المجموع : 11
مَا كلُّ من مَلَك الثَّراءَ يَجودُ
مَا كلُّ من مَلَك الثَّراءَ يَجودُ / كلاً وكلُّ الرجال تَسودُ
مَا كلُّ من طلب السباقَ بمُدرِكٍ / شَأواً ولا كل البُروق تجود
مَا كلُّ من رام المعاليَ راقياً / فِيهَا ولا كل الصُّعودِ صعود
مَا كلُّ مُوفٍ للدِّمام سَمَوْءلاً / كلاً ولا حاكِي القَريضِ لبيد
مَا كلُّ خانقةِ الجَناحِ جَوارِحاً / كلاً ولا خَفْقُ الرياحِ بُنود
مَا كلُّ وَقّاهِ القَريحةِ مُنشِداً / كلاً ولا كلُّ القصيدِ قصيد
مَا كلُّ عقلٍ للهدايةِ قائداً / كلاً ولا كلُّ المِراس شديد
مَا كلُّ سهمٍ فِي الرماية صائباً / كلاً ولا كلُّ المَقال سَديد
مَا كلُّ من قاد الكتائب فَيْصلاً / كلاً ولا كلُّ الوقائع سود
ملكٌ تخرُّ لَهُ الجَبابر سُجَّداً / وبَرِقٌ من جَزعٍ لَهُ الجُلْمود
حكمٌ عَلَيْهِ من الجَلالِ مَهابةٌ / وله من النصر العزيز جنود
عَلم يُريك من العلوم عَجائباً / لولا النبوةُ قلت ذا داود
قمر يريك من الجمال أشعَّةً / وعليه من نسج البهاء بُرود
سيفٌ تُسَلُّ لَهُ السيوفُ وتنقضي / ولها بهامِ المُلحدين غُمود
فَرْدٌ تَفَرَّدَ بالفتوح فنصرُه / م العالَمِ الأعلى لَهُ ممدودُ
أسد لَهُ كلُّ الأُسودِ ثعالبٌ / مَولىً لَهُ كلُّ الأنامِ عَبيد
بَطَل لَهُ فِي المُذنبين وَقائِع / ولدى النَّدى فِي المُدْقِعِين رُعود
شهدتْ لَهُ يوم النِّزال مَشاهِدٌ / إِذ مَلَّ جيشَ البَغْيِ وهْو حَصيد
غَدروا بِهِ والغدرُ مَهْلَكةُ الوَرى / فَثَنى عِنانَ الجيشِ وهْو وَحيد
ضحكتْ صَوارِمُه وهن عَواتِقٌ / وبكتْ رِماحُ الخَطِّ وهْي جُمود
للهِ وِقفةُ باسلٍ خُذِلت لَهَا / كلُّ العِدى والعالَمون شُهود
فَصَّلتَ مُجْمَلهم بعزمٍ لَمْ يَزَلْ / يُردِي النفوسَ مخافةً ويُبيد
تجري مقاديرُ الإلهِ عنايةً / منه لَهُ فيما بَشا ويُريد
عَذْبُ المَناهلِ للوفودِ بمالِه / ولدَى الوغى مُرُّ المَداقِ شديد
لم يَحلُلِ العافونَ غيرَ رِحابِه / لولاه مَا حَدَتِ المَطيَّ وُفودُ
فالويلُ يَا صُورُ ارجِعي وتَعذَّري / فالعُذرُ للجانِي بِهِ ممدود
واستسلِمي فِي راحَتَيْه فإنما / حبلُ الأمانِ بكَفِّه مَعْقود
وذَرِي مغالبةَ الملوكِ فإنّ مَن / نَاواهمُ فِي قبرِه مَلْحود
أَظننتَ أهلَك مانِعينَ ذِمارَهم / هل يمنعُ الموتَ الزُّؤَامَ جَليد
لَمْ تُغنِهم عندَ اللقاءِ نقودُهم / لا يَدْفَعنْ سهمَ القضاءِ نُقود
فبدتْ لهم فَوْقَ الكثيبِ مَصانِعٌ / لكنّها فَوْقَ الكُعوب قيود
شُهْبٌ تلوح لناظريها أَنْجُباً / قِلَعٌ ولكنْ فِي القلوبِ حَديدُ
عُجِنت بماءِ المُزْنِ تربتُها إذن / لكنَّ من دَمِّ العِدى مولود
وإذا تَراءَتْها العيونُ تَظُنُّها / فَوْقَ السحاب أساسُها مَعْقُود
وتخالُها لَبِناً يُشاد بناؤُها / لكتها لحمُ العدى وكُبود
قِلَعٌ لَهَا بالمَشْرِقين مَشارقٌ / لَهَا بأقصى المَغْرِبين عُفود
