المجموع : 5
لا تَسَلني عَن صاحِبي وَنَصيري
لا تَسَلني عَن صاحِبي وَنَصيري / لَم أَجد لي في الدَهر غَيرَ ضَميري
صاحِبٌ أَمرُه لَدَيَّ مُطاعٌ / يا لَهُ مِن مُصاحِبٍ وَأَميرِ
هُوَ صَوتُ السَماءِ في عالَمِ الأَر / ضِ وَرُوحٌ مِن اللَطيفِ الخَبيرِ
وَشُعاعٌ تَذوبُ تَحتَ سَناهُ / خُدَعُ العَيشِ مِن رِياء وَزُورِ
هُوَ سرٌّ يَحارُ في كُنهِهِ اللُب / بُ وَتَعيا بِهِ قُوى التَفكيرِ
مَبلَغُ العِلم أَنَّهُ رُوحُ خَيرٍ / باطِنُ الشَخصِ ظاهِرُ التَأثيرِ
كُلُّ حَيٍّ عَلَيهِ مِنهُ رَقيبٌ / حَلَّ مِن قَلبِهِ مَكانَ الشُعورِ
حَلَّ حَيثُ الأَهواءُ تَنزُو إِلى الإِث / مِ وَتَهفو إِلى مَهاوي الشُرورِ
جامِحاتٍ أَعيَت عَلى الدين كَبحاً / رَغم إِنذارِها بِسوءِ المَصيرِ
ثُم صاحَ الضَميرُ فيها نَذِيراً / فَأَصاخَت إِلى صِياح النَذيرِ
هُوَ رُوحٌ مِن المَلائِكِ يَسمو / بسليلِ الثَرى لِعالم نورِ
قد تَوَلَّت بالأنبياءِ عصورٌ / وَهوَ باقٍ عَلى تَوالي العُصورِ
حافِظاً في الزَمانِ ما خَلَّفوه / قائِماً في الصَدورِ بِالتَذكيرِ
حامِلاً مِن شَرائِعِ الخَيرِ كُتباً / قُدِّسَت مِن صَحائِفٍ وَسُطورِ
لَيسَ يَعفُو عَن الهناتِ وَإِن ها / نَت مُلحٌّ في اللَومِ وَالتَعذيرِ
هُوَ إِن شئتَ كانَ جنةَ خُلدٍ / وَإِذا شِئتَ كانَ نارَ السَعيرِ
عاجلُ الشَرِّ وَهوَ يَأمُرُ بِالخَي / رِ قَديرٌ لَم يَعفُ عَفوَ القَديرِ
فَتَحصَّن ما شئتَ مِنهُ فَلا يُن / جِيكَ حصنٌ مِن شَرِّهِ المُستَطيرِ
هُوَ مِثلُ القَضاءِ يَغشاكَ لا تُع / ييهِ لَو كُنتَ في خَوافي النُسورِ
وَتضرَّع بِما تَشاءُ فَلَن تُج / دى نَفعاً ضَراعةُ المُستَجيرِ
لا تُحاول خِداعَه بِالمَعاذِي / رِ فَلَيسَ المُسيءُ بِالمَعذورِ
لا تُجادِل في حُكمِهِ فَهوَ حتمٌ / لا يُرَدُّ الَّذي قَضى مِن أُمورِ
لا يُداري وَلا يُداجي صَديقاً / ناقِدٌ لِلأُمورِ نَقد بَصيرِ
مُرهَفُ الحِسِّ لَيسَ يُعييهِ غَيب / يَسمَعُ الهَمسَ في حَنايا الصُدورِ
يَبذل النُصحَ لا يَمُنُّ بِما يُس / دِي وَلا يَبتَغي ثَناءَ شَكُورِ
لَم يَدَعني إِلى هَوى النَفسِ في الأَم / رِ وَلَم يَستَعِن بِرَأيِ مُشيرِ
لَيسَ لي دُونَهُ مِن الرَأي إلا / ما يَراهُ الهَوى بِعَينِ الغُرورِ
