القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِبْراهيم ناجِي الكل
المجموع : 26
رُبَّ ليل قد صفا الأفق به
رُبَّ ليل قد صفا الأفق به / وبما قد أبدع الله ازدهر
وسرى فيه نسيم عَبِقٌ / فكأن الليل بُستَان عطر
قلت يا رب لمن جمَّلته / ولمن هذي الثريات الغرر
فعرا الأفقَ قتام وبَدَت / سحب تحبو إلى وجه القمر
كلما تقرب تمتد له / كأكفّ شرهاتٍ تنتظر
صحت بالبدر تنبه للنذر / أدركِ الهالة حفت بالخطر
لا تبح مائدة النور لهم / لا تبحها لسواد معتكر
قهقه الرعد ودوَّى ساخراً / فكأن الرعد عربيد سكر
قمت مذعوراً وهمت قبضَتي / ثم مدت ثم ردت من خَور
لهف القلب على الحسن إذا / قهقه الغربان والذِئب سخِر
تحتمي الوردة بالشوك فإن / كثر القطاف لم تغن الإبر
آهِ من غصن غنيّ بالجنى / ومِن الطامع في ذاك الثمر
آه من شك ومن حب ومن / هاجِسات وظنونٍ وحذر
كست الأفقَ سواداً لم يكن / غير غيم جاثم فوق الفكر
طالما قلت لقلبي كلما / أنّ في جنبي أنين المحتضر
إن تكن خانت وعقَّت حبنا / فأضِفها للجراحات الأخر
نزل الستار ففيم تنتظر
نزل الستار ففيم تنتظر / خلت الحياة وأقفر العمر
لم يبقَ إلا مقفر تعس / تعوي الذئاب به وتأتمر
هو مسرح وانفض ملعبه / لم يبق لا عينٌ ولا أثر
ورواية رويت وموجزها / صحبٌ مضوا وأحبةٌ هجروا
عبروا بها صوراً فمذ عبروا / ضحك الزمان وقهقه القدر
يا غلة المتلهف الصادي
يا غلة المتلهف الصادي / با آيتي وقصيدتي الكبرى
ماذا تركت لديّ من زاد / إلا استعادة هذه الذكرى
يا للمساء العبقري وما / أبقى على الأيام في خلدي
شفتاك شفا لوعةً وظما / وجمالك الجبار طوع يدي
نمشي وقد طال الطريق بنا / ونود لو نمشي إلى الأبدِ
ونود لو خلت الحياة لنا / كطريقنا وغدت بلا أحدِ
نبني على أنقاض ماضينا / قصراً من الأوهام عملاقا
ونظل ننسج من أمانينا / وشيا من الأحلام براقا
وأظل أسقيها وتملؤ لي / من مورد خلف الظنون خفي
حتى إذا سكرت من الأمل / وترنحت مالت على كتفي
حلفت بأني مغتد معها / حيث اغتدت وهواي في دمها
فمسحت بالقبلات أدمعها / وطبعت ميثاقي على فمها
ألمي محا ذنبي إليك وكفّرا
ألمي محا ذنبي إليك وكفّرا / هبني أسأت ألم يحن أن تغفرا
روحي ممزقة وأنت تركتها / لمخالب الدنيا وأنياب الورى
روحي ممزقة لو أدركتها / جمّعت من أشلائها ما بعثرا
أو ليس لي في ظل حبك موضع / أحبو إليه وأرتمي مستنصرا
ما كنت أصبر عن لقائك ساعة / كيف اصطباري عن لقائك أشهرا
من بدّل الثغر الجميل عبوسة / ومضى إلى وجه السماء فكدرا
يا هاته الأقدار عينك لا ترى / تحت الدجى سأمان ممتنع الكرى
ظمآن لو باع الأحبة قطرة / بالعمر والدنيا جميعاً لا شترى
اخف جراحك واستعز بفتكها / غريدك الشادي المحلق في الذرى
