المجموع : 19
قد أتاك يعتذرُ
قد أتاك يعتذرُ / لا تَسَلْهُ ما الخبرُ
كلّما أطلْتَ له / في الحديث يَخْتَصِر
في عيونه خبرُ / ليس يكذب النظرُ
قد وَهَبْتُهُ عُمُري / ضاع عنده العُمُرُ
حبّنا الذي نشروا / من شذاه ما نشروا
صُوِّحَتْ أزاهِرُهُ / قبل يُعقد الثمرُ
عُدْ فَعَنْكَ يؤنِسُنِي / في سماءه القمرُ
قد وفى بموعده / حين خانت البشرُ
قل لوكر النسور قدستَ وكرا
قل لوكر النسور قدستَ وكرا / كل يوم تهدي إلى الأفق نسرا
عبقريَّ الجناحِ أقرَبُ مرماهُ / السماكان إن أرادَ مقرّا
مارد القلب واللسان إذا ما / هيجَ هزّ الفضاءَ عزفاً وزأرا
يحمل الحق مشعلا بين عينيه / فإن يحترق فقد مات حرا
إيه وكر النسور لم يحضن الأرز / وليداً أبرّ منكَوأجرا
ما ادلَهَمّت سماءُ لبنان إلا / أطلعت منك في دياجيهِ فجرا
تؤثر الموت أو تعيش عزيزا / ما رناً شامخاً ووجها أغرا
فخر بيروت أن تمُدَّ جناحيكَ / عليها أعظم بذلك فخرا
جعل الله كل عمرك عيدا / حملت كل ساعة منه بشرى
ما نسينا يا صرح تلك الليالي / يوم كانت أم الحوادث بكرا
كم نظرنا من كوتيك إلى الكون / وهل تعرف الطفولة شرا
نحلم الحلم كالصباحِ افتراراً / وكزهر الرياض لونا وعطرا
اكبر الهم أن نجوز امتحانا / آخر الشهر أو نؤلف سطرا
خلق الطير للغناء فغنّى / ما ترى الروض قد ترنّحَ سُكرا
غن يا طير غن عنك وعنا / إن أحلى الغناء ما كان شعرا
سَلِي الليْلَ عَنْ عَيْني إذَا رابَكِ الفَجْرُ
سَلِي الليْلَ عَنْ عَيْني إذَا رابَكِ الفَجْرُ / أَفَازَ بِهَا إلاكِ وَ الأنْجُمُ الزُّهْرُ
قَسَمْتُ فُؤَادِي بَيْنَ بُؤْسيَ وَ الهَوَى / فَهذا لَهُ شَطْرٌ وَ هَذا لَهُ شَطْرُ
حَيَاتيَ هَلْ ثَغْرُ البَنَفْسَجِ يَفْتَرُّ / كَعَهْدِي وَ هَلْ يجرِي كَعَادَتِهِ النَّهْرُ
وَهَلْ يَذْكُرُ الصَّفْصَافُ إِذْ نحْنُ عِنْدَهُ / وَ في أُذُنِ الظَّلْمَاءِ مِنْ هَمْسِنَا نَقْرُ
سُقِيتُ مَرَارَاتِ الحَيَاةِ فَلَمْ أَجِدْ / كَمِثْلِ الَّذِي يَسْقِيهِ مِنْ كَفِّكِ الهجْرُ
وَأَشْقَى شَقِّيٍ في الوَرَى قَلْبُ شَاعِرٍ / نَبَا الحَظُّ عَنْهُ وَ الْتَقَى الحُبُّ وَ الفَقْرُ
فَفِي كُلِّ أُفْقٍ مِنْ أَمَانِيِه مَأْتَمٌ / وَ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْ جَوَارِحِهِ قبر
حكمة الدهر أن نعيش سكارى
حكمة الدهر أن نعيش سكارى / فاجمعا لي الكؤوس والأوتارا
واجلواها دُنْياً ممتعة الحس / ن كما تجلوان احدى العذارى
هي كالورد تحمل الشوق والعط / ر وان خيّر اللبيبُ اختارا
انما ذاك يرفع الصوت في النا / دي وهذا يلقي عليها ستارا
فانهب العيش لا أبالك نهباً / واطرح عنك وجهك المتسعارا
لست مهما عُمرتَ غير جناح / حطّ في الدّوح لحظة ثم طارا
هبك جبران يلبس الأدب السحر / فيأتى بالمعجزات كبارا
يغسل الأنفس الجريحة بالدمع / فيكسو تلك الجراح افترارا