ولهنَّ من شَفَق الغُروب أَجِلَّةٌ / ولهن من فَلَق الصباح عَمود
سجدتْ لطَلْعَتِها الشَّواهقُ وانثنَتْ / أعطافُ أوديةِ القِفار تَميد
هَذَا هو النَّبَأ العظيم لمنكِرٍ / قَدْرَ الملوكِ فإِنَّ ذا لَكَمود
رِفْقاً أَميرَ المؤمنين فإنما / خضعتُ لطعتِك العُتاة الصِّيدُ
وأَتَوْكَ طَوعاً مُهْطِعين كَأَنَّهم / تَحْتَ الإطاعة مُذعِنون هُجود
يا نِعمةَ المَوْلَى وأيَّ فضيلةٍ / فَلأَنْتَ صالحُ والأَنام ثَمود
يَا أَيُّها الزمن المَجيد بفيصلٍ / رُحماك هل ملكٌ سواه مَجيد
ما فِي الوجود أَرَى تركتَ بقيةً / تأتي بِهَا حَتَّى المَعادِ تعود
فكأنني بالملحدين تَشَدَّفوا / قَدْ وَرَّثَتْهُ المُلكَ قبلُ جُدود
فالمالُ يُورَثُ لَيْسَ أخلاقٌ الفتى / والمُلكُ كَيْفَ النصرُ والتأييد
فَلأَنْتَ شمسٌ والزمانُ سماؤُها / وأخوك بدرٌ والجُدود سُعود
وبَنوك تيمورُ الهِزْمَرُ ونادِرٌ / قَمران والبدرُ المُنير محمُودُ
ومحمدٌ وأخوه أحمدُ وابن عَمْ / مَتِهم ذِياب الفارِس الصِّنْدِيد
كَرُمَتْ أَرومتُهم وعَزَّ نِحارُهم / لا ضيرَ قَدْ بالأصلِ يَزْكُو العود
فَلأَنْتُمُ واللهِ سادةُ معشرٍ / نَعِمَ الزمانُ بكم وطاب الْجُود
أنت الكفيلُ لذا الزمانِ وأهلِهِ / وزعيمُه ولواءه المَعْقُود
وإِلَيْكَها غَرَّاءَ تَنْفُثُ سِحْرَها / مَا صَدَّها عن قِبْلَتَيْكَ صدود
خَطَرَت تَهزَّعُ فِي بُرود جَمالِها / مَرَحاً ومنظرها إِلَيْكَ جديد
مَا للحمائمِ بالغصون تُغرِّدُ
مَا للحمائمِ بالغصون تُغرِّدُ / أَشجاكِ نوحِي أم شجاكِ المَعْهَدُ
قَدْ كنتُ فِي وَلَعِ الصبابة والجَوى / واليومَ بالتفريق وَيْك أُهَدَّد
لم يكفِ أني بالصدودِ معذَّب / حَتَّى غدوتُ بكل بابٍ أُطرَد
فالهجرُ أَفْتَلُ مَا يكون عَلَى الفتى / إنْ كَانَ طبعاً فِي الهوى يَتودَّد
من كَانَ ذا نفسٍ عَلَيْهِ عزيزة / صَعْبٌ عَلَيْهِ قَطْعُ مَا يتعوَّد
إن كَانَ داعِي الهجرِ يَا وُرْقُ الَّذِي / أبكاكِ إن مَدامِعِي لا تَجمُد
نُوحِي عَلَى فَنَن الغصونِ تَرَنُّماً / وتَردَّدي فلعلَّ نوحَك يُسْعِد
لو أن نار الوجدِ من جَمْرِ الغَضَى / خَمَدت ولكنْ نارُه لا تَخْمَد
كم ذا أَهيم هَوىً ونارُ صبابتي / فِي كل آنٍ بالحَشى تَتوقَّد
وأُعانق الباناتِ شوقاً إنها / كقُدودِهم أغصانُها تَتَأَوَّدُ
وأُغازل الظَّبَياتِ فِي كُنُساتِها / فأقول مَا للظبيِ غُصْنٌ أَمْلَد
فأَتيهُ بالبيداءِ أَنْتَشِق الصَّبا / فلملَّ عَرْفاً من شَداهم يوجَد
مُتَبَدِّدَ الأفكارِ طوراً أَرْتَدِي / ثوبَ السُّهادِ وتارة أَتَوَسَّد
يا جِيرةً بانُوا فبانَ تَصَبُّري / هل نظرةٌ منكم بِهَا أَتَزَوَّد
غادرتُموني فِي الهوى كَلِفاً وَقَدْ / خَلَق التجلدُ والهوى يتجدَّد
يا سادةً هل بالحِمَى لي عودةٌ / فيعود مَا قَدْ كنتُ منكم أَعْهَد
رَعْياً لذاك العيشِ كَانَ بقربِكم / رَغْداً وعيشي من رِضاكم أَرْغَد