يرنو إليك على البعاد ويعتلي / فيجره الجرح المميت إلى الثرى
قد عاش وهو معذب بإبائه / ولقد يلاقي يومه مستكبرا
حتام كتماني وطول تجلدي / يا أيها الجاني عليَّ وما درى
ومتى المآب إلى رحابك مرة / لأريك جرحي والدما والخنجرا
يا سجين الحياة أين الفرار
يا سجين الحياة أين الفرار / أوصد الليل بابه والنهار
فلمن لفتةٌ وفيم ارتقاب / ليس بعد الذي انتظرت انتظار
والتعلات من هوى وشباب / قصة مسدل عليها الستار
ما الذي يبتغي العليل المسجى / قد تولى العواد والسمار
طال ليل الغريب وامتنع الغم / ض وفي المضجع الغضا والنار
وهَب السجن بابه صار حرا / لكَ لا حائل ولا أسوار
وعفا القيد عنك كفاً وساقا / فإذا الأرض كلها لك دار
أين أين الرحيل والتسيار / بعدت شقة وشط مزار
والخطى المثقلات باليأس أغلا / ل لساقيك والمشيب عثار
ما انتفاع الفتى إذا عفت الجن / نة واجتاح دوحها الإعصار
عشتُ حتى أرى خمائل حبي / تتهاوى كشامخ ينهار
تحت عيني ويذبل الحسن فيها / ويموت الربيع والأنوار
ما انتفاع التي بموحش عيش / بقيت كأسه وطاح العقار
وبقاء البساط بعد الندامى / كأس سم بها يدور البوار
ما انتفاعي وتلك قافلة العي / ش وفي ركبها اللظى والدمار
الدمار الرهيب والعدم الشام / ل واللفح والضنى والأوار
يا ديار الحبيب هل كان حلما / ملتقى دون موعد يا ديار
يا عزيز الجنى عليك سلام / كيف جادت بقربك الأقدار
بورك الكرم والقطوف وأوقا / ت كأن العناق فيها اعتصار
كلما أطلقتك كفي استردت / ك كما يحفز الغريم الثار
قل لوزير الحق وهو الذي
قل لوزير الحق وهو الذي / قد استقامت في حجاه الأمور
خذ من مقالي ذمة أنني / عنهم إلى ساح المعالي سفير
يا جاعل الأوقاف في عهده / مدينة والقفر فيها قصور
ونابشاً فيها الكنوز التي / مرت عليها بالعفاء العصور
نبشت فيها عبقرياتها / منقباً عن كل قدر خطير
فكل ما قيل وما لم يقل / عن فضلك الجم الغفير الوفير
مما جرى في شفةٍ عاجزاً / وما توارى في حنايا الصدور
من حق عبد الحق في عدله / له وإن يأبى إليه المسير
تحية للأصل مردودة / وباقة قد قدمت للوزير
سبحان ربي قد رأينا الدجى / يجلوه في عهدك صبحٌ منير
ماشيت هذا العصر في سيره / والعصر يعلو بجناح النسور
ما زلت بالأوقاف حتى رأت / محطم القيد وفادي الأسير
كم عيروها بسلحفاتها / فلينظروها بجناحٍ تطير
يا نابشاً فيها كنوز الحجى / من كل وهاجٍ قليل النظير
من ذهب الدار وآياتها / فتى كبير القلب صافي الضمير
له معاني البحر في هدأة / وفيه روح كانسياب الغدير
خذ من سجاياه ومن علمه / ما يهب الورد وتطوي البحور
بأي لفظ يفيك شعري
بأي لفظ يفيك شعري / شرفت قدري وزنت داري
أما كفى برُك المواسي / فزدتني روعة المزار
أقسمت بالشمس في ضحاها / أقسمت بالبدر بالدراري
بفضلك الماحق الدياجي / كأنه واضح النهار
