المجموع : 26
رُبَّ ليل قد صفا الأفق به
رُبَّ ليل قد صفا الأفق به / وبما قد أبدع الله ازدهر
وسرى فيه نسيم عَبِقٌ / فكأن الليل بُستَان عطر
قلت يا رب لمن جمَّلته / ولمن هذي الثريات الغرر
فعرا الأفقَ قتام وبَدَت / سحب تحبو إلى وجه القمر
كلما تقرب تمتد له / كأكفّ شرهاتٍ تنتظر
صحت بالبدر تنبه للنذر / أدركِ الهالة حفت بالخطر
لا تبح مائدة النور لهم / لا تبحها لسواد معتكر
قهقه الرعد ودوَّى ساخراً / فكأن الرعد عربيد سكر
قمت مذعوراً وهمت قبضَتي / ثم مدت ثم ردت من خَور
لهف القلب على الحسن إذا / قهقه الغربان والذِئب سخِر
تحتمي الوردة بالشوك فإن / كثر القطاف لم تغن الإبر
آهِ من غصن غنيّ بالجنى / ومِن الطامع في ذاك الثمر
آه من شك ومن حب ومن / هاجِسات وظنونٍ وحذر
كست الأفقَ سواداً لم يكن / غير غيم جاثم فوق الفكر
طالما قلت لقلبي كلما / أنّ في جنبي أنين المحتضر
إن تكن خانت وعقَّت حبنا / فأضِفها للجراحات الأخر
نزل الستار ففيم تنتظر
نزل الستار ففيم تنتظر / خلت الحياة وأقفر العمر
لم يبقَ إلا مقفر تعس / تعوي الذئاب به وتأتمر
هو مسرح وانفض ملعبه / لم يبق لا عينٌ ولا أثر
ورواية رويت وموجزها / صحبٌ مضوا وأحبةٌ هجروا
عبروا بها صوراً فمذ عبروا / ضحك الزمان وقهقه القدر
يا غلة المتلهف الصادي
يا غلة المتلهف الصادي / با آيتي وقصيدتي الكبرى
ماذا تركت لديّ من زاد / إلا استعادة هذه الذكرى
يا للمساء العبقري وما / أبقى على الأيام في خلدي
شفتاك شفا لوعةً وظما / وجمالك الجبار طوع يدي
نمشي وقد طال الطريق بنا / ونود لو نمشي إلى الأبدِ
ونود لو خلت الحياة لنا / كطريقنا وغدت بلا أحدِ
نبني على أنقاض ماضينا / قصراً من الأوهام عملاقا
ونظل ننسج من أمانينا / وشيا من الأحلام براقا
وأظل أسقيها وتملؤ لي / من مورد خلف الظنون خفي
حتى إذا سكرت من الأمل / وترنحت مالت على كتفي
حلفت بأني مغتد معها / حيث اغتدت وهواي في دمها
فمسحت بالقبلات أدمعها / وطبعت ميثاقي على فمها
ألمي محا ذنبي إليك وكفّرا
ألمي محا ذنبي إليك وكفّرا / هبني أسأت ألم يحن أن تغفرا
روحي ممزقة وأنت تركتها / لمخالب الدنيا وأنياب الورى
روحي ممزقة لو أدركتها / جمّعت من أشلائها ما بعثرا
أو ليس لي في ظل حبك موضع / أحبو إليه وأرتمي مستنصرا
ما كنت أصبر عن لقائك ساعة / كيف اصطباري عن لقائك أشهرا
من بدّل الثغر الجميل عبوسة / ومضى إلى وجه السماء فكدرا
يا هاته الأقدار عينك لا ترى / تحت الدجى سأمان ممتنع الكرى
ظمآن لو باع الأحبة قطرة / بالعمر والدنيا جميعاً لا شترى
اخف جراحك واستعز بفتكها / غريدك الشادي المحلق في الذرى
يرنو إليك على البعاد ويعتلي / فيجره الجرح المميت إلى الثرى
قد عاش وهو معذب بإبائه / ولقد يلاقي يومه مستكبرا
