القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : يوسُف النَّبْهاني الكل
المجموع : 8
آه لَولا الجَناحُ مِنّي كَسيرُ
آه لَولا الجَناحُ مِنّي كَسيرُ / كُنتُ في الحالِ لِلحِجازِ أَطيرُ
وَيَقيني بِأَحمَدٍ جَبر كَسري / كُلُّ كَسرٍ بِأَحمَدٍ مَجبورُ
سَيِّدُ الخَلقِ صَفوَةُ الحَقِّ شَمسُ ال / أُفقِ أُفق الهُدى البَشيرُ النَذيرُ
مَن يَكُن زاعِماً بِدِين وَدُنيا / غُنيَةً عَنهُ إِنَّني لَفَقيرُ
سَيِّدي يا أَبا البَتُولِ أَغِثني / أَنتَ أَدرى بِما حَواهُ الضَميرُ
أَأُرَجّي مَعاشِراً فيهمُ الأَر / واحُ منّي لَها الجُسومُ قُبورُ
وَأَعَزُّ الأَنامِ أَنتَ لَدى اللَ / هِ تَعالى وَهوَ السَميعُ البَصيرُ
إِنَّ رَبّي لِما يَشاءُ لَطيفٌ / وَعَلى ما يَشاءُ رَبّي قَديرُ
بِكَ أَدعوهُ أَن يُيَسِّرَ عُسري / فَعَلَيهِ تَيسيرُ عُسري يَسيرُ
أَنتَ نِعمَ العَبدُ الكَريمُ عَلَيهِ / وَهوَ نِعمَ المَولى وَنِعمَ النَصيرُ
آهِ لَولا الجناحُ منّي كسيرُ
آهِ لَولا الجناحُ منّي كسيرُ / كنتُ في الحالِ للحجازِ أطيرُ
وَيَقيني بأحمدٍ جبر كسري / كلّ كسرٍ بأحمدٍ مجبورُ
سيّد الخلقِ صفوةُ الحقّ شمس ال / أُفقِ أفقِ الهدى البشير النذيرُ
مَن يَكُن زاعِماً بدينٍ ودنيا / غُنيةً عنه إنّني لفقيرُ
سيّدي يا أبا البتولِ أَغثني / أنتَ أَدرى بما حواه الضميرُ
أَأُرجّي مَعاشراً فيهمُ الأر / واحُ موتى لها الجسوم قبورُ
وَأَعزُّ الأنامِ أنتَ لدى اللَ / هِ تَعالى وهو السميع البصيرُ
إنَّ ربّي لما يشاءُ لطيفٌ / وَعلى ما يشاءُ ربّي قديرُ
بكَ أَدعوهُ أَن ييسّر عُسري / فَعليهِ تيسيرُ عسري يسيرُ
أنتَ نعمَ العبدُ الكريم عليه / وَهوَ نعمَ المولى ونعم النصيرُ
يا حبيبَ الإلهِ يا سيّد الرس
يا حبيبَ الإلهِ يا سيّد الرس / لِ وَيا أفضل الخلائق طرّا
أنتَ روحُ الوجودِ سفلاً وعلوا / وَمدارُ السعودِ دُنيا وأخرى
أنتَ أَصلٌ لكلِّ خيرٍ منَ اللَ / هِ يصل العالمين سرّاً وجهرا
أودعَ اللَّه فيك كلّ كمالٍ / منهُ قسّمت في العوالم نزرا
كلُّ فضلِ الورى لفضلك جزءٌ / أنتَ أيضاً بذلكَ الجزءِ أحرى
فَعليكَ الصلاةُ نورٌ من اللَ / هِ تَراها على ضريحكَ تَترى
وعلى الآلِ والصحابةِ جَمعاً / وَعَلينا أيضاً كما قلت عَشرا
تَبدّى سَنا الأنوارِ من دون أستارِ
تَبدّى سَنا الأنوارِ من دون أستارِ / فأسفرَ عَن شمسِ الهدى أيّ إسفارِ
كتابٌ حَوى أوصافَ أفضل مرسلٍ / محمّدٍ المختار من كلّ مختارِ
فليسَ سِوى القرآن سفرٌ يفوقهُ / كما لم يفُق طه سوى الخالق الباري
مَواهبُ مَولاه له قد تجمّعَت / بهِ فهوَ سفرٌ جاء جامع أسفارُ
على أنّه لَم يحوِ معشار فضلهِ / وَلا عشرَ عشر العشر من عشرِ معشارِ
عليكَ بهِ فاِقرأه ما اِسطعتَ تلقَ ما / يسرُّكَ في الدارين يا أيّها القاري
وَباللَّه سَل لي مِن إلهيَ رَحمةً / تُبدِّلُ بالحُسنى مساويَ أوزاري
خُذ كِتاباً جمعَ الفضلَ وإن
خُذ كِتاباً جمعَ الفضلَ وإن / كانَ كالنجمِ بعينيكَ صَغيرا
مِن مَزايا المُصطفى شمسِ الهدى / أُفقهُ أطلعَ للناسِ بدورا
وَإِذا حقّقتها تلقاهُ في / واحدٍ منها على الخلق أميرا
قُل بهِ ما شئتَ من مدحٍ ولا / تخفِ اللومَ ولا تخشَ النكيرا
فَجميعُ المدحِ من كلّ الورى / لَو أتى في حقّهِ كان قُصورا
بَرئتُ مِن عقيدةِ الأشرارِ
بَرئتُ مِن عقيدةِ الأشرارِ / مَن مَنعوا زيارةُ المختارِ
وَأنَّهُ وَسيلةٌ للباري / في كلِّ خَيرٍ سالفٍ وطاري
بِجَلبِ نفعٍ أو بدفع ضرّ /
هَيّا بنا لنقطعَ الصَحاري / بِسككِ الحديدِ والبخارِ
تَطوي بنا صحائفَ القفارِ / تمرُّ مثلَ البرق بالأبصارِ
غُدوّها رَواحُها كشهرِ /
سُفنٌ بِنا تمخرُ في البراري / مِن دونِها سفائنُ البحارِ
نَركبُ مِنها عجلَ القطارِ / نَأتي إِلى طيبةَ فوق نارِ
نَمرُّ للجنَّةِ فوقَ الجسرِ /
نَكونُ جيرانا لخيرِ جارِ / إِحسانهُ في كلّ قطرٍ جاري
نَزورُ خيرَ الرسل الأخيارِ / في خيرِ مسجدٍ وخير دارِ
وَقبرهُ واللَّه خير قبرِ /
أَكرِم بهِ مِن سيّد مُزارِ / يَعطفُ بِالحُسنى على الزوّارِ
يَأتونهُ مِن شاسعِ الأقطارِ / يُعيدُهم بالفوزِ بالأوطارِ
في الدينِ وَالدُنيا ويوم الحشرِ /
خيرُ البرايا نُخبة الأخيارِ / بِكلِّ فَضلٍ كان واِعتبارِ
لِقدرهِ رَجاحةُ المقدارِ / سادَ الوَرى في سائر الأعصارِ
وَعَصرهُ سيّدُ كلِّ عصرِ /
شمسُ الهُدى ومنبعُ الأنوارِ / وَمصدرُ الخيرات للأخيارِ
منهُ اِستمدّت نورها الدراري / كَما اِستمدّت سائر البحارِ
مُمِدُّ بدرٍ وممدُّ بحرِ /
نعمَ الجَواري مِن بَني النجّارِ / فُزنَ بحبِّ المُصطفى المختارِ
بِالدفِّ قَد غنّين للحضّارِ / يا حبّذا محمّدٌ من جارِ
حازَ بهِ الأنصارُ كلّ الفخرِ /
مَهما تَكُن مَدائحُ المختارِ / تطربُ كلّ سامعٍ وقاري
لَسنا نَفيهِ المدحَ بالأشعارِ / مِن بعدِ ما أَثنى عليه الباري
وَذُكرَت أَمداحهُ في الذكرِ /
قُرآنهُ المُحيي لكلِّ قاري / أَحيا البَرايا منه والبراري
عَلى العِدا كالصارمِ البتّارِ / وَكلُّ حرف منهُ ذو الفقارِ
حازَ بهِ الإسلامُ كلّ النصرِ /
طهَ لَنا وَسيلةٌ للباري / نَبغي بهِ النصرَ على الكفّارِ
عَدوّه مِن كلِّ خيرٍ عاري / وَسرّهُ في كلِّ قطرٍ ساري
في كلِّ بَحرٍ وبكلِّ برِّ /
صِرنا منَ المحنةِ في غمارِ / مِن كثرةِ المصائب الطواري
في زَمَنٍ دُبّر بالإدبارِ / الليثُ فيهِ اِنقاد للحمارِ
وَالخيرُ مَغلوباً غدا للشرِّ /
رَمَت لَظى الألحادِ بالشرارِ / وَالدينُ إِن يسلَم من الكفّارِ
تُؤذيهِ منّا عصبةُ الأغمارِ / فَاِحرسهُ يا ربِّ من الأشرارِ
مِن أهلِ بدعة وأهل كفرِ /
وَاِحفظهُ بالأنجادِ والأغوارِ / كَما حفظتَ الكنز بالجدارِ
فَإنّه أُحيط بالأخطارِ / يَخشى الرَدى مِن قلّة الأنصارِ
أَبدِل إِلهي عسره باليسرِ /
وَاِرحَم إِلهي أمّة المختارِ / أولِ عِداها غاية الصغارِ
وَاِلطُف بِها يا ربِّ في الأقدارِ / وَوقّها مِن كلّ سوءٍ طاري
واِغفر لَها يا ربِّ كلّ وزرِ /
أَسبِل علَيها أجملَ الأستارِ / يا عالماً بغامض الأسرارِ
وَأَغنِها بِفضلك المدرارِ / وَاِرم أَعاديها بكلّ عارِ
أَلحِق بِهم يا ربّ كلّ خسرِ /
يا ربَّنا بِخيرةِ الأخيارِ / محمّدٍ حبيبكَ المختارِ
حسّن بهِ أَحوالنا يا باري / وَاِرم أَعادي الدين بالبوارِ
في كلِّ نَجدٍ وبكل غورِ /
وصلِّ يا ربِّ بلا اِنحصارِ / عليهِ مع آلٍ له أطهارِ
وَصحبهِ وسائرِ الأخيارِ / وَكلِّ مسلمٍ بكلّ دارِ
وَاِختم لَنا يا ربّنا بالخيرِ /
بربّك ذَكّرهم عَسى تنفعُ الذِكرى
بربّك ذَكّرهم عَسى تنفعُ الذِكرى / فَكَم نِعم أَجدى وكَم مِنَن أَجرى
وَأَعظَمُها دينُ النبيّ محمّدٍ / هوَ النِعمةُ العُظمى هو المنّةُ الكُبرى
فَأَشهدُ أنّ اللَّه لا ربّ غيره / تَوحّدَ في الدُنيا توحّدَ في الأخرى
وَقد كانَ مِن قبل الحوادث واحداً / بِلا حاجةٍ للخلقِ أوجدَهم طرّا
تَقدَّس عن كلِّ الجهاتِ وإنّه / معَ الخلقِ لكنَّ الحقيقة لا تُدرى
فَلا جِهةٌ تحويهِ لا جهةٌ له / تَنزّهَ ربّي عَنهما وَعلا قدرا
فَليسَ مِنَ الخلفِ الأمامُ بقربهِ / أحقُّ ولا اليُمنى أحقّ من اليسرى
وَلا الفوقُ مِن تحتٍ وإن كان وارداً / لهُ الفوقُ لكن ليس يحصره حصرا
بهِ قامَ كلُّ الخلقِ لو كان لحظةً / تَخلّى عنِ الأكوانِ لاِنعدمت فورا
له البصرُ السمعُ الإرادة قدرةٌ / حياةٌ كلامُ العلمِ عن ضدّها يعرى
وَليسَ لهُ سُبحانهُ اِبنٌ ولا أبٌ / وَليسَ له بدءٌ ولا عدمٌ يطرا
وَلا مثلهُ خلقٌ ولا هوَ مثلهم / كَمالاتُهم منهُ وعَن نَقصِهم يَبرا
وَلو شاءَ أَرداهُم ولَم يخشَ ثَأرهم / وهَل أَحدٌ يَخشى منَ العدمِ الثَأرا
وَسوفَ إِلى بدءِ الفَناء يُعيدهم / وَيَبقى كَما قَد كانَ في ملكهِ وِترا
وَيَبعثهُم حتّى يُثيبَ بعدلهِ / عَلى الخيرِ خَيراً أو على شرّهم شرّا
أَعدَّ لَهُم دارَينِ لِلسخطِ وَالرِضا / وَأَعطى لكلّ مِنهُما منهمُ قدرا
لِمَن آمَنوا دارُ الكرامةِ جنّةٌ / بِها رِزقهُم مِن فيض إحسانه درّا
وَرُؤيَتهم للَّه خيرُ نَعيمهم / وُجوههمُ مِن حُسنِها نضرت نضرا
وَدارُ هوانِ الكافرين جهنّمٌ / بِها سعرَ النيران مِن أجلهم سعرا
وَشرٌّ عذابٍ عذَّبوهُ حجابهم / عنِ اللَّه مَقصورين عَن لُطفهِ قصرا
لأحبابهِ الجنّاتُ مَجلى جمالهِ / وَفي النارِ للأعداءِ قَد أظهرَ القهرا
وَلَو شاءَ عكسَ الأمرِ لَم يعُد عدله / وَلكن بِفضلٍ منهُ لا يعكسُ الأمرا
وَيفعلُ ما يختارُ في الخلقِ مُطلقاً / وَلا حرَجٌ يأتي عليهِ ولا حجرا
وَيغفِرُ دونَ الشركِ ما شاء منّةً / وَلا يجدُ الكفّارُ مِن فضلهِ غفرا
بَراهُم لهُ كَي يَعبدوهُ ويَعرفوا / فَباؤوا بِسخطٍ منهُ إذ عَبدوا الغيرا
وَكَم نِعَمٍ أسدى لهم غيرَ أَنّهم / لِخِذلانهم قَد أَبدلوا شُكرها كفرا
وَكلُّ كَمالٍ في الوجودِ كمالهُ / أَفاضَ على الدارينِ مِن بحرهِ قَطرا
وَمِن نورهِ كلُّ العوالمِ أَشرقت / وَلَو شاءَ لَم تُشرق ولا فجَرَ الفجرا
وَما الشمسُ والزهرُ الدراري وبدرُها / سِوى لمَحاتٍ نورهُ ذرّها ذرّا
وَكلُّ البَرايا نفحةٌ من هباتهِ / فَسُبحانهُ ربّاً وسبحانهُ برّا
وَلا فاعلٌ للخيرِ والشرّ غيره / وَمِن أدَبٍ لَسنا له ننسبُ الشرّا
وَمنهُ القُوى فينا وقد يستردّها / وَكلُّ اِمرئٍ منّا بحالته أدرى
وَمِن أينَ تَأتينا الخواطرُ هل لها / سَحابٌ على الأفكارِ تمطرُها مطرا
وَأكثرُها يَبقى عَقيماً وبعضها / يُرى مُنتجاً ينمو كما تبذرُ البذرا
وَمِن أَين تأتي المرءَ رُؤيا منامه / وَلا عقلَ يُبديها هناك ولا فكرا
وَنَعلمُ أنّ الروحَ في الجسم غيره / وَما الجسمُ إلّا بيتهُ فيه قد قرّا
فَمِن أينَ يَأتيه وعند فراقهِ / إِلى أيّ مأوىً فارقَ الجسم مضطرّا
فَذلكَ أمرٌ ظاهرٌ أنّ ربّنا / هوَ الفاعلُ المختارُ في الخلق ما أجرى
وَجازى الوَرى عَن كَسبهم باِختيارهم / وَلا قُدرةٌ مِنهم تؤثّر لا جبرا
بِتَيسيره كلٌّ أتى ما قضى له / وَليسَ بِمسؤولٍ ويَسألهُم طرّا
وَدونكَ فاِنظُر في الأمامِ وعكسه / وَعُلواً وسفلاً لليمين ولِليسرى
فَمَهما شغلتَ الفكرَ في كلّ وجهةٍ / إِلى أبدِ الآبادِ لا غايةٌ تُدرى
وَذلكَ مَخلوقٌ لهُ فهو دونهُ / تَعالى وجلَّ اللَّه عَن خلقهِ قدرا
إِذا كانَ هذا كلّه باِتّساعهِ / يَضيقُ وَلا يَقوى على ربِّه حَصرا
فَكيفَ اِنحَشى حاشاهُ في ضيّقِ الحشا / وَكيفَ ثَوى فِتراً منَ البطنِ أو شبرا
فَمَن يَعتقِد أنَّ النساءَ يلدنهُ / فَقولوا لهُ مِن أمّه يمصصِ البظرا
تَقدّس عَن أن يقدرَ الخلقُ قدره / وَأَن يَبلُغوا في حقّهِ النفعَ والضرّا
تَقدّس عَن أَن يعلمَ الخلقُ كنههُ / وَأَن يُدركوا من علمهِ غير ما أجرى
وَلا العرشُ يدريهِ ولا هو حلّهُ / وَلَكن براهُ مِثلما برأَ الذرّا
عَليهِ اِستوى كيفَ اِستَوى ليسَ عرشهُ / بِهذا دَرى فيهِ خليقتهُ حَيرى
وَهل قطُّ مَصنوعٌ بصانعهِ دَرى / لَقَد ضلّ عَبدٌ يدّعيه وما برّا
وَسَل إِن تَشأ عن ناسجٍ من نسيجهِ / وَعمّن بنى قَصراً فَسل ذلكَ القَصرا
إِذا كانَ كلٌّ حادثاً كصنيعهِ / وَلم يَدرهِ فاللَّه أعظمُ أَن يُدرى
وَلِلعقلِ حدٌّ لا يجاوزهُ كَما / لأبصارِنا حَدٌّ تُرى بعده حسرى
وَكَم فَوق طورِ العقلِ طوراً وفوقه / سواهُ وَزِد ما شئتَ طوراً علا طورا
وَما ثمَّ مَن يَدري حقيقةَ رَبّهِ / وَفي العجزِ مثلُ العقلِ أرفعُها قدرا
بِأسمائهِ الحُسنى وَأوصافهِ العلا / وَآثارهِ في خلقهِ عرّفَ الأمرا
وَقَد نصَب الأكوانَ في كلِّ ذرَّةٍ / بَراهين لا تُحصى قَراها منِ اِستَقرا
وَلَكنّه يَهدي لهُ من يريدهُ / وَإِن كانَ أَغبى الناسِ أَبلدهُم فِكرا
وَإِن شاءَ إِضلالاً لعبدٍ أضلّهُ / وَإِن كانَ ذا علمٍ غدا علمهُ سِترا
أَلَم ترَ كفّارَ الفرنجِ وكيفَ هم / معَ العلمِ بِالأكوان شرّ الورى كفرا
وَمَهما زَوى الأفكارَ عَن كنهِ ذاتهِ / فَأَنوارهُ بالعلمِ قَد سفَرت سفرا
فَلا عذرَ للكفّارِ في جهلِهم به / وَهذي البَرايا كلُّها صُحفٌ تقرا
قَدِ اِختارَ مِن كلِّ الخَلائقِ رسلهُ / لِتَعريفِهم ما كفَّ عَن علمهِ الفِكرا
وَمِنهم قدِ اِختارَ الحبيبَ مُحمّداً / نَبيَّ الهُدى روحَ الوجودِ أبا الزهرا
نَبيُّ جميعِ الأنبياءِ مَليكُهم / وَفي قَومِهم عن حكمهِ نَفّذوا الأمرا
وَلَو جاءَ في أعصارِهم آمنوا به / وَكانوا لهُ مِن خيرِ أجناده نصرا
مآثرهُ في كُتبهم يأثرونها / وَلَو وجدوا في عصرهِ تَبِعوا الإثرا
إِمامُ جميعِ الرسلِ جامعُ فضلهم / خَطيبهمُ في الخَطبِ إن حُشِروا حشرا
وَيَجمعهُم في الحشرِ تحت لوائهِ / وَكلٌّ يقولُ اِشفَع فأنتَ بِها أَحرى
لِكُلِّ نَبيٍّ إمرةٌ فوقَ قومهِ / وَهُم وَذووهم تحتَ إمرتهِ الكُبرى
مَلائكةُ الرَحمنِ مِن خير جندهِ / كَأصحابهِ حازوا بِصُحبتهِ الفَخرا
وَجبريلُ نعمَ العونُ وَالصاحب الّذي / زِياراتهُ بالوحيِ للمُصطفى تترى
