المجموع : 137
لئن رجعت أَيام لَيلى كعهدها
لئن رجعت أَيام لَيلى كعهدها / شكوت إليها بعض ما فعل الهجرُ
وإن فاتَني عصر الشباب الَّذي خلا / فَما فاتَني يوماً لأفراحه الذكر
غَدير أَقام البدر في اللَيل طالِعاً / يطل عليه ثم ينعكس البدر
لَقَد كانَ من لَمياء لي الحسن وحده / وَمنّي للمياء الصبابة وَالشعرُ
قَد أَتاني طيفُ لَيلى لَيلَةً
قَد أَتاني طيفُ لَيلى لَيلَةً / بعد صدٍّ وَالدُجى معتكرُ
فَتَعاتَبنا عَلى طول النوى / وَكِلانا حالف معتذر
وَبَكينا ساعةً كامِلةً / بعيون دمعها ينهمر
وَتعانقنا وَفي أحشائنا / لوعة نيرانها تستعر
قبلتني مثلما قبلتها / وَهناك النجم عين تنظر
وَتحادثنا إلى أن طلع ال / صُبح وانجاب الدجى ينحسر
فَمَضى الطيف وَوَلّى هارِباً / وَهوَ لا يَلوي وَلا ينتظر
قَلبي أَحب وَلَم تبن
قَلبي أَحب وَلَم تبن / فيه عَلى حبي أَماره
فكأَنَّ قَلبي لَيسَ في / هِ للصَبابة من حَراره
خَفي الهَوى فيهِ كَما / تَخفى الشَرارة في الحِجاره
إِنَّ الهَوى مَعنى تقص / صر عَن إبانته العباره
لَهفي عَلى الغُصنِ الَّذي / أَخذت تزايله النضاره
تَمضي حَلاوتها الحَيا / ةُ وإنما تَبقى المَراره
تَبَسَّمت ليَ لَيلى فَوقَ شرفتها
تَبَسَّمت ليَ لَيلى فَوقَ شرفتها / كَما تَبَسَّمَ في أَفنانِه الزَهَرُ
لَقَد كلفت بها سَمراء فاتنة / في جيدها تلع في عينها حَوَرُ
قَدٌّ كَما شاءَت الأهواء معتدلٌ / ما شانه زارياً طولٌ وَلا قِصَرُ
إذا مَشَت تَتَثنّى عند مشيتها / كَما تَمايل غُصنٌ ناعم غضر
لَيلى لأَنتِ منَى نفسي وَحاجتها / وأنتَ وحدك يا لَيلى لها الوطر
يا سرحة الماء أَنتَ اليوم وافرةٌ
يا سرحة الماء أَنتَ اليوم وافرةٌ / وانت ناعِمة خضراء ناضرةٌ
لا تأمني الدهر فالايام غادِرةٌ /
يا سرحة الماء ان جاء الخَريف غَداً / فإنما هذه الأَوراق تنتثرُ
ليلاي بانَت وَما للبين من سببِ / فساء من بعد ذاكَ البين منقلبي
قد كانَ لي أَن أَجِد السير في الطَلَب /
اذا اِجتَمَعتُ وَلَيلى عند رجعتها / فَقَد تعاتبني لَيلى وأَعتَذِرُ
قابَلتُ لَيلى فَلَم تمدد إِليَّ يدا / يا وَيلَتا إِنَّ أَتعابي ذهبن سُدى
لا كنتُ من شاعرٍ لَمّا أَهين شدا /
أَزور لَيلى إليها الوجد يدفعني / وإن حظيَ من لَيلى هُوَ النظرُ
لَقَد طلبت أن لا أَبوح بحبها
لَقَد طلبت أن لا أَبوح بحبها / وَلكنني قد بحت حتّى فشا أَمري
فَواللَه ما أَدري إذا ما لقيتها / وَقَد سأَلتني ما يَكون لَها عذري
ناديت لَيلى داعياً
ناديت لَيلى داعياً / وَاللَيل منسدل الستارِ
قَد جنَّ حَتّى خلت أَن / نَ الكَون مطليٌّ بقارِ