حتام كتماني وطول تجلدي / يا أيها الجاني عليَّ وما درى
ومتى المآب إلى رحابك مرة / لأريك جرحي والدما والخنجرا
يا سجين الحياة أين الفرار
يا سجين الحياة أين الفرار / أوصد الليل بابه والنهار
فلمن لفتةٌ وفيم ارتقاب / ليس بعد الذي انتظرت انتظار
والتعلات من هوى وشباب / قصة مسدل عليها الستار
ما الذي يبتغي العليل المسجى / قد تولى العواد والسمار
طال ليل الغريب وامتنع الغم / ض وفي المضجع الغضا والنار
وهَب السجن بابه صار حرا / لكَ لا حائل ولا أسوار
وعفا القيد عنك كفاً وساقا / فإذا الأرض كلها لك دار
أين أين الرحيل والتسيار / بعدت شقة وشط مزار
والخطى المثقلات باليأس أغلا / ل لساقيك والمشيب عثار
ما انتفاع الفتى إذا عفت الجن / نة واجتاح دوحها الإعصار
عشتُ حتى أرى خمائل حبي / تتهاوى كشامخ ينهار
تحت عيني ويذبل الحسن فيها / ويموت الربيع والأنوار
ما انتفاع التي بموحش عيش / بقيت كأسه وطاح العقار
وبقاء البساط بعد الندامى / كأس سم بها يدور البوار
ما انتفاعي وتلك قافلة العي / ش وفي ركبها اللظى والدمار
الدمار الرهيب والعدم الشام / ل واللفح والضنى والأوار
يا ديار الحبيب هل كان حلما / ملتقى دون موعد يا ديار
يا عزيز الجنى عليك سلام / كيف جادت بقربك الأقدار
بورك الكرم والقطوف وأوقا / ت كأن العناق فيها اعتصار
كلما أطلقتك كفي استردت / ك كما يحفز الغريم الثار
قل لوزير الحق وهو الذي
قل لوزير الحق وهو الذي / قد استقامت في حجاه الأمور
خذ من مقالي ذمة أنني / عنهم إلى ساح المعالي سفير
يا جاعل الأوقاف في عهده / مدينة والقفر فيها قصور
ونابشاً فيها الكنوز التي / مرت عليها بالعفاء العصور
نبشت فيها عبقرياتها / منقباً عن كل قدر خطير
فكل ما قيل وما لم يقل / عن فضلك الجم الغفير الوفير
مما جرى في شفةٍ عاجزاً / وما توارى في حنايا الصدور
من حق عبد الحق في عدله / له وإن يأبى إليه المسير
تحية للأصل مردودة / وباقة قد قدمت للوزير
سبحان ربي قد رأينا الدجى / يجلوه في عهدك صبحٌ منير
ماشيت هذا العصر في سيره / والعصر يعلو بجناح النسور
ما زلت بالأوقاف حتى رأت / محطم القيد وفادي الأسير
كم عيروها بسلحفاتها / فلينظروها بجناحٍ تطير
يا نابشاً فيها كنوز الحجى / من كل وهاجٍ قليل النظير
من ذهب الدار وآياتها / فتى كبير القلب صافي الضمير
له معاني البحر في هدأة / وفيه روح كانسياب الغدير
خذ من سجاياه ومن علمه / ما يهب الورد وتطوي البحور
بأي لفظ يفيك شعري
بأي لفظ يفيك شعري / شرفت قدري وزنت داري
أما كفى برُك المواسي / فزدتني روعة المزار
أقسمت بالشمس في ضحاها / أقسمت بالبدر بالدراري
بفضلك الماحق الدياجي / كأنه واضح النهار
فيك من البحر كل معنى / فمن سمو إلى وقار