وَقَد كانَ من قوّاده يوم بدرهِ / ولَم يتَجاوَز حدّه ليلة الإسرا
وَكانَ لدى الحاجاتِ يدعوه يا أخي / يُلاطفهُ إِن راحَ يسأله أمرا
وَلو كانَ أعلى منهُ جبريل لم يكن / مُلاطفةً بل كانَ في حقِّه إزرا
وَساعدهُ ميكالُ في حمل طشتهِ / لَدى شقِّهم روحي فداهُ له الصدرا
وَقَد كانَ إِسرافيلُ في بدءِ بعثهِ / ثلاثَ سنينٍ في كلاءَته سرّا
فَقُل هوَ عبدُ اللَّه سيّد خلقهِ / وَدَع ما طَرا في حقّ عيسى من الإطرا
وَقُل هوَ بحرُ اللَّه بالفضلِ زاخرٌ / وَفي مدحهِ فاِستغرقِ النظمَ والنثرا
فَقَد أطرَب الأرواحَ مُنشدُ مدحهِ / وَمادحهُ مَهما أطالَ فَما أطرا
تَنقّلَ نوراً في جباهِ جدودهِ / فَنالوا بهِ عزّاً وصاروا بهِ غُرّا
عنِ البيتِ ردَّ اللَّهُ فيلَ عدوّه / وَأَرسلَ في تدميرِ أَصحابهِ طَيرا
وَمِن أُمّه نورٌ بدا عند وضعهِ / بهِ عينُها من مكّةٍ أبصرت بصرى
وَكَم شوهدَت من آيةٍ في رضاعهِ / فَأحيَت شياهَ الظئرِ في المحلِ والظئرا
وَأَشبهَ منهُ الشهرُ عاماً لغيرهِ / نُموّاً ومنه اليوم قد أشبهَ الشهرا
وَما زالَ يَرقى في الكمالِ هلالهُ / رُويداً وعندَ الأربعينَ غَدا بدرا
فَأَرسلهُ بالحقِّ لِلخلقِ رحمةً / لِمُؤمِنهم كُبرى وكافرِهم صغرى
جَزى اللَّه عنّا خيرَ ما كانَ جازياً / أَبا القاسمِ المختار خيرَ الورى طرّا
فَلولاهُ لَم تَبرَح عقائدُ ديننا / ملوّثةً شِركاً ملطّخةً كفرا
هَدانا بهِ وَالجاهليّةُ قد طَغت / وَقَد غمَر الأقطارَ طوفانُها غمرا
هَدانا بهِ وَالناسُ في ليلِ شِركهم / فَأَطلعَ دينَ اللَّه ما بينُهم فجرا
هَدانا بهِ والناسُ ما بين عابدٍ / لِشمسٍ ومَن دانوا الكواكبَ والدهرا
هَدانا بهِ وَالسودُ كالبيض كلّهم / وُحوشٌ نعم والصفرُ قد أشبهوا الحمرا
هَدانا بهِ والعربُ ما بين شاعرٍ / وَمَن عبدَ الأصنامَ أو عَبَد الشِعرى
هَدانا بهِ والفرسُ بالنور قد غووا / لهُ نسَبوا خيراً وللظلمةِ الشرّا
وَكَم عَبدوا كالهندِ ناراً تأجّجت / وَكَم عَبدوا عِجلاً وكَم عَبدوا ثورا
هَدانا وَأحبارُ اليهودِ تَلاعبوا / بِملّةِ موسى أبدَلوا شُكرَها كفرا
هَدانا بهِ وَالرومُ ما بينَ عابدٍ / لِعيسى بلا عذرٍ ومَن عَبَدَ العَذرا
هَدانا بهِ المَولى لجنّة خلدهِ / ولولاهُ كنّا مِثلهم للّظى جَمرا
بهِ اللَّه أَحيا الفضلَ والعدل والهدى / وَأَجرى من التوحيدِ بين الورى بحرا
وَأَعطاهُ مِن أسرارِ مكنون علمهِ / بِحارَ علومٍ فيهِ قَد زَخرت زخرا
وَكَم مُعجِزاتٍ منهُ شاهدَها الورى / بِكَثترتِها قَد جازتِ الحصرَ والحِزرا
قَدِ اِنتَشرت في الأرضِ عمّت جَمادها / وَإِنسانَها والجنَّ وَالوحشَ والطيرا
وَمِن مُعجزاتِ الأفقِ مَولاه خصّه / بِدَعوة حقٍّ سهمُها شقَّقَ البدرا
وَأَسرى بهِ للقُدسِ في بعض ليلةٍ / وَمِنها إلى السبعِ العُلا حبّذا المسرى
عَلا حيثُ لا عقلٌ هنالك واصلٌ / وَحيثُ العُلا قد صدّتِ الوهمَ والفكرا
وَحيثُ حَبا الرحمنُ سرّاً لعبدهِ / جَميعُ الوَرى لم يُمنَحوا ذلكَ السرّا
ولمّا غَدا في القربِ وَالحبِّ مُفرداً / رَأى ربَّه لا كيفَ لا كمَّ لا حصرا
وَأولاهُ مِن آلائهِ كلّ نعمةٍ / بِها خصّهُ تستغرقُ الحمدَ وَالشكرا
وَعادَ إِلى مثواهُ بعد عروجهِ / بِليلةِ مَسراهُ فَسُبحانَ مَن أَسرى
وَأَولاهُ بِالقرآنِ مِن فيضِ فضلهِ / بِحارَ عُلومٍ كلُّ لفظٍ حَوى بحرا
وَأَعجزَ كلَّ الخلقِ عَن مثل سورةٍ / فَلَم يَنسُجوا طرّاً بمنواله سطرا
وَلَو أمكنَ الكفّارَ مثلٌ أتَوا به / وَمَن يدّعي للشمسِ بينَ الورى أُخرى
وَسُنّتهُ جاءَت بكلِّ فَضيلةٍ / منَ الوحيِ لم يُعمل بأَحكامِها فكرا
بِبَحرينِ قَد وافى كتابٍ وسنّةٍ / جَرَت مِنهما حقّاً شريعته الغرّا
بِمَجمعِ بحرَيها أئمّتنا اِلتقَوا / وَما خَرجوا عَنها بل اِستَخرجوا الدرّا
وَفاضَت عَلى الدُنيا فأحيَت بلادَها / فَما ترَكت عَصراً ولا ترَكت مِصرا
لَقَد عَرّفتنا اللَّهَ وَالبعثَ والجزا / وَبِاليسرِ في الأحكامِ أبدلتِ العسرا
أَتَت بعلومِ الرسلِ مع أنبيائهم / فَما تَرَكت موسى الكليم ولا الخضرا
وَجاءَت بِتاريخِ الزمانِ وأهلهِ / وَما كانَ في الغَبرا وما كانَ في الخضرا
وَأَحكامُها قد ضمّنت كلّ حكمةٍ / وَما اِحتَكرت عن طالبٍ فضلها حكرا
وَأَجرَت عُلوماً كلُّ حبرٍ وراهبٍ / لو اجتمعوا لا يحسنون لها عبرا
وَلا عالِمٌ في الكونِ يمكنُ أنّه / يُحيطُ بِها مِن كلِّ أَطرافِها دورا
بِها قَد أَتى الأمّيُّ في جاهليّةٍ / أقلِّ الوَرى علماً وأكثرِهم فقرا
بِأقربِ وَقتٍ أصبحت خير أُمّةٍ / فَضائلَ واِستَولت على غيرها قَهرا
وَكَم عاقلٍ لمّا أصاخَ لقولهِ / وَشامَ المُحيّا بالسجودِ له خرّا
فَكافاهُ عن إِيمانهِ بأمانهِ / وَجازاهُ عَن فعلِ السجودِ له زجرا
وَكَم ذا منَ الأعرابِ وافاه جاهلٌ / كَوحشِ الفَلا قد أشبهَ الذئبَ والنِمرا
فَصارَ بهِ في العلم والحلم قدوةً / يُرتّلُ في المِحرابِ وَالمنبرِ الذِكرا
وَيا ربُّ عبدٍ كالبهيمةِ طبعه / قَضى عمرهُ في الشرِّ لا يعرف الخيرا
بإِكسيرِ خيرِ الخلقِ صحّت طباعه / فصارَت نُضاراً بعد أن طُبعت صفرا
وَصارَ بهِ مِن سادةِ القومِ سيّداً / فَفي جَحفلٍ قلباً وفي محفلٍ صدرا
فَقُل لي أغير اللَّه يفعل هكذا / وَهل أحدٌ يقضي على ربِّهِ جبرا
فَإِن لَم يَكُن خيرُ النبيّينَ صادقاً / إِذن فإِله العرش قد شرع الكفرا
أَتى داعِياً في الأرضِ للَّه وحده / وَقَد مُلِئت شِركاً وَقد طفحت شرّا
فَأيّده بالنصرِ مَع كثرةِ العدا / وَقَد سجروا نيرانَ بَغضائهم سجرا
وَعارضهُ في الحقِّ كفّارُ قومهِ / وَحثّوا إِلى تدميرِ دعوته السيرا
وَصاحوا بهِ وهوَ الهزبرُ فَما اِنثنى / وَهُم بقَرٌ مِن خوفهم جأَروا جأرا
وَقَد عَرفوهُ صادقاً غيرَ أنّهم / أصرّوا عَلى أديان آبائِهم كبرا
وَلَم يَبرحوا في ظُلمِهم وَظلامِهم / إِلى أَن رأوا منهُ بأفقِ الوغا بدرا
وَآمنَ مِنهم سادةٌ سبقوا الورى / بِصُحبتهِ أكرِم بهِم سادةً غرّا
أَجَلّ بَني الإسلامِ كانوا وإنّما / أَبو بكرٍ الصدّيقُ كان اِبنهُ البكرا
فَفي حلبةِ الإيمان جاء مُجلّياً / وَعُثمان صلّى خلفه مع ذَوي البُشرى
بِنوريهِ ذو النورينِ ضاءَت شؤونهُ / وَحازَ عَلى كلِّ الوَرى بِهِما الفَخرا
ولمّا دَعا الهادي لإعرازِ دينهِ / أَتى عُمَرٌ يَسعى لِحَضرته حضرا
وَسمّاهُ بِالفاروقِ إذ فرَق الهُدى / مِنَ الشركِ والشيطانُ من بأسهِ فرّا
وَأمّا عليٌّ فهو عند اِبنِ عمّهِ / تربّى صَغير السنِّ لم يَعرفِ الكفرا
فَلا عَجبٌ أَن كان باباً لعلمهِ / وَفي الحربِ ذِمراً لَم نَجِد مثله ذمرا
وَأَحرزَ خضلَ السبقِ منهم عتيقهم / وَلا عَجبٌ أن يَسبقَ القارحُ المهرا
وَقَد سَبَقت كلَّ الجيادِ خديجةٌ / وَأَلحِق بِها أولادهُ السادةَ الغرّا
وَمَهما علَت كلّ النساء بفضلها / فَقَد فضَلَتها في العلا بنتُها الزهرا
وَآلُ أبي بكرٍ خيارٌ وخيرهم / حَبيبةُ خيرِ الخلقِ عائشة الحمرا
كَفاها سلامُ الروحِ في الدين رفعةً / وَقولُ رسولِ اللَّه عنها خُذوا الشطرا
وَكَم فتيات سابقاتٍ وفتيةٍ / هداةٍ وكم عبدٍ أتى سابقاً حرّا
وَفاضَ عليهم بالأذى بحرُ فتنةٍ / فَآونةً مدّاً وآونةً جزرا
فَكَم عذّبوهم كَي يَعودوا لشِركهم / فَما رَجَعوا وَالبعضُ قَد قُتلوا صبرا
وَكَم ذا على الرَمضاءِ ألقَوا ضعافهم / عَلى الظهرِ ظُهراً واصلَ الفجر والعصرا
وَكَم أَلبَسوهم مِن حديدٍ مدارعاً / وألقَوهمُ في الشمسِ قد صُهروا صهرا
وَما كانَ مِن صخرٍ علاهم فإنّه / قلوبُ العدا لكنّها مُسِخت صخرا
وَمَهما اِستغاثوا لم يُغاثوا ودمعهم / حَكى الغيثَ مِن سقياه عشب الثرى أثرى
فَلا يمكنُ التعبيرُ عَن عبَراتهم / وَلا عينَ إلّا مِن عباراتهم عبرى
مَصائبُهم لو قطرةٌ من سحابها / تُمازجُ ماءَ البحرِ أفسدتِ البحرا
وَأثقالهُم لو ذرّةٌ من جبالها / عَلى الدهرِ قَد خرّت لأثقلتِ الدهرا
وَمَع هذهِ الأهوالِ طابَت نفوسهم / بِطيّبِ دين اللَّه فاِستَسهلوا الوعرا
حَلاوةُ حبّ اللَّه حلّت قلوبهم / فَحلّت لَهُم كَرباً وحلّت لهم صبرا
وَهاجرَ للأحباشِ منهم جماعةٌ / وَقَد هَجروا للَّه أوطانَهم هجرا
وَخافَت قُريشٌ من عواقبِ أمرهم / عَلَيها ففي أعقابهم عقّبت عَمرا
وَكانَ النجاشي مِن أئمّة دينهِ / وَكَم لرسولِ اللَّه شاهدَ مِن بشرى
فَفَازَ بإسلامٍ وأرواهُ جعفرٌ / وَأَجرى على عمرٍو بتوبيخه نهرا
قَدِ اِمتُحنوا حتّى تخلَّص صفوُهم / بِتَعذيبهم طوراً وتغريبهم طورا
ليظهرَ كونُ الفضلِ في الناس كلّهم / بِنسبةِ جزءِ الجزءِ من فضلهم نزرا
وَلمّا أرادَ اللَّه نُصرةَ دينهِ / أَتاحَ لهُ مِن نحوِ أنصاره نصرا
فَهاجرَ من أمّ القُرى نحو طيبةٍ / نبيُّ الهُدى والصحبُ قد هجروا الهُجرا
فَسُرّ بهِ الأنصارُ حتّى نساؤُهم / وَصِبيانُهم في مدحهِ أَنشدوا الشعرا
وَيا حبّذا منهم سعودٌ ثلاثةٌ / وَمثلهمُ الباقي فأكرِم بِهِم طرّا
فَسَعدُ معاذٍ سيّد الكلّ مَن له / قَدِ اِهتزَّ عرشُ اللَّهِ أَرفعهُم قدرا
وَسَعدٌ أبو قيسٍ أخو الجودِ لم تزل / تدورُ معَ المختارِ جفنتهُ الغرّا
وَكانَت لسعد بن الربيعِ وصيّةٌ / أَراها لقَلبي كلَّما ذُكِرت ذكرى
فَفي أُحدٍ أَوصى يقول لقومهِ / عَلى حين وافتهُ شهادتهُ الكُبرى
إِذا خَلصوا للمُصطفى وبواحدٍ / حَياةٌ فعندَ اللَّه لن تجدوا عذرا
وَلمّا اِلتقى الصَحبان واِشتدّ أمرهُ / تَلقّى منَ المَولى بحربِ العدا أَمرا
فَباعوا لهُ للَّه أنفسَ أنفسٍ / وَلَم يَجعلوا إلّا رِضاه لها سعرا
وَلمّا اِشتَرى الرحمنُ منه ومنهمُ / بِجنّته هاتيكمُ الأنفسَ الطهرا
غَدا رِبحُهم أَعلى وَأغلى تجارةٍ / فأعظِم بهِ رِبحاً وأكرِم بهم تجرا
فَكَم جاهَدوا في نصرةِ الدين كافراً / وَخاضوا إليهِ الحربَ والحرّ والقرّا
وَما نفَروا يومَ الوَغا من عدوِّهم / بَلى في سبيلِ اللَّه قد نَفَروا نفرا
وَبرّوا بِغزوِ البرّ في كلّ وجهةٍ / وَبالحربِ خاضوا البحرَ واِستغرقوا العُمرا
رَبيعٌ خريفٌ صيفُهم كشتائهم / فَلَم يَرهبوا بَرداً ولم يَرهبوا حرّا
وَكَم رمضانٍ جاءَهم ما تسحّروا / وَقَد أطعموا سمرَ القَنا النحرَ والسحرا
وَصاموا وَما صاموا عنِ الطعنِ في العِدا / وَلكِن عَلى أرواحهِم جَعلوا الفطرا
وَأصبحَ فطرُ الشركِ عيداً لفطرهم / سَعيداً ونحرُ المُشركينَ غدا نحرا
وَقَد زَهِدوا في مالِهم وجمالهم / فَما عَشِقوا بَيضا ولا عشقوا صفرا
أَحبُّ إِليهم لثم سيفٍ مورّدٍ / بِحمرِ الدِما من لثمِ وَجنَتها الحمرا
سلِ البيضَ والسمرَ العوالي عنهمُ / وَسل عَنهُمُ الحمرَ المذاكيَ والشقرا
فَكَم خَفضوا بالكسرِ رأساً لمشركٍ / وَكَم لِلعدا جرّوا كتائبهم جرّا
وَكَم رَفعوا رُمحاً وضمّوا مهنّداً / وَكَم نَصبوا حَرباً وكَم فَتحوا ثَغرا
وَمِن بعدهِ في الرومِ والفرس قصّرت / قياصرُ عنهم حينَما كَسَروا كِسرى
وَقَد مَلكوا الدُنيا بأيسرِ مدّةٍ / فَما فَقَدوا يُسرا ولا وجدوا عسرا
حَكى سفَراً في السلمِ سيرُ حروبهم / كأنّهمُ كانوا على عَجَلٍ سَفرا
لَقَد أَثبتوا بالنصِّ والنصرِ حقّهم / وَللدينِ بعدَ النشءِ قَد عمّموا النَشرا
بِقولٍ وفِعلٍ أيّد اللَّه دينهُ / بِهم حينَما أعطاهمُ النصَّ والنصرا
فَأَطلعهُ كالشمسِ في كلِّ بلدةٍ / وَبثَّ بكلِّ الأرضِ مِن نشرهِ عطرا
فَأكرِم بِصحبِ المُصطفى مَعشراً فما / أُنيلَ الحواريّونَ مِن فَضلهم عشرا
بِمَدحي لَهُم كالآلِ تبريدُ غلّتي / وَلي كَبِدٌ من حبهّم أبداً حرّى
جَعلتُ وَلائي للفريقينِ حجّتي / فَمِن بعدِ إيماني أرى كنزهُ ذخرا
فَأحبب بهم قوماً إذا ذكرهُم جَرى / أُحسُّ لجريِ الحبِّ في مهجتي مجرى
وَإِن عابَهم ذو ضِلّةٍ فكأنّهُ / بأَلفاظهِ أَلقى على مَسمَعي صَخرا
فَخيرُ الوَرى بعدَ النبيّينَ آلهُ / وَلا سيّما أبناءُ فاطمةَ الزهرا
فَبالحقِّ فاقوا الخلقَ إِذ كانَ نجرُهم / لِسيّد خلقِ اللّه قاطبةً نجرا
همُ الطيّبون الطاهرونَ فربّنا / مَحا الرجسَ عَنهم حين طهّرهم طهرا
وَلَم يسألِ المُختار من كلّ مؤمنٍ / على الدينِ إلّا أَن يودّهمُ أجرا
وَأَصحابهُ لا يبلغ الناسُ مدَّهم / وَلا نِصفهُ لو أنفقوا أُحداً تبرا
نُجومُ هدىً من شمسهِ اِقتبسوا الضيا / وَقَد نَشروا في الناس أنوارَه نشرا
وَإِن ذُكِرَت بينَ الورى غزواتهُ / فَقدِّم عليها في سماءِ العُلا بدرا
فللَّه مِنها غزوةٌ كلُّ مؤمن / تَحمّلَ مِن نعماءِ أَصحابها وِقرا
وَكانَ عليٌّ حمزةٌ وعبيدةٌ / أَثافيَها إِن كنتَ شبّهتها قدرا
فَسَل عن عُتاةٍ من قريشٍ قليبهم / فَقَد نجّسَت أَشلاؤُهم ذلكَ السرّا
وفي أُحُدٍ رُؤيا النبيِّ تعبّرت / رَأى بَقراً فيها فعبَّرَها بقرا
وَلَو ثبتَت فُرسانهُ عند أمرهِ / لتمّت لهُ لكنّهم خالَفوا الأمرا
وَيا خيبةَ الأحزابِ حينَ تَشتّتوا / وَكانَ عَليهم ريحُ نُصرتهِ صِرّا