كَم حَمَلتُ الآلامَ فيهِ وَسَخطَ الن / ناسِ حَتّى فَقَدتُ وُدَّ عَشيري
لَيسَ يَزكو غرسُ المَودةِ في النا / سِ بِغَيرِ النِفاقِ وَالتَغرير
لَم يَدَع لي صدقُ المَقالِ صَديقاً / فَلأَعش قانِعاً بودِّ ضَميري
تَذكَّرَ لَو يُجدِي عَليهِ التذَكرُ
تَذكَّرَ لَو يُجدِي عَليهِ التذَكرُ / وَرامَ اِصطِباراً حينَ عَزَّ التَصَبُّرُ
وَحاوَلَ إِخفاءَ الهَوى فَأَذاعَهُ / مَدامعُ لا يُغنيهِ مَعها تَستُّرُ
أَيَطوي هَوىً يُبديهِ لِلناس مَدمَعٌ / وَجفنٌ إِذا نامَ الخَليُّون يَسهَرُ
يَقولُ صحابي ما رَأَينا كَشَوقِهِ / أَلا إِنَّ ما أُخفي مِن الشَوقِ أَكثَرُ
أُحاذِرُ دَمعي أَن ينمَّ بِحرقَتي / فَيا دَمعُ حَتّى مِنكَ أَصبَحتُ أَحذَرُ
وَهَبني مَنَعتُ العَين أَن تَرِدَ البُكا / فَمَن يمنَعُ الزَفراتِ حينَ تَسَعَّرُ
فَمن مُبلِغٌ أَحبابَنا أَنَّ حُبَّهُم / مُقيمٌ وَإِن جَدَّت نَواهم وَأَبكَروا
مَنازِلُهم في القَلبِ آهِلَةٌ بِهم / وَمَنزِلُهُم بَينَ الطوَيلع مُقفِرُ
أَحِنُّ إِلى عَهدٍ تَولّى وَمَعشَرٍ / نَعِمتُ بِهم وَالعَيشُ رَيّانُ أَخضرُ
لَيالٍ جَمالُ العَيشِ قَصَّرَ طُولها / فَوَلَّت وَأَبقَت حَسرَةً لَيسَ تَقصُرُ
يُذكِّرني دَمعي جُمانَ كُؤوسِها / أُعلُّ بِها وَالشيء بِالشَيء يُذكَرُ
وَيُذكرني نَفحُ الرِياضِ عَبيرَها / فَأَمكثُ يَطويني الغَرامُ وَيَنشُرُ
وَكَم لَيلَة قَصَّرت طُولَ ظَلامِها / يَعِفُّ بِها سِرٌّ وَيَنعمُ مَنظَرُ
إِلى أَن بَدا نَجمُ الصَباحِ كَأَنَّهُ / تَبَسّمُ زنجِيٍّ عَن السن يَكشِرُ
أَلا فَسَقى ذاكَ الزَمانَ مُرِنَّةٌ / وَإِن كانَ يُسقى عَبرةً تَتَحدَّرُ
تَغَيَّر ذاكَ الدَهرُ وَاِنقَشَع الصِبا / وَمَن ذا الَّذي ياعَزُّ لا يَتَغيرُ
وَبُدِّلتُ مِنهُ عَصرَ بُؤسٍ وَرِفقَةٍ / كَدُنياهُمو وَالفَرع مِن حَيثُ يَظهَرُ
إِذا ما رَأَتهُم مُقلَتي نجِست بِهم / فَتُغسلُ من ماءِ الدُموعِ فَتَطهرُ
وَذَلِكَ رَأيٌ كَالمُهنَّدِ صارِماً / قَذَفتُ بِهِ وَالحَقُّ لا شَكَّ يَظفَرُ
أَمِيزُ بِهِ تِبرَ الكَلامِ وَتُربَه / كَما لاحَ مَعروفٌ مِن الصُبح أَشقَرُ
أَلا أَبلغا شَوقي عَلى نَأيِ دارِهِ / مَقالا كَنَفحِ المِسكِ رَيّاه تُنشَرُ
