المجموع : 24
يا مُخجِلَ الغُصُنِ الفَينانِ إِن خَطَرا
يا مُخجِلَ الغُصُنِ الفَينانِ إِن خَطَرا / وَفاضِحَ الرَشإِ الوَسنانِ إِن نَظَرا
يَفديكَ مِنّي مُحِبٌّ شَأنُهُ عَجَبٌ / ما جِئتَ بِالذَنبِ إِلّا جاءَ مُعتَذِرا
لَم يُنجِني مِنكَ ما استَشعَرتُ مِن حَذَرٍ / هَيهاتَ كَيدُ الهَوى يَستَهلِكُ الحَذَرا
ما كانَ حُبُّكَ إِلّا فِتنَةً قُدِرَت / هَل يَستَطيعُ الفَتى أَن يَدفَعَ القَدَرا
وَرامِشَةٍ يَشفي العَليلَ نَسيمُها
وَرامِشَةٍ يَشفي العَليلَ نَسيمُها / مُضَمَّخَةُ الأَنفاسِ طَيِّبَةُ النَشرِ
أَشارَ بِها نَحوي بَنانٌ مُنَعَّمٌ / لِأَغيَدَ مَكحولِ المَدامِعِ بِالسِحرِ
سَرَت نَضرَةٌ مِن عَهدِها في غُصونِها / وَعُلَّت بِمِسكٍ مِن شَمائِلِهِ الزُهرِ
إِذا هُوَ أَهدى الياسَمينَ بِكَفِّهِ / أَخَذتُ النُجومَ الزُهرَ مِن راحَةِ البَدرِ
لَهُ خُلُقٌ عَذبٌ وَخَلقٌ مُحَسَّنٌ / وَظَرفٌ كَعَرفِ الطيبِ أَو نَشوَةِ الخَمرِ
يُعَلِّلُ نَفسي مِن حَديثٍ تَلَذُّهُ / كَمِثلِ المُنى وَالوَصلِ في عُقُبِ الهَجرِ
يا مَن غَدَوتُ بِهِ في الناسِ مُشتَهِراً
يا مَن غَدَوتُ بِهِ في الناسِ مُشتَهِراً / قَلبي عَلَيكَ يُقاسي الهَمَّ وَالفِكَرا
إِن غِبتَ لَم أَلقَ إِنساناً يُؤَنِّسُني / وَإِن حَضَرتَ فَكُلُّ الناسِ قَد حَضَرا
يا سُؤلَ نَفسي إِن أُحَكَّم
يا سُؤلَ نَفسي إِن أُحَكَّم / وَاختِياري إِن أُخَيَّر
كَم لامَني فيكَ الحَسودُ / وَفَنَّدَ الواشي فَأَكثَر
قالوا تَغَيَّرَ بِالسُلُوِّ / وَبِالمَلامَةِ قَد تَعَيَّر
وَتَوَهَّموكَ جَنَيتَ ذَنباً / بِالتَجَنّي لَيسَ يُغفَر
وَبِزَعمِهِم أَن لَيسَ مِثلي / في الرِضى بِالدونِ يُعذَر
لَم يَعلَموا أَنَّ الهَوى / رِقٌّ وَأَنَّ الحُسنَ أَحمَر
لَئِن فاتَني مِنكِ حَظُّ النَظَر
لَئِن فاتَني مِنكِ حَظُّ النَظَر / لِأَكتَفِيَن بِسَماعِ الخَبَر
وَإِن عَرَضَت غَفلَةٌ لِلرَقيبِ / فَحَسبِيَ تَسليمَةٌ تُختَصَر
أُحاذِرُ أَن تَتَظَنّى الوُشاةُ / وَقَد يُستَدامُ الهَوى بِالحَذَر
وَأَصبِرُ مُستَيقِناً أَنَّهُ / سَيَحظى بِنَيلِ المُنى مَن صَبَر
سَأَقنَعُ مِنكِ بِلَحظِ البَصَر
سَأَقنَعُ مِنكِ بِلَحظِ البَصَر / وَأَرضى بِتَسليمِكِ المُختَصَر
وَلا أَتَخَطّى التِماسَ المُنى / وَلا أَتَعَدّى اِختِلاسَ النَظَر
أَصونُكِ مِن لَحَظاتِ الظُنونِ / وَأُعليكِ عَن خَطَراتِ الفِكَر
وَأَحذَرُ مِن لَحَظاتِ الرَقيبِ / وَقَد يُستَدامُ الهَوى بِالحَذَر
بَنَيتَ فَلا تَهدِم وَرِشتَ فَلا تَبرِ
بَنَيتَ فَلا تَهدِم وَرِشتَ فَلا تَبرِ / وَأَمرَضتَ حُسّادي وَحاشاكَ أَن تُبري
أَرى نَبوَةً لَم أَدرِ سِرَّ اِعتِراضِها / وَقَد كانَ يَجلو عارِضَ الهَمِّ أَن يَدري
جَفاءٌ هُوَ اللَيلُ ادلَهَمَّ ظَلامُهُ / فَلا كَوكَبٌ لِلعُذرِ في أُفقِهِ يَسري
هَبِ العَزلَ أَضحى لِلوِلايَةِ غايَةً / فَما غايَةُ الموفي مِنَ الظِلِّ أَن يُكري
فَفيمَ أَرى رَدَّ السَلامِ إِشارَةً / تُسَوِّغُ بي إِزراءَ مَن شاءَ أَن يُزري
أُناسٌ هُمُ أَخشى لِلَذعَةِ مِقوَلي / إِذا لَم يَكُن مِمّا فَعَلتَ لَهُم مُضرِ
فَإِن عاقَتِ الأَقدارُ فَالنَفسُ حُرَّةٌ / وَإِن تَكُنِ العُتبى فَأَحرِ بِها أَحرِ
ما جالَ بَعدَكِ لَحظي في سَنا القَمَرِ
ما جالَ بَعدَكِ لَحظي في سَنا القَمَرِ / إِلّا ذَكَرتُكِ ذِكرَ العَينِ بِالأَثَرِ
وَلا اِستَطَلتُ ذَماءَ اللَيلِ مِن أَسَفٍ / إِلّا عَلى لَيلَةٍ سَرَّت مَعَ القِصَرِ
ناهيكِ مِن سَهَرٍ بَرحٍ تَأَلَّفَهُ / شَوقٌ إِلى ما اِنقَضى مِن ذَلِكَ السَمَرِ
فَلَيتَ ذاكَ السَوادَ الجَونَ مُتَّصِلٌ / لَو اِستَعارَ سَوادَ القَلبِ وَالبَصَرِ
أَمّا الضَنى فَجَنَتهُ لَحظَةٌ عَنَنٌ / كَأَنَّها وَالرَدى جاءا عَلى قَدَرِ
فَهِمتُ مَعنى الهَوى مِن وَحيِ طَرفَكِ لي / إِنَّ الحِوارَ لَمَفهومٌ مِنَ الحَوَرِ
وَالصَدرُ مُذ وَرَدَت رِفهاً نَواحِيَهُ / تومُ القَلائِدِ لَم تَجنَح إِلى صَدَرِ
حُسنٌ أَفانينُ لَم تَستَوفِ أَعيُنُنا / غاياتِهِ بِأَفانينٍ مِنَ النَظَرِ
واهاً لِثَغرِكِ باتَ يَكلَؤُهُ / غَيرانُ تَسري عَواليهِ إِلى الثُغَرِ
يَقظانُ لَم يَكتَحِل غَمضاً مُراقَبَةً / لَرابِطِ الجَأشِ مِقدامٍ عَلى الغِرَرِ
لا لَهوُ أَيّامِهِ الخالي بِمُرتَجِعٍ / وَلا نَعيمُ لَياليهِ بِمُنتَظَرِ
إِذ لا التَحِيَّةُ إيماءٌ مُخالَسَةً / وَلا الزِيارَةُ إِلمامٌ عَلى خَطَرِ
