَرِّها / وَغايَة ما يُفني وَيَفنى إِلى قَدرِ
إِلى اللَهِ أَشكو ما أَجِنُّ وَإِنَّني / فَقَدتُكَ فَقدَ الماءِ في البَلَدِ القَفرِ
عَلى حينَ جِزتُ الأَربَعينُ مُصَوِّباً / وَلاحَت نُجومُ الشيب في ظُلمِ الشَعر
فَيا مَعشَرَ اللَوامِ كفوا فَإِنَّني / لِفَرطِ الجَوا قد قامَ لي في البُكا عُذري
إِذا ما تَوَلّى ابني وَوَلَّت شَبيبَتي / وَوَلّى عَزايَ فالسَلامُ عَلى الدَهرِ
اللَيل حَيث حَلَلنَ فيهِ نَهارُ
اللَيل حَيث حَلَلنَ فيهِ نَهارُ / فلذا اللَيالي وصلهنَّ قِصارُ
يا صاحِ أَبصر في السَرابِ ضَعائِنا / كالدُرِّ يَطفو فَوقَهُ التَيّارُ
تَقِف العُيون إِذا وَقفن وَأَينَما / دارَت بِهِنَّ العيس فَهيَ تُدارُ
أَرَأَيتَ مِن عنّفت فيهِ فَقالَ لي / أَما الوجوهُ فَإِنَّها أَقمارُ
فاسفح بِنَجدٍ ماء عينك إِنَّما / لِلعامِرِيَّة كل نَجدٍ دارُ
وَلَها بِهِ مِن كل ماء مَشرَبٍ / وَبِكُلِّ مَسقَطِ مزنةٍ آثارُ
قَومٌ إِذا ما المُزن طَنَّب طَنَّبوا / أَو سارَ نَحوَ دِيار قَومٍ ساروا
فتوقَّ أَعين عامِر وَسُيوفها / كُلٌّ وَجدّك صارِم بَتّارُ
إِيّاك إِيّاكَ العُيون فَإِنَّها / قَضُبٌ وَأَشفار الجُفونِ شفارُ
لَم أَدرِ إِذ وَدَّعنَني أَمُقبِّل / لِحَلاوَة في الريق أَم مُشتارُ
أَلبَسنَني سِربال ضَمٍّ ما لَهُ / إِلّا رُؤوسَ نُهودِها إِزرارُ
أَجني الرِضابُ مِنَ الغُصونِ وَحَبَّذا / تِلكَ الغُصونُ وَحَبَّذا الأَثمارُ
في رَوضَةٍ جمَعَت لمرتاد الصَبا / مَرأىً يُحِلُّ لِمِثلِهِ وَيُسارُ
بوجوهن ووشيهن وَنَورِها / إِنَّ الثَلاثة عِندَك النَوارُ
إِن أَظلمت قطع الرِياض أَضالَها / نُوّارِها فَكَأَنَّها الأَنوارُ
وَتَمازَجَت حَتّى كَأَنَّ قطينها / مِمّا تَضَمَّنَ نَبت أَرضٍ قارُ
مِن كُلِّ بَدرٍ يَستَسِرُّ زَمانه / وَلِكُلِّ بَدرٍ مَطلَعٌ وَسِرارُ
لا يُرتَجى درك لِثاري عِندَهُ / جَرح الحَداثَة وَالمهاة جَبارُ
في طَرفِها يَقضي غرار من كَرىً / وَلِكُلِّ ماضي الشَفرَتَين غرارُ
أَرَأَيتَ طَرفِكَ ناشِب أَم سائِف / أَم نافِث لِلسِحرِ أَم خَمّارُ
قَد كُنتَ أَعذَل في الهَوى قِدَماً وَقَد / يُرمى الطَبيبُ بِغَيرِ ما يُختارُ
خُضتُ الأُمورَ وَعمتُ في غَمراتِها / وَمِنَ الأُمورِ مَخائِض وَغمارُ
فَرَأَيت دَهري قَد يُضيء وَلَيسَ مِن / شأن الزَمان الضوء وَالأَسفارُ
ما عذره أَلّا يُضيءَ وَفضله / عُقدٌ عَلى جيد الزَمانِ مُدارُ
وَصَحوتُ مِن سكر الصِبا وَلَرُبَّما / يَعتادَني في الحين مِنهُ خُمارُ
وَحصرتُ نَفسي بالعفاف عَن الَّتي / تصم الكَريم وَفي العفاف حِصارُ
فَظفرت مِن كف المُظَفَّرِ بِالمُنى / إِذ ساعدت بِلِقائِهِ الأَقدارُ
ملك له مِنَنٌ تَمَلَّكَني بِها / وَبِمِثلِها يُتَمَلَّكُ الأَحرارُ
أَضحى مقراً لِلضيوفِ وَمالُهُ / ضَيف فَلَيسَ لَهُ لديهِ قَرارُ
ينبيك عَنه وَلَو تَنَكَّرَ بشره / إِنَّ البَشاشَةَ لِلكَريمِ شِعارُ
في قَلبِهِ عَن كُلِّ سوءٍ زاجِرٌ / وَبِفِعلِ كُلِّ فَضيلة أَضرارُ
مَغرىً بإحياء النَدى فيميته / إِنَّ الأَمانَةَ لِلنَّدى إِنشارُ
صَلى اللَهُ فَإِنَّه / مَن رأيه تَتَبَيَّنُ الأَسرارُ
ما اختارَهُ المَولى عَلى نُضرائِهِ / حَتّى اِرتَضاهُ الواحِدُ القَهَّارُ
جمع الإِلَه لَهُ العُلى وَبِهِ كَما / جُمِعَت بِطرفِ الرَقدِةِ الأَشفارُ
فالوَجهُ بَدرٌ وَالعَزيمَةُ صارِمٌ / وَالكَفُّ بر وَالبَنانُ بِحارُ
يعدي اللَئيمَ بِجودِهِ فَلَو أَنَّهُ / حَجَرٌ جَرَت في عَرضِهِ الأَنهارُ
كتم النَوال وَقَد أَتاهُ تَظَرُّفاً / فَكَأَنَّ إِظهار النَوال العارُ
ما طَرَّزَ القرطاس إِلّا أَقلامه / أَيدي العدى مهجاً عَلَيهِ تُمارُ
وَتَمُجُّ في قرطاسه أَقلامه / ظُلَماً مَواقِع نَفعِها أَنوارُ
فَصَريرها في سَمعِنا مِن حُسنِهِ / نَغَمٌ وَفي سِمعِ الأَعادي نارُ
تَقِصُ اللُيوث الغلب وَهي ضَعائِف / وَتَطول سُمر الخُطِّ وَهيَ قِصارُ
يَفري الكَليل مِنَ السُيوفِ بِكَفِّهِ / وَيَكِلُّ في يَد غَيرِهِ البَتّار
إِنَّ المَخالِب في يَدي لَيث الوَغى / قَضبٌ وَفي يَد غَيرِهِ أَظفارُ
يَرضي الكَتيبة وَالكِتابَة سَعيه / وَعناؤُهُ وَالنَقض وَالأَمرارُ
ما كُلُّ مَن حَمِدَتهُ كابنِ ع / ليٍّ الأَقلامُ يَحمَدُهُ القَنا الخَطّارُ
هَلّا سَألت بَني كِلابٍ بأسَهُ / وَالنَقع بَينَ الجَحفَلَين مُثارُ
وَالبَيضُ تَطفو في الدِماءِ كَأَنَّها / حَبَبٌ وَمَسفوحِ الدِماء عِقارُ
أَرضَينَ ثُمَّ تَرائِب وَحَواسِر / وَسماوَتَين جَوارِحُ وَعثارُ
رَحِمَ الإِمامُ بك المَدينة رَحمَةً / رويت بِها الآمال وَهيَ حِرارُ
في جَحفَلٍ وَقع المَذاكي فوقه / ظُلماُ يثير ظَلامها المِقدارُ
نَكَحَت سنابكها الحَصى فَتَوَلَّدَت / بَينَ الحِجارَةِ وَالنِعال النارُ
فأباهُما ولدٌ يُنافي أَصله / وَأَباهُ أَحمَرُ يَعتَليهِ صَفارُ
تَعدو رِماحك خالِقاتٍ في العِدى / حَدقاً وَفي أَجفانِها أَشفارُ
تَهدي الأَسِنَّة كُلُّ رمحٍ طائِشٍ / لِنحورهم فَكأَنَّها أَبصارُ
وَلَهُ عَلى الأَقدامِ إِقدام وَقَد / رفع القَنا وَعَلا الغُبار غُبارُ
تَجلو بِحَبّاتِ القلوبِ كَأَنَّها / بَينَ القُلوبِ وَبَينَهُنَّ سرارُ
وَمغلغلات في سويداواتها / مِن حيث لا تَتَغلغل الأَفكارُ
وَكأَنَّ رمحك إِذ تَغَلغَل فيهم / سلك ينظمهم وَهم تقصارُ
زَرَعوا وَقَد حَصَدوا فأن يَتَعَرَّضوا / أُخرى فهذي المهر وَالمُضمارُ
كَرّوا فَلَم يَنفعهم إِقدامهم / وَمَضوا فَلَم ينفعهم الإِدبارُ
وَقفلت عَنهُم غانِماً وَقلوبهم / فيها لخوفك عَسكَرٌ جرارُ
رَأَت الضَحاضِح مِنكَ صَدراً مِثلها / سعة ضياء الجَوِّ مِنهُ مَنارُ
يا ذا الَّذي لِمَسيره وَمَقامِهِ / تَتَحاسَد البَيداء وَالأَمصارُ
لِدِمَشق نَحوَكَ صبوة وَصباوة / مُذ صَرَّحَت بِقُدومِكَ الأَخبارُ
لَولا وَقارُ في دِمَشق وَأَهلها / طارَت لإِفراطِ السُرورِ وَطاروا
وَنبت مِنها المَرجُ حَتّى خِلتَه / خَداً أَسيلاً أَنتَ فيهِ عذارُ
إِنّي دَعوتك وَالخُطوب محيطة / بي مِثلَما ضَمَّ الذِراعُ سِوارُ
قَد حار شعري في علاك لأَنَّها / شَمسٌ وطرف المرء ثَمَّ يُحارُ
فافرج أَبا الفرج الخُطوبِ فَقَد غَدَت / وَصروفها سورٌ عَليَّ تُدارُ
يَخفي الزَمان فَضائِلي فَكَأَنَّني / وَكَأَنَّها في قَلبِهِ إَضمارُ
أَثقَلَت سَمعي عَن مَقالَة أَهلِهِ / وَالوَقرُ في بَعضِ الأُمورِ وَقارُ
لَم أَخَف إِلّا للعلو وَإِنَّما / تخطي السُهى لِعُلوِّهِ الأَبصارُ
نَفديكَ مِن غَيرِ الزَمانِ وَلَم تَزَل / لفداء مِثلَكَ تَذخر الأَعمارُ
فيهِنَّ ما خولن مِن كَرَمٍ وَعِش / يا ماجِداً زينت بِهِ الأَمصارُ
في رِفعَةٍ ما لاحَ صُبحٌ طالِع / وَتجاوَبَت في أَيكها الأَطيارُ
حازكِ البين حينَ أَصبَحتِ بَدراً
حازكِ البين حينَ أَصبَحتِ بَدراً / إِنَّ لِلبَدرِ في التَنَقُلِ عُذرا
فارحَلي إِن أَردت أَو فأقيمي / أَعظَمَ لِلبَدرِ في التَنَقُلِ عُذرا
لا تَقولي لِقاؤُنا بَعدَ عَشرٍ / لست مِمن يَعيش بَعدَكِ عَشرا
كُلَّما قُلت قد تَنَكَّر قَلبي / مِن هَوىً خلته تَعَلَّق أخرى
لَيسَ يَخلو في كُل حينٍ وَوَقتٍ / مِن غَرامٍ وَلَيسَ يَسمَع زَجرا
وَهوَ مَع ما بهِ أُلوفٌ إِذا فا / رق إِلفاً فَلَيسَ يَملِك صَبرا
هَمُّهُ كل غادة تَشبه اللؤ / لؤ مِنها لَوناً وَلَفظاً وَثَغرا
ذاتَ وَجهٍ يَجلو لَك الشمس وَهناً / تَحتَ فرع يَدجي لَك الليل ظُهرا
قمر فَوقَ غُصن بانَ رَطيبٍ / سحر العالمين باللفظ سحرا
حدر الدمعُ كحلَها فَوقَ خَدٍ / كانَ طَرساً في الحُسنِ وَالدَمعِ سَطرا
إِنَّ يَومَ الفِراق غَير حَميدٍ / رَدَّ جِزعَ العُيونِ بِالدَمعِ دُرّا
مَنَعَ الغَمضَ حينَ أَمسى وَأَضحى / سالِكاً بَينَ كُلِّ جَفنين بَحرا
كل جفن يَرى أَخاهُ وَلا يَسطي / عُ خَوضاً وَلا يُصادِف عبرا
وَلِعَهدي بِعاذِل ليَ فيها / ظلَّ يَوم الفراق ينشد صَبرا
سائِلاً ساءَل المَدامِعَ لَمّا / نهرته أَجرى لَهُ النَهرُ نَهرا
إِنَّ خَلفَ الميعادِ مِنكَ طِباعٌ / فعدينا إِذا تَفَضَّلتَ هَجرا
وَسقام الجفون اسفمني فيكَ فل / يتَ الجفون تبرى فأبرا
هَل أَعارَت خَيالك الريح ظَهراً / فَهوَ يَغدو شَهراً وَيَرتاح شَهرا
زارَني في دِمَسقَ مِن أَرض نَجدٍ / لَكَ طَيفٌ أَسرى فَفكَّكَ أَسرى
زارَني موهِناً يُريدُ وِصالي / وَهوَ مُذ كانَ بِالقَطيعَةِ مُغرى
وَأَتاني وَاللَيل كالقار لَوناً / فَبإِشراقِ وَجهِهِ عادَ فَجرا
فاجتَلَينا بدور نَجد بِأَرض الش / امِ بَعدَ الهُدوِّ بَدراً فَبَدرا
وَأَرادَ الخيال لَثمي فَصيَّرتُ / لِثامي دونَ المَراشِفِ سترا
فاصرِفي الكأسَ مِن رَضابك عَنّي / حاشَ لِلَّهِ أَن أُرشَّفَ خَمرا
وَلَو أَنَّ الرِضاب غير مُدامٍ / لَم تَكوني في حالة الصَحوِ سَكرى