فيك من البحر كل معنى / فمن سمو إلى وقار
وأنت صدر العباب رحباً / وبسمة الشط والمنار
كأن هذا الجميل يترى / من طيب غادٍ ولطف ساري
موج من البر ذو اتصال / بلا هدوء ولا قرار
غمرتني بالجميل حتى / لجت قوافيَّ في العثار
أنقذني البحر غير أني / غريق فضل بلا قرار
كنت ندى في رياض عيشي / وكنت غيثاً على القفار
لقيت ضنكا من الليالي / فمن غمار إلى غمار
قد طال عتبي على الليالي / وطال للراحم انتظاري
صفحت عن كل ما أساءت / حق لها الليلة اعتذاري
أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا / فمصر هي المحراب والجنة الكبرى
حلفنا نولي وجهنا شطر حبها / وننفد فيه الصبر والجهد والعمرا
نبث بها روح الحياة قوية / ونقتل فيها الضنك والذل والفقرا
نحطم أغلالاً ونمحو حوائلا / ونخلق فيها الفكر والعمل الحرا
أجل إن ماء النيل قد مرّ طعمه / تناوشه الفتاك لم يدعوا شبرا
فدالت به الدنيا وريعت حمائم / مغردة تستقبل الخير والبشرى
وحامت على الأفق الحزين كواسر / إذا ظفرت لا ترحم الحسن والزهرا
تحط كما حط العقاب من الذرى / وتلتهم الأفنان والزغب والوكرا
فهلا وقفتم دونها تمنحونها / أكفاً كماء المزن تمطرها خيرا
سلاماً شباب النيل في كل موقف / على الدهر يجني المجد أو يجلب الفخرا
تعالوا نشيّد مصنعاً رب مصنع / يدرُّ على صُناعنا المغنم الوفرا
تعالوا نشيّد ملجأ رب ملجأ / يضم حطام البؤس والأوجه الصفرا
تعالوا لنمحوا الجهل والعلل التي / أحاطت بنا كالسيل تغمرنا غمرا
تعالوا فقد حانت أمور عظيمة / فلا كان منا غافل يصم العصرا
تعالوا نقل للصعب أهلا فإننا / شبابٌ ألفنا الصعب والمطلب الوعرا
شباب إذا نامت عيون فإننا / بكرنا بكور الطير نستقبل الفجرا
شباب نزلنا حومة المجد كلنا / ومن يغتدي للنصر ينتزع النصرا
صورة للبحر أم صورة نفس
صورة للبحر أم صورة نفس / عندما النفس من اليأس تثور
قد علا الموج وقد عز التأسي / لم يعد إلا عبابٌ وصخور
زلزل البحر على راكبه / مثلما زلزل قلبٌ ضجرُ
سفر صار على طالبه / ركبُ ضنك والمنايا سفرُ
غرَّب الحظ كما مال الشراع / هكذا الأعمار في الدنيا تميل
وسرت في الجو أشباح الوداع / وتنادى كل شيء بالرحيل
أإذا اشتد على القلب البلاء / أإذا جار عبابٌ وتناهى
تعصف الأمواج عصفا بالرجاء / كيف ننسى أن للكون إلها
رأيت غصناً صغيرا
رأيت غصناً صغيرا / منوراً ونضيرا
أرق ما تشتهي الن / نفس منظراً وعبيرا
جذبته جذب عنف / قد كاد يذوي الزهورا
فلم يئنَّ لجذبي / وكان غصناً صبورا
لكنني لم أدعه / حتى علا مسرورا
وارتد يضرب وجهي / ضرباً عنيفاً مثيرا
وعاد ينشر في الأيك ذا الحديث الأخيرا /
تضاحك الأيكُ جذلان شامتاً مسرورا /
ضحكُ الذي بعد صبر / قد فاز فوزاً أخيرا
رجل أرى بالله أم حشره
