المجموع : 24
لِسَيفكَ بَعدَ اللَهِ قَد وَجَبَ الحَمدُ
لِسَيفكَ بَعدَ اللَهِ قَد وَجَبَ الحَمدُ / فَيا لَيتَ جَفني ما حَييتُ لَهُ غِمدُ
تَقاضَيتَ دَيناً مِن عِداكَ بِحَدِّهِ / وَيا رُبَّ حَدٍّ في التَقاضي بِهِ حَدُّ
وَما زِلتَ وَرّاداً لِكُلِّ كَريهَةٍ / يَهابُ الرَدى مِن دُونِها الأَسَدُ الوردُ
إِلى أَن جَنَيتَ العِزَّ مِن كُلِّ مُجتَنى / يَعزُّ عَلى مَن لا يُساعِدُهُ السَعدُ
فَلا يُدرِكُ الساعونَ ما أَنتَ مُدرِكٌ / فَما كُلُّ سَيفٍ أَرهَفَت حَدَّهُ الهِندُ
وَلا كُلُّ مَن تاقَت إِلى المَجدِ نَفسُهُ / صَبورٌ عَلى أَشياءَ يُحوى بِها المَجدُ
مَلَكتَ طَريقَ الجَدِّ حَتّى عَلا بِهِ / لَكَ الجَدُّ إِنَّ الجِدَّ يَعلو بِهِ الجَدُّ
وَأَتعَبتَ نَفساً في المَعالي نَفيسَةً / فَلَمّا أَكَلتَ الصبرَ لَذَّ لَكَ الشَهدُ
رَدَدتَ بِحَدِّ السَيفِ ما لَو رَدَدتَهُ / عَلَينا بِغَيرِ السَيفِ ما حَسُنَ الرَدُّ
وَلَم أَرَ خَلقاً مِنكَ أَعظَمَ شِدَّةً / عَلى نُوَّبِ الأَيّامِ وَالخَطبُ مُشتَدُّ
كَأَنَّكَ لَولا فَيضُ كَفِّكَ هَضبَةٌ / إِذا حَلَّتِ اللأوآءُ أَو حَجَرٌ صَلدُ
سَدَدت بِهَذا الفَتحِ باباً مِنَ الأَذى / فَظاهِرُهُ فَتحٌ وَباطِنُهُ سَدُّ
وَأَيُّ مَرامٍ رُمتَهُ لَم تَقُم بِهِ / لَكَ المُرهَفاتُ البيضُ وَالذُبَّلُ المُلدُ
وَفَتيانُ صِدقٍ يَحمِلونَ مَعَ القَنا / قُلوباً ثِقالاً تَشتَكي حَملَها الجُرد
إِذا الطَفلُ مِنهُم فارَقَ المَهدَ أَصبَحَت / مِنَ الأَمنِ أَرضُ اللَهِ وَهِيَ لَهُ مَهدُ
مِنَ الصالِحيّينَ الَّذينَ تَمَرَّدوا / عَلى الخَطبِ مُذ كانوا كُهولاً وَهُم مُردُ
غُيُوثٌ إِذا جادوا لُيُوثٌ إِذا عَدَوا / كَثيرٌ إِذا عادَوا قَليلٌ إِذا عُدُّوا
يَشُكُّونَ في ظَهرِ العَدُوِّ أَسِنَّةً / إِذا خَرَجَت مِن صَدرِهِ خَرَجَ الحقدُ
مَساعيرُ إِلّا أَنَّهُم في سَماحِهِم / بُحُورٌ إِذا مَدّوا أَكفَّهُم مَدّوا
وَفِيّونَ إِن ذَمّوا جَرَيّونَ إِن سَطَوا / مُلَبُّونَ إِن قالوا وَفِيُّون إِن وَدّوا
إِذا ماتَ مِنهُم سَيِّدٌ لَم يَكُن لَهُ / مِنَ العِزِّ قَبرٌ في التُرابِ وَلا لَحدُ
أَلا أَيُّها الغادي تَحَمَّل إِلَيهِمُ / تَحِيَّةَ حُرٍّ باتَ وَهوَ لَهُم عَبدُ
وَقُل لَهُمُ طُولُوا فَقَد طابَ ذِكرُكُم / فَطالَ بِكُم طالَت حَياتُكُمُ الوَفدُ
وَفاحَ لَكُم ما بَينَ شَرقٍ وَمَغرِبٍ / مِنَ الذِكرِ نَشرٌ لا يَفُوحُ بِهِ النَدُّ
وَفَيتُمُ بِما لَم يُوفِ خَلقٌ بِمِثلِهِ / وَلا ذِمَّةٌ فيهِ عَلَيكُم وَلا عَهدُ
وَلَكِن رَغِبتُمُ في الإِمامِ وَفَضلِهِ / فَأَسعَدَكُم فيما ظَفِرتُم بِهِ الزُهدُ
وَأَرشَدَكُم فِعلُ الجَميلِ إِلى الهُدى / أَلا إِنَّما فِعلُ الجَميلِ هُوَ الرُشدُ
وَعُدتُم لِذاكَ الثَغِرِ سَدّاً مِنَ العِدى / وَأَيُّ سَديدٍ ما دَرى أَنَّكُم سَدُّ
وَما رَدَّ كَيدَ الرُومِ خَلقٌ سِواكُمُ / يُنيلُ إِذا لَم يَبقَ مِن دُونِهِم رَدُّ
أَتَوا يُثقِلُونَ الأَرضَ مِن فَوقِ شُزَّبٍ / إِذا أَسرَعَت في الخَطوِ أَثقَلَها السَردُ
يُواريهمُ نَسجُ الحَديدِ عَلَيهمُ / فَما فَيهِمُ مَن مِنهُ جارِحَةٌ تَبدُو
فَلَولاكُمُ لَم يَنهَهُم عَن حَريمِنا / وَعَن حُرمَةِ الإِسلامِ جَمعٌ وَلا حَشدُ
وَلَكِنَّكُم قَبَّلتُمُوُهم ذَوابِلاً / مِنَ الخَطِّ مُشرِعُوها هُمُ اللُدُّ
وَخُضتُم عَجاجاً يُرمِدُ الجَوَّ نَقعُهُ / وَلَكِنَّهُ تَحيي بِهِ الأَعيُنُ الرُمدُ
فَما انجابَ ذاكَ النَقعُ حَتّى طَرَحتَهُم / فَرائِسَ تَقتاتُ الوُحوشُ بِها بَعدُ
وَصارَت حِياضاً لِلمياهِ جَماجِمٌ / مُفلَّقَةٌ فَاستَجمَعَ الزادُ وَالوِردُ
فَلا تَطمَعِ الآمالُ فيما مَلَكتُمُ / فَما تَتَخَلّى عَن فَرائِسِها الأُسدُ
مَناقِبُ أَمثالُ النُجومِ ثَواقِبٌ / لَكُم لَيسَ يُحصيها حِسابٌ وَلا عَدُّ
تَفَرَّدَ بِالمَعروفِ مِن دونِ حاتِمٍ / وَكَعبٍ مُعِزُّ الدَولَةِ المَلِكُ الفَردُ
فَأَحسَنَ حَتّى لَم يَدَع ذِكرَ مُحسِنٍ / سِوى ذِكرِ مَن يَحدو بِهِ الرَكبُ أَو يَشدُو
نَظَمتُ لَهُ عِقداً مِنَ الحَمدِ فاخِراً / وَقُلتُ لِذاكَ الجِيدِ يَصلُح ذا العِقدُ
أَبا صالِحٍ إِن طالَ عَهدي بِخِدمَةٍ / فَما طالَ لي بِالشُكرِ في مَحفِلٍ عَهدُ
وَإِن كُنتُ لَم أُدرِك جَزاكَ فَإِنَّني / أَبيتُ بِما أَولَيتَني وَلِيَ الجُهدُ
وَلَم أَرَ مِثلَ الحَمدِ ثَوباً لِلابِسٍ / وَأَدوَمُ ثَوبٍ أَنتَ لابِسُهُ الحَمدُ
لا تُسرِفي في هَجرِهِ وَصُدُودِهِ
لا تُسرِفي في هَجرِهِ وَصُدُودِهِ / يَكفيكِ دونَ الهَجرِ هَجرُ هُجودِهِ
قَد جاوَزَ المَجهُودَ فيكِ وَماله / فيما يُحاوِلُهُ سِوى مَجهودِهِ
كَم قَد سَلاكِ وَعادَ عَودَةَ مُغرَمٍ / وَالجَمرُ قَد يَشتَبُّ بَعدَ خُمودِهِ
أَفدي الَّتي نَزَلَت بِوادٍ قَلبُها / أَقسى عَلى العُشّاقِ مشن جُلمُودِهِ
خَطَرَت بِهِ فَكَأَنَّ نَفحَةَ عَنبَرٍ / تَنضاعُ بَينَ تِلاعِهِ وَوُهُودِهِ
غَيداءُ يَقتُلُ كُلَّ صَبٍّ لَحظُها / وَالحُبُّ أَقتَلُهُ لَواحِظُ غِيدِهِ
رِيمٌ بِرامَةَ لا يَصيدُ بِضَعفِهِ / إِلّا الرِجالَ الصِيدَ حينَ صُدودِهِ
لِلوَردِ حُمرَةُ خَدِّهِ وَالغُصنِ هَزْ / زَةُ قَدِّهِ وَالظَبي مَدَّةُ جيدِهِ
أَهوى الدُجى مِن أَجلِ أَنَّ هِلالَهُ / كَسِوارِهِ وَنُجومَهُ كَعُقودِهِ
يا لائِمَ المُشتاقِ دَعهُ فَإِنَّما / يَضنى بِطولِ غَرامِهِ وَسُهودِهِ
قَد لَجَّ في بُرَحائِهِ وَعَنائِهِ / لَمّا رَآكَ تَلِجُّ في تَفنيدِهِ
وَمُشَجَّجُ الإِبطينِ مِن فَرطِ الوَجى / وَالأَينِ بَينَ هُبوطِهِ وَصُعودِهِ
أَزرَت بِهِ النِياتُ حَتّى نِيُّهُ / قَد دابَ تَحتَ وَضِينِهِ وَقُتودِهِ
يَرمي بِهِ قَلبَ الفَلا مَن قَلبُهُ / في الخَطبِ أَوسَعُ مِن تَنائِفِ بِيدِهِ
وَيَؤُمُّ أَبلَجَ مِن ذُؤابَةِ عامِرٍ / كَالبَحرِ إِلّا في لَذيذِ وُرودِهِ
قَد خَيَّمَ المَعروفُ بَينَ خِيامِهِ / وَقُصورِهِ وَجِدارِهِ وَعَمودِهِ
اللَيثُ يَصغُرُ بِأسُهُ في بَأسِهِ / وَالغَيثُ يُحقَرُ جودُهُ في جودِهِ
مَلِكٌ يُرَجّى بَأسُهُ وَيَخافُهُ / مَن لا يَكادُ يَخافُ مِن مَعبودِهِ
بَذَلَ اللُهى حَتّى اِستَغاثَ بَنانُهُ / مِن مالِهِ وَالمالُ مِن تَبديدِهِ
وَبَنى المُعِزُّ مَفاخِراً لَم يَتَّكِل / فيها عَلى آبائِهِ وَجُدودِهِ
فَكَأَنَّما سَحُّ النَدى مِن سَحِّهِ / أَو عُودُهُ مُستَخرَجٌ مِن عُودِهِ
تَلقى النُفوسُ حَياتَها في وَعدِهِ / وَحِمامَها في سُخطِهِ وَوَعيدِهِ
يَشتَبُّ غَيظاً ثُمَّ يَصفَحُ رَأفَةً / وَالغَيثُ بَعدَ بُروقِهِ وَرُعودهِ
السَعدُ مِن خُدّامِهِ وَعَبيدِهِ / وَالنَصرُ مِن أَعوانِهِ وَجُنودِهِ
لِلّهِ ما فَعَلَ الإِمامُ فَإِنَّهُ / أَوفى البَرِيَّةِ كُلِّها بِعُهودِهِ
لَم يَكفِ ما والاُ مِن إِحسانِهِ / حَتّى تَلاهُ بِقَودِهِ وَبُنودِهِ
وَبِسَيفِهِ وَنِطاقِهِ وَرِدائِهِ / وَسِحِلِّ حَضرَتِهِ وَوَشي بُرودِهِ
لا خَلقَ أَكرَمُ شِيمَةً وَسَجِيَّةً / في الناسِ مِن مُبدي النَدى وَمُعيدِهِ
في يَومِ لا عيد وَلَكِن فَضلُهُ / عِيدُ الَّذي وافى إِلَيهِ كَعِيدِهِ
هَل يَعلَمُ اليَومَ الإِمامَ بِأَنَّهُ / وَضَعَ الصنيعَةَ في أَحَقِّ عَبيدِهِ
مَلَكوا مَكاناً هَدَّ رُكنَ عُدُوِّهِم / وَعَدُوِّهِ وَحَسودِهِم وَحَسودِهِ