قَد كَفانا الخيال وَلَو زُر / تِ لأَصبَحتِ مِثلَ طَيفِكِ ذِكرى
يا ابنَةَ العامريّ كُفّي فَإِنّي / لا أُرى خاضِعاً وَلَو مُتُّ قَهرا
قَد جَذعت الزَمان عَوماً وَخوضاً / وَجرعت الخُطوبَ حُلواً وَمُرّاً
وَبلوت الزَمان حَتّى لو ار / تابَ بِأَمرٍ شَفيته مِنهُ خُبرا
فَإِذا العَيشُ في الغِنى فَإِذا فا / تَكَ فالحَظ بِعَينِكَ العيش شَزرا
عَدَّ ذا الفَقرِ ميتاً وَكَساهُ / كَفناً بالياً وَمأواهُ قَبرا
وَإِذا شِئتَ مَعدِناً مِن نُضارٍ / فاشهَرِ البُترَ إِنَّ في البُترِ تِبرا
واجنُبِ الخَيلَ فَوقَ كُلِّ نجاةٍ / تَكتَسي بِالسَرابِ طوراً وَتعرى
كُلَّما مَرَّتِ الرِكابُ بِأَرضٍ / كتبت أَسطُراً مِن الدَمِ حَمرا
ثُمَّ أتبعتها الحَوافِر نقطاً / فَغَدَت تنقري لِمَن لَيسَ يقرا
تَتَبارى بكل خَبتٍ رَحيبٍ / يَشبَه ابن الحسين خلقاً وَصَدرا
لو تكلَّفنه خَيالات حُبٍّ / أَصبَحَت دونَهُ لَواغِب حَسرى
فإِذا قابلت محمداً العيسُ / فَقَبِّل مَناسِم العيس شُكرا
إِنَّ أَمراً حَدا إِلَيهِ رِكابي / هوَ بي مُحسِنٌ وَلَو كانَ شَرّا
مَن إِذا شِمتُ وَجهَهُ بَعدَ عُسرٍ / قلب اللَه ذَلِكَ العُسرَ يُسرا
وَإِذا قَلَّ نَيلُهُ كانَ بَحراً / وَإِذا ضاقَ صَدره كانَ بَرّا
وَإِذا فاضَ في نَوالٍ وَبَأسٍ / غَرَّقَ الخافِقينَ نَفعاً وَضرا
بأسُ من يأمَن المَنيَّة في الحَر / ب وَجَدوى مَن لَيسَ يَحذَرُ فَقرا
ملكِ بِشرُه يبشِّر راجيهِ / وَلِلغَيث قَبلَ يمطر بُشرى
يخبرُ البِشرُ مِنهُ عَن عتق أَصلٍ / إِنَّ في الصارِمِ العتَيق لأَثَرا
صحة من ولادة عنونته / بحروفٍ من النُبوَّة تُقرا
وَلَهُ رؤيَة تَقود إِلَيهِ / طاعَةَ العالَمينَ طوعاً وَقَسرا
هوَ بَعض النَبيِّ وَاللَه قَد صا / غَ جَميع النَبيِّ وَالبَعض ظُهرا
وابن بنت النَبيِّ مشبهه عِلماً / وَحِلماً واسِماً وَسِرّاً وَجَهرا
نسب لَيسَ فيهِ إِلّا نبيٌّ / أَو إِمام مِنَ العُيوبِ مُعَرّى
ضمنت راحَتاهُ جوداً معيناً / فَهوَ يَزداد حينَ يَنزَح غزرا
وَلَدَيهِ دنياً لِمَن رام دنيا / وَلَدَيهِ أُخرىً لِمَن رامَ أخرى
قسمت باعه العلى فَغَدى / لِليُمنِ يَمنىً وَلِليُسرِ يُسرى
أَقفَلَ الحُلمُ سَمعَهُ عَن قَبيحٍ / إِنَّ في أَكثَر الوِقار لوقرا
مُستَمِداً إِذا استَمَدَّ بِعَزمٍ / يَترك اللَيلَ بالإِضاءَةِ فَجرا
وَإِذا راش بِالأَنامِلِ مِنهُ / قلماً واستَمَدَّ ساءَ وَضَرّا
قلماً دَبَّرَ الأَقاليم حَتّى / قالَ فيهِ أَهل التَناسُخِ إِمرا
يَتبَع الرُمح أَمرَهُ إِنَّ عِشر / نَ ذِراعاً بِالرأي تَخدِمُ شبرا
مَدَّتِ العُمرَ مَدَّةٌ مِنهُ في السِلمِ / وَأُخرى في الحَربِ تَبترُ عُمرا
وَتَرى في شباته الرُزء وَالرِ / زقُ وَفيها البوارُ وَالبِرُّ مجرى
ظَفِراً في يَدِ الأَمانيَ تَلقاهُ / وَتَلقاهُ لِلمَنِيَّةِ ظُفرا
لا تقيم الأَموال عِندَكَ يَوماً / فَإِلى كَم يَكون مالِك سفرا
أَنصِفِ المال مِن نوالك يا مَن / بيديه أَمرُ المَظالِمِ طُرّا
جُرتَ في بَذلِهِ واحكامك الع / دلَ فَإِن كانَ قَد أَساءَ فَغُفرا
تَرتَقي الدَست وَالمَنابِر وَالخَ / يل فَتَختال كُلَّها بِكَ كِبرا
لَو جَرى في المَنابِرِ الروحُ ظَلَّت / مِن سواكُم عيدانها تتبرّا
مُرتَقىً سَنَّهُ جُدودَكَ للِنّا / سِ فَأَنتُم بِهِ أَحَقُّ وَأَحرى
كُلَّما اعتاق همتي بحر يأسٍ / مَدَّ مِن فَوقِهِ رَجاؤُكَ جِسرا
وَالتَقى بي في كل أَرضٍ ثَناء / لك أَهدي مِنَ النُجومِ وَأَسرى
وَعَجيبٌ أَني اعتَمَدت بنظمي / أَحسَن العالَمين نظماً وَنَثرا
فَكَأنّي حبوت داود دَرعاً / بَعدَما لَيَّن الحَديد وَأَجرى
وَمِنَ الشعر في الحَضيض حضيض / وَمِنَ الشعر في الكَواكِبِ شِعرى
وادِّعائي لِلنَّقدِ عندك لغو / أَنتَ أَهدى لما يُقال وَأَدرى
أَنتَ بحر النَدى فَلا زلت مداً / لا رَأَينا بِساحِلٍ لَكَ جَزرا
صَددت أَن عاد روض الرأس ذا زَهَرٍ
صَددت أَن عاد روض الرأس ذا زَهَرٍ / فالشَيبُ عِندَكِ ذَنبٌ غير مغتفرِ
لا دَرَّ دَرُّ بَياض الشَيبِ إِنَّ لَهُ / في أَعيُن الغيدِ مِثلَ الوَخزِ بالإِبَرِ
سَواد رأسِكَ عِندَ الهائِماتِ بِهِ / مُعادِلٌ لِسَوادِ القَلبِ وَالبَصَرِ
قَد كانَ مَغفِرَ رأسي لاقتير بِهِ / فَصَيَّرته قَتيراً صبغة الكِبَرِ
كُن من ملاحظ عينيها عَلى حذرٍ / فَإِنَّما لَحظُها أَمضى مِنَ القَدَرِ
أَهتَزُّ عِندَ تَمَنّي وَصلِها طَرَباً / وَرُبَّ أمنِيَة أَحلى مِنَ الظَفَرِ
تَجني عَليَّ وَأَجني مِن مَراشِفها / فَفي الجنا وَالجَنايات انقَضى عُمُري
أَهدى لَنا طَيفُها نَجداً وَساكِنُهُ / حَتّى اقتَصنا ظباء البَدو في الحَضَرِ
يخنسن بَينَ فروج المعلمات كَما / يكنسن بَينَ فُروع الظال والسَمرِ
فَباتَ يَجلو لَنا مِن وَجهِها قمراً / مِنَ البَراقِعِ لَولا كَلفَةُ القَمَرِ
وَراعها حَرُّ أَنفاسي فَقلت لَها / هَوايَ نارٌ وَأَنفاسي مِنَ الشَرَرِ
فَزادَ دُرُّ الثَنايا دَرُّ أَدمعها / فالتفَّ مُنتَظم مِنهُ بمنتِثرِ
فَما نكرنا مِنَ الطَيفِ المُلِمِّ بِنا / ممن هَويناهُ إِلّا قِلَّةُ الخَفرِ
باتَت تُبيحُ لَنا ما لا تَجود بِهِ / مِنَ الرِضابِ اللَذيذ البارِد الخَصرِ
فثرت أَعثر في ذيل الدُجى ولهاً / وَالجوُّ رَوضٌ وَزهر الشيب كالزَهرِ
وَللمجرَّة فَوقَ الأَرضِ مُعتَرِضٌ / كَأَنَّها حَبَبٌ يَطفو عَلى نَهَرِ
وَلِلثُّرَيّا رُكود فَوقَ أَرحلنا / كَأَنَّها قطعة مِن جلدة النَمِرِ
وَأَدهم الليل نَحو الغَرب مُنهَزِمٌ / وَأَشقَرُ الفَجرِ يَتلوهُ عَلى الأَثَرِ
كَأَنَّ أَنجمه وَالصبح يغمضها / قَسراً عيون غفت مِن شِدَّةِ السَهَرِ
فَرَوَّع السِربَ لما ابتل أَكرعه / في جَدوَلٍ مِن خَليج الفَجرِ مُنفَجِرِ
وَلَو قدرت وَثوب اللَيلِ مُنخَرِقٌ / بِالصُبحِ رَقَّعته مِنهُنَّ بِالشَعَرِ
قالَت أَأَنساكِ نَجداً حُبُّ مطَّرفٍ / فَقُلت خُبرُكِ يُغنيني عَن الخَبَرِ
أَخَذتِ طَرفي وَسَمعي يَومَ بَينِكُمُ / فَكَيفَ أَهوى بِلا سَمعٍ وَلا بَصَرِ
وَقَد أَخَذتِ فُؤادي قَبلُ فاطَّلعي / هَل فيهِ غَيرُكِ مِن أُنثى وَمِن ذَكَرِ
فَإِن وَجدت سِوى التَوحيد فيهِ هَوىً / إِلّا هَواكِ فَلا تُبقي وَلا تَذَري
حَكَّمَت حُبَّكِ في قَلبي فَجارَ وَمَن / يَقنَع بِحُكمِ الهَوى في قَلبِهِ يَجرِ
بَيضاء تَسحَبُ لَيلاً حُسنَهُ أَبَداً / في الطُولِ مِنهُ وَحسن اللَيلِ في القِصَرِ
يَحكي جنا الأُقحوان الغضّ مَبسِمُها / في اللَون وَالريح وَالتَفليج وَالأَشَرِ
لَو لَم يَكُن أُقحُواناً ثَغرُ مَبسِمِها / ما كانَ يَزداد طيباً ساعَة السَحرِ
لَها عَلى الغيد فَضل مِثلَ ما فَضُلَت / كَفّا الرَئيس أَبي عَمروٍ عَلى المَطَرِ
وهبه بارهما في غُزرِ نيلهما / فَهَل يباريهما في الجودِ بِالبِدَرِ
ذو صورة أَفرَغ الرَحمن صيغتها / في قالِب المَجدِ لا في قالِب البشرِ
وَماء وَجه ينِّبي عَن صَرامَتِهِ / إِن الفرند دَليلُ الصارِمِ الذَكَرِ
بَحرٌ وَلَكِنَّهُ تَصفو مَوارِده / وَالبَحر مُنبَعِث بِالصَفوِ وَالكدرِ
لا تنكرَنَّ نَفيساً من مَواهِبِهِ / فَلَيسَ ينكر قَذفُ البَحرِ بالدُرَرِ
صَعب الأباء ذَلول الصَفح مُبتَعِدُ / المحلِّ داني النَدى مُستَحكِم المَرَرِ
يا مَن يَروم لَهُ شُبهاً يُشاكِلُهُ / لَقَد طلبت مَحالاً لَيسَ في القَدَرِ
إِن كُنتَ تَطلُب بَحراً لا يَغيض فزر / مُحَمَّد بِن الحُسَين الآن أَو فَذرِ
فَمَجدِهِ وَنداه المحض في حَضَرٍ / وَماله وَثَناهُ الغضُّ في سَفَرِ
يَزيد مَعروفه بالسَترِ منزلة / كما يَزيدُ بَهاء الخود بالخفرِ
تَرى مياه النَدى تَجري بأنملة / تَرَقرَقَ الماءِ في الهِندِيَّةِ البترِ
عَرَفتُ أَباءه الشمُّ الكِرام بِهِ / كَذاكَ يَعرِف طيب الأَصلِ بالثَمَرِ
قَوم علوا وَأَضاؤوا الأُفق واتصلت / أَنواؤهم كفعال الأَنجم الزُهُرِ
مَضوا وَأَهوى عَلى آثارهم خلفاً / وَالسُحب مبقية لِلروض وَالغَدرِ
قَد كنت أَهواه تَقليداً لمِخبره / فصرت أَهواهُ بِالتَقليد وَالنَظر
وَكنت أُكبِرُهُ قَبلَ اللِقاء لَهُ / فازددت للفرق بَينَ العين والأَثَرِ
لا غرو إِن سمح الدهر البَخيل بِهِ / فَطالَما فاضَ ماء النَهرِ مِن حَجَرِ
جادَ الزَمان فأعطى فَوقَ قيمَته / وَرُبَّما جادَت الأَصداف بِالدُرَرِ
يحل مِن كُلِّ مَجد شامِخٍ وَسَطاً / توسط العين بَينَ الشفر وَالشفرِ
لَولاهُ لَم يَقضِ في أَعدائِهِ قَلَم / وَمخلب اللَيث لَولا اللَيثُ كالظُفُرِ
فيهِ المُنى وَالمَنايا كالشُجاع بِه / الدِرياق وَالسُمّ جمُّ النَفع وَالضَرَرِ
ما صَرَّ إِلّا وصلَّت بيض أَنصله / في الهام أَو أطَّتِ الأَرماح في الثَغرِ
وَغادَرَت في العِدى طَعناً يَحف بِهِ / ضَرب كَما حَفَّت الأعكان بِالسررِ
يا رَبَّ مَعنىً بَعيد الشأوِ أَسلُكُهُ / في سلك لَفظ قَريب الفَهمِ مُختَصَرِ