رجل أرى بالله أم حشره / سبحان من بعبيده حشره
يا فخر داروين ومذهبه / وخلاصة النظرية القذرة
أرأيت قرداً في الحديقة قد / فلّته أنثاه على شجره
عبد الحميد اعلم فأنت كذا / ما قال داروين وما ذكره
يا عبقرياً في شناعته / ولدتك أمك وهي معتذره
نارٌ من الشوقِ إثرَ نار
نارٌ من الشوقِ إثرَ نار / فلا هدوءٌ ولا قرار
إنك لي مبدأ وَعَودٌ / منك إلى صدرِك الفِرار
يا مرفأَ الروحِ لا تَدَعنِي / بلا دليلٍ ولا مَنار
موجٌ وريحٌ وزحفُ ليلٍ / فمن دمارٍ إلى دمار
إن أنتِ أخلفتِ وَعدَ حبّي / لم تُؤوِني في الديارِ دار
وليسَ لي في الهَوى اصطِبار / وليس لي دونك اختيار
نقلت حياتي والحياة بنا تجري
نقلت حياتي والحياة بنا تجري / من الحُلم المعسول للواقع المرّ
فيا منتهى فنّى إلى منتهى الهوى / على ذِروَةٍ بيضاء في النور والطهر
عرفتك عرفان السّماء ولم تكن / سوى هَمَسات النجم ما جال في صدري
وغامت خطوط السفح حتى نسيتها / وحتى توارى السفح من عالم الذكر
وفي القمم الشَّماء حلَّقتُ حائماً / وأنبتُّ في أعلى شواهقها وكري
ولم يبق إلا أنت والجنَّةُ التي / زرعنا وكلَّلنا بيانعة الزهر
ولم يبق إلا أنت والنسمةُ التي / تهبُّ من الفردوس مسكيَّةَ النشر
ولم يبق إلا أنت والزورق الذي / ترنّح منساباً على صفحة النهر
فيا منتهى مجدي إلى منتهى الغنى / غنى الروح بعد الضَّنك والذلِّ والفقر
أعيذك أن أغدو على صخرةٍ لَقىً / وكنتِ مِجَنّي في مقارعة الصخر
أعيذك بعد التاج والعرش والذي / تألق من ماسٍ وشعشع من تبر
أعيذك من ردّي إلى سَفَهِ الثرى / وحِطَّتِه بين الأكاذيب والغدر
أعيذك أن تنسي ومن بات ناسياً / هواه فأحرى بالنُّهَى عقم الفكر
إذا ما ذكرتِ العمر يوماً تذكري / هوى وزماناً لا يتاحان في العمر
فيا لك من حلمٍ عجيبٍ ورحلةٍ / تعدَّت نطاق الحُلم للأنجم الزُّهر
ويا لك من يوم غريبٍ وليلةٍ / عَفَت وغفت عن ظلم روحين في أسر
ويا لك من ركنٍ خَفِيٍّ وعالمٍ / خَفِيٍّ غنيٍّ بالمفاتن والسحر
ويا لك من أفقٍ مديد ومولدٍ / جديدٍ لقلبينا ويا لك من فجر
عرفتك عرفان الحياة أحسَّها / وأَبصَرَها من كان يخطو إلى القبر
عرفتك عرفان النهار لمقلةٍ / مخضَّبةِ الأحلام حالكةِ الذعر
رأت بك روح الفجر حين تبيّنت / بياض الأماني في أشعَّته الحُمر
بيَ الجرحُ جرحُ الكون من قبل آدم / تغلغل في الأرواحِ يَدمى ويستشري
تولَّته بالإحسان كفٌّ كريمةٌ / مقدّسةُ الحسنى مباركةُ السرّ
فإن عدتُ وحدي بعد رحلتنا معاً / شريداً على الدنيا ذليلاً على الدهر
رجعت بجرحى فاغرَ الفم دامياً / أداريه في صمتٍ وما أحدٌ يدري
هو العيش فيه الصبر كاليأس تارةً / إذا انهارت الآمال واليأسُ كالصبر
عرفتكِ كالمحراب قدساً وروعةً / وكنتِ صَلاة القلب في السرّ والجهر