بِأَنَّ مَعانيهِ تَطُول وَتَعتَلي / وَيا رُبَّ لَفظٍ في البَلاغَةِ يَقصُرُ
كَرُوحٍ بِلا جِسم وَحَسناءَ أُلبِسَت / مَعَ الحُسنِ ثَوباً لَيسَ بِالحُسنِ يَجدُرُ
وَجلّ مَعانيهِ خَيالٌ كَأَنَّما / يَفِيضُ عَلَيهِ بِالتَخيُّلِ عَبقَر
وَفيما أَراهُ أَنَّهُ خَيرُ شاعِرٍ / وَإِن خَفَّ أَلفاظاً فَذَلِكَ يُغفَرُ
وَلِلكاشف المَعنى الَّذي خَطَراتُهُ / صِعابٌ عَلى من رامَها تَتَعذَّرُ
يميِّزُهُ عَمَّن سِواهُ اِعتِمادُهُ / عَلى نَفسِهِ كَالبَحر بِالماءِ يزخَرُ
يَفيضُ عَلى قِرطاسِهِ وَحيُ فِكرِهِ / سِوى أَنهُ يَكبُو قَليلاً وَيعثرُ
فَتِلكَ مَعانيهِ وَأَمّا بَيانُهُ / فَلا عَيب فيهِ غَير يُبسٍ يُنَفِّرُ
زَها بِبَيانِ القَولِ شعر مُحرَّمٍ / لَهُ مِن عُقُودِ اللَفظِ دُرٌّ وَجَوهَرُ
وَمَعناهُ لا عال وَلا هُوَ ساقِطٌ / وَبكرُ مَعانيهِ قَليلٌ مُبَعثَرُ
وَأَمّا نَسيمٌ فَهوَ في الهَجوِ أَخطَلٌ / تَرى قارِعاتِ الدَهرِ فيما يُسطِّرُ
وَإِن لَهُ لَفظاً يَروقُكَ نسجُهُ / وَإِن مساوِيهِ تُعَدُّ وَتُحصرُ
وَصَبري أَميرُ الشعرِ في صُغرياتِهِ / لَهُ نَفثاتٌ تَستَبيكَ وَتَسحَرُ
لَهُ قِطَعٌ تُلهي الفَتى عَن شَبابه / وَتُخجِل زَهرَ الرَوضِ وَالرَوضُ مُزهِرُ
أَعادَ لَنا عَهدَ الوَليد بِشِعرِهِ / فَمَعناهُ بَينَ الشَرق وَالغَرب يُؤثَرُ
وَحافظُ في مصرٍ بَقيَّةُ أُمَّةٍ / بِها كانَ رَوضُ الشعرِ يَذكُو وَينضرُ
مَتينُ القَوافي يُدرك الفهمُ لَفظَها / وَلَو لَم تَكُن في آخِرِ البَيتِ تُذكَرُ
وَيُحكِمُ نَسجَ القَولِ حَتّى كَأَنَّما / قَصائِدُهُ في ذَلِكَ النَسج تُفطَرُ
يُصوِّرُ مَعناهُ فَتَحسَبُ أَنَّهُ / لِتلكَ المَعاني شاعِرٌ وَمُصوِّرُ
سِوى أَنَّهُ يَحشُو وَيَستُر حشوَه / بِلَفظٍ كَصَفو الخَمرِ رَيّاه تُسكرُ
وَميَّزَ حفني بسطةٌ في بَيانِهِ / فَلَستَ تَرى مَعنىً لَهُ يَتَعَسَّرُ
تَراهُ وَلُوعاً بِالبَديع وَإِنَّما / يُحسِّنُه من بَعد ما كادَ يُنكَرُ
قَليلُ اِبتِكارٍ لِلمَعاني وَإِنَّما / كَساها بَهاء رقة ثم تندُرُ
وَإِنَّ لَهُ ظَرفاً وَحسنَ فُكاهَةٍ / يَكادُ لَها ذاوي الأقاحِ يُنوِّرُ
وَيا حَسَناً أَبدَعتَ لَولا تكلُّفٌ / بِلَفظِكَ يُخفِي ما تُريد وَيَستُرُ