مُنىً كَأَن لَم يَكُن إِلّا تَذَكُّرُها / إِنَّ الغَرامَ لِمُعتادٌ مَعَ الذِكَرِ
مَن يَسأَلِ الناسَ عَن حالي فَشاهِدُها / مَحضُ العِيانِ الَّذي يُغني عَنِ الخَبَرِ
لَم تَطوِ بُردَ شَبابي كَبرَةٌ وَأَرى / بَرقَ المَشيبِ اِعتَلى في عارِضِ الشَعَرِ
قَبلَ الثَلاثينَ إِذ عَهدُ الصِبا كَثَبٌ / وَلِلشَبيبَةِ غُصنٌ غَيرُ مُهتَصِرِ
ها إِنَّها لَوعَةٌ في الصَدرِ قادِحَةٌ / نارَ الأَسى وَمَشيبي طائِرُ الشَرَرِ
لا يُهنَىءِ الشامِتَ المُرتاحَ خاطِرُهُ / أَنّي مُعَنّى الأَماني ضائِعُ الخَطَرِ
هَلِ الرِياحُ بِنَجمِ الأَرضِ عاصِفَةٌ / أَمِ الكُسوفُ لِغَيرِ الشَمسِ وَالقَمَرِ
إِن طالَ في السِجنِ إيداعي فَلا عَجَبٌ / قَد يودَعُ الجَفنَ حَدُّ الصارِمِ الذَكَرِ
وَإِن يُثَبِّط أَبا الحَزمِ الرِضى قَدَرٌ / عَن كَشفِ ضُرّي فَلا عَتَبٌ عَلى القَدَرِ
ما لِلذُنوبِ الَّتي جاني كَبائِرِها / غَيري يُحَمِّلُني أَوزارَها وَزَري
مَن لَم أَزَل مِن تَأَنّيهِ عَلى ثِقَةٍ / وَلَم أَبِت مِن تَجَنّيهِ عَلى حَذَرِ
ذو الشيمَةِ الرَسلِ إِن هيجَت حَفيظَتُهُ / وَالجانِبِ السَهلِ وَالمُستَعتِبِ اليَسَرِ
مَن فيهِ لِلمُجتَلي وَالمُبتَلي نَسَقاً / جَمالُ مَرأَىءً عَليهِ سَروُ مُختَبَرِ
مُذَلِّلٌ لِلمَساعي حُكمَها شَطَطاً / عَليهِ وَهُوَ العَزيزُ النَفسِ وَالنَفَرِ
وَزيرُ سَلمٍ كَفاهُ يُمنُ طائِرِهِ / شُؤمَ الحُروبِ وَرَأيٌ مُحصَدُ المِرَرِ
أَغنَت قَريحَتُهُ مُغنى تَجارِبِهِ / وَنابَتِ اللَمحَةُ العَجلى عَنِ الفِكَرِ
كَم اِشتَرى بِكَرى عَينَيهِ مِن سَهَرٍ / هُدوءُ عَينِ الهُدى في ذَلِكَ السَهَرِ
في حَضرَةٍ غابَ صَرفُ الدَهرِ خَشيَتَهُ / عَنها وَنامَ القَطا فيها فَلَم يَثُرِ
مُمَتَّعٌ بِالرَبيعِ الطَلقِ نازِلُها / يُلهيهِ عَن طيبِ آصالٍ نَدى بُكَرِ
ما إِن يَزالُ يَبُثُّ النَبتَ في جَلَدٍ / مُذ ساسَها وَيَفيضُ الماءَ مِن حَجَرِ
قَد كُنتُ أَحسُبُني وَالنَجمَ في قَرَنٍ / فَفيمَ أَصبَحتُ مُنحَطّاً إِلى العَفَرِ
أَحينَ رَفَّ عَلى الآفاقِ مِن أَدَبي / غَرسٌ لَهُ مِن جَناهُ يانِعُ الثَمَرِ
وَسيلَةً سَبَباً إِلّا تَكُن نَسَباً / فَهُوَ الوِدادُ صَفا مِن غَيرِ ما كَدَرِ
وَبائِنٍ مِن ثَناءٍ حُسنُهُ مَثَلٌ / وَشيُ المَحاسِنِ مِنهُ مُعلَمُ الطُرَرِ
يُستَودَعُ الصُحفَ لا تَخفى نَوافِحُهُ / إِلّا خَفاءَ نَسيمِ المِسكِ في الصُرَرِ
مِن كُلِّ مُختالَةٍ بِالحِبرِ رافِلَةٍ / فيهِ اِختِيالَ الكَعابِ الرَودِ بِالحِبَرِ
تُجفى لَها الرَوضَةُ الغَنّاءُ أَضحَكَها / مَجالُ دَمعِ النَدى في أَعيُنِ الزَهَرِ
يا بَهجَةَ الدَهرِ حَيّاً وَهُوَ إِن فَنِيَت / حَياتُهُ زينَةُ الآثارِ وَالسِيَرِ
لي في اِعتِمادِكَ بِالتَأميلِ سابِقَةٌ / وَهِجرَةٌ في الهَوى أَولى مِنَ الهِجَرِ
فَفيمَ غَضَّت هُمومي مِن عُلا هِمَمي / وَحاصَ بي مَطلَبي عَن وِجهَةِ الظَفَرِ
هَل مِن سَبيلٍ فَماءُ العَتبِ لي أَسِنٌ / إِلى العُذوبَةِ مِن عُتباكَ وَالخَصَرِ
نَذَرتُ شُكرَكَ لا أَنسى الوَفاءَ بِهِ / إِن أَسفَرَت لِيَ عَنها أَوجُهُ البُشَرِ
لا تَلهُ عَنّي فَلَم أَسأَلكَ مُعتَسِفاً / رَدَّ الصِبا بَعدَ إيفاءٍ عَلى الكِبَرِ
وَاِستَوفِرِ الحَظِّ مِن نُصحٍ وَصاغِيَةٍ / كِلاهُما العِلقُ لَم يوهَب وَلَم يُعَرِ
هَبني جَهِلتُ فَكانَ العِلقُ سَيِّئَةً / لا عُذرَ مِنها سِوى أَنّي مِنَ البَشَرِ
إِنَّ السِيادَةَ بِالإِغضاءِ لابِسَةٌ / بَهاءَها وَبَهاءُ الحُسنِ في الخَفَرِ
لَكَ الشَفاعَةُ لا تُثنى أَعِنَّتُها / دونَ القَبولِ بِمَقبولٍ مِنَ العُذُرِ
وَاِلبَس مِنَ النِعمَةِ الخَضراءِ أَيكَتَها / ظِلّاً حَراماً عَلى الآفاتِ وَالغِيَرِ
نَعيمَ جَنَّةِ دُنيا إِن هِيَ اِنصَرَمَت / نَعِمتَ بِالخُلدِ في الجَنّاتِ وَالنَهَرِ
هُوَ الدَهرُ فَاصبِر لِلَّذي أَحدَثَ الدَهرُ
هُوَ الدَهرُ فَاصبِر لِلَّذي أَحدَثَ الدَهرُ / فَمِن شِيَمِ الأَبرارِ في مِثلِها الصَبرُ
سَتَصبِرُ صَبرَ اليَأسِ أَو صَبرَ حِسبَةٍ / فَلا تُؤثِرِ الوَجهَ الَّذي مَعَهُ الوِزرُ
حِذارَكَ مِن أَن يُعقِبَ الرُزءُ فِتنَةً / يَضيقُ لَها عَن مِثلِ إيمانِكَ العُذرُ
إِذا آسَفَ الثُكلُ اللَبيبَ فَشَفَّهُ / رَأى أَفدَحَ الثَكلَينِ أَن يَهلِكَ الأَجرُ
مُصابُ الَّذي يَأسى بِمَيتِ ثَوابِهِ / هُوَ البَرحُ لا المَيتُ الَّذي أَحرَزَ القَبرُ
حَياةَ الوَرى نَهجٌ إِلى المَوتِ مَهيَعٌ / لَهُم فيهِ إيضاعٌ كَما يوضِعُ السَفرُ