وَحَموا بِلادَ الرَقَتينِ مِنَ العِدى / وَالغيلُ لا يَحميهِ غَيرُ أُسودِهِ
يا مَن إِذا سَمِعَ العَدُوُّ مَدائِحي / فيهِ أَقامَ الغَيظُ حَبلَ وَريدِهِ
قَد جَدَّدَ اللَهُ الوَلاءَ وَزادَهُ / بِالخلفِ تَجديداً عَلى تَجديدِهِ
فَليَهنِكُم وَفدُ الخَليفَةِ إِنَّهُ / وَفَد النَجاحُ عَلَيكُم بِوُفودِهِ
فَسُبوغُ ذا الإِقبالِ مِن إِقبالِهِ / وَبُلُوغُ ذا التَأييدِ مِن تَأييدِهِ
لا تَحسَبي شَيبَ رَأسي أَنَّهُ هَرَمُ
لا تَحسَبي شَيبَ رَأسي أَنَّهُ هَرَمُ / وَإِنَّما أَبيَضَّ لَمّا اِبيَضَّتِ اللِمَمُ
وَلا تَظُنّي نُحولَ الجِسمِ مِن أَلَمٍ / فَالهَمُّ يَفعَلُ مالا يَفعَلُ الأَلَمُ
كَتَمتُ حُبَّكِ دَهراً ثُمَ بُحتُ بِهِ / وَسِرُّ كُلِّ مُحِبٍّ لَيسَ يَنكَتِمُ
عَذَّبتُمُ بِالهَوى قَلبي وَلا عَجَباً / أَن شَرَّقَ الماءُ وَهوَ البارِدُ الشَبمُ
وَشَفَّ ما في ضَميري مِن مَحبَّتِكُم / وَإِنَّما شَفَّ لَمّا شَفَّني السَقَمُ
ضِنّي بِوَصلِكِ أَو مُنّي عَليَّ بِهِ / فَواحِدٌ عِنديَ الوِجدانُ وَالعَدَمُ
ما أَقبَحَ العِرضَ مَدنُوساً بِفاحِشَةٍ / يَخُطُّها اللَوحُ أَو يَجري بِها القَلَمُ
وَالحُسنُ لا حُسنَ في وَجهٍ تَأَمَّلُهُ / إِن لَم تَكُن مِثلَهُ الأَخلاقُ وَالشِيَمُ
وَلِلشَبِيبَةِ بُنيانٌ تُكَمِّلُهُ / لَكَ الثَلاثونَ عاماً ثُمَّ يَنهَدِمُ
وَمَن يَكُن بِأَبي العُلوان مُعتَصِماً / فَإِنَّهُ بِحِبالِ اللَهِ مُعتَصِمُ
مُبارَكُ الوَجهِ صاغَ اللَهُ طِينَتَهُ / مِن طينَةٍ مِنها الجُودُ وَالكَرَمُ
تُريكَ هَضبَ هُمامٍ في حِجى مَلِكٍ / مِن آلِ مِرداسَ في عِرنينهِ شَمَمُ
أَغنى الجَزيرَةَ لَمّا أَن أَقامَ بِها / عَن أَن تُشامَ لَها الأَنواءُ وَالدِيَمُ
وَأَمَّنَ اللَهُ أَهلَ الرقَّتينِ بِهِ / أَن يَستَبِدّ بِهِم ظُلمٌ وَلا ظُلَمُ
جَنابُهُ لَهُمُ رِيفٌ وَجانِبُهُ / مِنَ المُلِمِّ الَّذي يَخشونَهُ حَرَمُ
ظَنَّ الأَعادي بِهِ ظَنّاً فَأَخلَفَهُ / لَمّا اِلتَقوا وَعُبابُ الظُلمِ يَلتَطِمُ
رَماهُمُ بِليوثٍ لَو رَمى بِهِمُ / دَعائِمَ الطَودِ لَم تَثبُت لَها دَعَمُ
وَفِتيَةٍ كَاللُيوثِ الغُلبِ لَيسَ لَهُم / إِلّا السَنَوَّر أَغيالٌ وَلا أَجَمُ
شابَت نَواصي الوَغى مِنهُم فَهُم عَجَمٌ / وَعُودُهُم غَيرُ خوّارٍ إِذا عُجِمُوا
مِن حَولِ أَروَعَ تُغنيهِم مَهابَتُهُ / عَنِ السُيوفِ الَّتي أَغمادُها القِمَمُ
حَتّى إِذا اِشتَجَرَ الخَطّيُّ بَينَهُمُ / تَبَيَّنَ القَومُ أَيُّ الحاضِرينَ هُمُ
في مَأزِقٍ زُوِّقَ المَوتُ الذُعافُ بِهِ / وَشابَتِ العُذرُ مِمّا تَنفُضُ اللُجُمُ
لَو كانَ غَيرُ اِبنِ فَخرِ المُلكِ حارَبَهُم / لَم يَنهَهُ عَنهُمُ قُربى وَلا رَحِمُ
وَإِنَّما حارَبُوا قَرماً يَعُوذُ بِهِ / خِيَمٌ كَريمٌ وَلَحمٌ طَيِّبٌ وَدَمُ
وَآلُ مِرداسَ خَيرُ الناسِ إِن رَحَلوا / وَإِن أَقامُوا وَإِن أَثَروا وَإِن عَدِمُوا
لا يَبخَلونَ بِمَعروفٍ إِذا سُئِلوا / وَلا يَخِفُّونَ عَن حِلمٍ إِذا نَقِمُوا
تَعَلَّموا كُلَّ فَضلٍ مِن نُفوسِهِمِ / فَما يُزادونَ عِلماً فَوقَ ما عَلِمُوا
لَو شاهَدَ اِبنُ أَبي سُلمى مَكارِمَهُ / لَكانَ غَيرَ كَريمٍ عِندَهُ هَرِمُ
وَلَو رَأَى حاتمُ الطائِيُّ فَضلَهُمُ / لَقالَ مِن آلِ مِرداسٍ بَدا الكَرَمُ
يُصَغِّرونَ عَظيماً مِن مَحَلِّهِم / فَكُلَّما صَغَّرُوا مِن قَدرِهِم عَظُمُوا
سَمادِعٌ شَيَّعوا ذِكري بِذِكرِهِمُ / فَصرتُ أُعرَفُ بِالوَسمِ الَّذي وَسَمُوا
يا مَن يُحَمِّلُّ مِن شُكري لِنِعمَتِهِ / حِملاً تُحمِّلُ مِثلي مَثلَهُ الأُمَمُ
إِنّي وَزَنت بِكَ الأَملاكَ قاطِبَةً / فَما وَفى بِكَ لا عُربٌ وَلا عَجَمُ
ما صَحَّ مَذهَبُ أَهلِ النَسخِ عِندَهُمُ / إِلّا بِأَنَّكَ أَنتَ الناسُ كُلُّهُمُ
جَمَعتَ ما في جَميعِ الناسِ مِن كَرَمٍ / فَالفَضلُ عِندَكَ مَجموعٌ وَمُقتَسَمُ
أَفدي بِنَفسي نَفيسَ النَفسِ عادَتُهُ / أَن لا يُذَمَّ لَهُ فِعلٌ وَلا ذِمَمُ
أَزُورُهُ وَبِوُدّي لَو مَشى بَصَري / عَنّي وَلَم يَمشِ لي ساقٌ وَلا قَدَمُ
وَلَو قَدِرتُ لَما زارَت مُقَفِّلَةً / إِلّا بِخَدّي إِلَيهِ الوُخد الرُسُمُ
كَرامَةً لِكَريمِ الخيمِ ما كَبُرَت / إِلّا لَهُ عِنديَ الآلاءُ وَالنِعَمُ
فَسَوفَ أَشكُرُهُ حَيّاً وَتَشكُرُهُ / عَنّي إِذا ما ثَوَيتُ الأَعظُمُ الرِمَمُ
رَبعٌ تَعَفَّت بِاللِوى عُهُودُه
رَبعٌ تَعَفَّت بِاللِوى عُهُودُه / وَأَصبَحَت مُنهَجَةً بُرُودُه
عُجنا بِهِ كَأَنَّنا نُعُودُه / فَلَم نَزَل دُمُوعُنا تَجُودُه
حَتّى اِرتَوَت مِن تَحتِنا نُجُودُه / وَمَهمَهٍ مُمحِلَةٍ حُدُودُه
كَأَنَّما أَرقَمُهُ أُخدُودُه / يَصعَدُ في ريحِ الصَبا صَعيدُه
طاوِيَةٌ آسادُهُ وَسِيدُه / ما طَلَّهُ الغَيثُ بِما يَجُودُه
فَغَبَّ مَرعاهُ وَجَفَّ عُودُه / وَذَمَّهُ ِللحَيِّ مَن يَرُودُه
فَحينَ ماتَت بِيضُهُ وَسُودُه / وَأَصبَحَت غائِرَةً جُدُودُه
باكَرَهُ مُصطَخِبٌ رُعُودُه / تَسُوقُهُ الجَنُوبُ أَو تَقُودُه
يَكادُ أَن يَحرِقَهُ وَقُودُه / فَاِنتُثِرَت عَلى الثَرى عُقُودُه
كَأَنَّما جودُ المُعِزّ جُودُه / مُتَوَّجٌ إِحسانُهُ قُيودُه
مَهَّدَتِ الدُنيا لَنا جُهُودُه / بَحرٌ وَلَكِنَّ النَدى مُدُودُه
طابَ لِمَن شَرَعَه وَرُودُه / جَمُّ النَدى يُبدِيهِ أَو يُعيدُه
يَغرَمُ ما تَغنَمُهُ وُفُودُه / كَأَنَّما سائِلُهُ عَقيدُه
يَرفَعُهُ بِذَمِّهِ حَسُودُه / كَأَنَّما نزُولُهُ صُعُودُه
نَزيدُهُ حَمداً وَنَستَزيدُه / يا مَلِكاً أَملاكُنا عَبيدُه
وَيا فَتىً ناجِزَةٌ وَعُودُه / عِندَكَ يَلقى الخَيرَ مَن يُريدُه
وَكُلُّ فَضلٍ مِنكَ نَستَفيدُه / فَاسلَم وَلا كادَكَ مَن تَكيدُه
فَالحَمدُ رَكبٌ وَفِناكَ بِيدُه / وَمَنطَقي عِقدٌ وَأَنتَ جيدُه
يا ظَبيَ ذاكَ الأَجرَعِ المُنقادِ
يا ظَبيَ ذاكَ الأَجرَعِ المُنقادِ / هَل بِتَّ تَعلَمُ كَيفَ حالُ فُؤادي
أَم هَل عَرَتكَ مِنَ الغَرامِ صَبابَةٌ / تَرَكَت رُقادَكِ غارِباً كَرُقادي
إِنَّ الَّتي مَلَكَت قِيادَكَ في الهَوى / مَلَكَت قِيادَكَ في الهَوى وَقِيادي
وَلَقَد أَلَمَّ بِنا الخَيالُ يَمَسُّهُ / نَصَبٌ مِنَ الإِتهامِ وَالإِنجادِ
مُتَأَوِّياً يَعلو مَناكِبَ سابِحٍ / عاري المَناكِبِ أَو قَرارَةَ وادي
أَهلاً بِذَلِكُمُ الخَيال فَإِنَّهُ / وافى فَأَسعَدَني بِقُربِ سُعادِ
أَسرى وَأَسرَت بي إِلَيهِ ضَمائِري / فَكَأَنَّنا كُنّا عَلى ميعادِ
يا طيفُ كَيفَ خَلَصتَ حينَ طَرَقتَني / مِن زَحمَةِ الأَفكارِ حَولَ فُؤادي
هَمٌّ نَفى عَنّي الرُقادَ وَهِمَّةٌ / تَرَكَت رِكابي طُلَّحاً وَجِيادي
وَلَقَد تَخَيّرتُ المُلوكَ فَلَم أَجِد / حَتّى وَجَدتَكَ بُغيتي وَمُرادي
وَمَدَحتُ قَبلَكَ في الشَبيبَةِ مَعشَراً / ضَيَّعتُ فيهِم شِرَّتي وَمِدادي
وَرَفَعتَني عَنهُم إِلى أَن أَضرَموا / نارَ المُروَّةِ مِن شَرارِ زِنادِ
أَعطَيتَني ما لَو سَعَيتُ لِجَمعِهِ / لَمَلَأتُ مِن كَنزِ الكُنوزِ بِلادي
وَوُصِفتُ عِندَكَ بِالسَخاءِ وَإِنَّما / ثَمَدي بِقيَّةُ سَيلِ هَذا الوادي
أَيقَنتُ أَنَّكَ لي عَتادٌ صالِحٌ / فَوَهَبتُ لِلذّكرِ الجَميلِ عَتادي
يُثنى عَلَيكَ لِما نَجودُ لِأَنَّهُ / مِن جُودِ كَفِّكَ جادَ كُلُّ جَوادِ
قَد يُحمَدُ المَرعى الخَصيبُ وَإِنَّما / دَرُّ الغَمامِ أَحَقُّ بِالإِحمادِ