وَلَكِنَّهُ يَسبيكَ مِنهُ نسيبُهُ / لعفَّتِهِ وَالشعرُ ما عَفَّ يَكبرُ
وَإِنّ لَهُ شعراً يَكادُ لرقَّةٍ / يَذُوب وَمَعناهُ أَغَرُّ مُشَهَّرُ
وَإِنَّ شَفيقاً يَستَبيكَ مُجونُه / وَقَد كادَ مِن بَعد النّواسيِّ يُهجَرُ
وَأَلفاظُهُ لَيسَت تُواتي مُجونَه / وَلَو رَقّ أَلفاظاً فَذَلِكَ أَجدَرُ
وَإِنّ لَهُ شِعراً يَفيضُ جَلالُه / عَلى حالتيهِ إِذ يَجِدُّ وَيهذرُ
وَإِنّ لَهُ شَكوى مِن الدَهر مُرّةً / تَكادُ لَها أَكبادُنا تَتَفطَّرُ
أَلا أَبلغا مُطران أَنّ بَيانَه / خَفيٌّ وَمَعناهُ عَن اللَفظِ أَكبَرُ
وَيُوجِزُ في الأَلفاظِ حَتّى تَظنَّه / عَلى غَيرِ عيٍّ بِالمَقالة يحصَرُ
وَيُشبهه عَبدُ الحَليم تَكلُّفاً / إِلى أَن تَرى فيهِ النُهى تَتَحيَّرُ
وَيا رُبَّ مَعنىً لاحَ في لَيلِ لَفظِهِ / يُضيءُ كَنجم في الدجنَّة يُزهِر
وَمُطَّلب في شعرِهِ ذُو بَداوَةٍ / وَلَكنهُ في بَعضِهِ يَتَحَضَّرُ
وَيُغرِب في أَلفاظِهِ وَلَعَلَّهُ / يُريد بِها إِحياءَ ما كادَ يُقبَرُ
فَلَو كانَ لِلأَشعارِ في مصر كَعبةٌ / لَكانَ عَلى أَستارِها مِنهُ أَسطُرُ
وَيُشبهه في لَفظِهِ الفَخم كاظِمٌ / سِوى أَنهُ مِن رقَّةِ المُدنِ يصفرُ
تَراهُ بِصَحراءِ العُذَيبِ وَبارِق / مُقيماً فَلا يَمضي وَلا يَتَأَخَّرُ
فَأَشعارُهُ ثَوبٌ مِن القَزِّ نَسجُه / وَلَيسَ لِهَذا الثَوبِ مَن يَتدَثَّر
وَلا تَنسيا عُثمان إِنَّ قريضَه / يُعيدُ لَنا عَهد البداء وَيُذكِرُ
يُؤَرِّقهُ بَرقُ الغَضا وَيَشُوقه / نَسيمٌ عَلى أَزهار تُوضح يَخطِرُ
فَذاكَ امرؤٌ أَهدته أَيامُ وائِلٍ / لأَيامِنا فَالعَصر لِلعَصرِ يَشكُرُ
وَإِنَّ عَليّاً يَستبيك نَسيبُهُ / وَيُروى بِهِ نبتُ العُقولِ فَيُزهِرُ
جَرى في مَعانيهِ مَع العَصرِ جِدَّةً / وَأَطلع صُبحاً في البَلاغَةِ يُسفِرُ
أَلا أَبلغا العَقّادَ تَعقيدَ لَفظِهِ / وَمَعناهُ مثلُ النَبتِ ذاوٍ وَمُثمِرُ
يُحاوِلُ شعرَ الغَربِ لَكن يَفوتُه / وَيَبغي قَريضَ العُرب لَكن يُقصِّرُ
وَلا تَشكرا شُكرى عَلى حُسنِ شعرِهِ / فَذَلِكَ شعرٌ بِالبَلاغَةِ يَكفُرُ
فَلَستُ أَرى في شعِرِهِ ما يَروقُني / وَلَكن عَناوينُ القَصيدِ تغرِّرُ
وَيفضُل شعرُ المازِنيِّ بِلَفظِهِ / فَذَلِكَ مِن إِلفيهِ أَجلى وَأَشهَرُ