فأَتى يسارع طيف لَي / لى ساحباً فضل الازار
يا طيف لَيلى زرتَني / لَيلاً عَلى شحط المزار
يا طيف إني لَم أَكُن / في لَيلَتي لك ذا اِنتظار
ذممت سماء ما لها أنجمٌ زهرُ
ذممت سماء ما لها أنجمٌ زهرُ / وأرضاً خلاء ما بها أوجهٌ غرُّ
وَما زلت أعتاد الطواف ببقعة / بها قد تمشى الحسن يخفره الطهر
وقفت حيال الجسر أَقتَحِم الهَوى / وانظر من يدنيه للساحل الجسر
عَلى الجانِب الغَربي من حوض دجلة / بنات خَفاها ثم أبرزها الخدر
فشمت ابتسامات هناك وأدمعاً / يهزان أعصابي كأَنَّهما الشعر
وجوه عليهنَّ الكآبة والأَسى / وأخرى عليهنَّ البشاشة وَالبشر
وَمُضطَرِب يَشكو الحَريق كأَنَّما / بأَثوابه مِمّا يَلي جلدَه جمر
بدا طالِعَا جيدٍ ونحرٍ لزينب / فَما عيب منها ذلك الجيد وَالنحر
تَرى البدر يَبدو مشرقاً فوق دجلة / يطل عليها ثم ينعكس البدر
ذكرتك يا لَيلى بغناء غضة / فَهاجَ غَرامي كله ذلك الذكر
سواء عَلى من باتَ يَرجو حِمامَه / وَقَد حُمَّ يا لَيلى وِصالُك وَالهجر
علمت وَقَد ذقت الهَوى منك وَالنَوى / بأَنَّ الهَوى حلوٌ وأن النوى مر
تَعالي نصب من لذة العمر حظنا / فَقَد يَتَوَلّى ثم لا يَرجع العمر
يا راصِد الخنس الجواري
يا راصِد الخنس الجواري / ما جدَّ في تلكم الدراري
هَل أَخذ الجذب في قواها / يقاوم الدفع باقتدار
يأمرها الجذب أن تَدانى / والدفع يأبى غير النفار
لا تثقن بالضياء منها / فإنما نورها ابنُ نارِ
إِن لم يبن للحَياة فيها / وجه فَيا وحشة الديار
أَذهب صَبري اطراد دَهري / وَربما أَوجب اِنتحاري
أَورَثَني السأم من حَياتي / تعاقب اللَيل وَالنَهار
قد جعل الأرض لي قراراً / وبئست الأرض من قرار
إنما الشمس مركز لنظامٍ
إنما الشمس مركز لنظامٍ / سابح في بحر بعيد القرارِ
وَهيَ في عالم المَجَرَّة فاِعلَم / قدر صاغر من الأقدار
نحن في أَرضنا نَعيش جَميعاً / فوقَ جرم محقَّر سيار
طافَ يَسعى عَلى ذكاء كَما طا / فت بليل فراشة حول نار
خلت الدهور وَمَرَّت الأعصارُ
خلت الدهور وَمَرَّت الأعصارُ / وَاللَيل لَيل وَالنَهار نهارُ
للأَرض أَدوار وَلست بعارف / حَتّى مَتى تَتعاقب الأدوار
ما إِن يحط من الحَقيقة قدرها / أَنَّ الحَقيقة مالها أَنصار
ما كانَ يفلح في شؤون حَياته / عقل عَلى خطأ له إصرار
أَنا لا أَرى أَنَّ الحقيقة مثلما / شعرت به الأسماع والأبصار
إن الطَبيعة لَم تَزَل مجهولة / وَلَقَد أَحاطَ بنا لَها أَسرار
العقل سار تارة وَمؤوّب / وَالشك لَيل وَاليَقين نهار
وَالزعم قد يَصفو فيظهر صائِباً / وَعَلى الحَقيقة قَد يَكون غبار
لا تكثرنَّ من الخضم توغلاً / فأَخاف أَن يجتاحك التيار
