القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 33
لا درّ درّك من ربوع ديار
لا درّ درّك من ربوع ديار / قُرْبُ المزار بها كُبعْد مزار
يهفو الدّوار برأس من يشتاقها / ويصابُ وهو يخافها بدوار
لكأن طَيفكِ إذ يطوف بجنةٍ / غّناء يمسخها بسوح قفار
لا درّ درّكِ عرية غطى بها / من لعنة التاريخ شرُّ دثار
واستامها فلك النحوس وشوّهت / مما يدوّرُ دورة ُ الأقمار
عشرون قرناً وهي تسحب فوقها / بدم ٍ ذيول مواكب الأحرار
لم يْرو ِ فيها (الراقدين) على النهي / وعلى النبوغ غليل حقد وار
هوت الحضارة فوقها عربية ً / وتفردت (آشورُ) بالآثار
ومشت لوادي(عبقر ٍ) فتكفَّلت / بعذاب كل مدوّخ ٍ قهار
بابن المقفع ِ وابن قدوس / وبا لحلاّج والموحى له بشَّار
وبمالئ الدنيا وشاغل أهلها / وبأيما فلك لها دوّار
بأبي(مُحَسَّدَ ) وهي تقطع صلبه / لم يدري عارٌ مثل هذا العار
ديست رؤوس الخيريين وعُطّرت / أقدام فجّار ِ بها أشرار
وتُنوهبت مِزقاً لكل مُخنثٍ / أوصال فحل ٍ خالق هدّار
لا كنت من حجر ٍ(تبغدد) حوله / عّبادُ أصنام ٍ به أحجار
أَحاوِلُ خرقاً في الحياةِ فما أجرا
أَحاوِلُ خرقاً في الحياةِ فما أجرا / وآسَفُ أن أمضي ولم أُبقِ لي ذكرا
ويُؤلمني فرطُ افتكاري بأنَّني / سأذهبُ لا نفعاً جلبتُ ولا ضُرّا
مضتْ حِججٌ عَشْرٌ ونفسي كأنها / من الغيظ سيلٌ سُدَّ في وجهه المجرى
خيَرْتُ بها ما لو تخلَّدتُ بعدَه / لمَا ازدَدْتُ عِلماً بالحياةِ ولا خُبرا
وأبصرتُ ما أهوى على مثلهِ العمى / وأُسمعتُ ما أهوى على مثلهِ الوَقْرا
وقد أبقتِ البلوى على الوجهِ طابَعاً / وخلَّفَتِ الشحناءُ في كبِدي نَغرا
تأمَّلْ إلى عيني تجدْ خَزَراً بها / ووجهي تُشاهِدْه عن الناس مُزورّا
ألم تَرَني من فرطِ شكٍّ ورِيبةٍ / أُري الناسِ حتى صاحبي نظراً شزرا
لبستُ لباسَ الثعلبيِّينَ مُكرهاً / وغطَّيتُ نفساً إنَّما خُلقت نَسرا
ومسَّحتُ من ذيلِ الحَمامِ تملّقاً / وأنزلتُ من عَليا مكانتهِ صقرا
وعُدتُ مليء الصدَّرِ حِقداً وقُرحةً / وعادت يدي من كلِّ ما أمَّلَتْ صِفرا
أقولُ اضطراراً قد صبَرتُ على الأذى / على أنني لا أعرِفُ الحُرَّ مُضطرّا
وليس بحُرٍّ مَن إذا رامَ غايةً / تخوَّفَ أن ترمي به مَسلكاً وعْرا
وما أنتَ بالمُعطي التمرُّدِ حقَّه / إذا كنت تخشى أن تجوعَ وأن تَعرى
وهل غيرَ هذا ترتجي من مَواطنٍ / تُريد على أوضاعها ثورةً كبرى
مشى الدهرُ نحوي مستثيراً خطوبَه / كأني بعينِ الدهر قيصرُ أو كسرى
وقد كانَ يكفي واحدٌ من صروفهِ / لقد أسرفتْ إذ أقبلتْ زُمراً تترى
مشى لي كعاداتِ المخانيثِ دارعاً / يُنازِل قِرْناً مُثخَناً حاسِراً صدرا
خليّاً من الأعوانِ لا ذُخرَ عندَه / سوى الصبرِ أوحشْ بالذي صحبَ الصَّبرا
وما كانَ ذنبي عندَه غيرَ أنني / إذا مسَّني بالخيرِ لم أُطِلِ الشكرا
ولم أتكفَّفْ باليسيرِ ولم أكنْ / كمستأنِسٍ بالقُلِّ مستكثِرٍ نَزْرا
طموحٌ يريني كلَّ شيءٍ أنالُه / وإنْ جلَّ قَدرْاً دونَ ما أبتغي قدرا
حلَبتُ كِلا شطرَيْ زماني تمعّناً / فلم أحمَدِ الشطر الذي فَضَلَ الشطرا
شرِبتُ على الحالينِ بؤسٍ ونعمةٍ / وكابدتُ في الحالينِ ما نغَّصَ السكرا
حُبيتُ بنَدمانٍ وخمرٍ فغاظني / بأنيَ لا مُلكاً حُبيتُ ولا قصرا
ولو بهما مُتّعتُ ما زلتُ ساخطاً / على الدهر إذ لم يَحْبُني حاجةً أُخرى
فما انفكَّ حتَّى استرجعَ الدهرُ حُلوَه / وحتَّى أراني أنني لم أذُق مرّا
وجوزِيتُ شرّاً عن طُموحي فها أنا / برغميَ لا خِلاًّ تخِذتُ ولا خمرا
فانْ يُشمِتِ الأقوامَ أخذي فلم أكن / بأوَّلِ مأخوذٍ على غِرَّةٍ غدرا
وإنْ تفترِسْني الآكلاتُ فبعدَ ما / وثِقتُ بها فاستلَّتِ النابَ والظُفرا
وإن تُلهبِ الشكوى قوافيَّ حُرقةً / وغيظاً فاني قادحٌ كبِداً حرّى
وكنتُ متى أغضبْ على الدَّهر أرتجلْ / مُحرَّقةَ الأبياتِ قاذفةً جمرا
كشأنِ " زيادٍ " حين أُحرجَ صدرُهُ / وضُويقَ حتى قال خُطبتَه البترا
أو المتنبّي حينَ قالَ تذمُّراً / " أفيقا خُمارُ الهمِّ بغَّضني الخمرا"
وما زلتُ ذاك المرءَ يوسِعُ دهرَه / وأوضاعَه والناسَ كلَّهمُ كفرا
تحولتُ من طبعٍ لآخرَ ضدِّه / من الشيمةِ الحسناءِ للشيمةِ النَكرا
وكنتُ وَديعاً طيب النفسِ هادئاً / فاصبحتُ وحشاً والِغاً في دمٍ نَمرا
فلَو دَبَّر الباغونَ للكيدِ خطةً / رأوا أنَّني منهُمْ بَتدبيرِها أحرى
وَلو ملكَ قارونٍ ملكتُ دَفعتُه / على كرهِ بعض الناسِ بعضَهم أجرا
وِشجَّعتُ ما أقوى يراعةَ كاتبٍ / يُزيحُ بها عن كلِّ ذي عورةٍ سِترا
وَمجَّدتُ من بَثَّ الدعايةَ ضدَّهم / ومن قالَ في تَسخيفِ آرائهم شعرا
وِلو حُمَّ لي أنْ أحكمَ الناسَ ساعةً / وأن أتوَلى فيهُمُ النهىَ والأمرا
لمزَّقتُ وَجهاً بالخديعةِ باسِماً / ولا شيتُ ثَغراً بالضَغينةِ مُفترّا
وَقَطَّعتُ كفَّيْ من يمدُّ يمينَهُ / يَصافحني في حين تَطعنُني اليسرى
وَعاتَبتُ سراً من يضِلُّ لنفسةِ / ومن ضلَّلَ الجمهورَ أخزيتهُ جَهْرا
رأيتُ من الإِنسانِ يُطغيه عُجْبُه / من الخزي ما تأباهُ وحشيَّةٌ تَضرى
إذا أُغرِيتْ هذي بأكلِ فريسةٍ / فهذا بأنْ يلهو بتعذيبها مُغرى
أتعرفُ كم من أصيَدٍ مُمتلٍ قهرا / وكم حُرَّةٍ تشكو ومَن حولَها الفقرا
لينعُمَ مَن إنْ عاشَ لم يُدرَ نفعُه / وإنْ ماتَ لم يعرِف له أحدٌ قبرا
أتعرفُ ما يأتيه في السرِّ ناصبٌ / على العينِ منظاراً على الناسِ مغترّا
يُقلِّبهُ بينَ الجموعِ دلالةً / على أنه أذكى من الناس أو أثرى
وما ميَّزتْهُ عن سواه فوارقٌ / سوى أنه قد أتقنَ الرَّقصَ والزمرا
وهذا الذي إحدى يديهِ بجيبهِ / وأُخراهما تلهو بشاربه كِبرا
ولو فتَّشوا منه السَّبالينِ شاهدوا / خلالَهما العاهاتِ محشورةً حشرا
وهذا الذي رغمَ النعيم وشرخهِ / يُرى حاملاٍ وجهاً من الحقدِ مُصفرّا
وهذا الذي إنْ أعجبَ الناسَ قولهُ / مشى ليُريهمْ أنه فاتحٌ مِصرا
وهذا الذي قد فخَّمتْه شهادةٌ / خلاصتُها أنَّ الفتى قارئٌ سطرا
ويكفيكَ منه ساعةٌ لاختباره / لتعلمَ منها أنه لم يزل غِرّا
وهَبْ أنه قد أُلهِمَ العلمَ كلَّه / وحلَّلَ حتى الجوهرَ الفردَ والذرّا
وكانَ " شكسبيرٌ " خويدمَ شعره / وكانت لُغى الأكوان تخدمُه نثرا
فهل كانَ حتماً أنني أنحني له / وتصطكُ مني الركبتانِ إذا مرّا
ألمْ يدرِ هذا " الكوكب ! " الفذ أنه / كما كان حُرّاً كان كلُّ امرئٍ حرّا
ذممتُ مُقامي في العراقِ وعلَّني / متى أعتزمْ مسرايَ أن أحمَدَ المسرى
لَعلي أرى شِبْراً من الغَدر خالياً / كفاني اضطهاداً أنني طالبٌ شِبْرا
أبن ما لهذا الدين ناحت منابره
أبن ما لهذا الدين ناحت منابره / وقل خفية أين استقلت عساكره
ولم شرق الناعي بمنعاه عله / رأى شامتا يخشى وعيناً تحاذره
فخافت فلا تفصح بما طرق الهدى / جهارا وقل قد أسلم الغاب خادره
وشكواك فاكتمها وقل متجلدا / زمان مضت أولاه هذي أواخره
وهل ينفع المفجوع حبس دموعه / وباطن ما يخفيه يبديه ظاهره
وقالوا : بنو الآمال تشكو من الظما / فقلت : نعم بحر الندى جف زاخره