يا خَيرَ مَن حَمَلَ النِجادَ وَقَلبُهُ / مِثلُ الَّذي في غِمدِ كُلِّ نِجادِ
جَبنَّتَ عَنتَرَةَ الكُماةِ وَبَخَّلَت / هَذي الأَيادي الغُرُّ كَعبَ أَيادِ
وَغَدَوتَ بَحراً لا يُعافُ لِوارِدٍ / وَلِصادِرٍ وَلِرائِحٍ وَلِغادي
حَمَدَتكَ نُجّاعُ البِلادِ وَصُدِّقَت / في خِصبِ أَرضِكَ سائِرُ الروّادِ
مُتَعَوِّدٌ لِلفَضلِ مِن زَمَنِ الصِبا / وَالفَضلُ أَفضَلُ عادَةِ المُعتادِ
لَو كُنتَ مِن زَمَنِ الأَوائِلِ لَم تَطُل / بَكرٌ بِذكرِ الحارِثِ بنِ عَبادِ
تَسمُو بِجَدِّكَ أَو بِجَدِّكَ إِنَّما / يَسمُو الفَتى بِالجَدِّ وَالأَجدادِ
وَتَسيرُ في طُرُقِ المَكارِمِ وَالعُلى / مِن غَيرِ أَن تَرضى هِدايَةَ هادِ
لِلّهِ أَنتَ فَأَنتَ غَيرَ مُدافَعٍ / بَحرُ النَدى وَشِهابُ هَذا النادي
أَحيَيتَ ذِكرَ أَبي عَلِيٍ صالِحٍ / في كُلِّ يَومِ وَغىً وَيَومِ جِلادِ
وَبَنَيتَ فَخراً لَيسَ يُدرَكُ رَسمُهُ / مِن وَجهِ إِدريسٍ وَلا شَدّادِ
يا بنَ المَرادِسَةِ الَّذينَ صُدورُهُم / لِلجاهِلينَ سَليمَةُ الأَحقادِ
الفائِزينَ الحائِزينَ مَناقِباً / مِثلَ النُجومِ كَثيرَةَ الأَعدادِ
أُسُدٌ مَجاثِمُها الدُسوتُ وَقَلَّما / تُلقى الدُسوتُ مَجاثِمَ الآسادِ
بيضُ الوُجوهِ يَرُونَ أَنكَرَ مُنكَرٍ / خبءَ السُيوفِ البِيضِ في الأَغمادِ
إِنَّ الإِمامَةَ لَم تُسَمِّكَ عُمدَةً / حَتّى رَأَتكَ لَها أَشَدَّ عِمادِ
وَلَقَد كَشَفتُ وَإِنَّني لَكَ ناصِحٌ / فَكَشَفتُ محضَ هَوىً وَصِدقَ وِدادِ
وَوَجَدتُ قَدرَكَ كُلُّ قَدرٍ دونَهُ / عِندَ الإِمامِ ابن الإِمامِ الهادي
وَرَجَعتُ نَحوَكَ ظافِراً لَكَ بِالمُنى / وَبَغيظِ حُسّادٍ وَكَبتِ أَعادي
إِنّي كَظَنِّكَ فيَّ شاهِدٍ / لَكَ فاغنَ لي عَن سائِرِ الأَشهادِ
فَأَنا الَّذي لَو داسَ أَخمَصُكَ الثَرى / لَجَعَلتُهُ في أَسوَدي وَسَوادي
حَسَباً عَلى مَرِّ الزَمانِ وَصُحبَةً / أَزَلِيَّةً الأَطنابِ وَالأَوتادِ
لا تَختَطي إِبِلي ذَراكَ وَلا تُرى / إِلّا إِلَيكَ مَوائِرَ الأَعضادِ
أَيُّ المُلوكِ سَعى فَأَدرَكَ ذا المَدى
أَيُّ المُلوكِ سَعى فَأَدرَكَ ذا المَدى / أَو حازَ ما حازَ المُعِزُّ مِنَ النَدى
قَصُروا وَطالَ وَجَوَّزوا هَدمَ العُلى / وَبَنى وَضَلّوا في المَكارِمِ وَاِهتَدى
كُلٌّ بِما صَنَعَ الأَوائِلُ يَقتَدي / وَبِجودِهِ لا بِالأَوائِلِ يُقتَدى
مازِلتَ تَفعَلُ كُلَّ فِعلٍ مُفرَدٍ / في المَجدِ حَتّى صِرتَ أَنتَ المُفرَدا
بَدَّدتَ مالَكَ غَيرَ مُحتَفِلٍ بِهِ / وَجَمَعتَ شَملاً لِلعَلاءِ مُبَدَّدا
وَلَقيتَ فيما قَد كَسِبتَ من العلا / تعبا فألقيت القوافي الشرّدا
وغدا بنو الآمال خلفك في الفلا / غَضَباً يُزَجونَ المَطِيَّ الوُخَّدا
قَد طَيَّبوا مِن طِيبِ ذِكرِكَ مَعلَماً / أَو مَخرِماً أَو سَبسَباً أَو فَدفَدا
يَقتادُهُم حُسن الرَجاءِ وَمَقصِدٌ / أَعنى إِلَيكَ الناجِعينَ القُصَّدا
حَتّى إِذا وَصَلوا إَلَيكَ وَعَقَّلوا / في جَوزَتيكَ الحائِماتِ الوُرَّدا
أَصدَرتَها بِهِمُ مُنَدَّبَةَ الذُرى / مِن ثِقلِ ما أَسدَيتَ ناقِعَةَ الصَدا
رَيّانَةً لَو أُبرِكَت في جَدجَدٍ / صَلدٍ لأَوجَلتِ المَكانَ الجَدجَدا
حَمَّلتَ مَن حَمَلَت إِلَيكَ صَنائِعاً / تُوهي الجِمالَ بَلِ الجِبالَ الرُكَّدا
وَمَحامِداً مَلَأَت مَسامِعَ ضارِبٍ / في الأَرضِ إِمّا مُتهِماً أَو مُنجِدا
يا مَن يُشَيِّدُ ما تَهَدَّمَ بِالقَنا / لا خَلقَ أَقدَرُ مِنكَ هدَّ وَشَيّدا
أَتعَبتَ نَفسَكَ في بِناءِ مَجالِسٍ / لَم تَبنِها حَتّى بَنَيتَ السُؤدُدا
وَمَلَأتَ أَكثرَ ما مَلأتَ أَساسَها / قِمَماً فَما احتاجَ الأَساسُ الجَلمَدا
وَجَلَستَ في دَستِ الخِلافَةِ جلسَةً / نَظَرَت إِلَيكَ بِها الكَواكِبُ حُسَّدا
في سَفحِ شاهِقَةِ البُروجِ كَأَنَّما / يَكسُو جَوانِبَها الرَبيعُ زَبَرجدَا
مَوصولَةٌ بِالجَوِّ تَحسَبُ ضوءَها / ساري الدُجُنَّةِ كَوكَباً أَو فَرقَدا
رَفَعَت مَشاعِلُها الدُخانَ فقنعت / وَجهَ السَماءِ بِهِ قِناعاً أَسوَدا
نَظَروا إِلى مَن فَوقَها في بُعدِهِ / وَإِلى عُلاكَ فَكُنتَ فيهِ الأَبعدَا
وَرَأَوكَ في صَدرِ الإِوانِ فَعايَنوا / نُوراً أَنارَ وَبَحرَ جُودٍ أَزبَدا
سارَت بِذا طُلَلُ الرِكابِ وَغَرَّقَت / أَمواجُ ذا بِالمَكرُماتِ الوُفَّدا
يا ساكِنَ القَصرِ المُجَدَّدِ لِلعُلى / يَهنيكَ إِنعامُ الإِمامِ مُجَدَّدا
قُبٌّ مِنَ الخَيلِ العِتاقِ ضَوامِرٌ / قِيدَت مُحَمَلَةً إِلَيكَ العَسجَدا
أَوهى مَناكِبَها الحُلِيُّ كَأَنَّما / يَمشي الجَوادُ بِما عَلَيهِ مُقَيَّدا
وَمَطارِدٌ لَمّا سَجَدتَ أَمامَها / كادَت تَخِرُّ لَكَ المَطارِدُ سُجَّدا
وَلَقَد نَزَلتَ وَما نَزَلتَ وَإِنَّما / ذاكَ النُزولُ مُحَقِّقٌ أَن تَصعَدا
وَلَبِستَ مِن حُلَلِ المَعَدِّ مَلابِساً / فَضَحَ النُضارُ بِها السَعيرَ المُوقَدا
وَشَبيهَةً بِالتاجِ حَلَّت مَوضِعاً / لِحُلولِ ما شَبِهَ الشَبيبَةَ مِقوَدا
مَنسوجَةً بِالتِبرِ خَصَّ بلِبسِها / مَن لَيسَ يَنفَدُ هَمُّهُ أَو يَنفَدا
جادَ الهُمامُ بِها لِأَكرَمِ مَن مَشى / فَوقَ التُرابِ مِنَ المُلوكِ وَأَجوَدا
وَرَآكَ ماضي الشَفرَتَينِ مُهَنَّداً / فَكَساكَ ماضي الشَفرَتَينِ مُهَنَّدا
وَلَكَ الفَضيلَةُ لا لِسَيفِكَ إِنَّني / لَأَراهُ أَحرى أَن يُذَمَّ وَتُحمَدا
إِنَّ الحُسامَ إِذا تُلِمُّ مُلِمَّةٌ / أَصبَحتَ مَسلولاً وَأَصبَحَ مُغمَدا
تُحَفٌ تُشَرِّفُ مَن تَراهُ مُشَرَّفاً / وَحبىً تُسَوِّدُ مَن تَراهُ مُسَوَّدا
وَمَدائِحٌ ما زِيدَ مَمدوحٌ بِها / شَرَفاً عَلى الشَرَفِ الَّذي قَد وُطِّدا
إِنَّ الشَجاعَةَ في الشُجاعِ غَريزَةٌ / مِثلُ الأُسودِ غَنِيَّةُ أَن تُوسَدا
يا مَن غَدَوتُ مُقَيَّداً بِجَميلِهِ / يَفديكَ مَن قَيَّدتَهُ فَتَقَيَّدا
أَصبَحتُ مَحسوداً عَلَيكَ وَواجِبٌ / مَن كُنتَ أَنتَ نَصيبَهُ أَن يحسَدا
ما كُنتُ آثَمُ لَو عَبَدتُكَ مُنعِماً / إِن جازَ واهِبُ نِعمَةٍ أَن يُعبَدا
نَظَمَ اِمتِداحَكَ غَيرُ مَن هُوَ ناظِمٌ / وَأَجادَ فيكَ القَولَ مَن ما جَوَّدا
لا فَخرَ إِلّا حينَ تُصبِحُ سامِعاً / هَذا الثَناءَ وَحينَ أُصبِحُ مُنشِدا
إِن كُنتَ في شَرَفِ المَناقِبِ واحِداً / فَلَقَد أُقِمتُ لَها الخَطيبَ الأَوحَدا
في مَوقِفٍ كَالعِيدِ سَرَّ مُوالياً / لَكُمُ فَكانَ كَأَنَّهُ قَد عَيَّدا
عِش خالِداً عُمرَ المَديحِ فَإِنَّني / لَأَراهُ ما خَلَدَ الزَمانُ مُخَلَّدا
وَاسعَد بِما مَلَكَت يَداكَ ذَخيرَةً / دُنيا سَعادَةُ أَهلِها أَن تَسعَدا
أَلا ما لِقَلبي كُلَّما ذُكِرَت هِندُ
أَلا ما لِقَلبي كُلَّما ذُكِرَت هِندُ / تَزايَدَ بي هَمٌّ وَبَرَّحَ بي وَجدُ
وَمالي كَأَنّي أَجرَعُ الصَبرَ كُلَّما / تَعَرَّض لي مِن دونِها الأَجرَعُ الفَردُ
إِذا نَزَلَت نَجداً تَنَفَّسَتُ لَوعَةً / وَقُلتُ أَلا واحَرَّ قَلباهُ يا نَجدُ
وَإِنّي لَأَستَنشي الصَبا فَأَظُنُّها / بِرَيّاكِ فاحَت كُلَّما نَفَحَ الرَندُ
وَبي لَوعَةٌ مِن حُبِّ دَعدٍ كَأَنَّما / تَشِبُّ جَحيماً في الضُلوعِ بِها دَعدُ
عَجِبتُ لِقَلبي كَيفَ يَبقى عَلى الجَوى / وَلَكِنَّ قَلبي وَيحَهُ حَجَرٌ صَلدُ
سَلي هَل أَذوقُ الغُمض لَيلاً كَأَنَّما / فَراقِدُهُ في جيدِ غانِيَةٍ عِقدُ