كسب الَّذي قد كانَ يؤثر غيره / حَمداً فكانَ لِنفسه الإيثار
إن النفوس إذا اقتنت لعقيدة / مثل الجسوم يُرى لها استمرار
إِنَّا بعصر قد أَبان رقيُّه / وَالناس قَد غاصوا البحار وَطاروا
تِلكَ النجوم عَلى شسوع مكانها / عَنا تمثلها لنا الأنوار
وَالجسم مهما دامَ في اِستقراره / فيه جواهر مالها استقرار
قد عاتَبوني من جهالتهم عَلى / ما قد أَتَيت كأَنَّني مختار
ما جئت أَستَبِق الحَياة مُسارِعاً / لَو كانَ لي قبل المَجيء خيار
إِن عاشَ إنسان تعش أَوطاره / أَو ماتَ يَوماً ماتَت الأوطار
مللت في وحدة الدّيارِ
مللت في وحدة الدّيارِ / تعاقب اللَّيل وَالنَّهارِ
إلى مضيق الوجود جاءَت / من عدم واسع عواري
ماذا أَرجيه من بَقائي / وَقَد بَدا الشيب في عذاري
تجرُّني إن أَضاءَ شيبي / خيوطه البيض للبوار
توارَت الشَمس عنك لَيلاً / فاِغتنم النور في الدراري
سأَبلغ القصد عَن قَريب / إِن دامَ ركضي بلا عثار
خذ الحق إن الحق يحسن أَخذه
خذ الحق إن الحق يحسن أَخذه / فَلَيسَ به عيب سوى أنه مر
ومن حاد عَن نهج الطَبيعة لَم يعش / وَمن لَم يدار الدهر ناصبه الدهر
إذا باتَ مَكشوفاً إِلى كل باسط / يداً كان مضياعاً لبيضته الخدر
وَما المَرء إلا روحه فهو وحده / لباب وأما الجسم فهو له قشر
لَقَد وسعت أَرض تقل جسومنا / وأَوسع منها في جماجمنا الفكر
وَقَد سترت لَيلى الحَقيقة وَجهها / وَللعين حظ منه لَو رفع الستر
وَكَم حاول الإنسان كشفاً لسرها / بما حازَ من علم فَما انكشف السر
حبذا المَوت فهو بين بنيه
حبذا المَوت فهو بين بنيه / يقسم العدل وَالحَياة تجورُ
إن أَتتني سعادتي بعد مَوتي / فَشقاء الحَياة لَيسَ يضير
لا تعوّل عَلى الحَياة كَثيراً / إنها لَو فكرت فيها غرور
من يصن عرضه وَما في يديه / من طماع العدى فذاكَ القَدير
ما لأَجل الإنسان يشتغل الكَو / ن وَتأَتي بعد الدهور الدهور
كل شيء فانه يَتلاشى / بِتَوالي الأزمان إِلّا الأثير
وَلَقَد صبرت عَلى الأمور تعسرت
وَلَقَد صبرت عَلى الأمور تعسرت / فإذا العَسير هناك غير عَسيرِ
وإذا ذممت جوار قوم فاِرتحل / عنهم إِلى بلد حمدت شطير
لَم يتبع النبغاء في أفعالهم / للعَبقَرية سنة الجمهور
تحوي السَماء نجوماً ذات أَنظمة
تحوي السَماء نجوماً ذات أَنظمة / من الشموس كثاراً لَيسَ تنحصر
تخالها ثابِتات وَهيَ مسرعة / كأنها الخيل في بيداء تحتضر
وَكل شمس لها جرم بنسبته / يَجري الأثير إِلَيها فَهي تَستَعر
وَهْوَ الَّذي يوسع الأجسام قاطبة / دفعاً عَلَيها بِه الأجسامُ تَنهَمِر
فَيحسب الناس أَن الشمس جاذبة / لَها كَما هُوَ بَينَ الناسِ مُشتَهِر