لفقدك أبكى باطن الأرض ظهرها / فعادت سواءً دوره ومقابره
إذا كان ورد الموت من عمر ماجدٍ / فما عن سوى الأمجاد تهوى مصادره
أبا حسن في الصدر مني سريرة / سأكتمها حتى تباح سرائره
أعدوك للأمر الجليل وأضمرت / خلاف الذي قد أضمروه مقادره
ولم تدرك الثأر المنيم من العدى / فجفنك لم أغضى وهوم ساهره؟
سلام على النعش الخفيف فقد ثوت / ثقال المعالي عنده وأواصره
أناعيهِ خفضْ فالشريعة تعتزي / إلى شيخها فانظر لما أنت ذاكره
لفقدك حال الدين عما عهدته / فمسلمه في ذمة الشرع كافره
فلا بلغ الناعي على دين أحمد / مناه ولا حاقت يديه بواتره
فلو شاء ذاك القبر بين كم به / أماني نفوس قد طوتها ضمائره
فيا لاسقت إلا يداه ضريحه / ففيه مسح الغيث حل وماطره
دعا الموت فاستحلت لديه سرائره
دعا الموت فاستحلت لديه سرائره / اخو مورد ضاقت عليه مصادره
عراه سكوت فاسترابت عداته / وما هو إلا شاعر كل خاطره
وحيدًا يحامي عن مبادئ جمة / اما في البرايا منصف فيوازره
تفرد بالشكوى فاسعده البكا / لقد ذل من فيض المدامع ناصره
يهم يبث النجم سراً فينثني / كأن رقيباً في الدراري يحاذره
وتنطقه الشكوى فيخرسه الأسى / فيسكت لاحيه إذا جد عاذره
يروم محالاً أن يرى عيش ما جد / أوائله محمودة وأواخره
فؤادي وإن ضاق الفضا عنه فسحة / فلابد أن تحويه يوماً مقابره
فؤادي وكم فيه انطوت لي سريرة / عظيماً أرى يبلى وتبلى سرائره
سيحمل همي عند منزل وحدتي / وتصبح آمالي طوتها ضمائره
فيا طير لا تسجع ويا ريح سكني / هبوبا على جسمي ليسكن ثائره
ويا منزل الأجداث رحمة مشفق / عليه ففيك اليوم قرت نواظره
ويا بدر من سامرته وجدك انقضى / فمن لك بعد اليوم خل تسامره؟
عساك إذا ضاقت بصدرك فرجة / تطالعه في رمسه فتذاكره
ويا خلة الباكي عليه تصنعاً / ألم تك قبل اليوم ممن يغايره؟
تحمل ما ينأى فشاطره الردى / فما ضر لو كانت الرزايا تشاطره
ويا غاضبا قلبي لترقيق حره / سراحاً فقد دارت عليه دوائره
دعا بك يستشفي فاغضيت فانطوى / وما فيه إلا الهجر داء يخامره
أمن بعدد ما وسدته بت جازعاً / إذا مات مهجوراً فلا رق هاجره
فيا ظلمة الآمال عني تقشعي / فقد تتجلى عن فؤادي دياجره
يا أخا البلبل رفقاً
يا أخا البلبل رفقاً / هجت لي وجداً وذكرا
لمت في أمري ولو / استطيع ما أخفيت أمرا
أنت لو تعلم ما / يلهب نفسي قلت عذرا
كان لي سر ولكن / بك قد أصبح جهرا
قد طويت الحزن أزمانا / فخذه اليوم نثرا
أنا ما غردت لو أني / رضيت العيش أسرا
أنا ما لجلجت في أغنيتي / لو كنت حرا
أنا أخشى النفع إن / جاهرت فيه كان ضرا
غالط الوجد وسل القلب / وادع الحزن شعرا
فأنا ذاك الفتى يطلب / بعد " الخمر " "أمرا"
وسيبدو لك ما تهواه / من أمري ..فصبرا
لئن شكر الصبح المحبون إنني
لئن شكر الصبح المحبون إنني / شكرت الدجى إذ كان ما بيننا سترا
وليل رثى لي والأحبة نوَّم / له مقلة بالشُّهب من لوعتي عبرى
بكيت فرَّق النجم لي وهو صخرة / إلى أن جرت منه مجرَّته نهرا
ومالي صدر ينفث الهمَّ زفرة / ولكنّه الهمُّ الذي ينفث الصدرا
خليلي ما اخترت الدراري لو أنني / وجدت بكم من يحفظ العهد والسرّا
وما أهون الآلام لو كان سرُّها / يباح ولكن أحمل الوجد والصبرا
على البدر من غدر الأحبة مسحة / فكل قسى قلباً وضاحكني ثغرا
وليل دجوجي الحواشي سعرته
وليل دجوجي الحواشي سعرته / بنار الأسى بين الجوانح فاستعر
نشرت به الآمال وهي هواجس / بعقد الثريا لو غدا مثلها انتثر
وردد لي همس الطبيعة نغمة / من الشعر ما كانت سوى خاطر خطر
أعرت الدراري فكرة تبعث الأسى / إلى القلب شأن الناظرين ذوي الفكر
شكوت إلى البدر الهوى شأن من مضى / قبلي فلم أسكت ولا نطق القمر
بثثت إليه أنةً توهن الصفا / فلما تغاضى صح لي أنه حجر
يا مستثيراً دمعةً صَمدتْ
يا مستثيراً دمعةً صَمدتْ / لطوارئِ الدّنيا فلم تَثُرِ
إنَّ التي صَعُبَتْ رياضتُها / أنزلتَها قسراً على قَدَر
وأسَلْتَها وهي التي عَجَزَتْ / عن أن تُسيلَ فوادحَ الغِيَر
ردتْ نداءَ كوارثٍ عَظُمَتْ / ودعا فلبَّتْ مَنطِقَ الوَتَر
هل عند أنْمُلَةٍ تُحَرِّكُها / باللطفِ إنَّ الدمعَ بالأثر
وهل الدموعُ ودفعُها وطرٌ / للناسِ تَدْري أنَّها وطري
ما انفكّتِ البلوى تُضايِقُني / حتى شَرَيْتُ النفعَ بالضرر
وَوَجَدْتُني بالدمعِ مبتهجاً / مثلَ ابتهاجِ الزرع بالمطر
غطّى العيونَ فلم تَجِدْ نَظَراً / دمعٌ أعزُّ عليّ من نَظَري
يا دمعةً غراءَ غاليةً / يَفْديكِ ما عندي من الغُرَر
من قابلاتٍ حكمَ مُنْتَقِدِ / وشجارِ مفتَخرٍ ومحتَقَر
لغة العواطفِ جلَّ مَنْطِقُها / عن أن يُقاسَ بمنطقِ البشر
فتّشتُ عنكِ فلم أجِدْ أثراً / حتى ظننتُ العينَ من حجر
ومَرَيْتُ جَفْني مَريَ ذي ثِقَةٍ / ورجعتُ عنك رجوعَ مُنْدَحِر
وغدوتُ أحْسُدُ كلَّ مكتئبٍ / ذي محجَرٍ بالدمع مُنْفَجِر
كم أزمةٍ لو كنتِ حاضرةً / فَرَّجْتِها بمسيلِك العَطِر
لو كنتِ عندي ما ثَقلتُ على / كأس الشراب ومجلس السَّمر
لغسلتُ جَفْناً راح من ظمأٍ / مُتَلَهباً مُتَطايِرَ الشَّرر
أنا بانتظارِكِ كلَّ آونةٍ / علماً بأن الحزنَ مُنْتَظِري
طال احتباسُكِ يسن مُخْتَنَقي / ومحاجري والآن َ فانحدري
كنتِ الأمينةَ في مخابِئها / وأراكِ بعدَ اليومِ في خطر
واذا امتنعتِ عليّ فاقتنعي / أنَّ " الكمنجةَ " خيرُ مُعْتَصَر
سيلي فلا تُبقي على غُصَصٍ / رانتْ على قلبي ولا تذَري
واستصحبِي جَزَعا يلائِمُني / وخذي اصطباري إخْذَ مُقْتَدر
فلقد أضرَّ بَسحنتي جَلَدي / فملامحي تُربي على عمري
كم في انكسار القلب من حِكَمٍ / لا عاش قَلْبٌ غَيرُ مُنْكَسِر
هذي الطبائعُ لا يُطَهِّرُها / مثلُ اصطلاءِ الهمِّ والكدر
وَلَرُبَّ نفسٍ بان رَوْنَقُها / جراءَ حُزْنٍ غير مُنْتَظَر
مُسَّ الكمنجةَ يَنْبَعِثْ نَفَسٌ / يمتدُّ في أنفاسِ مُحْتَضَر
في طوعِ كفكَ بَعْثُ عاطفتي / وخَلاصُها من رِبقةِ الضّجر
وأزاحني عن عالَمٍ قَذِرٍ / نَحْسٌ لآخرَ زاهرٍ نَضِر
بالسمعِ يَفْدي المرءُ ناظِرَهُ / وأنا فديتُ السَّمْعَ بالبصر
يا قلبُ – والنسيانُ مَضْيَعَةٌ - / هذا أوانُ الذِّكْر فادَّكِر
هذي تواقيعٌ مُحَلِّقَةٌ / بك في سماءِ تَخَيُّلٍ فَطِر
واستعرضِ الأيامَ حافةً / مكتظَّةً بِتَبايُنِ الصُّوَر
أذْكُر مسامَرَةً ومجْتَمَعاً / مزدانتين بقُبلَةِ الحَذر
مطبوعتين بقلبِ مثريةٍ / بالمغريات وقلبِ مُفْتَقِر
متفاهمين فما نبا وجل / لوقوعِ ذنبٍ غير مغتَفَر
أذْكُرْ تَوَسُّدَها ثنيَّتَها / وسنانةً محلولةَ الشعر
معسولةَ الأحلامِ ذاهبةً / بِخَيالِها لمدارجِ الصِّغَر
أذْكر يداً مرّتْ على بَدَنٍ / هي منهُ حتى الآن في ذُعُر
ولُيَيْلَةً بيضاءَ خالدةً / منها عرفت لذائذَ السفر
ثم اعطفِ الذكْرَى إلى جهةٍ / أُخرى تُرعْ بعوالِمٍ أُخَر
تُذْهلْ لمغتصَبٍ على مَضض / أمسى يقلَّبُ في يَدَيْ أشِر
بَدَنٌ بلا قلبٍ لدى أثِرٍ / عاتٍ على الشَّهَواتِ مُقْتَصِر
ثمرٌ بلا ظلٍ لديك كما / في أسرِهِ ظلٌّ بلا ثمر