وقد كان قيدي قيدَ حبّك وحدَه / أنا المرء لم أخضع لنهيٍ ولا أمر
وأعجبُ شيء في الهوى قيدُك الذي / رضيتُ به صِنواً لإيمانيَ الحرّ
بَرمتُ بأوضاع الورى كلُّ أمرهم / وسيلةُ محتاج ومسعاةُ مضطرّ
برمت بأوضاع الورى ليس بينهم / وشائج لم تُوصَل لغايٍ ولا أمر
إذا كان ما استنُّوا وما شرعوا القِلَى / فذلك شرعُ الطين والحمَأِ المُزري
تمرّدتُ لا أُلوِي على ما تعوَّدوا / ونفسي بهذا الشرع عارمةُ الكفر
وَهَب مَلَكي الغالي الكريم وحارسي / تخلّى فما عذر الوفاء وما عذري
عشقتك لا أدري لحبّيَ مبدأً / ولا منتهى حسبي بحبّك أن أدري
إذا شئتِ هجراناً فما أتعس المدى / من النور للّيل المخيّم للحشر
حان حرماني وناداني النذير
حان حرماني وناداني النذير / ما الذي أعدَدت لي قبل المسير
زمني ضاع وما أنصفتني / زاديَ الأول كالزاد الأخير
ريّ عمري من أكاذيب المنى / وطعامي من عفاف وضمير
وعلى كفك قلبٌ ودمٌ / وعلى بابك قيدٌ وأسير
حانَ حرماني فدعني يا حبيبي / هذه الجنة ليست من نصيبي
آه من دار نعيم كلما / جئتها أجتاز جسراً من لهيبِ
وأنا إلفك في ظل الصِّبا / والشباب الغض والعمر القشيب
أنزل الربوة ضيفاً عابراً / ثم أمضي عنك كالطير الغريب
لِمَ يا هاجرُ أصبحتَ رحيما / والحنان الجمّ والرقة فيما
لِم تسقينيَ من شهد الرضا / وتلاقيني عطوفاً وكريما
كل شيء صار مرّاً في فمي / بعد ما أصبحت بالدنيا عليما
آه من يأخذ عمري كله / ويعيد الطفلَ والجهلَ القديما
هل رأى الحب سكارى مثلنا / كم بنينا من خيالٍ حولنا
ومشينا في طريق مقمر / تثب الفرحة فيه قبلنا
وتطلعنا إلى أنجمه / فتهاوين وأصبحن لنا
وضحكنا ضحك طفلين معاً / وعدونا فسبقنا ظلنا
وانتبهنا بعد ما زال الرحيق / وأفقنا ليتَ أنا لا نفيق
يقظةٌ طاحت بأحلام الكَرَى / وتولّى الليلُ واللَّيل صَدِيق
وإذا النُّور نَذِيرٌ طَالِعٌ / وإذا الفجر مُطِلٌّ كالحَريق
وإذا الدُّنيا كما نعرفها / وإذَا الأحبابُ كلٌّ في طَريق
هاتِ أسعدني وَدَعني أسعدُك / قَد دنا بعدَ التنَّائي موردُك
فأذقنيه فإني ذاهِبٌ / لا غدي يُرجَى ولا يُرجَى غدُك
وابلائي من لياليَّ التي / قرَّبَت حَيني وراحَت تبعدُك
لا تَدَعني لليالي فغداً / تجرَح الفرقة ما تأسو يَدُك
أزف البين وقد حان الذّهَاب / هذه اللَّحظة قَدَّت مِن عَذَاب
أزف البين وهل كان النَّوى / يا حبيبي غير أن أغلق باب
مضت الشّمس فأمسيت وقد / أغلقت دونَي أبواب السَّحاب
وتلفَّتُّ على آثارِهَا / أسألُ الليَّل ومَن لي بالجواب
لِمَن هاته الفتنة النادرة
لِمَن هاته الفتنة النادرة / وما هاته الأعينُ الساحره
وما ذلك المرَحُ القدسيّ / وما هاته الضحكة الطاهره
تطوف مطاف الحنان العميم / وتسقط كالنعمة الوافره
