المجموع : 14
قد حالَ عمّا تَعْهَدُهْ
قد حالَ عمّا تَعْهَدُهْ / ربعُ اللَّوى ومعهَدُهْ
كم شاقني غزالُهُ / وراقَ طرفي جَيَدُه
معهدُ لهوٍ شفَّني / بعدَ المها تأبُّدُهْ
فلا أرى في ربعِهِ / اِلاّ الحَمامَ يُنْشِدُه
وقفتُ فيهِ باكياً / وقد شجاني غُرَّدُه
أُسعِدُهُ بالدمعِ لو / أنَّ الدموعَ تُسعِدُه
دمعٌ على كثرةِ ما / يُنْزَح جَمٌّ مَدَدُه
فَوَيْحَ صَبًّ دمعُهُ / بعدَ الفراقِ مَوْرِدُه
أحبابَهُ طالَ الى / ربعكُمُ تردُّدُه
يَنْشُدُ فيهِ قلبَهُ / وكم عساهُ يَنْشُدُه
وليس إلا نُؤْيُهُ / تجيبُهُ أو وتِدُه
يستنجدُ الطلولَ / والطلولُ كيفَ تُنْجِدُه
تسربلَ السَّقامَ مذْ / بانَ الخليطُ جسدُه
أمسى خفيّاً لا تراهُ / من نحول عُوَّدُه
ملقًى على فُرْشِ الضنى / لِقًى تداعى جَلَدُه
بالِله سلْ عنِ الخليطِ / أينَ حلَّ أغيدُه
فليتَهُ بقربِهِ / بعدَ نواهُ يَعِدُه
أحورُ قد هامَ هوًى / بما حَوَى مقلَّدُه
تقطَّعتْ لبعدِهِ / لمّا تنامَى كَبِدُه
هل عائدٌ بهِ زمانٌ / لم يَشُبْهُ نكدُهْ
زمانُ قربٍ ساعفَتْهُ / بالوصالِ خُرَّدُه
يهوى رجوعَ مثلِهِ / بنفسِهِ لو يَجِدُه
لم يحمِ عنه ربعَهُ / عديدُهُ وعُدَدُه
مهفهفُ القامةِ غُصْنيُّ / القَوامِ أملَدُه
نحيلُ خَصْرٍ لينُهُ / يَحُلَّهُ ويعقِدُه
ذو شَنَبٍ معطَّرٍ / مُنْيَتُهُ لو يَرِدُه
آليتُ ما الغيثُ بدًا / مُبرِقُهُ ومُرعِدُه
وحلَّ خيطَ مزنِهِ / فساحَ منه بَدَدُه
على ثرًى أُخْلِفَ مِن / رىَّ الغمامِ موعدُه
وغُصَّ مِن أتيَّهِ / سَبْسَبُهُ وفَدْفَدُه
أغزرَ مِن دمعي اِذا / البينُ تمادَى أمدُه
وقوّضَ الحيُّ وقدْ / حثَّ المطايا أعبُدُه
في مهمهٍ هجيرُهُ / أذكاهُ جمراً مُوِقدُه
يحدو بها في خَرْقِهِ / جُنْدُبُهُ وجُدْجُدُهْ
مَنْ مُنجِدٌ لي يومَ / سارَ مستقلاً مُنجِدُه
وقعقعتْ بعدَ سكونٍ / طالَ منها عُمُدُه
يا راكباً تسري بهِ / نحوَ الخيامِ أُجُدُه
تفلي الفلا مُعنِقةً / شِبْهَ الظَّليمِ جَلْعَدُه
حيَّ العقيقَ منزلاً / اِنْ كنتَ مِمَّنْ يَقْصِدُه
فثمَّ كلُّ وَطَرٍ / أضحى الزمانُ يُبعِدُه
أبالبِعادِ دهرُهُ / وجَوْرِهِ يُهَدَّدُه
يخشاهُ مَنْ قد قَصُرَتْ / عمّا يرجَّيهِ يدُه
وهكذا عاداتُهُ / مِن حيث كرَّتْ مُدَدُه
ملعبُ حورٍ منذُ / بانوابانَ عنه رَصَدُه
يستوقفُ العينَ إذا / اجتزتَ عليهِ مَشْهَدُه
فحبَّذا ثُمامُه / وأثلُهُ وغَرْقَدُه
وحبَّذا حمامُهُ / هيَّمني تغرُّدُهْ
أطربني غناؤه / فقلتُ عاشَ مَعْبَدُه
بانُ العقيقِ لم يزلْ / يَشْغَفُني تأَوُّدُه
سقاه دمعي أن مَزا / دُ المُزْنِ شدَّتْ عُقَدُه
دعِ العيسَ تَرْفُلُ في الفَدْفَدِ
دعِ العيسَ تَرْفُلُ في الفَدْفَدِ / عِجالاً إلى بُرْقَتَي تَهْمَدِ
أيانِقُ تقطعُ عَرْضَ الفلا / صَوادٍ إلى الأمدِ الأبعدِ