وَهَبتُ الكَرى فيهِ لَواهِبِ نِعمَةٍ / زَماني بِهِ نَضرٌ وَعَيشي بِهِ رَغدُ
إِذا صُغتُ فيهِ المَدحَ سارَت مُغِذَّةً / غَرائِبُهُ يَحدو بِها الرَكبُ أَو يَشدو
كَريمٌ لَهُ في بَذلِهِ المالَ جُهدُهُ / وَلِلمَدحِ وَالمُدّاحِ في وصفِهِ الجُهدُ
يَروحُ وَيَغدو وَالقَوافي شَوارِدٌ / تَروحُ عَلَيهِ بِالمَحامِدِ أَو تَغدو
يُسَرُّ بِبَذلِ الرِفدِ حَتّى كَأَنَّما / لَهُ في الَّذي يُعطيكَ مِن رِفدِهِ رِفدُ
وَيَدنُو إِذا ما فارَقَ السَيفُ غِمدَهُ / وَصارَ لَهُ مِن كُلِّ جُمجُمَةٍ غِمدُ
وَلا يَرتَضي السَردَ الدِلاصَ وَبَأسُهُ / يُحَصِّنُهُ مالا يُحَصِّنُهُ السَردُ
أَبا صالِحٍ ما ذَلَّ مَن أَنتَ عِزُّهُ / وَلا ضَلَّ مَن يَسري وَأَنتَ لَهُ قَصدُ
أَتَتكَ القَوافي مِن بِلادٍ بَعيدَةٍ / تُؤَمِّلُ مِن نُعماكَ ما أَمَّلَ الوَفدُ
وَأَهدى لَكَ الحَمدَ ابنُ حَمدٍ وَإِنَّما / لِمِثلِكَ يُهدى مِن مَواطِنِهِ الحَمدُ
شَكا أَهلُ بَغدادٍ أُواماً فَرَوِّهم / فَإِن بَعُدَ الظامي فَما بَعُدَ الوِردُ
وَمَن يَنجَعِ الغَيثَ الَّذي هُوَ مُمطِرٌ / عَلى البُعدِ لَم يَمنَعهُ مِن صَوبه البُعدُ
سَقى اللَه دارَ العِلمِ مِنكَ غَمامَةً / تَعاهَدُ مَغناها إِذا اِحتَبَسَ العَهدُ
وَتُنبِتُ رَوضاً مِن ثَنائِكَ كُلَّما / ذَوى الرَوضُ يُلفى رَوضَها خَضِلاً بَعدُ
فَأَنتَ الَّذي لَم يَمشِ يَومَ حَفيظَةٍ / بَأَثبَتَ مِن حَيزومِكَ الأَجرَدُ النَهدُ
وَلا امتَدَّ باعٌ مِثلَ باعِكَ في العُلا / وَلا في العَوالي وَهيَ مُشرَعَةٌ مُلدُ
وَلا وَلَدَت حَواءُ مِن نَسلِ آدَمٍ / كَأَنتَ فَتىً سَمحاً وَإِن كَثُرَ الوُلد
لَكَ المَجدُ وَالجَدُّ الكَريمُ وَقَلَّما / رَأَينا فَتىً يَرضى لَهُ المَجدُ وَالجَدُّ
فِدىً لَكَ عَبدٌ بِالجَميلِ مَلَكتَهُ / أَلا إِنَّما عَبدُ الجَميلِ هُوَ العَبدُ
فَعِش عُمرَ ما حبَّرت فيكَ فَإِنَّهُ / بِسَعدِكَ لَم يَحلُل بِقائِلِهِ سَعدُ
لا زالَ سَعيُكَ مَقروناً بِهِ الرَشَدُ
لا زالَ سَعيُكَ مَقروناً بِهِ الرَشَدُ / وَطُولُ عُمرِكَ مَعموراً بِهِ الأَبَدُ
يا بَحرَ جُودٍ إِذا جادَت غَوارِبُهُ / فَكُلُّ بَحرٍ سِواهُ في النَدى ثَمَدُ
كَم مِن يَدلَكَ عِندَ المَجدِ قَد غَرَسَت / مَكارِماً ما لِمَخلوقٍ بِهِنَّ يَدُ
يَنتابُكَ الناسُ أَفواجاً فَتُصدِرُهُم / عَن مَورِدٍ غَيرِ مَذمومٍ إِذا وَرَدُوا
وَيُصبحُ القَومُ يَهدِي مِن حَدِيثِهمُ / إِلَيكَ حَمداً بَعيداً كُلَّما بَعُدُوا
أَمُّوا نَداكَ ففازُوا بِالَّذي طَلَبوا / وَفُزتَ مِنهُم بِما أَثنَوا وَما حَمَدوا
مِن كُلِّ مُجتَهدٍ يُثني وَأَنتَ لَهُ / فيما بَذَلتَ مِنَ الإِحسانِ مُجتَهِدُ
مَنَّت عَلَيكَ بِهِ البَيداءُ وَاِبتَدَأَت / فِعلاً جَميلاً إِلَيهِ العِرمِسُ الأُجُدُ
وَفِتيَةٍ أنجَدَت في المُقفِراتِ بِهِم / عَرامِسٌ طالَ مِن إِنجادِها النُجُدُ
أَسرَت يُغَمِّضُ طُولُ السَيرِ أَعيُنها / وَطالَما كَفَّ عَن أَبصارِها الرَمَدُ
تَلقى السِياطَ بِأَقرابٍ مُلَحَّبَةٍ / مِثلَ السِياطِ مِنَ الوَخدِ الَّذي تَخِدُ
مَجهولَةُ البِيدِ لَم يُمدَد بِها طُنُبٌ / مِنَ الغَريبِ وَلَم يُضرَب بِها وَتِدُ
كَأَنَّما الآلُ فيها حينَ تَنظُرُهُ / يَمٌّ وَمَوّارُها مِن فَوقِهِ زَبَدُ
ضَلُّوا بِها فَهَداهُم في الدُجى مَلِكٌ / جَبِينُهُ مِثلَ نُورِ الشَمسِ يَتَّقِدُ
أَغَرُّ لا يَقصِدُ القُصّادُ نائِلَهُ / إِلّا وَيَغمرُهُم مَعرُوفُ مَن قَصَدُوا
مِن آل مِرداسَ خَيرِ الناسِ إِن رَحَلَوا / وَإِن أَقامُوا وَإِن غابُوا وَإِن شَهِدُوا
تَلقى النَدى وَالرَدى فيهم فَقَد عُرِفُوا / بِالصِدقِ إِن أَوعدُ وَاشَرّاً وَإِن وَعَدُوا
شُمُّ العَرانينِ في آنافِهِم أَنَفٌ / عَنِ القَبيحِ وَفي أَعناقِهم صَيَدُ
إِن تَلقَهُم تَلقَ مِنهُم في مَجالِسِهِم / قَوماً إِذا سُئِلُوا جادُوا بِما وَجَدُوا
نالُوا السَماءَ وَحَطّوا مِن نُفوسِهِم / إِنَّ الكِرامَ إِذا اِنحَطُّوا فَقَد صَعَدُوا
مُحَسَّدُونَ وَلَو لَم يَعلُ قَدرُهُم / عَن قَدرِ كُلِّ جَليلِ القَدرِ ما حُسِدُوا
بَنى المُعِزُّ لَهُم غَيطاءَ مُشرِفَةً / في العِزِّ لَم يَبنِها مِن قَبلِهِ أَحَدُ
يا عُدَّةَ الدَولَةِ القِرمُ الَّذي فَعَلَت / أَفعالَهُ الغُرُّ مالا تَفعَلُ العُدَدُ
جُزِيتَ مِن والِدٍ خَيراً عَلى نِعَمٍ / حَصَّلتَها فَتَلَقّى دَرَّها الوَلَدُ
وافى لِيَنعَمَ فيما قَد كَسِبتَ لَهُ / وَالشِبلُ يَأكُلُ مِمّا يَفرِسُ الأَسَدُ
فَاسلَم لَهُ وَلِثَغرٍ بِتَّ تَكَلأُهُ / مِنَ العَدُوِّ كَلاكَ الواحِدُ الأَحَدُ
وَلا خَلا مِنكَ لا سَمعٌ ولا بَصَرٌ / وَلا سَريرٌ وَلا قَصرٌ وَلا بَلَدُ
جَميلُكَ لا يَجزيهِ شُكري وَلا حَمدي
جَميلُكَ لا يَجزيهِ شُكري وَلا حَمدي / وَرِفدُكَ أَغنى قَبلَ رِفدِ ذَوي الرِفدِ
وَتُسدي إِلَيَّ الفَضلَ مِن كُلِّ وجهَةٍ / وَجاهُكَ بَينَ الخافِقَينِ هُوَ المُسدي
كَرُمتَ فَأَكسَبتَ العَبيدَ كَرامَةً / فَمِن شَرَفِ المَولى أَتى شَرَفُ العَبدِ
وَلَولاكَ لَم يُعرَف مَكاني وَلَم يَطُل / لِساني وَلَمَ تُخصِب يَفاعي وَلا وُهدي
وَقَد كُنتُ مَقبوضَ اليَدَينِ عَنِ الغِنى / فَطَوَّلتَ باعي بِالجَميلِ الَّذي تُسدي
وَكَثَّرت حُسّادي وَثَمَّرتَ نِعمَتي / وَذَلَّلتِ لِي دَهرِي وَأَوضَحتَ لي رُشدي
وَأَغنَيتَني حَتّى كَأَنَّكَ ضامِنٌ / لِنَسليَ أَلّا يَعدَمُوا ثَروَةً بَعدي
وَقَد كُنتُ في ضَنكٍ مِنَ العَيشِ بُرهَةً / فَأَصبَحتُ مِن نُعماكَ في عِيشَةٍ رَغدٍ
وَرى بِكَ زندي بَعدَما كانَ مُصلِداً / وَأَورَقَ غُصني بَعدَما كادَ أَن يُكدي
وَقَد مَلَأَ الآفاقَ حَمدي وَكُلَّما / حَمَدتُكَ زادَت مكرُماتُكَ عَن حَمدي
سَأُجهِدُ نَفسي في الثَناءِ وَلَيتَني / جَزَيتُ يَسيراً مِن جَميلِكِ في جُهدي
أَبا صالِحٍ أَصبَحتَ فَرداً وَأَصبَحَت / مَعاليكَ أَفراداً مِنَ الصَمَدِ الفردِ
ضَميرُكَ لِلتَقوى وَسَعيُكَ لِلعُلى / وَمالُكَ لِلنُعمى وَعُمرُكَ لِلمَجدِ
إِذا ما زَحَمتَ الجَيشَ بِالجَيشِ مُيِّلَت / مُتُونُ الأَعادي عَن مُتُونِ القَنا المُلدِ
شَكَتكَ الوَغا مِما تَشِبُّ سَعِيرَها / وَمِمّا تَلُفُّ الضُمَّرَ الجُردَ بِالجُردِ
وَمِمّا تَسُدُّ الجَوَّ في كُلِّ مَعرَكٍ / وَتُردي العِدى وَالخَيلُ شازِبَةً تُردي
حَوَيتَ العُلى مُذ كُنتَ طِفلاً وَمُهِّدَت / بِكَ الأَرضُ مُذ لُفَّت ثِيابُكَ في المَهدِ
فِداكَ جَميعُ العالَمينَ مِنَ الرَدى / فَإِنَّ الَّذي يُفدى نَظيرُ الَّذي يَفدي
وَقَفتُ فَأَبدَيتُ الثَناءَ وَإِنَّني / أُسِرُّ مِنَ الإِخلاصِ أَضعافَ ما أُبدي
فَلا حُبَّ إِلّا دُونَ حُبِّي وَصُحبَتي / وَلا وُدَّ إِلّا دُونَ ما صَحَّ مِن وُدِّي
حَياتُكَ أَشهى في فُؤادي مِنَ التُقى / وَشُكرُكَ أَحلى في لِساني مِنَ الشَهدِ
فَعِش لا خَلا مِنكَ الزَمانُ وَلا خَلَت / قَصُورُكَ مِن عزٍّ مُقيمِ وَمِن سَعدِ
بَينَ اللَوى وَحَزِيزِ الأَجرَعِ العَقِدِ
بَينَ اللَوى وَحَزِيزِ الأَجرَعِ العَقِدِ / مَنازِلٌ أَخلَقَتها جِدّةُ الأَبَدِ
كَأَنَّها بَعدَ ما مُحّت مَعالِمُها / مامُحَّ لِلبَينِ مِن صَبري وَمِن جَلَدي
مَنازِلٌ طالَما طَلَّت عَقائِلها / دَماً جُباراً بِلا عَقلٍ وَلا قَوَدِ