كم مثلِ قلبِك ذاهبٌ هدَراً / لتحكُّماتِ الدين في البشر
كِلُوا إلى الغَيبِ ما يأتي به القَدَرُ
كِلُوا إلى الغَيبِ ما يأتي به القَدَرُ / واستَقبلوا يومَكُمْ بالعزمِ وابتدروا
وصَدِّقُوا مُخْبِراً عن حُسْنِ مُنْقلَبٍ / وآزِرُوه عسى أنْ يَصْدُقَ الخَبَرُ
لا تَتْرُكوا اليأسَ يَلقى في نُفوسكم / لَه مَدَبَّاً ولا يأخُذْكُمُ الخَوَر
إنَّ الوساوِسَ إنْ رامَتْ مَسارِبَها / سَدَّ الطريقَ عليها الحازِمُ الحَذِر
تَذكَّروا أمس واستوُحوا مَساوئهُ / فقدْ تكونُ لَكُمْ في طَيَّه عِبَر
مُدُّوا جَماجِمَكمْ جِسراً إلى أملٍ / تُحاوِلونَ وشُقُوا الدربَ واخْتَصِروا
وأجمِعوا امرَكُم يَنْهَضْ بسعيِكُمُ / شَعبٌ إلى هِمَمِ الساعينَ مُفْتَقِر
إنَّ الشبابَ سِنادُ المُلْكِ يَعضُدُهُ / أيّامَ تُوحِدُهُ الأرزَاءُ والغِيَر
أتتْكُمُ زُمرةٌ تحدو عزائِمَها / ما خَلَّفت قَبلها من سيّيءٍ زُمَر
ألفتْ على كلِّ شبرٍ من مَسالكها / يلوحُ مما جَنى أسلافُها أثر
مُهمةٌ عظُمت عن انْ يقوم بِها / فردٌ وأن يتحدَّى امرَها نفر
ما إن لكُم غيرَهُ يومٌ فلا تَهنوا / وقد أتتكم بما تخشونه نُذُر
طالتْ عَمايةُ ليلٍ ران كَلْكَلُه / على البلادِ وإنَّ الصُبْحَ يُنتظر
وإنما الصُبحُ بالأعمال زاهيةً / لا الوعدُ يُغري ولا الأقوالُ تنتَشِر
وأنتَ يا بن " سليمانَ" الذي لَهِجتْ / بما جَسرتَ عليه البدوُ والحضر
الكابتُ النفسَ أزماناً على حنَقٍ / حتى طغى فرأينا كيفَ ينفجر
والضاربُ الضربةَ لصَدمتِها / لحمُ العُلوج على الأقدام ينتثر
هل ادَّخرتَ لهذا اليوم إهبَته / أم أنت بالأجل الممتَّدِ مُعتذر
أقدَمتَ إقدامَ من لا الخوفُ يمنَعُهُ / ولا يُنَهنِهُ مِن تَصميمهِ الخطر
وحَسْبُ امرِك توفيقاً وتوطئةً / أنَّ الطُغاةَ على الأعقابِ تَندحر
دبَّرتَ أعظمَ تدبيرٍ وأحسنَه / تُتلى مآثِرُهُ عُمراً وتُدَّكر
فهل تُحاوِل ان تُلقي نتائِجه / يأتي القضاءُ بها أو يَذْهب القَدَر
وهل يَسُرُك قولُ المُصطلين به / والمُستغِلين أنَّ الأمرَ مبتَسَر
وأنَّ كُلَّ الذي قد كانَ عِندَهم / على التبدل في الأسماءِ مُقْتَصر
وهل يَسُرُك أن تخفي الحُجُولُ به / ما دامَ قد لاحتِ الأوضاحُ والغُرَر
أُعيذُ تلك الخُطى جَبَّارةً صُعِقَت / لها الطواغيتُ وارتجَّت لها السُرُر
أنْ يَعتري وقْعَها من رَبكةٍ زَللٌ / أو أن يثبِّط من إقدامها الحَذَر
ماذا تُريد وسيفٌ صارِمٌ ذَكرٌ / يحمي الثغورَ و أنتَ الحيَّة الذَكر
والجيشُ خلفَك يُمضي مِن عزيمتهِ / فَرطُ الحماسِ ويُذكيها فتَستعِر
أقدِمْ فأنتَ على الإقدامِ مُنطَبِعٌ / وأبطُشْ فأنت على التنكيل مُقتدر
وثِقْ بأن البلادَ اليومَ أجمعَها / لما تُرجيِّه مِن مسعاك تَنتظِر
لا تُبقِ دابِرَ أقوامٍ وتَرْتَهم / فَهم إذا وَجدوها فُرصَةً ثأروا
هُناك تنتظِرُ الأحرارَ مَجزرةٌ / شنعاءُ سوداءُ لا تُبقي ولا تَذَر
وثَمَّ شِرذِمةٌ الفَتْ لها حُجُباً / من طُولِ صَفحٍ وعَفوٍ فهي تَستَتر
إنّي أُصارِحك التعبيرَ مُجترئاً / وما الصريحُ بذي ذَنبٍ فَيعتذر
إن السماءَ التي ابديتَ رَونَقها / يومَ الخميس بدا في وَجهها كَدَر
تَهامَسَ النفَرُ الباكون عَهدَهُم / أن سوفَ يرجِعُ ماضيهم فَيزدِهر
تَجري الأحاديثُ نكراءً كعادتِها / ولم يُرَعْ سامرٌ مِنهُم ولا سمر
فحاسبِ القومَ عن كلِّ الذي اجترحوا / عما أراقوا وما اغتلوا وما احْتَكروا
للآن لمْ يُلغَ شبرٌ من مَزارعِهم / ولا تَزحزح مّمِا شيَّدوا حَجر
ولم يزل لهمُ في كلِّ زاويةٍ / مُنوِّهٌ بمخازيهم ومُفَتخر
وتلكَ لِلحرَّ مأساةٌ مُهيَّجةٌ / يَدمى ويدمعُ منها القلبُ والبصَر
فضيِّقِ الحبلَ واشدُدْ مِن خناقِهُمُ / فَربَّما كانَ في إرخائه ضَرر
ولا تَقُلْ تِرَةٌ تبقى حَزازتُها / فَهُمْ على أيِّ حالٍ كُنتَ قد وُتِروا
تَصوَّرِ الأمرَ معكوساً وخُذْ مَثَلاً / مما يَجرُّونه لو أنهم نُصِروا
أكانَ للرِفِقِ ذِكرٌ في مَعاجِمهمْ / أم كانَ عن " حِكمةٍ " أو صحبِهَ خَبَر
واللهِ لاقتِيدَ "زيدٌ " باسم " زائدةٍ" / ولأصطلى " عامرٌ " والمبتغى " عُمَر"
ولا نمحى كلُ رَسمٍ من مَعالمكُم / ولاشتَفَتْ بِكُم الأمثالُ والسِيَر
ولا تزالُ لهم في ذاكَ مأرُبَةٌ / ولا يزالُ لهم في أخذِكُم وطَر
أصبحتُ أحذرُ قولَ الناسِ عن أسفٍ / من أن يروا تِلكمُ الآمالَ تَندَثِر
تَحرَّكَ الَلحدُ وانشقَّت مُجدَّدةً / أكفانُ قَومٍ ظنَّنا أنَّهم قُبِروا
لا أكذبَنّكِ إنّني بَشَرُ
لا أكذبَنّكِ إنّني بَشَرُ / جَمُّ المساوي آثِمٌ أشِرُ
لا الحبُّ ظمآناً يُطامِنُ مِنْ / نفسي وليس رفيقيَ النظَر
ولكم بَصُرْتُ بما أضيقُ به / فودِدْتُ أنّي ليس لي بصر
أو أنني حجر وربتَّمَا / قد بات أرْوَحَ منّيَ الحَجَر
لا الشيءُ يُعْجِبُهُ فَيَمْنَعُهُ / فإذا عداه فكلّهُ ضَجر
ولكم ظَفِرتُ بما بصرتُ به / فحَمِدْت مرأى بعدَهُ ظفَر
شفتاي مُطْبْقَتَانِ سيدتي / والخُبْرُ في العينينِ والخَبَر
فاستشهِدِي النظراتِ جاحِمَةً / حمراءَ لا تُبْقي ولا تَذر
ولرغبة في النفس حائرة / مكبوتة يتطايرُ الشرر
إنا كلينا عارفان بما / حَوَتِ الثّيابُ وضَمَّتِ الأزُر
وبنا سواءً لا حياءَ بنا / الجذوةُ الخرساءُ تستعر
فعلى مَ تَجتهدين مُرْغَمَةً / أن تَسْتري ما ليس يَنْسَتِر
كذب المنافقُ . لا اصطبارَ على / قدٍّ كَقَدِّكِ حينَ يُهتَصَر
ومُغَفَّلٌ من راح يُقنِعُه / منك الحديثُ الحلوُ والسمر
يُوهي الحجى ويُذيبُ كلَّ تُقىً / من مُدّعيهِ شبابُك النَّضِر
ويَرُدُّ حلمَ الحالمين على / أعقابِهِ التفتيرُ والخَفَر
النَّفْسُ شامخةٌ إذا سعُدَتْ / بك ساعةً والكونُ مُحْتَقَر
وفداء " محتضن " سمحتِ به / ما تفجع الاحداثُ والغير
حلم أخو اللذاتِ مفتقد / امثالُهُ وإليه مفتقِر
وسويعة لا أستطيعُ لها / وصفاً فلا أمْنٌ ولا حَذَر
يدها بناصيتي ومحْزَمُها / بيدي . فمنتَصِرٌ ومندَحِر
فلئن غَلَبْتٌ فَخَيْرُ متَّسَدٍ / للشاعرِ الأعكانُ والسُرَر
ولئن غُلِبْتُ فغالبي مَلَك / زاهٍ . بهِ صافحٌ عني ومغتفر
أمسكتُ " نهديها " وأحسَبُني / أشْفَقْتُ أن تتدحرجَ الأُكَر
عندي من استمتاعةٍ صُوَرٌ / ومِنَ التَّغنُّجِ عندَها صُوَر
قالت وقد باتَتْ تطاوعُني / فيما أُكَلِّفُها وتأتَمِر
أمعانياً حاولتَ تَنْظِمُها / تختارُ ما تَهْوى وتَبْتَكِر
إني وردتُ " الحوضَ "ممتلئاً / " شَهْداً " يفوحُ أريجُهُ العَطِر
ولقد صدرتُ وليس بي ظَمَأٌ / للهِ ذاكَ الوِردُ والصَّدَر
وإذا صدقتْ فانه بدَنٌ / لأطايب اللذاتِ مُخْتَبَر
يا زهرةً في ريعها قُطِفَتْ / كأرقِّ ما يتفَتَّقُ الزَّهَر
نِعْمَ القضاءُ قضى بمرتشَفٍ / لي من " لماك " وحبّذا القَدَر
ما إنْ أخَصِّصُ منكِ جارحةً / كلَّ الجوارحِ منكِ لي وطر
يُزرْي بفلسفةٍ مطّولةٍ / والعلمُ شيءٌ فيك " مُخْتَصَر"
" ومعبد " لم يبل منهجه / بالسالكيه . ولم يَلُحْ أثَر
إني لآسَفُ أنْ يجورَ على / خدّيكِ خدٌّ كلُّهُ شَعَر
وعلى إهابٍ منكِ ممتلئٍ / مَرحَا إهابٌ مِلؤُهُ كَدَر