يسكب النفس والبيان على / الطرس فيطوى على الظلام افترارا
يرسل الفكرة النقية عذرا / ء ويرخى الضحى عليها إزارا
يتعلى حتى يجوز مدى الوهم / وحتى يهتك الأسرارا
أفترجو شفيت من مرض الغفلة / أن يضفروا لرأسك غارا
هبك جبران وهو إنجيل هذا / العصر فاضت آياته أنوارا
ذلك الإرث من فلاسفة الأجيال / حابت به الحظوظ نزارا
ذلك الجدول الذى يملأ الوادى / اخضرارا والضفتين ازدهارا
تستحم النفوس فيه فلا / تبرح إلا جوانحاً أطهارا
وتود النجوم لو سمر / الليل فظلت لشجوه سمارا
هبك جبران يرسم الفكر ألواحا / تطوف العقول فيها سكارى
تَتَنَزّى أرواحها خلَلَ الخطِ / كما ثار في الحديد الأسارى
ولكادت لروعة الفن ترفض / وراحت تشق عنها الإطارا
يبعث الدارجين في الأعصر الغبر / وكانوا على رحاها غبارا
فإذا هم مواثل نفضوا الأرماس / عنهم ومزقوا الأدهارا
مت إذا شئت أن تكون أديبا / أو فبدّل بغَيرِ لبنان دارا
بلد قسمت حظوظ بنيه / فأصبنا من بيضها الأصفارا
أنفاً للبلاد أن تحمل العارَ / رضينا أن نعتب الأقدارا
ليس ما ترشح الشفاه ابتساما / لو تاملت بل جراحا حرارا
أيها العبقريّ يا شرف الأرز / كفى الأرز إن ذكرت فخارا
ويح لبنان كلما ذر نجم / فيه ولى عن أفقه وأنارا
ضمك الأرز فكرة وترابا / ليته ضم غصنهُ والهزارا
قف في ربى الخلد واهتف باسم شاعره
قف في ربى الخلد واهتف باسم شاعره / فسدرة المنتهى أدنى منابره
وامسح جبينك بالركن الذي انبلجت / أشعة الوحي شعراً من منائره
إلهة الشعر قامت عن ميامنه / وربة النثر قامت عن مياسره
والحور قصت شذوذاً من غدائرها / وأرسلتها بديلاً من ستائره
أتراب مريم تلهو في خمائله / ورهط جبريل يحبو في مقاصره
والملهمون بنو هومير ما تركوا / لما أهل لهم سجعاً لطائره
قال الملائك : من هذا ؟ فقيل لهم : / هذا هوى الشرق هذا ضوء ناظره
هذا الذي نظم الأرواح فانتظمت / عقداً من الحب سلك من خواطره
هذا الذي رفع الأهرام من أدب / وكان في تاجها أغلى جواهره
هذا الذي لمس الآلام فابتسمت / جروحها ثم ذابت في محاجره
كم في ثغور العذارى من بوارقه / وفي جفون اليتامى من مواطره
سل جنة الخلد كم ودت أزهارها / لو استحالت عبيراً في مجامره
وصادح الطير لو سالت حناجرها / مع الصباح نشيداً في مزاهره
والزهر لو كن أزراراً مفضضة / على الذيول الضوافي من مآزره
ما بلدة سعدت بالنهر يغمرها / بكل أزهر حالي العود ناضره
بالبلبل المتغني في ملاعبه / والسنبل المتثني في غدائره
بالحقل ترعى به القطعان هانئة / والنحل يرضع من ثديي أزاهره
يستقبل الفجر أهلوها بغرته / ويغرقون الليالي في سرائره
ناموا على سرر الأعراس وانتبهوا / على صباح بكي الطرف غائره
على مآتم من طير ومن شجر / خرساء كالقبر غرقى في دياجره
يا للرزية غال النهر غائله / وغار في لهوات من هواجره