مِن كُلِّ مَكحولَةِ العَينَينِ ما اكتَحَلَت / بِإِثمِدِ الحَضرِ بَل عُلَّت مِن الثَمَدِ
تَأَوَّدَت فَاِكتَسَت حُسناً وَأَحسَنُ ما / تَأَوَّدَ الفَنَنُ العالي مِنَ الأَوَدِ
ظَبيٌ تَعَوَّدَ قَتلَ الإِنسِ وَاعَجَباً / أَن يَقتُلَ الإِنسَ ظَبيٌ مِن بَني أَسَدِ
يا صاحِبيَّ سَقى رَبعاً بِكاظِمَةٍ / مَثَجِّجٌ مِن حَيِيِّ العارِضِ البَرِدِ
أَو يَكتَسي كُلُّ قُردُودٍ بِجَلهَتِه / ثَوباً مِنَ النَورِ لا ثَوباً مِنَ القَرَدِ
فَرُبَّ ساحِبَةِ الأَذيالِ خاطِرَةٍ / قَبلَ السَحابِ بِذاكَ السَفحِ وَالسَنَدِ
عُجنا عَلَيهِ المَطايا عَوجَةً قَدَحَت / نارَ الصَبابَةِ في قَلبٍ وَفي كَبِدِ
وَبَلدَةٍ كَسَراةِ الظَبي عارِيَةٍ / ذَعَرتُ غِيلانَها بِالعِرمِسِ الأُجُدِ
وَقُلتُ لِلرَّكبِ وَالأَنضاءُ لاغِيَةٌ / قَد بَلَّ أَكوارَها الإِنجادُ بِالنَجَدِ
خَلُّوا الثِمادَ فَإِنّي وارِدٌ بِكُمُ / بَحراً مِنَ الجُودِ طامي المَوجِ بِالزَبَدِ
وَقاصِدٌ خَيرَ مَقصودٍ وَمُنتَجِعٌ / ريفَ العَزيزَينِ مِن قَيسٍ وَمِن أُدَدِ
مُعِزَّ دَولَةِ عَدنانٍ وَأَيَّ فَتىً / فيهِ غَرائِبُ فَضلٍ لَيسَ في أَحَدِ
حامي الحَقيقَةِ في عِرنِينِهِ شَمَمٌ / وَنَخوَةُ اللَيثِ لا تَخلُو مِنَ العَنَدِ
مِن مَعشَرٍ أَصبَحَت غُراً مَناقِبُهُم / مِثلَ الكَواكِبِ لا يُدرَكنَ بِالعَدَدِ
بَنَوا لَنا بَيتَ عِزٍّ صَيَّروا عَمَداً / لَهُ الرِماحَ فَأَغنَوهُ عَنِ العَمَدِ
أَبناءُ مِرداسِ خَيرُ الناسِ ما وَعَدُوا / وَعداً فَأَبطاكَ وَعدَ اليَومِ خُلفُ غَدِ
تَوارَثُوا الفَخرَ فَالماضي إِذا مُنِيَت / لَهُ المَنِيَّةُ خَلىَّ الفَخرَ لِلوَلَدِ
لا خَلقَ أَكرَمُ مِنهُم حينَ تَقصِدُهُم / وَلا أَشَدُّ مِراساً بِالقَنا القُصُدِ
أَحلاسُ حَربٍ فَما يُربى صَغيرِهُمُ / إِلّا عَلى نَوفِ الضامِرِ العَنِدِ
إِنّي سُرِرتُ وَمِمّا سَرَّني لَكُمُ / مَوتُ الحَسُودِ بِما يَلقى مِن الكَمَدِ
عادُوا إلى خَير ما اِعتادُوا فَإِن سُئِلُوا / جادُوا وَذادُوا عَنِ الأَعراضِ بِالصَّفَدِ
تَمَلَّكُوا الرَقَّةَ البَيضاءَ وَاِنتَقَلوا / بِالعِزِّ مِن بَلَدٍ رَغدٍ إِلى بَلَدِ
مِثلُ السَحائِبِ ساقَ اللَهُ رَيِّقَها / إِلى ثَرىً لَم تَبِت مِنهُ عَلى خَلَدِ
إِن كُنتُ حُرّاً فَحَمدي دائِمٌ لَهُمُ / فَرضٌ عَلَيَّ كَحَمدِ الواحِدِ الصَمَدِ
لَقَد أُيِّدَت كَفٌّ لَها مِنكَ ساعِدُ
لَقَد أُيِّدَت كَفٌّ لَها مِنكَ ساعِدُ / وَطالَ بِناءٌ شادَهُ مِنكَ شائِدُ
وَما دُمتَ لي حَيّاً فَلا الدَهرُ خاذِلٌ / وَلا العُمرُ مَنقوصٌ وَلا المالُ نافِدُ
أَرى الناسَ في الدُنيا كَثيراً عَديدُهم / وَأَكثرُ مِنهُم نُصبَ عَينيَ واحِدُ
أَبا صالِحٍ لا يَطلُبُ الناسُ ماجِداً / كَأَنتَ فَما فيهم كَمِثلِكَ واحِدُ
خُلِقتَ كَريماً لَم يَخِب مِنكَ سائِلٌ / وَلا وَجَدَ الحِرمانَ عِندَكَ قاصِدُ
وَهَجَّنتَ كَعباً في السَماحِ وَحاتِماً / كَما هُجِّنَت في الراحَتين الزَوائدُ
إِذا ما اِستَفدنا مِنكَ مالاً أَفدتَنا / مِنَ العِلمِ ما تَحوي ذَراهُ الفَوائِدُ
لَقَد زُيِّنَت مِنكَ القُصورُ بِماجِدٍ / يَلوذُ بِعِطفَيهِ بَنوهُ الأَماجِدُ
كَأَنَّكَ بَدرٌ وَالبَنونَ فَراقِدٌ / فَدُمتَ وَدامَت في ذَراكَ الفَراقِدُ
بَنو خَيرِ مَن يُنمى إِلى خَيرِ والِدٍ / فَلِلّهِ مَولُودٌ وَلِلّهِ والِدُ
نُكَرِّمُ ما تَمشي عَلَيهِ مِنَ الثَرى / فَخَدّي لِتُربٍ تَحتَ نَعلَيكَ حاسِدُ
إِذا قُلتُ شِعراً فيكَ كادَت مَحَبَّةً / بِلا مُنشِدٍ تَسعى إِلَيكَ القَصائِدُ
مَلأتُ بِها الآفاقَ حَمداً لِماجِدٍ / زَماني لَهُ مِثلي عَلى الفَضلِ حامِدُ
يَذُبُّ الأَذى عَن عَبدِهِ وَهوَ غافِلُ / وَيَسهَرُ في مَنفوعِهِ وَهوَ راقِدُ
وَيَدفعُ صَرفَ الدَهرِ عَنهُ بمَنكِبٍ / شَديدٍ إِذا التَفَّت عَلَيهِ الشَدائِدُ
فِدىً لِأَبي العُلوانِ عَبدٌ ضَميرُهُ / لَهُ وَعَلَيهِ بِالمَحَبَّةِ شاهِدُ
شَكَرتُ لَهُ الفَضلَ الَّذي لَم يَبُح بِهِ / فَلا هُوَ مَنّانٌ وَلا أَنا جاحِدُ
أَقَمتَ عَمُودَ العِزِّ وَالعِزّ هابِطٌ / وَنَفَّقتَ سُوقَ الشِعرِ وَالشِعرُ كاسِدُ
وَصَيَّرتَ لِلدُنيا بِوَجهِكَ رَونَقاً / كَأَنَّك عِقدٌ وَهِيَ عَذراءُ ناهِدُ
أَبى لَكَ اللَهُ إِلّا رِفعَةَ الأَبَدِ
أَبى لَكَ اللَهُ إِلّا رِفعَةَ الأَبَدِ / وَمَوتَ شانيكَ مِن غَيظٍ وَمِن كَمَدِ
كَم قَد تَمَنَّت لَكَ الأَعداءُ مِن سَبَبٍ / لَم يَبلُغُوهُ بِلُطفِ الواحِدِ الصَمَدِ
وَدُونَ ما يَبتَغي الحُسّادُ ضَربُ طُلىً / بِالمُرهَفاتِ وَطَعنٌ بِالقَنا القُصُدِ
حَتّى تَرى الأَرضَ مَصبُوغاً جَوانِبُها / صَبغَ العُيونِ إِذا اِحمَرَّت مِنَ الرَمَدِ
إِن كانَ عَزَّ شآمٌ أَنتَ مالِكُهُ / فَلَيسَ يُنكَرُ عزُّ الغِيلِ بِالأَسَدِ
ثِق بِالإِمامِ وَلا تَسمَع لِبَوحِهِم / فَما الإِمامُ عَلى شَرٍّ بِمُعتَقِدِ
أَخلَصتَ سِرَّكَ إِخلاصاً لَبِستَ بِهِ / ثَوباً قَشيباً مِنَ التَوفيقِ وَالرَشَدِ
وَلَم يَدَع حُسنُ ما أَثَّرتَ عِندَهُمُ / تَشَوُّقاً لِذَوي الأَضغانِ والحَسَدِ
قَد جَرَّبُوكَ فَما وافوكَ مُنتَقِلا / عَن حُسنِ طَبعٍ وَلا مُصغٍ إِلى فَنَدِ
يَعِزُّ كُلُّ مَكانٍ أَنتَ نازِلُهُ / عِزَّ الشَرى بِأَبي شِبلَينِ ذِي لِبَدِ
أَمّا الإِمامُ فَقَد سَدَّت عَزائِمُهُ / هَذي الثُغُور بِهَذا الأَروَعِ النَجِدِ
وَمَدَّهُ اللَهُ بِالتَوفيقِ مُذ رُكزَت / فيها قَناهُ فَأَغناها عَنِ المُدَدِ
يا طالِبَ الجُودِ شَمِّر إِنَّ في حلَبٍ / بَحراً مِنَ الجُودِ طامي المَوجِ وَالزَبَدِ
عَذبَ المَشارِبِ مازالَت مَوارِدُهُ / تُغشى وَمَهما تَزِد وُرّادُها تَزِدِ
لَهُ مُنادٍ يُنادي حَولَ لُجَّتِهِ / يا ظامِئاً يَشتَكي طُولَ الأُوامِ رِدِ
تَراهُ يَملِكُ ما ضَمَّت حَيازِمُهُ / فَما يَطيشُ حِجاهُ ساعَةَ الحَرَدِ
تُعطيكَ في اليَومِ كَسبَ اليَومِ راحَتُهُ / وَلا يُغادِرُ مالاً باقِياً لِغَدِ
عُدَّ المُعِزَّ وَعُدَّ الناسَ كُلَّهُمُ / تُصادِفِ البَعضِ مِثلَ الكُلِّ في العَدَدِ
سَعى إِلى الأَمَدِ الأَقصى فَأَدرَكَهُ / فَلَم يَدَع أَحَداً يَسعى إِلى أَمَدِ
يا مُنعِماً أَنا مِن نُعماهُ في رَغَدٍ / وَحاسِدي مِنهُ في ضُرٍّ وَفي نَكَدِ
فِداكَ كُلُّ حُسودٍ ضَلَّ ذِي بُخُلٍ / يَمشي إِلى الضَيفِ مَشيَ الأَجرَدِ الحَفِدِ
إِذا تَفازَعَ أَهلُ الحَيِّ أَيَّدَهُ / خَوفُ المَنِيَّةِ بَينَ الكَسرِ وَالنَضَدِ
لَم يَسعَ مَسعاكَ لِلعَلياءِ مُجتَهِدٌ / وَلا شَرى المَجدَ بِالغالي مِنَ الصَفَدِ
يا مَن نَسَجتُ لَهُ مِن مَنطِقي حُلَلاً / جَديدَةَ الحَمدِ لا تَبلى عَلى الأَبَدِ
لِيَ الهَناءُ بِأَن تَبقى فَعِش أَبَداً / مُعَمِّراً عُمرَ نَسرِ الجَوِّ لا لُبَدِ
وَاسعَد بِعيدكِ وَاسلَم خالِداً أَبَداً / لا دارَ يَومُكَ لِلأَيّامِ في خَلَدِ
كُلَّ يَومٍ لَنا هَناءٌ جَديدٌ
كُلَّ يَومٍ لَنا هَناءٌ جَديدٌ / وَسُعُودٌ في إِثرِهِنَّ سُعُودُ
هَكَذا تَذهَبُ الشَدائِدُ عَن كُل / ل فَتىً رُكنُهُ لَهُنَّ شَديدُ
إِنّما المَجدُ يَخدِمُ الجَدّ وَالأَي / يام تَمضي سُعودُها وَتَعودُ
عَجَمَت عودَنا اللَيالي فَلَم يَص / لب لَها غَيرَ ذَلِكَ العودِ عودُ
إِن مَلَكنا فَنَحنُ مِن نَبعة المُل / كِ وَمِنهُ لُحُومُنا وَالجُلودُ