فَيا هادِيَ المِنهاجِ جُرتَ فَإِنَّما / هُوَ الفَجرُ يَهديكَ الصِراطَ أَوِ البَجرُ
إِذا المَوتُ أَضحى قَصرَ كُلِّ مُعَمِّرٍ / فَإِنَّ سَواءً طالَ أَو قَصُرَ العُمرُ
أَلَم تَرَ أَنَّ الدينَ ضيمَ ذِمارُهُ / فَلَم يُغنِ أَنصارٌ عَديدُهُمُ دَثرُ
بِحَيثُ استَقَلَّ المُلكُ ثانِيَ عِطفِهِ / وَجَرَّرَ مِن أَذيالِهِ العَسكَرُ المَجرُ
هُوَ الضَيمُ لَو غَيرُ القَضاءِ يَرومُهُ / ثَناهُ المَرامُ الصَعبُ وَالمَسلَكُ الوَعرُ
إِذا عَثَرَت جُردُ العَناجيجِ في القَنا / بِلَيلٍ عَجاجٍ لَيسَ يَصدَعُهُ فَجرُ
أَأَنفَسَ نَفسٍ في الوَرى أَقصَدَ الرَدى / وَأَخطَرَ عِلقٍ لِلهُدى أَفقَدَ الدَهرُ
أَعَبّادُ يا أَوفى المُلوكِ لَقَد عَدا / عَلَيكَ زَمانٌ مِن سَجِيَّتِهِ الغَدرُ
فَهَلّا عَداهُ أَنَّ عَلياكَ حَليُهُ / وَذِكرُكَ في أَردانِ أَيّامِهِ عِطرُ
غُشيتَ فَلَم تَغشَ الطِرادَ سَوابِحٌ / وَلا جُرِّدَت بيضٌ وَلا أُشرِعَت سُمرُ
وَلا ثَنَتِ المَحذورَ عَنكَ جَلالَةٌ / وَلا غُرَرٌ ثَبتٌ وَلا نائِلٌ غَمرُ
لَئِن كانَ بَطنُ الأَرضِ هُيِّئَ أُنسُهُ / بِأَنَّكَ ثاويهِ لَقَد أَوحَشَ الظَهرُ
لَعَمرُ البُرودِ البيضِ في ذَلِكَ الثَرى / لَقَد أُدرِجَت أَثناءَها النِعَمُ الخُضرُ
عَلَيكَ مِنَ اللَهِ السَلامُ تَحِيَّةً / يُنَسِّمُكَ الغُفرانَ رَيحانُها النَضرُ
وَعاهَدَ ذاكَ اللَحدَ عَهدُ سَحائِبٍ / إِذا اِستَعبَرَت في تُربِهِ اِبتَسَمَ الزَهرُ
فَفيهِ عَلاءٌ لايُسامى يَفاعُهُ / وَقَدرُ شَبابٍ لَيسَ يَعدِلُهُ قَدرُ
وَأَبيَضَ في طَيِّ الصَفيحِ كَأَنَّهُ / صَفيحَةُ مَأثورٍ طَلاقَتُهُ الأَثرُ
كَأَن لَم تَسِر حُمرُ المَنايا تُظِلُّها / إِلى مُهَجِ الأَقيالِ راياتُهُ الحُمرُ
وَلَم يَحمِ مِن أَن يُستَباحَ حِمى الهُدى / فَلَم يُرضِهِ إِلّا أَنِ ارتُجِعَ الثَغرُ
وَلَم يَنتَجِعهُ المُعتَفونَ فَأَقبَلَت / عَطايا كَما والى شَآبيبَهُ القَطرُ
وَلَم تَكتَنِف آراءَهُ أَلمَعِيَّةٌ / كَأَنَّ نَجِيَّ الغَيبِ في رَأيِها جَهرُ
وَلَم يَتَشَذَّر لِلأُمورِ مُجَلِّياً / إِلَيها كَما جَلّى مِنَ المَرقَبِ الصَقرُ
كِلا لَقَبَي سُلطانِهِ صَحَّ فَألُهُ / فَباكَرَهُ عَضدٌ وَراوَحَهُ نَصرُ
إِلى أَن دَعاهُ يَومُهُ فَأَجابَهُ / وَقَد قَدَمَ المَعروفُ وَاِستَمجَدَ الذُخرُ
فَأَمسى ثَبيرٌ قَد تَصَدّى لِحَملِهِ / سَريرٌ فَلَم يَبهَضهُ مِن هَضبِهِ إِصرُ
أَلا أَيُّها المَولى الوَصولُ عَبيدَهُ / لَقَد رابَنا أَن يَتلُوَ الصِلَةَ الهَجرُ
نُغاديكَ داعينا السَلامُ كَعَهدِنا / فَما يُسمَعُ الداعي وَلا يُرفَعُ السِترُ
أَعَتبٌ عَلَينا ذادَ عَن ذَلِكَ الرِضى / فَنُعتَبَ أَم بِالمَسمَعِ المُعتَلي وَقرُ
أَما إِنَّهُ شُغلٌ فَراغُكَ بَعدَهُ / سَيَنصاتُ إِلّا أَنَّ مَوعِدَهُ الحَشرُ
أَأَنساكَ لَمّا يَنأَ عَهدٌ وَلو نَأى / سَجيسَ اللَيالي لَم يَرِم نَفسِيَ الذِكرُ
وَكَيفَ بِنِسيانٍ وَقَد مَلَأَت يَدي / جِسامُ أَيادٍ مِنكَ أَيسَرُها الوَفرُ
لَئِن كُنتُ لَم أَشكُر لَكَ المِنَنَ الَّتي / تَمَلَّيتُها تَترى لَأَوبَقَني الكُفرُ
فَهَل عَلِمَ الشِلوُ المُقَدَّسُ أَنَّني / مُسَوِّغُ حالٍ ضَلَّ في كُنهِها الفِكرُ
وَأَنَّ مَتابي لَم يُضِعهُ مُحَمَّدٌ / خَليفَتُكَ العَدلُ الرِضى وَابنُكَ البَرُّ
هُوَ الظافِرُ الأَعلى المُؤَيَّدُ بِالَّذي / لَهُ في الَّذي وَلّاهُ مِن صُنعِهِ سِرُّ
رَأى في اِختِصاصي مارَأَيتَ وَزادَني / مَزِيَّةَ زُلفى مِن نَتائِجِها الفَخرُ
وَأَرغَمَ في بِرّي أُنوفَ عِصابَةٍ / لِقاؤُهُمُ جَهمٌ وَلَحظُهُمُ شَزرُ
إِذا ما اِستَوى في الدَستِ عاقِدَ حَبوَةٍ / وَقامَ سِماطاً حَفلِهِ فَلِيَ الصَدرُ
وَفي نَفسِهِ العَلياءَ لي مُتَبَوَّأٌ / يُنافِسُني فيهِ السِماكانِ وَالنَسرُ
يُطيلُ العِدا فِيَّ التَناجِيَ خُفيَةً / يَقولونَ لاتَستَفتِ قَد قُضِيَ الأَمرُ
مَضى نَفثُهُم في عُقدَةِ السَعيِ ضَلَّةً / فَعادَ عَلَيهِم غُمَّةً ذَلِكَ السِحرُ
يَشِبَّ مَكاني عَن تَوَقّي مَكانِهِم / كَما شَبَّ قَبلَ اليَومِ عَن طَوقِهِ عَمرُ
لَكَ الخَيرُ إِنَّ الرُزءَ كانَ غَيابَةً / طَلَعَت لَنا فيها كَما طَلَعَ البَدرُ
فَقَرَّت عُيونٌ كانَ أَسخَنَها البُكا / وَقَرَّت قُلوبٌ كانَ زَلزَلَها الذُعرُ
وَلَولاكَ أَعيا رَأيُنا ذَلِكَ الثَأيُ / وَعَزَّ فَلَمّا يَنتَعِش ذَلِكَ العَثرُ