هذا الحريرُ الغَضُّ مَلْمِسُهُ / حَيْفٌ يُخَدِّشُ جَنْبهُ الوبر
عيني فِدى قَدَمَيَكِ سيّدتي / عيناكِ قد أضناهُما السَّهَر
لا أكتفي بالروحِ أُزْهِقُها / عُذرا اليكِ فكيف أعتذر
قلبٌ تجمَّعَتِ الهُمُومُ به / نَفَّسْتُ عنه فهو مزدهِر
ضنكُ المنافذِ لا مكانَ به / لمَسَرَةٍ واليومَ ينتشر
لَوْ لَمْ تُحلِّيه على سعةٍ / من رُحْبِ صدركِ كانِ يَنْفَجِر
سَحَرٌ زماني كلُّهُ لِهَوَى / ليلٍ بقربِك كلُّه سَحَر
وأرى لياليَّ الطِوالَ بها / شَبَهٌ ففي ساعاتِها قِصَر
هي النفس تأبى ان تذِلَّ وتُقهَرا
هي النفس تأبى ان تذِلَّ وتُقهَرا / ترَىَ الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا
وتختارُ محموداً من الذِكرِ خالداً / على العيش مذمومَ المغَبَة مُنكَرا
مشى ابنُ عليٍ مِشيةَ الليث مُخدِراً / تحدَّته في الغاب الذئابُ فاصحَرا
وما كان كالمعطي قِياداً محاولاً / على حينَ عضّ القيدُ أن يتحررا
ولكنْ أنَوفا أبصَرَ الذُّلَّ فانثنى / لأذيالهِ عن أن تُلاَُثَ مُشمِّرا
تسامىَ سموَّ النجم يأبى لنفسه / على رغبة الأدنَينَ أن تتحدَّرا
وقد حلفتْ بيضُ الظُبا أن تنوَشه / وسمرُ القَنا الخطيِّ أن تتكسَرا
حدا الموتُ ظعنَ الهاشميينَ نابياً / بهمْ عن مقرٍّ هاشميٍ مُنَفَّرا
وغُيِّبَ عن بطحاء مكة أزهَرٌ / أطلَّ على الطَف الحزينِ فأقمَرا
وآذَنَ نورُ " البيت " عند برِحلة / وغاصَ النَدى منه فجفَّ وأقفرا
وطاف بأرجاء الجزيرة طائفٌ / من الحزن يوحي خِيفةً وتطيُّرا
ومرّ على وادي القُرى ظِلُّ عارضٍ / من الشُؤْم لم يلبث بها أن تَمطَّرا
وساءَلَ كلٌّ نفسَهُ عن ذُهوله / أفي يقَظةٍ قد كانَ أم كان في كَرى
وما انتفضوا إلا وركبُ ابنِ هاشمٍ / عن الحج " يومَ الحج " يُعجله السُرى
أبت سَورةُ الأعراب إلا وقيعةً / بها انتكَصَ الإسلام رَجْعاً إلى الوَرَا
وننُكِّسَ يومَ الطفّ تاريخُ أمة / مشى قبلَها ذا صولةٍ متبخِترا
فما كان سهلاً قبلَها أخذُ موثق / على عَرَبيّ أن يقولَ فيغدِرا
وما زالت الأضغانُ بابن أميَّةٍ / تراجِعُ منه القَلبَ حتى تحجرا
وحتى انبرى فاجتَثّ دوحةَ أحمدٍ / مفرِّعةَ الاغصان وارفةَ الذرى
وغطَّى على الأبصار حقدٌ فلم تكن / لتَجهَدَ عينٌ أن تَمُدَّ وتُبصِرا
وما كنتُ بالتفكير في أمر قتلهِ / لازدادَ إلا دهشةً وتحيُّرا
فما كان بين القوم تنصبٌّ كتبُهمُ / عليه انصبابَ السيل لما تحدَّرا
تكشَّفُ عن أيدٍ تُمَدُّ لبيعةٍ / وأفئدَةٍ قد أوشكَت أن تَقَطَّرا
وبينَ التخلَّي عنه شِلواً ممزَّقا / سوى أن تجيءَ الماءَ خِمسٌ وتُصدِرا
تولى يزيدٌ دَفَّةَ الحكم فانطوى / على الجمر من قد كانَ بالحكم أجَدرا
بنو هاشمٍ رهطُ النبيِّ وفيهُمُ / ترَعرَع هذا الدينُ غَرساً فاثمَرا
وما طال عهدٌ من رسالة أحَمدٍ / وما زالَ عودُ الملك رّيانَ اخضَرا
وفيهِمْ حسينٌ قِبلةُ الناس أصيدٌ / إذا ما مَشَى والصِيدُ فاتَ وغبَّرا
وغاض الزبيريين ان يبصِروا الفتَى / قليلَ الحِجى فيهم أميراً مُؤمَّرا
ففي كل دارٍ نَدوة وتجمُّعٌ / لأمر يُهم القومَ أن يُتدَّبرا
وقد بُثَّت الأرصادُ في كل وِجهةٍ / تخوف منها ان تُسَرَّ وتُجهَرا
وخَفُّوا لبيت المال يستنهضونَهُ / وكان على فضِّ المشاكل أقدَرا
وقد أدرك العُقْبى مَعاوي وانجلَتْ / لعينيه أعقابُ الامور تَبصُرّا
وقد كان أدرىَ بابنه وخصومِه / وأدرى بانَ الصَيدَ أجمعُ في الفرا
وكان يزيدٌ بالخمور وعصرِها / من الحكم ملتَفَّ الوشائج أبصَرا
وكانَ عليه أن يشُدَّ بعَزمه / قُوَى الأمر منها أن يَجدَّ ويسْهَرا
فشمَّر للأمرِ الجليلِ ولم يكن / كثيراً على ما رامَه ان يشمِّرا
ولكنَّه الشيءُ الذي لا معوِّض / يعوِّضُ عنه إن تولَّى وأدبَرا
وقلَّبها من كل وجه فسرَّه / بأن راءَها مما توَّقع أيسَرا
فريقينِ دينياً ضعيفاً ومُحنَقاً / ينفِّسُ عنه المالُ ما الحِقد أوغرا
وبينهما صِنفٌ هو الموتُ عينُهُ / وان كانَ معدوداً أقلَّ وأنزَرا
وماماتَ حتى بيَّن الحزمَ لابنه / كتابٌ حوى رأساً حكيماً مفكرا
وأبلَغَه أنْ قد تَتَبَّع جهدَه / مواطنَ ضَعفِ الناقمين فخدَّرا
وإن حسيناً عثرةٌ في طريقه / فما اسطاعَ فليستغنِ ان يتعثَّرا
وأوصاه شرّاً بالزبيريِّ منذرِا / وأوصاه خيراً بالحسَين فأعذَرا
لوَ ان ابن ميسونٍ أرادَ هدايةً / ولكن غَوِيٌّ راقَهُ أن يُغرِّرا
وراح " عبيدُ الله " يغتلُّ ضعفَه / وصُحبَتهُ حتى امتطاه فسيَّرا
نشا نشأةَ المستضعفينَ مرجيِّا / من الدهر أن يُعطيه خَمراً وميسِرا
وأن يتراءى قرده متقدِّماً / يجيءُ على الفُرسان أم متأخِّرا
وأغراه حُبّاً بالأخيطلِ شعرُهُ / لو اسطاعَ نَصرانيةً لتنصَّرا
وقد كان بين الحزنِ والبِشر وجهُه / عشيّةَ وافاه البشيرُ فبشَّرا
تردَّى على كره رداءَ خِلافةٍ / ولم يُلقِ عنه بعدُ للخمرِ مِئزرا
وشقَّ عليه أن يصوِّر نفسَه / على غير ما قد عُوِّدَت أن تُصوَّرا
وأن يُبتَلى بالأمرِ والنهيِ مُكرَها / وان يَجمع الضِدَّين سُكراً ومِنبَرا
إذا سَلِمت كأسٌ يُروِّحُ مُغبّقاً / عليه بها الساقي ويغدو مبكِّرا
وغنَّتهُ من شعر " الاخيطلِ " قَينَةٌ / وطارَحَها فيها المُغنّي فأبهَرا
فكلُّ أمور المسلمينَ بساعةٍ / من المجلِسِ الزاهي تُباع وتُشتَرى
وشاعَتْ له في مجلِس الخمر فَلْتَةٌ / من الشِعر لم تَستَثْنِ بَعثا ومَحشَرا
وقد كانَ سَهلاً عندَه أن يقولَها / وقد كانَ سهلاً عنده أن يُكفَّرا
على أنه بالرَغم من سَقَطاته / وقد جاءه نَعيُ الحسين تأثَّرا
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة / بأُخرى ولما ثَابَ رشْدٌ تَحسَّرا
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة / زَوَت عنه ما لاقَى الحسين تأثَّرا
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة / بأُخرى ولما ثابَ رشْدٌ تَحسَّرا
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة / زَوَت عنه ما لاقَى الحسينُ وما جرَىَ
ولولا ذُحولٌ قدمت في معاشِرٍ / تقاضَوا بها في الطَفِّ ديناً تأخَّرا
لزُعزِع يومُ الطف عن مُستقَرِّه / وغُيِّرَ من تاريخه فتَطَوَّرا
أقول لأقوامٍ مضّوا في مُصابه / يسومونه التحريفَ حتى تغيَّرا
دعوا رَوعةَ التاريخ تأخذْ مَحَلَّها / ولا تجهدوا آياتِه أن تُحوَّرا
وخلوا لسانَ الدهر ينطقْ فإنّه / بليغٌ إذا ما حاولَ النطقَ عَبَّرا
طوى الموتُ ربَّ القوافي الغُرَرْ
طوى الموتُ ربَّ القوافي الغُرَرْ / وأصبحَ شوقي رهينَ الحُفَرْ
وأُلقِيَ ذاكَ التُّراثُ العظيمُ / لِثقلِ التّراب وضغطِ الحَجر
وجئنا نُعزّي به الحاضرين / كأنْ لم يكنْ أمسِ فيمن حضر
ولم يُنتجِ السُوَرَ الخالداتِ / من المُلحقاتِ بأمِّ السُّوَر
من اللاَّءِ يهتزُّ منها النديُّ / ويُطربُ إيقاعُهُنَّ السَّمر
برغمِ الشُعورِ يشُلُّ البِلى / لسانَكَ أو يعتريكَ الكدَر
وأن يقطعَ الموتُ ذاك النشيدَ / وأن يأكلَ الدودُ ذاكَ الوتَر
وأنَّا نعودُ بنفضِ الأكفِّ / عنكَ وأنتَ العظيمُ الخَطَر
فيا لكِ من عِبرةٍ يُستفزُّ / منها على كثرةٍ في العِبَر !