ما بَنَينا إِلّا كَما كانَ يَبني / هِ قَديماً آباؤُنا وَالجُدودُ
آلُ مِرداسِ أَفضَلِ الناسِ إِن عُدْ / دِدَ لِلفَضلِ طارِفٌ وَتَليدُ
خَيرُ مَن ضَمّهُم جِدارٌ وَمَن قا / مَ لَهُم تَحتَ بَيتِ شَعرٍ عَمودُ
إِن تَوالوا عَلى النَدى فَغُيوثٌ / أَو تَوالوا عَلى العِدى فَأُسودُ
وَرِثُوا الفَخرَ قَبلَ أَن يُخلَق الفَخ / رُ وَجادُوا مِن قَبل يُعرفُ جُودُ
أَطيَبُ الناسِ لَو مَشَوا في صَعيدِ ال / أَرضِ فاقَ العَبيرَ ذاكَ الصَعِيدُ
مَهَّدوا الأَرضَ في المُهودِ فَياللْ / لاه ما تَحتَويهِ تِلكَ المُهودُ
أَيُّها المُفضِلُ الجَوادُ الَّذي لَم / يَبقَ في الناسِ غَيره مَهجودُ
مَدَّكَ اللَهُ بِالسُعودِ وَلا نُكِّسَ / يَوماً لِواؤُكَ المَعقودُ
أَلَمَّت حينَ لا وَمَني الهُجُودُ
أَلَمَّت حينَ لا وَمَني الهُجُودُ / وَعادَتُها التَجَنُّبُ وَالصُدودُ
أَلَمَّت في الدُجى فَكَأَنَّ صُبحاً / تَبَلَّجَ مِنهُ لِلسارِي عَمُودُ
وَأَرَّجَتِ الفَلا بِالطِيبِ حَتّى / تَضَوَّعَت التَهائِمَ وَالنُجُودُ
سَرى طَيفُ الكَرى وَهناً وَبَيني / وَبَينَ مَزارِهِ أَمَدٌ بَعيدُ
لَعَلكَ زُرتَني يا طَيفُ عَمداً / لِتَعلَمَ كَيفَ عاشِقُكَ العَميدُ
وَقائِلَةٍ أَجِدَّكَ كُلَّ يَومٍ / رِكابٌ أَنتَ زاجِرُها وَبِيدُ
فَقُلتُ لَها إِلى مَلِكٍ جَوادٍ / يُقَصِّرُ عَنهُ كُلُّ فَتىً نَجُودُ
فَتىً يَتلو مَكائِدَهُ بِعَفوٍ / كَذاكَ الغَيثُ أَوَّلُهُ الرُعُودُ
وَيَصفَحُ صَفحَ مُقتَدِرٍ وَيُغضي / عَلى حَنَقٍ كَما تُغضي الأُسُودُ
لَقَد كَثُرَت لَهُ عِندي أَيادٍ / كَثيرٌ لِي عَلَيهِنَّ الحَسُودُ
سَأَشكُرُ فَضلَهُ وَأَزيدُ مِنهُ / وَحُقَّ لِشُكرِهِ مِنّي المَزيدُ
وَأَنظُمُ مُحكَماتِ الشِعرِ فيهِ / كَما نُظِمَت مِنَ الدُرِّ العُقودُ
هَناكَ العِيدُ يا مَن كُلَّ يَومٍ / لَنا مِن وَجهِهِ عِيدٌ جَديدُ
فَلا بَرِحَت تُؤالِفُكَ المَعالي / وَلا زالَت تُحالِفُكَ السُعُودُ
فَلَو نالَ الخُلودَ فَتىً بِجُودٍ / وَمَعرُوفٍ لحَقَّ لَكَ الخُلودُ
فَما مِن بَعدِ هَذا الفَضلِ فَضلٌ / وَلا مِن بَعدِ هَذا الجُودِ جُودُ
ما قُدِّمَ البَغيُ إِلّا أُخِّرَ الرَشَدُ
ما قُدِّمَ البَغيُ إِلّا أُخِّرَ الرَشَدُ / وَالناسُ يُلقونَ عُقبى كُلِّ ما اِعتَقَدُوا
مَن ساسَ خَيراً رَأى خَيراً وَمَن وَلَدَت / أَفعالُهُ الشَرَّ لاقى شَرَّ ما تَلِدُ
بَغى عَلَينا رِجالٌ عادَ بَغيُهُمُ / عَلَيهِمُ وَأَعانَ الواحِدُ الصَمَدُ
وافَوا وَقَد عَقَدُوا عَقداً فَما ظَفِرُوا / بِما أَرادُوا وَحَلَّ اللَهُ ما عَقَدُوا
ظَنُّوا السَلامَةَ حَتّى خابَ ظَنُّهُمُ / وَالخَيلُ عَن يَمنَةِ السَعدِيِّ تَطَّرِدُ
فَلَم تَجُل جَولَةً حَتّى رَأَيتَهُمُ / في جِيدِ كُلِّ كَمِيٍّ مِنهُمُ مَسَدُ
مُجَنَّبِينَ وَصَرعى تَحتَ أَرجُلِنا / كَما تُصَرَّعُ يَومَ الرِحلَةِ العَمَدُ
سالَت مَذانِبُ صَيدا مِن دِمائِهِمُ / وَطَرّحَت حائِرَ الراسُومَةِ العُدَدُ
وَعاوَدُوا نَحوَ دانِيث فَشَكَّهُمُ / صُمُّ الأَنابِيبِ ما في خَلقِها أَوَدُ
في كَفِّ كُلِّ كَمِيِّ مِن فَوارِسِنا / سَردُ الدِلاصِ عَلى أَكتافِهِ لِبَدُ
وَعاوَدُوا يَطلُبُونَ الشَرَّ ثانِيَةً / وَلِلمَنايا عَلى أَرواحِهِم رَصَدُ
وَلَم تَكُن يَومَ أَعزالٍ فَوارِسُنا / بِئسَ الفَوارِسُ وَالقَسطالُ مُنعَقِدُ
ثُمَّ استَقَلَّت إِلى السَعديِّ ظُعنُهُمُ / فَمُنذُ صارُوا إِلى السَعدِيِّ ما سُعِدوا
وَلَو وَمِن خَلفِهِم جَيشٌ فَوارِسُهُ / قَد أَبحَدَتنا بِها الجَوزاءُ وَالأَسَدُ
لَم يَعلَمُوا حينَ باتَ السَيلُ يَدهَمُهُم / أَنَّ المُدُودَ لَنا مِن خَلفِهِم مَدَدُ
تَرى الخِيامَ عَلى التَيّارِ طافِيَةً / كَأَنَّما هِيَ في حافاتِهِ زَبَدُ
وَالسَيلُ قَد جَرَّ ما ضَمَّت عِيابُهُمُ / حَتّى تَشابَهَتِ الأَمواجُ وَالزَرَدُ
يا أَيُّها الراكِبُ العادي يَخُبُّ بِهِ / عَبلُ الشَوى مُجفِرٌ أَو عَبلَةٌ أُجُدُ
بَلِّغ تَحِيَّتَنا طَيّاً وَقُل لَهُمُ / ما ضَرَّنا ذَلِكَ الحَشدُ الَّذي حَشَدُوا
عَققتُمُونا وَقَد قُمنا بِبِرِّكُمُ / كَما يَقومُ بِبِرِّ الوالِدِ الوَلَدُ
فَما رَعَت حَقَّنا كَلبٌ وَلا حَفِظَت / لَنا الصَنيعَةَ قَحطانٌ وَلا أُدَدُ
قَصَدتُمُ الشامَ إِذ غابَت فَوارِسُهُ / وَالذِئبُ يَرقُصُ حَتّى يَحضُرَ الأَسَدُ
وَأَطمَعَتكُم حَماةُ في مَمالِكِنا / وَالمَطمَعُ السُوءُ مَقرونٌ بِهِ الحَسَدُ
سَتُستَعادُ بِبيضِ الهِندِ ثانِيَةً / إِذا نَزَلنا وَمِن قَبليِّنا صَدَدُ
لَولا الإِمامُ وَلَولا فَرطُ خَشيَتِهِ / لَم يَقطَعِ الجِسرَ مِن فُرسانِكُم أَحَدُ
وَإِنَّما نَهنَهتَنا طاعَةٌ تَرَكَت / سُيُوفَكُم عَن أَذانا لَيسَ تَنغَمِدُ
فَحينَ أَحوَجتُمُونا لَم نُلَقِّكُمُ / غَيرَ السُيوفِ المَواضِي وَالقَنا القُصُدُ
وَمِن كِلابٍ رِجالٌ غابَ أَكثَرُهُم / عَنكُم وَوا أَسَفا لَو أَنَّهُم شَهِدُوا
حَتّى تَرَوا بِالمُصَلّى كَيفَ طَعنُهُم / بِالسَمهَرِيَّةِ وَالأَرواحُ تُفتَقَدُ
وَقَد عَرَفتُم وَجَرَّبتُم فَوارِسَنا / بِالمَشهَدَينِ وَنارُ الحَربِ تَتَّقِدُ
ذَادُوكُمُ بِالعَوالي عَن خِيامِهِم / فَما استُبيحَ لَها طُنبٌ وَلا وَتِدُ
كُنتُم ثَلاثَةَ آلافٍ فَرَدَّكُمُ / ثَلاثَةٌ وَأَبى أَن يَنفَعَ العَدَدُ
وَما القَليلُ قَليلاً حينَ تَخبُرُهُ / وَلا الكَثيرُ كَثيراً حينَ يَنتَقَدُ
لا واخَذَ اللَهُ قَوماً مِن عَشِيرَتِنا / تَأَلَّبوا في زَوالِ العِزِّ وَاِجتَهَدُوا
باعُوا العَشِيرَةَ بَيعَ البَخسِ وَاِنقَلَبُوا / بِالذُلِّ ما أَخلَفُوا العِزَّ الَّذي فَقَدُوا
وَدَرَّ دَرُّ رِجالٍ مِنهُمُ مَنَعُوا / أَعداءَهُم جانِبَ الوِردِ الَّذي وَرَدُوا
وَمانَعُوا دُونَ شامٍ لَو نَبا بِهِمُ / وَحاوَلوا عِوَضاً مِنهُ لَما وَجَدُوا
قَد ناصَحُونا فَلافَوا غِبَّ نُصحِهِمُ / وَعاهَدُونا وَأَوفَوا بالَّذي عَهِدُوا
يا عائِدينَ إِلى الأَوطانِ مِن حَلَبٍ / وَفي قُلوبِهِمُ مِن فَوتِها كَمَدُ
لَستُم بِأَوّلِ قَومٍ حاوَلُوا طَمَعاً / مِنها وَضَلُّوا عَنِ القَصدِ الَّذي قَصَدُوا
لَم تَنزِلوها بِأَمرٍ غَيرَ أَنَّكُمُ / رُمتُم فَسادَ أُمُورٍ لَيسَ تَنفَسِدُ
وَعُقتُمُ القَودَ أَن تَمضي وَلا عَجَباً / أَنَّ الخَليفَةَ يَدري ثُمَّ لا يَجِدُ
وَما اِعتَمَدنا عَلى قَودٍ تُقَرِّبُنا / مِنهُ وَلَكِن عَلى النِيّاتِ نَعتَمِدُ
حاشا الإِمامَ وَحاشا طِيبَ عُنصُرِهِ / أَن يَظهرَ الزُهدُ في قَومٍ وَما زَهِدُوا
لا تَطلُبُوا مَصعَداً في هَضبِ شاهِقَةٍ / زَلَّت بِأَقدامِ قَومٍ قَبلَكُم صَعِدُوا
فَالدِزبِرِيُّ حَطَطنا مَن عَصى مَعَهُ / عَلى الإِمامِ وَفي آنافِهِم عُبُدُ
مِن بَعدِ ما تَرَكَ المُرّانُ أَكثَرَهُم / صَرعى يُهالُ عَلى مَثواهُمُ السَنَدُ
خانُوا الإِمامَ وَما خُنّا وَأَفسَدَهُم / ضَعفُ اليَقينِ وَلَم نَفسُد كَما فَسَدوا
وَلا عَصَينا أَميرَ المُؤمِنينَ كَما / عَصى المُظَفَّرُ وَهوَ السَيفُ وَالعَضُدُ
لَكِن أَطَعنا وَناصَحنا وَما عَلِقَت / لآلِ مِرداسِ إِلّا بِالإِمامِ يَدُ
لَو كانَ يُعبَدُ غَيرُ اللَهِ ما اِمتَنَعُوا / أَن يَعبُدُوهُ مَعَ الرَبِّ الَّذي عَبَدُوا
أَمّا الإِمامُ فَما حالَت مَحَبَّتُهُ / وَإِنَّما في رِجالٍ حَولَهُ حَسَدُ