وتمتدُّ مثل امتداد العباب / وترجع كالموجة الساخره
وتنقش أصداءها في القلوب / وتبقى مدى العمر في الذاكره
فيا رِقَّةً سُكِبَت في النفوس / كما تُسكبُ الخمرةُ القاهره
نسينا بك العالَم الدنيويَّ / وأسمعتِنَا نَغَمَ الآخره
ويا ربةً من نواحي الألمبِ / أطلّت على مهَجٍ شاعره
حنينا الرؤوس لمجد الجمالِ / ولُذنا بعرشكِ يا آسره
مثَّلتِ هذي الحياة / وصوّرت أدوارَها الزاخره
وحمَّلت روحَك أثقالها / وروحك كالريشة الطائره
وكلّفت قلبكِ خوض الجحيم / وقلبك كالجنة الناضره
دفعت به في اللظى كالخليل / وعدتِ مباركة ظافره
رجعتِ من النار ياقوتةً / مطهّرةً حرَّةً باهره
إن كرّمتكِ البلادُ / ودانت لمعبودةٍ قادره
فوالله ما فهمتك العقولُ / ولا قدرت قدرِك القاهره
فللشعر عينٌ يراكِ بها / بغير عيون الورى الناظره
يرى لك حُسنَ الشعاع الجميل / أغار على الظلمة الغامره
فجلَّلَ بالسحر هذي الدُّنى / وصيَّرها جنة زاهره
فنوَّر أكواخها الباليات / وهلَّل في دورها العامره
رسولٌ يجوس خلال الديار / وينزل كالرحمة الزائره
بعين قد اغرورقت بالدموع / لها مُقلةُ الغيمةِ الماطره
يطوف على الناس إنسانها / ومهجته للورى غافره
شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ
شَجنٌ على شَجنٍ وحرقةُ نارِ / مَن مُسعدي في ساعةِ التذكارِ
قُم يا أميرُ أفِض عليَّ خواطراً / وابعث خيالكَ في النسيم الساري
واطلع كعهدك في الحياة فراشةً / غراءَ حائمةً على الأنوارِ
يا عاشقَ الحرية الثكلى أفق / واهتف بشعرك في شباب الدارِ
يا مَن دعا للحق في أوطانه / ومضى ليهتف في ديار الجارِ
الشامُ جازعةٌ ومصرُ كعهدها / نهبُ الخطوب قليلة الأنصارِ
والحظُّ أطمارٌ كما شاء البلى / والعيشُ رثٌ والسنونُ عوارِ
عامٌ مضى يا للزمان وطيّه / فينا ويا لسواخر الأقدارِ
عامٌ مضى وكأنّ أمس نعيُّه / يا ما أقلَّ العامَ في الأعمارِ
أينَ الإمارة والأميرُ ودولةٌ / مبسوطةُ السلطان في الأمصارِ
خمسون عاماً وهي وارفةُ الجنى / تحت الربيع دؤوبة الأثمارِ
مَدّ الخريفُ على الرياض رواقَهُ / ومضى الربيعُ الضاحكُ النوّارِ
هيهات أنسى قبل بينك ساعةً / جمعت صحابَك في غروب نهار
والشمس في سقم الغروب وأنتَ في / لونِ الشحوب معصفرٌ ببهارِ
منحت وقد ذهبت شعاعاً غارباً / كسناك طوّافاً على السّمارِ
تشكو ليَ الضعفَ الملمَّ لعلّ في / طبي مقيلاً من وشيكِ عثارِ
وكشفتَ عن متهدِّمٍ جال الردى / متهجماً في صَرحه المنهارِ
فرأيتُ ما صنع الضنى في صورةٍ / حالت وخلى هيكلاً كإطارِ
ووجمتُ ألمحُ في الغيوب نهايةً / وأرى بعينيَ غايةَ المضمارِ
وأرى النبوغَ وقد تهاوى نجمه / والعبقرية وهي في الإِدبارِ
أو لَم يكن لك من زمانك ذائداً / وثباتُ ذهنٍ ماردٍ جبارِ
أو لم يكن لكَ من حمامك عاصماً / ذاك الجبينُ مكللاً بالغارِ