لَفظاً يَكون لعقد القَول واسِطَة / ما بَينَ مَنزِلَة الأَسهاب وَالحصرِ
إِنَّ الكِتابة سارَت نَحوأَنمله / وَالجود فالتَقَيا فيهِ عَلى قَدرِ
تَردُّ أَرماحه الأَقلام صاغِرَة / عَكساً كَعَكسِ شعاع الشَمسِ للبصر
يَجلو بَياض المَعاني سود أَحرُفِها / إِنَّ الظَلام لَيَجلو رونَق السَحَرِ
وَفي كِتابِكَ فاعذر من يهيم بِهِ / مِنَ المَحاسِن ما في أَحسَن الصُوَرِ
يتركن صَفحة شمس الطرس ساحَته / نَمشاء تحسبها من صفحَةِ القمر
الطِرسُ كالوَجهِ وَالنونات دائِرَة / مِثلَ الحَواجِبِ وَالسينات كالطُررِ
تَحكي حروفك لا مَعنى مواقعها / وَلَيسَ كل سَواد أَسودَ البصَرِ
وَلَيسَ كل بَياض بصَّ أَسوَدِهِ / فيما سِوى العينِ مَعدوداً مِنَ الحورِ
وَلا يُعُدّان في عَينِ امرىءٍ حَوَراً / إِلّا إِذا اجتَمعا فيهِ عَلى قَدَرِ
فَرَّغتَ نَفسَكَ للأَحرار تَغرِسُهم / وَهَمُّ غَيرِكَ غرس النَخلِ وَالشَجرِ
لَمّا وَطئت دِمَشقاً بيع ما وطئت / رِجلاك مِنها بِسعر العَنبَر الذَفرِ
وَهَذِهِ صِلَةٌ لا يَشعُرونَ بِها / أَجَدَت حَتّى بِوطء الرِجل في العفرِ
من جود كَفِّكَ جاد الأَكرَمونَ نَدىً / وَالشَمسُ مِنها ضِياء الأَنجم الزُهرِ
فمن تَجِد مِنهُم يَمدحك مادحه / وَالمَدح في أَرَجِ النَوار للمطرِ
وَكُلَّما شَحَّ أَهل الأَرضِ زِدتَ نَدىً / بظلمة الدُهم تَبدو زينة الغُرَرِ
أَما العِراقُ فَيَثني جيد مُلتَفِتٍ / شَوقاً إِلَيكَ وَيَرعى لَيلَ مُنتَظِرِ
لا زِلتَ في معزل عَن كُلِّ نائِبَةٍ / مُسَلَّماً من صُروفِ الدَهر وَالغِيَرِ
ما جَنَّ ليل وَلاحَ الصُبحُ يتبعه / وَما تَرَنَّمتِ الأَطيار في السَحرِ
خَليليَّ هَل مِن رَقدَةٍ أَستَعيرَها
خَليليَّ هَل مِن رَقدَةٍ أَستَعيرَها / لَعَلّي بِأَحلام الكَرى أَستَزيرُها
وَلَو علمت بِالطَيفِ عاقَته دونَنا / لَقَد غبطت بُخلاً بِما لا يَضيرها
إِذا انتقبت أَعشى النَواظِرَ وَجهُها / ضِياءً وَإِشراقاً فَكَيفَ سُفورُها
فَما فقرها نَحو السُتورِ وَإِنَّما / يَردُّكَ عَنها نورها لا سُتورُها
ليهنَ مروطَ الخُسُروانيِّ إِنَّهُ / يُباشِرُ مِنها بِالحَرير حَريرُها
هَلالِيَّة الأَنساب وَالبعد وَالسَنا / فَلَستَ بِغَيرِ الوَهمِ إِلّا تَزورُها
يَحِفُّ بِها في الظَعن مِن سِرِّ عامِرٍ / بدورُ دُجى هالاتُهن خُدورُها
إِذا زيَّن الحليُ النِساءَ فَإِنَّهُ / يُزَيِّنُهُ أَجيادها وَنُحورُها
وَإِنَّ بِقَلبي نَحوَهُنَّ لَغُلَّة / يقوِّم معوَجَّ الضُلوعِ زَفيرُها
نزلن بروض الحَزن فابتَسمت لَها / ثُغورُ أَقاحي الرُبا وَثُغورُها
وَفَّتح در الطَل أَجفان زهره / تلاحظنا زرقُ العيونِ وَحورُها
فَهَل عِندَ غُصنِ البانَة اللَدنِ أَنَّهُ / يُناسبه أَجيادها وَخصورُها
أَيا مَن لعين لا يَغيض مَعينُها / وَرَمضاءُ قَلب ما يَبوخُ هَجيرُها
إِذا خَطَرَت مِن ذِكرِ حَمدَة خَطرَةٌ / عَلى مُهجَتي كادَ النَوى يَستَطيرُها
وَأَطلُبُ مِنها رَدَّ نَفسي بِكَفِّها / وَهَل رَدَّ نَفساً قَبلَها مُستَعيرُها
وَأَهوى تَداني أَرضها لا لبنية / وَلَكِنَّ قَلبي حَيثُ سارَت أَسيرُها
فطمت فطام الفلو نَفسي عَن الصِبا / فريعت لَها ثُمَّ استَمَرَّ مَريرُها
وسرت وللَّيلِ الأَحمِّ شَبيبَة / عَلى كل أفقٍ وَالصَباحُ قَتيرُها
بِفضلةِ مرقالٍ أَمون كَأَنَّها / يُناط عَلى بَعضِ الأَهِلَّةِ كورُها
تَباري فَتُبري كُلَّ حرف كَأَنَّما / عَلى سُنَّةٍ مِن قَوسِ نَبعٍ جَريرُها
يُخَيَّلُ لي أَنَّ الفَيافي مَصاحِفٌ / وَداميَ آثار المطيِّ عُشورُها
هَداهنَّ في الظَلماء مِن دَولَة الهُدى / وَدَولَةٌ طيٍّ شَمسُها وَمُنيرُها
كتبنا عَلى أَعناقِها وَخُدودها / حَرامٌ إِلى غَيرِ الأَمير مَسيرُها
نَفيس عَطاياهُ وَلَيسَ بِواهِبٍ / نَفائِسُ هَذا الدُرِّ إِلّا نُحورُها
لَهُ مَنطِق ينبيك عَن بأسِهِ كَما / يدلُّ عَلى بأس الأسود زَئيرُها
فَللبيضِ وَالجَدوى بطون بَنانه / مَغاً وَلتقبيل المُلوك ظهورُها
وَلَو أَنَّ تَقبيلاً محا الكَفَّ لانمحت / بِراجم كَفَّيه وَبانَ دُثورُها
تُقرُّ لَهُ بالسَبقِ طي وَإِنَّهُ / ليسبق أَجواد الرِجال حَسيرُها
فأشرف أَعضاء الرِجال قلوبها / وَأَشرَفها إِن قَبَّلته ثُغورُها
يُقَلِّدُها طوق العَطايا فَإِن نبت / عَن الشُكرِ عاد الطَوق غِلاً يُديرُها
وَيصغر كل الناس في جَنب طيىءٍ / وَيصغر في جنب الأَمير كَبيرُها
وَكُلُّ جَوادٍ سَيدٍ غَيرَ أَنَّهُ / يُقَصِّرُ عَن بَحرِ العَطايا غَزيرُها
إلا إِن وَجهَ المَجدِ طيٌّ وعينه / كرام عَنين وَالمُفَرِّج نورُها
وَقَد كانَ أَولاها يَطول بِحاتم / كَما بأبي الذَواد طالَ أَخيرُها
فلوقيس أَهل الأَرض دَع عَنكَ حاتِماً / بخِنصِرِه أَربى عَليهِم عَشيرُها
فَإِن كُنتَ مُرتاباً بِقَولي فَهَذِهِ / مَواهِب كَفَّيهِ فَأَينَ نَظيرُها
إِلّا إِنَّ لِلعَلياء وَالمَجد كِتبة / تَلوحُ عَلى وَجهِ الأَميرِ سُطورُها
وَلا دَولَة إِلّا وَيَهتَز تاجها / وَيرتَجُّ مِن شَوق إِلَيهِ سَريرُها
وَتَختال أَعوادُ المَنابِر باسمه / وَيطرب تيهاً بالخَطيب وَقورُها
وَللعرب العرباء مِنهُ مَعاقِل / تُطلُّ عَلى الشِعرى العبور قُصورُها
شَرائفها زرق الأَسنة وَالقَنا / دَعائمها وَالطَعن وَالضَرب سورُها
بِعِزِّ أَبي الذَوّادِ عِزَّ ذَليلها / وَذَلَّت أَعاديها وَسَدَّت ثغورها
إِذا قيلَ في الهَيجاء هَذا مفرجٌ / فَأَنجبُ فُرسان العداة فَريرُها
تفر الأَعادي باسمه قَبلَ جِسمِهِ / وَهمهمة الأَسَد الضَواري زَئيرُها
يَزينُ دَم الأَبطالِ أَكتاف درعه / كَما زانَ أَثواب العَروسِ عَبيرُها
وَيفري بيمناه الكَليل مِن الظُبى / وَيَزداد طولاً في يَدَيهِ قَصيرُها
كَذا اللَيثُ يفري كل ظَهر بِكَفِّهِ / فَيَنبو بِكَفّي من سواه طَريرُها
وَما ذَكَّروا الأَسياف إِلّا لِغَيرِهِ / إِذا لَم يؤَيد بِالذكور ذُكورُها
يَخوض بِهِ زُرق الأَسِنَّة سابِق / عَلى مِثلِهِ خَوض الوَغى وَعُبورُها
شمال إِذا وَلّى جَنوبٌ إِذا أَتى / وَإِن يَعتَرِض فَهوَ الصَبا وَدُبورُها
يَرضُّ الحَصى مِنهُ حَوام كَأَنَّما / مَناسِر أَفواه النُسور نُسورُها
لَقَد ضاعَ أَمرٌ لا يَكون يديره / وَأَنساب مَجد لا يظل بغيرها
وَضَلَّت جُيوش لا يَكون أَميرها / لَدى الرَوعِ أَو تؤتى إِلَيك أُمورُها
فَإِنَّكَ ما انسلَت إِلّا أَجادِلاً / تُخطِّف خِزّانَ المُلوك صُقورُها
فَعُدتَ بمرصاد لِكُلِّ فَضيلَةٍ / فَلا رتبة إِلّا إِلَيكَ مَصيرُها
وَكَيفَ يَفوت المجد أَبلَجَ عَرَّقَت / شُموس العُلى في أَصلِهِ وَبدورُها
أَبى عز طي أَن تقبل مِنَّة / لِغَيرِكَ أَو يحدا لغيرك عيرُها
فهم مِثلَ أَشبا الضَراغِمِ لَم يَكُن / لِيُطعِمَ إِلّا ما يَصيد كَبيرُها
لِكُلِّ امرىءٍ مِنهُم مِنَ المَجدِ رُتبَةً / عَلى قَدرِها أَو خِطَةَ تَستَديرُها
فَيَلقاكَ بِالجودِ الجَنيِّ غَنيّها / وَيَلقاكَ بالوَجهِ الطَليق فَقيرُها
تَفيض عَلى العِلّاتِ ماءَ جِنائِها / وَماء أَيادِيها عَلى مَن يَزورُها
تُباشِر بالأَضياف حَتّى كَأَنَّما / أَتاها مَع الضَيف المُنيخِ بَشيرُها
إِذا ضاقَ صَدرُ المجتَدي أَو فَناؤُهُ / فَقَد رَحُبَت ساحاتها وَصُدورُها
هيَ الأُسدُ لكن يأمَن الغَدر جارها / وَلا يأَمَن الأَساد مَن يَستَجيرُها
تنافِس في عِزِّ المَعالي كَأَنَّها / عَقائِل لَكِنَّ العَطايا مُهورُها
وأحييتَ بالآلاءِ أَموات طيىءٍ / بِذِكرِك مِن قَبل النُشورِ نُشورُها
أَرى المَجدَ إِنساناً وَقَحطان قلبه / وَسَوداؤهُ طيٌّ وَأَنتَ ضَميرُها
تُعاتِبُ سُعدى أَن تنقَّل دارَها
تُعاتِبُ سُعدى أَن تنقَّل دارَها / وَأَيَّة شَمسٍ يَستَقرُّ قَرارَها
أَعارَتك سَقم الجفن وَالجفن ضامِن / مَحاسِن أُخرى جَمَّة ما يُعارها
يمقلتها يَقضي غِرارٌ مِنَ الكَرى / وَما يٌقطَعُ الأَسياف إِلّا غِرارها
إِذا نَزَلتَ أَرضاً أَضاءَت بِوَجهِها / فَسيّانَ مِنها لَيلُها وَنَهارُها
كَواكِب لَكِنَّ الحدوج بروجها / بُدورٌ وَلَكِنَّ الخُدور سِرارُها
تَأَلَّقُ مِن تَحتِ النِقاب كَأَنَّما / يلاث عَلى شَمس النَهار خِمارُها
يَضُمُّ قَضيباً مِن أَراكٍ وِشاحِها / وَيَضمَن دِعصاً مِن زَرودٍ إِزارُها
إِذا انتقبت أَعشى النَواظِرَ وَجهُها / ضِياء وَإِشراقاً فَكَيفَ انسفارها
فَلا تعذلا في حُبِّها إِنَّ حُبَّها / سلافة خَمرٍ وَالحَنين خُمارُها
جَرَحتُ بِلَحظي خَدِّها فَتَعَمَّدَت / فُؤادي فأصمَته وَذاكَ انتِصارُها
فَدَعها وَقَتلي إِنَّها مِن قَبيلَةٍ / إِذا وَتَرَت لَم يُمطِل الدَهر ثارُها
إِذا نَزَلَ الأَضياف كاسَت عَقيرها / وَدارَت بِلا ذَنب كؤوس عُقارُها
بَكيتُ فَحَنَّت ناقَتي فَأَجابَها / صَهيل جوادي حينَ لاحَت دِيارُها
خططنا بأطراف الأَسِنَّةِ أَرضها / فأهدَت إِلَينا مِسك دارين دارُها