زمانٌ وفيٌّ بميعادهِ / فظُلماً يقالُ ليالٍ غُدُر
كما يُقْرعُ " الجَرْسُ " للناشئينَ / تأتي إلى الناس منه النُّذُر
ولكن يُريدُ الفتى أنْ يدوم / ولو دامَ سادَ عليه الضجر
ويأبى التنازعُ طولَ البقاء / وتأباهُ بُقْيا نفوسٍ أُخر
وقد يُهلكُ الناسَ فردٌ يعيشُ / حيناً فكيف إذا ما استمر!
فلّلهِ من شارعٍ لم يَعُقْهُ / حكمُ الضرورةِ أو ما ندَر
سواءٌ صليبُ الصفا والزجاجِ / كسراً بكفِّ القضا والقدَر
وبالدهرِ في الناسِ مثلُ الجُنون / فليس يُبالي بمنْ ذا عثر
وحتمٌ على الخفرِ الآنسات / والوحش حشرجةُ المْحْتَضَر
تجيءُ إلى الصدرِ تحتَ الحرير / كجيئتها الصدرَ تحتَ الوَبر
وكلُّ الفوارقِ بينَ اللغاتِ / وبينَ الطباعِ وبينَ الأْسَر
سيُوقِفها للردى زائرٌ / ثقيلُ الورودِ بغيضُ الصَّدر
فيا صُفرةَ الموتِ إنَّ الوجوهَ / تَساوى بها صَلَفٌ أو خَفَر
تحَيْرتُ في عِشةِ الشاعرين / أتَحْلو خُلاصتُها أم تَمَرّ
فقد جارَ " شوقي " على نفسهِ / وقد يقتُلُ المرءَ جَورُ الفِكَر
على أنَّه لم يعِشْ خالداً / خلودَ الجديدَينِ لو لم يَجُر
تتبَّعْتُ آثارَ " شوقي " وقد / وقفتمْ على من يقصُّ الأثر
لقد فاتَ بالسبقِ كلَّ الجيادِ / في الشعر هذا الجوادُ الأغرّ
ترسَّلَ لم يَرْتَبِكْ خَطوُهُ / عناءً ولا نال منه البَهَر
" شَكِسْبيرُ " أُمَّتِهِ لم يُصِبْهُ / بالعِيِّ داءٌ ولا بالحَصَر
وإن أصدُقَنَّ " فشوفي " لهُ / عيونٌ من الشعرِ فيها حَوَر
تعرَّضه من طلاءِ البيانِ / ومن زِبْرِج اللفظ دربٌ خطِر
ولو خافَ مثلَ سِواه العُبُور / لخابَ وزلَّ ولكنْ عَبَر
تمشَّى لمصطلحاتِ البديع / مُندسَّةً في البيانِ النَّخِر
فأفرغها من قوافيهِ في / قوالبَ مرصوصةٍ كالزُّبُر
فجاءَتْ كأنْ تنَلْها يدٌ / خلافَ يدِ الماهرِ المقتدِر
يُذلِّلُ من شارداتِ القريضِ / ما لو سِواهُ ابتغاهُ لَفَر
ويستنزلُ الشِعَر عذبَ الرُّواءِ / كصوبِ الغمامةِ إذْ ينحدِر
يُمَيِّزهُ عن سِواه الذَّكاءُ / وطولُ الأناةِ وبُعدُ النظَّر
وتبدو الرجولةُ في شِعره / منزَّهةً من صعىً أو صَعر
وفي كِبَرِ النَّفْس مندوحةٌ / عن الكبرِ شأنُ الضعاف الكبر
ولم يتخبَّثْ بهُجْر الكلام / ولم يتصيَّدْ بماءٍ عكر
وديوانُ " شوقي " بما فيه من / صنوفِ البداعةِ روضٌ نضر
فبيتٌ يكادُ من الارِتياحِ / واللطفِ من رِقَّةٍ يُعتْصَر
وبيتُ يكادً من الاِندفاعِ / يقدحُ من جانبيهِ الشَّررَ
وبيتٌ كأنَّ " رُفائيلَ " قد / كساهُ بكفَّيْهِ إحدى الصُوَر
تُحِسُّ الطبيعةَ في طيَّةِ / تَكشَّفُ عن حُسنها المستتر
كأنَّكَ تسمعُ وقعَ النَّدى / بتصويرهِ أو حفيفَ الشَّجر
وبيتٌ ترى " مصرَ " أسيانةً / تُناغي به مجدَها المندثر
ففي مصرعٍ يومُها المبتلى / وفي مرعٍ أمسُها المزدهر
و"فرعونُ " إذ ينطوي مُلْكُهُ / و " فرعونُ " في القبرِ إذ يَنْتَشِر
وديوانُ " شوقي " يُجِدُّ الشبابَ / لتأريخِ أُمتَّهِ المُختَصَر
ولولا المغالاةُ قلتُ : انطوى / بمنعاهُ عُنوانُها المُفَتخَر
فيا نجلَ مصرَ وفَتْ برَّةً / بذكراكَ مصرُ وأنتَ الأبَّر
مئاتُ الصحائفِ مسودةٌ / مُجلَّلةٌ بمئاتِ الصُور
ظهرتَ بها وجناحُ البيانِ / مهيضٌ وأسلوبُه مُحتقر
بقايا من الكَلِمِ الباقياتِ / تناقَلَها نفرٌ عن نفر
ولفظٌ هجينٌ ثوَتْ تحتهُ / معانٍ لِقلَّتها تًحتكر
وحسبُكَ من حالةٍ رثَّةٍ / بفرطِ الجمودِ لها يعتذر!