وَلَمّا قَدَمتَ الجَيشَ بِالأَمسِ أَشرَقَت / إِلَيكَ مِنَ الآمالِ آفاقُها الغُبرُ
فَقَضَيتِ مِن فَرضِ الصَلاةِ لُبانَةً / مُشَيِّعُها نُسكٌ وَفارِطُها طُهرُ
وَمَن قَبلُ ما قَدَّمتَ مَثنى نَوافِلٍ / يُلاقي بِها مَن صامَ مِن عَوَزٍ فِطرُ
وَرُحتَ إِلى القَصرِ الَّذي غَضَّ طَرفَهُ / بُعَيدَ التَسامي أَن غَدا غَيرَهُ القَصرُ
فَداما مَعاً في خَيرِ دَهرٍ صُروفُهُ / حَرامٌ عَلَيها أَن يَطورَهُما هَجرُ
وَأَجمِل عَنِ الثاوي العَزاءَ فَإِن ثَوى / فَإِنَّكَ لا الواني وَلا الضَرَعُ الغُمرُ
وَما أَعطَتِ السَبعونَ قَبلُ أُولي الحِجى / مِنَ الإِربِ ما أَعطَتكَ عَشروكَ وَالعُشرُ
أَلَستَ الَّذي إِن ضاقَ ذَرعٌ بِحادِثٍ / تَبَلَّجَ مِنهُ الوَجهُ وَاِتَّسَعَ الصَدرُ
فَلا تَهِضِ الدُنيا جَناحَكَ بَعدَهُ / فَمِنكَ لِمَن هاضَت نَوائِبُها جَبرُ
وَلا زِلتَ مَوفورَ العَديدِ بِقُرَّةٍ / لِعَينَيكَ مَشدوداً بِهِم ذَلِكَ الأَزرُ
فَإِنَّكَ شَمسٌ في سَماءِ رِياسَةٍ / تَطَلَّعُ مِنهُم حَولَها أَنجُمٌ زُهرُ
شَكَكنا فَلَم نُثبِت أَأَيّامُ دَهرِنا / بِها وَسَنٌ أَم هَزَّ أَعطافَها سُكرُ
وَما إِن تَغَشَّتها مُغازَلَةُ الكَرى / وَما إِن تَمَشَّت في مَفاصِلِها خَمرُ
سِوى نَشَواتٍ مِن سَجايا مُمَلَّكٍ / يُصَدِّقُ في عَليائِها الخَبَرَ الخُبرُ
أَرى الدَهرَ إِن يَبطِش فَأَنتَ يَمينُهُ / وَإِن تَضحَكِ الدُنيا فَأَنتَ لَها ثَغرُ
وَكَم سائِلٍ بِالغَيثِ عَنكَ أَجَبتَهُ / هُناكَ الأَيادي الشَفعُ وَالسُؤدَدُ الوِترُ
هُناكَ التُقى وَالعِلمُ وَالحِلمُ وَالنُهى / وَبَذلُ اللُها وَالبَأسُ وَالنَظمُ وَالنَثرُ
هُمامٌ إِذا لاقى المُناجِزَ رَدَّهُ / وَإِقبالُهُ خَطوٌ وَإِدبارُهُ حُضرُ
مَحاسِنُ مالِلرَوضِ خامَرَهُ النَدى / رُواءٌ إِذا نُصَّت حُلاها وَلا نَشرُ
مَتى انتُشِقَت لَم تُطرِ دارينُ مِسكِها / حَياءً وَلَم يَفخَر بِعَنبَرِهِ الشَحرُ
عَطاءٌ وَلا مَنٌّ وَحُكمٌ وَلا هَوىً / وَحِلمٌ وَلا عَجزٌ وَعِزٌّ وَلا كِبرُ
قَدِ اِستَوفَتِ النَعماءُ فيكَ تَمامَها / عَلَينا فَمِنّا الحَمدُ لِلَّهِ وَالشُكرُ
أَلَم تَرَ أَنَّ الشَمسَ قَد ضَمَّها القَبرُ
أَلَم تَرَ أَنَّ الشَمسَ قَد ضَمَّها القَبرُ / وَأَن قَد كَفانا فَقدَنا القَمَرَ البَدرُ
وَأَنَّ الحَيا إِن كانَ أَقلَعَ صَوبُهُ / فَقَد فاضَ لِلآمالِ في إِثرِهِ البَحرُ
إِساءَةُ دَهرٍ أَحسَنَ الفِعلَ بَعدَها / وَذَنبُ زَمانٍ جاءَ يَتبَعُهُ العُذرُ
فَلا يَتَهَنَّ الكاشِحونَ فَما دَجا / لَنا اللَيلُ إِلّا رَيثَما طَلَعَ الفَجرُ
وَإِن يَكُ وَلّى جَهوَرٌ فَمُحَمَّدٌ / خَليفَتُهُ العَدلُ الرِضى وَاِبنُهُ البَرُّ
لَعَمري لَنِعمَ العِلقُ أَتلَفَهُ الرَدى / فَبانَ وَنِعمَ العِلقُ أَخلَفَهُ الدَهرُ
هَزَزنا بِهِ الصَمّامَ فَالعَزمُ حَدُّهُ / وَحِليَتُهُ العَليا وَإِفرِندُهُ البِشرُ
فَتىً يَجمَعُ المَجدَ المُفَرَّقَ هَمُّهُ / وَيُنظَمُ في أَخلاقِهِ السَودَدُ النَثرُ
أَهابَت إِلَيهِ بِالقُلوبِ مَحَبَّةٌ / هِيَ السِحرُ لِلأَهواءِ بَل دونَها السِحرُ
سَرَت حَيثُ لاتَسري مِنَ الأَنفُسِ المُنى / وَدَبَّت دَبيباً لَيسَ يُحسِنُهُ الخَمرُ
لَبِسنا لَدَيهِ الأَمنَ تَندى ظِلالُهُ / وَزَهرَةَ عَيشٍ مِثلَما أَينَعَ الزَهرُ
وَعادَت لَنا عاداتُ دُنيا كَأَنَّها / بِها وَسَنٌ أَو هَزَّ أَعطافَها سُكرُ
مَليكٌ لَهُ مِنّا النَصيحَةُ وَالهَوى / وَمِنهُ الأَيادي البيضُ وَالنِعَمُ الخُضرُ
نُسِرُّ وَفاءً حينَ نُعلِنُ طاعَةً / فَما خانَهُ سِرٌّ وَلا رابَهُ جَهرُ
فَقُل لِلحَيارى قَد بَدا عَلَمُ الهُدى / وَلِلطامِعِ المَغرورِ قَد قُضِيَ الأَمرُ
أَبا الحَزمِ قَد ذابَت عَلَيكَ مِنَ الأَسى / قُلوبٌ مُناها الصَبرُ لَو ساعَدَ الصَبرُ
دَعِ الدَهرَ يَفجَع بِالذَخائِرِ أَهلَهُ / فَما لِنَفيسٍ مُذ طَواكَ الرَدى قَدرُ
تَهونُ الرَزايا بَعدُ وَهيَ جَليلَةٌ / وَيُعرَفُ مُذ فارَقتَنا الحادِثُ النُكرُ
فَقَدناكَ فِقدانَ السَحابَةِ لَم يَزَل / لَها أَثَرٌ يُثني بِهِ السَهلُ وَالوَعرُ
مَساعيكَ حَليٌ لِلَّيالي مُرَصَّعٌ / وَذِكرُكَ في أَردانِ أَيّامِها عِطرُ
فَلا تَبعَدَن إِنَّ المَنِيَّةَ غايَةٌ / إِلَيها التَناهي طالَ أَو قَصُرَ العُمرُ
عَزاءً فَدَتكَ النَفسُ عَنهُ فَإِن ثَوى / فَإِنَّكَ لا الواني وَلا الضَرَعُ الغُمرُ
وَما الرُزءُ في أَن يودَعَ التُربَ هالِكٌ / بَلِ الرُزءَ كُلَّ الرِزءِ أَن يَهلِكَ الأَجرُ