وأنت صدر العباب رحباً / وبسمة الشط والمنار
كأن هذا الجميل يترى / من طيب غادٍ ولطف ساري
موج من البر ذو اتصال / بلا هدوء ولا قرار
غمرتني بالجميل حتى / لجت قوافيَّ في العثار
أنقذني البحر غير أني / غريق فضل بلا قرار
كنت ندى في رياض عيشي / وكنت غيثاً على القفار
لقيت ضنكا من الليالي / فمن غمار إلى غمار
قد طال عتبي على الليالي / وطال للراحم انتظاري
صفحت عن كل ما أساءت / حق لها الليلة اعتذاري
أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا / فمصر هي المحراب والجنة الكبرى
حلفنا نولي وجهنا شطر حبها / وننفد فيه الصبر والجهد والعمرا
نبث بها روح الحياة قوية / ونقتل فيها الضنك والذل والفقرا
نحطم أغلالاً ونمحو حوائلا / ونخلق فيها الفكر والعمل الحرا
أجل إن ماء النيل قد مرّ طعمه / تناوشه الفتاك لم يدعوا شبرا
فدالت به الدنيا وريعت حمائم / مغردة تستقبل الخير والبشرى
وحامت على الأفق الحزين كواسر / إذا ظفرت لا ترحم الحسن والزهرا
تحط كما حط العقاب من الذرى / وتلتهم الأفنان والزغب والوكرا
فهلا وقفتم دونها تمنحونها / أكفاً كماء المزن تمطرها خيرا
سلاماً شباب النيل في كل موقف / على الدهر يجني المجد أو يجلب الفخرا
تعالوا نشيّد مصنعاً رب مصنع / يدرُّ على صُناعنا المغنم الوفرا
تعالوا نشيّد ملجأ رب ملجأ / يضم حطام البؤس والأوجه الصفرا
تعالوا لنمحوا الجهل والعلل التي / أحاطت بنا كالسيل تغمرنا غمرا
تعالوا فقد حانت أمور عظيمة / فلا كان منا غافل يصم العصرا
تعالوا نقل للصعب أهلا فإننا / شبابٌ ألفنا الصعب والمطلب الوعرا
شباب إذا نامت عيون فإننا / بكرنا بكور الطير نستقبل الفجرا
شباب نزلنا حومة المجد كلنا / ومن يغتدي للنصر ينتزع النصرا
صورة للبحر أم صورة نفس
صورة للبحر أم صورة نفس / عندما النفس من اليأس تثور
قد علا الموج وقد عز التأسي / لم يعد إلا عبابٌ وصخور
زلزل البحر على راكبه / مثلما زلزل قلبٌ ضجرُ
سفر صار على طالبه / ركبُ ضنك والمنايا سفرُ
غرَّب الحظ كما مال الشراع / هكذا الأعمار في الدنيا تميل
وسرت في الجو أشباح الوداع / وتنادى كل شيء بالرحيل
أإذا اشتد على القلب البلاء / أإذا جار عبابٌ وتناهى
تعصف الأمواج عصفا بالرجاء / كيف ننسى أن للكون إلها
رأيت غصناً صغيرا
رأيت غصناً صغيرا / منوراً ونضيرا
أرق ما تشتهي الن / نفس منظراً وعبيرا
جذبته جذب عنف / قد كاد يذوي الزهورا
فلم يئنَّ لجذبي / وكان غصناً صبورا
لكنني لم أدعه / حتى علا مسرورا
وارتد يضرب وجهي / ضرباً عنيفاً مثيرا
وعاد ينشر في الأيك ذا الحديث الأخيرا /
تضاحك الأيكُ جذلان شامتاً مسرورا /
ضحكُ الذي بعد صبر / قد فاز فوزاً أخيرا
رجل أرى بالله أم حشره
رجل أرى بالله أم حشره / سبحان من بعبيده حشره