وَأَظهرَ دينَ اللَّه في فتحِ مكّةٍ / وَقوّمَ مِن يومِ الحُديبيةِ الظهرا
وَكانَ لهُ فتح الفتوحِ لأنّه / بهِ نصَبَ الإسلامُ رايتهُ الكُبرى
قَدِ اِنكَسَرت فيهِ قُريشٌ وإنّما / بإِسلامها فيهِ غَدا كسرُها جَبرا
وَيومَ حُنينٍ قَد حَباهم بفضلهِ / مَواهبَ مِن غورِ الحَشا سلّتِ الوغرا
وَصاروا لهُ مِن بعدُ من خيرِ جندهِ / وَقَد عَثَروا لكن أقالَ لهُم عثرا
وَفي نُصرةِ الإسلامِ لمّا تَصدّروا / تَبوّأ كلٌّ من محافلهِ الصدرا
وَعادَت ثَقيفٌ أسلَمت باِختيارها / وَمِن قَبلِها عادَت وقَد حُصِرت حصرا
وَأطلقَ في يومِ المُريسيعِ أُسرةً / أسارى وقَد أَمسى لسيّدِهم صِهرا
وَكَم همّ كفّارُ اليهودِ بغدرهِ / فَخابوا وَما نالوا منَ الظفَرِ الظُفرا
وَعامَلَهم بالرِفقِ والحلم صابرا / فَمِن لُؤمهم لم يتركوا الختلَ والخترا
وَمَهما رَأوا منه وفاءً بذمّةٍ / يَرى كلَّ يومٍ مِن خِيانَتهم خفرا
فَلمّا رَآهم هَكذا شرَّ مَعشرٍ / رَأى الحزمَ أَن يَستعمل الحرب والحذرا
فَقنّعَ خِزياً قينقاعَ بنفيهم / وَزوّدهم فَقراً وأسلمهم قفرا
وَأَجلى نَضيراً بعدَ قطعِ نخيلهم / وَأَحرَمهم من لينهِ التمرَ والبُسرا
وَلمّا اِعتَدَت بَغياً قُريظةُ ساقها / إِلى حَتفها للموتِ قَد حُشِرَت حشرا
وَفي نَشرها بالسيفِ نالت جزاءَها / فَما حَمِدت مِن كُفرها الحشرَ والنشرا
وَخَيبَرُ قَد أَلقَت إِليه حصونها / ذَخائرَها وَالنخلُ سلّمه التَمرا
وَشُجعانُها داموا عَبيداً له بها / مَساحيهمُ أنستهمُ البيضَ والسمرا
وَكانوا ذَوي كرٍّ وفَرٍّ لدى الوغا / فعوّضَهم في حقلهِ الكرَّ والفرّا
وَكانوا بِأعلى مَنعةٍ مِن حُصونِهم / وَلَم يرهَبوا مِن حِرزِها الليثَ والنَسرا
فَلمّا غَزاهم لَم تُفِدهم وأَشبهوا / أَرانبَ مِن خَوفٍ بها لَزِمت وكرا
وَسالَ عَلى وادي القرى سيلُ جيشهِ / فَأجرى بِها ما كانَ في خيبر أجرى
وَساقَ السَرايا للأعاربِ حولهُ / فَما تَركوا لِلشركِ في أرضِهم سورا
وَأَرسلَ مِن أصحابهِ يوم مؤتةٍ / أُسوداً بأرضِ الشامِ قَد زَأَروا زأرا
فَجرّوا عَلى الجيشِ العرمرمِ ثلّةً / بِها قَصروا من قيصرَ العسكر المجرا
وَكَم أَسلمَت مِن غيرِ حربٍ قبيلةٌ / وَما سَمِعَت إلّا التلاوة والذكرا
بِدونِ قتالٍ آمنت يمنٌ وإذ / غَزا بتبوكَ الروم فرّوا وما فرّا
وَما النَصرُ إلّا اللَّه مانحهُ له / ومِن فوقهِ الأسبابُ أَسبَلَها سترا
وَكَم غمَرت قَوماً غمارُ هباتهِ / وَنالَت وفودُ العربِ نائلهُ الغمرا
وَحَجَّ بعامِ العشرِ أفضلَ حجّةٍ / بِها ودّعَ الأصحابَ وَالبيتَ وَالحِجرا
وَعادَ كبدرِ التمِّ تمَّ كمالهُ / وَفي طيبةٍ صارت سحابتهُ قَبرا
وَما حَجَبت عَن قومهِ غير شخصهِ / وَأَنوارهُ قَد عمّتِ البرّ والبحرا
وَخلّفَ شَرعاً مثله ظلّ هادياً / تَبوّأَ مِنهم في مكانتهِ الصدرا
وَمن قبرهِ خيرِ القبورِ أمدّهم / بِنورٍ وطيبٍ أَخجَلا الزهر والزهرا
فَأعظِم بهِ أفقاً به خير نيّرٍ / بهِ ثغرُ دين اللَّه ما زال مفترّا
أَيا صفوةَ الرحمنِ يا خيرَ خلقهِ / وَأَعظَمهُم فَضلاً وأرفعهم قدرا
لكَ الفخرُ كلُّ الفخرِ إذ كنت عبدهُ / وَسدتَ عَلى كلِّ الأنامِ ولا فخرا
وَكلُّ كَمالٍ في الخلائقِ كلّهم / فَأنتَ لهُ أصلٌ وأنت به أحرى
نَعَم أنتَ مخلوقٌ ولست بخالقٍ / ولكِن لكَ الرَحمنُ قَد وكّل الأمرا
وَسوّاكَ شمسَ العالمينَ مُمدّهم / فلَو فَقَدوا إِمدادها أظلَموا فورا
وَإِنّك عبدُ اللَّه قاسمُ فَضلهِ / عَلى خلقهِ تُعطيهمُ القُلَّ والكثرا
أَقبحُ كلِّ العالمينَ جَهالةً / جَهولٌ لمَن لَم يلفِ مِن غيرهِ خيرا
وَمَهما يَكُن في جَهلهِم بكَ مُنكرٌ / فَأعظَمُ منهُ جهلُهم ربّهم نكرا
قَريباً يزولُ الجهلُ عَنهم مَتى رأوا / لِواءكَ تَتلوهُ شفاعتكَ الكبرى
عَليكَ صَلاةُ اللَّهِ مقدار فضلهِ / تَدومُ تَفوقُ الكمّ والكيف والحصرا
وَمِن عَجبٍ أنّ الخلائقَ كلّهم / وَقَد ظهرَ الإِسلامُ لَم يُسلِموا طرّا
وَكيفَ اِختيارُ العاقِلين لغيرهِ / وَلَو عَلِموا أَسرارهُ رَفضوا الغيرا
فَما عاقِلٌ مَن لَم يُصدّق مُحمّداً / وَبُرهانهُ كالشمسِ قَد ظَهَرت ظُهرا
وَلا سِيّما أهلُ الكتابِ فَكَم رأوا / بَشائرَ مِنها طابقَ الخبرُ الخُبرا
بهِ وَرَدت كتبُ المليكِ لرسلهِ / عَلامةُ صدقِ المُصطَفى فوقَها طرّا
بِخاتمِ رسلِ اللَّه مَختومةً أَتت / فَما تَرَكت لِلجاحِدين له عُذرا
لَقَد عَلِموهُ خاتِماً ذا جواهرٍ / وَلَكنّها في كُتبِهم طُمِرَت طمرا
بِها هو أَغنى المُرسلينَ لأنّها / كُنوزٌ بنَت أسلافُهم فوقَها جدرا
أَتى بعضُها نصّاً صَريحاً وبعضُها / أَتى برموزٍ مِثلَما تقرأُ الجفرا
لَقَد علِموه صادقاً غيرَ أنّهم / لحقدٍ بهم مدّوا له النظرَ الشزرا
وَقَد درّبوا مِن شدّةِ الكفرِ وُلدَهَم / على بُغضهِ مِن حينِ شُربهمُ الدرّا
لِما عَلِموهُ مِن تبلُّجِ دينهِ / فَلا أحدٌ إلّا يراهُ هو الأحرى
وَكَم عاقلٍ منهم تحقّق صدقهُ / ولكِن قضاءُ اللَّه قَد حجَرَ الحجرا
سَلاسلُ أقدارٍ منَ اللَّه حُكّمت / بِأعناقِهم قادَتهم للرَدى قَسرا
عَداوَتهم مَوروثةٌ فَقُلوبهم / حياضٌ منَ النيرانِ قد مُلِئت جمرا
وَكَم مِن فَتىً يَدري بفضلِ عدوّهِ / وَيُبعدهُ الضغنُ الّذي ملأ الصدرا
وَيَصعبُ تغييرُ العقيدةِ بعدما / يَعيشُ عَليها المرءُ في قومهِ عمرا
وَكَم ذا رَأينا عاقلاً منهمُ صحا / وَكانَ بخمرِ الكُفرِ مُمتلئاً سكرا
تَشرّفَ بِالدينِ الحنيفيِّ مُسلماً / وَعاشَ بِفضل اللَّه مُمتلئاً شكرا
وَيا قاتلَ اللَّهُ اليهودَ فَإنّهم / أَشدُّ الوَرى كُفراً وَأَخبثُهم مَكرا
عَقيدَتُهم في اللَّه شرُّ عَقيدةٍ / تَنزّهَ عَنها ربّنا وعلا قدرا
وَقَد حرّفوا مثلَ النَصارى كِتابهم / وَزادوا حُروفاً حِبرُها لعنَ الحبرا
وَأَفحشُها يعقوبُ صارعَ ربّه / فَيا بِئسَ هَذا القول مِن فريةٍ تُفرى
عَقيدتُهم تَجسيمُ ما يعبدونهُ / فَكَم عَبدوا جِسماً وَكَم كَفروا كفرا
سَجيّتهم فعلُ الخناءِ وَدينهم / كَأنفسِهم خُبثاً حَوى العارَ والعُرّا
فَلا تَعجَبَن مِن قرفهم أنبياءَهم / وَهُم خيرُهم نَفساً وأطهرهم أزرا
فَفي طَبعهم بغضُ الخيارِ لأنّهم / على الشرِّ والشنّار قد فُطِروا فطرا
وَلا عجَبٌ إِنكارهم لمحمّدٍ / وَقَد فَعلوا من قبلُ في الأنبيا النُكرا
وَكَم أَسفَرت فيهِ بأسفارِ دينهم / بَشائرُ لَكن لَم تجِد عندَهم بِشرا
وَكَم شاهَدوا منهُ شواهدَ جمّةً / زَواهرَ يَعلو نورُها الأنجمُ الزُهرا
وَمَهما يَزِدهُم مِن محاسنِ خيرهِ / يزيدونهُ مِن قُبح إِنكارِهم شرّا
وَكَم أَظهَروا بِالجهرِ حفظَ عهودهِ / منَ الخَوفِ واِختاروا خيانتهُ سرّا
فَأَفناهُمُ بِالقتلِ والنفيِ آخِذاً / لِعيسى وباقي الأنبيا منهم الثأرا
فَكَم مِن نَبيٍّ منهمُ فَتكوا بهِ / فَكانوا وَما زالوا أشدَّ الورى خسرا
وَمِن سادةِ الأحبارِ قد حلّ حبُّهُ / قُلوباً بنورِ العلمِ قَد عُمِرَت عمرا
فَجاؤوا إِليهِ مُسلمينَ لمَا رأوا / بَشائرهُ في كُتبِهم بهَرَت بَهرا
مُخيريقُ بحرِ الجودِ مِنهم وَحبرُهم / فَتى العلمِ عبدُ اللَّه أكرِم به حبرا
وَكَم مِن يَهودٍ صدّقوا سيّدَ الورى / وَلكنّهم كانوا بِنسبتهم نزرا
وَمُؤمنهُم إِيمانهُ ضدّ طبعهِ / وَكافِرُهم بالطبعِ قد ناسبَ الكفرا
خَبائثُهم لا يَنتَهي وصفُ رِجسها / فَكم لوّثوا عَصراً وكم لوّثوا مِصرا
وَقَد مُسِخَت مِنهم خنازيرُ جمّةٌ / وَبَعضٌ غدا قرداً وبعضٌ غدا فأرا
لَقَد شَمِلتهم لعنةٌ بعد لعنةٍ / منَ اللَّه مَغضوبين قَد دُحِروا دحرا
فَدَعهم فإنَّ اللعنَ أَعمى قلوبهم / بهِ عَن شهودِ الحقِّ قَد قُصِروا قصرا
وَقُل للنَصارى ما لكم مع عُقولكم / وَقَد ظهرَ الإسلامُ ولّيتمُ الظَهرا
فَأَنتُم إذاً مثلُ اليهودِ بِجَحدكم / كِلاكُم عنِ الحقِّ المُبينِ قد اِزورّا
أَما عجَبٌ منكُم جحودُ محمّدٍ / وَقَد بَهَرت آياتهُ الشمسَ والبدرا
وَقَد قالَ إنّي مُرسلٌ مِن إِلهكم / فَصدّقه لمّا أتاحَ له النصرا
وَأَنتُم رَأيتُم نصرهُ وسمعتمُ / وَآثارهُ قد عمّتِ البحرَ والبرّا
أَتى الخلقُ بالدينِ القويمِ مُهذّباً / منَ اللَّه إنّ اللَّه لا يشرعُ الهذرا
وَليسَ لَكُم عذرٌ بتركِ اِتّباعهِ / فَإِنجيلُ عيسى عنه صرّحَ بالبشرى
وَتوراةُ موسى قَد تحلّت بذكرهِ / فَكَم زيّنت رُؤيا له عُبرت عبرا
وَدَعوةُ دينٍ ليس تبقى لكاذبٍ / ثلاثينَ عاماً قَد جرى ذلك المجرى
وَدَعوتهُ دامَت وَعمّ اِنتِشارها / سنينَ مئاتٍ أربعاً تتبع العشرا
وَبشّرَ نَسطوراً بهِ ونظيرهُ / بَحيرا وكلٌّ كان في علمه بحرا
وَمِن بيّناتِ الصدق أَعطاهُ ربّهُ / دَلائلَ يَعلو نورُها الأنجمَ الزهرا
وَكَم مِن نَبيٍّ تُؤمنون ببعثهِ / وَما نالَ مِن مِعشارِ آياتهِ العُشرا
وَملّتهُ كالشمسِ في الكونِ أَشرَقت / وَقَد نَسَخت أنوارُها المللَ الأخرى
بِها جمعَ اللَّه المَحاسنَ كلّها / وَقدّسَها القدّوسُ عَن كلّ ما أزرى
وَها أَنا قَد أَوضحتُ ما هو واضحٌ / لَكُم مِن هُدى الهادي وملّته الغرّا
وَبيّنتُ مِن آفاتِ ملّتكم لكم / عجائبَ لا تُبقي لِتابعها عذرا
بَذلتُ لكُم منّي نَصيحةَ مُشفقٍ / وَلا أَبتَغي شُكراً لديكم ولا أجرا
وَلَكن بودّي أنّ دين محمّدٍ / تعمُّ جميعَ الناسِ نعمتهُ الكُبرا
أَجيراننا واللَّه إنّي لَخيركم / مُحبٌّ كنفسي إِذ أُحبُّ لَها الخيرا
أَلا اِنتبِهوا مِن قبل أن تَتَنبّهوا / بِموتٍ ترَونَ الأمرَ مِن بعدهِ مرّا
نَراكُم أدقّ الناسِ فِكراً بصنعةٍ / وَأبلدَ خلقِ اللَّه في ربّكم فكرا
نَرى لكمُ عَقلين عَقلاً لدينكم / وَعَقلاً لِدُنياكم بها زندهُ أورى
وَأمّا الّذي لِلدين فهوَ عِقالكم / عَنِ الحقِّ مَأسورين في قيدهِ أسرا
وَقَد كنتمُ مِن قبل تخفونَ دينكم / حَياءً فلا أدرى لمَ اِخترتمُ النَشرا
وَيا لَيتَكُم أبقيتموهُ مُحجّباً / فَمِن فطنةِ الشوهاءِ أَن تلزمَ الخِدرا
وَواللَّه لَولا أنّكم تَنشورنهُ / لَنا وَكَشفتُم عَن مَعايِبه السِترا
لَما كانَ ذو عقلٍ يَرى أنّ عاقلاً / يَدينُ بهِ مَهما غَدا عقلهُ نزرا
إِذا كانَ فضلُ السبقِ يَحمِلكم على / بَقاءٍ على الدين القديم وإن أزرى
فَكونوا يَهوداً واِعملوا باِعتقادهم / بِعيسى وإلّا فاِتبعوا الملّة الغرّا
أَلَم تَنظروا يا قوم دينَ محمّدٍ / وَفي أُفقهِ شمسُ الهُدى سفَرت سفرا
جَعَلتُم إلهَ العالمينَ ثلاثةً / غَلِطتُم فإنّ اللَّه لا يقبلُ الكُثرا
وَإِذ قلتم كَي تُصلِحوا فحشَ غيّكم / ثَلاثَتها فردٌ غدا أمركم إمرا
ثَلاثتُها فردٌ وفردٌ ثلاثةٌ / فَيا لك زوراً صيّر العقلَ مُزورّا
وَلا عذرَ عندَ اللَّه والعقلِ لاِمرئٍ / يَدينُ بأنّ اللَّه قَد حلّ في العذرا
وَلكنّ روحَ القدسِ إذ جاء نافخاً / بِها حَمَلت عيسى وما بَرِحت بكرا
وَأَلقتهُ طِفلاً مثل أبناء آدمٍ / وَما زادَ شَيئاً عن سواه ولا ظفرا
وَبالدرِّ غذّتهُ فللَّه درّهُ / نَبيّاً كَريماً كان في أمِّهِ برّا
وَقَد كانَ مثلَ الناسِ في كلِّ حاجةٍ / فَيأكلُ مُضطرّاً ويخرجُ مُضطرّا
وَإِن كانَ مِن أمٍّ أَتى دون والدٍ / فَآدمُ من فخّارةٍ أحرزَ الفخرا
وَحوّاءُ في عكسِ المسيحِ تخلّقت / فَلا أمَّ بَل من ضلعِ آدَمها اليُسرى
ثَلاثةُ أَقسامٍ ورابعُها الّذي / بَرا اللَّه مِن أبناءِ آدمَ أو يبرا
وَلَو لَم يَكُن عيسى بَرا اللَّه غيرهُ / لِتكملةِ الأقسامِ أربعةً حصرا
وَذاك دليلٌ أنّه قادرٌ على / خلافِ الّذي فيه عوائدَهُ أجرى
ولمّا حباهُ اللَّه منه نبوّةً / بِها فاقَ كلَّ الخلقِ في عصره خيرا
أَرادتهُ لِلقتلِ اليهودُ فحافهم / عَلى نفسهِ تلكَ النفيسة أن تُزرى
فَصارَ يُنادي مُستَغيثاً بِربّه / وَقادوهُ رَغماً عَن إِرادتهِ جَبرا
وَقَد وَضعوا إِكليل شَوكٍ برأسهِ / شرارُ الوَرى حتّى بهِ سَخروا سخرا
وكانَ له حزبٌ ضعيفٌ فعندما / أَحاطَ بهِ أعداؤهُ للرَدى فرّا
وَساقوهُ مَكتوفاً عليه صليبهُ / إِلى أَن علا في زَعمهم فوقَهُ قَسرا
وَقَد حاوَلت فيهِ النَصارى عقيدةً / لأن يَجعَلوا فوقَ الهوانِ له سِترا
فَقالوا جَرى ما قد جرى باِختيارهِ / لَقَد أَخجلوا وجهَ الحقيقة فاِحمرّا
فَإن كانَ حقّاً ما جَرى باِختيارهِ / فَما بالهُ قد أظهرَ الخوفَ والذُعرا
وَإِن كانَ مَسروراً بقهر عدوّهِ / لهُ فَلِماذا لم يكُن يظهرُ البِشرا
وَقَد كانَ في حزنٍ عظيمٍ فما لنا / نَرى حزبهُ هذا بنكبتهِ سُرّا
وَهبهُ عَلى ناسوتِهِ كان جارياً / فَكيفَ منَ اللاهوت لم يجدِ النَصرا
وَمَع كونِ كلِّ شَطر كلّ بمزجهِ / فَكيفَ بهِ ما حازَ من صلبهِ الشطرا
وَإِن كانَ هذا كلّه كانَ باِبنهِ / فَكيفَ تخلّى عنه أو وجدَ الصبرا
أَما يَستحقُّ الذمَّ يا قوم والدٌ / أَعزُّ بنيهِ لا يشدُّ به أزرا
عَجائِبهم لا تَنقضي فبحزنهِ / لهُم فَرحٌ والكسرُ كان لهم جبرا