سِواهمِ تهدي إلى حاجرٍ / اِذا ضلَّتِ الاِبْلُ عن مَقْصَدِ
فكم بازلٍ حينَ لاحَ السرابُ / وحنَّ إلى بحرِه المُزْبِدِ
وأعمَلَ يأتمُّهُ كالظليمِ / حثيثاً فعادَ بِلا مَوْرِدِ
اِذا لمعَ البرقُ مِن أرضِها / وأومضَ كالقَبَسِ المُوقَدِ
طربتُ كأنّي نزيفٌ سَقَوْهُ / سُلافَةَ غُمدانَ أو صَرْخَدِ
فللّهِ قلبيَ قبلَ الهوى / لقد كانَ كالصخرةِ الجَلْمَدِ
ولكنَّه الوجدُ ما للقلوبِ / بهِ مِن قَبيلٍ ولا مِن يَدِ
سلامٌ على بانةِ المازِمَيْنِ / سَلامُ شَجٍ بالجوَى مُفْرَدِ
فهاتيكَ أوَّلُ أرضٍ بها / عَرَفْتُ هوى العُرُبِ النُّهَّدِ
منازلُ غيدٍ حِسانِ الوجوهِ / عَقائلَ شِبْه الدُّمى خُرَّدِ
فلا زالَ يسقي ثراها العِهادُ / دِراكاً على ذلكَ المعهدِ
واِنْ أنفدَ القطرُ تَسكابَهُ / فدِيمةُ جفنيَّ لم تَنْفَدِ
سأسفحُها أربَعاً لا تغيضُ / على سُفْعِ أحجارِها الركَّدِ
كأنَّ دموعيَ في تُربِها / تَحَدَّرُ مِن ناظرٍ أَرْمَدِ
أما وهوًى بِتُّ مِن حَرَّه / أُراعي غراماً سنا الفَرْقَدِ
وزفرةِ صدرٍ غداةَ النوى / وقد قوَّضَ الحيُّ لم تَبْرُدِ
لقد حلَّ بي مِن نواهنَّ ما / يَهُدُّ الشوامخَ مِن ضَرْغَدِ
ومذْ بانَ عن حاجرٍ حُورُه / خَفِيتُ سقاماً عنِ العوَّدِ
فيا عينُ كم تألفينَ السُّهادَ / أحتماً على الوجدِ أن تسهدي
ويا طَيْفَهُنًّ إذا ما هَجَعْتُ / بحقَّكَ زُرني بِلا موعدِ
فليتَ الحبائبَ لما ظَعَنَّ / ودّعتني بالبنانِ النَّدي
خليليَّ لولا الهوى والنوى / لما قلتُ هل ليَ مِن مُنْجِدِ
ولا كنتُ لولاهما ضَلَّةًً / أديمُ سَنا البارقِ المنجدِ
ولولا ولوعي بِسكّانها / وهبتُ التغزُّلَ للمجتدي
فما أنا مِمَّنْ يرى صوغَهُ / عطاءً مِنَ الزمنِ الأنكَدِ
ولا أشتهيِهِ إذا حكتُهُ / يمرُّ على شفةِ المنشدِ
واِنْ كانَ يَعْبَقُ مِن حسنِه / دلالاً بجيدِ الطَّلا الأجْيَدِ
اِذا ما القريضُ مشى في / الحضيضِ تطلَّعَ مِن شاهقٍ أقوَدِ
خَلَّ المطيَّ تَخْدي
خَلَّ المطيَّ تَخْدي / لاحتْ ربوعُ هندِ
هيّمَها نفحُ الصَّبا / عن عَذَباتِ الرَّندِ
فأرقلتْ مُسرِعَةً / تطلُبُ أرضَ نجدِ
حتّى كأنَّ عندَها / مِنَ الجَوى ما عندي
أعدَى غرامي حُبَّها / اِنْ الغرامَ يُعدي
نجائبٌ تسخَرُ مِنْ / وخدِ النعامِ الرُّبْدِ
تقنعُ مِن مشربِها / بكلَّ نَزْرٍ ثَمْدِ
أحبابَنا نقضتُمُ / تلكَ العهودَ بعدي
وما حسبتُ أنكمْ / تَنْسَوْنَ حَقَّ وُدي
أضعتموهُ عَبَثاً / بَعْدَ النَّوى كعهدي
حُمَّلْتُ عِبْءَ الحبَّ مِن / دونِ الرفاقِ وحدي
ولم أحُلْ عمّا عهدْتُمْ / مِن قديمِ وجدي
بنتمْ فأضحى الدمعُ مِن / بعدِ الفراقِ وِرْدي
منتثراً يهمي كما / يُقْطَعُ سِلْكُ العِقْدِ
حتّى لقد خدَّدَ / تَسكابُ الدموعِ خدّي
عذَّبتُمُ مَن لا يرى / عذابكُمْ بالبُعْدِ