وَرُبَّ خَيالٍ مِنهُ عَقَّد لَفظَه / فَمَعناهُ في أَلفاظِهِ يَتَعَثَّرُ
تَضيعُ مَعاني الرافعيِّ بِلَفظِهِ / فَلا نُبصر المَعنى وَهَيهاتَ نُبصِرُ
مَعانيهِ كَالحَسناءِ تَأبى تَبذُّلاً / لِذاكَ تَراها بِالحِجابِ تُخَدَّرُ
وَإِنَّ أَخي كَالرافِعيِّ وَإِنَّما / مَعانيهِ مِنها ما يَجلُّ وَيَكبُرُ
فَمَعناهُ مثلُ البَدرِ خَلفَ سَحابَةٍ / سِوى لَمعَةٍ كَالبَرقِ تَبدو فَتبهرُ
وَإِنَّ لهرّاوِي سُهولَة شِعرِهِ / فَتَحسبُه لَولا قَوافيه يَنثرُ
مَعانيه لا تَرضى الحِجاب عَن النُهى / يَرنحها فيهِ الجَمال فَتَظهَرُ
وَلا عَيب فيهِ غَير أَن خَيالَه / يَقلّ إِذا أَهلُ التخيلِ أَكثَروا
وَلا تَنسيا بِاللَهِ أَن تَذكُرا لَه / بِأَني صَديقٌ لا كَما قالَ عَنبَرُ
وَشِعرُ نيازِي كَالبَهاءِ عُذُوبَةً / وَيَغلُبُ ذِكرُ الشَوقِ فيهِ وَيَكثُرُ
وَيا ربَّ لَفظ خَفَّ في جَزل شِعرِهِ / وَيا ربَّ مَعنىً مِن مَعانيهِ يَفتُرُ
وَأَكبرَ مَهدِيّاً تَخيَّر لَفظهِ / فَلَستَ تَرى لَفظاً يَخفُّ وَيَحقرُ
وَإِنَّ لَهُ شِعراً كَبُردٍ مُفَوَّفٍ / وَبَعض مَعانيهِ قَديمٌ مُكَرَّرُ
وَشِعرُ نَظيمٍ مِثلُ شَدوٍ مُرتَّلٍ / تَكادُ بِهِ الأَطيارُ تَشدو وَتَصفرُ
وَلَو كانَ لِلتَوشيح في مصرَ إِمرةٌ / عَلى أَهلِ هَذا العَصرِ فَهوَ المؤمَّرُ
وَشعرُ عِمادٍ في قَوافيهِ خِفَةٌ / عَلى أَنَّ بَعضَ اللَفظِ لا يُتَخَيَّرُ
وَجُلُّ مَعانيهِ تَخيُّلُ شاعِرٍ / وَلَكنَّهُ فيها مُجيدٌ مُفَكِّرُ
معَ الزَمانِ دائِرَه
معَ الزَمانِ دائِرَه / وَبِالحِسابِ سائِرَه
من عَمَد العُمران وَالد / دُنيا إِلَيها ناظِرَه
قَد قُنِّعت ناحيةٌ / مِنها وَأُخرى حاسِرَه
نَقّارة لا تُخطئ الوَز / نَ تَقولُ شاعِرَه
تَحوي الزَمانَ كُلَّه / أَوَّلَهُ وَآخرَه
تُريكَ ما تُعنى بِهِ / مِن الزَمانِ حاضِرَه
آتيهِ في الغَيبِ وَما / مَضى طلولٌ دائِرَه
تَبدَأُ حَيثُ تَنتَهي / دائِبَةً مُثابِرَه
تَظَلُّ طُولَ عُمرِها / قادِمَةً مُسافِرَه
حائِرَةً وَهَديُها / في أَن تَظَلَّ حائِرَه
صَديقُها الرفقُ بِها / كَذاتِ دَلٍّ نافِرَه
دَعها تَسِر آمِنةً / مِن عَنَتٍ أَو بادِرَه
إِن لَم تُصَن مِن عَبَثٍ / مَشَت خُطاها عاثِرَه
قاضٍ إِلى قَضائِهِ / كُلُّ العُيونِ ناظِرَه