وَقَد جَعلوا عيداً لهم يوم صلبهِ / فَكم طَبلوا طبلاً وكم زمروا زمرا
فَيا قومِ هذا يومُ أحزانِكم أما / لَديكم عقولٌ تفرقُ الخير والشرّا
لَعَمري وعمر الحقِّ إنّ فعالكم / دَلائلُ قَطعٍ أنّ في عقلكم عقرا
فَحظّكم حظرٌ لما جوّزَ النُهى / وَجوّزتمُ ما كانَ عندَ النهى حضرا
تَقولونَ ربٌّ ثمّ قلتم عبيدهُ / شرار الوَرى جاروا على صنعته جورا
وَما يَستحقُّ اِسم الإله سِوى الّذي / تَعالى اِقتداراً أن يُهان وأن يُزرى
أَلا أَخبرونا هل سَمِعتم بمعشرٍ / سِواكُم رَأوا في صلبِ ربّهمُ فخرا
فَهذا اِعتقادُ القومِ والحقُّ أنّه / دَعا ربّهُ فَوراً فخلّصهُ فَورا
وَأَلقى عَلى من خانهُ شَبهاً به / فَكانَ هو المصلوبَ إذ دلّهم غدرا
وَأمّا المسيحُ الحقُّ فاللَّه خصّه / بِرفعٍ إليهِ حيثُ بالمُصطفى أسرى
هَنيئاً لهُ مِن مُرسلٍ عند ربّهِ / بِأهنأِ عَيشٍ لا يجوع ولا يعرى
وَأكرمهُ أحلى الكرامة بَعدما / قَضى مرَّ عيشٍ بين أعدائهِ مرّا
وَكَم مِن دَعاوٍ يدّعونَ لصلبهِ / تودُّ لَها الأسماعُ أَنّ بِها وقرا
يَقولونَ كلُّ الناسِ مِن نسل آدمٍ / بِزلّته في سجنِ إبليسَ قد قرّا
إِلى أَن أَتى عيسى فَداهُم بِنفسهِ / وَأَبدَلهم بالعسرِ مِن سِجنهم يُسرا
وَما ذَنبُهم إِن كانَ آدمُ قَد جنى / نَعَم قَد جَنى واللَّهُ قَد جبرَ الكسرا
وَيَحملُ إِن لم ينف مَولاهُ وزرهُ / فَما بالُهم قَد حمّلوا غيرهُ الوِزرا
وَيُمكنُ عفوُ اللَّه عَن كلِّ مُذنبٍ / وَما يَقتَضي أَن يركب المركبَ الوعرا
رَمى نفسَهُ بالصلبِ والضربِ والأذى / وَما أذنَبت يا بئسَ ما مَعها أجرى
وَأَظلم كلّ الناسِ ظالم نفسهِ / بإهلاكها حتّى بها قد وَقى الغيرا
فَإن لَم يَكُن خيرٌ لديه لنفسهِ / فَهل أحَدٌ منه يَرى بَعدها خيرا
وَإِن كانَ شرّ العالمين لنفسهِ / فَمَن ذا الّذي مِن نحوهِ يأمنُ الشرّا
وَلَو صحَّ هَذا لاِقتضى فيهِ أنّهُ / أَقلُّ الوَرى عَقلاً وأضعفُهم فكرا
وَأَفعالهُ مثلُ المَجانين ما لها / لَدى عقلاءِ الناس من حكمة تدرى
فَما لِلنَصارى يثبتونَ اِحتقارهُ / وَقَد زَعموا أَيضاً ألوهتهُ الكُبرى
وَحاشاهُ مِن هذا وذاكَ وكلّ ما / عَلا عنهُ مِن وصف الألوهةِ أو أزرى
كِلا طرفَي حقِّ النبوّة باطلٌ / فَمَن زادهُ قَدراً كمن زادهُ حقرا
أَليسَ إِذا ما قلتَ للعبدِ سيّدٌ / تَكونُ بهِ في حقّهِ ساخِراً سخرا
إِلى اللَّه مِن خفضِ اليهودِ لقدرهِ / بَرئتُ وَمِن رفعِ النَصارى له أَبرا
وَلكنّهُ مِن سادةِ الرسلِ سيّدٌ / وَأَرفعُ خلقِ اللَّه في عصره قدرا
نَبيٌّ رسولٌ مِن أُولي العزمِ كلّنا / نُواليهِ والأَولى به صاحبُ الإسرا
عَليهِ مِن اللَّه السلام يحوطهُ / وَيدفعُ عنهُ ذلكَ الزورَ والإزرا
وَواللَّه إنّي في المنامِ رأيتهُ / كَما وصفَ المُختارُ ذا طلعةٍ حمرا
وَخاطبتهُ في بعضِ شأنٍ قصدتهُ / لَهُ خدمةً منّي له فليَ البشرى
وَقَد عبَدوا شكلَ الصليبِ كأنّه / إِلهٌ وأنّ اللَّه سلّمه الأمرا
وَما هوَ إلّا قِطعتا خشبٍ علت / بِعرضٍ على إحداهُما القطعةُ الأخرى
بِصورةِ إنسانٍ ولكنّ رأسهُ / وَكفّيهِ وَالرجلين قد بُتِرَت بترا
قَدِ اِلتَصَقت فَخذاه والساقُ واحدٌ / وَمدَّ يديهِ باليمينِ وَباليُسرى
فَلا قَدمٌ يَسعى بِها فهو مُقعدٌ / وَأقطع لا شبراً حواه ولا فترا
وَإِنّا نراكُم تنظرونَ عيوبهُ / مَحاسنَ مسحورينَ في شكلهِ سحرا
وَهَب أنّ أوصافَ الألوهة قد سرت / بِعودٍ عليه ذلكَ الجسمُ قد قرّا
فَمِن أينَ جاءَت كلّ شيءٍ مصلّبٍ / وَمِن ذاتهِ ما مسّ بطناً ولا ظهرا
وَمِن أينَ حلّت في إِشارَتكم بهِ / عَلى جِسمِكم تستدفعونَ بهِ الشرّا
أَفي كلِّ شَيءٍ ناقضَ العقلَ دينكم / كأنَّ عليكم في وِفاقِ النُهى حجرا
مَتى أحَدٌ مِنكم رأى قطّ واحداً / رَأى مِن صليبٍ قَد تقلّدهُ خيرا
فُتِنتُم بهِ مِن غيرِ أسبابِ فتنةٍ / يُقالُ لأهليها لعلَّ لَهُم عُذرا
هوَ الوثنُ الأعلى الّذي عمّ شرّهُ / فَما اللات وَالعزّى وثالثةٌ أخرى
فَلَم يُرَ في الأكوانِ شكلٌ كشكلهِ / بِفتنتهِ الشيطانُ قَد نَشرَ الكفرا
وَلَم يُر في الأوثان في كلّ بلدةٍ / بِها عُبِدت ما حازَ من شرّه العشرا
فَلا غروَ أنّ المُصطفى كانَ عندَما / يَرى شكلَهُ في الشيءِ حوّله غَيرا
لَقَد كانَ يَشكو الجورَ لو كانَ عاقلاً / فَقَد حمّلوهُ مِن غَرائِبهم إِصرا
فَطَوراً ترى مثواهُ فوقَ رؤوسهم / وَطَوراً تراهُ تحتَ أَقدامِهم خَصرا
وَكَم عَبدوا وسطَ الكنائسِ شكلهُ / كَصورةِ عيسى وَالحَوارين والعذرا
فَهَذي هيَ الأوثانُ وهيَ بيوتها / وَكَم أَنفقوا تِبراً وكم نَذروا نذرا
فَما بالُهم قَد أَلحقوا الذمّ كلّه / بِمَن عَبدوا الأصنامَ والعجلَ والثورا
أَما يُنصِفونَ القومَ فالأمر واحدٌ / كِلاهم عنِ الدينِ القويم قد اِزورّا
وَسيّدنا عيسى بَريءٌ وأمّه / منَ الشركِ أو أن يَمنحا مُشركاً شكرا
وَكَم فَتياتٍ راهباتٍ وفتيةٍ / رَهابين من زهدٍ بِهم سَكنوا دَيرا
وَيا حبّذا تلكَ الفعالُ لو اِنّها / تَكونُ معَ الإسلامِ نالوا بها أجرا
وَلَكنّهم مَع شِركهم بإِلههم / وَلَم يُؤمِنوا بالمُصطفى ضيّعوا العُمرا
فَوا أسفا من حَبسهم لنفوسهم / لَقَد خَسروا الدُنيا وما ربحوا الأخرى
وَلكنّهم كفّوا عنِ الخلقِ شرّهم / وَما أَوصَلوا للناسِ نفعاً ولا ضرّا
فَلَو كانَ تركُ الشرِّ يَقضي بشكرهم / عَلى ما بِهم أكثرتُ في حقّهم شُكرا
وَشبّه إِذا ما شئتَ بالضبِّ بعضهم / ثَوى لِخداعِ الناس من ديره جحرا
وَمِنهم قسوسٌ خالَفوا الناس للأذى / وَجرّوا علَيهم مِن لَظى غيّهم جمرا
رَموا بِسهامِ الخبثِ في كلّ بلدةٍ / كَسلحِ الحَبارى حينَ ترمي به الصَقرا
وَقَد زَعَموا التبشيرَ لكنَّ ربّنا / يُكذِّبُهم إِذ قالَ في الذكر لا بُشرى
فَيا بئسَ هُم مِن مُجرمينَ جَزاؤُهم / سُجونٌ من النيرانِ تحجرهم حجرا
أَضرّت بِهم أنوارُ دين محمّدٍ / فَهرّت منَ الأنوارِ أكلبهم هرّا
وَكَم نَبحوهُ وَهو في الأفق طالعٌ / وَلكنَّ نبحَ الكلبِ لا يصل البدرا
وَما ساءَني إِغواؤهم لمعاشرٍ / منَ الناسِ ضلّوا أبدلوا كفرَهم كفرا
وَلكنّهم عاثوا وَلاثوا وأفسدوا / وَشنّوا على الإسلامِ من شركهم شرّا
أُولئكَ أقوامٌ إذا قال قائلٌ / همُ شرُّ خلقِ اللَّه قلتُ له جيرا
وَمِن أعجبِ الأشياء خبزٌ وخمرةٌ / إِذا طفقَ القسّيسُ فوقهما يقرا
يَصيرانِ حالاً لحمه ودماً له / فَأعجِب بهِ خُبزاً وأعجب بها خمرا
أَما يَستحيلُ اللَحمُ والدمُ في الحشا / إِلى قَذرٍ لا أَستحبُّ لَه ذكرا
فَهَل أحَدٌ في الكونِ يرضى لنفسهِ / بِهذا فَيرضى الربُّ سُبحانهُ برّا
وَكَم قَد أتى في الأرضِ منهم طوائفٌ / إِلى عصرهِ عصرٌ قَفا قبلهُ عصرا
فَلَو أَكلوا عيسى وَآلافَ مثله / لَما كانَ يَكفيهم عشاءً ولا فطرا
وَلَو شَرِبوا أَضعافَ ما فيه من دمٍ / لَما كانَ يرويهِم وَلو قَد جَرى نَهرا
رَوى لهمُ الراوونَ عنه مقالةً / كُلوا واِشربوا لَحمي دمي الخبزَ والخمرا
فَإن قالَ ذو عقلٍ لهم إنّ قولهُ / مَجازٌ بِمَعنى أَن يُديموا له الذِكرى
وَخَصّص قوتاً ليسَ يُنسى بحالةٍ / لِذكراهُ كلُّ الناسِ لا زال مضطرّا
يَقولونَ بَل هذا الحقيقةُ عينُها / دَماً شَرِبوا منه وقد أكَلوا هبرا
وَمَن لَم يُكذّب حسّه باِعتقادهِ / وَيَرضى بِهذا ينسبونَ لهُ الكُفرا
فَلَم يبقَ مِنهم عاقلٌ غير كافرٍ / وَأصبحَ زِنديقاً إذ اِستقبَح الأمرا
مَتى كانَ شرطُ الدين جنّة أهلهِ / وَإِن أعمَلوا فِكراً به عملوا كُفرا
مَتى كانَ شرطُ الدين إن قالَ قِسُّهم / لِزنجيّةٍ شَقرا يقالُ نعَم شقرا
فَلا تلمِ الدهرين إِن سَخِروا بهم / وَإِن خَسِروا أيضاً فمن جهةٍ أخرى
وَلا تَنسَ خنقَ القسِّ مَن كان مُشرفاً / عَلى موتهِ إِن كان بالظنِّ لا يبرا
يمدُّ يديهِ قابضاً فوق حلقهِ / لِيقبضَ تلكَ الروح يعصرهُ عصرا
يَقولونَ إِن لم يقبضِ القسُّ روحه / يُباشِرُها الشيطانُ يَأخذُها قهرا
وَيَبقى بنيرانِ الجحيم مخلّداً / وَإِن كانَ أَتقاهم وأكثرهم برّا
وَأَخبَرني منهم فتىً فرّ هارباً / فَعاشَ زَماناً طال من بعد أن فرّا
وَيا ليتَ شعري كَم قتيلٍ معلّقٍ / بِرقبةِ ذاكَ القسِّ قَد جرّهُ جرّا
وَهل يُعجِزُ اللَّهَ الشفاءُ وإنّه / لَيُحيي الّذي من ألف عامٍ ثوى قبرا
وَكَم مِن مَريضٍ آيسٍ من حياتهِ / وَبتّ كثيرٌ من أطبّائه العُمرا
شَفى سُقمه الرحمنُ مِن مَحضِ لطفهِ / وَعمَّره من بعدِ أَن يَئِسوا دَهرا
وَإِذ عجَزت عنهُ صناعةُ طبّهم / أَجابوا نَعم فوقَ الصناعةِ قَد يَبرا
وَمِن أَقبحِ الأشياءِ حسناء غداةٌ / كأنَّ بِعَينيها إِذا نَظرت سحرا
مَحاسِنُها تزري بأحورَ مائسٍ / رَنا واِنثَنى كالسيفِ وَالصعدةِ السَمرا
سَبى الناسَ مِنها رِدفُها وَقَوامُها / وَوَجنَتُها الحَمرا وَمُقلتها الحورا
تَجيءُ عَليها الحليُ والحللُ اِنجلت / مُعطّرةً مصقولةً صفّتِ الشعرا
بِها يَختلي قِسّيسُها وهوَ أعزبٌ / شَقاشقهُ مِن توقهِ هدَرت هدرا
فَتَعترفُ الأُنثى له بذنوبها / ولَو بِالزِنا سرّاً ليمنَحها الغفرا
وَلا جائزٌ منهم هجومٌ عليهما / وَلَو بَقِيا في السرِّ وَحدهما شهرا
وَربَّ اِمرئٍ من غير قصدٍ عراهما / فَشاهدَ مَدهوشاً بعروتها الزرّا
وَمَن لَم يَكُن يُجري اِعترافاً كهذه / فَذلكَ أَشقى القومِ أعظمهُم وزرا
فَأفٍّ لدينٍ يهتكُ العرضَ بالرِضا / وَيوهمُ ربَّ العرض أنّ لهُ أجرا
مَساكينُ أهل العقلِ منهُم فكَم رَأوا / مَناكير لكن ما اِستَطاعوا لها نُكرا
وَلَو تُرِكوا فيما أرادوا وَعَقلهم / لَمالَ إِلى الإسلامِ جُمهورُهم جهرا
وَلَكن بحُكمِ الإرثِ للدينِ قلّدوا / رَهابينَهم مَهما رَأوا طعمهُ مرّا
فَعاشوا نَصارى ظاهرينَ بِدينهم / وَليسَ لَهُم دينٌ إذا كوشِفوا سرّا
وَمِنهم نَرى في كلِّ وَقتٍ جماعةً / بِإِسلامِهم نالوا السعادةَ والفخرا
وَكَم بَينَنا مِن مُسلِمين جُدودُهم / نَصارى على الشيطانِ قَد أَحرزوا النصرا
وَقامَ بِهم قَومٌ غَدا كلّ واحدٍ / عَلى نفسهِ في حكمِ مَذهبهِ حبرا
وَقَد قَطعوا ما بينَهم من علائقٍ / وَبينَ رَهابين بها اِستَعبَدوا الحُرّا
وَقَد نَبذوا ما أظهَرَت من زوائدٍ / مَجامِعُهم ممّا بهِ أثقَلوا الظَهرا
وَضمّوا إلى التوراةِ إِنجيلَهُم فقط / بِها وبهِ أحكامُهم حُصِرَت حَصرا
وَتَحريفُ هذي الكتبِ أيضاً محقّقٌ / فَقَد نَسبت للأنبيا الفسقَ والكُفرا
فَيلزمُهم أَن يَحذِفوا كلّ شرّها / وَأَن يَقصُروا في الخيرِ مضمونها قصرا
وَلَو فَعلوا هذا لما كانَ كافياً / إِذا لَم يكُ الرحمنُ في دينِهم وِترا
وَلَو فَعَلوا هَذا وذاكَ لَما نجَوا / إِذا لَم يَدينوا دينَ ملّتنا الغرّا
فَما برحَ التثليث للَّه دينهم / وَصلب الّذي يدعون ربّهم قهرا
وَيا حبّذا لو هُم أتمّوا فأَلحقوا / بِما قَطعوهُ مِن زوائدهِ الخدرا
فَكلُّ بلاءِ الدين باقٍ بحالهِ / وَما حَذفوهُ منه أيسره شرّا
فَما برحَ الإصلاحُ في الدين ناقصاً / كأنّهم لَم يَفعلوا ذلك الخيرا
وَما ثمّ إِصلاح سِوى دين أحمدٍ / وَقَد عَزفوا لكنّهم كابروا كبرا
تَقولونَ فوقَ العقلِ أسّس دينكم / صَدقتُم فماتَ العقلُ من تحته حَصرا
فَعِشتُم بِلا عقلٍ تدينون ربّكم / بهِ وعليهِ دينكم قَد غَدا قَبرا
وَهَذا كلامٌ ديّروهُ لدينهم / يقيهِ لأنّ العقلَ يرمي به دبرا
وَلَو كانَ فوقَ العقل لم تك مدركاً / وقَد أَدركت منهُ النُهى كلّ ما أزرى
نَعَم هوَ ضدُّ العقلِ ما هو فوقه / وَأَحكامهُ في اللَّه أعظمها نكرا
وَأَشكل معناهُ لدى كلّ عاقلٍ / وَشاكلَ في آفاتهِ لبُّهُ القشرا
وَما خيرُ دين ليسَ تُدركه النهى / تَغورُ عَلى أَغوارِ أسراره غورا
وَلَكنّ فضلَ الدينِ يبدو إذا أتت / عليهِ عُقول الناس تسترهُ سترا
كَما أنَّ دينَ اللَّه دين محمّدٍ / لَهُ يسّرَ المَولى أئمّته الغرّا
لَهُ صنّفوا فِقهاً حَديثاً تصوّفاً / عَقائد تفسيراً بإِسنادها تُدرى
وَقَد شَغلوا الأعمارَ في درسهم له / بِآلاتهِ حتّى بهِ اِستغرَقوا الدهرا
وَقَد ضَبطوا بالنقلِ والعقل شرعهُ / فَدامَ عَلى أوصافهِ ذهباً نضرا
وَكيفَ بِلا عقلٍ يكون تديّنٌ / إِذاً كلّفوا المجنون والطفل والعيرا
أَليسَ مدارُ الدين عقلاً مكمّلاً / لِيُدركَ حكمَ اللَّه والنهيَ والأمرا
عِبارة فوقَ العقل سجنٌ مضيّقٌ / لَقَد حَصروهُم في مضايقهِ حصرا
نَعَم ربّنا فوقَ العقول بذاتهِ / حَقيقتهُ غَيبٌ عن الخلقِ لا تُدرى
وَكلُّ الوَرى في كنههِ ذو جهالةٍ / حَيارى فإنّ اللَّه يَدري ولا يُدرى
وَلكنّنا نَدري بتعريفهِ لنا / كَمالاتهِ والكونُ عن نورهِ اِفترّا
وَأَنتُم وَصفتم ربّكم بمعايبٍ / تُلامونَ لو كُنتم وصفتم بها هرّا
وَهل جائِزٌ أَن يجعلَ اللَّه دينه / يَعودُ عليهِ بالحقارةِ والإزرا
فَشتّان دينُ اللَّه دين محمّدٍ / وَما شاركَ القسّيسُ في و?