حمَّلتموني بالجَفا مَا لَمْ أُطِق / صبراً عَلَيْهِ جَهْدَ مَا أتجلَّد
ونَقَضتُم عهدَ المودةِ بيننا / وتركتُموني هائماً أَترَدَّد
يا حادِيَ الرُّكبانِ مَهْلاً إنني / بَيْنَ الهَوادج مُطْلَق ومُقيدُ
قد كنتُ فِي مهدِ الجَفا متقلِّباً / والآن فِي أَسْر الفراقِ مُصفَّد
فكِلاهما نارانِ نارٌ بالجفا / تُورَى ونار بالفراقِ تَوَقَّد
إن الزمان ببَيْنِنا ذو حالةٍ / كم حالة للدهرِ لا تتعدَّد
يَقْضِي بتفريقِ الأَحبة شَرْعُه / ولجمعِ شَمْل الأَكْرَمين يُبدِّد
في حالتين من الزمان مَعاشُنا / وكلاهما فِي حالةٍ لا تُحْمَد
إنْ أقبلتْ أيامُه أَوْ أدبرتْ / هِمَمٌ فذا لهوُ المعاشِ الأَنْكَد
إني لَمِن نكدِ الزمان عَلَى شَفىً / لولا المليكُ بن المليكِ الأَوْحَد
إنْ تشكُ نفسي ضِيقَ دهرٍ أسرعتْ / ليمينِه فأَنالَها مَا يُوجَد
ملكٌ لَهُ ثوبُ الجلالةِ مَلْبَسٌ / وله عَلَى ظهر المَجَرَّةِ مَسْنَدُ
هو رحمةٌ للمسلمين ونعمة / للمجتدين وآيةٌ لا تُجْحَد
مُتكفِّل لبني الزمان برزقِهم / فيداه فِي كرمِ تَغُور وتُنجِد
هَذَا هو الملك الَّذِي عَقِمت بِهِ / أُمُّ الممالك إنهما لا تُولِد
شمسُ العَوالم أنت سِرُّ الله فِي / هَذَا الزمانِ ونُوره المُتجسِّد
فالاسمُ يُعرِب عن صفاتِك إنه / هو فَيْصَلٌ عَضْب الغِرار مُهنَّد
مولايَ إنك فِي القضاءِ مُحكَّم / وبسَيفِ نصرِ الله أنت مُؤيَّد
مُدَّت إِلَيْكَ يدُ المَمالك رغبةً / وأَتتْكَ فِي حُلَل المهابةِ تَسْجُد
إن الخلافةَ فِي بني سلطانَ قَدْ / أَضحتْ تُراثاً فيهمُ تتردَّدُ
قد شَيَّدوها بالقَواضبِ والقَفا / وبِها مِنا نَصَبوا الخيامَ ومَهَّدوا
إن غاب عنها سيدٌ منهم أتى / من بعِده منهم إليها سيد
يَتناوبون بعرشِها حَتَّى انتهَتْ / فِي واحدٍ فهْو الجميعُ المُفْرَد
لولا أبو تيمورَ مَا كَانَ الأُولَى / من قبلِه مَلَكوا وَلَمْ يكُ أَحْمَد
فلتهْنَ يَا ملكَ الزمانِ فإنها / سِيقتْ إِلَيْكَ فأنت فِيهَا الفَرْقَد
أَوْفَى الزمانُ بوعدِه المعهودِ
أَوْفَى الزمانُ بوعدِه المعهودِ / كَرَماً كما قَدْ سرَّنا بحُمودِ
واستبشرتْ أوقاتُنا فكأنها / بظهوره قَدْ بُشِّرَتْ بخُلُودِ
وبه استنارتْ بهجةً أيامُنا / لكنها لَمْ تَخْلُ من تَنْكِيدِ
سَرَّت بإنجاز الوعودِ قلوبَنا / لكنها قَدْ كَدَّرت بسُعود
هجمتْ بنو عبسٍ عَلَيْهِ مُذْ غدا / مستقبِلَ المِحْراب للتَّهْجِيد
فغَدا مُعَفَّر بالتراب مُضَرَّجاً / بدمائِه يكسوه ثوبُ صَعيد
لبسوا ثيابَ العارِ ثُمَّ تَجلبَبُوا / بمطارِفِ التَّعنيف والتفنيدِ
لَهْفِي عَلَيْهِ لو رأيتُ مُصابَهُ / كنتُ الفداءَ بطارِفي وتَليدي
عيني تجود بدمعِها لكنّه / قلبي لَهُ أقسى من الجُلمودِ
إذ خان بالسلطان سيدِنا أبي ال / فضلِ المليك الأَرْيَحيِّ سعيدُ
أَضحى سَليباً من ممالكه وَقَدْ / ركب الجوادَ مشرَّداً فِي البِيد