وَهَكَذا الأرض حول الشمس دائرة / كَما يَدورُ حَوالي أَرضنا القَمر
وللأثير يد في الكون قاهرة / تَدَحرَجَت بِعصاها هذِه الأكر
الجرم يأخذ منه بعض حاجته / وَلِلَّذي زادَ عن حاجاتِه يَذَر
وَعند ذلك يَجري في جواهره / كَالماءَ قَد صادَفتَه جارِياً حُفر
رداً لما اختل فيه من موازنة / إن التَوازُن في القوات مُعتَبر
وَالجوهر الفرد في الأجسام لَيسَ سوى / كهيربات بِها يَقوى وَيَقتَدِر
وَالبعض منه كَما في الراد يوم يَرى / يَنحل من نَفسه فيها وَيَنتَثر
والأرض لَم تختزن ناراً بباطنها / إلا لأن القوى عَنهُن تندحِر
وَما تزال بقاع الأرض نامية / بِما عَلَيها من الأجسامِ يَنحَدِر
حَتّى تَكون مَع الأزمان واحدة / من الشموس فَمِنها النور يَنتَشِر
وَهَكَذا شمسنا صارَت لحالتها / شَمساً تصاعد مِنها النار وَالشرر
هَذا الَّذي أَنا مبديه لكم نظري / وإنَّما كل إِنسان لهُ نَظر
أَحقاً تَرى أَنَّ الهدى غير ما ندري
أَحقاً تَرى أَنَّ الهدى غير ما ندري / وأَنا جَميعاً في ضلال من الأمرِ
كأَنَّك قلبت الهدى من وجوهه / فَظَهراً إلى بطن وَبطناً إلى ظهرِ
فأَيقنت أن لَيسَ الهدى غير ضلة / وألفيت أن الخير ضربٌ من الشرِّ
لساني عَلى الصمت الطَويل مواظب / وَفي الصدر آراء يضيق بها صَدري
وَقَد كنت لا أَدري حَقيقة ما أَرى / زَماناً وَلا أَدري بأني لا أَدري
يَقولون أَبواب السَماء جميعها / ستفتح للإِنسان في لَيلة القدرِ
فَقلت لهم ماذا سينفع فتحها / إذا لَم يَكن فيها الولوج بذي يسرِ
لَقَد تعبوا دون الوصول إلى المنى / كَذَلك من يمشون في مسلك وعرِ
أقول لشيخ يَجمَع المال دائباً / أَتأَخذ ما جمعت منه إِلى القبرِ
من الجهل لا تذكو ببغداد خلة / وَهَل ينبت الريحان في البلد القفرِ
أَبَت نفس حر أَن تذل لضائِمٍ / وأَحرِ بها أَن لا تذل له أَحرِ
سيخفق في الأمر الَّذين تعجّلوا / وَيأَكل أَهل الصبر من ثمر الصبرِ
إني امرؤ لا أَجهرُ
إني امرؤ لا أَجهرُ / إلا بما أَنا أَشعرُ
لا أَطمئن لغير ما / أَنا سامع أَو مبصر
أَنكرت ما حمد الوَرى / وَحمدت ما قَد أَنكروا
اِرتاب في نبأ به / يفضي إليَّ المخبر
بل لا أصدق منه شي / ئاً قبلما أَتبصر
أما الخرافة فهي ما / عنه أَفر وأَنفر
لا أَقتَفي أثر الغَوا / ني غير أني انظر
عاشرنني فرأين كَي / فَ يعف مني المئزر
لا أَكبر الأشياءَ لَي / ست في العَواقِب تثمر
العقل من إكباره / تلك السَخائف أَكبر
قد آلموني بالقَذي / فة وَالشتوم وأكثروا
وَتعصّبوا حَتّى رمو / ني بالمروق وَكفروا
إن نابني شرٌّ فإن / ني منه لا أَتَذمر
أَو جاءَني خير فَلا / أَغترّ منه وأَبطر