هوَ اللَّه لا نُحصي لآلائهِ شكرا
هوَ اللَّه لا نُحصي لآلائهِ شكرا / لهُ الحمدُ في الأولى له الحمدُ في الأخرى
وَكيفَ نؤدّيهِ بشكر حقوقهِ / وَنعمتهُ بالشكرِ تَستوجبُ الشُكرا
وَأشهدُ أَن اللَّه لا ربّ غيره / وَأنّ لهُ في خلقهِ النفعَ والضرّا
لهُ كلُّ ما قَد كان أو هو كائنٌ / وَما لِسواه في الورى ذرّةٌ صغرى
وَمَهما يَكُن منهم ومهما يكُن لهم / فَإنّ لهُ في ذلكَ الخلق والأمرا
غَنيٌّ على الإطلاقِ عن كلّ كائنٍ / وَكلٌّ له بالفقرِ قد أحرزَ الفخرا
همُ الكلُّ مَقهورون تحتَ قضائهِ / وَلن يَقدروا أَن يَدفعوا عنهمُ القهرا
وَكلُّ فِعال الفاعلينَ فعالهُ / إِذا فَعلوا خيراً وإن فَعلوا شرّا
وَليسَ لَهُم مِنهم سوى كسبِ فعلهم / فَنالوا بهِ إِثماً ونالوا به أجرا
لإحسانهِ كلُّ الورى كلّ لمحةٍ / مَحاويجُ لولا لطفهُ اِنعدموا فورا
وَهُم درجاتٌ يَجتبي من يشاءهُ / فَيمنحهُ قُرباً ويمنحه برّا
وَيختصُّ مَن يختارهُ بِشفاعةٍ / إِذا شاءَ في الدُنيا وإن شاء في الأخرى
وَمَن يحجر الوهّاب عن فيض فضلهِ / فلا رحمَ الرحمنُ من يزعمُ الحجرا
وَأشهدُ أنّ المُصطفى خير رسلهِ / وَأعظمُهم فَضلاً وأرفَعهم قدرا
محمّدٌ المُختارُ مِن معدنِ الوَرى / كَما اِختارَ مِن بينِ الحَصا الحاذق الدرّا
عَليهِ صلاةُ اللَّه مقدار فضلهِ / صَلاةً تفوقُ العدّ والحدَّ والحَصرا
وَبعدُ فإنّي سقتُ نحوَ عداتهِ / عَساكرَ تُرديهم وإن حُسبَت شِعرا
بِإمدادهِ أقسامها خمسةً أتت / مُنظّمةً قد أحرَزَت كلُّها النَصرا
أَتى المُصطفى والناسُ في ليلِ غيّهم / فَأشرقَ في أُفقِ الهُدى بينَهم بَدرا
أَتانا بدينٍ فاقَ حُكماً وحِكمةً / وقَد قهَرَ الأديانَ بُرهانُهُ قَهرا
أَتى بكتابِ اللَّه للناسِ مُعجزاً / وَضمّنَ كلّ العلمِ منه لنا سِفرا
وَكلُّ علومِ الخلقِ مِن كلّ عالمٍ / تُرى قطرةً إِن قابلت ذلك البحرا
وَقَد فضَلَ القرآنُ كلَّ مقالةٍ / كَما فضَل المَولى خلائقَهُ طرّا
وَلَو قَصَدت كلُّ الخلائقِ فَهمهُ / لَما فَهِموا مِن عُشرِ أَسرارهِ العُشرا
بِقدرِ التُقى للَّه يفهم سرّهُ / وَما بِسوى تَقواهُ يُفهمُهم سرّا
وَسنَّتهُ تِربٌ له وهيَ شرحهُ / وَمَن جاءَ بِالقرآنِ فهوَ به أدرى
وَما نطقَ المُختارُ قطُّ عَنِ الهوى / وَما بِسوى وَحيٍ لهُ أعملَ الفِكرا
هُما نيّرا أفقِ الهُدى كلُّ مُهتدٍ / يَرى مِنهُما الشمسَ المُنيرةَ والبدرا
وَما كلُّ مَعنىً مِنهُما مُتعسّرٌ / لكلِّ اِمرئٍ لكن مع عُسرهِ يُسرا
فَما كانَ مَعلوماً منَ الدينِ ظاهراً / فَهِمناهُ لا نحتاجُ تقليدَنا حبرا
وَما اِحتيجَ منهُ لاِجتهادٍ فإنّنا / بِأحكامهِ نَقفو أئمّتنا الغرّا
مُحمّدٌ النعمانُ أحمدُ مالكٌ / بُحورُ علومٍ كَم لنا قذفت درّا
نُجومُ هدىً شمسُ النبيِّ تُمدّهم / بِأنوارِهم للناسِ ثغرُ الهدى اِفترّا
لِطاعةِ مَولاهُم وَتقواهُ لازموا / وَصاموا وَقاموا داوَموا الفكر والذِكرا
فَعلَّمَهم أَحكامهُ من كتابهِ / وَأَفهَمهم مِن سنّةِ المُصطَفى السرّا
وَأَشهَدهم ما لَم يرِد فيهما مَعاً / بِنورِهما قاسوا عَلى قدرهِ قدرا
فَأَقوالُهم منهُ وليسَ لَهُم سوى / مَظاهرِهم أَجرى بها اللَّه ما أجرى
وَكلُّ خِلافٍ جاء عنهم فإنّه / لَنا رَحمةٌ مع أنّه قَد أتى نزرا
فَبَعضٌ أَتانا القولُ عنه مُخفّفاً / وَبَعضٌ بقصدِ الأجرِ قد شدّد الأمرا
فَكلٌّ على حقٍّ ومَن قال بعضهم / عَلى خطأٍ قَد قال إنّ لهُ أجرا
فَما اِختَلفوا في الدينِ إلّا لحكمةٍ / وَما اِبتدَعوا في الدينِ نَهياً ولا أمرا
أُولئكَ أهل الذكرِ كانوا حياتَهم / وَمِن بَعدِهم أَبقى لهم ربُّهم ذِكرا
وَما القصدُ إلّا عِلمهم وهو حاصلٌ / إِذا خاطَبونا أَو قَرَأنا لهُم سفرا
بِهِم أُمّةُ المُختارِ في دينها اِقتَدت / مَذاهِبُهُم لِلحشرِ لا تفقدُ النَشرا
رَواها بِحُسنِ الضبطِ عَنهم أئمّةٌ / وَقَد ملؤوا الأقطارَ مِن نشرِها عطرا
وَما هيَ إلّا مِن شريعةِ أحمدٍ / جَداولُ تَجري كلُّ قومٍ لهم مجرى
وَقَد أشبهَ الإسلامُ بيتاً مُربّعاً / عَليها اِستَوى قَصراً وقامَ بها حصرا
مَذاهِبُهم مثلُ المَرايا صَقيلةٌ / بِها اِرتَسم القُرآنُ والسنّةُ الغرّا
فَأقوالُهم آياتهُ وَحديثها / بِمَعناهُما لكن عباراتُهم أخرى
قَدِ اِقتَبسوا مِن نورِ أحمد نورهم / فَبانَ لهُم ما في شَريعتهِ أجرى
وَمِن بَعدهم جاؤوا بمِقدارِ بُعدهم / عنِ المُصطفى صارَ الظلام لهم سِترا
بِنسبةِ بُعدِ الشمسِ يحصلُ نورها / لِقومٍ غَدا قلّاً لقومٍ غَدا كُثرا
وَكُلُّ إمامٍ جاءَ عنهم وصيّةٌ / لأصحابهِ ما بَينهم لَم تَزل تُقرا
إِذا صحّ قولُ المصطفى فهو مذهبي / وَما قلتهُ مِن قبلُ فاِرموا بهِ الجُدرا
وَما زالتِ الحفّاظُ من كلِّ مذهبٍ / تُحرّرهُ حتّى غَدا ذَهباً نضرا
شَريعةُ خيرِ الخلقِ شمسٌ منيرةٌ / وَأنوارُها قَد عمّتِ البرَّ وَالبحرا
أَضاءَت بها الأكوانُ بعدَ ظَلامِها / وكَم ذا أمدّت مِن أئمّتنا بدرا
لَقَد أَشرَقَت فيهم وفي كلِّ مؤمنٍ / وَأَعطَت لكلٍّ مِن أشعّتها قدرا
وَلكن بِقدرِ القابليّة نورُها / يَكونُ قَليلاً بالمقابلِ أو نزرا
وَهل يَستوي أَن قابلت بشُعاعها / جَواهِرَهم أو أنّها قابلَت صخرا
وَأجهلُ خلقِ اللَّه من قال إنّها / بإِشراقها ساوَت معَ الحجرِ الدرّا
وَكَم مِن إمامٍ جاءَ في كلِّ مذهب / كبيرٍ بهِ قَد أحرزَ المذهبَ الفخرا
وَما مِنهمُ فردٌ بِدعوى اِجتهادهِ / سَمِعنا لهُ في غير مذهبهِ مَسرى
بَلى مِن طريقٍ للولايةِ واضحٍ / يَجوزُ بقاءُ الإجتهاد ولا حجرا
وَأَمّا طريقُ الدرسِ بالنفسِ والهوى / فَكَم أوصَلَت للسالكينَ بها شَرّا
قَدِ اِجتَهدوا فيها بحُكم نُفوسهم / فَنالوا بِها مِنها الكبائرَ والكِبرا
نَعَم كلُّ قَرنٍ يبعثُ اللَّه فيه من / يُجدّدُ أمرَ الدينِ ينصرهُ نَصرا
وَذلكَ إمّا واحدٌ أو جَماعةٌ / بِكثرةِ عِلمٍ أو بِمَنقبةٍ أخرى
عَلى الكلِّ مِن مولاهُ هتّانُ رحمةٍ / تُمازجُ منهُ الروحَ والجسمَ وَالقبرا
وَكَم مِن قُرونٍ قَد تَوالت ولَم يُجِل / بِدَعوى اِجتهادٍ مُطلق عالمٌ فِكرا
فَكيفَ اِدّعاهُ الجاهلونَ بِعَصرنا / فَما أَقبحَ الدَعوى وَما أَفظعَ الأمرا
وَأوّلُهم قَد كانَ شَيخاً مُشرّداً / بهِ مَلكُ الأفغانِ أَجرى الّذي أجرى
أَراد فَساداً في ديانةِ قومهِ / عَلى قربهِ منهُ فَأبعدهُ قهرا
تَسمّى جَمالَ الدينِ مع قبحِ فعلهِ / كَما وَضعوا لفظَ المفازَةِ للصَحرا
يَقولونَ هذا المُصلحُ الأكبرُ الّذي / بهِ صارَ حُكمُ الدينِ في عَصرِنا يُسرا
مَذاهبُ أهلِ العلمِ ممّن تَقدّموا / تُوافقُ أَحوالَ الزَمانِ الّذي مرّا
وَأَبدعَ هَذا الشيخُ لِلناسِ مَذهباً / يُوافقُ في تَيسيرِ أَحكامهِ العَصرا
غَدا كلُّ عَبدٍ فيه صاحبَ مَذهبٍ / بهِ صارَ في الأحكامِ مُجتهداً حرّا
فَقد كانَ تنّوراً لطوفانِ غيّهم / وَلكن محلَّ الماءِ فارَ لَهُم جَمرا
أَتى مصرَ مَطروداً فعاثَ بقُطرها / فَيا قبحهُ شَيخاً ويا حُسنهُ قطرا
وَكنتُ بذاكَ الحينِ فيها مجاوراً / بِأَزهرِها صاحبتُ أنجمهُ الزُهرا
بِتاريخِ ستٍّ والثمانين قَد تَلت / مَع المائتينِ الألفَ في الهجرة الغرّا
حَضرتُ بفقهِ الشافعيّ خطيبهُ / عَلى شيخِ شربينٍ فألفيتهُ بَحرا
وَجاءَ جَمالُ الدين يَوماً لدرسهِ / فَألقى عَلى الأستاذِ أسئِلةً تَترى
فَفاضَت عَليهِ مِن مَعارفِ شَيخنا / سُيولٌ أَرتهُ علمهُ عندهُ قَطرا
وَإِذ شمَّ منهُ الشيخُ ريح ضلالهِ / وَإِلحادهِ أَولاهُ مَع طردهِ زَجرا
وَذاكرتهُ يَوماً فأخبرَ أنّه / كَأُستاذِنا لَم يُلفِ في مصرهِ حبرا
وَمِن بعدِ هَذا حازَ في مصرَ شُهرةً / وَأَلقى دُروساً للفلاسفِ في مِصرا
وَحينَ أتاهُ ذلكَ الحينَ عبدهُ / وَأمثالهُ أَفشى لهُم ذلكَ السرّا
أَسرّ لَهُم محوَ المذاهبِ كلّها / لِيرجعَ هذا الدينُ في زعمهِ بِكرا
فَلَم يلف مِنهم غيرَ خلٍّ موافقٍ / سميعٍ له قولاً مطيعٍ له أمرا
فَساقَ عَلى الإسلامِ منهم جحافلاً / يَرى فِرقةً سارَت فَيُتبعها أُخرى
أَغاروا على الإسلامِ في كلِّ بلدةٍ / فَما تَركوا نَجداً وَما تَرَكوا غورا
شَياطينُ بينَ المُسلمينَ تَفرّقوا / بإِغوائِهم كَم أَفسَدوا جاهلاً غمرا
قَدِ اِختَصروا بالجهلِ دين مُحمّدٍ / وَما تَرَكوا من عُشرِ أحكامهِ العُشرا
لَقَد زَعَموا إِصلاحهُ بفسادِهم / وَكَم حمّلوهُ مِن ضَلالاتِهم إِصرا
كفيران قصرٍ أفسدَت فيهِ جهدَها / تَرى نفسَها قد أصلَحت ذلكَ القَصرا
فَما بالُهم لا يُصلحون نُفوسهم / أما هيَ بِالإصلاحِ مِن غيرِها أحرى
وَقد جاءَ في القرآنِ ذكرُ فَسادِهم / وَزَعمهمُ الإصلاحَ في السورة الزهرا
وَفي درّهِ المنثورِ سلمان قائلٌ / همُ بعدُ لم يأتوا فَخُسراً لهم خسرا
وَها هم أتَونا مثلَ ما قال ربُّنا / بِأوصافِهم فاِعجَب لَها آيةً كبرى
خَوارجُ لَكِن شيخُهم غير نافعٍ / وَلكنَّهُ قَد كانَ أزرقَ مغبرّا
وَقَد جاءَ في الأخبارِ وصفُ مُروقهم / منَ الدينِ مثلَ السهمِ للجهةِ الأخرى
بِفِعل البُرستنتِ اِقتدوا باِجتِهادهم / لِقولِ رَسولِ اللَّه لو دخلوا جُحرا
أُولئكَ قَد ألغَوا زوائدَ دينهم / وَقد ضلّلوا في ذلكَ القسَّ والحَبرا
قَدِ اِجتَهدوا في دينِهم حينَما رأوا / مَجامِعَهم زادتهُ في نكرهِ نُكرا
وَمَهما يكُن عذرٌ لهم باِجتِهادهم / فَمُجتهدونا اليومَ قَد فَقدوا العُذرا
وَمَع كونِهم مثل البُرستنتِ فارَقوا / أَئمّتهم كلٌّ غَدا عالماً حبرا
فَقَد قلّدوا أهلَ المجامعِ منهمُ / بِمُؤتمرٍ للبحثِ في الدينِ في مصرا
بهِ سننَ القومُ النَصارى تتبّعوا / عَلى الإثرِ لَم يَعدوا ذِراعاً ولا شبرا
فللَّه درُّ المُصطفى سيّدِ الوَرى / فَقَد طابَقَت أخبارهُ كلّها الخُبرا
أَمِن بعدِ قول اللَّه أكملت دينكم / يُريدونَ في الإسلامِ أَن يُحدِثوا أمرا
يَقولونَ لا نَرمي كِتاباً وسنّةً / وَنَتبعُ زَيداً في الديانةِ أو عمرا
وَذلكَ حَقٌّ قصدُهم فيه باطلٌ / وخيرُ كلامٍ قَد أَرادوا به شرّا
أَرادوا بهِ مِن جَهلِهم بِنفوسهم / لترفعَ دَعوى الإجتهادِ لهُم قَدرا
فَصارَت جميعُ الناسِ ساخِرةً بهم / كَما يدّعي الحجّامُ سَلطنةً كبرى
وَما أَخَذت كلُّ المذاهبِ عندنا / بِغيرِ كتابِ اللَّه والسنّةِ الغرّا
أَئمّتُنا الأخيارُ قد شَرَحوهما / وَهُم بِكلامِ اللَّه وَالمُصطفى أدرى
وَأَشقى الوَرى من ضلَّ في ليلِ غيّهِ / وَما قلّدَ الساري الّذي شاهدَ البَدرا
فَكلُّ دَعاوي الإجتهادِ نَردُّها / وَنَرمي بِها بَحراً ونَرمي بها برّا
وَما يدّعيهِ اليومَ غيرُ حثالةٍ / بِأسفل حوضِ العلمِ كدّرتِ المجرى
قَدِ اِجتَهدوا في خذلِ دينِ مُحمّدٍ / وَإِن زَعَموا بِالإجتهادِ له نصرا
قَدِ اِجتَهدوا أَن لا تكاليفَ عندهم / فَصاروا إِباحيّينَ لا نهيَ لا أمرا
وَما العلمُ شرطُ الإجتهادِ ولا التُقى / لَديهم ولكِن كلُّ عبدٍ غدا حرّا
فَيفعلُ في الأحكامِ فعلَ دوابهِ / إِذا أُطلِقَت مِن دونِ قيدٍ إلى الصحرا
وَأَقوى شُروطِ الإِجتهادِ لَديهمُ / وَقاحةُ وَجهٍ حدّهُ يفلقُ الصَخرا
وَكَم ذا رَأَينا في الأُلى يدّعونه / تُيوساً وكَم ذا قَد رَأينا بهم حُمرا
نَعم جَهلُها جَهلٌ بسيطٌ وجهلهم / بِتركيبهِ قَد صارَ أَقواهُما ضرّا