أَمامَكَ مِن حِفظِ الإِلَهِ طَليعَةٌ / وَحَولَكَ مِن آلائِهِ عَسكَرٌ مَجرُ
وَما بِكَ مِن فَقرٍ إِلى نَصرِ ناصِرٍ / كَفَتكَ مِنَ اللَهِ الكَلاءَةُ وَالنَصرُ
لَكَ الخَيرُ إِنّي واثِقٌ بِكَ شاكِرٌ / لِمَثنى أَياديكَ الَّتي كُفرُها الكُفرُ
تَحامى العِدا لَمّا اِعتَلَقتُكَ جانِبي / وَقالَ المُناوي شَبَّ عَن طَوقِهِ عَمرُ
يَلينُ كَلامٌ كانَ يَخشُنُ مِنهُمُ / وَيَفتُرُ نَحوي ذَلِكَ النَظَرُ الشَزرُ
فَصَدِّق ظُنوناً لي وَفِيَّ فَإِنَّني / لَأَهلُ اليَدِ البَيضاءَ مِنكَ وَلا فَخرُ
وَمَن يَكُ لِلدُنيا وَلِلوَفرِ سَعيُهُ / فَتَقريبُكَ الدُنيا وَإِقبالُكَ الوَفرُ
أَقدِم كَما قَدِمَ الرَبيعُ الباكِرُ
أَقدِم كَما قَدِمَ الرَبيعُ الباكِرُ / وَاِطلُع كَما طَلَعَ الصَباحُ الزاهِرُ
قَسَماً لَقَد وَفّى المُنى وَنَفى الأَسى / مَن أَقدَمَ البُشرى بِأَنَّكَ صادِرُ
لِيُسَرَّ مُكتَئِبٌ وَيُغفِيَ ساهِرٌ / وَيَراحَ مُرتَقِبٌ وَيوفِيَ ناذِرُ
قَفَلٌ وَإِبلالٌ عَقيبَ مُطيفَةٍ / غَشِيَت كَما غَشِيَ السَبيلَ العابِرُ
إِن أَعنَتَ الجِسمَ المُكَرَّمَ وَعكُها / فَلَرُبَّما وُعِكَ الهِزَبرُ الخادِرُ
ما كانَ إِلّا كَاِنجِلاءِ غَيابَةٍ / لَبِسَ الفِرَندَ بِها الحُسامُ الباتِرُ
فَلتَغدُ أَلسِنَةُ الأَنامِ وَدَأبُها / شُكرٌ يُجاذِبُهُ الخَطيبَ الشاعِرُ
إِن كانَ أَسعَدَ مِن وُصولِكَ طالِعٌ / فَكَذاكَ أَيمَنَ مِن قُفولِكَ طائِرُ
أَضحى الزَمانُ نَهارُهُ كافورَةٌ / وَاللَيلُ مِسكٌ مِن خِلالِكَ عاطِرُ
قَد كانَ هَجري الشِعرَ قَبلُ صَريمَةً / حَذَري لِذاكَ النَقدُ فيها عاذِرُ
حَتّى إِذا آنَستُ أَوبَكَ بارِئاً / صَفَتِ القَريحَةُ وَاِستَنارَ الخاطِرُ
عَيٌّ قَلَبتَ إِلى البَلاغَةِ عِيَّهُ / لَولا تُقاكَ لَقُلتُ إِنَّكَ ساحِرُ
لَقَّحتَ ذِهني فَاِجنِ غَضَّ ثِمارِهِ / فَالنَخلُ يُحرِزُ مُجتَناهُ الآبِرُ
كَم قَد شَكَرتُكَ غِبَّ ذِكرِكَ فَاِنتَشى / مُتَذَكِّرٌ مِنّي وَغَرَّدَ شاكِرُ
يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي عَلياؤُهُ / مَثَلٌ تَناقَلُهُ اللَيالي سائِرُ
يا مَن لِبَرقِ البِشرِ مِنهُ تَهَلُّلٌ / ما شيمَ إِلّا اِنهَلَّ جودٌ هامِرُ
أَنتَ اِبنُ مَن مَجدَ المُلوكَ فَإِن يَكُن / لِلمَجدِ عَينٌ فَهُوَ مِنها ناظِرُ
مَلِكٌ أَغَرُّ اِزدانَتِ الدُنيا بِهِ / وَأَعَزَّ دينَ اللَهِ مِنهُ ناصِرُ
أَبناكَ في ثَبَجِ المَجَرَّةِ قُبَّةً / فَهَناكَ أَنَّكَ لِلنُجومِ مُخاصِرُ
وَتَلَقَّ مِن سِمَتَيكَ صِدقَ تَفاؤُلي / فَهُما المُؤَيَّدُ بِالإِلَهِ الظافِرُ
عِذَري إِن عَذَلتَ في خَلعِ عُذري
عِذَري إِن عَذَلتَ في خَلعِ عُذري / غُصُنٌ أَثمَرَت ذُراهُ بِبَدرِ
هَزَّ مِنهُ الصَبا فَقَوَّمَ شَطراً / وَتَجافى عَنِ الوِشاحِ بِشَطرِ
رَشَأٌ أَقصَدَ الجَوانِحَ قَصداً / عَن جُفونٍ كُحِلنَ عَمداً بِسِحرِ
كُسِيَ الحُسنَ فَهُوَ يَفتَنُّ فيهِ / ساحِباً ذَيلَ بُردِهِ المُسبَكِرِّ
تَحتَ ظِلٍّ مِنَ الغَرارَةِ فَينا / نَ وَوُرقٍ مِنَ الشَبيبَةِ نُضرِ
أَبرَزَ الجيدَ في غَلائِلَ بيضٍ / وَجَلا الخَدَّ في مَجاسِدَ حُمرِ
وَتَثَنَّت بِعِطفِهِ إِذ تَهادى / خَطرَةٌ تَمزُجُ الدَلالَ بِكِبرِ
زارَني بَعدَ هَجعَةٍ وَالثُرَيّا / راحَةٌ تَقدِرُ الظَلامَ بِشِبرِ
وَالدُجى مِن نُجومِهِ في عُقودٍ / يَتَلَألَأنَ مِن سِماكٍ وَنِسرِ
تَحسَبُ الأُفقَ بَينَها لازَوَرداً / نُثِرَت فَوقَهُ دَنانيرُ تِبرِ
فَرَشَفتُ الرُضابَ أَعذَبَ رَشفٍ / وَهَصرتُ القَضيبَ أَلطَفَ هَصرِ
وَنَعِمنا بِلَفِّ جِسمٍ بِجِسمٍ / لِلتَصافي وَقَرعِ ثَغرٍ بِثَغرِ
يا لَها لَيلَةً تَجَلّى دُجاها / مِن سَنا وَجنَتَيهِ عَن ضَوءِ فَجرِ
قَصَّرَ الوَصلُ عُمرَها وَبِوُدّي / أَن يَطولَ القَصيرُ مِنها بِعُمري
مَن عَذيري مِن رَيبِ دَهرٍ خَؤونٍ / كُلُّ يَومٍ أُراعُ مِنهُ بِغَدرِ
كُلَّما قُلتُ حاكَ فيهِ مَلامي / نَهَسَتني مِنهُ عَقارِبُ تَسري
وَتَرَتني خُطوبُهُ في صَفِيٍّ / فاضِلٍ نابِهٍ مِنَ الدَهرِ وِترِ
بانَ عَنّي وَكانَ رَوضَةَ عَيني / فَغَدا اليَومَ وَهُوَ رَوضَةُ فِكري
فَكِهٌ يُبهِجُ الخَليلَ بِوَجهٍ / تَرِدُ العَينُ مِنهُ يَنبوعَ بِشرِ
لَوذَعِيٌّ إِن يَبلُهُ الخُبرُ يَوماً / أَخجَلَ الوَردَ عَن خَلائِقَ زُهرِ
وَإِذا غازَلَتهُ مُقلَةُ طَرفٍ / كادَ مِن رِقَّةٍ يَذوبُ فَيَجري
يا أَبا القاسِمِ الَّذي كانَ رِدئي / وَظَهيري عَلى الزَمانِ وَذُخري