أرد النَمير وبعد ما / أَروي غَليلي أَصدر
وَلَقَد قنعت من الطَعا / م ببلغة تتيسر
لا كالَّذين عَلى طعا / م واحِدٍ لَم يصبروا
أَو كالَّذين إذا تغي / يرت الظروف تغيروا
أَو كالَّذين إذا تَجَم / هرت الرعاع تجمهروا
أَو كالَّذين تذللوا / أَو كالَّذين تكبروا
أَو كالمنافق جاء يظ / هرُ غير ما هو يضمر
وَالشعر لست أَقوله / إلا كَما أَنا أَشعر
ما إن أقلد من مضت / قَبلي عليه الأعصر
والشعر قائله بتق / ليد الطَبيعة أَجدَر
إن الطَبيعة مورد / للشاربين ومصدر
يجد المواضيع الكَبي / رة عندها المتفكر
وَالشعر لَيسَ سوى الَّذي / هُوَ للشعور مصور
وَالشعر بالمعنى المطا / بق للحَقيقة يكبر
وَلَقَد يثير عواطفاً / من سامعيه وَيسحر
وَالشعر مرآة بها / صور الطَبيعة تظهر
لَيسَ القَريض بطوله / بل قد يَفوق الأقصر
وَلَقَد يطيل قصيدَه / فَيجيد أَشعث أَغبَر
واذا البَراعة ووزنت / يتقدم المتأخر
أحسن بشعر عَن شعو / ر النفس جاءَ يعبر
يَرعاه شعب يستقل / لُ وأمة تتحرر
ما للأديب بقطره / في الشرق قدر يذكر
أَمّا الشَقاء فحظه / منه الأتم الأوفر
وَلَقَد يصادف عزه / من بعد ما هُوَ يقبر
من بعد ما في قبره / أَوصاله تَتَبَعثَر
ماذا من التَكريم ير / جو ميت لا يشعر
جاءَ عجزاً يزري وَجاء اِقتدارا
جاءَ عجزاً يزري وَجاء اِقتدارا / وَتردى شناعة وَفخارا
عامل الناس بالعَدالة وَالظل / مِ فَكانوا يَلقون نوراً وَنارا
جرّ عزاً إلى العراق وَذلاً / وَحياة لأَهله وبوارا
وأصار النهار لَيلاً بهيماً / وأصار اللَيل البَهيم نهارا
أفقر القوم بالعِراق وأغنى / وسَّعَ الطرقَ ضيَّقَ الأفكارا
اختفى عَن قوم وَخالط قوماً / فأرى الناس خفة ووقارا
أَخضع الناس نفذ الحكم فيهم / وَطد الأمن أرخص الأسعارا
غرب الأبرياء بث الجواسي / سَ عَلى الناس أسعف الفجارا
مقت العلم ساخراً من ذويه / بذَّر المال جرَّأ الأشرارا
قال للناس إنما الأمر شورى / بيننا ثم إنه ما اِستَشارا
أَيُّها المستبد في الأمر إيهاً / لا تُحارِب بظلمك الأحرارا
إِنَّهم قد أَبوا ومن ضيم يأبى / حكم عَبد الحَميد إذ هو جارا
كَيفَ يرضون أَن يَعيشوا مَع الدس / تور فيهم كَما تشاء أسارى
إن شمس الدستور للقوم لاحَت / فأَضاءَت بنورها الأبصارا
إن للناس في العراق إِلى الشم / سِ كما في غير العراق اِفتقارا
أَيُّها المستبد فينا رويداً / فَلَقَد جزت وَيحك الأطوارا
احذر الشعب إنه بركان / مطمئن وَقَد يجيء انفجارا
رام هتكاً لما تصون فتاة / كسبت في أَمر العفاف اِشتهارا
رام شيناً لبنت بغداد يزري / فَعَلى الشعب شعبها أَن يغارا
بنت قوم لم يدنس العرض منهم / بِقَبيح هم من سراة النَصارى