فلا الصباح ضحوك في شواطئه / ولا المساء لعوب في جزائره
وأسلم الزهر أجياداً منضرة / للشوك جفت على دامي أظافره
والناس في غمرة عمياء لا وتر / لناشديه ، ولا نجم لسامره
ما الخطب بالنهر مجرى الروح في بلد / فرد رقيق حواشي الذكر دائره
كالخطب يدوي له كون بجملته / إذا أصاب الردى شعباً بشاعره
ما للملاعب في لبنان مقفرة / وللمناهل عطلاً من حرائره
وللمآذن في الفيحاء كاسفة / كخاشع السرو في داجي مقابره
وللأصائل والأسحار أثخنها / عات من الريح إرهاقاً بحافره
وللجداول أنات مجرحة / كأنها حمل في كف ناحره
وللندى في الثرى جهش ووسوسة / كأنها همسات في ضمائره
أودى القريض فللأحزان ما لبست / على سليل الدراري من عباقره
شوقي أتذكر إذ عاليه موعدنا / نمنا وما نام دهر عن مقادره
وأنت تحت يدي الآسي ورأفته / وبين كل ضعيف القلب خائره
ولابتسامتك الصفراء رجفتها / كالنجم خلف رقيق من ستائره
ونحن حولك عكاف على صنم / في الجاهلية ماضي البطش قاهره
سألتنيه رثاء خذه من كبدي / لا يؤخذ الشيء إلا من مصادره
تغرب الحسن والإحسان فالتمسا / وجهاً من الأرض هشاشاً لزائره
لا يستوي المجد إلا في مفارقه / ولا يصفق إلا في ضفائره
ما غادرا بلداً إلا إلى بلد / والحر يلهب من خدي مسافره
حتى أطلا على مصر فراعهما / ما زخرَفَ النيلُ من إبداع ساحره
فألقيا بعصا الترحال واعتصما / بضفتيه وهاما في حواضره
فأطعم الجود من كفي قساوره / وأشرب الحسن من عيني جآذره
يا مصر ما انفتحت عين على حسن / إلا وأطلعتِ ألفاً من نظائره
ولا تفتقت الأفكار عن أدب / إلا وأنبَتِّ روضاً من بواكره
لبنان يا مصر مصر في مطامحه / كما علمت ومصر في مفاخره
هل كان قلبك إلا في جوانحه / أو كان دمعك إلا في محاجره
أو كان منبت مصر غير منبته / أو كان شاعر مصر غير شاعره
قيثارة النيل كم غنيت قافية / في مسمع الدهر مسراها وخاطره
لو عاد فرعون كانت من ذخائره / أو ختم الخلد كانت في خناصره
لستَ تدري ولا أنا منكَ أدري
لستَ تدري ولا أنا منكَ أدري / فعلام الخصامُ فالسلمُ أحرى
رُبّ سرٍّ طوتهُ ظاهرةٌ حمقاء / يطوي البسيط برا وبحرا
وبوالي حقائِقَ الأمس تهديما / ويبني على حقائق أخرى
ليسَ من يقرأ الصحائفَ في الكتبِ / كمن في صحائف الكون يقرا
أجهلُ الناس مدّعٍ يحسَبُ العلمَ / كتاباً ويحسَبُ الفنّ سطرا
ويحَ هذي العقول لم تُصِبِ / الرمية يوما إلا لتخطىء عشرا
دون ما تبتغيه من كنه هذا / الكون سر فيه الجواب استقرا
سمه الضفّةَ التي يعبرُ الأحياء / منها أو سمّ ذلك جسرا
سمّه المصنعَ الذي يفعلُ التحليل / في جوفهش عجائبَ كبرى
يتلقّى الأجسام وهيَ جمادٌ / ثم يعطيكها حياةص وفكرا
سمه المرقمَ العجيب الذي ما / انفكّ يمحو سطراً ويُثبشتُ سطرا
سمّه المعوَلَ المطلسَمَ لا / يرجىء حفرا ولا يؤخّر طمرا
سمه الهازىء العظيم إذا / راقك أو سمه إذا شئت قبرا