يا فخر داروين ومذهبه / وخلاصة النظرية القذرة
أرأيت قرداً في الحديقة قد / فلّته أنثاه على شجره
عبد الحميد اعلم فأنت كذا / ما قال داروين وما ذكره
يا عبقرياً في شناعته / ولدتك أمك وهي معتذره
نارٌ من الشوقِ إثرَ نار
نارٌ من الشوقِ إثرَ نار / فلا هدوءٌ ولا قرار
إنك لي مبدأ وَعَودٌ / منك إلى صدرِك الفِرار
يا مرفأَ الروحِ لا تَدَعنِي / بلا دليلٍ ولا مَنار
موجٌ وريحٌ وزحفُ ليلٍ / فمن دمارٍ إلى دمار
إن أنتِ أخلفتِ وَعدَ حبّي / لم تُؤوِني في الديارِ دار
وليسَ لي في الهَوى اصطِبار / وليس لي دونك اختيار
نقلت حياتي والحياة بنا تجري
نقلت حياتي والحياة بنا تجري / من الحُلم المعسول للواقع المرّ
فيا منتهى فنّى إلى منتهى الهوى / على ذِروَةٍ بيضاء في النور والطهر
عرفتك عرفان السّماء ولم تكن / سوى هَمَسات النجم ما جال في صدري
وغامت خطوط السفح حتى نسيتها / وحتى توارى السفح من عالم الذكر
وفي القمم الشَّماء حلَّقتُ حائماً / وأنبتُّ في أعلى شواهقها وكري
ولم يبق إلا أنت والجنَّةُ التي / زرعنا وكلَّلنا بيانعة الزهر
ولم يبق إلا أنت والنسمةُ التي / تهبُّ من الفردوس مسكيَّةَ النشر
ولم يبق إلا أنت والزورق الذي / ترنّح منساباً على صفحة النهر
فيا منتهى مجدي إلى منتهى الغنى / غنى الروح بعد الضَّنك والذلِّ والفقر
أعيذك أن أغدو على صخرةٍ لَقىً / وكنتِ مِجَنّي في مقارعة الصخر
أعيذك بعد التاج والعرش والذي / تألق من ماسٍ وشعشع من تبر
أعيذك من ردّي إلى سَفَهِ الثرى / وحِطَّتِه بين الأكاذيب والغدر
أعيذك أن تنسي ومن بات ناسياً / هواه فأحرى بالنُّهَى عقم الفكر
إذا ما ذكرتِ العمر يوماً تذكري / هوى وزماناً لا يتاحان في العمر
فيا لك من حلمٍ عجيبٍ ورحلةٍ / تعدَّت نطاق الحُلم للأنجم الزُّهر
ويا لك من يوم غريبٍ وليلةٍ / عَفَت وغفت عن ظلم روحين في أسر
ويا لك من ركنٍ خَفِيٍّ وعالمٍ / خَفِيٍّ غنيٍّ بالمفاتن والسحر
ويا لك من أفقٍ مديد ومولدٍ / جديدٍ لقلبينا ويا لك من فجر
عرفتك عرفان الحياة أحسَّها / وأَبصَرَها من كان يخطو إلى القبر
عرفتك عرفان النهار لمقلةٍ / مخضَّبةِ الأحلام حالكةِ الذعر
رأت بك روح الفجر حين تبيّنت / بياض الأماني في أشعَّته الحُمر
بيَ الجرحُ جرحُ الكون من قبل آدم / تغلغل في الأرواحِ يَدمى ويستشري
تولَّته بالإحسان كفٌّ كريمةٌ / مقدّسةُ الحسنى مباركةُ السرّ
فإن عدتُ وحدي بعد رحلتنا معاً / شريداً على الدنيا ذليلاً على الدهر
رجعت بجرحى فاغرَ الفم دامياً / أداريه في صمتٍ وما أحدٌ يدري
هو العيش فيه الصبر كاليأس تارةً / إذا انهارت الآمال واليأسُ كالصبر
عرفتكِ كالمحراب قدساً وروعةً / وكنتِ صَلاة القلب في السرّ والجهر