وَقَد جاوَزوا أَطوارَهم ودوابهم / عَلى حالِها ما جاوَزَت مِثلَهُم طَورا
فَما قطُّ شاهَدنا حِماراً مُسابقاً / جَواداً وَتيساً صارعَ الليثَ وَالنِمرا
وَهُم لو تعدّوا ألفَ طورٍ ومثلها / حُدوداً وأَطواراً لَما جاوزوا القعرا
يَقولونَ إنّا كالأئمّة كلّنا / رِجالٌ وما زادوا على أحدٍ ظفرا
لَقد أَخطؤوا أينَ الثريّا منَ الثرى / وَما لبغاثِ الطيرِ أن يشبه النَسرا
نَعَم مثلُهم وزناً بوزنٍ وصورةٍ / عَلى صورةٍ كالتربِ قد أشبه التِبرا
وَلَو ثمَّ مِرآةٌ يرونَ نُفوسهم / بَها لَرأوها بينَ أهل النُهى ذرّا
يَقولونَ أَغنانا كتابٌ وسنّةٌ / وَلَم يُبقيا فينا لِغَيرهما فَقرا
وَفي الألفِ مِنهم ليسَ يوجدُ حافظٌ / لِجزءِ حَديثٍ قلَّ أَو سورةٍ تُقرا
وَما قَرؤوهُ مِنهُما عَن جهالةٍ / فَلا فاهمٌ معنىً ولا عالمٌ سرّا
وَما نَهيا عنه وما أمَرا بهِ / فَلا سامِعٌ نهياً ولا طائعٌ أمرا
تَراهُم إباحيّين أو هُم نَظيرهم / إِذا كنتَ عَن أسرارهِم تكشفُ السِترا
وَكلُّ اِمرئٍ لا يَستحي في جدالهِ / مِنَ الكذبِ وَالتلفيق مهما أَتى نُكرا
فَمَن قالَ صلّوا قال قائلهم له / يَجوزُ لَنا في البيتِ نَجمعُها قَصرا
وَإِن قيل لا تشرَب يقولُ شَرِبتها / بِقصدِ الشِفا أَو قالَ ليس اِسمُها خمرا
فَيجهرُ كُلٌّ بالمَعاصي مجادلاً / بِما نَفثَ الشيطانُ في قلبهِ سرّا
فَلا صامَ لا صلّى ولا حجّ لا حبى / فَقيراً وإِن أَودى به فقرهُ برّا
وَفي الألفِ منهم واحدٌ ربّما أتى / مَساجدَنا لَكِن إذا كانَ مُضطرّا
وَأَخبَرَني مَن لا أشكُّ بصدقهِ / بأَن قَد رَأى من بالَ منهم بلا اِستِبرا
وَلازمهُ حتّى أَتى بعدُ مَسجداً / فَصلّى وَلَم يُحدِث منَ الحدثِ الطُهرا
وَآخر منهُم قَد أقام صلاتهُ / بدونِ اِغتِسالٍ مَع جَنابتهِ الكُبرى
عَلى وجهِ كلٍّ من ظلامٍ علامةٌ / بهِ عرّفت مَن لم يكُن يعرفُ الأَمرا
بِهِم غربةُ الدينِ اِستَبانت بِعَصرنا / فَيا قُبحَهم قَوماً ويا قبحهُ عصرا
يَقولونَ عصرُ النورِ فيهِ تنوّروا / وَلكنّهُ مِن نورةٍ تحلقُ الشَعرا
وَقَد حلَقت أَديانَهُم من قلوبهم / فَما تَرَكت مِن نورِ إِيمانهم إثرا
مَعادنُ سوءٍ يتّقي المرءُ شرّهم / يُجامِلُهم جَهراً ويلعَنُهم سرّا
وَيجلبُ مِغناطيسَ إِلحادهم لهم / منَ الناسِ لعناتٍ وإن لعَنوا الغَيرا
عُداةٌ لكلِّ المُؤمنينَ قُلوبهم / لَهُم مُلِئت حِقداً وإن أَظهَروا البِشرا
ذِئابٌ على الإسلامِ صالوا وَما اِكتفوا / بِأَنيابِهم حتّى بهِ أَنشَبوا الظفرا
مَقاريضُ أعراض بِأَلسنةٍ لهم / حِدادٍ بِها قَد أَشبهوا الجرذُ والفَأرا
لَهُم أَوجهٌ كالصخرِ مثل قلوبهم / وَلَكن بِها ماءُ الحَيا ما له مجرى
وَإِنّي وَإِن أحكُم لِظاهرِ حالِهم / بِإِسلامِهم بِالقولِ لا أكفلُ السرّا
فَفي وَجهِ كلٍّ قَد بدا من ظلامهِ / دُخانٌ يُرينا أنّ في قلبهِ جَمرا
وَلَم أَجتَمِع واللَّه منهم بواحدٍ / وَذاكرتهُ إلّا وَددتُ لهُ القَبرا
وَلَم أَستَمِع دَعواهُ إلّا مقتّهُ / وَإلّا قرأتُ الحمقَ في وجههِ سطرا
وَلَم أرَ إلّا ناقصَ الدينِ والحِجا / بهِم فاسدَ الأفكارِ من أدبٍ صفرا
وَأَعداؤُهم مِن بَيننا كلُّ عالمٍ / وَلا سيّما إِن كانَ في فقههِ بَحرا
وَإِن كانَ مَشهورَ الوِلايةِ ضُمّنت / جَوانحُهم مِن بغضهِ الحصّة الكبرى
وَأَحبابهُم أهلُ الغِوايةِ مِثلهم / وَمَهما يكُن أَغوى يكُن عندَهم أحرى
مُناسبةٌ جرّت لكلِّ مُناسب / مُناسِبهُ إِن ساءَ ذلك أو سرّا
لَقد أَحرَزوا ما شانَ مِن كلّ بدعةٍ / وَما أَحرَزوا مِن فضلِ أصحابِها العشرا
جِبلّاتهُم بِالسوءِ قد جُبلت وهم / عَلى خُلقِ الأشرارِ قد فُطروا فطرا
أُولئكَ أَنصارُ الضلالِ وحزبهُ / وَإِن قدّر الرَحمنُ مِنهم لنا نصرا
فَإيّاكَ أَن تغترّ مِنهم بفاجرٍ / وَإِن أنتَ قَد شاهدتَ مِن فعلهِ الخيرا
فَذلكَ شَيءٍ جاءَ ضدّ طِباعهم / وَقد فَعَلوا أَضعافَ أَضعافهِ شرّا
وَكَم أيّد الإسلامَ ربّي بفاجرٍ / فَنُهدي له لا الفاجر الحمدَ والشكرا
أَشدُّ منَ الكفّار فينا نكايةً / وَأَعظم مِنهم في دِيانتنا ضرّا
منَ الكفرِ ذو الإسلامِ يأخذ حذرهُ / وَمِن هؤلاءِ القومِ لا يأخذ الحِذرا
مُعاشِرُهم يَسري له من ضلالهم / مَفاسدُ تُرديه ويَحسَبُها خيرا
عَلى دينِنا ساقوا كتائبَ كتبهم / وَفي حَربهِ جاءَت جرائدُهم تترى
بِها فَتحوا للناسِ بابَ ضلالهم / بِها رَفعوا الدُنيا بها خفَضوا الأخرى
بِها خَلَطوا بالحقِّ باطلَ غيّهم / بِها مَزَجوا الإسلامَ بِالمللِ الأخرى
لَقَد أخرَجوا في صورةِ النصحِ كذبها / بِبهرجةٍ غرّوا بها الجاهلَ الغِرّا
وَقَد دوّنوا فيها مَذاهبَ غيّهم / وَفي ضِمنها دسّوا الدسائسَ وَالمَكرا
فَصارَت لهُم كالأمّ أحكامُهم بها / مُدوّنةٌ لكنّها وَلدت شرّا
وَنِسبَتُهم عندَ الأئمّة مثلها / لَدى كُتبهم كالشهدِ قِست بهِ الصَبرا
فَيا أمّةَ الإسلامِ يا خير أمّةٍ / بِسبلِ الهُدى تَقفو أئمّتها الغرّا
عَليكُم بكتبِ الدين من كلّ مذهبٍ / وَمِنهم ومِن أقوالهم فاِلزَموا الحذرا
سَفينةُ دينِ اللَّه فيها نَجاتُكم / إِذا فارَ تنّور الفسادِ لكم فَورا
مَذاهِبُكم نعمَ الحصونُ لدينكم / فَلا تفتُروا عَنها ولا تبعُدوا فِترا
أَلا فاِحذَروا الأسدَ الضَواريَ مرّة / وَمِن هؤلاءِ المارقينَ اِحذَروا عَشرا
مَجاذيمُ مِن داءِ الضلالةِ كلُّهم / فَما أَحدٌ مِن دائهِ أبداً يبرا
تَجارت بِهم أَهواؤُهم كالّذي جَرى / بِه كَلبٌ يعدي إِذا نهشَ الغَيرا
وَهُم كلَّ يَومٍ باِزديادٍ كأنّهم / أَبالِسةٌ بالحكِّ قَد ولّدَت أُخرى
وَكلّهمُ رِجسٌ ولَكن دُعاتُهم / نَجاسَتُهم جاءَت مغلّظةً كُبرى
فَلو غُسلوا في البحرِ وَالبحرُ طافحٌ / لَما أثّر البحرَ المُحيطُ بِهم طهرا
كَأسنانِ مشطٍ كلُّهم في ضَلالهم / فَلا أَحدٌ يُبدي على أَحدٍ فَخرا
وَلا تائبٌ مِنهم وهل ثمَّ توبةٌ / وَهُم لا يرَون الوِزرَ في نفسهِ وِزرا
فَقَد ملكَ الشيطانُ ملكاً مؤبّداً / نَواصيهم وَاللحمَ وَالعظمَ والشعرا
أُجاهِدهُم ما دمتُ حيّاً فإن أَمُت / تَركتُ لَهم جيشينِ نَظميَ والنثرا
وَلستُ أُبالي إِن أفُز بِجهادهم / إِذا فاتَني فَتحٌ لروميّة الكُبرى
لَهُم شيخُ سوءٍ مِن بَني القِبطِ أصلهُ / بِسحنتهِ الشوهاءِ نسبتهُ تُقرا
عَلى قَلبهِ سادَ الهَوى فهو عبدهُ / وَقَد سكَنَ الشيطانُ مِن رأسهِ وَكرا
أَبو مرّةٍ في مصرَ أحرزَ إِمرةً / فَصيّر عيشَ المسلمينَ بِها مرّا
أَبو جهل هَذا العصرِ قَد صارَ مُفتياً / بِمصرَ فأحيا الجاهليّة في مِصرا
كَنمرودَ لكن لا سلامَ لنارهِ / وَفي بحرهِ فِرعونُ لا يحسنُ العَبرا
بهِ بلَغَ الشيطانُ في الدين قصدهُ / وَقَطّبَ وَجهَ الحقِّ والباطلُ اِفترّا
جَريءٌ عَلى الفَتوى بحقٍّ وباطلٍ / بِحُكمِ الهَوى والجهلِ ما شاءُه أجرى
وَليسَ بِعلمِ الفقهِ يلحقُ مُحضراً / وَإِن راحَ يَعدو خلفهُ أبداً حَضرا
وَمَع جهلهِ في دينِنا وعلومهِ / يَرى نفسَهُ أَعلى أئمّتهِ قَدرا
فُنونُ جُنونِ الجاهلينَ كثيرةٌ / وَأَقبَحُها قردٌ يَرى نفسهُ بَدرا
رَوى عَن جمالِ الدينِ أقبحَ ما روى / منَ العلمِ لَكن زادَ أضعافَهُ شرّا
رَوى عَنهُ مِن علمِ الفلاسفِ قطرةً / فَصارَ بِها مِن ضعفهِ طافحاً سُكرا
وَراحَ بِدعوى الإجتهادِ مُعربداً / يَقيءُ ضَلالاً نجّسَ البرَّ وَالبَحرا
وَضَلّلَ أهلَ العلمِ مِن كلِّ مَذهبٍ / بِكلِّ زَمانٍ باِتّباعِهمُ الغَيرا
لِسانٌ لَهُ كالثورِ لفَّ نباتهُ / وَلكنّهُ بِالجهلِ قَد غلبَ الثورا
فَلَم يُرَ ثورٌ زاحمَ الأسدَ قبلهُ / وَلا حدأةً من قبلهِ زاحَمت نَسرا
تَولّعَ بِالدُنيا وصيّرَ دينهُ / إِليها عَلى ما فيهِ مِن خفّةٍ جِسرا
يَميناً إِذا كانَت يَميناً وإن تَكُن / يَساراً سَعى يعدو إِليها منَ اليُسرى
فمِن جهةٍ يُدعى الإمامَ ويقتدي / بِأعمالِ أهلِ الكُفرِ مِن جهة أُخرى
يَذمُّ خيارَ المسلمينَ وعندما / يَرى حاجَةً للكفرِ يَستحسنُ الكُفرا
لِكَيما يقالَ الشيخُ حرٌّ ضميرهٌ / فَيبلغَ عندَ القومِ مَرتبةً كُبرى
وَما زالَ مَشهوداً على الدينِ شَرُّهُ / وَإِن زَعَم العُميانُ أنّ بهِ خَيرا
لَئِن نَفَع الإسلامَ مِن دونِ قصدهِ / فَكم هوَ عَن قصدٍ به ألحقَ الضرّا
خَبيثٌ حَكى أمَّ الخبائثِ إذ حوت / عَلى كِبَرٍ في الإثمِ مَنفعةً صغرى
مَضرّاتهُ مثلُ الجبالِ وإنّما / مَنافعهُ في الدينِ أَشبهتِ الذرّا
أَجلُّ شَياطينِ الضلالِ بعَصرهِ / وَأعظمُ أهلِ الزيغِ في مصرهِ خُسرا
تَكاملَ قبحُ الذاتِ فيهِ وَإِن يَكُن / بِنسبةِ قُبحٍ في عقيدتهِ نَزرا
تَدلُّ عَلى خافيهِ ظلمةُ وجههِ / وَأسرارُ قلبِ المَرء مِن وَجههِ تُقرا
أَتى لبلادِ الشامِ أيّامَ نفيهِ / فَأنبتَ فيها مِن ضَلالتهِ بذرا
بِها باضَ بيضاً كان إبليس حاضناً / لهُ فَسَعت أفراخهُ تتبعُ الإثرا
وَعادَ إلى مصرٍ فأحدث مذهباً / وَلوّثَ مِن أقذارهِ ذلك القُطرا
وَأيّدَ أعداءَ البلاد بسعيهِ / وَأَوهمَ أَهلَ الجهلِ أَنّ بهِم خَيرا
يُحسّنُ بينَ الناسِ قُبحَ فِعالهم / وَمَهما أَساؤوا راحَ يلتمسُ العُذرا
بِمِقدارِ ما خانَ البلادَ وما أتى / لأعدائِها نُصحاً علا عندَهُم قدرا
وَلَم يَقتَنِع منهُم بِدُنيا اِستفادها / وَلكنّهُ قَد شاركَ القومَ في الأخرى
وَأَحدثَ بينَ المُسلمينَ نَظيرهم / بُرستنتَ صاروا مثلهُم فرقةً أخرى
لَقَد قادَهم منهُ إلى رأي ملحدٍ / إِذا لَم يكُن كُفراً فقد قاربَ الكفرا
وَنالَ بِجاهِ القومِ في الناسِ رُتبةً / بِها حازَ فيمَن شاءَه النفعَ والضرّا
فَأَصلى رِجالَ العلمِ من كلِّ مذهبٍ / بِنارِ فسادٍ منهُ قَد قذَفت جَمرا
فَمِن رَهبةٍ أَو رَغبةٍ كَم سعى له / طَغامٌ من الجهّالِ أَكسبهم خُسرا
وَأَلقى لَهُم دَرساً يخالفُ حكمهُ / بِأزهرِها المعمورِ دينَ أبي الزهرا
وَقَد ضلَّ في القرآنِ مع عظم نورهِ / كَما خَبَطت عَشواءُ في الليلةِ القَمرا
فَتفسيرهُ مِن رأيهِ ليس خالياً / فَإمّا يُرى فِسقاً وإما يرى كفرا
أُحذّرُ كلَّ الناسِ من كتب دينهِ / وَبالردِّ وَالإعراضِ تَفسيره أَحرى
وَساوِسُ أَوحَتها إليهِ أبالسٌ / بِها يجِدُ المُرّاقُ إن عُذِلوا عُذرا
عَقيدتهُ في قبحِها مثلُ وجههِ / تُشاهدُ في مِرآةِ ملّتنا الغرّا
وَأَقوالهُ مثلُ السرابِ بقيعةٍ / بِظاهِرها قَد تخدعُ الجاهلَ الغِرّا
مَحاسنُ أَلفاظٍ لهُ قَد تَزخرفت / تغُرُّ اِمرءاً لا يعرف الخير والشرّا
بهِ بَرَزَت حسناء في شرّ مَنبتٍ / كَما نَبتَت في الدمنةِ البقلةُ الخضرا
يَرى لِذوي الإلحادِ فَضلاً وأينَما / رَأى ذا اِبتداعٍ راحَ يمنحُهُ شُكرا
يَرى لِفتى تيميّةٍ باِبتداعهِ / وَزلّاتهِ في الدين مَنقبةً كبرى
وَلكنّهُ لَم يتّبعه بزهدهِ / وَأقوالهِ الحسنا وخيراته الأخرى
وَيمدحُ وهّابيّةً لمسائلٍ / بِها قَد أَتوا نكراً وضلّوا بها فكرا
وَيَفعلُ أَفعالاً إِذا عُرِضَت على / أُولئكَ عدّوها بمذهبهم كفرا
يُعاشرُ نِسوانَ النَصارى ولا يرى / بِذلكَ مِن بأسٍ وإن كشفَ السِترا
وَيأكلُ منهم كلّ ما يأكلونهُ / وَيشربُها حَمراءَ إِن شاء أو صفرا
وَيُفتي بحلِّ المُسكِرات جَميعها / إِذا هيَ بالأسماءِ خالفتِ الخمرا
