المجموع : 118
حَمَلنَ عَلى اليَعمَلاتِ الخُدورا
حَمَلنَ عَلى اليَعمَلاتِ الخُدورا / وَأَودَعنَ فيها الدُمى وَالبُدورا
وَواعَدنَ قَلبي أَن يَرجِعوا / وَهَل تَعِدُ الخودُ إِلّا غُرورا
وَحَيَّت بِعُنّابِها لِلوَداعِ / فَأَذرَت دُموعاً تَهيجُ السَعيرا
فَلَمّا تَوَلَّت وَقَد يَمَّمَت / تُريدُ الحَوَرنَقَ ثُمَّ السَديرا
دَعَوتُ ثُبوراً عَلى إِثرِهِم / فَرَدَّت وَقالَت أَتَدعو ثُبورا
فَلا تَدعُوَنَّ بِها واحِداً / وَلكِنَّما اِدعُ ثُبوراً كَثيرا
أَلا يا حَمامَ الأَراكِ قَليلاً / فَما زادَكَ البَينُ إِلّا هَديرا
وَنَوحُكَ يا أَيُّهذا الحَمامُ / يُثيرُ المَشوقَ يَهيجُ الغَيورا
يُذيبُ الفُؤادَ يَذودُ الرَقادَ / يُضاعِفُ أَشواقَنا وَلِلزَّفيرا
يَحومُ الحِمامُ لِنَوحِ الحَمامِ / فَيَسأَلُ مِنهُ البَقاءَ يَسيرا
عَسى نَفحَةٌ مَن صَبا حاجِرٍ / تَسوقُ إِلَينا سَحاباً سَطيرا
تُرَوّي بِها أَنفُساً ظَمِئنَ / فَما اِزدادَ سُحبُكَ إِلّا نُفورا
فَيا راعِيَ النَجمِ كُن لي نَديماً / وَيا ساهِرَ البَرقِ كُن لي سَميرا
أَيا راقِدَ اللَيلِ هُنَّئتَهُ / فَقُل لِلمَماتِ عَمَرتَ القُبورا
فَلَو كُنتَ تَهوى الفَتاةَ العَروبا / لَنِلتَ النَعيمَ بِها وَالسُرورا
تُعاطى الحِسانَ خُمورَ الخِمارِ / تُناجي الشُموسَ تُناغي البُدورا
نَفسي الفِداءُ لِبيضٍ خُرَّدٍ عُرُبٍ
نَفسي الفِداءُ لِبيضٍ خُرَّدٍ عُرُبٍ / لَعِبنَ بي عِندَ لَثِمِ الرُكنِ وَالحَجَرِ
ما تَستَدَلُّ إِذا ما تَهتَ خَلفَهُمُ / إِلّا بِريحِهِمُ مِن طَيِّبِ الأَثَرِ
وَلا دَجا بِيَ لَيلٌ ما بِهِ قَمَرٌ / إِلّا ذَكَرتُهُمُ فَسِرتُ في القَمَرِ
وَإِنَّما حينَ أُمسي في رِكابِهِمُ / فَاللَيلُ عِندِيَ مِثلُ الشَمسَ في البُكَرِ
غازَلتُ مِن غَزَلي مِنهُنَّ واحِدَةً / حَسناءَ لَيسَ لَها أُختٌ مِنَ البَشَرِ
إِن أَسفَرَت عَن مُحَيّاها أَرَتكَ سَناً / مِثلَ الغَزالَةِ إِشراقاً بِلا غَبَرِ
لِلشَّمسِ غُرَّتُها لِلَّيلِ طُرَّتُها / شَمسٌ وَلَيلٌ مَعاً مِن أَعجُبِ الصُوَرِ
فَنَحنُ بِاللَيلِ في ضَوءِ النَهارِ بِها / وَنَحنُ في الظُهرِ في لَيلٍ مِنَ الشَعَرِ
طَلَعَت بَينَ أَذرِعاتٍ وَبَصرى
طَلَعَت بَينَ أَذرِعاتٍ وَبَصرى / بِنتُ عَثرٍ وَأَربَعٍ لِيَ بَدرا
قَد تَعالَت عَلى الزَمانِ جَلالاً / وَتَسامَت عَلَيهِ فَخراً وَكِبرا
كُلُّ بَدرٍ إِذا تَناهى كَمالاً / جاءَهُ نَقصُهُ لِيَكمُلَ شَهرا
غَيرَ هذي فَما لَها حَرَكاتٌ / في بُروجٍ فَما تُشَفِّعُ وِترا
حُقَّةٌ أودِعَت عَبيراً وَنَشرا / رَوضَةٌ أَنبَتَت رَبيعاً وَزَهرا
اِنتَهى الحُسنُ فيكِ أَقصى مَداهُ / ما لِوُسعِ الإِمكانِ مِثلُكَ أُخرى
رَعى اللَهُ طَيراً عَلى بانَةٍ