وقد كان قيدي قيدَ حبّك وحدَه / أنا المرء لم أخضع لنهيٍ ولا أمر
وأعجبُ شيء في الهوى قيدُك الذي / رضيتُ به صِنواً لإيمانيَ الحرّ
بَرمتُ بأوضاع الورى كلُّ أمرهم / وسيلةُ محتاج ومسعاةُ مضطرّ
برمت بأوضاع الورى ليس بينهم / وشائج لم تُوصَل لغايٍ ولا أمر
إذا كان ما استنُّوا وما شرعوا القِلَى / فذلك شرعُ الطين والحمَأِ المُزري
تمرّدتُ لا أُلوِي على ما تعوَّدوا / ونفسي بهذا الشرع عارمةُ الكفر
وَهَب مَلَكي الغالي الكريم وحارسي / تخلّى فما عذر الوفاء وما عذري
عشقتك لا أدري لحبّيَ مبدأً / ولا منتهى حسبي بحبّك أن أدري
إذا شئتِ هجراناً فما أتعس المدى / من النور للّيل المخيّم للحشر
حان حرماني وناداني النذير
حان حرماني وناداني النذير / ما الذي أعدَدت لي قبل المسير
زمني ضاع وما أنصفتني / زاديَ الأول كالزاد الأخير
ريّ عمري من أكاذيب المنى / وطعامي من عفاف وضمير
وعلى كفك قلبٌ ودمٌ / وعلى بابك قيدٌ وأسير
حانَ حرماني فدعني يا حبيبي / هذه الجنة ليست من نصيبي
آه من دار نعيم كلما / جئتها أجتاز جسراً من لهيبِ
وأنا إلفك في ظل الصِّبا / والشباب الغض والعمر القشيب
أنزل الربوة ضيفاً عابراً / ثم أمضي عنك كالطير الغريب
لِمَ يا هاجرُ أصبحتَ رحيما / والحنان الجمّ والرقة فيما
لِم تسقينيَ من شهد الرضا / وتلاقيني عطوفاً وكريما
كل شيء صار مرّاً في فمي / بعد ما أصبحت بالدنيا عليما
آه من يأخذ عمري كله / ويعيد الطفلَ والجهلَ القديما
هل رأى الحب سكارى مثلنا / كم بنينا من خيالٍ حولنا
ومشينا في طريق مقمر / تثب الفرحة فيه قبلنا
وتطلعنا إلى أنجمه / فتهاوين وأصبحن لنا
وضحكنا ضحك طفلين معاً / وعدونا فسبقنا ظلنا
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق / وأفقنا ليتَ أنا لا نفيق
يقظةٌ طاحت بأحلام الكَرَى / وتولّى الليلُ واللَّيل صَدِيق
وإذا النُّور نَذِيرٌ طَالِعٌ / وإذا الفجر مُطِلٌّ كالحَريق
وإذا الدُّنيا كما نعرفها / وإذَا الأحبابُ كلٌّ في طَريق
هاتِ أسعدني وَدَعني أسعدُك / قَد دنا بعدَ التنَّائي موردُك
فأذقنيه فإني ذاهِبٌ / لا غدي يُرجَى ولا يُرجَى غدُك
وابلائي من لياليَّ التي / قرَّبَت حَيني وراحَت تبعدُك
لا تَدَعني لليالي فغداً / تجرَح الفرقة ما تأسو يَدُك
أزف البين وقد حان الذّهَاب / هذه اللَّحظة قَدَّت مِن عَذَاب
أزف البين وهل كان النَّوى / يا حبيبي غير أن أغلق باب
مضت الشّمس فأمسيت وقد / أغلقت دونَي أبواب السَّحاب
وتلفَّتُّ على آثارِهَا / أسألُ الليَّل ومَن لي بالجواب
لِمَن هاته الفتنة النادرة
لِمَن هاته الفتنة النادرة / وما هاته الأعينُ الساحره
وما ذلك المرَحُ القدسيّ / وما هاته الضحكة الطاهره
تطوف مطاف الحنان العميم / وتسقط كالنعمة الوافره