فكنتَ وعِلَّتها كالطبيبِ / يُنْعش جسماً عراهُ الخَوَر
تُعَلِّمُها أنَّ للعبقريِّ / حكْماُ مُطاعاً إذا ما أمر
وأنَّ القوافي عِبِدَّى له / يُفَرِّقُ أشتاتَها أو يَذر
يصوغُ المعاني كما يشتهي / ويلعبُ باللفظِ لعبَ الأكر
" عُكاظُ " من الشعر تحتلّهُ / ويرعاهُ " حافظُ " حتى ازدهر
تلوذُ الوفودً بساحَيْكمُا / وتأتيهِ من كلِّ فجٍّ زُمر
تُبَجَّلُ فيه مزايا الشُعور / على حينَ في غيرهِ تًحتَقَر
وتًنسى الضغائنُ في ساحةٍ / بها كلُّ مكرُمةٍ تُدَّكر
وأنت كصمصامةٍ مُنتضىً / و حافظُ كالأبلقِ المشتَهَر
تمشَّى بإثْركَ في شِعره / وماتَ وأعقبتَهُ بالأثر
بقدْرِ اختلافِكما في النُبوغِ / كانَ اختلافُكما في العُمُر
فلا تَبعُدا إن شأنَ الزمانِ / أنْ يُعقِبَ الصفوُ منه الكَدَر
عزاءُ الكِنانة أنَّ القريضَ / تأمَّرَ دهراً بها ثمَّ فَر
بنجمينِ كانت تباهي السما / وما في السما من نجومٍ كُثُر
بشوقي وحافظَ كانت متى / تُنازلْ بمعركةٍ تَنتصِر
فها هي قد عَريتْ منهما / وها هي من وحشةٍ تَقْشَعِر
فلا تحسبنْ أنَّ طولَ البكا / يذودُ الأسى او نِثارَ الزَهر
خسرناكَ كنزاً إلى مثلِهِ / إذا أحْوَجَتْ أزمةٌ يفتقر
وما كنتَ من زمنٍ واحدٍ / ولكنْ نِتاجَ قُرونٍ عُقُر
مضى بالعروبةِ دهرٌ ولمْ / يَلُحْ ألمعيٌّ ومرت عُصُر
وإن النُبوغَ على ما يُحيطُ / بعيشِ النوابغِ أمرٌ عَسِر
يثيرُ اهتماماً أديبٌ يجد / كما قيلَ نجمٌ جديدٌ ظهر
قرونٌ مضتْ لم يسُدِّ العراقُ / مِن المتنبي مكاناً شَغَر
ولم تتبدلْ سماءُ البلادِ / ولا حالَ منها الثَّرى والنَّهر
ولم يتغيرْ عَروضُ الخليل / ولا العُربُ قد بُدلّوا بالتَتر
ولكِنَّما تُنْتُجُ النابهينَ / من الشاعرينِ دواعٍ أُخَر
فإنْ فُقدَتْ لم يشعَّ الأريبُ / إلا ليخبو كلمحِ البَصَر
لقد ساءَني علمي بخُبثِ السرائرِ
لقد ساءَني علمي بخُبثِ السرائرِ / وأنّي على تطهيرِها غيرُ قادرِ
وآلمني أني أخيذُ تفكُّرٍ / بكلَّ رخيص النفسِ خِبٍّ مُماكِر
تمشَّتْ به سَوءاتُ شعبٍ تلاءَمَت / وسوءاتُه واستُدرِجَتْ بالمظاهر
وها أنا بالنيّات سوداً معذَّبٌ / تعاودُني فيهنَّ سودُ الخواطر
وألمحُ في هذي الوجوهِ كوالِحاً / من اللؤم أشباحَ الوحوش الكواسر
وتوحِشُني الأوساطُ حتى كأنَّني / أُعاشِرُ ناساً أُنهِضوا من مقابر
تصفَّحتُ أعمالَ الوَرَى فوجدتُها / مخازِيَ غطَّوها بشَتى الستائر
وفتَّشتُ عما استحدَثوا من مناقِبٍ / تُروِّجُ من أطماعهم ومفاخِر
فكانت حساناً في المظاهرِ خُدْعة / على أنها كانت قِباحَ المخابر
مشى الناسُ للغايت شتى حظوظهم / وآمالهم من مستقيم وجائر
وغطَّى على نقصِ الضعيف نجاحُه / وراح القويُّ عرضةً للعواثر
وقد حوسب الكابي بأوهَى ذنوبِه / ولم يؤخَذِ الناجي بأمّ الكبائر
وراحت أساليبُ النفاق مَفاخراً / سلاحاً قوياً للضعيف المُفاخر
وحُبِّبَ تدليسٌ وذُمَّت صراحةٌ / فلا عيشَ إلاّ عن طريقِ التآمر
وألَّفَ بين الضدِ والضدِ مغنمٌ / وفرَّقَتِ الاطماعُ بين النظائر
مُحيطٌ خَوَتْ فيه النفوسُ وأفسِدتْ / طباعُ أهاليه بعدوْى التجاور
هَوَت نبعةُ الأخلاق جراءَ ما اعتَدَتْ / على الشعب أطماعُ السَّراةِ الأكابر
وقد صِيح بالإخلاص نَهبْاً فلا تَرَى / سوى بؤَر التضليلِ جِسراً لعابر
وباتَ نصيبُ المرءَ رَهناً لِما يَرَى / أولو الأمرِ فيه مثلَ لِعبِ المقامر
فإما مُكَّبٌ للحضيض بوجهه / على أنه سامي الذرى في المفاخر
وإما إلى أوجٍ من المجد مُرتَقٍ / على سُلَّمٍ من موبقاتٍ فواجر
ولم يبقَ معنى للمناصب عندنا / سوى أنها ملكُ القريبِ المصاهِر
وإن ثيابَ الناس زُرَّت جميعُها / على عاهةٍ إلاّ ثيابَ المؤازر
تُسنُّ ذيولٌ للقوانين يُبتَغى / بها جَلْبُ قوم " الكراسي " الشواغِر
وقد يُضحِكُ الثكلى تناقضُ شارع / قوانينُه مأخوذةٌ بالتناحر
أُهينَتْ فلم تُنتَجْ قريحةُ شاعرٍ / وضيِمَتْ فلم تَنشَ ط يراعةُ ناثر
وهيمَنَ إرهابٌ على كل خَطرةٍ / تَرَدَّدُ ما بين اللَّهى والحناجر
لقد ملَّ هذا الشعبُ أوضاع ثُلَّةٍ / غدت بينه مثلَ الحروفِ النوافر
وما ضرَّ أهلَ الحكم أنْ كان ظلُّهم / ثقيلاً على أهل النُهى والبصائر
فحسبُهمُ هذي الجماهيرُ تقتَفِي / خُطى كل مقتادٍ لها : من مناصر
وحسبُهمُ أن يستجدُّوا " دعاية " / تُعدِّدُ ما لم يعرفوا من مآثر
وأوجع ما تَلقَى النفوس نكايةً / مَعِزّةُ أفرادٍ بذُلِّ أكاثر
لكي ينعُمَ الساداتُ بالحكم ترتوي / بقاعٌ ظِماءٌ من دماءٍ طَواهر
وكي لا ترى عينٌ على البَغي شاهداً / تُغيرُ عمداً ناطقاتُ المحاضر
وأهوِنْ بأرواح البريئين أُزهِقَت / وأموالِهم طارت هباً من خسائر
وكانت طباعٌ للعشائر ترتجى / فقد لُوِّثَت حتى طباعُ العشائر
وكان لنا منهم سلاحٌ فأصبحوا / سلاحاً علينا بين حين وآخر
وإنك من هذي الشنائعِ ناظرٌ / إلى مُخزياتٍ هن شوكٌ لناظر
اذا ما أجَلْتَ الطَرْف حولَك وانجلت / بعينيك يوماً مُخَبئاتُ الضمائر
وكشفت عن هذي النفوس غطاءها / وأبرزتَها مثل الاماءِ الحواسِر
وفتَّشتَ عما في زوايا الدوائر / وغربَلْتَ ما ضمَّت بطونُ الدفاتر
رجعتَ بعينٍ رقرَقَ الحزنُ ماءَها / وأُبْتَ بقلب شاردِ اللُبِّ حائر
وأيقنتَ أنّ الحالَ حالٌ تعسَّرَت / على كلِّ طَبٍّ بالطبائع ماهر
وقد يملأُ الحرَّ المفكرَ حرقةً / تفكُّرُه يوماً بعُقبى المصاير
ولا أملٌ إلاّ على يدِ مُصلحٍ / حَقودٍ على هذا التدهوُرِ ثائر
وإن عيوباً جلْبَبَ الكِذبُ كُنْهَها / فغَطَينَ أضعافَ العيوبِ السوافِر
ولا تحسبنَّ الشعرَ سهلاً مهبُّه / بهذي المساوي بين بادٍ وحاضر
فإن عظيماً أن يخلِّدَ شاعرٌ / مخازيَ جيل بالقوافي السوائر
سنُضحكُ قرّاءَ التواريخ بعدنا / ونبدو لهم فيهن إحدى النوادر
وسوف نُريهم للمهازل مَرسَحاً / نَروح ونغدو فيه هُزأةَ ساخر
فإن ترني أُذكي القوافي بنَفثَةٍ / أُراني على كِتمانها غيرَ صابر
فإني برغم العاصفات التي ترى / أُقاسي رُكوداً لا يَليق بشاعر
رجعتُ لنفسي أستثيرُ اهتمامَها / وأُلزِمُها ذنبَ الصريح المجاهر
وأُثقلها بالعَتْب أن كان لي غنى / عن الشرِّ لولا حبُّها للمَخاطر
وساءلتُها عما تُريد من التي / تُرشِّحها للمُهلكات الجوائر
أأنتِ بعَورات النفوس زعيمةٌ / مُوَكَّلة عنها بِعَدِّ الجرائر
وما أنتِ والغرمَ الذي راح مَغنَماً / لقد غامر الاقوامُ فيه فغامري
خذي وِجهةً في العيش يُرضيك غيُّها / ولا تستطيبي منه قِعدَة خائر
وإن شذوذاً أن تُثيري وتصدَعي / شَذاةَ مُحيط بالمدجاة زاخر
وأحسن مما تدَّعين صلابةً / سماحُ المحابي وانتهازُ المساير
أكْبَرْتُ ميسورَ حالٍ أستشِفُّ بها
أكْبَرْتُ ميسورَ حالٍ أستشِفُّ بها / إذ لم يكن ما أُرجّيهِ بميسورِ
وقد رَضِيت بكِنٍّ أستكِنُّ به / ناءٍ عن العالَمِ المنحطِّ مهجور
ورُحْتُ رغَم جحودٍ عامدٍ أشرٍ / للحظِّ أُرجِعُ حالي والمقادير
تعلةً لم يكنْ لي من تَخَيُّلِها / بُدٌّ وكم خودِعَت نفسٌ بتبرير
ما زالتِ المدُنُ النكراءُ تُوحِشُني / حتى اتُّهِمْتُ بإحساسي وتفكيري
ذَمَمْتُ منها محيطاً لا يلائمني / صعْبَ التقاليدِ مذمومَ الأساطير
حتى نزلتُ على غنّاءَ وارفةٍ / بكل مرتجف الأطيافِ مسحور
أهدَى ليَ الريفُ من ألطاف جنّتِه / عرائشاً أزعجتها وحشةُ الدور
طافت عليَّ فلم تنكِرْ مسامرتي / ولم أرُعْها بإيحاشٍ وتنفير
كأنني والمروجُ الخضرُ تنفَحُني / بالموحيات " ابنُ عمرانٍ " على الطور
تُلقي الهجيرَ بأنفاسي تُرقِّقُه / لطفاً وتكسِرُ من عُنف الأعاصير
وتستبيك بحشدٍ من روائعها / موفٍ على كلِّ منظومٍ ومنثور
وحيٌ يَجِلّ عن الألفاظ ما نشرت / طلائعُ الفجرِ فيها من تباشير
كم في الطبيعة من معنى يُضيّعُه / على القراطيس نقصٌ في التعابير
هنا الطبيعة ناجتني معبِّرةً / عن حسنها بأغاريد العصافير
وبالحفيف من الأشجار منطلقاً / عَبْر النسيم وفي نفحِ الأزاهير
ومنزلي عُشُّ صيداحٍ أقيِمَ على / خضراءَ غارقةٍ في الظل والنور
هنا الخيالُ كصافي الجوِّ منطلقٌ / صافي المُلاءَةِ ضحّاكُ الأسارير
وقد تفجَّر يُنبوعُ الجمالِ بها / عن كل معنىً بديعِ القصدِ مأثور