حَتَّى أتى بالحزمِ فانفتحتْ لَهُ / أبوابُها بالعِزِّ والتمجيد
فاستصرخ الملكَ الأَغرَّ أبا النَّدى / قُطْبَ المعالي مُظْهِر التوحيد
فأتتْه غاراتُ الإِله منوطةً / من فيصلٍ بالنصر والتأييد
تَطوِي السَّباسِبَ والوِهادَ يَحفُّها / طيرُ المنيةِ فِي أَكُفِّ الصِّيدِ
وبها السَّوابِقُ كالبوارِقِ سُرَّباً / يحملنَ كل غَضَنْفَرٍ صِنْديد
فانحلَّ مَا بالحزمِ من عزم العِدى / واستنكفتْ أطماعُ كل مَرِيد
ودَنَتْ قُطوفُ الأمنِ يانعةً وَقَدْ / لبس الزمانُ جلاببَ التَّوطيد
فهناك أُلقيَتِ العَصا وأَناخ بي / حادِي الهوى ووضعت ثَمَّ قُيودي
وبسطتُ مدحِي للمُملَّك فيصلٍ / مولى الأَنام خَليفة المعبودِ
ومددتُ كفي فِي جواهرِ فضلِه / فنظمتُها بقلائدٍ وعُقودِ
فابتزَّها مني الزمانُ فأصبحتْ / فِي جيدهِ مقرونةً بسُعود
وَطفِقتُ أَكْرَع فِي مَواردِ جُودِه / فتلاطمتْ أمواجُها بخدودي
فغَرفتُ من بحر المواهبِ والسخا / يَا حبَّذا من مَنْهَلٍ مورود
ولئن سَطا دهري عَلَيَّ بمِخْلَبٍ / حسبي حِمىً بلوائه المعقود
وإِذا أناختْ بي ركائبُ فاقةٍ / نُخْتُ المطيَّ بظلِّه الممدود
وإِذا السحائبُ عَزَّ يوماً قَطْرُها / هَطلتْ غَوادِي راحتيْه بجود
مِنَنا حَملتُ بعاتقي من وفرةٍ / فَتنظَّمتْ بِسُموطِها فِي جِيدي
يَا ابن الملوكِ أبا الملوكِ ومن همُ / فِي وَجْنَة الأيام كالتَّوريد
قد شيَّدُوا ركن المعالي وابْتَنَوا / للمجدِ بيتاً مُحكَم التشييد
قامت دعائمُه بسَعْيِك واستوتْ / أركانُه بمقامك المحمود
لا بِدْعَ أَنْ كلُّ الورى قَدْ جُمِّعوا / فِي واحدٍ بالحَصْر والتجديد
لا زلتَ فِي وجهِ الليالي غُرّةً / وبك الزمانُ ومَنْ بِهِ فِي عيدِ
مَسارِحُ دارٍ قَيدتْني وعودُها
مَسارِحُ دارٍ قَيدتْني وعودُها / سَقاها الحيا دهراً وأُورقَ عودُها
وحَيّا رُباها كلَّ آنٍ سحابةٌ / وأنفاسُ ريحٍ كلَّ أن تَعودُها
منازلُ كَانَتْ بالخَليط أَنِيسةً / وشأنُ الليالي لا تدوم عُهودها
أٌفارقها والنفسُ مني شَحيحةٌ / ومن أَدمُعي دهراً سماءٌ تَجودُها
ولا زال عهدِي بالمَعاهد والحِمى / وثيقاً وقلبي للرُّبوعِ شَهيدُها
قريبُ التَّداني لو تأنْ بي يدُ النَّوى / فحبي لَهَا عما قليلٍ يُعيدها
رعَى اللهُ داراً بالفؤاد رُبُوعها / ورسمُ خيالي سَهْلُها ونُجودُها
إِذَا طال مُكْثي فِي حِماها تَوارَداً / بطيّات قلبي حُبُّها وخُلودُها
بِهَا علقتْ نفسي ولَذَّ ليَ الهوى / وطرب لنفسي رَوضُها وصَعيدُها
فلِي زَفَراتٌ بالفؤادِ أُطيلها / وأنَّةُ مهمومٍ حنيني يَزيدها
وعينٌ بتَهمالِ الدموعِ سخيةٌ / ونارٌ بأحشائي يَزيد وقودُها
عسى عَطَفاتٌ من خليلٍ مُساعدٍ / تذكِّرني داري ويدنو بعيدها
عَلَى رغم أنفي دارُ أُنسٍ تركتُها / أَلا تسمحي لي نظرةً أَستفيدها
أُمرِّن نفسي عكسَ مَا قَدْ تَمرَّنت / وأحمل أثقالاً ولستُ أُريدُها
عَلَى النفس صعبٌ أن تفارقَ أرضَها / وأصعبُ شيءٍ أن ترى مَا يَكيدها