وَلاحَت ثَنايا الأُقحوانِ وَلَو رأت / ثَنايا الَّذي أَهواه طال استِتارُها
وَإِنّي وَإِن عاصيت في بيشة الهَوى / ليعجبني غُزلانها وَصوارُها
وَيعجبني جثجاثُها وَعَرارُها / وَحنوتُها أَو شيحُها وَبهارُها
أَرى الحُبَّ ناراً في القُلوبِ وَإِنَّما / يصعِّد أَنفاس المحب شرارُها
تَوَقَّ عُيون الغانِيات فَإِنَّها / سُيوف وَأَشفار الجُفون شِفارُها
نفرن وَقَد عاينَّ شَخصيَ وَالمَها / إِذا أَبصرت لَيثاً تَمادى نِفارها
بِنَفسي طيف جاد وَهناً بِمَوعِدٍ / غُرور وَقَد خاضَ الجُفونَ غِرارُها
أَلَمَّ وَرَحلي في فِناءينِ أَخصَبا / بِحَيث غُصونِ المَجدِ تَجنى ثِمارُها
وَهَل للمنى إِلّا أَبو الفَضلِ كعبة / يَكونُ إِلَيهِ حَجُّها واِعتِمارُها
تَخَيَّرتُهُ إِن الكِرام مَناهِلٌ / وَما يَستَوي غُدرانها وَبِحارُها
فَقَبَّلتُ إِذ عاينته خُفَّ ناقَةٍ / حباني بِهِ تهجيرها وابتِكارها
تعرَّق رَحلي ظَهرِها فَكَأَنَّما / تَضَمَّن مِنهُ ذا الفِقارِ فِقارها
وَزنَّاه بِالدُنيا فَزادَ وَإِنَّما / يُبَيِّنُ أَقدار الرِجال اختِبارُها
وَما يَعرف الإِنسان إِلّا بِغَيرِهِ / وَما فضلت يُمناك لَولا يَسارُها
أَقَلَّت ثراه همة يَمنيَّة / إِذا زارَت العيوق طالَ انحِدارها
لَهُ ماءَ وَجهٍ مُخبِرٍ عَن مَضائِهِ / وَرَونَق ماء الماضِيات غِرارُها
يَخاف عَداه سيفه وَلِسانِهِ / وَيُرهِب أَنياب الليوث وزارُها
صِلاتُ يَدَيه كالصَلاة فَتَركُها / ذنوب لَدَيهِ ما يُرجّى اغتِفارُها
سَجيَّة نَفسٍ بَينَ جَنبيه حُرَّة / تُباحُ أَياديها وبحمى ذمارِها
تَرى جودها بُخلاً بدون حَياتِها / فَيأتيكَ مِنها نَيلُها واِعتِذارُها
وَلو جَرَّ نَفعاً دفعه النَفس لَم يَكُن / عَلى مالِها دونَ الحياةِ اقتِصارُها
وَيُنجِز نعماه فَتَصفو وَرُبَّما / يُكَدِّر نُعماءَ الجَواد انتِظارُها
وَيحقر ما يُبدي فيعظم قدره / إِلّا إِنَّ تَعظيم الأَيادي احتِقارُها
وَإِن عَرَّسَت أَسيافه في معرسٍ / مِنَ الحَربِ أَمسَت وَالرؤوس نِثارُها
حَكى دَعفَلاً في بأسِهِ وَنَواله / كَما يَتبَع الخيل الجِياد مهارها
إِذا طالَت الآجال في حومَة الوَغى / فَفي شَفرَتي ما يَنتضيه اختِصارها
وَإِن عدلت عَنه العلى نَحوَ غَيرِهِ / وَحاشاه أَلجاها إِلَيهِ اضطِرارُها
يَحوز المَنايا وَالمنى مِنه أَنمِلٌ / طِوال القَنا تَزهى بِها وَقِصارُها
حَمَّيته أَسر بِهِ يثبت الوَغى / وَإِقدامه قطب عليه مَدارُها
وَيَرضاه ضَحضاح المَنيَّة خائِضاً / وَيَشكوهُ في بحر الثَناءِ غِمارُها
وَمَعرَكَة لِلنَّقعِ وَالطَير فَوقَها / سَحائِب لَكِنَّ النَجيع قِطارُها
سَماءٌ نعال الخيل فيها أَهِلَّة / وَلَكِنَّها لا تَستَدير صِغارُها
وَقَد أَلبس الفرسان مِن دكن نَسجِهِ / غَلائِل مِن فوق الدُروعِ غُبارُها
حَلَفتَ بِصدر الرُمح في صَدرِ كَبشِها / فَما مَيَّزَ الأَفواهَ عَنهُ خُوارُها
فَغَصَّت بِصَدرِ الرُمح ثغرة نَحرِهِ / كَما غَصَّ يَوماً بِالذِراعِ سِوارُها
وَضَمَّ الدَم المَسفوح أَرجاء درعه / كَما ضَمَّ أَرجاء السَفينَة قارُها
يَرُدُّ سِنان الرُمح مقلة أَزرَقٍ / بِها رَمَدٌ يَشتَد مِنهُ احمِرارُها
فَدتك رِجالٌ تحذر الفقر في النَدى / وَفي البُخلِ فَقرٌ لَيسَ مِنهُ حِذارُها
شَهِدنا لطيٍّ أَنَّهُ خَير عُصبَة / وَصَحَّ لَنا أَن الأَمير خيارُها
وَلَم أَرَ أُسدا غَيرَ آلُ مُفَرِّجِ / تَرَجّى عَطاياها وَيؤمِن زارُها
إِذا أَبرَمَت أَمراً فَلِلجودِ أَمرها / وَإِن هيَ لَم تُبرَم فَفيهِ اشتوارُها
جِبالُ حَلومٍ أَثقَلَ الحلم سَمعها / عَن اللَغوِ حَتّى قيلَ وقَرٌ وَقارُها
وَمِن شأنها إِسرافها في عَطائِها / فَإِن قيلَ ذا عارٌ فَذَلِكَ عارُها
غَدا بِنجوم السَعد مِن شدَّ رَحله / إِلَيكَ وَإِن باتَت وَشَطَّ مَزارُها
وَأحمد في مَدحيك وَالمَدح حلية / صياغتها منّي وَمِنكَ نُضارها
وَقَد يَمدَح الناس النُجومَ لِضوئِها / وَإِن كانَ مِن شَمس النَهار امتيارها
معين النَدى عالي المَدى وآكف الجَدا / مَريق الدِما وَالحَرب تسعر نارُها
وَلّى وَلَم يَقضِ مِن أَحبابِهِ وَطراً
وَلّى وَلَم يَقضِ مِن أَحبابِهِ وَطراً / لَمّا دَعاهُ مُنادي الشَوق وَلا وزَرا
قَد كانَ يَكذِب أَخبار النَوى أَبَداً / فالآن صَدَّق خَبَر الرِحلَة الخَبَرا
كَم عاهَدَ الدَمع لا يُغري بجريت / هِ الواشي فَلَمّا استَقَلَّت ظَعنَهُم غَدرا
وَلِلمُحِبِّ شَهيد غير مكتتمٍ / مِن مقلتيه أَسَرَّ الحُبَّ أَو جَهرا
وَفي الهَوادِجِ ريم لَو عصرت ضَحىً / ماء النُضارَةِ مِن خَدَّيهِ لا نعصرا
هَيفاء فاتِرَة الأَلحاظ مُقلَتِها / وَأقتُل اللَحظ للعشاق ما فَتَرا
إِن كُنتَ مِمَّن لَهُ في نَفسِهِ أَربٌ / فامنَع جُفونك يَوم المَوقف النَظَرا
مَرَّت بِنافيه أَعرابيَّة فتنت / بِالحُسنِ مَن حَجَّ بيت اللَهِ وَاِعتَمَرا
تَرمي الحَجيج فَتصميهم وَيرشقها / راميهمُ فَيولّي سَهمَه هَدرا
تَرمي الجِمارَ فَتُذكي في قُلوبِهِم / جَمراً تَكون لَهُ أَنفاسهم شَررا
رَمَتكَ واِستَتَرَت في خَدرِها وَكَذا / القَنّاص إِن رامَ رَميَ الأبدِ اِستَتَرا
فَرُبَّ صبٍّ تَمَنّى أَنَّهُ حَجر / في البَيتِ حينَ أَكَبَّت تَلثم الحَجرا
إِنَّ الحِجاز سَقاها اللَهُ غادِيَة / أَرض مولدة في الأَعيُن الحَورا
سَل اللَياليَ هَل أَعطى القِياد وَهَل / جَرَّدن مِنّيَ الأَصارِما ذَكَرا
عَضباً يَزينك بَينَ القَومِ مَلبَسِهِ / وَإِن ضربت بِهِ في معرك بَترا
كُن مِثلِ دَهرِكَ إِن حارَبتَهُ أَبَداً / إِن يَستَقِم فاستَقِم واعثُر إِذا عَثَرا
وَإِن صَفا لَكَ لَون الدهر فاصفِ لَهُ / وَإِن تلوَّن أَلواناً فَكُن نَمِرا
واجعَل أَبا طاهِر مِن كُلِّ نائِبَةٍ / جاراً تَجِدهُ مِنَ الأَيام مُنتَصِرا
لا تَطلُبِ الجودَ إِلّا مِن أَنامِلِهِ / وَكَيفَ يُطلَبُ بَعدَ الرؤيَة الأَثَرا
أَغر لو لمست كَفّاه جَلمدة / صَلداً لأنبع في أَقطارِها نَهَرا
تعودت كفّه بَذل النَوال فَلَو / أَرادَ تَحويلها عَن ذاكَ ما قَدِرا
فَقَد وصلت بآمالي إِلى مَلِكٍ / تَعنو المُلوك لَهُ فَضلاً عَن الأَمرا
لأَنَّ راحَتَهُ بَحرٌ فَلَيسَ لَها / رَدٌّ ومن ذا يَرُدُّ البَحر إِن زَجَرا
بَحرٌ وَلَكِنَّهُ صافٍ موارِده / والبحر تَلقى لديه الصَفوَ وَالكَدَرا
لا تُنكرَنَّ نفيساً مِن مَواهِبهِ / فالبَحر مِن شأنِهِ أَن يَلفُظَ الدُرَرا
ينبيك عَن جود كفَّيه تبَسُّمه / وَالبَرق عادَته أَن يَقدُم المَطَرا
قَد وافَقَ الفلك الدَوّار بغيته / وَحالَف النَصر وَالتأييد وَالظَفرا
لَو لَم يَفِد سفري ذا غير رؤيَته / لَكُنتُ أَربحَ مِن فَوقَ الثَرى سَفَرا
تَعنو لأبلَجَ طلق فَوقَ غُرَّتِهِ / تاج مِنَ النور يَعلوهُ إِذا سَفَرا
إِذا تَبَدّى نَهاراً خلت غُرَّتُهُ / شَمساً وَإِن لاحَ لَيلاً خلته قَمَرا
مَلكٌ إِذا عِشتُ مختَصّاً بَحَضرتِهِ / يَوماً عدلتُ بِهِ مِن عيشَتي عُمُرا
جيوشه زمراً غاراته ظفراً / أَنضارِهِ غرراً أَتباعه أَمرا
تعدي السُيوف بِيُمناهُ صَرامته / فَلو أَشارَ بِنابي الشَفرَتين برا
تلقى الكَهام إِذا ما كانَ حامِلَهُ / صِمصامَةً ذكراً صِمصامَةٌ ذكرا
قَد زادَ شِعريَ حسناً أَنَّني رَجُل / نظمت من وصفه في الشعر ما نُثِرا
فَكانَ شِعريَ سلكاً في فَضائِلِهِ / نطمتُهُنَّ وَكانَت فَوقه دُرَرا
يَجُلُّ جواداً سِواهُ عِندَنا فَإِذا / قِسنا بِهِ شُعبَةً مِن جودِهِ قَصرا
إِذا غَدا المدح في وَصفِ امرىءٍ غُرَراً / غَدَت مَناقِبُهُ في مَدحِهِ غُرَرا
قَد جَلَّ جودك قَدراً بَل عَلا شَرَفاً / مِن أَن تُقاسَ إِلى الأَشباه وَالنُظرا
أَقَلُّ قدرك أَن تدعى الأَميرُ كَما / أَقَلُّ قَدريَ أَن أَدعى مِن الشُعَرا
فليهن دجلة إِنَّ البحر جاورها / وَليَسحَبِ القصر ذيلَ التيه إِن قدرا
فالقَصر قَد حاطَه بَحران دجلته / بَحرٌ وَكَفَّكَ بَحر يَقذِف الدُرَرا
إِن كُنتَ أَشرَعتَ باباً أَو فَتَحتَ فَكَم / فَتَحتَ في المَجدِ باباً يُدهِشُ البَشرا
وَغير مُستَنكِر ذا في علاك وَلَو / كانَ المَساميرُ مِنهُ أَنجماً زهرا
فَأسعَد بِهِ فَلَو أَنَّ الدَهر أَنصَفَهُ / لَأُلبِسَت حافَتاهُ الشَمس وَالقَمَرا
لَو أَنَّ ذا العَرشِ لَم يَختِم نُبوَّتِهِ / حَتماً لأَنزَلَ في تَفضيلك السُوَرا
قَضى الإِلَهُ لَكَ الحُسنى وَقَدَّرَها / ومن يَردُّ قَضاء اللَهِ وَالقَدَرا
كَم جُبتُ نَحو عُبيد اللَه مِن بَلَدٍ / لَولاهُ لَم أَعتَسِفهُ طالَ أَم قَصُرا
وَلَم تَكُن آمِدٌ وَاللَهُ يَحرُسُها / داري وَلَم تَكُ خَيلي تألَف الحَضَرا
وَكَم تَعَسَّفت في قَصديه مِن خَطَرٍ / لا يبلغ المَجدَ مَن لا يَركَبُ الخَطَرا
لَو أَنَّهُ جاد بِالدُنيا بأَجمَعِها / لسائل لاستَحى مِن ذاكَ واِعتَذَرا