رَعى اللَهُ طَيراً عَلى بانَةٍ / قَد اِفصَحَ لي عَن صَحيحِ الخَبَر
بِأَنَّ الأَحِبَّةَ شَدّوا عَلى / رَواحِلِهِم ثُمَّ راحوا سَحَر
فَسِرتُ وَفي القَلبِ مِن أَجلِهِم / جَحيمٌ لِبَينِهِمُ تَستَعِر
أُسابِقُهُم في ظَلامِ الدُجى / أُنادي بِهِم ثُمَّ أَقفو الأَثَر
وَما لي دَليلٌ عَلى إِثرِهِم / سِوى نَفَسٍ مِن هَواهُم عَطِر
رَفَعنَ السَجافَ أَضاءَ الدُجى / فَسارَ الرِكابُ لِضَوءِ القَمَر
فَأَرسَلتُ دَمعي أَمامَ الرِكابِ / فَقالوا مَتى سالَ هذا النَهَر
وَلَم يَستَطيعو عُبوراً لَهُ / فَقُلتُ دُموعي جَرَينَ دُرَر
كَأَنَّ الرُعودَ لِلَمعِ البُروقِ / وَسَيرِ الغَمامِ لِصَوبِ المَطَر
وَجيبُ القُلوبِ لِبَرقِ الثُغورِ / وَسَكبُ الدُموعِ لِرَكبٍ نَفَر
فَيا مَن يُشَبِّهُ لينَ القُدودِ / بِلينِ القَضيبِ الرَطيبِ النَضِر
فَلَو عُكِسَ الأَمرُ مِثلَ الَّذي / فَعَلتَ لَكانَ سَليمَ النَظَر
فَلينُ الغُصونِ كَلينِ القُدودِ / وَوَردُ الرِياضَ كَوَردِ الحَفَر
طَلَعَ البَدرُ في دُجى الشَعَرِ
طَلَعَ البَدرُ في دُجى الشَعَرِ / وَسَقى الوَردُ نَرجِسَ الحَوَرِ
غادَةٌ تاهَتِ الحِسانُ بِها / وَزَها نورُها عَلى القَمَرِ
هِيَ أَسنى مِن المَهاةِ سَناً / صورَةٌ لا تُقاسُ بِالصُوَرِ
فَلَكُ النورِ دونَ أَخمَصِها / تاجُها خارِجٌ عَنِ الأُكَرِ
إِن سَرَت في الضَميرِ يَجرَحُها / ذلِكَ الوَهمُ كَيفَ بِالبَصَرِ
لُعبَةٌ ذِكرُنا يُذَوِّبُها / لَطُفَت عَن مَسارِحِ النَظَرِ
طَلَبَ النَعتُ أَن يُبَيِّنَها / فَتَعالَت فَعادَ ذا حَصَرِ
وَإِذا رامَ أَن يُكَيِّفَها / لَم يَزَل ناكِصاً عَلى الأَثَرِ
إِن أَراحَ المَطِيَّ طالِبُها / لَم تُرِح مَطِيَّةَ الفِكَر
رَوحَنَت كُلَّ مَن أَشَبَّ بِها / نَقَلَتهُ عَن مَراتِبِ البَشَرِ
غيرَةً أَن يُشابَ رايِقُها / بِالَّذي في الحِياضِ مَن كَدَرِ
أَغيبُ فَيُفني الشَوقُ نَفسي فَأَلتَقي
أَغيبُ فَيُفني الشَوقُ نَفسي فَأَلتَقي / فَلا أَشتَفي فَالشَوقُ غَيباً وَمَحضَرا
وَيُحدِثُ لي لُقياهُ ما لَم أَظُنُّهُ / فَكانَ الشِفا داءً مِنَ الوَجدِ آخَرا
لِأَنّي أَرى شَخصاً يَزيدُ جَمالُهُ / إِذا ما اِلتَقَينا نَفرَةً وَتَكَبُّرا
فَلا بُدَّ مِن وَجدٍ يَكونُ مُقارِناً / لِما زادَ مِن حُسنٍ نِظاماً مُحَرَّرا
لِطَيبَةِ ظَبيٍ ظُبى صارِمٍ
لِطَيبَةِ ظَبيٍ ظُبى صارِمٍ / تَجَرَّدَ مِن طَرفِها الساحِرِ
وَفي عَرَفاتٍ عَرَفتُ الَّذي / تُريدُ فَلَم أَكُ بِالصابِرِ
وَلَيلَةَ جَمعٍ جَمَعنا بِها / كَما جاءَ في المَثَلِ السائِرِ
يَمينُ الفَتاةِ يَمينُ فَلا / تَكُن تَطمَئِنُّ إِلى غادِرِ
مُنىً بِمِنىً نِلتُها لَيتَها / تَدومُ إِلى الزَمَنِ الآخِرِ