اسمها سارة وَتلك فتاة / رزقت صيتاً طبّق الأقطارا
جمعت إحساناً وَحسناً وَعِلماً / وَحَياءً وَعفَّة وَيسارا
وحنوّاً عَلى اليَتامى وَعَقلاً / أَكبرته جاراتها إكبارا
تحسب المبصرين أَعينُها النج / لُ سكارى وَما هُمُ بسكارى
شاءَ تزويجها بخادمه فاِن / تهرته فَلازم الإصرارا
كانَ من قصده التَمتع سراً / واِقتراح التَزويج كان جهارا
فأَشارَت الى السماء وَقالَت / لا تشأ لي يا رب هَذا الشنارا
رب إني ضَعيفة فأجرني / من قويٍّ يسوم عرضي اِحتقارا
صن عفافي من أَن يمس بأَيد / ألفت أَن تصافح الأوزارا
أَنا عَذراء لَم تمس عفافي / يَد باغ فصن عفاف العَذارى
ما لِقَلبي كأَنَّه بركان / هاجَ بعد الخمود منه وَثارا
احفروا لي يا أَهل بغداد قبراً / إن جِسمي خير له أَن يوارى
وأَرادَت لما أَلح عليها / ذلك الوالي المستبد اِنتحارا
غير أن الأهلين قد حسَّنوا أَن / تبرح الأهل خفية وَالديارا
سجن الخادِمات وانتهر الجي / ران عنها وهدَّد الانصارا
أَنكرت ما أَتى المروءة والدس / تور والعدل وَالحجى إنكارا
أَوجست خيفة تغير منها / وَجهها فاِكتَسى البياض اصفرارا
ذبلت للهموم منها خدود / أَشبهت قبل ذلك الجلنارا
حملت أعيناً تفيض بكاءً / وَفؤاداً مروعاً مستطارا
ثم كانَت حوادِثٌ خر منها / دَمعها فوق خدها مدرارا
أَسبلتها كَذا دموعاً غزاراً / ثم لم تمسح الدموع الغزارا
يا لَها من دموع حزن تضاهي / عقد در وَهَى فلاقى اِنتثارا
هجرت للنجاة موطنها المح / بوب وَالمال كله وَالعقارا
هجرت كل ذاك تَبغي نجاة / من يديه وَبالعَفاف فرارا
رافقتها اثنتان من راهبات ال / دير حفظاً لشخصها أَن يضارا
فنجت بالفرار من مخلب الصق / رِ كعصفور بعد أَن ريع طارا
أَيُّها المصلح الكَبير أَهَذا / ما يسميه بعضهم إِعمارا
خابَ فال الدستور إن كانَ أَهلو / هُ ضعافاً لا يحفظون الذمارا
أَتراه قَد أَخطأ الظن فيهم / إِذ رآهم جحاجحاً أَخيارا
يا نيازي تَعال وانظر الى الدس / تور في بَغداد الى أَين صارا
يا أَباة الضيم ادرأوا الظلم عنا / كَيفَ لا تغسلون هَذا العارا
البدار البدار يا أَهل بغداد / إلى السودد البدار البدارا
ما زرعتم في عقل ناشئة العص / رِ نفاقاً إلا حصدتم خسارا
أَلبسوه ثوب الولاية لكن / كانَ ما أَلبسوه ثوباً معارا
فنهوه عَن الحكومة لما / عاثَ فيها واستأثر استئثارا
قَد مَشاها خطى تعثر فيها / لا أَقال الرحمن منه العثارا
لَم يكن مجلس الإدارة إِلّا / آلة في يديه تُمضي القرارا
إن في مجلس الإدارة عضواً / حيثما دارَت الزجاجة دارا
يا مهين العراق هَل كنت تَدري / أن أَهلَ العِراق لَيسوا غيارى