وَمَن يَكُن مثله في بَعدِ هِمَّتِهِ / يَرى العَظيم مِنَ الأَشياءِ مُحتَقَرا
نَفديهِ ما أَشرَقَت شَمسُ النَهارِ ضُحىً / وَجَنَّ لَيلٌ وَلاحَ الصُبحُ فاِنفَجَرا
أَتِلكَ حدوج أَم نجوم سَوائِرُ
أَتِلكَ حدوج أَم نجوم سَوائِرُ / وَتِلكَ غوانٍ بَينها أَم جآذِرُ
بدور دهاهن الفِراق فَجاءَة / وَقَد يَفجأ الإِنسان ما لا يُحاذِرُ
تَهيم بِبَدرٍ وَالتَنَقل وَالنَوى / عَلى البَدرِ مَحتوم فَهلأ أَنتَ صابِرُ
لَهُ من سَنا الفَجر المورَّدِ غرَةٌ / وَمن حَلَكِ اللَيلِ البَهيمِ غَدائِرُ
أَلَم تَرَ خَيلي وَالنُجومُ كَأَنَّها / عَلى غَسَقِ اللَيل النُجوم الحَوائِرُ
فثرنَ إِليَّ مِثلَ ما ثارَ لِلهُدى / وَدولته داع إِلَيهِ وَناصِرُ
يَنالُ مِنَ الأَعداءِ خَوف أَبي النَدى / وَهيبته ما لا تَنالُ العَشائِرُ
إِذا ما تَبَدّى لِلمُلوك تَناثَرَت / عَلى بَسطِها تيجانها وَالمَغافِرُ
تَخرُّ لَهُ الأَملاك إِن بَصَروا بِهِ / سُجوداً وَلَو أَنَّ القَنا مُتشاجِرُ
وَتلثم بَعدَ الأَرض مِنهُ أَنامِلاً / إِذا التَطمَت قَبلَ البحار الزَواخِرُ
بنان بِها أَلقى مَراسيهُ النَدى / مُقيماً كَما أَلقى عَصاهُ المُسافِرُ
هوَ المَلِكُ البَحرُ الَّذي قيلَ في الوَرى / فَإِن لَم أُجاوِرُهُ فمن ذا أُجاوِرُ
فَأَلقيت رحلي مِنهُ عِندَ موفَّق / بِجود بِما يَهوى وَما هوَ ذاخِرُ
بَعيد المَدى داني النَدى واكف الجَدى / لَهُ كرم ثاوٍ وَمجدٌ مُسافِرُ
أَصابَ العُلى في أَوَّلِ الأَمرِ إِنَّما / يُصيب بأولاها الرِماحُ الشَواجِرُ
إِذا الرُمح لَم ينفك أَولى كعوبه / لَدى الرَوع لَم تنفعك مِنهُ الأَواخِرُ
هوَ الطاعِن النَجلاء لا يبلغ أَمر / مَداها وَلَو أَنَّ الرِماح مُسابِرُ
تَراهُ كَأَنَّ الرُمح سلك بِكَفِّهِ / غُداة الوَغى وَالدارعون جَواهِرُ
يَردُّ أَنابيب الرِماح سَواعِداً / وَمن زَرَدِ الماذيِّ فيها أَساوِرُ
لَها بَين أوداجِ الكماة مَوارِدُ / وَبَينَ صُدور المارِقينَ مَصادِرُ
تعمَّد حَبّات القُلوبِ كَأَنَّما / خَواطِرَها عِندَ القُلوبِ خَواطِرُ
يُلَبيهِ من آل المفرج إِن دَعا / أسود لَها بيض السُيوفِ أَظافِرُ
وَأَولاده شَمس الدِين مِنهُم كَواكِباً / وَحسان بَدر في الكَواكِب ظاهِر
رَأَيتُهُمُ عقداً وَلَكِن أَبو النَدى / بِمَنزلة الوسطى وكل جَواهِرُ
حَكوا شمس دينِ اللَهِ بَأساً كَما حَكى / أُسود الشَرى أَشبالهن الخَوادِرُ
تَراهُ لِقَرع البيضِ بالبيضِ مُصغِياً / كَأَنَّ صَليلَ الباتِراتِ مَزاهِرُ
تَوَسَّط طياً نسبةً وَمَكارِماً / كَما وَسِطَت حُسن الوجوهِ النَواظِرُ
وَحَفَّت بِهِ الأَرجاء مِن كُلِّ جانِبٍ / كَما حَفَّ أَرجاء العيونِ المَحاجِرُ
فَما ماتَ طائي وَحَسّان خالِد / وَلا غابَ مِنهُم غائِبٌ وَهوَ حاضِرُ
وَكانَ لَهُم مِن جودِ كَفَّيه أَوَلٌ / فَصارَ لَهُم مِن جودِ كَفَّيك آخِرُ
وَلَو راءَ ما يبنيه حاتِم طَيِّها / لَقالَ كَذا تَبنى العُلى وَالمآثِرُ
بِسَيفك نالَت طيىءٌ ما لَو أَنَّها / تَمَنَّتهُ لَم تبلغ إِلَيها الضَمائِرُ
وَعَلَّمَها قَتل المُلوكِ وأسرها / فَتىً مِنكَ في صَيدِ الفَوارِس ماهِرُ
وَمن فضل ما خُوِّلَت جادَ بِأَوَلٍ / وَيَبقى مِنَ الشَمسِ النُجوم الزَواهِرُ
فَقَد تَشكُرُ الأَيّام أَنَّكَ زِنتَها / وَما كل مَفعول بِهِ الخَير شاكِرُ
وَما زلت ذُخراً للإِمام وَعُدَّةً / لِكُلِّ إِمامٍ عُدَّةٌ وَذَخائِرُ
فَلَمّا جَرى ما كانَ أَقفرت قلبه / لأَنَّكَ نَفّاع إِذا شِئتَ ضائِرُ
تولى إِماماً ثُمَّ تَعزِل مثله / فَإِن تُدَع مأموراً فَإِنَّكَ آمِرُ
يُشَرِّفُ أَفناء المُلوكِ إِذا بَدَت / لَهُم فيكَ يَوماً ذمة وَأَواصِرُ
وَيُقهر مِنهُمُ مَن يُنازِعُ مُلكَهُ / وَأَولى الوَرى بِالمُلكِ مَن هوَ قاهِرُ
وَيَنصُرُكَ السَيف اليَماني عَليهِمُ / لأَنَّ اليَماني لِليَماني مُضافِرُ
لِذَلِكَ يَمضي في يَديك كَليلها / وَتَنبو بِكَفّي من سواكَ البَواتِرُ
أَحاطَ بِكَ التَوفيق مِن كُلِّ وجهَةٍ / وَجاءَتكَ مِن كُلِّ البِلادِ البَشائِرُ
وَيُلقي إِلَيكَ الأَمر كل خَليفَةٍ / فَقَدِّم وأَخِّر فعل من لا يؤامِرُ
إِذا كرهت أَعداؤُكَ إِسمك وَاِنثَنَت / لَهُ هرباً حَنَّت إِلَيهِ المَنابِرُ
وَما أَنا إِلّا رَوضَةٌ إِن مطرتها / تحوَّل هَذا المَدح أَزهَر زاهِرُ
فَإِن جادَني من جود نعماكَ رائِحٌ / فَقَد صادَني من صوب يُمناكَ باكِرُ
وَإِنّي لأَرجو أَن أَنالَ مِنَ الغِنى / بشعري ما لَم يَحوِهِ قَطُّ شاعِرُ
إِذا ما سَتَرتُ المَدحَ أَثناء مَنطِقي / فَلِلجودِ مِني حينَ يَطويهِ ناشِرُ
فَعِش عُمرَ مَدحي فيكَ إِنَّ مَدائحي / مُخَلَّدَة ما دامَ في الأَرضِ غابِرُ
طلبت العُلى بالجِدِّ وَالجَدُّ بَيِّنٌ / وَحَظُّكَ مِن كُلِّ الفَريقَينِ وافِرُ
كَأَنَّكَ مَغناطيس كل فَضيلَة / فَلا فَضل إِلّا وَهوَ نَحوَكَ سائِرُ
هيَ البَدرُ لِكِن تستر مَدى الدَهرِ
هيَ البَدرُ لِكِن تستر مَدى الدَهرِ / وَكل سِرار البَدر يَومانِ في الشَهرِ
هَلاليَّةٌ نيل الأَهِلَّة دونَها / وَكل نَفيس القدر ذو مطلب وَعرِ
وَمِن دونِها سوران سُورٌ مِنَ النَوى / وَسورٌ مِنَ الأَسيافِ وَالأسل السُمرِ
وَدون ارتِشافِ الريق يَرشف بِالقنا / عَريض الدِماء ماء يُشَبَّه بِالثَغرِ
طَوى طيفها في النَوم نَحوي مَفاوِزاً / مِنَ الأَرضِ تنضي راكِب البَرِّ وَالبَحرِ
فيها لَيلَةً كانَت لَهُ بِسوادها / وَبَهجَتِها كالخالِ في وَجنَةِ البكرِ
لَها سَيف طرف لا يزايل جفنه / وَلَم أَرَ سَيفاً قَطُّ في غمده يَغري
عُيونُ هِلالٍ في القُلوبِ ولحظها / أَحَدُّ وَأَمضى مِن سيوفِهِم البتر
لَها ريقة أَستغفر اللَهَ إِنَّها / أَلَذُّ وَأَشهى في النُفوسِ مِنَ الخَمرِ
أُعانِق مِنها صعدة راعبيَّة / تَرى زَجّها في مَوضِع النظر الشَزَرِ
وَيقصر ليلي إِن أَلمَّت لأَنَّها / صَباحٌ وَهَل لِلَّيلِ بقياً مَع الفَجرِ
أَقولُ لَها وَالعيسُ تحدج لِلنَّوى / أَعدّي لِفَقدي ما استَطَعتِ مِن الصَبرِ
وَقَد كانَتِ الأَجفانُ لِلجزع مَعدِناً / فَصارَت لِفَيضِ الدَمعِ مِن صَدفِ البَحرِ
سَأَنفقُ ريعان الشَبيبَة آنِفاً / عَلى طلبِ العَلياء أَو طَلَبِ الأَجرِ
أَلَيسَ مِنَ الخُسرانِ أَنَّ لَيالياً / تَمُرُّ بِلا نَفَعٍ وَتُحسَبُ مِن عَمري
تَبَدَّل وَجه الأَرضِ مِن كُلِّ وِجهَةٍ / لِيأخُذ بِالتَعبيسِ مِن رَونَقِ البِشرِ
وَقَد كانَ ناونا فَآثَرهُ بِنا / بِذي كَرَمٍ بِالنَفعِ يُنجي مِنَ الضُرِّ
وَقَد كانَ نِجماً واضِحاً كُمُحَمَّدٍ / وَمثل عَلاه أَو خَلائقه الغرِّ
أَغَرَّ لَهُ باع تَقسَّمه العُلى / فَلِليَمَنِ يُمناهُ وَيُسراهُ لِليُسرِ
يَنوطُ نِجادي رَأيه وَحسامه / بِصَدرٍ كَمثل البَحرِ أَو سِعَة البَرِّ
وَيَحلُم عَن ذي الجَهلِ حَتّى كَأَنَّهُ / وَحاشاهُ مِن فَرطِ الوِقارِ أَخو وَقرِ
يُمَيِّزُهُ مِن كُلِّ شبهٍ فَضائِل / شَهرنَ لَه في الأَرضِ كالواو في عمرِو
وَيعرف قَبلَ الخير بِالبشر فَضله / كَما يُعرَفُ الصِمضامَةُ العَضَب بِالأَثَرِ
فَلا تعجبا أَن يَلفظ الدُر قائِلاً / فَلَم يَخلُ بحر زاخر قَطُّ مِن دُرِّ
إِذا جَلَبَ الأَقلام نَحوَ يمينه / فَقَد جلبت مِن شَطِّ بَحرٍ إِلى بَحرِ
يذكِّرُ أَعواد المَنابِرِ جده / وَأَباءه وَالأَمرُ يُذكَرُ بِالأَمرِ
فَلَو أَنَّ أَعواد المَنابِرِ جده / وَأباءه وَالأَمرُ يُذكَرُ بِالأَمرِ
تَبيَّنُ في الطِفلِ النَجابَة مِنهُم / كَما يَستَبين العتق وَالسَبق في المَهرِ
رأيت العُلى تَحتاج أَصلاً وَبيئة / وَهَل يَطبع الدينار إِلّا مِنَ التِبرِ
تَجَرَّد هَذا الدَهر في نَصر أَهلِهِ / وَترك القَضا في كَفِّ خير أَولي النَصرِ
وَنيطَ بِهِ أَمر المَظالِمِ إِنَّما / يَنوطُ أَخو العزم الحَمائِل بِالصَدرِ
فَأَضحى ظَلام اللَيلِ نوراً بِعَدلِهِ / وَهَل لِظَلامِ اللَيلِ نَفع مَع الفَجرِ
وَزَيَّن أَقطارَ البِلادِ بِحُكمِهِ / وَأَحكامِهِ في الأَرضِ كالظَلم في الثَغرِ
بَدأتَ بِأَمرٍ فأته قَبلَ فوته / وَما دمت بَل لا زِلت متمثل الأَمرِ
وَإِنّي وَإِذكاريك أَمري كَقائِل / لهذي النُجوم وَهيَ تَسري أَلا فاسري
رَعاكَ الَّذي اِستَرعاكَ أَمر عِبادِهِ / وَحَيّاكَ مَن أَحياكَ لِلنَّفعِ وَالضُرِّ
لَهُ قَلم يَفري رِقاب عداته / وَهَل مخلب في إِصبَع اللَيثِ لا يَفري
إِذا سحب القرطاس مِن وَقعِهِ بِهِ / تَجَلَّت وجوه الخَطبِ وَالخُطَبِ الغُرِّ
تَجَمَّعَ أَقسام العُلى في كِتابِهِ / فَكانَ العُلى في الكُلِّ وَالشَطر في السَطرِ
الأئِمَة في الجود دعه فَإِنَّهُ / عَلى كُلِّ حالٍ يَعدِل البُخلَ بِالكُفرِ
إِذا لمته في لَج فِعلٍ فَقُل لَنا / أَتَعذِلَهُ بِالدَرِّ في الجود أَم تُغري
أَمُنتَجِعُ الغيث أَنتجع بحر كَفِّهِ / فَما الغَيثُ إِلّا في أَنامِلِهِ العَشرِ