حتى كأنّ عيونَ الشعر يُعوِزُها / وصفُ الدقائقِ من هذي التصاوير
فما تُلِمُّ بها إلاّ مقاربةً / ولا تحيطُ بها إلاّ بتقدير
وجدت ألْطَفَ ما كانت مخالطةً / نقَّ الضفادع في لحن الشحارير
وقد بدا الحقلُ في أبهى مظاهره / بساطَ نورٍ على الأرجاء منشور
وأرسل البدرُ طيفاً من أشعّتِه / كان الضمينَ بإنياس الدياجير
واستضحك الشط من لئلاء طلعته / كأنه قِطِعِاتٌ من قوارير
واسترقص القمرُ الروضَ الذي ضحكت / ثغورُه عن أقاحٍ فيه ممطور
علَّموها فقد كفاكُمْ شَنارا
علَّموها فقد كفاكُمْ شَنارا / وكفاها أنّ تحسَبَ العلمَ عارا
وكفانا من التّقهقُرِ أنّا / لم نعالج حتى الأمورَ الصغارا
هذه حالُنا على حينَ كادتْ / أممُ الغربِ تسبِقُ الأقدارا
أنجب الشرقُ جامداً يحسبُ المرأةَ / عاراً وأنجبت طيارا
تحكم البرلمانَ من أمم الدنيا / نساءٌ تمثلُ الأقطارا
ونساء العراقِ تُمنعُ أن ترسمَ خطّاً / أَوْ تَقْرأَ الأسفارا
علِّموها وأوْسِعوها من التّهذيب / ما يجعلُ النّفوسَ كبارا
ولكي تُحسنوا سياسةَ شعبٍ / بَرهنوا أنّكم تسوسون دارا
أنَّكُمْ باحتقاركُمْ للنساء اليومَ / أوسعتُمُ الرّجالَ احتقارا
أفَمِنْ أجلِ أنْ تعيشوا تُريدونَ / لثلْثّيْ أهلِ البلادِ الدّمارا
إنَّ خيراً من أن تعيشَ فتاةٌ / قبضةَ الجهلِ أن تموتَ انتحارا
أيُّ نفعٍ من عيشةٍ بين زوجينِ / بعيدين نزعةً واختبارا
وخلال البيوتِ لا تجدون اليومَ / إلاّ خصومةً وشِجارا
اختياراً بالبنت سيروا إلى صالحها / قبل أن تسيروا اضطرارا
فعلى قدر ما تزيدون في الضغط / عليها ستُوجدونَ انفجارا
وَهَبوا مرةً نجحتم فلا تنخدعوا / سوف تُخْذلون مرارا
ولدى الأمرِ لا محالةَ مغلوبٌ / ضعيفٌ يقاومُ التّيارا
وأرى جامداً يصارعُ تجديداً / كَقَزْمٍ مصارعٍ جبّارا
أينَ عن حرمة الأمومةِ داستْها / وحوشٌ المصلحونَ الغَيارى
قادة للجمودِ والجهلٍ في الشرق / على الشعب تنصُرُ استعمارا
لو بكفي ملأت دور المحامين / عن المرأة الجْهولةِ نارا
ازدراءً بالدينِ أن يُحسَبَ الدّينُ / بجهلٍ وخزيةٍ أمّارا
وبلاءُ الأديانِ في الشرق هُوجٌ / باسمه سامَوا النفوسَ احتكار
تُزدَرى رغبةُ الجماهيرِ في الشرقِ / وتُنْسى إنْ خالفت أنفارا
أسلَموا أمرهم إلى " الشيخ " عُمياناً / وساروا يَقفونه حيثُ سارا
وامتطاهم حتى إذا نالَ بغياً / خَلَعَ اللُّجْمَ عنهُمُ والعِذارا
نَبذَ القِشْرَ نحوهم باحتقار / وَحوَى اللبَّ وحدَهُ والخِيارا
دفعوا غُنْمَهمُ إليه وراحواً / يحمِلون الأثقالَ والأوزارا
عاطلاتٍ نساؤهم ونساء " الشيخ " / حُلِّينَ لؤلؤاً ونُضارا
وإذا جاءت الشدائدُ تَترى / قدَّموهم وولَّوا الأدبار
حالةٌ تُلهب الغيَارى وتستصرخ / غُلبَ الرجالِ والأحرارا
ان بينَ الضُلوعِ مما استغلوه / بتضليلهم قلوباً حِرارا
يُعوزُ الشعبَ كي يسيرَ إلى المجد / حثيثاً وكي يُوَقَّى العِثارا
حاكمٌ مطَلَقٌ يكون بما يعرف / من خير شعبه مختارا
يتحرَّى هذى الشنائعَ في الشرق بنفس / لا تَرهَب الأخطارا
إن يُطَعْ كان مشفقاً واذا ما / أحوجوا كان فاتكا جزارا
أو فلا يُرتَجى نهوضٌ لشعبٍ / ان يُقدِّمْ شبراً يُعيَقْ أشبارا
هي الحياة بإحلاءٍ وإمراءٍ
هي الحياة بإحلاءٍ وإمراءٍ / تمضي شعاعاً كزَند القادح الواري
سجيَةُ الدهر والبلوى سجيتُه / تَقَلُّبٌ بين إقبال وإدبار
لم يدر من أحسنوا صُنْعاً لغيرِهُمْ / بأنَّ عقباهُمُ عُقْبىَ سِنِمّار
ود الأباة وقد سيموا مناقصةً / في الرُوح لو أبدلوهم نقصَ أعمار
مَن ضامِنٌ لك والايامُ غادرةٌ / أن ليس ينشُب فيك السَهم يا باري
ما للتمدُّن لا ينفكُّ ذا بِدَعٍ / في الكون يأنَفُ منها وحشهُ الضاري
كم ذا يُسمُّون أحراراً وقد شَهِدَت / فِعالهم أنها من غير أحرار
ما للجزيرة لم تأنسْ مرابعُها / بعدَ " الحُسينِ " ولم تحفِلْ بسُمّار
مُغبرَّةً خلَّفَ الليل السوادُ بها / أو جلَّلتْها سماءُ الهمِّ بالقار
لِمْ لا تشَبُّبها نرٌ أكلُّهم / ألهاهُمُ الحزنُ حتى موقدو النار
يا مهبطَ الوحي للتاريخ معجزةٌ / سَلي تحدِّثْكِ عنها فُوهةُ الغار
لله عندَكَ بيت سوف يكلؤهُ / من أن يُباح لأشرار وكُفّار
تلك السُنونَ بآثارٍ مضت واتت / هذي السنونَ تُبَغْي محوَ آثار
دارٌ بدَّيارها من طارق حُفِظَت / وطالما حُفِظَت دار بدّيار
شيخ الجزيرة أنت اليوم مُرتَهَنٌ / بحسنِ فِعلك من صِدقٍ وإيثار
لتحمدَنَّ من الدنيا عواقبَها / فقد أرَينَكَ عُقبى هذه الدار
خُودعت عنها وليستْ لو علمتَ سِوى / مراسحٍ همُّها تمثيلُ أدوار
تغشىَ العيونَ بتدليس محاسنُها / وتستكنُّ المساوي خلف أستار
يا حاملين على الأمواج عزمتَه / قابلتُمُ البحرَ تيّاراً بتيّار
هل بلَّغتْ قبرصٌ عن ضَيف بُقعتِها / بأنَّه أيُّ نَفّاعٍ وَضرّار
كمثل ثائرٍ ذاك الموج ثورتَه / يوم استشاط وهاجَتْ سورة الثار
يامن يُجِلُّ شعارَ الدين مستمعاً / لله آياتُ إجلالٍ وإكبار
حتى على البحر للتكبير ماذنةٌ / تقامُ كلَّ عشيات وأبكار
ألله أكبر ردَّدها فان بها / خواطراً ورموزاً ذات أسرار
مما يعيد إلى التاريخ روعتَه / تخليدهُ ملكاً في زيّ أحبار
من سِّيئاتِ ليالٍ جلَّ ما صنَعَت / سوءاً بليةُ وفّاء بغدّار
يا ناهضاً بأباةِ الضيم منتفضاً / عن أن يَمُدَّ يداً للذُل والعار
في ذمة الله والتاريخ ما تَرَكَت / ايامُك الغُرُّ من محسود آثار
إن لم يقيموا لك الذكرى مخلدَّةً / فحسنُ فعلك فينا خيرُ تَذكار
لو تبتغي بغنى عن عزةٍ بدلا / لكنتَ ذا نَشَبٍ جَمٍ وإكثار
نهضاً بني العَرَب العَرْباء أنكُمُ / فرأئسٌ بين أنياب وأظفار
أرقدةً وهوانا أن بعضَهما / مما يَفُتُّ بأصفادٍ وأحجار
شباب ولكن في هواكم أضعتُه
شباب ولكن في هواكم أضعتُه / وغرس ولكن ما جنيت ثمارهُ
أسَرْتُم فؤاداً لا يحب انعتاقه / بحب سواكم ما رضيتم إسارة
خذوه تُريحوا أضلعاً كابدت به / هموماً برتها أبعد الله داره
ولم أنس يوم السفح إذ طلَّه الندى / ولا كأس إلا طرفه فأداره
أقول له لا ترجع اللحظ إنني / من النظرة الأولى عَرفتُ اقتداره
جَهِلْتُ أحظُّ المرءِ بالسعي يُقْتَنَى
جَهِلْتُ أحظُّ المرءِ بالسعي يُقْتَنَى / أم الحظُّ سرٌّ حَجَّبتْهُ المقادرُ
وهل مثلَما قالوا جدودٌ نواهضٌ / تقوم بأهليها وأخرى عواثر
فمن عجب أن يُمْنَحَ الرزقَ وادعٌ / ويُمْنَعَهُ ثَبْتُ الجَنانِ مُغامر
تفكّرتُ في هذي الحياةَ فراعنى / من الناسِ وحشٌ في التزاحُمِ كاسر
ولا فرقَ إلاّ أنَّ هذا مراوغٌ / كثيرُ مُداجاهٍ وهذا مجاهر
وقد ظنَّ قومٌ أنَّ في الشِعر حاجةً / إلى فاقةٍ تهتزُّ منها المشاعر
وأنَّ نَتاجَ الرفهِ أعْجَفُ خاملٌ / وأنَّ نَتاجَ البُؤسِ ريّانُ زاهر
كأنَّ شعوراً بالحياة وعيشة / بها يشتهى طَعْمَ الحياةِ ضرائر
وما إن يُرى فكرٌ كهذا مُزَيَّفٌ / لدى أمّةٍ للفنِّ فيها مناصر
ولا أمةٌ تحيا حياةً رفيهةً / يَجيشُ بها فيما يُصوّرُ شاعر
ولكنّهُ في أمّةٍ مستكينةٍ / طغى الذُّلُّ فيها فهو ناهٍ وآمر
وآنسها بؤسُ الأديبِ وأُعْجِبَتْ / بِشِعرٍ عليه مهجةٌ تتناثر
وللحزنِ هزّاتٌ وللأُنْسِ مِثْلُها / يُخالِفُ بعضٌ بَعْضَها ويُناصر
ومثلُ قصيدٍ جسَّدَ الحزنَ رائعاً / قصيدٌ بتجسيدِ المسراتِ زاخر
نُسَرُّ بشِعرٍ رقرق الدمعُ فوقَه / إذا عَصَرَ الذهنَ المفكّرَ عاصر
وقد فاتنا أنّ الذي نستلذُّهُ / قلوبٌ رقاقٌ ذُوِّبَتْ ومرائر
وما أحوجَ القلبَ الذكيَّ لعيشةٍ / يَعِنُّ بها فِكْرٌ ويَسْبَحُ خاطر
ورُبَّ خصيبِ الذهنَ مَضَّتْ خَصاصةٌ / به فهو مقتولُ المواهبِ خائر
وشتّانَ فنّانٌ على الفنِّ عاكفٌ / وآخرُ في دوّامِةِ العَيْشِ حائر
وقد يطرق البؤسُ النعيمَ اعتراضة / كما مَرّ مجتازاً غريبٌ مسافر
ولكنّ بؤساً مُفْرِخاً حَطَّ ثِقْلَهُ / وألقى عصاه فهو موتٌ مخامر
رُسُلَ الثقافةِ من مُضَرْ
رُسُلَ الثقافةِ من مُضَرْ / وَجْهُ العراق بكِم سَفَرْ
حَرَصَ القضاء عليكم / وَرَعتْكُمُ عينُ القَدَر
جئتتُمْ وهاطلةُ الغَمام / معاً ورُحْتُم والقمَر
رشَّ السماءُ طريقَكم / أيُحبُّكم حتى المطر !