أرضى بما ترضَوْنَهُ / غيرَ النوى والصدِ
وعاذلٍ كشَّفَ لي / عنِ اِحَنٍ وحِقْدِ
تراهُ أمسى في هَوَى / الأحبابِ وهو ضدّي
حوشيتُ أن يُصبحَ / كفئي أو يعودَ نِدَّي
مالي وللبينِ يُثَنَّي / بالمآلِ قصدي
أعادَ فيضَ أدمعي / لِبُعْدِهمْ كالعَهْدِ
ما مزنةٌ تُحْدَى الى / روضِ الحِمَى برعدِ
يلوحُ فيها البرقُ وهناً / كالحسامِ الهندي
تسوقُها ريحُ الصَّبا / في عارضٍ مسوَدَّ
تُرخي عزاليها على / هُضْبِ الحِمى والوهدِ
أغزرَ مِن دمعي وقد / قُوضَ حيُّ دَعْدِ
يا بانةَ الأجْرَعِ مِن / ذاكَ الكثيبِ الفَرْدِ
ويا أُثيلاتِ اللَّوى / هل النداءُ مجدي
أتعلَمِنَّ ما أُجِنّ / مِن غرامٍ مُرْدي
عَدِمْتُ مذ بانَ / الخليطُ واستقلَّ رشدي
قَنِعْتُ أن يعَّللوا / مهجورَهُمْ بالوعدِ
يا جيرةً ساروا / يُحَفّ سربُهُمْ بالأُسدِ
آسادِ غيلٍ لِبسُها / نسجُ الحديدِ السَّرْدِ
حمتهُمُ بالأَسَلِ / المثقفاتِ المُلْدِ
وكلَّ ليثٍ باسلٍ / على أقبَّ نَهْدِ
يتبعُهُ أشباهُهُ / على الجيادِ الجُرْدِ
ما بينَ أشياخٍ على / متونِها ومُرْدِ
لولاكمُ لَقِيتُهمْ / بعزمَتي وجدّي
مُجَرَّداً كالسَّيْفِ / شِيمَ لامعاً مِن غِمْدِ
ماضي الشَّبا والحَدَّ / والمَضْرِبِ والفِرِنْدِ
هي الدارُ قد أقوتْ ورثَّ جديدُها
هي الدارُ قد أقوتْ ورثَّ جديدُها / غداةَ نأتْ ليلى وحالتْ عهودُها
أبادَ وأبلى الدهرُ بهجةَ أنسِها / فهل لليالي أُنسِها مَنْ يُعيدُها
وقد ذهبتْ عنها البشاشةُ بعدَما / تأنَّقَ مرآها وطابَ صعيدُها
لياليَ تُصبيني بخُوْطِ قَوامِها / ويَشْغَفُ قلبي ناظراها وجيدُها
رنتْ فرمتْ نبلاً حشاىَ رديةً / له دونَ أحشائي هواها يؤودُها
فلا زالَ يَسْقي ربعَها كلُّ مزنةٍ / تُزَمجرُ في أعلى الغمامِ رعودُها
يلوحُ وميضُ البرقِ في حُجُراتِها / فتهمي على أطلالِها ونَجُودُها
حمَى بعدُها عن مقلتي لذَّةَ الكرى / فقد بانَ عنها منذُ بانتْ هجودُها
فكيفَ لها بالنومِ والبينُ بعدَما / تناءَتْ عنِ الاِغْفاءِ أمسى يذودُها
تكلَّفُني رعيَ النجومِ واِنَّها / لَخُطَّةُ خَسْفٍ ضلَّ فيها رشيدُها
تعرَّضَ ما بيني وبينَ مزارِها / موامٍ فسيحاتُ المفاوزِ بيدُها
اِذا هبَّتِ النكباءُ عن قُلَلِ الحِمى / ومازَحَ نيرانَ الغرامِ بَرُودُها
وجاذَبَ أغصانَ الأراكِ نسيمُها / يُمَيَّلُها في مَرَّةٍ ويُميدُها
وجدتُ لها برداً على حَرَّ مهجةٍ / يضرَمُها ليّانُها وصدودُها
فليس يسُّر القلبَ إلا هبوبُها / كما لا يسوءُ النفسَ إلا ركودُها
وما أنسَ لا أنسَ الليالي التي بها / أنارَ محيّاها وأورقَ عودُها
أمِنْ بَعْدِ ما شطَّتْ بها غُربةُ النوى / وأصبحَ مسلوبَ العزاءِ جليدُها
يسمَّعُه العُذّالُ فيها ملامةً / لفرطِ هواه منهمُ يستعيدُها
يَلَذُّ بها حتّى كأنَّ لطائماً / معَ الريِحِ أدَّتْها اليه عقودُها