أَمُنتَجِعُ الماء القراح وَهذه / سَحائِبُ تَهمي بِاللُجَينِ وَبالتِبرِ
وَما المَجد إِلّا رَوضَة هوَ زهرها / وَلَيسَ يَروق الرَوض إِلّا مَع الزَهر
عجبت لِهَذا الدَست كَيفَ جَفافه / وَقَد ضَمَّ بَحراً مِنكَ لَيسَ بِذي جَزرِ
وَقالوا لَنا في الدَهر بُخلٌ وَما سَخا / بِمثلك إِلّا أَهل ذا الزمن الحُرِّ
يَنُمُّ عَلَيكَ الفَضلَ في كُلِّ مَوطنٍ / نزلت كَما نَمَّ النَسيم عَلى العِطرِ
فِداؤك حيٌّ مِثلَ مَيتٍ لبخله / يُظَنُّ اقتناء المالِ خَيرٌ مِن الذِكرِ
يَموتُ لَئيم القَومِ مِن قبل مَوتِهِ / وَيقبُرُ مِن قَبلِ الدُخولِ إِلى القَبرِ
فَعِش عُمرَ مَدحي فيكَ إِنَّ مَدائحي / مِنَ الخالِداتِ الباقِياتِ إِلى الحَشرِ
عَلا بِكَ نَجم الدين فاشتَد ناصِره
عَلا بِكَ نَجم الدين فاشتَد ناصِره / وَرَفرَفَ بِالتَوفيقِ وَاليُمنِ طائِرُهُ
تُسايرُكَ العَلياء وَالمَجدُ مِثلَما / يُصاحِبُ شَخصاً طِلَّهُ وَسايرُهُ
طلعت لدين اللَهِ شَمساً تحفّها / غَمائِم جود ما تغبُّ مَواطِرُهُ
فَلا ضَوءُ شَمسُ الدين تَقشع غيمها / وَلا الغَيمُ مِنها مانِع الضَوءِ ساتِرُهُ
لَقَد نَسِيَت طيىءٌ بجودك حاتِماً / وَأَغناهم عَن غايب الفَخر حاضِرُهُ
وَخَوَّلَهم ما يُنبَتونَ بِهِ العُلى / ويَغنَون ما تبقى عَليهم مآثِرُهُ
فمن جاء مِن طييٍّ شكرناك دونَه / لاعطائك الطَولُ الَّذي هوَ ناشِرُهُ
وَمن يرد الغُدران يَرجع ثَناؤُهُ / عَلى المُزن إِنَّ الغُدرَ مما تُغادِرُهُ
يُشلُّ العِدى خوف الأَمير إِذا وَنَت / كَتائِبُهُ عَن سلمهم وَمَناسِرُهُ
إِذا ما احتَمى بِالجَيشِ مَلكٌ فَإِنَّما / بِذِكرِ أَبي الدَواد يُحمى عَساكِرُهُ
كَفاهُ من الأَعوانِ في الرَوعِ بأسُهُ / وَأَغنَته عَن نَصرِ الجُيوشِ بَواتِرُهُ
وَما اللَيث مُحتاجٌ إِلى نصر غَيرِهِ / إِذا سلمت أَنيابِهِ وَأَظافِرُهُ
هوَ السالِبُ الأَعداء في ساعضة الوَغى / وَيَسلبُهُ في ساعَة السِلمِ زائِرُهُ
مَواهِبُهُ مِمّا أَفادَت سُيوفه / وَلَولا بروق المُزن ما انهَلَّ ماطِرُهُ
هوَ المَلكُ أَضحى الغيث لَيسَ بِنافِعٍ / إِذا جادَ أَرضاً صوبه وَبَوادِرُهُ
هوَ البَحرُ إِن صادَمته تَبقَ وَسطه / غَريقاً وَإِن تَستَجِدِ تَأتي جَواهِرُهُ
وَلَم أَرَ جوداً غَير جود ابن دُغفُلٍ / معنياً إِذا استرفدته فازَ زائِرُهُ
مفرَّقة في كُلِّ وَفدٍ هباته / مقسمة في كل نَجدٍ خَواطِرُهُ
إِذا ما أَتى بِالجودِ تحلف ما لَهُ / نَظير أَتَت مِن راحتيه نَظائِرُهُ
فَقَد شَرَّد الأَموال نَفياً كَأَنَّما / تَألّى يَميناً أَنَّها لا تُجاوِرُهُ
فَتىً جِدُّهُ في المكرمات وَهزلهُ / وَباطِنُهُ في المأثُراتِ وَظاهِرُهُ
فَلِلجودِ وَالهَيجاءِ وَالحلم شَطرهُ / وَللنَّقضِ وَالإِبرامِ وَالحَزمِ سائِرُهُ
غَدا كل مجد محدقاً بِمُفَرِّجٍ / كَما اكتنفت إِنسان عَينٍ مَحاجِرُهُ
وَنيطَت بِهِ الآمال وَالحَرب وَالعُلى / وَليداً وَما نَيطَت عليه مآزِرُهُ
يُخبِّرنا عَن جودِهِ بشر وجهه / وَقبلَ انصداع الفَجرِ تَبدو بَشائِرُهُ
وَيصدُقُ فيهِ المَدحُ حَتّى كَأَنَّما / يَسبح مِن صدق المَقالَةِ شاعِرُهُ
وَدَوَّخَ أَملاك البَريَّةِ يافِعاً / فَكَيفَ بِهِ لَمّا استَمَرَّت مَرائِرُهُ
إِذا المهر بَذَّ الخَيلَ في عُنفوانِهِ / فَكَيفَ تُدانيه إِذا فَرَّ فاطِرُهُ
يَجولُ بِهِ نَهد المَراكِلِ لَم تَزَل / تُواطيء هاماتِ الرِجالِ حَوافِرُهُ
يَظَلُّ عَلَيها متلئباً كَأَنَّهُ / خَطيب أناس وَالرؤوس مَنابِرُهُ
كَميٌّ تحاماهُ الكُماة كَأَنَّما / تُناطُ عَلى لَيث هَزبرٍ مَغافِرُهُ
يَكادُ لأدمان القِراعِ حُسامه / يُسابِقُهُ نَحوَ الطلى وَيُبادِرُهُ
فأن تعلُ قَحطان فَفي الليل أَنجم / وَلا يَستَوي أَغفاله وَزواهِرُهُ
وَلا يَستَوي حَدَّ الحُسامِ وَصفحه / وَلا أَوَّل الرُمحِ الأَصمّ وَآخِرُهُ
يُشابِهُهُ في رؤيَةِ العَينِ غيره / وَيبعد شبهاً حينَ تَأتي مَفاخِرُهُ
أَرى الناس مِثل الماء مشتبه الروى / وَلا يَتَساوى إِن يَكونُ تُجاوِرُهُ
لَقَد جادَني مِن جود كَفِّك وآبل / فَأَصبَحتُ رَوضاً وَالقَوافي أَزاهِرُهُ
فَإِن لَم أكافيهِ فَإِنّي شاكِرٌ / بِجُهدي وَإِن كافى عَلى العُرفِ شاكِرُهُ
وَأَعلَم أَنّي لست مُدرِكٌ وَصفهُ / أَيُدرِك عَرض الجَوِّ بِالكَفِّ شابِرُهُ
وَماليَ في مَدحَيهِ شيءٌ لِأَنَّني / نظمتُ مِنَ الدُرِّ الَّذي هوَ ناثِرُهُ
ليهنك عيد قَد أَطَلَّت سعوده / وَشهر صيام وَدَّعتك أَواخِرُهُ
وَقَد كُسيت أَيامُهُ مِنكَ طيبةً / كَذا المِسكُ يعدي ريحه من يُجاوِرُهُ
فَعِش عمر هَذا المَدح فيكَ فَإِنَّهُ / سَيَبقى إِلى يَوم القيامَةِ غابِرُهُ
رصدت العُلى في مُلتَقى طُرق النَدى / فَلا غرو إِن صارَت إِلَيكَ مَصائِرُهُ
عصرت مَدامعك الأَناةُ المُعصِرُ
عصرت مَدامعك الأَناةُ المُعصِرُ / وَلِمِثلِ فرقتها المَدامِعُ تُذخَرُ
رَحلت ضُحىً وَلِكُلِّ قَلبٍ حَيرةً / في حُسنِها وَلِكُلِّ عَينٍ مَنظَرُ
عَبِثَ النَعيمُ ها فصوَّرَ جِسمها / خَلقاً جَديداً وَالنَعيم يُصَوِّرُ
بَكُرَت طَلائِع لِلمَشيب بِلمَّتي / إِنَّ المَشيب إِساءَةٌ لا تُغفَرُ
وَيقال إِنَّ الشَيءَ يَأَلَفُ شَكلهُ / وَالبيضُ عَن بيضِ المَفارِقِ تَنفُرُ
لا تلحُها فَلكُلِّ يَومٍ مَوضِع / وَالعُرفُ في بَعض المَواضِعِ يُنكرُ
وَالشَيبُ صُبحٌ وَالسَواد دِجِنَّةٌ / وَاللَيلُ أَصلَحُ لِلوصالِ وَأستَرُ
كُنّا نضيفُ إِلى الغُرابِ فراقنا / فَإِذا المَشيبُ هوَ الغُرابُ الأَزهَرُ
كَيفَ السَبيل إِلى لِقائِكِ في الدُجى / وَاللَيلُ حَيثُ حَلَلتِ مِنهُ مُقمِرُ
يَتَحَيَّفُ القَمَرُ المُحاقَ تَحَيُّفاً / وَهلال خَدِّكِ كُلَّ يَومٍ مُبدرُ
بَدرٌ يُغادِر رَبعَهُ مِن طيبه / يَهدي ثَراه كَما يُهادي العَنبَرُ
وَتَحُلّ بِالبَيداءِ حِصناً سوره / زُرق الأَسِنَّةِ وَالعَجاجُ الأَكدَرُ
يَعتاد في أَلحاظِنا لِودادِهِ / فَكَأَنَّها جُندٌ لَديه وَعسكَرُ
تعصي قُلوب ذَوي الهَوى أَربابُها / فيهِ فَكُلٌّ في هَواهُ مُسَخَّرُ
وَكَأَنَّهُ مِن يُمن حيدرة استَعارَ / النَصرَ فَهوَ عَلى القُلوبِ مُظَفَّرُ
أَو من جَلالتِهِ استَعارَ جَماله / فَعُيوننا عَنه تَكِلُّ وَتَحسَرُ
ملكٌ لَهُ في كُلِّ أَرضٍ نِعمَةً / وَبِكُلِّ مُعتَرِكٍ ثَناء يُؤثَرُ
وَلِسَيفِهِ في كُلِّ هامٍ مَورِدٌ / وَلِرُمحِهِ في كُلِّ صَدرٍ مَصدَرُ
مُتَقَلِّدٌ مِن رَأيِهِ وَحُسامِهِ / سَيفَينِ ذا يَخفى وَذَلِكَ يَظهَرُ
صيغَت لِحَيدرَةَ بن يَملول يَدٌ / مِنها المَنايا وَالمُنى يَتَحَدَّرُ
وَجَبينه بَدر وَساحَة صَدرِهِ / بَرٌ وَأَنمُلُ راحَتَيهِ أَبحُرُ
يَجلو إِذا عَبِسَ اللَئيمُ لِوَفده / وَجهاً لماء البِشرِ فيهِ مخبَرُ
طَلقٌ كَصَفحِ السَيفِ إِلّا أَنَّهُ / في جانِبَيهِ مِن البَشاشَةِ جَوهَرُ
وَتَرى عِداهُ إِذا رَأَوهُ وَحدَهُ / جَيشاً لَهُ ظهرَ الحِصان مُعَسكَرُ
كَم رَدَّ دونَ الدارِعينَ بِنَفسِهِ / جَيشاً يَضيقُ بِهِ الفَضاء الأَقوَرُ
لِلنَّقعِ فيهِ وَلِلجوارِحِ فَوقَهُ / سِترانِ أَدكَن ذا وَذاكَ مُحَبَّرُ
تَعرى الوِهاد وَتَكتَسي مِن جُندِهِ / طُرُزاً وَتنتَقِبُ الجِبال وَتُسفِرُ
قَسَمَ الفَلا شِطرَينِ تَحتَ مَسيره / شَطراً يَسيرُ بِهِ وَشَطراً يَنصُرُ
إِن شئتَ أَنصار الحِمامِ فَناده / وَالخَيلُ تعثر بِالقَنا يا حَيدَرُ
وَكأنَّ صدرَ قَناتِهِ يَوم الوَغى / سِلكٌ وَأَبطال الفَوارِسِ جَوهَرُ
مُتَيَقِّظٌ في كُلِّ جارِحَةٍ لَهُ / مَخصوصة قَلب وَعين تَنظُرُ
لِلجودِ ما تَحوي يَداهُ وَما حَوى / وَالمَجدُ ما يُخفي الحَياء وَيُظهِرُ
أَمّا الإِمام فَإِنَّهُ لَكَ شاكِرٌ / وَاللَهُ أَرضى مِنهُ عَنكَ وَأَشكَرُ
آليت أستَسقي الغَمائِم بَعدَها / وَيَمين حَيدرة الغِمامِ الأَكبَرُ
أَولَيتَني مِن غَيرِ مَعرِفَةٍ جَرَت / نِعَماً فَجِئتَكَ بِالمَدائِحِ أَشكُرُ
وَغَرستَ عِندي نعمة لَكَ أَثمَرَت / وَمن الفِعالِ مُقَدَّم وَمؤَخَّرُ
فَدِمَشقٌ قَد نارَت بِحُسنِ رِياضِها / إِذ كُنت فيها أَنتَ سَعدٌ نَيِّرُ
فَظلامُها فَجرٌ وَحُسن ضِيائِها / دُرٌّ وَتربَتُها عَبيرٌ أَذفَرُ
أَنتَ الرَبيعُ وَكَيفَ تَحيا بَلدَةٌ / حَتّى يُجاوِرُها الرَبيع المُمطِرُ
أَكثرت جودك ثُمَّ قلت وَنَفسُ مَن / يهب النَفيس مِنَ العَطايا أَكثَرُ
يا صاحِ لَيسَ بِمُنكَرٍ أَن يُجتَنى / مِن مِثلِ هذا البَحرُ هَذا الجَوهَرُ
بِالنُصحِ قَدَّمك الإِمام عَلى الوَرى / ومن الفِعال مُقدَّمٌ لا يُنكَرُ
لِنَفسِكَ لُم لا عُذرَ قَد نفذ العُذرُ
لِنَفسِكَ لُم لا عُذرَ قَد نفذ العُذرُ / بذا حكم المَقدور إِذ قُضيَ الأَمرُ
لَقَد لفظتني كُلَّ أَرضٍ وَبَلدَةٍ / وَما لفظتني عَن مَواطنها مِصرُ