أيها الطائرُ الذي ألِفَ الروضَ
أيها الطائرُ الذي ألِفَ الروضَ / مقاماً وجاورَ الأنهارا
وتلهّى حيناً بسَقسقَةِ الماء / فكانت لشدوهِ أوتارا
وتهادى عليه من حلَلِ الريشِ / أفانينُ تأخذُ الأبصارا
من سواد يحكي قلنسوة القسيس / في راسه الصغير استدارا
وازرقاق كأنهُ حين زار / الأفق أهدى إليه منهُ إزارا
واغبِراراٍ كأنما تركَ الغيمُ / عليه مذ جازَهُ آثارا
كان في الروض ملعبٌ لك / يا طير وملهى تمضي عليه النهارا
تترامى في معطف الغصن حينا / وأحايين تلثمُ الأزهارا
وتحيي الصباح إذ يتلالا / وتحييه عندما يتوارى
تسجعُ السجعةَ البديعةَ في الفجر / وتأتي بمثلها تكرارا
أصلاةٌ في حمد ربّك لم تبقِ / افتناناً في نظمها وابتكارا
أم حنين إلى الحبيب الذي أقسمَ / أن لا يطيرَ عنك فطارا
نغمٌ لو وعنهُ أذنُ الليالي / لتمَنّت أن تغتدي أسحارا
كان في الروض كالهواء طليقاً / فغدا في الحديد يشكو الإسارا
هكذا أيها الشقيق أنا اليومَ / كلانا نحاربُ الأقدارا
ماذا أقولُ له إذا رجَعنا
ماذا أقولُ له إذا رجَعنا / يوما ولم يُبصركِ في القَصرِ
ماتت عليك أسىً أجيبيهِ / وإذا رأيت الحزن منطبعا
في وجهه الذواي من القهر / كوني له أختاً وعزيه
وإذا ترقّق لي ليستمعا / ما قلت ساعة نزعك المرّ
قولي له ابتسمت فتُسليه / وغذا أراد بأن نسير معا
للقبر كي يبكي على القبرِ / رحماكِ إنّ الدمع يؤذيه
أخاك يا شعر فهذا عمر
أخاك يا شعر فهذا عمر / وهذه نعم وتلك الذكر
لوحان من فجر الصبا وورده / غذاهما قلب وروى محجر
فرخان في وكر تلاقى جانح / وجانح ومنقر ومنقر
يختلس القبلة من مبسمها / هل تعرف العصفور كيف ينقر
وهو إذا أنعن في ارتشافها / علمنا كيف يذوب السكر
رسالة من فمه لفمها / كذا رسالات الهوى تختصر
إيه أبا الحطاب ما أحلى الهوى / تنظم من نواره وتنثر
فبعضه يحلم في أوراقه / وبعضه على الربى مبعثر
ملأت أفق الحب عطراً وسنى / وصوراً للوحي فيها سور
ألجنة الزهراء ما ترسمه / والحمرة العذراء ما تعتصر
والنغم الخالد ما تنشده / والمثل الشارد ما تبتكر
ألطرب السمح إذا دارت طلا / أو سبق فالشاعر المغبر
حلق ولا تحفل أأزرى حاسد / أو انبرى لحتفه شويعر
عاب على البلبل ما يطرحه / من ريشه وهو به يأتزر
قلف لي بنعم وبأتراب لها / يلعبن ما شاء الصبا والأشر
ليلة ذي دوران هل كانت كما / حدثت أم أخيلة وصور
ونعم هل كانت كما صورت أم / بالغ في تلوينها المصور
وذلك المجن ما أوهنه / يكاد من رقته ينتشر
يا للمنى أعن يمين كاعب / وعن شمال كاعب ومعصر
فمن هنا حيث تندى الزهر / ومن هنا حيث تدلى الثمر
وأنت لا تألو دعاباً في الهوى / شم وتقبيل واشيا أخر
قالوا الحجاز مجدب لما عموا / ونعم فيه روضة ونهر
إت زقت العود أناشيد الهوى / حن لها العود وجن الوتر
أو صفقت للهو في أترابها / ماج لها الوادي وغنى الشجر