وليت في إثر الذين رثيتهم / وأقمتَ فيهم مأتمَ الأشعارِ
وسُقيتَ من كأسٍ تطوف بها يدٌ / محتومة الأقداح والأدوارِ
والدهرُ يقذف بالمنايا دفقاً / فمضيتَ في متدفق التيارِ
في ذمة الأجيالِ ما غنَّت به / قيثارةٌ سحريةُ الأوتارِ
صدحت بألحان الحياة ووقعت / أنغامها المحجوبةَ الأسرارِ
والفنُّ ما حاكى الطبيعةَ آخذاً / منها ومن إعجازها بغرارِ
مسترسلاً رحباً كعينٍ ثرّةٍ / شتى السيولِ سحيقةِ الأغوارِ
متعالياً حتى الأشعة مشرقاً / متالقاً كالكوكب السيَّارِ
شوقي نظمت فكنت برّاً خيِّراً / في أمة ظمأى إلى الأخيارِ
أرسلت شعرك في المدائن هادياً / شبهَ المنار يطوف بالأقطارِ
تدعو الى المجد القديم وغابرٍ / طيّ القرون مجلَّلٍ بوقارِ
تدعو لمجدِ الشرق تجعل حبَّهُ / نصبَ القلوبِ وقبلةَ الأنظارِ
تبكي العراقَ إذا استبيح ولا تضن / ن على الشآم بمدمع مدرارِ
وترى الرجالَ وقد أُهين ذمارهم / خرجوا لصون كرامة وذمارِ
فلو استطعتَ مددتَ بين صفوفهم / كفّاً مضرجةً مع الأحرارِ
ما زلتَ تبعث في قريضكَ ثاوياً / أو ماضياً حَفِلاً بكلِّ فخارِ
حتى اتُّهمتَ فقالَ قومٌ شاعرٌ / ناجى الطلولَ وطاف بالآثارِ
فجلوتَ ما لم يشهدوا ورسمت ما / لَم يعهدوا من معجز الأفكارِ
شيخٌ يدبُّ إلى الأصيل وقلبُهُ / وجنانُهُ في نضرة الأسحارِ
ويحسُّ تبريحَ الصبابة واصفاً / مجنونَ ليلى في سحيق قفارِ
ويروح يبعث كليوباترا ناشراً / تلك العصور وطيفها المتواري
ويرى الحياة الحبَّ والحبَّ الحيا / ةَ هما شعارُ العيش أيُّ شعارِ
تحت عين الصباح والأنوارِ
تحت عين الصباح والأنوارِ / ورقيق الأنداء والأسحارِ
في حمى سنتريس شبَّ غلامٌ / شاعريُّ الكلام والأنظارِ
أزرق العين هادئ هدأة البح / ر بعيد الرضى بعيد القرارِ
ساهم يلمح السحائب في الأف / قِ بعين عميقة الأغوارِ
شبَّ في جيرة النسائم والزه / ر وفي صحبة الغدير الجاري
ونضيرِ الحقول والعشب المخضل / ل يكسو شواطئ الأنهارِ
ومصيخاً إلى غناء السواقي / شاكياتٍ سواخرَ الأقدارِ
باكياتٍ على الصبا والأماني / والهوى والنوى وبعدِ المزارِ
غير أن الذي شكا خطبه الأه / لُ وأمسى حديث جارٍ وجارِ
إنَّ ذاك الفتى الوديعَ الطهورَ ال / قلب في رقة النسيم الساري
مغرمٌ بالعصا فلو خلف سورٍ / لتخطى شواهق الأسوار
ولأجل العصا سطا على الأفرع الخض / راء زانت بواسق الأشجارِ
ولأجل العصا سطا على خشب البي / تِ طموحاً حتى لباب الدارِ
ولو أنَّ العصيَّ عزَّت عليه / لتمنَّى حتى عصا التسيارِ
إن تلك العصا لرَمزٌ على القو / ة في قلب ماردٍ جبّارِ
لا يرى القرية الصغيرة كفؤاً / لكبار الآمال والأوطارِ
ساخراً من هدوئها مستعداً / لصراع الخطوب والأخطارِ
أين يمضي للأزهر الشامخ الرأ / س القويّ الباقي على الأدهارِ