لَعمري لَقَد طَوَّفَت في طَلَبِ العُلى / وَحالَفَني بَرٌّ وَحالَفَني بَحرُ
فَشَرَّقَت حَتّى لَم أَجِد لي مَشرِقاً / وَغرَّبت حَتّى قيلَ هَذا هوَ الخضرُ
أَروم جُسَيمات الأُمورِ وَإِنَّما / قُصارايَ أَن أَبقى إِذا أَبقى الدَهرُ
وَلَو كُنتُ أَرضى بِالكَثيرِ وَجَدتُهُ / وَلَكِنَّ في نَفسي أَمورٌ لَها أَمرُ
ظَلَلتُ بِمصر في السُجونِ مُخَلَّداً / وَإِنّي لَسيفٌ جفنه فَوقه سِترُ
فَقدت أَخلّائي الَّذينَ عَهِدتُهُم / وَجانبني مَن كانَ لي عِندَهُ وَفرُ
وَأَعظَمُ ما بي يا مُحَمَّدُ أَنَّنا / بِأَرضٍ وَفيما بَينَنا البُعدُ وَالهَجرُ
وَما ليَ مِن ذَنبٍ إِلَيكَ أَجترَمتُهُ / فَقُل لي مَع الأُخوانِ غَيَّرَكَ الدَهرُ
تأَمَّل أَبا عَبدِ الإِلَهِ مَقالَتي / فَإِنَّ الصَديقَ الحُرَّ يَعتِبه الحُرُّ
أَتَذكُرُ إِذ كُنّا لَدى الدَهر رتعاً / وَمصر وَأَرض الشامِ إِذ عَيشُنا نضرُ
فَمالك تَجفوني مَع الدَهرِ إِذ عَتى / أَكُلُّ زَمانٍ هَكَذا عَيشُهُ مُرُّ
فَلا سائِلٌ عَنّي فأعذر صاحِباً / وَلا لَكَ في تَركِ السُؤالِ بِنا عُذرُ
فَإِن أَحرم الأُخوانِ وَالزَورِ مِنهُمُ / فَإِنّي امرؤٌ مِن شيمَتي في الأَسى الصَبرُ
عَتِبتُكَ عتب الذاكِرِ الودّ إِذ غَدا / أَسيراً وَمَحبوساً وَقَد نالَهُ ضُرُّ
فَلَو كُنتُ في أَسرِ الزَمانِ أَقالَني / وَلَكِنَّني في أَسرِ قَومٍ بِهِم كِبرُ
إِذا جَنَّني لَيلى وَهاجَت بَلابِلي / وَعاوَدني هَمّي تَجَدَّد لي فِكرُ
عَليلٌ وَما دائي سِوى الضَيم مِنهُمُ / فَهَل مِن خَلاصٍ إِذ مَدى الغايَة القَبرُ
فَلَو أَبصَرتَ عَيناكَ ما بيَ مِنَ الأَسى / بَكيت بِما يَنضى بِهِ الإِبل السَفَرُ
عَلى أَنَّني لا أَستَكين لِنَكبَةٍ / وَلا واضِعٌ جَنبي وَإِن مَسَّني فَقرُ
جَنيتُ عَلى نَفسي بِسَعيي إِلَيهِمُ / وَحَظّيَ من أَوفى مَواثيقهم غَدرُ
وَما ليَ مِن ذَنبٍ سِوى الشِعرِ إِنَّني / لَأَعلَمُ أَنَّ الذَنبَ في نَكبَتي الشِعرُ
لَعَلَّ اللَياليَ مُنصفات أَخا أَسىً / بِأَحشائِهِ مِن فَرطِ حَسرَتِهِ جَمرُ
أَسيرُ لَدى قَومٍ بِغَيرِ جَنايَةٍ / إِلّا في سَبيل اللَهِ ما صنعَ الدَهرُ
لَقَد ضاقَت الدُنيا عَليَّ كَأَنَّها / لِما قَدَّرَ الرَحمَنُ في مُقلَتي فِترُ
وَفي النَفسِ حاجاتٌ وَدونَ مَرامِها / قُيودٌ وَحُرّاسٌ لَهُم حولنا زجرُ
فَكُن سائِلاً عَنّي فَإِنّي هالِكٌ / وَما لَهمُ عِندي عَلى حالَةٍ وِترُ
حَذرتُ زَماناً ثُمَّ أَوقَعَني القَضا / وَهَل حذر يُنجي إِذا نَفذ العُمرُ
وَأَنتَ أَخي في كُلِّ حالٍ وَإِنَّما / عَتَبتُك هَذا العَتبُ إِذ نفث الصَدرُ
أَكُلُّ غَريبٍ هَكَذا هوَ هالِكٌ / بِمِصرَ وَلَم يَشفَع لَهُ شافِعٌ حُرُّ
فَلَو أَنَّني في بَلدَةٍ غَيرَ هَذِهِ / إِذاً لَفَداني المالُ والأُسُل السُمرُ
وَما نالَني ضَيمٌ وَلا لانَ جانِبي / وَلا نالَني ضَرٌّ وَلا مَسَّني عُسرُ
أَبيتُ لَها يَقظانَ بَينَ وَساوِسٍ / أُراعي نُجوم اللَيلِ ما طلعَ الفَجرُ
إِذا كانَ نَفسي مِن أَجَلِّ ذَخيرَتي / وَأَتلَفتُها لَم يَبقَ لي بَعدَها ذُخرُ
فَإِن عِشتُ أَبدَيتُ الَّذي في ضَمائِري / وَإِن مِتُّ إِنَّ المُلتَقى لَهوَ الحَشرُ
أَسيلَة خَدٍّ دونَهُ الأُسل السُمرُ
أَسيلَة خَدٍّ دونَهُ الأُسل السُمرُ / وَدونَ ارتِشاف الريق مِن ثَغرِها ثغرُ
أَناةٌ بَراها اللَهُ أَكمَلَ صورَة / فَأَردَفَت الأَرداف واختَصر الخصرُ
وَبقصرُ ليلي ما أَلَمَّت لأَنَّها / صَباحٌ وَهلأ يَبقى الدُجى وَهيَ الفَجرُ
مَرى البينُ جفنيها عَلى الخَدِّ فالتَقى / بِأَدمَعها وَالمَبسَمُ الدرّ بالدرّ
وَقالوا أَتَسلوا عَن لَذيذ رِضابِها / فَقُلتُ وَهَل حَلَّت لِشارِبها الخَمرُ
أَلَم تَعلَمي أَنَّ العَناءَ هوَ الغِنى / وَأَنَّ ابتِذال التِبر في حَقِّها تَبرُ
إِذا كانَ تِرحالي بِنِيَّة آيبٍ / فَباطِنُهُ وَصلٌ وَظاهِرُهُ هَجرُ
ذَريني أهب لِلمَجد شَرخ شَيبَتي / فَإِن لَم أُبادِرها استبدَّ بِها العُمرُ
فَلَم أَرَ هَذا العُمر إِلّا مَسافَة / إِذا مَرَّ يَوم مَرَّ مِن ذَرعها فَترُ
فَسلني بِالدُنيا فَقَلبي صَحيفَة / عَلى ظَهرِها مِن كُلِّ نائِبَةٍ سَطرُ
أَوسَع صَدري كُلَّ يَومٍ بِزَفرَةٍ / عَلى أَنَّهُ وسع يَضيقُ لَهُ الصَدرُ
أُكَلِّفُ أَقلامي تبلغني المُنى / وَقَد عجزت عَنهُ الرُدَيِنيَّةُ السُمرُ
وَإِن لَم يُنِل بِالبيضِ تَخضِبها الدِما / فَأَهون بِأَقلامٍ يُخَضِّبها الحِبرُ
إِذا فاتَ مِن أَربى عَلى العُشرِ رُمحَهُ / مُناهُ فَقَد فاتَت فَتىً رُمحُهُ شِبرُ
فعدِّ عَن الأَقلامِ واِستَنصِر القَنا / وَسيفك إِنَّ النَصل في حَدِّهِ النَصرُ
سأَنفي الأذى عَنّي وَشيكاتٍ بِفَتيَةٍ / طَعانهمُ نظمٌ وَضربِهُمُ نَثرُ
وَبَيداء لَولا أَنَّها هيَ مَجهل / لَشَبَّهتُها في الوسع صدرك يا بِشرُ
قطعت بِملء الغرضتين وَصارم / كَعَزمِكَ مِن ماء الفرند بِهِ أَثرُ
لَقَد جَمَعَ الرَحمَنُ فيكَ مَحاسِناً / بأيسَرها يُستَعبد العَبدُ وَالحُرُّ
يُكفِّرُني قَوم بِشُكر صَنيعِهِ / إِليَّ وَكفر المُنعَمينَ هوَ النَقَرُ
يَنوطُ نجادي رأيه وَحسامه / بِصَدرٍ كَمِثلِ البَرِّ أَو دونَهُ البَرُّ
وَيَحلَم عَن ذي الجَهلِ حَتّى كَأَنَّهُ / وَحاشاه مِن فَرطِ الوقارُ بِهِ وَقرُ
ومن يعتصم مِنه بعصمة خِدمَةٍ / يَحِد عَنه شَيئان المذلَّة وَالفَقرُ
وَما تَنجحُ الأَقلام إِلّا بِكَفِّهِ / وَمخلب غير اللَيث في كَفِّهِ ظُفرُ
سِهامٌ إِذا ما راشَها بِبَنانِهِ / أَصيب بِها قَلبُ البَلاغَةِ وَالنَحرُ
وَإِن سَحَبَ القِرطاسُ مِن وَقعِها بِهِ / تَجَلَّت وجوه الخَطبِ وَالخُطَبُ الغُرُّ
تُخَبِّرُ عَمّا في الضَمير كَأَنَّها / سواد سويداواتهنَّ لَها حِبرُ
وَيا عَجَباً للدَّستِ كَيفَ جَفافه / وَفي كُلِّ عقد مِن أَنامِلِهِ نَهرُ
وَلا عَجَبٌ أَن يَلفِظ الدُرَّ قائِلاً / وَهَل عَجَبٌ أَن يلفظَ الدُرَرُ البَحرُ
وَيعشى وَلا يَعشى بِنور جَبينه / عَجيب وَهَل يَعشى بِأَنوارِهِ البَدرُ
رَعاكَ الَّذي استَرعاكَ أَمر عِبادِهِ / وَحَيّاكَ مَن أَحياكَ يا أَيُّها الحَبرُ
فِداؤُكَ مَقبوض اليَدَينِ عَن النَدى / إِذا جادَ كانَ الديكُ بَيضَتُهُ وِترُ
إِذا كانَ أَولادُ الزَمانِ بوجهِهِم / عُبوسٌ فِبشرٌ في أسرته بِشرُ
يُغالِبُني فَرط الغَرامِ عَلى الصَبرِ
يُغالِبُني فَرط الغَرامِ عَلى الصَبرِ / وَلا صَبرَ لي عَن صورَةِ الشَمسِ وَالبَدرِ
وَيَعذُلني في الحُبِّ خِلوٌ وَلَو دَرى / بِهِ كَفَّ عَن عَذلي وَقَصَّر عَن زَجري
تَحَيَّرتُ في أَمري وَإِنّي لَعارِفٌ / بِأَمريَ لَكِنّي غُلِبتُ عَلى أَمري
وَصارَ عَليَّ القَلب وَالطَرفُ في الهَوى / نصيرين لِلظَّبيِ الَّذي لَجَّ في الهَجرِ
أَلا أَيُّها الظَمآنَ ها ماء مُقلَتي / وَيا قابِس النِيرانِ ها النار في صَدري
أَبى لِجُفوني فيك أَن تَطعم الكَرى / وَلِلقَلبِ أَن يَخلو مِنَ الهَمِّ وَالفِكرِ
وَذُبتُ فَلَو أَلقَيتَ في كأسِ خمرةٍ / لما اغتصَّ بي في كأسِها شارِب الخَمرِ
وَكَم لَذَّةٍ لي قَد نعمت بِطيبِها / وَلَم تَكُ فيما بَينَنا ريبة تَجري
تَطوفُ عَلَينا بِالمُدامِ سَبيَّةً / لَها جفن عَين قَد تَكَحَّل بِالسَحرِ
بدت تحت أَرواقِ الظَلامِ كَأَنَّما / يُواجِهُني مِن وَجهِها لَيلَةُ القَدرِ
وَلَيلٍ جثمنا تَحتَهُ فَتَطايَرَت / لوقَعَ المَطايا جاثِمات القطا الكُدري
تَسيرُ بِنا حَتّى إِذا عَزَّ جانِبٌ / مِنَ السَهلِ أَدَنتَنا إِلى جانِب الوَعرِ
كَواكِبُ رَكبٍ في كَواكِبِ ظُلمَةٍ / تَسيرُ كَما تَسري وَتَجري كَما تَجري
إِلى سَيدٍ أَوفَت فأوفاني المُنى / إِلى عِزَّةٍ أَوفَت عَلى غُرَّة البَدرِ
إِلى السَيِّدِ المِفضالِ وَالماجِدِ الَّذي / حَوى المَجدَ قدماً بِالمَفاخِرِ وَالقَدرِ
وَلَمّا ونت بُزل المَطايا حَثَثتُها / بِقَولي لَها سيري إِلى مَعدَنِ الفَخرِ
فَلَمّا أَحَست أَنَّكَ القَصدُ أَسرعت / رواحاً وأغنتني عن السَوطِ والزَجرِ
فَكانَ بِسَعدٍ لا بِنَجسٍ مَناخُها / عَلى بابِ مَن أَغنَت يَداهُ عَن القَطرِ
كَريم لَه من أَظلم الناس شاعِرٌ / يُشبِّههُ بِالغَيثِ وَالقَطرِ وَالبَحرِ
وَما زالَ ذا ذهب صَحيحٍ وَخاطِرٍ / وَذِكرٍ وَفِكرٍ لا يُقاسُ إِلى فِكرِ
وَإِن نابَ خَطبٌ لَم يَكُن دَفعُهُ سِوى / صدور العَوالي وَالمُهَنَّدَةِ البَترِ
رمت صفحة الأَعراب كَفُّ سَحابه / بِسَهمِ النَدى فاهتَزَّ في صَفَحةِ الدَهرِ
أَديبٌ لَبيبٌ ماجِدٌ متكِرِّمٌ / كَريمٌ المحيّا طَيِّبُ الأصلِ وَالذِكرِ
أَلا أَيُّها القيلُ الكَريمُ ومن سَما / بِمَجدٍ وَإِحسانٍ عَلى قِمَّةِ النَسرِ
تَقيكَ الرَدى نَفسٌ عَلى كَريمة / تُحبُّكَ حُبَّ الأمن في زمن الذُعرِ