تَوَلَّعتُ في لَعلَعٍ بِالَّتي / تُريكَ سَنا القَمرِ الزاهِرِ
رَمَت رامَةً وَصَبَت بِالصَبا / وَحَجَّرَتِ الحَجرَ بِالحاجِرِ
وَشامَت بَريقاً عَلى بارِقٍ / بِأَسرَعَ مِن خَطرَةِ الخاطِرِ
وَغاضَت مِياهُ الغَضا مِن غَضىً / بِأَضلُعِهِ مِن هوىً ساحِرِ
وَبانَت بِبانِ النَقا فَاِنتَقَت / لِآلِىءَ مَكنونَةِ الفاخِرِ
وَأَضلَت بِذاتِ الأَضا القَهقَرى / حِذاراً مِنَ الأُسدِ الخادِرِ
بِذي سَلَمٍ أَسلَمَت مُهجَتي / إِلى لَحظِها الفاتِكِ الفاتِرِ
حَمَت بِالحِمى وَلَوَت بِاللَوى / كَعَطفَةِ جارِحِها الكاسِرِ
وَفي عالِجٍ عالَجَت أَمرَها / لِتُفلِتَ مِن مَخلَبِ الطائِرِ
خَوَرنَقُها خارِقٌ لِلَّسَماءِ / يَسمو اِعتِلاءً عَلى الناظِرِ
السرُّ ما بين إقرارٍ وإنكار
السرُّ ما بين إقرارٍ وإنكار / في المشتريّ وهمِّ المُدلجِ الساري
لم لا يقول وقد أودعت سرّهما / أنا المعلم للأرواح أسراري
أنا المكّلم من نارٍ حجبتُ بها / نوراً فخاطبتُ ذاتَ النور في النارِ
أنا الذي أوجد الأكوان مظلمةً / ولو أشاءُ لكانتْ ذاتَ أنوار
أنا الذي أوجد الأسرار في شجِ / مجموعة لم ينلها بؤسُ أغيار
يا ضارباً بعصاه صلد رابيةَ / شمس وبدر وأرض ذات أحجار
فاعجب إلى شجرٍ قاصٍ على حجر / وانظر إلى ضاربٍ من خلف أستار
لقد ظهرتَ فما تخفى على أحدٍ / إلا على أحدٍ لا يعرفُ الباري
قطعتَ شرقاً وغرباً كي أنالهم / على نجائبَ في ليلٍ وأسحار
فلم أجدكم ولم أسمع لكم خبراً / وكيف تسمع أذن خلف أسوار
أم كيف أدرك مَنْ لا شيءَ يدركه / لقد جهلتك إذ جاوزتَ مقداري
حجبتَ نفسك في إيجاد آنية / فأنت كالسرّ في روح ابنة القاري
أنت الوحيد الذي ضاق الزمان به / أنت المنزه عن كون وأقطار
يا هلال الدياجِ لُحْ بالنهارِ
يا هلال الدياجِ لُحْ بالنهارِ / فلقد أنت نزهة الأبصار
أنت محو وأنت في العين بدر / بتجليك في الضياء المحار
فإذا ما بدا هلالُ المعاني / طالعاً من حديقةِ الأبصار
قل له بالتواضع المتعالي / لا بنفس الدعاء والإنكار
يا هَلاَ بين الجوانح سار / لا تفارق حنادسَ الأغيار
كن عُبيداً بقصرها وملكياً / بعد محوينا لكم في السرار
حكمة قد تحّير الخلق فيها / وسراجان أسرجها بنهار
عجباً في سناهما كيف لاحا / وسناء الشمس مذهبُ الأنوار
كلّ نورٍ في كلِّ قلبٍ مُحار / ما عدا قلب وارثِ المختار
فاشكرِ الله يا أخيّ على ما / وهبته نتائجُ الأذكارِ
هزم النورُ عسكرَ الأسحارِ
هزم النورُ عسكرَ الأسحارِ / فأتى الليلُ طالباً للنهارِ
فمضى هارباً فرارَ خداعِ / والتوى راجعاً على الأسحار
إن اللسانَ رسولُ القلبِ للبشر
إن اللسانَ رسولُ القلبِ للبشر / بما قد أودعه الرحمنُ من دُررِ
فيرتدي الصدق أحياناً على حذر / ويرتدي المين أحياناً على خطرِ