في القلبِ منزلُكم وبين / السَمع منا والبَصر
نحن الحُجولُ وانتم / في كل بارزةٍ غُررّ
ليل الجزيرة لم يكنْ / لولاكمُو فيه سَحَر
يا سادتي ان العراق / جميعُه بكُمُ ازدَهَر
والمحتفونَ بكم وإنْ / كانوا ذوي كَرٍّ وفَرّ
وجميعُهُم اهلُ البلاد / ولا يُقاسُ بِما نَدَر
فأجَلُّ من زُمَرٍ تَلَقَّتْكُمْ / قد اختبأتْ زُمَر
وأجَلُّ ممن قادَهُمْ / حبُّ الظهورِ مَن استَتَر
خَفيَت ذواتٌ جَمّةٌ / وبَدَتْ لكم بعضُ الصُور
وأُزيِحَ من ظَفِروا به / ومشى اليكم من ظَفِر
ملءَ النوادي معجَبون / بفضلِكِم ملء الحَجَر
كنَّهُمْ لم يملِكوا / حقّ الجلوس على السُرُر
غيرُ المناسِب ان يَمسَّ / حريرَ سادَتنا الوَبَر
فاذا أرَدْتُم ان يُتاح / لهم بصُحبْتكم وَطَر
فضَعوا بقارعةِ الطريق / لَهُم بُيوتاً من شَعَر
وسيسُمعونَكُمُ من الترحيب / خاتَمةَ السُوَر
وَضْع العراقِ خذوه من / عذبَات أقلامِ أُخر
ولحفظِ حُرِيّاتِهِمْ / من أن تُداسَ وتُحتَقَر
لَتُرحْ لمصرَ سُعاتُكم / ليَجئْكُمُ منها خَفَر
هم مُرهقون لانَّهمْ / لا يصدَعون لمن أَمَر
ومُضايَقون لانَّهمْ / ما في عزائِمهم خَوَر
عندي مقالٌ يستَوي / من لامَ فيه ومن عَذّر
سقَطَتْ على الأرض الثمار / وجاءَكم يمشي شَجَر
ماذا احدّثُكُمْ حديثَ / القَلب من جَمْر أحَرّ
كلُّ المسائل مُرَّةٌ / وسكوتُنا عنها أمَر
أعليكم يَخفَى وفي / كلِّ الورى ذاعَ الخَبر
لستُمْ من القوم الذينَ / يُخادَعون بما ظَهَر
حتى نغالِطكم ونزعمُ / أنَّنا فوقَ البَشر
رُسلَ الثقافة من أجلِّ / صفاتِكم بُعْدُ النَظر
ولداُتنا في كلِّ نَفع / للسياسةِ أو ضَررَ
غَطَّى علينا سادتي / وعليكُمُ جِلدُ النَمِر
وعلى السَواء لنا كما / لكُمُ يُكادُ ويُؤتمرَ
وعلى قياسٍ واحدٍ / حُفِرتْ لكم ولنا الحُفَر
انتُمْ لنا عِبرٌ وفيما / نحن فيه لكُمْ عِبَر
عن أي شيءٍ تَسألون / فكل شيء مُحتكَر
لم يخلُ دَرْب من عراقيلٍ / ولم يسَلَم مَمَرّ
وسَلُوا الخبيرَ فانني / ممن بواحدةٍ عَثَر
حتى لقد اشفقت أن / يعتاقَ رحلتَكم حَجَر
تهتاجُنا النعرات طائشةً / وينجَحُ من نَعَر
في كلِّ حَلق نغمةٌ / ولكلِّ أنملةٍ وَتَر
ويعاف من لم يرض / أصحاب النفوذِ وينتهِر
تمشى سموم المُغرِضين / بسُوحنا مشيَ الخَدَر
يتقاذَفُون عقولَنا / وقلوبَنا لَعِبَ الأُكر
ولقد نُُصفِّق للخطيب / ونحن منه على حَذَر
باسم البلاد يجل من / جرَّ البلادَ الى الخَطَر
يا سادتي : لا ينتَهي / فيضُ الشعور اذا انفَجَر
ولكي أريحَكُمُ أجيءُ / لكم بشيء مُختَصَر
إن السياسة لَم تبقِّ / على البلادِ ولم تَذَر
وبرغم ما في الرافدينِ / من المصائبِ والغِيَر
وبرغم أنا قد تزعَّمَ / عندنا حتى البَقَر
فهنا شبابٌ ناهضونَ / عقوقُهم إحدى الكُبَر
كِتَلٌ تَحَفَّزُ للحياة / يسوقهُا حادٍ اغّر
تمشي على نُور الثقافة / مشيَ موثوقِ الظَفَر
فيها الشجاعةُ من عليٍّ / والسياسةُ من عُمّر
واذا أمَرتُم ان أسامرَكم / فقد لذَّ السَمَر
عن نَهْضةٍ أدبية / ما إن لها عنكُمْ مَفَر
لولاكُمُ ما كان للشعراء / فينا من أثَر
قبر الاديبِ الالمَعَيِّ / هنا وفي مصرَ انتَشَر
الله يُجزي من أفاد / ومن أعانَ ومن نَشَر
اني اسائلُكم وأعلَم / بالجواب المُنتَظَر
هل تَقبَلون بأن يقالَ / اديبُ مصرَ قد افتَقَر
او أنَّ " شوقي " من / حَراجة عيشِه كالمُحتَضَر
او أنَّ " حافظَ " قد هوى / فتجاوبونَ : الى سَقَر
حاشا : فتلكَ خطيئةٌ / وجَريمةٌ لا تُغتَفَر
" شوقي " يعيشُ كما يَليقُ / بمن تَفكِّر او شَعَر
وسطَ القصورِ العامراتِ / وبين فائحةِ الزَهَر
برعايةِ الوطَن الأعَزِّ / وغيرةِ الملِك الأبَر
وتحوطُ ابراهيمَ عاطفةٌ / الأمير من الصِغَر
أما هُنا فالشعر شيء / للتملُّح يُدَخَر
وعلى السواءِ اغابَ / شاعرُنا المجوِّدُ أم حَضر
سَقَطُ المتاع وجوُده / عند الضرورة يُدَّكَر
في كل زاويةٍ أديبٌ / بالخمول قد استَتَر
وقريحة حَسَدوا عليها / ما تجودُ فلم تثر
والى اللقاءِ وهمُّنا / أن الضيوف على سَفر
جَمَعَ الالهُ مصيرَنا / ومصيرَ مصرَ على قَدَر
بلادٌ مُفَدّاةٌ وجيشٌ مظفرُ
بلادٌ مُفَدّاةٌ وجيشٌ مظفرُ / وقائدُ جيشٍ في البلاد موقّرُ
وفتحٌ مُبينٌ يَقْصُرُ الشعر دونَهُ / وللنثرُ عما يعجز الشعر أقصر
وحراس حق يرقب الكون كلّه / مصيراً على أيديهم يتقرّر
اذا خَطَروا فالبِيضُ تنطفُ بالدِّماء / تحييّ خُطاهم . والجماجمُ تنشر
وذكرى كأن الدهرَ في جَريَانه / يُقاسُ بها والشمسَ منها تَنَوَّر
ستالينَ يا لحنَ التخيّل والمنى / تغنيه أجيالٌ وتَرْويه أعصُر
ويا كوكباً في عالَمٍ غَمَّ جوُّهُ / بلألائه يَسْترشِدُ المتحيّر
أرد خطةً تَقْدِرْ وتَنْجَحْ فاننا / عَرَفْناك تُمضي ما تُريد وتَقْدِر
كأنَّ بناتِ الفكرِ في كُل خُطةٍ / تَخُطُّ ورأيٍ عبقريٍ تُدبِّر
حظايا ترجى نظرةً منك أيَّها / تُريدُ وأيَّاً تنتقي وتَخَيَّر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025