كما حَمَّلتني شُقَّةَ البين بلدتي / ظَفارٌ وَقَدْ يأنى الأمورَ مُحيدها
سأذكر يوماً وقفةً فِي مُروجِها / وحولي بِهَا رِيمُ الفَلا وعَتودها
تهبّ علينا بالأباطح سَجْسَج / فينفَحُ منها رَنْدها ووُرودها
وكم لي بهانيك المَرابِع والحِمى / مواقفُ أُنسٍ لَيْسَ يَبْلَى جديدها
معاهدَ أَشجاني نَعاهَدك الحيا / وحَيّاك من سُحبِ اشتياقي عُهودها
أَهيم اشتياقاً والفؤادُ مُولَّه / وَقَدْ أَوثقتْ رِجلَ الغرام قيودُها
فما لي وشوقي والصبابة والنوى / وراحِلتي حادِي المشيبِ يقودها
وَقَدْ خُولطت نفسي بذكرى مَعاهِدي / وأيامِ صَفْوٍ كنتُ دهراً أَسودها
مآض زماني فابتدرتُ مؤمِّلاً / رجوعَ ليالٍ هان عني جَليدُها
فأصبحتُ لا أدري أَبوءُ بحسرةٍ / أم اليوم يأتي بعد حينٍ سَديدُها
فها أنا لَمْ أبرحْ بتدبيرِ مهنتي / مُعنّىً بحالٍ لا يلين حَديدها
فأدهشني يومٌ يشتِّت فكرتي / فراقٌ يهمُّ النفسَ ثُمَّ يُبيدها
ولكنَّ بالآمالِ نفسي مَنوظةٌ / بعودةِ يومٍ فِي ظفارٍ أُعيدها
يعود بِهَا عود الشبيبةِ مورِقاً / ويرجع فِي تِلْكَ الديار رَشيدها
مليكٌ بِهِ تزهو الممالكُ والدُّنا / وإِن عُدَّت العَلْياء فهو عَميدها
تُفتَّح أكمامُ الزهورِ بخُلْقه / ويَنْفَح من عطرِ البشاشةِ عودها
ويبسم ثغرُ الكونِ بِشْراً بمجده / وتَخْفِق أعلى المكرماتِ بُنودُها
ولولا سليلُ المجد تيمورُ لَمْ يزل / يُكدِّر من عيش الحياة وُرودها
فلا زال موصولَ الخلافةِ حبلُه / وَلَمْ تبرح الأيامُ تبدو سُعودها
مَعالمُ من أهوى تُناديك يَا سعدُ
مَعالمُ من أهوى تُناديك يَا سعدُ / هَلُمَّ فحَدِّث مَا تُعيد وَمَا تَبْدُو
وخَبِّر فَدتْك النفسُ سعدُ أَحبَّتي / فأنت خبيرٌ بالأحاديثِ يَا سعد
فلي بهم نفسٌ تتوقُ لقربهم / أما علموا يَا سعد أن النوى صَدّ
بقاءٌ لذاك العهدِ أم غَيَّر النوى / عَلَيْهِم خلوصَ الحبِّ بُدِّل العهد
فما لي ومن أهوى وَمَا لي وللنوى / فعند تنائي الحبِّ هل يُقدِم الود
تَطاولتِ الأيامُ لا دَرَّ دَرُّها / أما عَلم الأيامُ مَا يفعل البعد
فيا أَيُّها الّلاحون فِي حبِّ بلدةٍ / لَهَا بشِغاف القلبِ مَا لا لَهُ حَدُّ
لقد ظفرتْ مني ظفار وأَوثتتْ / بأسبابِها وداً بقلبي لَهُ شَدّ
فنارُ الغَضَى تَخْبو ونارُ صبابتي / بحب ظفارٍ لا يُصادفها برد
فكيف وفيها حَبّةُ الملك أَنبتت / بفهرٍ وأرجو أن يطول لَهُ مَدّ
فخبِّر بيَ الأحبابَ يَا سعدُ إنني / أسيرٌ وإني فِي الهوى لهمُ عبدُ
وبَشِّرهمُ عني بأني متيمٌ / فأنت بشير للأحبة يَا سعد
هَذِي المَعاهدُ قِفْ بالحِمى واتَّئِدِ
هَذِي المَعاهدُ قِفْ بالحِمى واتَّئِدِ / وقوفَ صَبٍّ رماهُ الشوقُ بالكَمَدِ
هذي المعاهد دارُ الأُنس قَدْ وَلِعت / نفسي بِهَا ووَهَى فِي حبها جَلَدي
هذي المعاهد قَدْ هام الفؤادُ بِهَا / وشوقُها لَفَحتْ نيرانُه كبِدي