أخالوا سَماعَ العَذْلِ يُنْقِصُ لوعتي / وما اللَّومُ في الأهواءِ إلا يزيدُها
تؤرَّقُني تلكَ البروقُ كأنَّها / قواضبُ شيمتْ والسحابُ غمودُها
فحتَّى مَ قلبي لا يَقَرُّ خفوقُه / ونارُ غرامي لا يُرَجَّى خمودُها
سُهادي إذا ما الليلُ جَنَّ وأدمُعي / وزفرةُ صدري والحنينُ شهودُها
مدامعُ تَهْمي في الطلولِ كأنَّها / أتيٌّ إذا مابانَ عنهنَّ رَوْدُها
وكم صنتُها خوفَ الرقيبِ وسعيهِ / وكفكفتُها مِن قبلُ تَتْرَى مدودُها
الى أن تناءَى الحيُّ عن رملِ عالجٍ / وأصبحَ داني الدارِ وهو بعيدُها
وقفتُ بها أبكي وقد صرَّحَ الهوى / لها ولواشيها بأنّي أُريدُها
ولولا الهوى ما كنتُ سرَّحتُ ناظري / الى أرضِها في كلَّ وقتٍ يَرُودُها
فلا عيشَ إلا حينَ تبدو حسانُها / وتهتزُّ في الكُثْبانِ منها قُدُودُها
ولا ماءَ إلا ما جفوني سحابُه / ولا نارَ إلا ما ضلوعي وقودُها
ولا وَجْدَ إلا دونَ وجدي وقد سرى / مع الصبحِ مِن تلكَ المرابعِ غيدُها
حلفتُ بِشُعْثٍ فوقَ كلَّ نجيبةٍ / مزَّممةٍ تفلي الفلا وتُبيدُها
يُريحونَ مِن حملِ البرودِ مناكباً / مِن السُّقْمِ تُوهي الناحلينَ بُرُودُها
تخوضُ بهم في غمرةِ الآلِ كلَّما / تكنَّفها كَومُ المطايا وَقُودُها
على كلَّ فتلاءِ الذراعينِ جَسْرَةٍ / تهائمُها تُرمَى بها ونُجُودُها
تُتابعُ بالأرقالِ في البيدِ وخَدها / حليفةُ سيرٍ ما تُحَلُّ قُتُودُها
بأنَّكِ أشهى في النفوسِ مِنَ المنى / اِذا بشَّرتْها بالنَّجازِ وعودُها
فلو كنتِ في أرضٍ بعيدٍ مزارُها / تُحِيطُ بها أبطالُها وأُسودُها
اذا آنسوا في حِندسِ الليلِ نبأةً / سَمِعْتِ سيوفَ الهندِ صَلَّ حديدُها
طرقتُ حماكِ الرحبَ ليس يصدُّني / اِذا ما نهاني عن لقاكِ وعيدُها
بكلَّ رقيقِ الشفرتينِ مُصَمَّمٍ / اِذا قرعَ الأذمارَ ماتتْ حقودُها
فدونكِ مِن حُرَّ الكلامِ قصيدةٍ / يروقُكِ منها نظمُها ونضيدُها
فريدةَ عقدٍ كلَّما فاهَ مُنشِدٌ / بأبياتِها أذكى الغرامَ نشيدُها
فما قالةُ الأشعارِ لو كنتِ حاكماً / لها وأردتِ النصفَ إلا عبيدُها
أمّا هواكَ واِنْ تقادمَ عهدُه
أمّا هواكَ واِنْ تقادمَ عهدُه / فشفيعُ وجهِكَ ما يزالُ يُجِدُّهُ
لا تحسبنَّ على التقاطعِ والنوى / ينساكَ مشتاقٌ تفاقَمَ وجدُهُ
يهواكَ ما هبَّ النسيمُ وحبّذا / نفحُ النسيمِ الحاجريَّ وبَرْدُه
ما كانَ يكلَفُ بالرياحِ صبابةً / لولا تجنُّبُه ولولا بُعدُه
تسري اليه بضوعةٍ مِن عِقْدِه / اِنَّ المُنى فيما تضمَّنَ عِقْدُه
ماذا الملامُ مع الغرامِ وفي الحشا / منه لهيبُ هوىً تضرَّمَ وقْدُه
عنه إليكَ بهِ فان ضلالَه / في الوجدِ لو حاقَقْتَ نفسَكَ رُشْدُه
أيرومُ عاذِلُه المضلَّلُ رَدَّهُ / عن رأيهِ هيهاتَ خُيَّبَ قصدُه