مطلع عبده وسعداً ورهط ال / مجد والبأس والعلى والفخارِ
فرح الأهلُ بالغلامِ الذي صا / رَ حديثاً في ندوة السُّمارِ
عمّموه وقفطنوه فأمسى / أمل القوم فارس المضمارِ
ومضى يطلب العلوم وحيداً / موحشاً قلبهُ غريبَ الدارِ
ناظراً في هوامشٍ تأكل العق / ل وتبلي نواضر الأبصارِ
لا يبالي الطول ولا يحفل الأقدا / ر جاءت بكل أمرٍ ضاري
لا يبالي غداة يصغي إلى الشي / خ وللشيخ هالة من وقارِ
أحصيرٌ ممزقٌ أم حريرٌ / مقعد للمجاهد الصبَّارِ
آهِ من هاته الشدائد فهي الن / نار تبلو القلوب في الأخيارِ
إنَّ قلب العظيم ياقوتةً تس / مو سمواً وتزدهي بالنارِ
أي شيء في الدهر كالألم الجب / بار يجلو ضمائر الأحرارِ
عجبي من مجاور ضاق بالأز / هر واحيرة النفوس الكبارِ
ثم أمسى مطربشاً واكتسى البذ / لة ما بين ليلةٍ ونهارِ
ثم ضاقت بهمه مصر فاشتا / ق لغير الأوطان في الأمصارِ
ضمَّ أشياءه إليه وأضحى / في سفينٍ تجوب عرض البحارِ
ثم أمسى مبرنطاً يقصد السي / ن ويغزو مدينة الأنوارِ
والذي يبعث السرور ويدعو / كلَّ نفس للزهو والإكبارِ
رجلٌ ما ازدهته فتنة باري / س وما في باريس من أسرارِ
ظلَّ في ذلك الحمى مصرياً / عربيَّ الحياة والأفكارِ
كلما هبَّت الغواني عليه / ضاق ذرعاً بالغادة المعطارِ
يزفر الزفرة العنيفة ترمي / من لظاها فحمَ الدُّجى بشرارِ
يذكر النيل والأحبة بالني / ل ويشدو برائع الأشعارِ
كرّموا نابغيكمو واعرفوهم / فضياع النبوغ في الإِنكارِ
فزكيّ مباركٌ شعلة في / مصر تهدي شبابها كالمنارِ
قسماً لو يُتاح لي الغارُ كلل / ت بكفي جبينُه بالغارِ
يا ابنتي إنني لأشعر أني
يا ابنتي إنني لأشعر أني / ملأت مهجتي شموس منيره
أشرقت فرحتان عندي فهذي / لعماد وهذه لأميره
أنتما فرقدان وهو جدير / بالذي ناله وأنت جديره
اغنما كل ما يطيب وفوزا / بالمسرات والأماني الوفيره
وافرحا بالذي يطيب ويرجى / عيشةٌ نضرة وعين قريره
حبذا الريف والخلائق فيه
حبذا الريف والخلائق فيه / ضاحكات الوجوه تفترّ سحرا
من يراه وقد تبين فيه / زمراً في الزّحام تحشر حشرا
يحسب الضيق آخذاً في حماه / بخناق ويحسب القوم أسرى
وهم النور والمحبة والقل / ب طليقاً مع النسائم حُرا
منظر تلمح البساطة فيه / وترى طيبةً وبشراً وطهرا
منظرٌ تلمح السعادة فيه / لا تقل لي أرى شقاء وفقرا
انظر الجرّة التي خلفوها / وانظر النيل ضاحكاً مفترا
عبدوا النيل مذ قديم وألقوا / كل عام له عروساً بكرا
مصر سحر ورقة وصفاء / لِمَ لا يعبد المحبون مصرا
ليس البيانو الذي راحت تحركه
ليس البيانو الذي راحت تحركه / يداك أطوعَ من قلبي وأفكاري
لمستِهِ فتمشّى السحر بي فكما / تهتز أوتاره تهتز أوتاري

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025