وتمتدُّ مثل امتداد العباب / وترجع كالموجة الساخره
وتنقش أصداءها في القلوب / وتبقى مدى العمر في الذاكره
فيا رِقَّةً سُكِبَت في النفوس / كما تُسكبُ الخمرةُ القاهره
نسينا بك العالَم الدنيويَّ / وأسمعتِنَا نَغَمَ الآخره
ويا ربةً من نواحي الألمبِ / أطلّت على مهَجٍ شاعره
حنينا الرؤوس لمجد الجمالِ / ولُذنا بعرشكِ يا آسره
مثَّلتِ هذي الحياة / وصوّرت أدوارَها الزاخره
وحمَّلت روحَك أثقالها / وروحك كالريشة الطائره
وكلّفت قلبكِ خوض الجحيم / وقلبك كالجنة الناضره
دفعت به في اللظى كالخليل / وعدتِ مباركة ظافره
رجعتِ من النار ياقوتةً / مطهّرةً حرَّةً باهره
إن كرّمتكِ البلادُ / ودانت لمعبودةٍ قادره
فوالله ما فهمتك العقولُ / ولا قدرت قدرِك القاهره
فللشعر عينٌ يراكِ بها / بغير عيون الورى الناظره
يرى لك حُسنَ الشعاع الجميل / أغار على الظلمة الغامره
فجلَّلَ بالسحر هذي الدُّنى / وصيَّرها جنة زاهره
فنوَّر أكواخها الباليات / وهلَّل في دورها العامره
رسولٌ يجوس خلال الديار / وينزل كالرحمة الزائره
بعين قد اغرورقت بالدموع / لها مُقلةُ الغيمةِ الماطره
يطوف على الناس إنسانها / ومهجته للورى غافره
شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ
شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ / مَن مُسعدي في ساعةِ التذكارِ
قُم يا أميرُ أفِض عليَّ خواطراً / وابعث خيالكَ في النسيم الساري
واطلع كعهدك في الحياة فراشةً / غراءَ حائمةً على الأنوارِ
يا عاشقَ الحرية الثكلى أفق / واهتف بشعرك في شباب الدارِ
يا مَن دعا للحق في أوطانه / ومضى ليهتف في ديار الجارِ
الشامُ جازعةٌ ومصرُ كعهدها / نهبُ الخطوب قليلة الأنصارِ
والحظُّ أطمارٌ كما شاء البلى / والعيشُ رثٌ والسنونُ عوارِ
عامٌ مضى يا للزمان وطيّه / فينا ويا لسواخر الأقدارِ
عامٌ مضى وكأنّ أمس نعيُّه / يا ما أقلَّ العامَ في الأعمارِ
أينَ الإمارة والأميرُ ودولةٌ / مبسوطةُ السلطان في الأمصارِ
خمسون عاماً وهي وارفةُ الجنى / تحت الربيع دؤوبة الأثمارِ
مَدّ الخريفُ على الرياض رواقَهُ / ومضى الربيعُ الضاحكُ النوّارِ
هيهات أنسى قبل بينك ساعةً / جمعت صحابَك في غروب نهار
والشمس في سقم الغروب وأنتَ في / لونِ الشحوب معصفرٌ ببهارِ
منحت وقد ذهبت شعاعاً غارباً / كسناك طوّافاً على السّمارِ
تشكو ليَ الضعفَ الملمَّ لعلّ في / طبي مقيلاً من وشيكِ عثارِ
وكشفتَ عن متهدِّمٍ جال الردى / متهجماً في صَرحه المنهارِ
فرأيتُ ما صنع الضنى في صورةٍ / حالت وخلى هيكلاً كإطارِ
ووجمتُ ألمحُ في الغيوب نهايةً / وأرى بعينيَ غايةَ المضمارِ
وأرى النبوغَ وقد تهاوى نجمه / والعبقرية وهي في الإِدبارِ
أو لَم يكن لك من زمانك ذائداً / وثباتُ ذهنٍ ماردٍ جبارِ