سامُوا لَنا عِندَهُ أَمراً لِيَحمَدَهُم / فَالحَمدُ لِلّهِ قَد لِيموا وَما حُمِدُوا
وَنَحنُ أَنفَعُ مِنهُم إِن أَلَمَّ بِهِ / خَطبٌ وَأَوجَدُ لِلهَمِّ الَّذي يَجِدُ
وَلِلخَليفَةِ مِنّا حينَ يَندُبُنا / أَموالُنا وَالقَنا وَالمالُ وَالوَلَدُ
لا نَرتَضي غَيرَهُ مَولىً نُعَزُّ بِهِ / وَلا يُغَيِّرُنا عَن حُبِّهِ الأَبَدُ
يا مُزنَةَ الحَيِّ يَحدُو عِيسَها الحادي
يا مُزنَةَ الحَيِّ يَحدُو عِيسَها الحادي / هَلّا شَفَيتِ بِرِيٍّ غُلَّةَ الصادي
زَوَّدتِني نَظرَةً زادَت جَوىً كَبِدِي / ما كانَ ضَرَّكِ لَو أَكثَرتِ مِن زادي
أَمّا فُؤادي فَقَد أَضحى أَسيرَكُمُ / يا وَيحَهُ مِن فُؤادٍ مالَهُ فادي
مَنُّوهُ زُوراً وَمَنُّوا في المُنى وَعِدُوا / وَعداً جَميلاً وَلا تُوفوا بِميعادِ
كَيفَ الخَلاصُ وَقَد أَضرَمتِ في كَبِدي / زَندَينِ ضِدَّينِ مِن خافٍ وَمِن بادي
أَيّامَ نَحنُ بِأَعلى الشِعبِ مَنزِلُنا / وَمَنزِلُ الحَيِّ بَينَ السَفحِ وَالوَادي
ما كانَ ضَرَّكُمُ وَالدارُ جامِعَةٌ / وَغُربَةُ البَينِ لَم تَجلِسُ بِمِرصادِ
لَو أَنعَمت بِالمُنى نُعمٌ وَلَو كَرُمَت / سُعدى فَجادَت بِإِسعافٍ وَإِسعادِ
لَم أَنسَها يَومَ وَلَّت وَهيَ غادِيَةٌ / بِمُهجَتي في الفَريقِ المُزمِعِ الغادي
حَسّانَةُ الجِيدِ مَصقُولٌ تَرائِبُها / مِثلُ العَقيقَةِ في وَطفاءَ مِرعادِ
قالَت فَدَتكَ حَياتي وَهِيَ هازِلَةٌ / رُوحي الفِداءُ لِذاكَ الهازِلِ الفادِي
أَمسَت أُمامَةُ قَد ضَنَّت بِنائِلِها / فاعتادَ قَلبَكَ مِنها شَرُّ مُعتادِ
كَأَنَّ لُبَّكَ مُذ بانَ الخَليطُ بِها / لُبُّ المُعَلَّلِ مِن صَفراءَ كَالجادي
مُقتُولَةٌ بِنَمير الماءِ قاتِلَةٌ / تَرى المُصَبَّح مِنها مائِلَ الهادي
وَفِتيَةٍ لَوَّحَتهُم كُلُّ طامِسَةٍ / قَفرٍ وَكُلُّ سَحيقِ الرِعنِ مُنقادِ
تَهوي بِهم شَدَنيّاتٌ مُزَمَّمَةٌ / تَضِلُّ في البِيدِ أَعضاداً بِأَعضادِ
كَأَنَّهُم مِن نَعامِ الدَوِّ سارِحَةٌ / تَخدي بِجِنٍّ عَلى الأَكوارِ مُرّادِ
تَشدُو بِذِكرِ ابنِ مِرداسٍ فَيُطرِبُها / حَتّى تَهِمَّ بِأَن تَشدُو مَعَ الشادي
مُتَوَّجٌ مِن مُلوكِ الأَرضِ هِمَّتُهُ / مَقسُومَةٌ بَينَ إِصدارٍ وَإِيرادِ
زُرنا المُعِزَّ فَزُرنا مِن فَتى مُضَرٍ / بَحرَ النَدى وَشِهابَ الحَيِّ وَالنادي
وَباتَتِ العيسُ في مَغناهُ حامِدَةً / لِفَضلِهِ وَلِإتهامي وَإِنجادي
فَتىً إِذا قَصَدَ القُصّادُ نائِلَهُ / أَمُّوا مُعَرَّسَ وُفّادٍ وَقُصّادِ
أَغَرُّ أَبلَجُ يَلقى الوَفدَ مُبتَسِماً / بِمُشرِقٍ مِثلِ ضَوءِ الشَمسِ وَقّادِ
يُهدى بِهِ الرَكبُ وَالظَلماءُ عاكِفَةٌ / لا يُبعِدُ اللَهُ ذاكَ المُرشِدِ الهادي
فَخرٌ مُنيفٌ بَناهُ في القَديمِ لَهُم / كَعبُ بنُ عَبدٍ وَإِدريسُ بنُ شَدّادِ
ما كُلُّ قَومٍ إِذا طالُوا بِأَنفُسِهِم / طالُوا بِها وَبِآباءٍ وَأَجدادِ
تَرى الثِيابَ عَلى أَجسادِهِم فَتَرى / تِلكَ الثِيابَ عَلى أَجسادِ آسادِ
إِذا نَضَوها نَضَوها عَن مَناكِبِهِم / كَما نَضَوتَ سُيُوفاً حَشوَ أَغمادِ
إِن تَلقَهُم تَلقَ مِنهُم مَعشَراً نُجُباً / أَكبادُهُمُ في الرَزايا غَيرُ أَكبادِ
كَأَنَّهُم وَعِتاقُ الخَيلِ تَحمِلُهُم / أَطوادُ حِلمٍ جُلوساً فَوقَ أَطوادِ
شُمُّ العَرانينِ طَعّانينَ إِن غَضِبُوا / بِالسَمهَرِيَّةِ بِذّالِينَ لِلزّادِ
يا بنَ المُلوكِ كَلاكَ اللَهُ مِن مَلِكٍ / مُدَرَّبٍ بِفَعالِ الخَيرِ مُعتادِ
كَم مِنَّةٍ لَكَ عِندي ثَمَّرَت جِدَتي / وَكَثَّرَت فَوقَ ظَهرِ الأَرضِ حُسّادي
لَأَجزِيَنَّكَ أَوصافاً مُحَبَّرَةَ / كَأَنَّهُنَّ عُقُودٌ فَوقَ أَجيادِ
تَبقى عَلى غُبَّرِ الأَيّامِ خالِدَةً / خُلودَ ذِكرِكَ في حَضرِ وَفي بادي
لازالَ يَرفَعُكَ الحِجى وَالسُؤدَدُ
لازالَ يَرفَعُكَ الحِجى وَالسُؤدَدُ / حَتّى رَنا حَسَداً إِلَيكَ الفَرقَدُ
صَعِدَ المُلوكُ وَأَنتَ تَصعَدُ عَنهُمُ / فَكَأَنَّهُم لَم يُحسِنُوا أَن يَصعدُوا
بُعداً لِحاسِدِكَ الشَقِيِّ فَإنِّما / حَسَدُ الحَسُودِ سَجِيَّةٌ لا تُحمَدُ
حَسبُ الحَسودِ نَقيصَةً أَنَّ العُلى / عَدَتِ الحَسُودَ وَما عَدَت مَن يَحسُدُ
أَمّا المُعِزُّ فَإِن سَمِعتَ بِأَوحَدٍ / فاقَ البَرِيَّةَ فَهوَ ذاكَ الأَوحَدُ
سَبَقَ الكِرامَ وَقَصَّروا أَن يَلحَقُوا / أَدنى مَداهُ وَضُلِّلوا أَن يَهتَدُوا
نَفَقَ الثَناءَ بِهِ وَأَصبَحَت العُلى / عِندَ الأَعَزِّ تِجارَةً لا تَكسُدُ
خَلَتِ البِلادُ مِنَ الكِرامِ وَأَقفَرَت / إِلّا العَواصِمُ مِن جَوادٍ يُقصَدُ
لَو عاشَ قَومٌ أَعتَقُوهُ لَسَرَّهُم / ما أَعتَقُوا وَلَسَرَّهُم ما أَولَدُوا
شادُوا لَهُ الفَخرَ المُنيفَ عَلى السُهى / وَنَشا فَشَيَّدَ فَوقَ ما قَد شَيَّدُوا
ما كُلُّ مَن وَرِثَ المَكارِمَ قائِمٌ / فَيها وَلا كُلُّ ابنِ فَحلٍ سَيِّدُ
يا حَبَّذا الفَرعُ الزَكِيُّ وَحَبَّذا / ذاكَ النِجارُ وَحَبَّ ذاكَ المَحتِدُ
مِن سادَةٍ أَخَذُوا المَكارِم عادَةً / وَلِكُلِّ قَومٍ في العُلى ما عُوِّدُوا
قَومٌ إِذا شَهِدُوا النِزالَ تَقَلَّدُوا / مِن بَأسِهِم بِأَحَدَّ مِمّا قُلِّدُوا
يا سَيِّدَ الأُمَراءِ دَعوَةَ شاكِرٍ / لا يَجحَدُ الإِحسانَ فِيمَن يَجحَدُ
إِنَّ الرَعايا أَشرَبَتكَ قُلُوبُهُم / حُبّاً كَما شَرِبَ الغَمامَ الفَدفَدُ
وَجَدُوا لِفَقدِ أَخيكَ في مُهَجاتِهِم / ناراً تَنُوبُ مَنابَ ما لَم يُوقِدُوا
وَتَحَرَّجُوا أَن يَفرَحُوا في لَيلَةٍ / سَكَنَ التُرابَ بِها الحُسامُ المُغمَدُ
هَجَرُوا السُرورَ وَلَم يَبِت يَعتادُهُم / أَسَفُ المَلامَةِ أَنَّهُم ما مَلًّدُوا
تَبِعُوا هَواكَ فلَو أَمَرت جَمِيعُهم / بِالكَفِّ عَن أَعيادِهِم ما عَيَّدُوا
فاسلَم لَهُم فَإِذا سَلِمتَ فَإِنَّهُم / تَحتَ السَلامَةِ أَتهَمُوا أَم أَنجَدُوا
يا لَيلُ طُلتَ وَطالَ الوَجدُ وَالكَمَدُ
يا لَيلُ طُلتَ وَطالَ الوَجدُ وَالكَمَدُ / كِلاكُما مُستَمِرٌّ ما لَهُ أَمَدُ
لا دَرَّ درّك مِن لَيلٍ كَواكِبُهُ / طَلائِحُ الخَطوِ لا تَردي وَلا تَخِدُ
كَأَنَّها مِن فِراقِ اللَيلِ خائِفَةٌ / وَفي الصَباحِ عَلَيها لِلكَرى قَوَدُ
وَقَد تَعَرَّضت لِلجَوزاءِ طالِعَةً / مِثلَ الهَدِيِّ عَلَيها التاجُ مُنعَقِدُ
يا لَيلُ ما طُلتَ عَمّا كُنتُ أَعرِفُهُ / وَإِنَّما طالَ بي فيكَ الَّذي أَجِدُ
يا أُمَّ عَمروٍ لَقَد كَلَّفتِني كُلَفاً / مِنَ الصُدودِ فَقَلبي للرَدى صَدَدُ
أَتلَفتِ رُوحي وَما خَلَّفتِ لي جَسَداً / فَعُدتُ لَم يَبقَ لي رُوحٌ وَلا جَسَدُ
قَد كُنتُ جَلداً وَأَمَّا بَعدَ نَأيِكُمُ / فَلَيسَ لي في الهَوى صَبرٌ وَلا جَلَدُ
أَهوى المَزارَ وَكَم بَيني وَبَينَكُمُ / مِن شاهِقِ الصَمدِ أَعلى سَمكَهُ الصَمَدُ
وَمِن فَلاةٍ شَطونِ البِيدِ نازِحَةٍ / تَكِلُّ مِن دَونِها العَيرانَةُ الأَجُدُ
يَسري الخَيالُ فَيَلقى دُونَكُم نَصَباً / فَما يُعاوِدُ إِلّا وَهوَ مُضطَهَدُ
دَع ذِكرَ هِندٍ وَلَكن رُبَّ مَهلَكَةٍ / أَضحَت بِيَ العِيسُ في أَجوازِها تَفِدُ
إِلى المُعِزِّ الَّذي أَضحَت مَناقِبُهُ / يُحصى الحَصا قَبلَ أَن يُحصى لَها عَدَدُ
إِلى فَتىً نالَ بِالمَعروفِ مُنذُ نَشا / مَحامِداً لَم يَنلها قَبلَهُ أَحَدُ
أَلوى أَشَمُّ بَعِيدُ الشَوفِ مُنصَلِتٌ / جَبِينُهُ مِثلُ ضَوءِ الشَمسِ يَتَّقِدُ