هذي المعاهد هذي بُغْيتي وبها / أُنسي وغاية آمالي ومُعتَمدي
هذي المعاهد آثارُ الملوكِ بِهَا / فاسجدْ لَهَا واخلعِ النَّعلين لا تَجِد
فكم مسارحُ غزلانٍ لَهَا رتَعَت / وكم بِهَا كَانَتْ الأيامُ فِي رَغَد
وكم سَفَحْنَ عيونُ البيضِ من عَلَق / فرقَ العواتقِ والأعناق والبُنْد
وكم سبَحن جيادُ الخيل فِي رَهَجٍ / يومَ الجِلاد وأفنى السيفُ من عَدد
وكم رقَصن الخِفاف اليَعْمَلات بِهَا / وكم نَصَبن خيامَ المجد بالعُمُد
وكم هززنَ قُدود السُّمرِ يوم وغىً / يَمْرُقن بَيْنَ ضلوعِ البُهْم والسُّدُد
تِلْكَ المآثرُ تُنبِي عن مَفاخِرها / وأنها مَا بِهَا وُفِّقتَ من أَوَدِ
فقُم وانظر الآثارَ إن لَهَا / شأناً لقد يترك الأوهامَ فِي بَدَدِ
وإنها جنةٌ تَحْيَى الرُّفات بِهَا / مَا فات عنها سوى الوِلدان والخُلُد
كَأَنَّ يوسفَ حينَ القبضِ أَطْلَقه / عِزريلُ من قبضة فِي بِيضها الخُرُد
كَأَنَّما من وجوه البيض قَدْ طَلعت / شمسُ الضُّحى والدُّجى من فَرْعها الجَعِد
كَأَنَّ أبطالها أُسْد الشَّرَى زَأَرت / فِي الرَّوْعِ بَيْنَ قِلالِ الغَيل والوُهُد
كَأَنَّ حُمرَ المنايا فِي سيوفهمِ / يَفْرِقن بَيْنَ الطلا والهام والجسد
كَأَنَّهم حية رَقْطاء إن حَضروا / وإن خَلَوا فهمُ يَسْطون كالأُسد
لهم مساكنْ تخشى الجِنُّ وَطْأَتها / هم يألفون بِهَا فِي الحِضْن والمُهُدِ
لهم جبال كمثل الشُّحْب شامخةٌ / مَطْروزةٌ بنبات الشِّيحِ والمسَد
لهم جَداولُ تجري من مَنابعِها / كَأَنَّها البحرُ لا تنفكُّ من مَدد
لهم بِهَا من نباتِ الأرضَ مأْكَلةٌ / وقتَ الخريفِ لهم أَشْهَى من البَرد
لهم بِهَا مطرٌ يمتد والمهُ / تسعين يوماً يُروِّي الأرضَ بالشُّهُد
يَا نِعْمَ من بلدٍ لو كنت أسكنُها / بلغتُ منها بِهَا أُمنيَّتي بيدي
لكنما سوءُ حظي سوف أَقعدني / والحظُّ إن أقعد الإنسانَ لَمْ يَسُد
محجوبةٌ مذ رأَتْها حقَّ رؤيتِها / عينُ الخليفةِ مَدَّ الكف بالعَضُد
شوقاً لَهَا واجتهاداً فِي تَمدُّنِها / فلا تزال ولا تنفكُّ فِي صَدد
حَتَّى تكونَ عروسَ الأرضِ قاطبةً / فالملك يَزْدان بالتمهيد والعُدَد
والأرض لا بدَّ أن تأتي لَهَا حِقَبٌ / تردُّ ما كَانَ أيام الصِّبا يَجِدِ
تموت حيناً ويأتي الآخرون كما / كَانَ الأُولى كنظيرِ الأُم والوَلَد
كم من ملوكٍ ببطن الأرض قَدْ هَجَدوا / كانوا عَلَيْهَا ملوكَ الدهرِ والأَبد
نمشي عَلَيْهِم فلا يَذْرون بِعْثَتَهم / لجنةِ الخُلد أم للنارِ ذي الوَقَد
نُمسي ونُصبح والأطوارُ تنقلنا / من نُطفةٍ من دم الأَصلابِ والغُدَدِ
لحكمةٍ نُودَعُ الأرحامَ إن لَنَا / فِيهَا التطور نُغْذَى من دم الكبد
فلا نزال بأطوارِ التقلب فِي / أرحام ضِيقٍ فلا نُبدي وَلَمْ نُعِد
من بعدِ مَا تمّ أحوالُ التطورِ فِي / كنِّ البطونِ طلبنا الدار ذي الكَمَد
تأتي إليها نَجوس البطنَ فِي تعبٍ / كما يجوس خلالَ الدار ذو رَمد