ماذا عليه إذا تضاعفَ ما بهِ / حتّى يعودَ وقد تناهىَ حَدُّه
اِنَّ الهوى طمعٌ يولَّدُ داءَهُ / أملٌ يقوَّيهِ الجوى ويُمِدُّه
فلكَمْ تملَّكَ رِقَّ حُرًّ عَنْوَةً / أمسى وأصبحَ وهو فيه عَبْدُهُ
وبأيمَنِ الوادي غزالُ أراكةٍ / أصبو اليه واِنْ تزايدَ صَدُّه
يختالُ والأغصانُ يعطِفُها الصَّبا / فَتَغارُ منه إذا تمايلَ قَدُّه
والأقحُوانُ إذا تبسَّمَ ثغرُه / والوردُ مطلولُ الجوانبِ خَدُّه
قد كانَ سوَّفني الوصالَ وليتَه / مِن بعدِ مَطْلٍ أن يُنجَّزَ وعدُه
بَعُدَ المدى فأحالَ سالفَ عهدِه / عن حالهِ فعسى الزمانُ يردُّه
نزحتْ بهِ هوجُ المطيَّ كأنَّها / في الخَرْقِ تنتهبُ الأجارعَ رُبْدُه
مَرْتٌ تَهيَّبُه الرياحُ فَحَزْنُه / كاليمَّ يلعبُ بالنياقِ ووَهْدُه
لا ترهبُ المرمى البعيدَ وغَوْرُه / متباعدُ الأقصى يَهُولُ ونَجْدُه
منعَ التزاورَ والدنوَّ بعادُه / والموتُ اِمّا بُعْدُه أو فَقْدُه
ومِنَ البليةِ أن أعيشَ وقد نأى / عني وأصبحَ مضمحلاً ودُّه
ومِنَ الشقاوةِ أن دمعَ محبَّهِ / من بعدِ رشفِ مجاجٍ فيه وِردُه
هل نافعي طولُ البكاءِ وقد مَضَى / زمنُ الوصالِ ولو تدافعَ عِدُّه
أشتاقُه ما غرَّدتْ أبكيَّةٌ / يشتاقُها بانُ العقيقِ ورَنْدُهُ
سجعتْ فأججتِ الغرامَ وأنفدَتْ / دمعي ولمّا يبقَ إلا ثَمْدُه
فَسَقَتْهُ عنّي مِلْعِهادِ سحائبٌ / تَترى فأمواه السحائبِ نِدُّه
متد فِّق الشوْبوبِ يبسِمُ بر قُه / في المزنِ عُجْهاً حينَ يبكي رَعْدُه
كمدامعي والعينُ تُحْدَجُ للنوى / والبعدُ أزمعَ بالأحبَّةِ جِدُّه
لمّا انتوى ذاكَ الفريقُ وأصبحتْ / للبينِ زينبُه تَشُدُّ وهِندُه
سرتِ الفِلاصُ ودونهنَّ فوارسٌ / أبرادُها الَّزرَدُ المضاعَفُ سَرْدُ
شوسٌ إذا اعتقلوا الوشيجَ لغارةٍ / هتكتْ نضيدَ السابريَّةِ سَرْدُه
يحمونَها وهم إذا اشتدَّ الوغى / في كلَّ غِيلِ قناً تأشبَّ أُسْدُه
ماذا تسائلُ مِن نُؤْيٍ وأوتادِ
ماذا تسائلُ مِن نُؤْيٍ وأوتادِ / ومِن رسومٍ محاها الرائحُ الغادي
معاهدٌ درسْتها كلُّ غاديةٍ / وكلُّ أوطفَ داني المزنِ مِرْعادِ
خلتْ ملاعِبُها مِن كلَّ غانيةٍ / وجدي عليها واِنْ أخفيتُه بادي
قد كنتُ فيها قريرَ العينِ مبتهجاً / بالقربِ أسحبُ فيها فضلَ أبرادي
حتى نأتْ فنأتْ تلكَ البشاشةُ عن / تلكَ المواطنِ لمّا أقفرَ النادي
أقوى مِنَ الظَبَياتِ الآنساتِ بهِ / ترنو وتعطو بأحداقٍ وأجيادِ
وكلَّ هيفاءَ يُبدي البدرُ طلعتَها / وكلَّ أهيفَ مثلِ الغصنِ ميّادِ
صدتْ فأمسيتُ ظمآناً إلى شَبِمٍ / قد كانَ يشفي غليلَ الوالهِ الصادي
فحبّذا زمنٌ كانتْ تزورُ بهِ / مغناىَ مِن غيرِ تسويفٍ وميعادِ
حالتْ ومَن ذا الذي تبقى مواثِقُه / سليمةً مِن تصاريفٍ وأنكادِ
ضنتْ بقربي وقد كانتْ تجودُ بهِ / تَبَرُّعاً قبلَ اِقصائي واِبعادي