وَيأكلُ مَخنوقاً ويُفتي بحلّه / لِئلّا يقولوا إنّه اِرتكبَ الوِزرا
وَتحليلهُ لبسَ البرانيط والرِبا / بهِ بعضُ أهلِ العلمِ قَد ألحقَ الكُفرا
وَكَم زارَ باريزاً ولُندرةً ولم / يَزُر مكّةً يَوماً ولا طيبةَ الغرّا
وَإِن كانَ يَوماً للرِياء مُصلّياً / يُرى فاعِلاً يوماً وتارِكها شهرا
وَكَم مِن إِمامٍ كاِبن حنبل مُلحقٍ / بتارك فرضٍ مِن فرائضها كفرا
وَبالفسقِ قالَ الشافعيّ ومالكٌ / ومِن أجلِ فرضٍ أوجَبا قتلهُ زَجرا
وَمثلَهُما النعمانُ قال بفسقهِ / بِلا قتلهِ لكنّه يحبسُ الدَهرا
فَقَد عاشَ إمّا واجب الحبسِ عمرهُ / وإمّا غدا بينَ الورى دمهُ هَدرا
فَمَن قالَ كالكلبِ العقور فصادقٌ / سِوى أنّهُ في الدينِ قَد فعَل العَقرا
وَقَد كنتُ في لبنانَ يوماً صَحِبتهُ / لقربِ غروبِ الشمسِ من ضحوةٍ كبرى
وَصَلّيتُ فرضَ الظهرِ والعصر بعدهُ / لديهِ وَما صلّى هوَ الظهرَ والعصرا
وَكان صحيحَ الجسمِ لا عذر عندهُ / بَلى إنّ ضعفَ الدينِ كانَ لهُ عُذرا
وَمَع كلِّ هذا فهوَ أُستاذُ عصرهِ / فَأُفٍّ لهُ شَيخاً وأُفٍّ له عصرا
وَقبلَ غروبِ الشمسِ صاحبتُ شيخهُ / لِقربِ العشا أيّامَ جاورتُ في مِصرا
وَلَم أرهُ أدّى فريضةَ مغرب / فَقاطعتُ شيخَ السوءِ من أجلها الدهرا
رَمَى اللَّه كلّاً منهُما بِلِسانهِ / بِداءٍ فَذاقا الموتَ في قطعهِ مرّا
وَذاكَ أبو الآفاتِ كَم ذا هَجا بهِ / وَليّاً وكَم في الدينِ قَد نطقَ الهجرا
كَأُستاذهِ في الدين حازَ مساوياً / إِذا مُزِجت بالبحرِ أفسدتِ البحرا
وَزادَ عليهِ قوّةً وَضلالةً / فَولّد في الإلحادِ في عُشرِه عَشرا
وَكَم مِن تَلاميذٍ له كلُّ واحدٍ / هوَ الشيخُ إلّا أنّه نسخةٌ أخرى
قَدِ اِعتَقدوا كلَّ المَساوي محاسناً / لهُ وَرأوا تلكَ الشرورَ به خيرا
بهِ نالَهم كالسامريّة فتنةٌ / ولكِن محلّ العجلِ قَد عَبَدوا الثورا
حَكى الحسنُ ابن الأسطوانيّ وهو من / بدورِ الهُدى في الشامِ أكرِم به بدرا
حَكى أنّه مِن بعدما ماتَ عبدهُ / رَأى عينهُ في النَوم مطموسةً عورا
فَأوّلتُ أنّ الشيخَ دجّال عصرهِ / وَما زالَ دجّالاً وإِن سكنَ القبرا
فَقَد ماتَ لكن أحيتِ الدجل كتبهُ / وَورّثَ كلّاً مِن تَلاميذهِ قدرا
مَراتِبُهم في إرثهِ قَد تَفاوتت / فَذو حصّةٍ صُغرى وذو حصّةٍ كبرى
وَمِن حيثُ أصل الدجلِ أكفاءُ بعضهم / فَلا واحدٌ يُبدي على واحدٍ فخرا
وَهُم كلُّهم والشيخُ أيضاً وشيخهُ / إِلى الأعورِ الدجّال نِسبتُهم تُدرى
وَلَولا حديثُ المُصطفى لأسامةٍ / يقولُ بهِ هَلّا شَققتَ لهُ الصدرا
لَما صحّتِ الدَعوى بإسلام بعضهم / لديَّ وما اِستبعدتُ عَن بَعضِهم كفرا
وَكنتُ كتبتُ الكافَ والفاءَ بعدها / على جَبَهاتِ القومِ كَي يَعرِفوا والرّا
كَما جاءَ في الدجّال يكتبُ لَفظها / فَيقرأُ مَن يَقرا ومن لم يكن يقرا
فَقَد أشبهوهُ في معانٍ كثيرةٍ / منَ الدجلِ والإلحادِ والبدع الأخرى
وَما الفرقُ إلّا أنّهم في قلوبهم / عَماهم ودجّالُ الورى عينهُ عورا
مُقدّمةٌ للجيشِ عنهُ تقدّموا / وَجندٌ لهُ من قبلهِ مهّدوا الأمرا
تَقدّمَ فيهم نائباً عنه عبدهُ / فَأغوى الّذي أَغوى وأغرى الّذي أغرى
فَويلٌ لهُ ويلٌ لمن يتّبعونهُ / وَمَن كانَ مِن أعدائِهم فله البُشرى
وَأمّا رشيد ذو المنارِ فإنّهُ / أَقلّهمُ عَقلاً وأكثرهم شرّا
أَتاني ببيروتٍ بشرخٍ شبابهِ / بِمُقلتهِ السودا ووجنتهِ الحمرا
لَه لحيةٌ مقصوصةٌ من جذورها / تُترجِمُ عنهُ أنّ في نفسهِ أمرا
وَكانَ وليُّ الأمرِ عنديَ جالساً / نُصوحي جزاهُ اللَّه عن نصحهِ خيرا
فَوبّخهُ مُستقبحاً ما أتى بهِ / وَأَبدى لهُ مِن سخطهِ النظرَ الشزرا
وَقد غابَ عنّي خمسَ عشرة حجّةً / وَعادَ ولَم يَزدَد شعوراً ولا شعرا
وَشاهدتُ منهُ الوجهَ أغبر مظلماً / كأنَّ عليهِ مِن ضلالتهِ سِترا
وَذلكَ مع ما فيهِ أهون أمرهِ / إِذا ما بهِ قيسَت فظائعهُ الأخرى
وَأفعالهُ تُبدي قبيحَ ضلالهِ / وَتكشفُ عَن مكنونِ إِلحادهِ السِترا
وَأطوارهُ في حُكمها قَد تَناقضت / بِحكمِ هواهُ كلّ وقتٍ ترى طورا
فَكَم ذا أرادَ النصبَ في درس جامعٍ / فَأولاهُ أربابُ التُقى الخفضَ والجرّا
وَكم قامَ يَتلو في الكنيسة خطبةً / بِها نابَ عن قسٍّ وعانقهُ جَهرا
وَكَم قامَ في وسطِ المجامعِ خاطباً / وَقد مَزج الإيمانَ بالخلطِ والكفرا
لهُ كجمالِ الدينِ نسبة كاذبٍ / بِها زادَ في طُنبوره نغمةً أخرى
وَقَد سَمِعَت أُذنايَ قول اِبن عمّه / مُجيباً بأن لا نِسبة لهمُ تُدرى
وَكيفَ يكونُ اِبن النبيِّ عدوَّهُ / فَأعظِم به زوراً وأعظم به وزرا
وَهذا منارُ السوءِ مرآة مجدهِ / وَقَد أظهرَت في موضعِ الشرفِ الشرّا
أَتى مصرَ مَطروداً وقد خانَ دينهُ / وَدولتهُ يا لهفَ قلبي على مِصرا
أَتاها وَقَد مصّ الثَرى في بلادهِ / منَ الجوعِ لا بِرّاً حواهُ ولا بُرّا
فَآواهُ في أكنافهِ الشيخ عبدهُ / وَأشبعهُ خبراً وأشبعه خسرا
وعلّمهُ مِن علمهِ شرّ صنعةٍ / بِها ربِحَ الدُنيا وقد خسر الأخرى
وَهذا منارُ السوءِ أسّسه له / وَلقّنهُ التضليلَ سطراً تلا سطرا
فَدامَ على ما أسّسَ الشيخ ثابتاً / وكَم فوقهُ قَد شادَ مِن بدَعٍ قصرا
وَلَم تخلُ منهُ نسخةٌ من ضَلالةٍ / عَلى لعنهِ تُغري الوَرى كلَّما تُقرا
وَواللَّه إنّي في المنامِ رأيتهُ / بَدا حبشيَّ اللونِ أَسودَ مُغبرّا
رَأيتُ سَوادَ اللونِ قَد عمّ وجههُ / وَعَهدي بهِ مِن قبلُ أبيضَ مُحمرّا
وَأَدركتُ في رُؤياي أنّ منارهُ / عليهِ غَدا ناراً ونالَ به الخُسرا
فَذاكَ الّذي من أجلهِ اِسودّ وجههُ / فَأصبحَ فَحماً كانَ مِن قبله جمرا
غَدا ناشِراً فيهِ ضلالات شيخهِ / كَما نَشَر الزرّاعُ في أرضهِ البَعرا
فَغذّى بِهاتيكَ النجاسات مَعشراً / بِدون عقولٍ خمّنوا بعرَها تمرا
وَلفّقه من كلِّ بدعة مارقٍ / منَ الدين لا يَدري الصوابَ ولا يُدرى
وَكَم ضلَّ رَأياً مِن سَقامةِ فهمهِ / بِأمرٍ صحيحٍ مِن شَريعتنا الغرّا
وَلَو سألَ الأشياخَ أدرك سرّه / وَلكنّه مع جهلهِ قَد حَوى كِبرا
وَمِنه حديثُ الشمسِ بعدَ غُروبها / فَتسجدُ تحتَ العرشِ تَستأذنُ السيرا
بِآخرِ شهرِ الصومِ من عام سبعةٍ / وَعشرينَ قد أَبدى المنارُ له ذِكرا
رَواهُ الإمامانِ البخاري ومسلمٌ / فَصِحّتهُ كالشمسِ قَد طَلَعت ظُهرا
وَما شكَّ في صدقِ الحديثِ وإنّما / رَأى خبَر المُختارِ ما طابقَ الخُبرا
وَصَرّح فيهِ أنّه غير واقعٍ / وَأنّ رَسولَ اللَّه لم يعرفِ الأمرا
فَهل بعدَ ذا التكذيبِ يحتاجُ كفرهُ / لإثباتهِ بينَ الوَرى حجّةً أخرى
وَفي جزءِ شَعبانٍ من العامِ نفسهِ / بِبيروت للإسلامِ قد جوّزَ الكفرا
أَباحَ لهُم أَن يعبدوا بكنيسةٍ / عِبادةَ أَهليها بمدرسةٍ كبرى
وَقلّدهُ مَن لَم يُبالوا بدينهم / لِكَيما يقولَ الناسُ إنّ لهم عذرا
وَلا عذرَ للأبناءِ عندَ بُلوغهم / وَآبائِهم مع شيخهم كَفروا طرّا
وَمَن قلّدَ الشيطانَ في أمر دينهِ / يَنالُ بهِ مِن دينهِ الخزيَ والخُسرا
فَتاويهِ في الأحكامِ طوعُ اِختيارهِ / تَصرّفَ كالملّاكِ في دينهِ حرّا
فَيحظرُ شَيئاً كان بالأمسِ واجباً / وَيوجبُ شَيئاً كانَ في أمسهِ حظرا
فَتحريمهُ تَحليله باِشتهائهِ / بأَهوائه أحكامُهُ دائماً تطرا
وَمذهبهُ لا مذهبٌ غير أنّه / يُجادلُ عَن أهوائِه الشهرَ والدَهرا
يُجادلُ أهلَ العلمِ بالجهل مملياً / عَلى فكرهِ إبليسهُ كلّ ما أجرى
وَيَبقى على ما قَد جَرى من كلامهِ / مُصرّاً ولَو أَجرى بألفاظهِ كُفرا
فَهَل بعدَ هذا الزيغِ يعتبُ مُسلمٌ / إِذا خاضَ مِن أَوصاف تَضليلهِ بَحرا
فَيا أمّةَ الهادي لَقد طالَ صَبركم / عَلى فاجر بالدينِ والمُصطفى أزرى
وَيا أهلَ مصرٍ كيف صارَ عدوّهُ / يُكذّبهُ ما بينَ أظهركم جهرا
وَعَهدي بكُم لِلدين أُسداً فما الّذي / لَكُم قَد جَرى حتّى تهيّبتمُ الهرّا
أَلا غَيرةٌ كالشامِ أَشكرُكم بها / فَلَستُ أؤدّي ما حييتُ لَها شُكرا
أَتاها وقَد عمّ الورى نارُ فتنةٍ / عَلى ملّةِ الإسلامِ قَد زَفَرت زَفرا
وَأعظِم بِها ناراً بِها قَد تقطّعت / سَلاسِلهُ مِن بعدِ تَقييدهِ دَهرا
طَرابلُسٌ مِن غَيظها بسَمت له / كَما أظهرَ الضِرغامُ من غيظهِ البشرا
وَقَد بَرقت كالسيفِ أرجاؤُها له / فَجاءتهُ بعدَ البرقِ صاعقةٌ كُبرى
وَساقَ لهُ الفاروقُ مِن نسلِ بنتهِ / مُقدّمَ قَومٍ كادَ يُسكنهُ القَبرا
عَلى رأسهِ اِنصبّت عَصاهُ كأنّها / قَناةٌ لهُ شقَّت وأَجرت بهِ نَهرا
عَليهِ سَطا كالليثِ شتّت جمعهُ / ففرّوا جَميعاً عنهُ إِذ سَمِعوا الزَأرا
وَأدماهُ منهُ فتكةٌ عُمريّةٌ / أَراد بِها ذاكَ الهزبرُ لهُ زَجرا
أَرادَ بِها إرغامهُ لا حمامهُ / كَما أرغمَ الليثُ الغضنفرُ سِنّورا
أَرادَ بها إيقاظهُ من سباتهِ / وَكانَ بِخمرِ العُجبِ مُمتلكاً سكرا
أَرادَ بِها تَحذيرهُ من ضلالهِ / فَكانَت لهُ مِن عُظمِ شِقوتهِ إِغرا
وَجاءَ دمشقَ الشام مِن بعدُ يَبتغي / دِراسة شَوكٍ قد توهّمه بُرّا
أَتى المسجِدَ المَعمورَ ينشرُ فرثهُ / وَقَد طبّقَ الأرجاءَ مِن أرضِهِ جَأرا
فَلمّا عَلا في السامِعينَ جؤارهُ / وَشاهدَ أُسدَ الدين هاجَت بهِ فرّا
وَكانَ بِها مِن تونس الغربِ صالحٌ / شَريفٌ فلمّا فاهَ أَلقمهُ فِهرا
مَحا ظلماتِ الغيِّ نور بيانهِ / وَأَخمدَ مِن نيرانِ إِلحادهِ الجمرا
رَماهُ بِسهمٍ من كنانة علمهِ / فَخارَ وَمِن أَعلى منصّته خرّا
وَأولاهُ مِن آل الخطيبِ خطيبهم / فَتى العلمِ عبدُ القادر الصدمةَ الأخرى
لَهُ سلّ مِن أفكارهِ خير صارمٍ / وَقبلَ ظُهورِ الفتكِ ولّى له الظهرا
كَذا فلتَكُن ساداتُنا آل هاشمٍ / كَذا فَلتَكُن أبناءُ فاطمةَ الزهرا
أُولئكَ أَبناءُ النبيّ وإنّهم / لَأولى الوَرى أن ينصروا دينه نصرا
بِهم قَد تَذكّرنا عليّاً وحمزةً / بِغزوةِ بدرٍ لا عَدِمنا بهم بدرا
وَلَم يحتجِ الشيخانِ في الدرس ناصراً / عَلى كثرةِ الأنصارِ للسنّةِ الغرّا
وَمِن بعدِها كَم شهبِ حقٍّ تساقطت / عَلى ذلكَ الشيطانِ أَلقَت بهِ البَحرا
جَزى اللَّهُ أهلَ الشامِ خير جزائهِ / وَتابَ على مَن تابعوا ذلكَ العيرا
وَجاءَ إِلى حمصٍ فخابَ وأرسلت / إِليه حماةٌ إِن أتى أرضَها النذرا
فَعادَ إِلى مثواهُ في قلمونهِ / وَمِن خوفهِ كالضبِّ قَد لزمَ الجُحرا
فَكانَت له في عمرهِ شرّ رحلةٍ / بِها بينَ تجّارِ الهُدى ربحَ الخُسرا
وَعادَ إِلى مصرٍ من الشامِ هارِباً / يُنفِّضُ عن أعطافهِ الموت والذعرا
وَلَو كانَ ذا عقلٍ لكانَ عقاله / وَلا سيّما مِن بعد أَن شاهد العقرا
وَلكنّهُ لا يَستحي من ضلالةٍ / وَمَهما تكُن عاراً يراها له فخرا
وَينشرُها بينَ الوَرى مُتبجّحاً / كَما شمّ من أَرجاسهِ الجعلُ العِطرا
وَقَد كانَ في شيخيهِ أعظمُ زاجرٍ / لَدى الموتِ لو شاءَ الإلهُ له زجرا
وَمِن نحوِ عامٍ جاءَني فنصحتهُ / كَما تنصحُ الثعبانَ أو تنصحُ الفأرا
وَذاكرتهُ في شيخهِ وهو عبدهُ / تملّكهُ الشيطانُ عن قومهِ قسرا
فَقلتُ له لو كاِبن سينا زَعمتمُ / وَعالم فارابٍ وأرفعهم قدرا
لَقُلنا لكم حقّاً وإن كان باطلاً / وَلَم نرَ مِن هذا على ديننا ضرّا
وَلكنّكم مع تركهِ الحجّ مرّةً / وَحجّ لِباريزٍ ولندرةٍ عشرا
وَمَع تركهِ فرضَ الصلاةِ ولم يكن / يسرُّ بِذا بَل كانَ يَترُكها جهرا