كلاهما علم في رأسه لهب / لا يعقلُ الحكمَ فيه غيرُ مُعتبر
وانظر إلى صادقٍ طابت مواردُه / وكاذبٍ رائحٍ غادٍ على سفر
مع اتحادهما والكيفُ مجهلةٌ / مِن سائلٍ كيفَ حكم الحقِّ في البشر
هذا المقام وهذه أسرارُه
هذا المقام وهذه أسرارُه / رُفع الحجاب فأشرقت أنوارُه
وبدا هلالُ التمّ يسطعُ نورُه / للناظرين وزالَ عنه سرارُه
فأنار روضَ القلبِ في ملكوته / وأتتْ بكلِّ حقيقة أشجارُه
عند التنزُّلِ صحَّ ما يختارُه / قلبٌ أحاطت بالردى أستارُه
وبدا النسيمُ ملاعباً أغصانه / فهفت بأسرار العلى أطيارُه
جادتْ على أهل الروائحِ مِنة / منه برّيا طيبها أزهارُه
هام الفؤاد بحبه فتقدّسّتْ / أوصافه وتنزَّهت أفكارُه
وتنزَّل الروحُ الأمين لقلبِه / يومَ العَروبة فانقضَتْ أوطارُه
إنّ الفؤاد مع التنزُّل واقفٌ / ما لم يصح إلى النزيل مطارُه
من كان يشغله التكاثرُ لم يكن / بعثته يومَ ورودِه اكثاره
من فتي لحقيقة يصبر على / لأوائها حتى يرى مقداره
لا كالذي أمسى لذاك منافراً / والمنتمي من لا يخاف نفاره
من يدَّعي أن الحبيب أنيسه / في حاله فدليله استبشارُه
من يدَّعي حكم الكيان فإنه / قد تيمته بحبها أغياره
من كان يزعم أنه من آله / سبحانه فشهوده أذكاره
شهداء من نال الوجود شعاره / أمر يعرّف شرعه ودثاره
وأنينه مما يجنّ وصمته / عنه وعبرة وجده وأواره
ما نال من جعل الشريعةَ جانباً / شيا وَلو بلغ السماء منارُه
الحال إما شاهد أو وارد / تجري على حكم الهوى آثارُه
والناسُ إمّا مؤمن أو جاحدٌ / أو مدَّعٍ ثوبُ النفاقِ شعارُه
المنزل العالي المنيفُ بناؤه / واهٍ متى ما لم تقم عماره
العقل إن جاريتَه في رأيه / فلك على نيل المقامِ مداره
لو كان تسعده النفوسُ وإنما / حجبته عن نيل العلى أوزاره
فإذا أتته عناية من ربِّه / في الحال حَفَّ ببابه زوّارُه
ورأيته لما تخلص روحه / من سجنه أسرى به جباره
وقد امتطى رحبَ اللبانِ مدبراً / يُدعى البُراق فما يُشق غُباره
تهوى به الهُوج الشِّداد فيرتمي / نحو الطِّباقِ وشهبُهنّ شِفاره
ما زال ينزل كل نور لائح / من جانبيه فما يقرّ قرارُه
حتى بدت شمسُ الوجود لقلبه / وبدا لعينِ فؤاده إضماره
وتلاقت الأرواح في ملكوته / فتواصلت ببحاره أنهاره
مدّ اليمين لبيعته مخصوصة / أبدى لها وجه الرضى مختاره
لما بدا حسنُ المقامِ لعِينه / عقدت عليه خلافة أزراره
ثم التوى يطوي الطريق لجسمه / ليلاً حذار أن يبوحَ نهاره
وأتت ركائبه لحضرة ملكه / بودائع يعتادها أبرارُه
وتوجهت سفراؤه بقضائه / في كلِّ قلبٍ لم يزل يختارُه
وحمت جوانبه سيوف عزائم / منه وطاف ببابه سُمَّارُه
أين الذين تحققوا بصفاته / هذي العداة فأين هم أنصارُه
من يدَّعي حُبَّ الإمام فإنما / قذفت به نحو المنون بحارُه