حتى الخيالُ وقد كانَ الجوادُ بما / يُهديهِ مِن زَوْرِ اِسعافٍ واِسعادِ
قد ضنَّ بخلاً بما قد كانَ يمنحُني / بهِ إلى أن غدا مِن بعضِ حُسادي
فاليومَ لم يُبقِ لي ذاكَ الزمانُ سِوى / كلومِ قلبٍ بذكرى ذاتِ اِبلادِ
أشكو الغرامَ وتَكْرارَ الملامِ فقد / ملَّ الشكايةَ خُلْصاني وعُوّادي
يا مربعاً قبلَ أن تنأى جآذِرُه / قد كانَ مألَفَ اِصداري واِيرادي
قد كان رادُ الضحى يُصبى كلاكَ اِذا / رأتْه أعينُ نظّارٍ ورّوادِ
يُروَى الجميمُ بما تُهدي الجِمامُ فكم / مرأىً يروقُ لرّوادٍ وورّادِ
فكيف صوَّحَ روضٌ كانَ ربربُه / لم يخشَ سطوةَ ليثِ الغابةِ العادي
تغيَّرَ الدهرُ عمّا كانَ ماطلَه / بهِ فبدَّلَ اِصلاحاً باِفسادِ
سقاكَ مندفقُ الشؤبوبِ منبعِقٌ / تغصُّ بالماءِ منه جَلْهةُ الوادي
فاِنَّ دمعي الذي قد كنتَ تعهدُه / لم يُبْقِ منه النوى فضلاً لمُزدادِ
في كلَّ يومٍ أرى الأضعانَ سائقةً / والعيسَ يزجرُ في اعقابِها الحادي
يقطعنَ كلَّ بعيدِ الدوَّ مُنْخَرَقٍ / على وَجاها إذا ما رجَّعَ الشادي
مِيلَ الرؤوسِ إذا ما السَّهبُ مُد َّلها / أنحتْ عليهِ بأعناقٍ وأعضادِ
تنحو الشسيعَ واِنْ كانتْ مهزَّلَةً / تستنُّ ما بينَ أنقاءٍ وأعقادِ
يا صاحبيَّ لقد طالَ الفراقُ وقد / سئمتُ صحبةَ أقتادٍ وأكنادِ
يأبى هوايَ وقد أوهَى قُوى جَلَدي / ألاّ يراني اليه غيرَ منقادِ
اِذا تعرَّضَ ذكرُ الحبَّ نازَعَني / قلبٌ أطالَ إلى الآطلالِ تردادي
سارَ الأحبَّةُ عن أرجاءِ كاظمةٍ / ووكَّلوني باِتهامٍ واِنجادِ
ملَّ النهارُ وقد سارت حمولته / والليل كثرة تأويبي واسآدي
أقفرَ مِن سكانِه المعهدُ
أقفرَ مِن سكانِه المعهدُ / فهل لقربٍ منهمُ موعدُ
هيهاتَ لا قربُهمُ يُرتَجى / ولا غرامي بهمُ يَنْفَدُ
ولا دموعي بعدَ توديعِهم / تَرْقا ولا نارُ الهوى تَبرُدُ
نأوا فلا الدارُ كعهدي بها / ولا أحبائي كما أعهَدُ
وقفتُ في الأطلالِ مستخبراً / هل أتهمَ الأحبابُ أو أنجدوا
فلم تُجبني مِن أسىً نالَها / عليهمُ أحجارُها الركَّدُ
وكانَ لي في نطقِها راحةٌ / لو نطقتْ أرسُمها الهُمَّدُ
أسألُها عنهمْ وفي أضلُعي / زفيرُ وجدٍ قلَّما يَخْمَدُ
ضلالةً أسألُ عن حورِها / ما لا يعي منها ولا يُسعِدُ
بَعُدتُمُ يا أهلَها بعدَما / أدناكُم الدهرُ فلا تُبْعُدوا
ولم أجدْ لمّا ترحّلتُمُ / على النوى والبينِ مَن يُنجِدُ
أنشدُ في آثاركمْ بعدَكُمْ / قلباً بغيرِ الوصلِ لا يُنشِدُ
قد كانَ موجوداً فمذْ غِبتُمْ / ضاعَ فلا يُلفى ولا يوجَدُ
أأجحدُ الوجدَ ولي أدمعٌ / شهودُها تُثْبِتُ ما أجحَدُ
لا تحسبوا قلبي جوًى بعدكمْ / يَقَرُّ أو طرفي أسىً يَهجُدُ
ولا هدوئي ممكناً بعدَما / أصبحَ مِن دونكمُ الفَدْفَدُ
وثوَّرَتْ نجبكمُ للنوى / تَقْدُمُهنَّ العِرْمسُ الجَلْعَدُ