ألحب مذبوح على أقدامها / والحسن في ألحاظها يكبر
تعرت الشمس على وجنتها / وانشق لو تعلم أين القمر
ألعنب الأحمر مسفوح على / شفتها ما الأقحوان الأصفر
والوردة البيضاء أو قل نهدها / كأنه من خيلاء يسكر
من ثمر الفرصاد في ذروته / الريانة المعطار كبش أحمر
أو أننه رأس ملاك أشقر / يحمله صدر حنون أشقر
دغدغه أخو هوى فمد من / لسانه وراح شهداً يقطر
لو أنصف الشع وقد فجرته / جداولاً يسطع منها الشرر
تجذف الأحلام في ألواحه / ويتعرى عندهن السحر
لو أنصف الشعر لكنت قبلة / معسولة في ثغره يا عمر
أو أنصفت نعم وقد أبرزتها / للفتنة الكبرى مثالاً يؤثر
في بدعة للشعر لم يحلم بها / قسي ولم ينهد لها كثير
تداولتها هضبة فهضبة / وناولتها للخلود الأعصر
لو أنصفت لكشفت عن صدرها / تود لو تطبع تلك الأسطر
وصفقت لعمر قائلة / بنظري الأسود هذا الأسمر
ألشعر روح الله في شاعره / ذلك يوحيه وهذا ينشر
ألحكمة الغراء من أسمائه / وعدن من أوطانه وعبقر
له على الآفاق فتح زاهر / وفي عباب الماء فتح أزهر
يمضيهما منه خيال مارد / أبو الفتوحات الذي لا يقهر
تعلق العلم على أسبابه / فحلق الطود وقال الحجر
رفقاً أبا الخطاب جاوزت المنى / فهل ترى في الأفق تاجاً يصفر
أشرف من الذروة كم في سفحها / للطير من أجنحة تكسر
ثلاثة ما عشت عاشت للعلى / ألحب ثم الشعر ثم المنبر
لولاك والشعر الذي أبدعته / ما نعم ما دوران إلا أثر
ما الحسن لولا الشعرإلا زهرة / يلهو بها في لحظتين النظر
لكنها إن أدركتها رقة / من شاعر أو دمعة تنحدر
سالت دماء الخلد في أوراقها / ونام تحت قدميها القدر
يا جنّة الدنيا وسيدة الربى
يا جنّة الدنيا وسيدة الربى / هذا رسول الشعر جاءك زائرا
إن شئت سق من الرياض صحائفا / وأصاب من أزهارهن محابرا
و أذاب ذرات الضياء قصائدا / عد النجوم لمعصميك أساورا
أسرفت في فتن الجمال كأنما / تخذ الجمال على ذراك منابرا
والنهر روح العاشقين ودمعهم / ملقى على قدميك يلهث خائرا
سالت جراحات الهوى في صدره / ليلا فقبلها النسيم محاذرا
لو كان يمكنها الربى لتسابقت / لأعزها تسعى إليك حواسرا
والسهل يحلم منذ كان بزورة / لبس الحلي لها ندى و أزاهرا
وتقطعت خصل الحسان ونثرت / بدل الكروم على التلال غدائرا
يتمثل الأمس البعيد لخاطرى / فأكاد أرسفه لمي و محاجرا
لبكيته لو كنت املك ادمعا / وعطفته لو كنت أعطف هاجرا
إن الدساتيرَ لا تعطي أعِنّتها
إن الدساتيرَ لا تعطي أعِنّتها / إلا الأعاصير من جنّ ومن بشَر
من هابط كقضاء الله مكتسحٍ / أو صاعدِ كفَمِ البركان منفجرِ
شكت فقرها فبكت لؤلؤاً
شكت فقرها فبكت لؤلؤاً / تساقط من جفنها وانتثر
فقلت وعيني على دمعها / أفقر وعندك هذه الدرر
إن كان أحلى الحبّ أولَ قبلةٍ
إن كان أحلى الحبّ أولَ قبلةٍ / ما ضرّهُ لو مات أولَ عمرهِ
كالزهرِ مات مكَفّناً بأريجهِ / ووَسيمِ نصرتِهِ ونشوَةِ طثهرِهِ