أَنتَ في بغداد قضيت اللبانا / ت برغم الدستور والأوطارا
سر جَليلاً إلى سلانيك عنا / إن فيها كواعبا أَبكارا
إن فيها لَهواً وكأَساً دهاقاً / وَبناناً تحرك الأوتارا
إن فيها عيشاً رَغيداً وَرقصاً / يعجب الراقصين وَالنظّارا
غير أَنَّ الأهلين فيها أَباة / لا يطيقون ذلة وَصغارا
لَقَد كانَ في بَغداد للشؤم يأَمرُ
لَقَد كانَ في بَغداد للشؤم يأَمرُ / عَلى فرقة من فيلق الترك جعفرُ
وَكانَ له زوج وكان ركونُه / إليها كَثيراً فهي تنهى وَتأمر
تسمى زليخاً وَهيَ شمطاءُ فظةٌ / من الناس طراً بالقَساوة تذكر
وكانَ له منها فتاة جَميلةٌ / قَد اِشتَهَرَت واسم الجَميلةِ دلبر
وَجارية في بيته شركسيةٌ / تسمى سُليمى وَهيَ عَذراءُ معصر
مهفهفة رود كأن قوامها / قضيب من الليمون غضٌّ منوَّر
لها نظر كالسيف ماض غرارُهُ / وَوجه كمثل الزهر أَو هو أَزهر
تكاد بفرع طال منه غدائرٌ / ثلاثٌ إذا ما أَسبلتهنَّ تعثر
تَفوق عَلى بنت الأمير بحسنها / وأخلاقها فيما يقال وَيخبر
وَقَد جاءَ أن البنت دلبر نابها / عياء من الجدريّ بالمَوت ينذر
فأنشب فيها الداء أَظفار فتكه / وأعجز من قد كان في الطب يمهر
فَماتَت به في ميعة من شبابها / وَسيقت إلى حيث الأكابر تقبر
إلى حيث لا يرجى مآب لراحل / إليه وَهَل من مورد الموت مصدر
وإن الَّذي قاسَت زليخا من الأسى / عَلى دلبرٍ فوق الَّذي يُتصور
بكتها سليمى بالدموع غَزيرة / وَباتَ عليها قلبُها يتفطر
وَلكن بكاها المستمر لحزنها / عَلى دلبرٍ ما كانَ يُجدي وَيثمر
فإن زليخا كلما بصرت بها / أحست بنار في الجوانح تسعر
فتسخط إذ لا شيء يوجب سخطها / وَتشتمها في وجهها وَتحقِّر
وَترفسها من غير ذنب برجلها / وَتوجع ضرباً بالعصا وَهيَ تصبر
لَقَد أَشفق الخدامُ في القصر كلهم / عليها ولكن من عَلى المنع يجسر
أَبت أن تراها كل يوم جميلة / وَدلبر تبلى في التراب وَتدثر
تَموت بريعان الشَبيبة بنتُها / وَتَحيا سليمى في محاسن تكثر
تَقول أَلا لَيتَ المَنايا تجنبت / فَتاتيَ واحتلت بمن تتخير
وَلَيتَ المَنايا ما تخرَّمْنَ دلبراً / وَغلْنَ سليمى فهي بالموت أَجدَر
وَهَل ذنب هَذا الدهر إذ غال دلبراً / وأَبقى سليمى في الحَياة يُكفَّر
حَياة سليمى بعد ميتة دلبرٍ / من الدهر ذنبٌ فادح لَيسَ يغفر
فدى دلبراً بل ساعةً من حَياتها / كمثل سليمى أَلفُ بنتٍ وأكثر
وَظَنيَ أَنَّ الموت قد كانَ قاصِداً / سليمى فَقالَت إنني أنا دلبر
وَتلك سليمى وَهي تومي لدلبرٍ / فخذها ورح يا موت إنك تقهر
سليمى خدعت الموت حتى دللته / عَلى دلبرٍ إن الَّذي جئت منكر
سأجزيك شراً بِالَّذي قد عملته / من الشر إني يا سليمي لأقدر