يا أَحَقَّ الوَرى بِمَمحوضِ إِخلا / صي وَأَولاهُمُ بِغايَةُ شُكري
طَرَقَ الدَهرُ ساحَتي مِن تَنائيكَ / كَ بِجَهمٍ مِنَ الحَوادِثِ نُكرِ
لَيتَ شِعري وَالنَفسُ تَعلَمُ أَنَّ لَي / سَ بِمُجدٍ عَلى الفَتى لَيتَ شِعري
هَل لِخالي زَمانِنا مِن رُجوعٍ / أَم لِماضي زَمانِنا مِن مَكَرِّ
أَينَ أَيّامُنا وَأَينَ لَيالٍ / كَرِياضٍ لَبِسنَ أَفوافَ زَهرِ
وَزَمانٌ كَأَنَّما دَبَّ فيهِ / وَسَنٌ أَو هَفا بِهِ فَرطُ سُكرِ
حينَ نَغدو إِلى جَداوِلَ زُرقٍ / يَتَغَلغَلنَ في حَدائِقَ خُضرِ
في هِضابٍ مَجلُوَّةِ الحُسنِ حُمرٍ / وَبَوادٍ مَصقولَةِ النَبتِ عُفرِ
نَتَعاطى الشَمولَ مُذهَبَةَ السِر / بالِ وَالجَوُّ في مَطارِفَ غُبرِ
في فُتُوٍّ تَوَشَحوا بِالمَعالي / وَتَرَدّوا بِكُلِّ مَجدٍ وَفَخرِ
وُضَّحٍ تَنجَلي الغَياهِبُ مِنهُم / عَن وُجوهٍ مِثلِ المَصابيحِ غُرِّ
كُلُّ خِرقٍ يَكادُ يَنهَلُّ ظَرفاً / زانَ مَرأىً بِهِ بِأَكرَمِ خُبرِ
وَسَجايا كَأَنَّهُنَّ كُؤوسٌ / أَو رِياضٌ قَد جادَها صَوبُ قَطرِ
يَتَلَقّى القَبولَ مِنّي قُبولٌ / كُلَّما راحَ نَفحُها اِرتاحَ صَدري
فَهُوَ يَسري مُحَمَّلاً مِن سَجايا / كَ نَسيماً يُزهى بِأَفوَحِ عِطرِ
يا خَليلَيَّ وَواحِدي وَالمُعَلّى / مِن قِداحي وَالمُستَبِدُّ بِبِرّي
لا يَضِع وُدِّيَ الصَريحُ الَّذي أَر / ضاكَ مِنهُ اِستِواءُ سِرّي وَجَهري
وَتَوالي أَذِمَّةٍ نَظَمَتنا / نَظمَ عِقدِ الجُمانِ في نَحرِ بِكرِ
لا يَكُن قَصرُكَ الجَفاءَ فَإِنَّ الوُدَّ / إِن ساعَدَت حَياتي قَصري
وَأَعِد بِالجَوابِ دَولَةَ أُنسٍ / قَد تَقَضَّت إِلّا عُلالَةَ ذِكرِ
واكِسُ مَتنَ القِرطاسِ ديباجَ لَفظٍ / يَبهَرُ الفِكرَ مِن نَظيمٍ وَنَثرِ
غُرَرٌ مِن بَدائِعٍ لا يَشُّكُ الدَه / رُ في أَنَّها قَلائِدُ دُرِّ
تَتَوالى عَلى النُفوسِ دِراكاً / عَن فَتىً موسِرٍ مِنَ الطَبعِ مُثرِ
شَدَّ في حَلبَةِ البَلاغَةِ حَتّى / بانَ فيها عَن شَأوِ سَهلٍ وَعَمرِ
وَإِذا أَنتَ لَم تُعَجِّل جَوابي / كانَ هَذا الكِتابُ بَيضَةَ عُقرِ
فَاِبقَ في ذِمَّةِ السَلامَةِ ما اِنجا / بَ عَنِ الأُفُقِ عارِضٌ مُتَسَرِّ
وَعَلَيكَ السَلامُ ما غَنَّتِ الوُر / قُ وَمالَت بِها ذَوائِبُ سِدرِ
هُوَ الدَهرُ فَاِصبِر لِلَّذي أَحدَثَ الدَهرُ
هُوَ الدَهرُ فَاِصبِر لِلَّذي أَحدَثَ الدَهرُ / فَمِن شِيَمِ الأَبرارِ في مِثلِها الصَبرُ
سَتَصبِرُ صَبرَ اليَأسِ أَو صَبرَ حِسبَةٍ / فَلا تَرضَ بِالصَبرِ الَّذي مَعَهُ وِزرُ
حِذارَكَ مِن أَن يُعقِبَ الرِزءُ فِتنَةً / يَضيقُ لَها عَن مِثلِ أَخلاقِكَ العُذرُ
إِذا أَسِفَ الثَكلُ اللَبيبَ فَشَفَّهُ / رَأى أَبرَحَ الثَكلَينِ أَن يَحبِطَ الأَجرُ
مُصابُ الَّذي يَأسى بِمَيتِ ثَوابِهِ / هُوَ البَرحُ لا المَيتُ الَّذي أَحرَزَ القَبرُ
حَياةُ الوَرى نَهجٌ إِلى المَوتِ مَهيَعٌ / لَهُم فيهِ إيضاعٌ كَما يوضِعُ السَفرُ
فَيا هادِيَ المِنهاجِ جُرتَ فَإِنَّما / هُوَ الفَجرُ يَهديكَ الصِراطَ أَوِ البَجرُ
لَنا في سِوانا عِبرَةٌ غَيرَ أَنَّنا / نُغَرُّ بِأَطماعِ الأَماني فَنَغتَرُّ
إِذا المَوتُ أَضحى قَصرَ كُلِّ مُعَمَّرٍ / فَإِنَّ سَواءً طالَ أَو قَصُرَ العُمرُ
أَلَم تَرَ أَنَّ الدينَ ريعَ ذِمارُهُ / فَلَم يُغنِ أَنصارٌ عَديدٌ وَلا وَفرُ
بِحَيثُ اِستَقَلَّ المُلكُ ثانِيَ عِطفِهِ / وَجَرَّرَ مِن أَذيالِهِ العَسكَرُ المَجرُ
هُوَ الضَيمُ لَو غَيرُ القَضاءِ يَرومُهُ / شَآهُ المُرامُ الصَعبُ وَالمَسلَكُ الوَعرُ
إِذا عَثَرَت جُردُ السَوابِحِ في القَنا / بِلَيلِ عَجاجٍ لَيسَ يَصدُعُهُ فَجرُ
لَقَد بَكَرَ الناعي عَلَينا بِدَعوَةٍ / عَوانٍ أَمَضَّتنا لَها لَوعَةٌ بِكرُ
أَأَنفَسَ نَفسٍ في الوَرى أَقصَدَ الرَدى / وَأَخطَرَ عِلقٍ لِلهُدى أَهلَكَ الدَهرُ
هَنيئاً لِبَطنِ الأَرضِ أُنسٌ مُجَدَّدٌ / بِثاوِيَةٍ حَلَّتهُ فَاِستَوحَشَ الظَهرُ
بِطاهِرَةِ الأَثوابِ فاتِنَةِ الضُحى / مُسَبَّحَةِ الآناءِ مِحرابُها الخِدرُ
فَإِن أُنيئَت فَالنَفسُ أَنأى نَفيسَةٍ / إِذِ الجِسمُ لا يَسمو لِتَذكيرِهِ ذِكرُ
حَصانٌ إِنِ التَقوى اِستَبَدَّت بِسِرِّها / فَمِن صالِحِ الأَعمالِ يُستَوضَحُ الجَهرُ
يُطَأطَأُ سِترُ الصَونِ دونَ حِجابَها / فَيَرفَعُ عَن مَثنى نَوافِلِها السَترُ
لَعَمرُ البُرودِ البيضِ في ذَلِكَ الثَرى / لَقَد أُدرِجَت أَثناءَها النِعَمُ الخُضرُ