صهٍ أيها الموتى ولو كان فيكمو
صهٍ أيها الموتى ولو كان فيكمو / حياة لصِحتُم ملء هذه الحناجرِ
لقد مَنعوا الأنوارَ عنكمُ وأنصفوا / متى احتاجَ للأنوارِ أهلُ المقابرِ
تعانقنا فاستحال العناق
تعانقنا فاستحال العناق / لهيباً على شفة ثائره
فلسطين ياحلم الأنبياء / ويا خمره الأنفس الشاعره
حملنا لك المهج الظامئات / وأصدية القبل الطاهره
فلسطين يا هيكل الذكريات / على جبهة الأعصر الغابره
مضمضخة بغبار الحروب / مخضبة بالمنى الزاخره
فلسطين ياجمحات الخيال / مجنحة بالرؤى الساحره
هناك على شرفات النجوم / أرى مكة تلثم الناصره
ألا قطرة عرس قانا الجليل / ولوبين جُدرانك الدائره
ترد إلى الشعر وحي السماء / فتلهمه الأنفس الكافره
أيتها الفتانةُ الصغيره
أيتها الفتانةُ الصغيره / أنتِ بتاج ملكٍ جديره
ألغَيمةُ البيضاءُ مثل القبه / كأنها من الحريرِ جُبّه
تضُمّ أعناق الربى وتلثمُ / فليسَ إلا شفةٌ ومبسم
وساعد من الضحى مفتول / تغمرهُ بالقبل الحقول
أسمرُ مما لوَحَتهُ الشمس / في كفه لكل نفسٍ نفسُ
يقومُ في الأرضِ مقام الخالق / ويغدقُ الرزقَ على الخلائقِ
صُغِ القوافي كما تهوى أو اعتذِر
صُغِ القوافي كما تهوى أو اعتذِر / لو كان يرضى الهوى عُذرا لمُعتذر
كأنّ قلبَ المَنّى في أنامِله / إن نام وكَلَهُ بالوجد والسهَر
أدر كؤوسكَ أدركني بواحدَة / وهل يطيبُ بكاس غيرها سكري
غنّيت حبّك أبكار القصيد فمَن / غنّاك بعدي فقد غنّى على أثَري
تناولَت ألسنُ العشاق ما نفحَت / بكَ القصائدُ من زهرٍ ومن ثمَر
واستمتعوا فيك تغريداً ورفرفةً / أما رأيت ولوع الطيرِ بالشجَرِ
صُغتُ الأكاليل من نور ومن أرجٍ / للعيد للسّحرِ للأقداح للوَتَرِ
شعرٌ كعيدكَ في الأعياد مبتَكَرٌ / تدَفّقَت فيه أمواجٌ من الصُوَرِ
أعيادك البيضُ أحلامٌ مُجَنّحَةٌ / كأنما هيَ أطفالٌ على سرُرِ
بيضُ البشائر تندى من جوانحها / ريحانةُ السفح أو أغنيّة النهَرِ
النور والعطر رقرقان في أفقٍ / من المسابمٍ مدّ الظنِ والنظَرِ
تجاذباكَ هوى بوركتَ من فلكٍ / مقَسّم الوجه بين الشمس والقمَرِ
ألهميني يا ربّة الشعر شعرا
ألهميني يا ربّة الشعر شعرا / كالنور والنار
كالهوا كالأطيار كالفكرِ حرا / يلفحُ الأدهار
كالأهازيجِ في الوَغى تترجّع / إن ثائرٌ ثار
كدويِّ الأمواج إذ تَتَدَفّع / بعيدةَ الأغوار
ربةَ الشعر ألهميني قصيدا / ترجُع الأطيار
ألهميني شعرا طليقاً جديدا / يوزّع الأنوار
واسألي الزهر أن تكون دموعا / واسألي الأزهار
أو مريها بأن تكون شموعا / طويلةَ الأعمار
دُهِشَ النسرُ وقد راقَت لهُ
دُهِشَ النسرُ وقد راقَت لهُ / هذه الغِبطةُ في الوكرِ الصغير
فدنا ينفُضُ عن جبهَتهِ / عبءَ ما حمَلهُ حرُ الهجير
يسأل الوكر وفرخَيه معا / حرمةَ الضيف وحق المستجير
قُبلاتُ الحبّ في أوّلهِ / هيَ زاد النفس للحبَ الأخير