أو لم يكن لكَ من حمامك عاصماً / ذاك الجبينُ مكللاً بالغارِ
وليت في إثر الذين رثيتهم / وأقمتَ فيهم مأتمَ الأشعارِ
وسُقيتَ من كأسٍ تطوف بها يدٌ / محتومة الأقداح والأدوارِ
والدهرُ يقذف بالمنايا دفقاً / فمضيتَ في متدفق التيارِ
في ذمة الأجيالِ ما غنَّت به / قيثارةٌ سحريةُ الأوتارِ
صدحت بألحان الحياة ووقعت / أنغامها المحجوبةَ الأسرارِ
والفنُّ ما حاكى الطبيعةَ آخذاً / منها ومن إعجازها بغرارِ
مسترسلاً رحباً كعينٍ ثرّةٍ / شتى السيولِ سحيقةِ الأغوارِ
متعالياً حتى الأشعة مشرقاً / متالقاً كالكوكب السيَّارِ
شوقي نظمت فكنت برّاً خيِّراً / في أمة ظمأى إلى الأخيارِ
أرسلت شعرك في المدائن هادياً / شبهَ المنار يطوف بالأقطارِ
تدعو الى المجد القديم وغابرٍ / طيّ القرون مجلَّلٍ بوقارِ
تدعو لمجدِ الشرق تجعل حبَّهُ / نصبَ القلوبِ وقبلةَ الأنظارِ
تبكي العراقَ إذا استبيح ولا تضن / ن على الشآم بمدمع مدرارِ
وترى الرجالَ وقد أُهين ذمارهم / خرجوا لصون كرامة وذمارِ
فلو استطعتَ مددتَ بين صفوفهم / كفّاً مضرجةً مع الأحرارِ
ما زلتَ تبعث في قريضكَ ثاوياً / أو ماضياً حَفِلاً بكلِّ فخارِ
حتى اتُّهمتَ فقالَ قومٌ شاعرٌ / ناجى الطلولَ وطاف بالآثارِ
فجلوتَ ما لم يشهدوا ورسمت ما / لَم يعهدوا من معجز الأفكارِ
شيخٌ يدبُّ إلى الأصيل وقلبُهُ / وجنانُهُ في نضرة الأسحارِ
ويحسُّ تبريحَ الصبابة واصفاً / مجنونَ ليلى في سحيق قفارِ
ويروح يبعث كليوباترا ناشراً / تلك العصور وطيفها المتواري
ويرى الحياة الحبَّ والحبَّ الحيا / ةَ هما شعارُ العيش أيُّ شعارِ
تحت عين الصباح والأنوارِ
تحت عين الصباح والأنوارِ / ورقيق الأنداء والأسحارِ
في حمى سنتريس شبَّ غلامٌ / شاعريُّ الكلام والأنظارِ
أزرق العين هادئ هدأة البح / ر بعيد الرضى بعيد القرارِ
ساهم يلمح السحائب في الأف / قِ بعين عميقة الأغوارِ
شبَّ في جيرة النسائم والزه / ر وفي صحبة الغدير الجاري
ونضيرِ الحقول والعشب المخضل / ل يكسو شواطئ الأنهارِ
ومصيخاً إلى غناء السواقي / شاكياتٍ سواخرَ الأقدارِ
باكياتٍ على الصبا والأماني / والهوى والنوى وبعدِ المزارِ
غير أن الذي شكا خطبه الأه / لُ وأمسى حديث جارٍ وجارِ
إنَّ ذاك الفتى الوديعَ الطهورَ ال / قلب في رقة النسيم الساري
مغرمٌ بالعصا فلو خلف سورٍ / لتخطى شواهق الأسوار
ولأجل العصا سطا على الأفرع الخض / راء زانت بواسق الأشجارِ
ولأجل العصا سطا على خشب البي / تِ طموحاً حتى لباب الدارِ
ولو أنَّ العصيَّ عزَّت عليه / لتمنَّى حتى عصا التسيارِ
إن تلك العصا لرَمزٌ على القو / ة في قلب ماردٍ جبّارِ
لا يرى القرية الصغيرة كفؤاً / لكبار الآمال والأوطارِ
ساخراً من هدوئها مستعداً / لصراع الخطوب والأخطارِ