نُفضِي إِلَيْهَا بكُرهِ النفسِ تَدفعُنا / ريحٌ تهبُّ من الأَحشاءِ والوُرُد
إِلَى فسيح بظهرِ الأرض نَمْلؤه / وَقَدْ ملأنا الحَشَا بالغِلِّ والحَسَدِ
نُكابد العيشَ فِي همٍّ وَفِي حَزَن / كذاك قَدْ خُلق الإنسانُ فِي كبَد
فلا نزال نُعاني الدهرَ فِي كدرٍ / فهكذا الحالُ تطويراً إِلَى اللَّحَد
فهذه حالةُ الإنسان مَا فُطرتْ / أيامُه قَدْ يُعاني حالة النَّكَد
فنشأةُ السكونِ تطوير وتَوْطئة / كذاك من سَبَد قَدْ كَانَ أَوْ لَبَد
كَانَتْ ظفار عروساً بالملا مُلئت / يرتادُها خطباءُ الملك بالعدد
فطافَها طائفُ التغيير فارْتَجعتْ / محجوبةً لا تراها العينُ من بُعْد
تطوَّرت دُول طوراً بِهِ اتَّضَعتْ / حَتَّى إذا ارتفعت طالتْ وَلَمْ تَعُدِ
بنظرةٍ من مليكٍ لا نظيرَ لَهُ / يظَلُّ منه الدجى والصبحُ فِي سَهَد
تَبيت ترقُب عينَ النجم ساهرةً / من بأسِ همتِه والأفقُ فِي رَصَد
يُقدِّر الأمرَ فِي التدبير لو نظرتْ / فِيهِ المَشيمةُ لَمْ تنقصْ وَلَمْ تَزِد
يَظلُّ مفتضحاً مرُّ النسيمِ بِهِ / كَأَنَّ أخلاقَه نَسْماءٌ من بَرَدِ
يكاد من لُطفها تَنْدو مَباسِمُه / كَأَنَّما نُطْقه قَدْ شُجَّ من شُهُد
لم تصطحِبْ من وَقود النارِ رِفْقتُه / تَكفِي مَلامحُه عن شُعلة الوَقَد
لو كَانَ فِي مَلأ كالرمل تعرفُه / كالبدرِ بَيْنَ نجومِ الأفق فِي حَشَد
لو حلّ مَا فِي السما والأرضِ راحتَه / أَفناه فِي يومه والشمسُ لَمْ تَكَد
أَوْ لو رأى درهماً فِي كَفِّ خازِنه / مَا قَرَّ فِي كفه من يومه لغد
كَأَنَّما كفُّه قالتْ لساعِدِهِ / حكمتَ فاحكمْ بما قَدْ شئتَ فِي النَّقَدِ
هو الخِضَمُّ الْتَقِطْ من صَفْوِه دُرراً / وإن يُهَج فاحذرِ الأمواجَ لا تَرِد
فصَفْوهُ ونسيمُ الروض مبتكر / وكَدْره ذَلِكَ الْنّفّاثُ فِي العُقَد
بحرٌ مَواهِبُه غُرٌّ مَناقبُه / إِذَا سَجى أَوْ طَمى فالسُّمُّ فِي الزَّبَد
لا يأمنُ المكرَ مَكّارٌ بِهِ ومتى / رأى من البحر مَهْمَا جاء لَمْ يَجد
فَلْتَهنَ بالمَلكِ الميمونِ ظافرةً / ظفارُ فَخْرها تختال بالبُرُد
وَلَمْ تزل فِي حِماه الدهرَ آمنةً / من طالعِ النحسِ تَرْقَى طالعَ السَّعد
في كل آنٍ لَهَا فِي الطَّور مرتبةٌ / فلم تزل ترتقي طَوْراً مدى الأَبد
وَلْيهنأ القطر مَا عينُ السُّها سَهِدت / ونام شخصُ الدُّجى والأفقُ فِي رَصَدِ
وامتد باعُ الندى بالجسود متصلاً / بكف تيمورَ ربِّ الفضل والمَدد
ودام فِي فَلك الإقبال طالعُه / وحلَّ بدرُ العُلى فِي دارةِ الأَسد
وَلْيهنأ العيدُ مَا طالتْ يداك بِهِ / بنَحْرك البُدْنَ والتعظيمِ للأحد
وبَسْطِك الجودَ حَتَّى قال قائلُه / مادي السماحةُ والأخلاقُ من أَحد
واسلمْ ودُمْ مَا هَمَت عينُ السماءِ عَلَى / خَدِّ البسيطةِ حَتَّى سال بالكُدُر
أرَّختُ لما سألتُ الله محتسِباً / إياك أرجو وأنت الآن مُعتَمدي