وَمع كونهِ شيخَ المسون مجاهراً / بِذلك لا يُخفي أخوّتهم سرّا
وَمع غيرِ هذا من ضلالاتهِ الّتي / بِها سارَ مثلَ السهمِ للجهةِ الأخرى
تَقولونَ أُستاذٌ إمامٌ لديننا / فَما أكذبَ الدعوى وما أقبحَ الأمرا
وَنحنُ نراهُ عِندَنا شرّ فاسقٍ / فَيقتلُ فِسقاً بالشريعةِ أو كفرا
رَضينا بحُكم اللَّه فينا وفيكم / وَحكمِ رسولِ اللَّه والشرعةِ الغرّا
تَعالوا نُباهلكم فنلعن مَن غدا / بِنا وبكُم أولى بلعنتهِ أحرى
فَيا ربّنا اِلعن شرّنا وأضرّنا / بِتحكيمهِ في الدينِ مع جهلهِ الفكرا
وَخُصَّ رَشيداً ذا المنار وشيخهُ / وَشيخَهما إن شئتَ بالحصصِ الكبرى
ثَلاث أثافٍ تحتَها نار فتنةٍ / وَمِن فوقها الإلحادُ صارَ لها قدرا
وَقَد دَخلوا حزبَ المسونِ بهمّةٍ / بِها حلّ كلٌّ من محافلهِ الصدرا
وَمَذهبُهم حكمُ الدياناتِ واحدٌ / تَساوى بهِ الإسلامُ والمللُ الأخرى
فَلو ثمَّ دينٌ لَم يجوّز دخولهم / وَلكنّه مِن قبلِ ذلك قد فرّا
مَضى اِثنان للأُخرى بأسوأِ عبرةٍ / وَمُقلة إبليسٍ لموتِهما عَبرى
وَثالثهم ما زالَ مع شرِّ عصبةٍ / على ملّةِ الإسلامِ آفاتُهم تَترى
فَمَن ماتَ منهم ماتَ أقبحَ ميتةٍ / فَلا رحمَ الرحمنُ سحنتهُ الغبرا
وَمَن عاشَ مِنهم عاش نحو جهنّمٍ / يحثُّ على آثارِ أشياخهِ السَيرا
فَيا ربِّ أَصلِحهم وإن لم ترد لهم / صَلاحاً فلا تنجِح إِلهي لهم أَمرا
وَأعجبُ شيءٍ مُسلمٌ في حسابهِ / غَدا قلبهُ مِن حبِّ خيرِ الوَرى صفرا
أُولئكَ وهّابيّةٌ ضلّ سَعيهم / فَظنّوا الرَدى خيراً وظنّوا الهدى شرّا
ضِعافُ النُهى أعرابُ نجدٍ جدودهم / وَقَد أَورَثوهم عنهمُ الزورَ والوِزرا
مُسيلمةُ الجدُّ الكبير وعرسهُ / سَجاحٌ لكلٍّ منهمُ الجدّةُ الكبرى
إِلى اللَّه بِالمُختارِ لَم يتوسّلوا / لأنّ لكُلٍّ عندَ خالقهِ قَدرا
فَقَد وَرِثوا الكذّابَ إِذ كان يدّعي / بأنَّ لهُ شَطراً وللمُصطفى شطرا
أَشار رسولُ اللَّه للشرقِ ذمّهُ / وَهُم أهلهُ لا غروَ أَن أطلعَ الشرّا
بهِ يطلعُ الشيطانُ ينطح قرنهُ / رُؤوسَ الهُدى واللَّهُ يَكسرهُ كسرا
فَكَم طَعَنوا بالأشعريِّ إِمامنا / وَبالمُاتُريدي الحبر أكرِم بهِ حبرا
بِتحقيرِ أحبابِ الإله تقرّبوا / إِليهِ فَنالوا البُعدَ إذ رَبِحوا الخُسرا
وَيَعتقدونَ الأنبياءَ كَغيرِهم / سَواءً عقيبَ الموتِ لا خيرَ لا شرّا
وَقَد عَذروا مَن يَستغيثُ بكافرٍ / وَما وَجَدوا لِلمُستغيثِ بهم عذرا
وَكَم رَحلوا لِلشركِ في دار رجسهِ / وَجابوا إلى أَوطانهِ البرَّ وَالبَحرا
وَما جوّزوا لِلمُسلمين رَحيلهم / لِزورةِ خير الخلقِ في طيبة الغرّا
رَمَوا بضلالِ الشركِ كلّ موحّدٍ / إِذا لَم يكُن مِنهم عقيدتهُ بَترا
وَهُم باِعتقادِ الشركِ أَولى لقَصرهم / على جِهةٍ للعلوِ خالِقنا قصرا
هو اللَّه ربُّ الكلّ جلّ جلالهُ / فَما جِهةٌ باللَّه مِن جهةٍ أحرى
تأمّل تَجد هَذي العوالم كلّها / بِنسبةِ وسع اللَّه كالذرّة الصغرى
فَحينئذٍ أينَ الجهات الّتي بها / عَلى اللَّه مِن حُمقٍ بِهم حكَّموا الفِكرا
وإنّ اِختلافاً للجهاتِ محقّقٌ / فَكَم ذا منَ الأقطار قطرٌ علا قطرا
وَكلُّ علوٍّ فهو سفلٌ وعكسهُ / وَقُل نحوَ هَذا في اليمين وفي اليسرى
فَمَن قالَ عُلوٌ كلّها فهوَ صادقٌ / وَذلكَ قَد يَقضي بِآلهةٍ أخرى
وَمَن قالَ سفلٌ كلُّها فهوَ صادقٌ / فَليسَ لهُم رَبٌّ على هذه يُدرى
فَمَن يا تُرى بالشركِ أَولى اِعتقادُهم / أُولئكَ أَو أصحابُ سنّتنا الغرّا
حَنابلةٌ لكنّ مَذهبَ أحمدٍ / إمامَ الهُدى من كلِّ ما أحدَثوا يبرا
وَقد عمَّ في هذا الزمانِ فَسادُهم / فَما تَركوا شاماً وما ترَكوا مصرا
وَلَم ينفرِد شذّاذُ مذهبِ أحمدٍ / فَقَد ضَلّ قَومٌ من مذاهِبنا الأخرى
كَشُكري الألوسي تابعاً إثر جدّهِ / وَأَعمامهِ لكنّهم آثَروا السترا
إِلى أَن رَمى مجنونُهم برجيعهِ / عَلى الناسِ في تأليفهِ ذلكَ السِفرا
وَما وَصلَت أرجاسهُ غير قومهِ / بهِ وَبِهم أَرجاسهُ حُصِرت حَصرا
وَمَهما أَبانوا عذرَهُم بجنونهِ / نُصدّقُهم فيهِ ولا نقبلُ العُذرا
فَكانَ علَيهم قيدهُ بسلاسلٍ / وَأَن يحجروهُ عَن فظائعهِ حجرا
فَمَن أطلقَ الكلبَ العقورَ فإنّه / هو المُخطِئ الجاني الّذي فعَلَ العَقرا
أَتى بكتابِ الشتمِ لا العلم داعياً / إِلى لعنهِ بينَ الوَرى كلَّ مَن يَقرا
عدوُّ رَسولِ اللَّه أرضى عُداتَهُ / وَمنّي ومِن أحبابهِ أوغرَ الصدرا
وَمِن حمقهِ أَو كفرِه قال إنّه / إِلهي وقَد أكثرتُ في مدحهِ الشعرا
وَلَو حلَّ مَدحي للنبيّ بسفرهِ / لَلوّثهُ تبّاً لهُ وله سِفرا
وَمَع شحنِه مِن نظمِ كلّ مجازفٍ / بِشِعرٍ إِذا حقّقته تلقهُ بَعرا
فَمِن مدحِ خيرِ الخلق ما راح مُنشئاً / وَلا منشداً بيتاً ولا منشداً شطرا
بإِقرارهِ كم صغتُ فيه قصيدةً / وَنوّعتُ في أمداحه النظم والنثرا
وَألّفتُ في فضلِ اِستغاثتنا به / أجلَّ كتابٍ لم يَدع للسوى عُذرا
شَواهدُ حقٍّ أطلعت في سطورها / بدورَ عُلومٍ كلُّ سَطرٍ حَوى بدرا
فَكانَت لأرواحِ المُحبّينَ جنّةً / وَكانَت عَلى أعداءِ خيرِ الورى جمرا
وَلامَت لمنعِ الإِستغاثة جدّهُ / وَمِن عمّه نعمان أنكرت النكرا
فَلو خصّني بالشتمِ مع عظم جرمهِ / لَما لمتهُ لكنّهُ عمّم الشرّا
فَذَمّ هداةَ الدين مِن كلّ مذهبٍ / وَأَعطى لكلٍّ مِن سَفاهتهِ قدرا
غَدا لِفَتى تيميّةٍ أيّ ناصرٍ / فَهلّا اِستحقّ المُصطفى عندهُ النصرا
وَهلّا عَفا عنّا لِذنبٍ بزعمهِ / لِخدمتنا روح الوجودِ أبا الزهرا
فَلَو كانَ مِن نسلِ المجوس عذرتهُ / وَقلتُ اِمرؤٌ يبغي لأجدادهِ ثأرا
وَلكن نراهُ يدّعي خيرَ نِسبةٍ / وَأمُّ الفَتى منهُ بِنسبتهِ أدرى
فَمَن ذا رأى في الناسِ شَخصاً موالياً / لِقومٍ يرَونَ الحبَّ في جدّهِ كُفرا
وَمَن ذا رأى في الناسِ شَخصاً مُعادياً / فَتىً بمعالي جدّهِ أنفقَ العمرا
إِذن نحنُ في شكٍّ منَ النسَبِ الّذي / يقولُ وفيه الشكُّ نَحصرهُ حصرا
وَبعدُ فذيّاكَ الكتابُ يدلّنا / عَلى جهلهِ طَوراً على غيّه طورا
كتابٌ عليهِ اللّعنُ مِن كلِّ سامعٍ / وَصاحبهِ أَيضاً غَدا ماطِراً مطرا
وَكثّرَ فيهِ النقلَ من دون حاجةٍ / لِيثبتَ في دعواهُ بالكبرِ الكبرا
وَبالحرفِ وَالقرطاسِ عظّم حجمهُ / لِيحملَ لَعناتٍ أتَت فوقه تترى
وَكلُّ جَوابٍ فيه غير مطابقٍ / لِمعني كَلامي عندَ مَن يفهمُ الأمرا
وَلكنّهُ عشواءُ تخبطُ خبطها / بِليلٍ منَ الأهواء قد فقدَ البدرا
وَأَعقلُ منه الكلبُ يسترُ رجسهُ / وَهذا رَأى في نشرِ أَرجاسهِ فخرا
كِتابي لخيرِ الخلقِ قد جاء ناصراً / وَهذا لأعداءِ النبيِّ أَتى نصرا
فَذلكَ مِن أَعلى وأَعلى مناقبي / وَهذا لهُ أَقوى مثالبهِ الكُبرى
وَذلكَ فَخري في الحياةِ وبَعدها / وَهذا لهُ خِزيٌ بدنياهُ والأخرى
وَقرّظ قَولي عنَدما تمّ طبعهُ / مَشايخُ إِسلام الشريعةِ في مصرا
وَقرّظَ سفرَ السوءِ بالزورِ أهلهُ / وَمَن كانَ عَن سبلِ الشريعةِ مزورّا
يَذُمُّ خيارَ المُسلمينَ وَيَنتقي / لأشرارِهم أمثاله الحمدَ والشكرا
فَمثلُ الرِفاعي القطب يختار ذمّهُ / وَشيخُ منارِ السوء يمنحهُ شُكرا
خبائثُ أَرواحٍ تحنُّ لِبعضها / فَسُحقاً لهُم سُحقاً وخسراً لهم خسرا
همُ الكلُّ أعداءُ النبيِّ فَبعضهم / عداوتهُ كُبرى وبعضهمُ صغرى
وَخصّوا مُحبّيه بنسبةِ حبّهم / فَأَعطوا لكلٍّ مِن عَداوتهم قدرا
وَقَد جَعلوا لي حصّةً من كبارها / لما عَلِموا مِن حبّه حصّتي كبرى
فَيا ربِّ زِدني فيهِ حبّاً وزده بي / وفي طيبةَ اِختِم لي عَلى دينهِ العُمرا
خَليليَّ لا واللَّه ما أنا واجدٌ / لمَن خذلَ الإسلامَ مِن أهلهِ عُذرا
وَكيفَ وهُم في كلِّ أرضٍ فخارُها / وَأفضلُ أَهليها وأشرفُهم نَجرا
وَأَبطالُهم لو حارَبوا أسدَ السَما / لفرّ وَخلّاها ومِن برجهِ خَرّا
فَفي كلِّ قُطرٍ كلُّ أروعَ وارث / لآباءِ صِدقٍ قبلهُ فَتحوا القطرا
وَقَد ملكَت خيرَ البلادِ جدودُهم / وَما رَهبوا قتلاً وما رَهبوا أسرا
كَما اِستَلموها سلّموها لِوُلدِهم / وَما سلّموا منهُم لأعدائهِم شبرا
وَما زالتِ الأعداءُ في كلِّ فرصةٍ / تُحارِبُهم والشركُ يَنظرُهم شَزرا
وَكم دولٍ يوماً عليهم تضافرت / فَخابت وما نالَت من الظفَرِ الظفرا
وَكَم جاهَدوا في البحرِ والبرِّ أُمّةً / وَمِن لَحمها قد أشبعوا الحوتَ والنسرا
وَكم عالمٍ منهُم بدَت شمسُ علمهِ / وَآخرَ في أفقِ الوغا طالع بدرا
وَأَنوارُهم في كلّ شرقٍ ومغربٍ / على كلِّ خلقِ اللَّه قد سفَرت سفرا
فَقَد مَلكوا الدُنيا وَكانوا جَمالَها / كَما مَلَكوا الأُخرى وكانوا لَها فَخرا
فَطائفةٌ بالسيفِ تَحمي ذِمارها / وَبالعلمِ وَالأقلامِ طائفةٌ أخرى
وَكِلتاهُما فازَت بفضلِ جِهادها / وَليسَت بهِ مِن هذهِ هذهِ أحرى
وَنحنُ بَنوهم كيفَ كنّا فما لنا / نَحيدُ وَلا نَقفوا لآبائِنا إثرا
وَما الفرقُ إلّا الدين قد كان عندَهم / قَويّاً فنالوا منه من قوّةٍ شطرا
فلمّا بَدا من بعدهم ضعفُ دينِنا / ضَعُفنا فلَم يشدُد بِنا دينُنا أزرا
فَيا عينيَ اِنهلّي ويا قلبيَ اِتّقد / وَيا نَفَسي اِزفُر مِن سعيرِ الحشا زفرا
فَقَد أصبحَ الإسلامُ ما بين أهلهِ / غَريباً وَفي أوطانهِ لم يجِد نصرا
وَصالَ عليهِ الشركُ صَولةَ كاسرٍ / إِذا هيَ لم تقتُل فَقد أوجَبت كسرا
إِلى اللَّه كَم أُمسي وأُصبحُ داعياً / فَآونةً نَظماً وآونةً نثرا
أُنادي بِأعلى الصوتِ في الناس صارخاً / لِشدّةِ وجدٍ أجّجت في الحَشا الجَمرا
أُحذّرُ قَومي مِن عُداةٍ تألّبوا / عَلينا وَساموا دينَنا الخسفَ والخُسرا
لَقَد علِموا الإسلامَ حِصناً مُشيّدا / وَأنّهم لا يظفَرون بهِ قَهرا
فَساقوا عليهِ مِن مدارسِ غيّهم / جُيوشاً بلا حربٍ بِها أحرَزوا النصرا
مَدارس في حكمِ الكنائسِ أحكمت / أبالِسُهم فيها الدسائسَ وَالمَكرا
مَوائدُ علمٍ تحتوي كلَّ مشتهىً / بِها وَضعوا سمّاً بها نفثوا سحرا
بِها اِنقَلَبت أولادُنا من عُداتِنا / وَخيّلتِ البلوى لنا نِعمةً كبرى
وَها قَد جنَوا بينَ الأنامِ جناتها / لملّتِهم مِن رَوضها الحنظلَ المرّا
إِلهي تَداعى الناسُ من كلّ أمّةٍ / عَلينا وصِرنا كالغثاء علا النهرا
نَعَم نحنُ أَذنَبنا فأدّبتَنا بِهم / وَكانَ لنا دورٌ فملّكتهم دَورا
عُتاةٌ على الإِسلام صالوا فَردّهم / بِذرّةِ قَهرٍ منكَ تُهلكهم طرّا
فَكم قَهروا قوماً وكادَت نفوسهم / تُشاركَ ربَّ العرشِ في بطشهِ كِبرا
فَيا ربّنا اِخذل كلّ من رام ديننا / وَدولَتنا بالسوءِ واِمنح لَنا النصرا
فَفي ككِّ وقتٍ نحنُ في حاجةٍ بنا / لِفَضلك إِن أهملتَنا لم نجد خيرا
مَضى عَصرُنا شرُّ العصورِ وإنّه / بِنسبةِ هَذا العصرِ أكرِم به عصرا
أَرى ذمّهُ فَرضاً إذا ما ذكرتهُ / فَإن قستهُ بِاليومِ أَوليتهُ شُكرا
تَبدّلتِ الأحوالُ مِن كلِّ وجهةٍ / وَأصبحَ عرفُ الدينِ بينَ الورى نُكرا
وَصارَ تقيُّ القومِ أحقر قومهِ / وَصارَ شقيُّ القومِ أَرفعهُم قَدرا
وَكانَ الرِيا في أن يُرى العبدُ صالحاً / فَصار الرِيا في أن يُرى فاسقاً جهرا
فَكَم مِن تَقيٍّ صارَ يظهر نفسهُ / شَقيّاً لكيما يتّقي بالش?

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025