وغرَّدَ الحادونَ في اِثرِها / ليتَ حُداةَ العيسِ لا غرَّدوا
والبينُ ما زالَ له مَوْرِدٌ / مستوبِلٌ يكرهُهُ الورَّدُ
هل يُبْلِغَنَّي حيَّكمْ بالحِمى / وبالعقيقِ البازلُ الأقودُ
اِذا ونتْ أو كَرَبتْ عيسُكم / تلغبُ اهوى وهو بي يُسئدُ
فلا الفلا تمنعُه حثَّهُ / ولا اللَّوى والقُورُ والقَرْدَدُ
له على غاربهِ سائقٌ / لا يعرفُ الأينَ ولا يرقُدُ
ملَّ ظلامُ الليلِ من عزمهِ / فيه إذا ما هجدَ الهُجَّدُ
ما عارضٌ هَيْدَبُهُ مكثِبٌ / مُطَرَّزٌ مِن برقِه مُرْعِدُ
مجلجِلٌ شؤبوبُه دافقٌ / فهو على وجهِ الثرى مُزْبِدُ
أغزرُ مِن دمعي وقد أزمعتْ / على الرحيلِ العُرُبُ النهَّدُ
يا سربُ نعمانَ لقد شاقني / لما سنحتَ الرشاُ الأغيدُ
مرَّ أمامَ السَّرْبِ يعطو وقد / وَلَّهَ عقلي جِيدُه الأجيَدُ
يَخْجَلُ غصنُ البانِ مِن قَدَّه / اذا تثنى قده الأملد
لي من جنى مبسمه مشرب / لم يُغنني مِن غيرِه موردُ
يوعدُني الوصلَ ولكنَّهُ / يُخِلفُني بالمَطْلِ ما يوعدُ
أطالَ بالمطلِ سَقامي الى / أنْ ملَّ أسقامي بهِ العُوَّدُ
ليالي القربِ هل لكِ أن تعودي / لقد أسرفتِ في طولِ الصدودِ
حميداتٍ كما أهوى سراعاً / فاِنَّ العمرَ بالعيشِ الحميدِ
سقى أيامنَا بالنَّعْفِ دمعي / وطيبَ زمانِنا بلِوى زَرودِ
وحيّا المزنُ أكنافَ المصلى / يسوقُ عِشارَه حَدْوُ الرعودِ
ملاعبٌ خُرَّدٍ بيضٍ حسانٍ / صقيلاتِ الطُّلى هِيفِ القدودِ
نأينَ وفي الربوعِ لهنَّ عَرْفٌ / أقامَ بهنَّ مِن رَدْعِ النُّهودِ
ألا يا ضرَّةَ القمرينِ رِقَّي / لمكتئبٍ مِنَ البلوى عَميدِ
يُذيلُ الدمعَ في الأطلالِ ممّا / يُعانيهِ مِنَ الشوقِ الشديدِ
كأنَّ دموعَه فيها لآلٍ / تناثرَ دُرُّهُنَّ مِنَ العقودِ
وكانَ يرى فراقَ اليومِ صعباً / فكيف يكونُ في الأمدِ البعيدِ
ملكتِ فؤادَه بكحيلِ طرفٍ / وفاحمِ طُرَّةٍ وبياضِ جيدِ
ورمتِ زيادةً في الحبَّ منّي / وليس على غرامي مِنْ مزيدِ
أعينيني على سَهَرِ الليالي / اِذا جَنَّ الظلامُ على الهُجُودِ
فقبلَ البينِ كنتُ أُخالُ جلداً / فلمّا حَلَّ لم أكُ بالجليدِ
وَمنّيني بعودِ العيشِ غضّاً / فاِنّ الحرَّ يقنعُ بالوعودِ
فكم يسعى بيَ الواشونَ ظلماً / إليكِ وسقمُ جسمي مِن شهودي
وجودي لي بوصلكِ بعدَ هجرٍ / رضيتُ به لعلَّكِ أن تجودي
وعودي بي إلى المعهودِ ممّا / به عُوَّدتُ مِن كرمِ العهودِ
لعلَّ الدارَ أن تدنو نواها / ويورِقَ بعدَ طولِ اليُبْسِ عُودي
فقد سئمتْ مصاحبتي المَهارى / وشدَّي للحدائج والقُتودِ
وخَوضي بحرَ كلَّ سرابِ قفرٍ / عليها واعتسافي كلَّ بيدِ
وتعليلي نجائبَها بهادٍ / اِذا كلتْ مِنَ المسرى وهِيدِ
على أكوارِها أنضاءُ شوقٍ / يؤودُ قواهمُ حملُ البرودِ
ترامى بالأزمَّةِ خاضعاتٍ / لواغبَ في هبوطٍ أو صعودِ