أَنعِمْ صباحاً أيُّ هَذَا المَعْهَدُ
أَنعِمْ صباحاً أيُّ هَذَا المَعْهَدُ / أصبحتَ يكْسوك العُلى والسُّؤْدُدُ
أضحى بك الدهرُ ربيعاً مُمرِعاً / أَنعِم وحَيّاك مُلِثٌّ مُرْعِد
أنعِمْ بِهِ من معهدٍ خَرَّتْ لَهُ / شمسُ السما وثَورُها والأَسد
أمستْ لَهُ طوعاً وكرْهاً بالثَّرَى / جِباهُ كلِّ العالمين تَسْجُد
كعبةُ مجدٍ وعُلا تَحُجُّها / من الملا أشرافُها وتُوفِد
يأوِي بِهَا كلُّ العُلى وتنتهي ال / آمالُ من كلِّ الورى وتَقْصِدُ
قد رَكَن اللهُ عَلَى أَكتافِها / أوتادَ مجدٍ فخرُها مُسَرْمد
يَطوف من حولِ حِماماً صادرٌ / يُثقِله حملُ الجَدَا ويقعِدُ
فحولَها كم سائلٍ ومُجْتَدٍ / عن مَدَدٍ أَوْ واردٍ مُسترفِد
وكيف لا ينْعَم ربعٌ آهِلٌ / بمن لَهُ فِي كلِّ مجدٍ مَشْهَد
تاهت ظفارٌ بالمَعالي وارتدتْ / بدولةٍ مَليكُها مُؤَيَّد
أَيده اللهُ بآياتٍ لَهُ / من نورِها نارُ المَعالي تُوقَد
قد طلعتْ أنوارُها وأشرفت / كالشمسِ للناظرين لَيْسَ تُجْحَد
أنعِمْ بِهَا داراً حَماها سيدٌ / تيمورُ من بِهِ البَرايا تَرْشُد
لا زال فِيهَا حامياً مُسدِّداً / لأمرها وللعُلى يُشَيِّد
أُريد من الدنيا أموراً وَلَمْ تُرِدْ
أُريد من الدنيا أموراً وَلَمْ تُرِدْ / وأسألها الخلَّ الصديقَ فلم تَجُدْ
وإني أَجدْ منها المُحالَ وإِنْ أجد / لقد جبتُ أرضَ اللهِ طُراً فلم أجدِ
صديقاً وفياً مخلصاً غير واحدِ /
تباعدَ عن طُرقِ المَلالة والقِلَى / وَمَا زال عن نَهْجِ الوِدادِ وَمَا سَلا
تخيرتُه خِلاًّ عَلَى سائرِ المَلا / حريصاً عَلَى عهدِ المودة والوَلا
فسيانِ قُرباً منه أَوْ فِي التباعدِ /
فلم أستطعْ واللهِ قطعاً عنادَهُ / يريد صلاحي ثُمَّ أرجو سَدادَهُ
فهذا الَّذِي فِي الناس أعطى قياده / شُغفت بِهِ حباً أصون وِدادهُ
صيانةَ نفسي من عدو وحاسد /
أكابدُ أيامي وفيما أكابدُ
أكابدُ أيامي وفيما أكابدُ / شفاءُ غليلِ القلبِ فيمن يعاندُ
فما زلت أسعى فِي صديقٍ يُساعد / ألا ليت شعرِي هل أنا الدهرَ واجد
قريناً لَهُ حسنُ الوفاءِ قَرينُ /
يُقطِّع أعناق العبادِ بعَضْبِهِ / ويُصلح بيني والزمانِ بحَرْبِهِ
يقوم بجنبي والحسامُ بجنبه / فأشكو ويشكو مَا بقلبي وقلبه
كلانا عَلَى غير الثقاتِ ضَنين /
أُطالب نفسي والليالي تُعاندُ
أُطالب نفسي والليالي تُعاندُ / فأصبرُ كيما يَحْمد الصبرَ حامدُ
فها أنا فِي ذا طولَ دهرِي أُجاهد / ألا ليت شعرِي هل أنا الدهرَ واجد
قريناً لَهُ حسن الوفاءِ قرين /
يُداوي جِراحَ القلبِ مني بطبِّهِ / ويشفِي عليلَ البعدِ مني بقُرْبه
ويعلم أني قَدْ وثقتُ بحبه / فأشكو ويشكو مَا بقلبي وقلبه
كلانا عَلَى غير الثقات ضَنين /
أيا سعدُ حَدِّثني بأخبارِ من مَضَى
أيا سعدُ حَدِّثني بأخبارِ من مَضَى / وإِن كَانَتْ الأخبارُ لَيْسَ لَهَا حَدُّ
وباللهِ شَنِّف بالحديث مَسامِعي / فأنت جديرٌ بالأحاديثِ يَا سعدُ