أشوه وَجهاً طالَما بجماله / فتنت عيوناً نحو وجهك تنظر
فيصبح منك الوجه قد زالَ حسنه / جَميعاً وَمنه الناس أجمع تسخر
وَصاحَت بخدامٍ لديها فجندلوا / سليمى كشاةٍ بالقساوة تجزر
فقصت زليخا فرعها من أصوله / وَكانَ يَزور الأرض ساعة ينشر
وَنتفت الأهداب منها وحلَّقت / حواجبَ زجاً راق منهن منظر
سمعت عويلاً في دجى اللَيل راعني / وَعلَّ به روعَ الملائكِ أَكبر
فَساءلتُ ما هَذا العويل فقيل لي / فؤادٌ بإيقاع الأذى يتكسَّر
وَقَد كانَت الدار الَّتي نزلوا بها / عَلى دجلة حيث المياه تحدَّر
سليمى اِرتقَت في سطحها بعد هجعة / من الناس في الأطراف وَاللَيل مقمر
تفكِّر في اللَيل الَّذي ازدان جوه / بما فيه من نجمٍ يغيب وَيظهر
وإشراق وجه الماء بالبدر لامعاً / عليه من الأنوار ثوبٌ محبَّر
كأَنَّ الصبا ما أَولع النفس بالصبا / عَلى الماء آلافاً من الماس تنثر
رأَت كل شيء في الطَبيعة غيرها / جميلاً به تجلى العيون وَتبهر
وَلكنها دون الخَليقة كلها / من الوجه يُمحَى حسنُها وَيُغيَّر
أَأَهرب من وجه الرَزايا إِلى الفلا / إلى الغاب إن الغاب لا شك أستر
وَلكنني لا أَهتَدي لسَبيله / فهَل من دَليل لي لدى اللَه يؤجر
وَهب أن لي ذاكَ الدَليل وأنني / هربت فهَل يألو عَن البحث جعفر
إذا ظفرت بي عنده يد سيدي / فإن زليخا من عذابيَ تكثر
وأحسن منه اللوذ بالموت إنه / عَلى غيره عند الضَرورة يؤثر
فإن المَنايا لا يرجعنني إلى / زليخا وإن كانَت بذلك تأمر
أموت أَجل إني أَموت فَفي الردى / نَجاتي الَّتي ما زلت فيها أفكِّر
ألا أَيُّها البدر المنور إنني / سأبلى وَبَعدي هَكَذا أَنتَ تسفر
لأنت سَعيدٌ أيُّها البدر فالتمِعْ / كَما شئتَ لا زالَت بك الأَرض تزهر
فَما لزليخا أَيُّها البدر سلطة / عليك وَلا إن رقت يا بدر توتر
وَداعا فإني أَيُّها البدر لا ترع / إلى الموت من هَذا المَكان سأطفر
وَبعدئذٍ جازى الإلهُ بعدله / بيوتاً بإيقاع الجرائر تعمر
رمت نفسها في دجلة فاِختفت بها / كأن لم تكن شيئاً على الأرض يذكر
تفكرت في أَمر الحَياة فَما الَّذي / تعلمت منه أيها المتفكِّر
تَرى زهرة قد أعجب العين لونها / وفاح لها في الروض عَرفٌ معطر
تهب عليها الريح من بعد ساعة / فتسقط من أَوراقها وَتُبعثر
وَتبصر عصفوراً تزين ريشه / يغرد في عالي الغصون وَيصفر
فَيَلقاه صقر ذو مخالب أَجدَلٌ / فيخطفه من قبل ما هو يشعر
وَمِمّا يسلِّي النفس منيَ علمُها / بأن بقاء الشيء لا يتيسر
فيردى الَّذي قد كانَ للغير مردياً / وَيقهر من قد كانَ لِلناس يقهر
وَلَم تكن الأشياء تفنى وإنما / إلى صورة من صورة تتغير