أين يمضي للأزهر الشامخ الرأ / س القويّ الباقي على الأدهارِ
مطلع عبده وسعداً ورهط ال / مجد والبأس والعلى والفخارِ
فرح الأهلُ بالغلامِ الذي صا / رَ حديثاً في ندوة السُّمارِ
عمّموه وقفطنوه فأمسى / أمل القوم فارس المضمارِ
ومضى يطلب العلوم وحيداً / موحشاً قلبهُ غريبَ الدارِ
ناظراً في هوامشٍ تأكل العق / ل وتبلي نواضر الأبصارِ
لا يبالي الطول ولا يحفل الأقدا / ر جاءت بكل أمرٍ ضاري
لا يبالي غداة يصغي إلى الشي / خ وللشيخ هالة من وقارِ
أحصيرٌ ممزقٌ أم حريرٌ / مقعد للمجاهد الصبَّارِ
آهِ من هاته الشدائد فهي الن / نار تبلو القلوب في الأخيارِ
إنَّ قلب العظيم ياقوتةً تس / مو سمواً وتزدهي بالنارِ
أي شيء في الدهر كالألم الجب / بار يجلو ضمائر الأحرارِ
عجبي من مجاور ضاق بالأز / هر واحيرة النفوس الكبارِ
ثم أمسى مطربشاً واكتسى البذ / لة ما بين ليلةٍ ونهارِ
ثم ضاقت بهمه مصر فاشتا / ق لغير الأوطان في الأمصارِ
ضمَّ أشياءه إليه وأضحى / في سفينٍ تجوب عرض البحارِ
ثم أمسى مبرنطاً يقصد السي / ن ويغزو مدينة الأنوارِ
والذي يبعث السرور ويدعو / كلَّ نفس للزهو والإكبارِ
رجلٌ ما ازدهته فتنة باري / س وما في باريس من أسرارِ
ظلَّ في ذلك الحمى مصرياً / عربيَّ الحياة والأفكارِ
كلما هبَّت الغواني عليه / ضاق ذرعاً بالغادة المعطارِ
يزفر الزفرة العنيفة ترمي / من لظاها فحمَ الدُّجى بشرارِ
يذكر النيل والأحبة بالني / ل ويشدو برائع الأشعارِ
كرّموا نابغيكمو واعرفوهم / فضياع النبوغ في الإِنكارِ
فزكيّ مباركٌ شعلة في / مصر تهدي شبابها كالمنارِ
قسماً لو يُتاح لي الغارُ كلل / ت بكفي جبينُه بالغارِ
يا ابنتي إنني لأشعر أني
يا ابنتي إنني لأشعر أني / ملأت مهجتي شموس منيره
أشرقت فرحتان عندي فهذي / لعماد وهذه لأميره
أنتما فرقدان وهو جدير / بالذي ناله وأنت جديره
اغنما كل ما يطيب وفوزا / بالمسرات والأماني الوفيره
وافرحا بالذي يطيب ويرجى / عيشةٌ نضرة وعين قريره
حبذا الريف والخلائق فيه
حبذا الريف والخلائق فيه / ضاحكات الوجوه تفترّ سحرا
من يراه وقد تبين فيه / زمراً في الزّحام تحشر حشرا
يحسب الضيق آخذاً في حماه / بخناق ويحسب القوم أسرى
وهم النور والمحبة والقل / ب طليقاً مع النسائم حُرا
منظر تلمح البساطة فيه / وترى طيبةً وبشراً وطهرا
منظرٌ تلمح السعادة فيه / لا تقل لي أرى شقاء وفقرا
انظر الجرّة التي خلفوها / وانظر النيل ضاحكاً مفترا
عبدوا النيل مذ قديم وألقوا / كل عام له عروساً بكرا
مصر سحر ورقة وصفاء / لِمَ لا يعبد المحبون مصرا
ليس البيانو الذي راحت تحركه
ليس البيانو الذي راحت تحركه / يداك أطوعَ من قلبي وأفكاري
لمستِهِ فتمشّى السحر بي فكما / تهتز أوتاره تهتز أوتاري