لَقَد رفع الرَحمَنُ قَدرُكَ في الوَرى / كَما في اللَيالي شُرِّفت ليلة القَدرِ
فَإِن كنت في جنس البَرايا وفقتهم / فَلِلمِسكِ نَشرٌ لَيسَ يوجد في العِطرِ
إِلَيكَ عَروساً في قَريضٍ زَفَفتُها / إِلَيكَ فَخُذ يا أَبرَعَ الناسِ بِالشُكرِ
فَما عَزَّة الإِنسان إِلّا حَديثِهِ / فَعِش أَنتَ في خَيرِ الحَديثِ الَّذي يَجري
وَعِش أَبَداً ما لاح في الجَوِّ طائِرٌ / وَما هتفت وَرقاء في غُصُنِ نَضرِ
شَهرٌ غَدا مُشتَهِراً
شَهرٌ غَدا مُشتَهِراً / بِسُعودِهِ بَينَ الشُهور
وَبِيَمنِهِ وَأَمانِهِ / وَالعَدل وَالخَير الكَثير
وَبِرُشدِهِ وَسَدادِهِ / وَالنَجح في كُلِّ الأُمور
وَبطيب عَيش قَد صَفا / كالماءِ هادٍ في الغَدير
وَبِكُلِّ مَنزِلَةٍ تُجَمِّلُ / كل منتقِدٍ بَصير
لِفَتى الفُتوَّة وَالمُروَّةِ / ذي المحلِّ أَبي السُرور
لِلسَّمحِ نجلُ مُحَمَّدٍ / ذي الفَخرِ وَالقَدرِ الكَبير
حَسَنٌ ومن إِحسانِهِ / لِلحامِدِ المثني الشَكور
فنواله فيهِ شفاء / لِلقُلوبِ وَلِلصُّدور
من لَم تَزَل أَنواره / تَعلو وَتَقهر كل نور
من قَد سَما بأبٍ لَه / قَد كان مَعدومُ النَظير
مَن كُلِّ من جارَ الزَمانُ / وزرتَه أَضحى بِخَير
فَعَليه عادَ بِغبطَةٍ / ما في المُغَيَّبِ وَالحضور
وَعلى بَني حسن فَهم / زَينُ المَدائِنِ وَالثُغور
وُهُمُ جَمال حيث حَلّوا / لِلصَّغير وَلِلكَبير
وَإِذا غدوا في مَجلسٍ / لمطاع أَمر أَو أَمير
فَهُمُ كأَمثالِ الشُموسِ / المشرقات وَكالبُدور
يا أَيُّها المعطي العَطايا / لِلعُقاة بِلا مُشير
يا من نَسيمُ فِعالِهِ / كَنَسيم مِسكِ أَو عَبير
يا من غَدا كِنزُ المُقِلِّ / بأَرضِنا وَغِنى الفَقير
انصر شَكوراً ذاكِراً / لَكَ بِالجَميلِ بِلا فُتور
فَلَقَد غَدا في عِلَّةٍ / صَدَّتهُ عَن حالِ المَسير
نَزَلَت بِهِ في بَيتِهِ / مِن طُولِها مِثلُ البَعير
لا يَستَريح إِلى حَديثِ / البيضِ في اليَومِ المَطير
فالجِسمُ مِنهُ مُنحَفٌ / وَالحالُ زائِدَةٌ القصور
فانعِم عَلى رَبِّ اعتِرافٍ / غير ذي مكرٍ كَفور
إِمّا بِعَينٍ أَو لُجَينٍ / أَو بِقَمحٍ أَو شَعير
لا زالَ نَجمُكَ طالِعاً / بالسَعدِ كالقَمَرِ المُنير
في حالِ إِقبالٍ يُقابِلُ / في الرَواحِ وَفي البُكور
ظَفَرَ الأَسى بِمُتَيَّم لَم يَظفَر
ظَفَرَ الأَسى بِمُتَيَّم لَم يَظفَر / قَصُرَ المَنامُ وَليله لَم يقصُرِ
وَمِنَ الصَبابَةِ أَنَّ هاَيكَ الدُمى / أَدمَت محاجِرُهُ لسفح محجَرِ
أَعرضن عَن مُتَعَرِّضٍ وَمَلَلن / عَن متململٍ وَضحِكنَ من مُستعبرِ
يَحيا حَياة تذكُّرٍ فَإِذا أَتَت / عُلَقُ الصَبابَةِ ماتَ موت تذكُّرِ
شَوقٌ نأى جَلَدي بِهِ وَتَجَلُّدي / وَهَوىً هَوى صَبري له وَتَصَبُّري
كادَت تُجِد الوَجدَ لَولا فتية / من مُنذِرٍ أَو عُصبَةٍ من مُبصِرِ
مقسومة بِالحُسنِ بينَ مُخَفَّفٍ / وَمُثَقَّلٍ وَمؤَنَّثٍ وَمُذَكَّرِ
تُعطيكَ بِالأَلفاظِ غلظةَ ضَيغَمِ / وَتُريكَ بِالأَلحاظِ رِقَّةِ جؤذَرِ
يا جائِراً وَالدَهر أُجورُ حاكِم / وَالحادِثاتُ بِمُنجدٍ أَو مُغوِرِ
ما ضافَ بي هَمٌّ بِهِ فقربته / إِلّا مدالجة المطيِّ الضُمَّرِ
وَالصُبحُ قَد أَخذت أَنامِل كَفِّهِ / في كُلِّ جَيبٍ لِلظَّلامِ مُزَرَّرِ
فَكأَنَّما في الغَربِ راكِبُ أَدهَمٍ / يحتثُّه في الشَرقِ راكِب أَشقَرِ
يَسري لأبعدَ سؤددٍ مِن مشيه / وَيَروم أَقربَ موردٍ مِن مَصدَرِ
لعزيزِ دولَة آل أَحمدَ في الوَغى / وَالسِلمِ بدر سَريرها وَالمَنبرِ
شَرَفٌ يُريكَ مهلهلاً في تغلب / يَوم الكُلاب وتبَّعاً في حِميَرِ
كَم لِلعُفاةِ إِلَيهِ من سَبّابَةٍ / تومي وَكَم يَثنى لَه من خِنصَرِ
وَكَأَنَّما يَرمي العِدى مِن بأسِهِ / بأسوَدَ خَفّان وَجِنَّة عَبقَرِ
في حيث يَنفذ عامِلاً في جَوشَنٍ / طعناً وَيبذل صارِماً في مِغفَرِ
مُحمَرَّ أَطراف السُيوفِ كَأَنَّما / يُطبِعنَ من ورد الخُدودِ الأَحمَرِ
أَنسَيتَني ذُلّي بِعزِّ صَنائِع / علَّمتَنيهِ خبرة المُتَخَبِّرِ
فَعلامَ أَطلب من سواك مزيدة / وقد استثرنا مِنكَ مَعدِنَ جَوهَرِ
بيَمينك الطُولى عليَّ وَطَولِها / قَصَّرتُ عَن تَعريض كل مُقصِرِ
فاسلم فَكَم قرَّبت من مُتَباعِدٍ / صعب وَكَم يَسَّرتَ مِن مُتَعَسِّرِ
وَكَما تَقَدَّمتَ الأَنام فَضائِلاً / فَإِذا هُمُ وردوا الرَدى فَتأَخَّرِ
سَقى دَمعي الأحبَة حَيثُ ساروا
سَقى دَمعي الأحبَة حَيثُ ساروا / فَما ترويهِمُ الدِيمُ الغزارُ
تَوَلَّت ظعنُهُم وَالمَرءُ تنبو / بِهِ الأَحوال لا تَنبو الدِيارُ
لَهُنَّ مِن الحَيا نَحوي ابتِدارُ / كَما ابتَدَرت مِنَ الزَندِ الشَرارُ
فأَصمين الفؤاد فَقلت واهاً / أَتَرمي قَلب صائِدها الصَوارُ
أَقيدوني حآذركم فَقالوا / جِراحة كل عَجماء جَبارُ
وَطاعنة بِرُمحٍ مِن نُهودٍ / أَسِنة مِثلها الحَلمُ الصِغار
زَرعتُ بِخَدِّها رَوضاً بلثمي / فَفي وَجناتا مِنهُ اخضرارُ
كأَنَّ مَواقِع التَقبيل فيهِ / رَماد جامِدٌ وَالخَدِّ نارُ
لَيعينِكِ وخزة في كُلِّ قَلبٍ / أَأَشفارٌ جفونك أَم شفارُ
عَذَرتُكِ إِذ حجبتُ وَأَنتِ بَدرُ / لَهُ في كُلِّ أَوقاتِ سِرارُ
وَخوَّلَكِ النِفارُ وأي ريمٍ / يُرى أَبَداً وَلَيسَ لَهُ نِفارُ
تُجَرِّد منيَ الأَيّامُ نصلاً / لَهُ في كُلِّ ناحيَةٍ غِرارُ
يَظُنُّ أَناتيَ الجُهَلاءُ وَقراً / وَهَذا اللَوم أَكثره وِقارُ
وَلَو سادَ الصَبور بِغَيرِ حلم / إِذاً لاقتادَ قائِدَه الحِمارُ
أَطاعَ الناسُ أَرادهم وَهَذا / عَلى الإِسلامِ وَالعُلماءِ عارُ
لِكُلِّ بينهم هِمَمٌ وَقَدرٌ / لِعجلِ السامِريِّ له خُوارُ
فَذرني وَالطُغاة فبين رُمحي / وَبينَ قُلوبِ أَكثرهم سِرارُ
إِذا ما عَرَّس الخِطيُّ فيهم / فَإِنَّ رؤوسهم فيها نِثارُ
كأَنَّ رؤوسهم حَصَباتُ حَذفٍ / تَساقَط وَالفَضاء لَها جِمارُ
حَلَفتُ لأَنهَضَنَّ لَهُم بِأُسدٍ / لهم بِشعار دينِ اللَهِ زارُ
إِذا عَمِدوا ظَلامَ الشِركِ يَوماً / أَزالوهُ كَأَنَّهم نَهارُ
يؤدون النُفوسَ إِلى المَنايا / كَأَنَّ النَفسَ عِلٌ مُستَعارُ
إِذ بلغ الفَتى عِشرينَ عاماً / وَأعوزه العلاءُ فَذاكَ عارُ
إِذا ما أَوَّل الخِطِّيِّ أَخطا / فَما يُرجى بأخره انتِصارُ
أَرى مِنكَ وَجهَ الصَدِّ لا يَتَغيَّرُ
أَرى مِنكَ وَجهَ الصَدِّ لا يَتَغيَّرُ / وَوَصلُكِ هِنداً في الهَوى يَتَعَذَّرُ
أُعَلِّلُ نَفسي بِالوَعيدِ لزورَةٍ / ومن دونِها طرفُ الفَتى يَتَحَسَّرُ
أَغَرَّكِ هِندٌ جفوة العَينِ لِلبُكا / وَرُؤياكِ من عيني الدِما تَتَحَدَّرُ
فَصِرتِ لِقَتلي عامِداً تَتَحَمَّلي / إِلى اللَهِ أَشكو إِنَّهُ مِنكِ أَقدَرُ
لَأَلقى امرءاً خِلُّ المَكارِمِ وَالنَدى / وَحَسبيَ في خَيرِ امرىءٍ حينَ يَذكُرُ
بِقَصدِ المهيّا فزت بِالخَيرِ وَالرَضا / وَما زالَ مَن يَرجوهُ بِالبِرِّ يَظفَرُ
فَلِلَّهِ دَرُّ السَيِّدِ بن مُفَرِّجٍ / فَتىً فاضِلٌ حُلوُ الشَمائِلِ خَيِّرُ
عَجِبتُ لِفَضلٍ فيهِ لَمّا رأَيتُهُ / وَما زِلتُ في أَفعالِهِ أَتَفَكَّرُ
لَهُ هِمَّة تَعلو عَلى كُلِّ هِمَّةٍ / وَرأيٌ حَصيفُ في الأُمورِ مُدَبِّرُ
مُقيمٌ لأهلِ القَصدِ بِالبَذلِ لِلعَطا / فِمِن وارِدٍ يَرجو وآخر يَصدُرِ
يَرى أَنَّ مَن والاهُ أَعظَم مِنَّةً / إِذا جاءهُ بِالقاصِدينَ مُبَشِّرُ
وَإِنّي لأَدري أَنَّ في القَصدِ نَحوَهُ / بُلوغَ الرِضا فيما أُحِبُّ وَأُثِرُ
رِضىً كامِل لِلفَضلِ وَالدينِ وَالسَخا / وَأَصلٌ بِهِ أَصلُ المَناقِبِ يَفخَرُ
أَماطَت يَداهُ الفَقر بِالجودِ وَالنَدى / وَقارَنه في النَيل من كان يَقتُرُ
إِذا رامَ راجٍ قَصدَهُ وَهوَ مُعدَمٌ / فَلا مطله يَخشى وَلا الرَد يَحذَرُ
أَلفَت النَدى يأَبى الجَديد وَلَم تَزَل / أَحاديثك الحُسنى مَدى الدَهرِ تَنشُرُ
هَنيئاً لك العيد الَّذي أَنت عيده / وَلا زالَت الأَعياد عندك تَكثُرُ
وَقابل فيهِ السَعدُ وَاليمن وَالرِضا / وَكل الَّذي تَرجوه سَهلٌ مُيَسَّرُ
أَتاني عَن تاجِ الزَمان تَعتُّبُ
أَتاني عَن تاجِ الزَمان تَعتُّبُ / يُضَيِّق وسع الأَرض فَضلاً عَن الصَدرِ
وَلَم أَمتَدِحهُ آخِراً لِجَهالَةٍ / وَهَل لِلَّذي لا يَعرف الشَمس من عُذرِ
وَلَكِنَّني لَمّا رأَيتُ صِفاتِهِ / خَتَمنَ العُلى طراً خَتَمتُ بِهِ شعري
وَقَد أَخَّرَ اللَهَ النَبيَّ لِفَضلِهِ / وَقَدَّمَه في رتبةِ الفَضلِ وَالأَجرِ
أَعرتَهُم مِن دُرِّ وَصفك جَوهَراً / تَحَلّوا بِهِ ما بَينَ سَحرٍ إِلى نَحرٍ
وَتاهو به عاريَّةً لا تَمَلُّكا / فَإِن شِئتَ رَدّوا ما استَعاروا مِنَ الدُرِّ
فَلَما تَمادى الأَمرُ نادَت بيَ العُلى / غَلَّطت فأعطِ القوسَ وَيحَكَ من يَبري
فَعادَ مَديحي نَحوَ أَبلجَ حَدِّثوا / بِلاح حَرَجٍ عَن جودِهِ وَعَن البَحُرِ
وَغايَة هَذا الفَضل أَنتَ وَإِنَّما / يُوافي إِلى الغاياتِ في آخِرِ الأَمرِ