عَلَيها سَلامُ اللَهِ تَترى تَحِيَّةً / يُنَسِّمُها الغُفرانَ رَيحانُها النَضرُ
وَعاهَدَ تِلكَ الأَرضَ عَهدُ غَمامَةٍ / إِذا اِستَعبَرَت في تُربِها اِبتَسَمَ الزَهرُ
فَدَيناكَ إِنَّ الرِزءَ كانَ غَمامَةً / طَلَعَت لَنا فيها كَما يَطلُعُ البَدرُ
أَلَستَ الَّذي إِن ضاقَ ذَرعٌ بِحادِثٍ / تَبَلَّجَ مِنهُ الوَجهُ وَاِتَّسَعَ الصَدرُ
تَعَزَّ بِحَوّاءَ الَّتي الخَلقُ نَسلُها / فَمِن دونِها في العَصرِ يَتبَعُهُ العَصرُ
نِساءُ النَبِيِّ المُصطَفى أُمَّهاتُنا / ثَوَينَ فَمَغناهُنَّ مُذ حُقُبٍ قَفرُ
وَجازَيتَها الحُسنى فَأُمٌّ شَفيقَةٌ / تَحَفّى بِها اِبنٌ كُلُّ أَفعالِهِ بِرُّ
تَمَنَّت وَفاةً في حَياتِكَ بَعدَما / تَوالَت كَنَظمِ العِقدِ آمالُها النَثرُ
كأَنَّ الرَدى نَذرٌ عَلَيها مُؤَكَّدٌ / فَإِن أُسعِفَت بِالحَظِّ فيكَ وَفى النَذرُ
تَوَلَّت فَأَبقَت مِن مُجابِ دُعائِها / نَفائِسَ ذُخرٍ مايُقاسُ بِهِ ذُخرُ
تَتِمُّ بِهِ النُعمى وَتَتَّسِقُ المُنى / وَتُستَدفَعُ البَلوى وَيُستَقبَلُ الصَبرُ
فَلا تَهِضِ الدُنيا جَناحَكَ بَعدَها / فَمِنكَ لِمَن هاضَت نَوائِبُها جَبرُ
وَلا زِلتَ مَوفورَ العَديدِ بِقُرَّةٍ / لِعَينَيكَ مَشدودٍ بِهِم ذَلِكَ الأَزرُ
بَني جَهوَرٍ أَنتُم سَماءُ رِياسَةٍ / لَعافيكُمُ في أُفقِها أَنجُمٌ زُهرُ
تَرى الدَهرَ إِن يَبطُش فَمِنكُم يَمينُهُ / وَإِن تَضحَكِ الدُنيا فَأَنتُم لَها ثَغرُ
لَكُم كُلُّ رَقراقِ السَماحِ كَأَنَّهُ / حُسامٌ عَلَيهِ مِن طَلاقَتِهِ أَثرُ
سَحائِبُ نُعمى أَبرَقَت وَتَدَفَّقَت / فَصَيِّبُها الجَدوى وَبارِقُها البِشرُ
إِذا ما ذُكِرتُم وَاِستُشِفَّت خِلالُكُم / تَضَوَّعَتِ الأَخبارُ وَاِستَمجَدَ الخُبرُ
طَريقَتُكُم مُثلى وَهَديُكُمُ رِضىً / وَنائِلُكُم غَمرٌ وَمَذهَبُكُم قَصرُ
وَكَم سائِلٍ بِالغَيبِ عَنكُم أَجَبتُهُ / هُناكَ الأَيادي الشَفعُ وَالسَودَدُ الوِترُ
عَطاءٌ وَلا مَنٌّ وَحِكمٌ وَلا هَوىً / وَحِلمٌ وَلا عَجزٌ وَعِزٌّ وَلا كِبرُ
قَدِ اِستَوفَتِ النَعماءُ فيكُم تَمامَها / عَلَينا فَمِنّا الحَمدُ لِلَّهِ وَالشُكرُ
رِضاكَ لَنا قَبلَ الطَهورِ مُطَهِّرُ
رِضاكَ لَنا قَبلَ الطَهورِ مُطَهِّرُ / وَقُربُكَ مِن دونِ البَخورِ مُعَطِّرُ
فَلَو عَزَّ حَمّامٌ لَأَدفَأَنا ذَرىً / يَفيضُ بِهِ ماءُ النَدى المُتَفَجِّرُ
وَلَو لَم يَكُن طيبٌ لَأَغنَت حَفاوَةٌ / تُمَسَّكُ مِنها حالُنا وَتُعَنبَرُ
فَلا فارَقَ الدُنيا سَناءٌ مُقَدَّسٌ / بِعَيشِكَ فيها أَو ثَناءٌ مُجَمَّرُ
وَدُمتَ مُلَقّىً كُلَّ يَومٍ صَبيحَةً / يُغاديكَ فيها بِالفُتوحِ مُبَشِّرُ
أَيُّها الظافِرُ أَبشِر بِالظَفَر
أَيُّها الظافِرُ أَبشِر بِالظَفَر / وَاِجتَلِ التَأييدَ في أَبهى الصوَّر
وَتَفَيَّأَ ظِلَّ سَعدٍ تَجتَني / فيهِ مِن غَرسِ المُنى أَحلى الثَمَر
وَرِدِ الصُبحَ فَكَم مُستَوحِشٍ / غَرِضٍ مِنكَ إِلى أُنُسِ الصَدَر
كانَ مِن قُربِكَ في عَيشٍ نَدٍ / عَطِرِ الآصالِ وَضّاحِ البُكَر
كُلَّما شاءَ تَأَتّى أَن يَرى / خُلُقَ البِرجيسِ في خَلقِ القَمَر
فَثَوى دونَكَ مَثوى قَلِقٍ / يَشتَكي مِن لَيلِهِ مَطلَ السَحَر
قُل لِساقينا يَحُز أَكؤُسَهُ / وَلِشادينا يَصِل قَطعَ الوَتَر
حَسبُنا سُكرٌ جَنَتهُ ذِكَرٌ / دونَهُ السُكرُ الَّذي يَجني السَكَر
لَم يُغادِر لي سَقامي جَلَداً / مَعَ أَنّي لَم أَزَل ثَبتَ المِرَر
أَيُّها الماشي البَرازَ المُنبَري / لِزَماني إِن مَشى نَحوي الخَمَر
وَالَّذي إِن سيمَ ما فَوقَ الرِضى / وُجِدَ الأَلوى البَعيدَ المُستَمَرّ
وَإِذا أَعتَبَ في مَعتَبَةٍ / لانَ مِنهُ جانِبُ السَمحِ اليَسَر
نَظمِيَ المُهدى إِلى أَبرَعِ مَن / نَظَمَ السِحرَ بَياناً أَو نَثَر
لي فيهِ المَثَلُ السائِرُ عَن / جالِبِ التَمرِ إِلى أَرضِ هَجَر
غَيرَ أَنَّ العُذرَ رَسمٌ واضِحٌ / تُنفَثُ الشَكوى إِذا الشَوقُ صَدَر
ثُمَّ قَد وُفِّقَ عَبدٌ عَظُمَت / نِعمَةُ المَولى عَلَيهِ فَشَكَر
لا عَدا حَظَّكَ إِقبالٌ تُرى / قاضِياً أَثناءَهُ كُلَّ وَطَر
وَاِصطَبِح كَأسَ الرِضى مِن مَلِكٍ / سِرتَ في إِرضائِهِ أَزكى السِيَر
حينَ صَمَّمتَ إِلى أَعدائِهِ / فَاِنتَحَتهُم مِنكَ صَمّاءُ الغِيَر
فاضَ غَمرٌ لِلنَدى مِن فَوقِهِم / كانَ يُروي شُربَهُم مِنهُ الغُمَر
سَبَقَ الناسَ فَصَلّى مِنكَ مَن / إِن رَأى آثارَهُ الزُهرَ اِقتَفَر