وسطا على جيش الكيان بصارِمٍ / عَضْبِ المضاربِ لايُفلّ غِرارُه
مَنْ يهتدي أهل النهى بمنارة / ذاك الخليفة تُقتفى أثارُه
إن الذين يبايعونك إنهم / ليبايعون من اعتلَّت أسرارُه
فيمينك الحجر المكرَّم فيهم / يا نصبة خضعت له أخياره
يا بيعة الرضوان دمت سعيدة / حتى تعطَّل للإمام عشاره
إنَّ الديار بلاقع ما لم يكن / صفواً للحبيبين نزيلها ونضاره
المالُ يُصلح كلَّ شيء فاسدٍ / وبه يزول عن الجواد عثارُه
قلبُ المحققِ مِرآةٌ فمَن نظرا
قلبُ المحققِ مِرآةٌ فمَن نظرا / يرى الذي أوجد الأرواحَ والصُّورا
إذا أزال صدى الأكوان واتّحدتْ / صفاتُه بصفات الحقُّ فاعتبرا
من شاهد الملأ الأعلى فغايته / النورُ وهو مقامُ القلب إن شكرا
ومن يشاهد صفاتِ الحقِّ فاعلةً / لكلِّ شيء يكن في الوقتِ مفتكرا
ومن يشاهد مقام الذات يحظ بها / قي الوقت من سلب الأوصاف ِمفتقرا
فكلُّ قلبٍ تعالى عن أكنَّتِه / لم يدرِ في الملأ الأعلى ولا ذكرا
وكيف يدرك قلبٌ بات محتجباً / عن الوجودِ فما صلّى ولا اعتمرا
ما يعرف العينَ إلا العينُ فَاستمعوا / ما قلبُ عينٍ كقلبٍ قلَّد الخبرا
عمل الهمة اعتلى
عمل الهمة اعتلى / فوقَ رسمِ المزبره
وكذا الرسم غاية / للبرودِ المدبره
غايةُ الرسم همة / مصطفاةٌ مطهره
ولها غاية علت / بالوجود المنظره
كيف يكون الخلافُ في بشر
كيف يكون الخلافُ في بشر / تميزوا في العلى عن البشر
فهم ذوو رحمةٍ ذوو نظر / مسدِّد في تخالفِ الصورِ
ونعمة لا تزال تصحبهم / ليسوا ذوي مِريةٍ ولا ضرر
من ظن أنّ طريق أربابِ العلى
من ظن أنّ طريق أربابِ العلى / قولٌ فجهلٌ حائلٌ وتعذَّرُ
إن السبيل إلى الإله عناية / منه بمن قد شاءَه وتعزّر
لا يرتضي لحقيقة وعزّة / إلا إذا ضمَّ السنابلَ بيدرُ
الحالُ يطلبه بشرطِ مقامه / فإذا ادَّعاه فحاله لكَ يشهرُ
يتخيلُ المسكينُ أنّ علومها / ما بين أوراقِ الكتابِ تُسَطر
هيهاتِ بل ما أودعوا في كتبهم / إلا يسيراً من أمورٍ تعسُر
لا يقرأ الأقوامُ غيرَ نفوسِهم / في حالهم مع ربِّهم هل يحصر
فترى الدخيلَ يقيس فيه برأيه / ليقال هذا منهم فيكبر
وتناقصت أقواله إن لم يكن / عن حاله فيما تقدّم يخبر
علمُ الطريقةِ لا يُنالُ براحةٍ / ومقايس فاجهد لعلك تظفر
غرَّت علومُ القومِ عن إدراك من / لا يعتريه صبابةٌ وتحيُّر
وتنَّفس مما يَجنُّ وأنة / وجوى يزيد وعَبرة لا تفتر
وتذلَّل وتولَّه في غَيبةٍ / وتلذَّذْ بمشاهد لا تظهر
وتقبض عند الشهود وغيرة / إن قام شخصٌ بالشريعةِ يسخر
وتخشع وتفجَّعْ وتشرَّع / بتشرُّع لله لا يتغير
هذا مقام القومِ في أحوالهم / ليسوا كمن قال الشريعةُ مزجر
ثم ادّعى أن الحقيقة خالفتْ / ما الشرعُ جاء به ولكن تستّر
تباً لها من قالة مِن جاحد / ويلٌ له يومَ الجحيم يسعر