إِن صَدَقَت فَصِدقُها / تُوحيهِ غَيرَ آمِرَه
أَو كَذَبَت فَكِذبُها / بِلا يَمين فاجِرَه
لِسانُها عَقارِبٌ / تَزحفُ غَيرَ غادِرَه
حَسبُكَ مِن وَفائِها / نَومُك وَهيَ ساهِرَه
تَحُفُّها مَعالِمٌ / حَولَ الطَريقِ دائِرَه
قَد قَدَّرت ما بَينَها / تِلكَ العُقولُ القادِرَه
وَغَيرَها كَم أَبدَعَت / مِن مُعجِزاتٍ باهِرَه
وَاللَهِ لَولا عِلمُنا / بِها لَقُلنا ساحِرَه
يا حُسنَها في المِعصم ال / عاجيِّ وَهيَ سافِرَه
مُعجِزَةُ الحُسنِ بِها / لكُلِّ عَينٍ ظاهِرَه
أَسيرَةً في طَوقِها / وَكَم تَروحُ آسِرَه
وَكَم يُصابُ سَيرُها / بِعِلَّةٍ مُساوِرَه
وَالصدقُ من طَبيبها / بُعدَ السَماءِ العاشِرَه
كَم يَدَّعي كَسراً وَلَو / يَصدُق كانَ كاسِرَه
أُجرتهُ عَلى السَقي / مِ والصَحيحِ وافِرَه
ترى لَهُ عِيادَةً / في كُلِّ حينٍ عامِرَه
لا يخرُجُ الساعَةَ إِل / لا كَي تَعودَ زائِرَه
مَوكِبٌ لِلرَبيعِ في أَزهارِهِ
مَوكِبٌ لِلرَبيعِ في أَزهارِهِ / أَم بَديعُ البِشرِيِّ في مُختارِه
وَعُقارُ الكُؤوسِ مالَت بِلُبّي / أَم يَراعٌ سَبى النُهى بِعُقارِه
إِيهِ يا بالِغاً مِن النَثرِ ما عَز / زَ عَلى البُحتريِّ في أَشعارِه
إِيه يا كاتِباً يُحَدِّثُه الوَحي / بِما في الوُجودِ مِن أَسرارِه
ما رَأَينا التِيجانَ تُنثَرُ في الطِر / سِ فَيُزهى بدُرِّه وَنُضارِه
يَدخُل القَلبَ نافِذاً في ثَنايا / هُ نُفوذَ الشُعاعِ في أَستارِه
لَم تَرُم مَقصِداً يَعزُّ عَلى الأَق / لامِ إِلا جَلَّيتَ في مضمارِه
فَتقبَّل يا كاتِبَ العَصرِ حَمداً / مِن مَعري القَريض أَو بشّارِه
سكِرتُ وَلَيسَ بِدعاً كان سُكري
سكِرتُ وَلَيسَ بِدعاً كان سُكري / بِشِعر البُحتُرِي وَبِنَثر صَبري
وَأَيُّهما تَراهُ أَرَقَّ فَنّاً / وَأَعمَقَ في النُفوسِ جَمالَ سِحرِ
وَمَن في لَفظِهِ أَحلى بَياناً / لعمرُكَ فيها قَد حارَ أَمري
إِذا ما فازَ بِالتَفضيلِ صَبري / رَأَيتُ البُحتريَّ يُميلُ فِكري
وَإِن قُلتُ الوَليدُ أَرَقُّ نَسجاً / أَرى صَبري يَقولُ وَأَينَ نَثري
فَتِلكَ شَوامِخي عَزَّت وَطالَت / عَلى الفُصَحاءِ مِن بَدوٍ وَحَضر
فَيَعنُو البُحتريُّ لَهُ مُقِرّاً / يَقولُ صَدَفتَ نَثرُكَ زانَ شِعري