أُثني عَلَيهِ وَلي في كُلِّ جارِحَةٍ / قَلبٌ لِأَضعافِ ما أُبديهِ مُعتَقِدُ
يا مَن هُوَ البَحرُ جَيّاشاً بِنائِلِهِ / وَغَيرُهُ المَنهلُ الضَحضاحُ وَالثَمَدُ
فَذاكَ نَزرٌ تَكادُ الأَرضُ تَنشِفُهُ / وَأَنتَ يَطمي عَلَيكَ المَوجُ وَالزَبَدُ
يا واهِبَ المالِ لا مَطلٌ يَحُولُ بِهِ / وَلا يُكَدِّرُهُ مَنٌّ وَلا نَكَدُ
إِذا حَضرتَ وَغابَ الناسُ كُلُّهُمُ / عَن مَشهَدٍ لَم يَغِب عَنهُم وَقَد شَهِدُوا
لا فارَقَت شَخصَكَ الدُنيا فَأَنتَ بِها / كَالشَمسِ لَم يَخلُ مِن نُورٍ لَها بَلَدُ
أَبى القَلبُ إِلّا أَن يَهِيمَ بِها وَجداً
أَبى القَلبُ إِلّا أَن يَهِيمَ بِها وَجداً / وَيُذكِرَنِيها وَهيَ ساكِنَةٌ نَجدا
رِياحِيَّةٌ أَهدى مَعَ الرِيحِ نَشرُها / إِلَيَّ مِنَ الأَنفاسِ أَطيَبَ ما يُهدى
وَأَرَّجَ غِيطانَ الفَلا فَكَأَنَّما / يَسُوفُ الَّذي يَسري بِأَرجائِها نَدّا
ولَمّا اِعتَنَقَنا لِلوَداعِ وَقَلبُها / وَقَلبِي يَفيِضانِ الصَبابَةَ وَالوَجدا
بَكَت لُؤلُؤاً رَطباً فَفاضَت مَدامِعِي / عَقيقاً فَصارَ الكُلُّ في نَحرِها عِقدا
أَنا كِثَةً عَهدِي لَكِ اللَهُ حِلفَةً / مَدى الدَهرِ إِنّي لانَكَثتُ لَكُم عَهدا
وَلا حُلتُ عَن حِفظِ المَوَدَّةِ في الهَوى / وَإن كُنتُمُ لا تَحفَظُونَ لَنا وُدّا
لَعَمرِي وَما عَمرِي عَلَيَّ بِهَيِّنٍ / وَإِن لَم أَجِد لِي مِن تَحِيَّتِكُم بُدّا
لَقَد كُنتُ جَلداً قَبلَ أَن تَشحَطَ النَوى / فَأَمّا وَقَد فارَقتُكُم لَم أَعُد جَلدا
إِذا هَبَّتِ النَكباءُ بَينِي وَبَينَكُم / وَجَدتُ لَها مِنكُم عَلى كَبِدِي بَردا
خَلِيلَيَّ إِنَّ الحُبَّ أَوَّلَ مَرَّةٍ / مِزاحٌ وَيَغدُو بَعدَ ذَلِكُمُ جِدّا
وَإِنَّ هَوى البِيضِ الكَواعِبِ كَاسمِهِ / هَوانٌ يَرى فيهِ الفَتى غَيَّهُ رُشدا
أَلا أَيُّها الغادِي عَلى شَدَنِيَّةٍ / يَقُدُّ بِها أَجوازَ عَرضِ الفَلا قَدّا
أَلِكنِي إِلى عِيسى الفِزارِي رِسالَةً / جَعَلتُ بِها قَولِي عَلى قَولِهِ رَدّا
وَقُل أَيُّها الشَيخُ الَّذي ضَلَّ سَعيُهُ / فَأَصبَحَ لا مالاً يُفيدُ وَلا حَمدا
تُهَدِّدُنِي فِيما زَعَمتَ بِحَيَّةٍ / إِذا نَهَشَت لَم تُبقِ لَحماً وَلا جِلدا
وَحَيُّكَ ما يُخشى فَما بالُ حَيَّةٍ / نَحُطُّ عَلى يافُوخِها حَجَراً صَلدا
وَنَترُكُها مَعضُوضَةَ الوَجهِ بُرهَةً / مِنَ الدَهرِ لا سَمّاً بِفِيها وَلا شَهدا
وَلَو كُنتَ ذا لُبٍّ لَما كُنتَ طالِباً / لَكَ الوَيلُ عَفواً ثُمَّ أَتبَعتَهُ وَعدا
وَأَيُّ قَبِيحٍ في سُلالَةِ صالِحٍ / فَيَحذَرَ بَرقاً مِن وَعِيدِكَ أَو رَعدا
وَهُم في غِنىً عَن كُلِّ قَولٍ تَقُولُهُ / وَأَنتَ فَمُحتاجٌ إِلى فَضلِهِم جِدّا
وَإِنَّ لَنا سَيفاً مِنَ العِزِّ إِن نَشَأ / ضَرَبنا بِهِ صَفحاً كَما قُلتَ أَو حَدّا
وَإِن شِئتَ قُرباً مِن بِنانا فَإِنَّنا / لَعَمرُكَ غَرٌّ لا تَعافُ لَنا وِردا
وَإِن شِئتَ بُعداً مِن نَدانا وَفَضلِنا / فَزادَكَ رَبُّ العَرشِ مِن فَضلِنا بُعدا
فَنَحنُ ذَوُ الفَضلِ الَّذي لَم تُصِب لَنا / بَنُو آدَمٍ فِيهِ نَظيراً وَلا نِدّا
وَأَوصافُنا مِثلُ النُجومِ كَثِيرَةٌ / إِذا عُدِّدَت لَم يُحصِ خَلقٌ لَها عَدّا
نَجُودُ بِما نَحوي مِنَ المالِ وَاللُها / وَنُعطِي الأَغَرَّ الزَولَ وَالأَجرَدَ النَهدَا
وَنَقرِي الهُمومَ الطارِقاتِ عَزائِماً / تُهَدُّ الجِبالُ الراسِياتُ بِها هَدّا
وَإِن نابَنا خَطبٌ مِنَ الدَهرِ لَم تَجِد / بَني صالِحٍ إِلّا غَطارِفَةً لُدّا
يَشِيمُونَ قَبلَ المُرهَفاتِ صَوارِماً / مِنَ البَأسِ بِيضاً لا تَكِلُّ وَلا تَصدا
إِذا اِنتُجِعُوا كانُوا غُيُوثاً مِنَ النَدى / وَإشن غَضِبُوا كانُوا إِذا غَضِبوا أُسدا
يَحُلُّونَ في العَلياءِ كُلَّ ثَنِيَّةٍ / إِذا الناسُ حَلُّوا مِن مَعالِيهِمِ الوَهدا
أَما وَالقِلاصِ البُدنِ في كُلِّ فَدفَدٍ / تُكابِدُهُ حَثّاً وَتقطَعُهُ وَخدا
إِلى آلِ مِرداسٍ لِكُلِّ سَمَيدَعٍ / نَجِيبٍ تُرَجّي مِن مَكارِمِهِم رِفدا
لَقَد سَبَقُوا بِالفَخرِ قَيساً وَعامِراً / وَطَيّا وَسادُوا مِنهُمُ الشِيبَ وَالمُردا
سَلِ المَنزِلَ الغَورِيَّ أَينَ خَرائِدُه
سَلِ المَنزِلَ الغَورِيَّ أَينَ خَرائِدُه / وَأَينَ تَوَلّى بدرُه وَفَراقِدُه
وَإِن كانَ ذاكَ الرَبعُ مُذ بانَ أَهلُهُ / لِيَعتادُهُ الوَجدُ الَّذي أَنا واجِدُه
وَلَكِنَّهُ مُثنٍ عَلى ما يَنُوبُهُ / شَدِيدُ القُوى وَالدَهرُ جَمٌّ شَدائِدُه
وَبِي لَوعَةٌ مِن أَهلِهِ لَو شَكَوتُها / إِلَيهِ للانَت وَهيَ صُمٌّ جَلامِدُه
وَقَفنا بِهِ فَاستَمطَرَت كُلَّ مُقلَةٍ / عِهادَ البُكا آياتُهُ وَمَعاهِدُه
وَأَنبَتَ مِن سُحبِ الدُمُوعِ تُرابُهُ / حَياً بَشَّرَ النُجّاعَ بِالخِصبِ رائِدُه
فَهَل يَحمَدُ الحَيُّ الحِلالُ برَبعِهِ / حَيا عَبرَتِي أَم يَحمَدُ الغَيثَ حامِدُه
لَعَمرُ البِلى ما صابَ في الدارِ وابِلٌ / سِواهُ وَلَكِنَّ الزَفيرَ رَواعِدُه
وَلَيلٍ أَقضَّ الشَوقُ بِي فيهِ مَرقَدي / وَأَيُّ مَشُوقٍ لا تُقَضُّ مَراقِدُه
وَبِتُّ مَبِيتَ الظَبيِ أَحكَمَ شَدَّهُ / بِمَمرُورَةٍ مِن يابِسِ القِدِّ صائِدُه
خَلِيلَيَّ هَلى لِي مِنكُما اليَومَ مُسعِدٌ / وَإِن لَم يَجِد ذُو لَوعَةٍ مَن يُساعِدُه
عَلى زَمَنٍ قَد عَلَّمَ الغَدرَ أَهلَهُ / فَلا تَعتَمِد مِنهُم عَلى مَن تُعاقِدُه
فَكَم مِن صَدِيقٍ عادَ لِي بَعدَ بُرهَةٍ / عَدُوّاً وَدَبَّت تَحتَ جَنبِي أَساوِدُه
وَرَكبٍ طَوَوا عَرضَ الفَلا وَطَوَتهُمُ / وَأَنضاهُمُ غِيطانُهُ وَفَدافِدُه
إِذا جارَ مِنهُم قاصِدٌ عَن سَبِيلِهِ / هَداهُ سَنا وَجهِ الَّذي هُوَ قاصِدُه
أَقُولُ لَهُم وَالعِيسُ تَظما كُبُودُها / وَأَكبادُنا في البِيدِ مِمّا نُكابِدُه
أَقِيمُوا صُدورَ اليَعمَلاتِ فَإِنَّها / عَوامِدُ مَن لا يَرهَبُ الفَقرَ عامِدُه
فَبِالرَّقَةِ البَيضاءِ مَلكٌ كَأَنَّما / مَوارِدُ أَفواهِ القِرابِ مَوارِدُه
أَشَمٌّ حُمَيدِيُّ النِجارِ بَنى لَنا / فُخُوراً بَناها قَبلَهُ النَدبُ والِدُه
فلا سِنخَ إِلّا سِنخُهُ وَنِجارُهُ / وَلا فَرعَ إِلّا فَرعُهُ وَمَحاتِدُه
وَلا حَمدَ إِلّا لِلمُعِزِّ بنِ صالِحٍ / إِذا عُدِّدت آلاؤُهُ وَمَحامِدُه
أَحَدُّ مِنَ العَضبِ اليَمانِيِّ عَزمُهُ / وَأَقطَعُ مِن كَيدِ الزَمانِ مَكائِدُه
يَزِيدُ الرَجا وَالبُؤسُ مَهما تَبَيَّنَت / عُقُوبَتُهُ في وَجهِهِ وَفَوَائِدُه
وَقَد قِيلَ في الأَمثالِ كَعبٌ وَحاتِمٌ / وَلا حاتِمٌ إِلّا الَّذي أَنتَ واجِدُه
وَوَاعَجَبا نُثنِي عَلى فَضلِ غائِبٍ / وَنَترُكُ أَن نُثِني عَلى مَن نُشاهِدُه
إِذا شِئتَ طَردَ الفَقرِ فاحلُل بِرَبعِهِ / فَإِنَّ مُعِزَّ الدَولَةِ القَيلَ طارِدُه
أَخُو كَرَمٍ لَم يَدنَسِ اللَهُ عِرضَهُ / بِلُؤمٍ وَلَم تُخلَط بِخُلفٍ مَواعِدُه
شَرائِعُهُ شَتّى فَإِمّا يَمِينُهُ / وَإِمّا بَواطِيهِ وَإِمّا مَوائِدُه
إِذ قُلتَ شِعراً فَاحتَرِز مِنهُ إِنَّهُ / خَبِيرٌ إِذا لَم يَنقُدِ الشِعرَ ناقِدُه
فَما قُلتُ شِعراً قَطُّ إِلّا وَهِبتُهُ / وَإِنّي لِجَنِّيُّ القَريضِ وَمارِدُه
وَما هُوَ إِلّا واحِدٌ في زَمانِهِ / نَظَمتُ لَهُ الدُرَّ الَّذي أَنا واجِدُه
فَلا زالَ مُرتاعَ الفُؤادِ عَدُوُّهُ / وَمُلتَهِبَ الأَحشاءِ بِالغَيظِ حاسِدُه