أو من يشاهد في المشاهد مُطرقاً / ليقال هذا عابدٌ متفكِّر
هذا مرائي لا يلذ براحةٍ / في نفسه إلا سويعة يتطيّر
لكنه من ذاك أسعد حالة / ول النعيم إذا الجهولُ يفطر
عجبتُ من بحرٍ بلا ساحل
عجبتُ من بحرٍ بلا ساحل / وساحلٍ ليسَ له بحرُ
وضحوةٍ ليس لها ظُلمة / وليلةٍ ليس لها فجرُ
وكرةٍ ليس لها موضع / يعرفها الجاهلُ والحبر
وقبةٍ خضراءَ منصوبةٍ / جاريةٍ نقطتُها القهرُ
وعَمَدٍ ليس لها قُبةٌ / ولا مكان خفي السر
خطبت سراً لم بغيره كن / فقيل هل هيمك الفِكرُ
فقلتُ ما لي قدرةٌ فارفقوا / عليه في الكونِ ولا صبر
فإنَّ بالفكر إذا ما استوى / في خلدي يتَّقدُ الجمر
فيصبح الكلُّ حريقاً فلا / شفعٌ يُرى فيه ولا وِتر
فقيل لي ما يجتني زَهره / من قال رفقاً إنني حرّ
من خطب الخنساءَ في خِدرهها / مُتيماً لم يغله المهر
أعطيتها المهر وأنكحتها / في ليلتي حتى بدا الفجر
فلم أجد غيري فمن ذا الذي / أنكحته فلينظر الأمر
فالشمسُ قد أدرج في ضوئها / القمرُ الساطعُ والزهرُ
كالدَّهرِ مذمومٌ وقد قال من / صلى عليه ربُك الدهر
خرقتُ حجابَ الغيب أطلبُ سِرَّه
خرقتُ حجابَ الغيب أطلبُ سِرَّه / فلم ألفِ إلا بهتة وتحيُّرا
فعدتُ إلى الأكوانِ أبغي شهودَه / فلم أر في الأكوان عِلماً مُقرَّرا
فيا مدّعي علم الأكاسيرِ ليته / تقرر في الأوزانِ وزْناً مُحرَّرا
يوافق أوزانَ الطبيعةِ كونُه / على الفعل لا يلقى عن الأمر مَخبرا
فيقلب عينَ البدرِ شمساً منيرةً / وينشىء بهراماً شموساً وأقمرا
فقال له الميزانُ لستَ بحاصلٍ / لمن ظلَّ طولُ الدَّهرِ فيّ مفكِّرا
ولكنَّ حصولي اتفاقاً فإنني / عزيزٌ عن الإدراكِ غيباً ومحضراً
عجبتُ من رجمِ نارٍ يحرقُ النارا
عجبتُ من رجمِ نارٍ يحرقُ النارا / والله يظهرهُ في العين أنوارا
لابدَّ منه له حفظاً لشُرعِتنا / ولو تسرَّبَ أنفاقاً وأغواراً
يشوِّه الوجه منه عند رؤيتِه / وثم يخطَفُ أسماعاً وأبصارا
إنَّ الغمامَ مطارحُ الأنوارِ
إنَّ الغمامَ مطارحُ الأنوارِ / ولذاك أضحى أقربَ الأستارِ
منه تفجرتِ العلومُ على النهى / وبه يكون الكشف للأبصار
فيه البروقُ وليس يذهِبُ ضَوءُها / أبصارَنا لتقدسَ الأبصار
فيه الرعودُ وليس يذهبُ صوتها / أسماعَنا لتنزُّهِ الأسرارِ
فيه الصواعقُ ليس يذهبُ رسمنا / إحراقها لعنايةِ الآثار
فيه الغيوم وليس يهلك سيلها / أشجارنا لتحقيقِِ الإيثار
ما بعدَه شيء سوى مطلوبِنا / ربُّ الأنام مع اسمِه الغفَّار
فإذا انجلى ذاك الغمام فذاته / تبدو إلى الأنوار في الأنوار
والنورُ يدرج مثله في ضوئه / كالشمسِ لا تُفني ضياءَ النار
فترى البصائرُ والعيونُ جلالَه / وجمالَه في الشمسِ والأقمارِ
فافهم إشارتنا تفز بحقائق / تخفى على العقلاء والنظَّارِ