زِنتُما الأَيّامَ إِذ مُلكُكُما / سالَ في أَوجُهِها سَيلَ الغُرَر
فَاِبقَيا في دَولَةٍ قادِرَةٍ / بَعضُ حُرّاسِ نَواحيها القَدَر
مُستَذِلَّي مَن طَغى مُستَأصِلَي / شَأفَةَ الباغي مُقيلَي مَن عَثَر
عَلِّمي مَن ضَلَّ مُزنَي مَن شَكا / خَلَّةَ الإِمحالِ بَدرَي مَن نَظَر
تَضحَكُ الأَزمُنُ عَن عَلياكُما / ضَحِكَ الرَوضَةِ عَن ثَغرِ الزَهَر
لَو أَنَّني لَكَ في الأَهواءِ مُختارُ
لَو أَنَّني لَكَ في الأَهواءِ مُختارُ / لَما جَرَت بِالَّذي تَشكوهُ أَقدارُ
لَكِنَّها فِتَنٌ في مِثلِ غَيهَبِها / تَعمى البَصائِرُ إِن لَم تَعمَ أَبصارُ
فَأَحسِنِ الظَنِّ لا تَرتَب بِعَهدِ فَتىً / تَعفو العُهودُ وَتَبقى مِنهُ آثارُ
لَو كانَ يُعطى المُنى في الأَمرِ يُمكِنُهُ / لَما أَغَبَّكَ يَوماً مِنهُ زَوّارُ
فَلا يُريبَنكَ في ذِكرِ الصَديقِ بِهِ / مَن لَيسَ يَجهَلُ أَنَّ الدَهرَ دَوّارُ
هَوايَ وَإِن تَناءَت عَنكَ داري
هَوايَ وَإِن تَناءَت عَنكَ داري / كَمِثلِ هَوايَ في حالِ الجِوارِ
مُقيمٌ لا تُغَيِّرُهُ عَوادٍ / تُباعِدُ بَينَ أَحيانِ المَزارِ
رَأَيتُكَ قُلتَ إِنَّ الوَصلَ بَدرٌ / مَتى خَلَتِ البُدورُ مِنَ السِرارِ
وَرابَكَ أَنَّني جَلدٌ صَبورٌ / وَكَم صَبرٍ يَكونُ عَنِ اِصطِبارِ
وَلَم أَهجُر لِعَتبٍ غَيرَ أَنّي / أَضَرَّت بي مُعاقَرَةُ العُقارِ
وَأَنَّ الخَمرَ لَيسَ لَها خُمارٌ / تُبَرَّحُ بي فَكَيفَ مَعَ الخُمارِ
وَهَل أَنسى لَدَيكَ نَعيمَ عَيشٍ / كَوَشيِ الخَدِّ طُرِّزَ بِالعِذارِ
وَساعاتٍ يَجولُ اللَهوُ فيها / مَجالَ الطَلِّ في حَدَقِ البَهارِ
وَإِن يَكُ قَرَّ عَنكَ اليَومَ جِسمي / فُديتَ فَما لِقَلبِيَ مِن قَرارِ
وَكُنتَ عَلى البِعادِ أَجَلَّ عِلقٍ / لَدَيَّ فَكَيفَ إِذ أَصبَحتَ جاري
وَلَيلٍ أَدَمنا فيهِ شُربَ مُدامَةٍ
وَلَيلٍ أَدَمنا فيهِ شُربَ مُدامَةٍ / إِلى أَن بَدا لِلصُبحِ في اللَيلِ تَأثيرُ
وَجاءَت نُجومُ الصُبحِ تَضرِبُ في الدُجى / فَوَلَّت نُجومُ اللَيلِ وَاللَيلُ مَقهورُ
فَحُزنا مِنَ اللَذاتِ أَطيَبَ طيبِها / وَلَم يَعرُنا هَمٌّ وَلا عاقَ تَكديرُ
خَلا أَنَّهُ لَو طالَ دامَت مَسَرَّتي / وَلَكِن لَيالي الوَصلِ فيهِنَّ تَقصيرُ
أَتاكَ مُحَيِّياً عَني اِعتِذارا
أَتاكَ مُحَيِّياً عَني اِعتِذارا / عَذارى دونَهُ ريقُ العَذارى
تَخالُ الشَهدَ مِنهُ مُستَمَدّاً / وَنَفحَ المِسكِ مِنهُ مُستَعارا
يَروقُ العَينَ مِنهُ جِسمُ ماءٍ / غَدا ثَوبُ الهَواءِ لَهُ شِعارا
وَلَولا أَنَّني قَد نِلتُ مِنهُ / وَلَم أَسكَر لَخِلتُ بِهِ عُقارا
بَعَثتُ بِهِ وَلَو أَهدَيتُ نَفسي / إِلَيكَ لَكانَ مِن بِرّي اِقتِصارا
فَأَنعِم بِالقَبولِ فَرُبَّ نُعمى / أَعَدتَ بِها دُجى لَيلي نَهارا
أَفَدتَني مِن نَفائِسِ الدُرَرِ
أَفَدتَني مِن نَفائِسِ الدُرَرِ / ما أَبرَزَتهُ غَوائِصُ الفِكَرِ
مِن لَفظَةٍ قارَنَت نَظيرَتَها / قِرانَ سُقمِ الجُفونِ لِلحَوَرِ
أَبدَعَها خاطِرٌ بَدائِعُهُ / في النَظمِ حازَت جَلالَةَ الخَطَرِ
العِطرُ مِنهُ سَرى لَهُ نَفَسٌ / مِن نَفَسِ الرَوضِ رَقَّ في السَحَرِ
يا راقِمَ الوَشيِ زانَهُ ذَهَبٌ / رَقرَقَ إِذ رَفَّ مِنهُ في الطُرَرِ
وَناظِمَ العَقدِ نَظمَ مُقتَدِرٍ / يَفصِلُ بَينَ العُيونِ بِالغُرَرِ
لي بِالنِضالِ الَّذي نَشِطَت لَهُ / عَهدٌ قَديمٌ مُعَجَّمُ الأَثَرِ
هَل أُنصِلُ السَهمَ في الجَفيرِ وَقَد / تَعَطَّلَت فوقُهُ مِنَ الوَتَرِ
ما الشِعرُ إِلّا لِمَن قَريحَتُهُ / غَريضَةُ النورِ غَضَّةُ الثَمَرِ
تَبسِمُ عَن كُلِّ زاهِرٍ أَرِجٍ / مِثلَ الكِمامِ اِبتَسَمنَ عَن زَهَرِ
إِنَّ الشَفيعَ الهُمامَ سَوَّغَهُ اللَ / هُ اِتّصالَ التَأييدِ بِالظَفَرِ
الفاضِلُ الخُبرِ في المُلوكِ إِذا / قَصَّرَ خُبرٌ عَن غايَةِ الخَبَرِ
نَجلُ الَّذي نُصحُهُ وَطاعَتُهُ / كَالحَجِّ تَتلوهُ بَرَّةُ العُمَرِ
شاهِدُ عَهدي لَكَ الصَحيحُ بِإِخ / لاصٍ نَأى صَفوُهُ عَنِ الكَدَرِ
مَشَيتُ في عَذلِيَ البَرازَ لِمَن / لَم يَرضَ في العُذرِ مِشيَةَ الخَمَرِ
وَقُلتُ مَطلُ الغَنِيِّ وِردٌ مِنَ ال / ظُلَمِ يُلَقّى مُلاوِمَ الصَدَرِ
وَلي مَعاذيرُ لَو تَطَلَّعُ في / لَيلِ سِرارٍ أَغنَت عَنِ القَمَرِ
مَنها اِتِّقائي لِأَن أَكونَ أَنا ال / جالِبَ ما قُلتُهُ إِلى هَجَرِ
لَكِن سَيَأتيكَ ما يُجَوِّزُهُ / سَروُكَ دَأبَ المُسامِحِ اليَسَرِ
فَاِكتَفِ مِنهُ بِنَظرَةٍ عَنَنٍ / لا حَظَّ فيهِ لِكَرَّةِ النَظَرِ