اِذا ما القيظُ اظمأها فدمعي / سَيُغنيها عنِ العَذْبِ البَرودِ
لها ولِمنْ عليها منهُ وِردٌ / اِذا حَنَّ العِطاشُ إلى الورودِ
واِنْ ضلَّتْ سأهديها إذا ما / ألاحَ الركبُ من أرجِ الصعيدِ
تؤمُّ حبائباً مذ بِنَّ أمستْ / تُخّدَّدُ أدمعي وَرْدَ الخدودِ
لئن قُربَّنَ بعدَ البينِ منّي / وراجعَ عازبٌ الوصلِ الشريدِ
فذلكَ مِنَّةٌ للدهرِ عندي / واِقبالٌ مِنَ الحظَّ السعيدِ
اِذا لم تقرُبِ الأجسامُ منّا
اِذا لم تقرُبِ الأجسامُ منّا / على طولِ التباعدِ والتمادي
ففيما تنقلُ الأقلامُ عنّا / وان لم تُغنِ ترويحُ الفؤادِ
أشجاكَ قمريُّ الأراك مغرِّدا
أشجاكَ قمريُّ الأراك مغرِّدا / والليلُ قد خلعَ الرداءَ الأسودا
أبدى على عَذْبِ الغصونِ حنينَهُ / والصبحُ مِن أُفْقِ المشارقِ قد بدا
فكأنَّه لمّا اصفحتَ لنوحِه / علمَ الذي بكَ مِن هواكَ فردَّدا
وذكرتَ مَنْ لم تنسَ مِن أهلِ الحِمى / فأعدتَ دمعكَ في الطلولِ مُبَدَّدا
ولكم جحدتَ هواهمُ حتى اِذا / سجعَ الحمامُ أبى الهوى أن يُجْحَدا
فجرتْ مدامعُكَ اللواتي غادرتْ / أثراً بخدَّكَ ما يزالُ مخدَّدا
ويرى كما تبري المُدى منكَ الهوى / جسداً يُعفَّيهِ على طولِ المدى
وتَخِذْتَ بعدهمُ المدامعَ مورداً / لولا الغرامُ لعفتُ ذاكَ الموردا
واِذا الكرى عشّى الجفونَ قضى الهوى / لكَ أن تبيتَ مؤرَّقاً ومسهّدا
كَلَفٌ يزيدُ على التقادمِ جدَّةً / وهوًى يَعِزُّ نظيرُهُ أن يوجَدا
وصبابةٌ جلبتْ إليكَ ضلالةً / لا يُهتدى معها إلى طرقِ الهدى
غلبتْ عليكَ فصرتَ رَهْنَ اِسارِها / تَمشي بأَدْهَمِها المتينِ مقّيدا
واِذا الأحبَّةُ عن ربوعِكَ قوضَّوا / لم تُلْفَ إلا هائماً متلدَّدا
اِنْ أتهموا فهواكَ أوَّلُ متهِمٍ / أو أنجدوا عَطَفَ الغرامُ فانجدا
ولقد نهاكَ البينُ يومَ ترحَّلوا / والعيسُ تُحدَجُ فيه أن تتجلَّدا
فنثرتَ مِن دررِ الدموعِ لآلئاً / كادتْ على الأطلالِ أن تتنضَّدا
وأثرتَ في اِثرِ الظعائنِ زفرةً / تُغني مطايا الراحلينَ عنِ الحِدا
حُرَقٌ متى ما قلتُ يبردُ وقدُها / زادتْ بأمواهِ العيونِ توقُّدا
والوصلُ لو سمَح الزمانُ بعودِه / لرجوتُ مِن زفراتِها أن تَبرُدا
وعلى العُذَيبِ أوانسٌ مثلُ الدُّمى / غيدٌ يُرِقْنَ دمَ المحبَّ تعمُّدا
بيضُ الطُّلى حورُا العيونِ أعادني / ولعي بهنَّ على التنائي مُكْمَدا
دَنِفاً أُعاصي اللائمينّ فلم أُطِعْ / مَن لامني في حُبَّهنَّ وفنَّدا
ولقد تعنَّدني الفراقُ فليتَه / لا كانَ جارَ ببينهنَّ ولا اعتدى
دَرَستْ عهودُ الغانياتِ وكلمَّا / قَدُمَ الزمانُ على هوايَ تجدَّدا
قد كانَ عوَّدني حلاوةَ عدلِه / فعلامَ مالَ وحالَ عمّا عوَّدا
يا هندُ لي مِن بعدِ بُعْدِكِ أَنَّةٌ / تحتَ الظلامِ بها أُلينُ الجَلْمَدا
ونحولُ جسمٍ قد تطاولَ سُقْمُهُ / حتى لقد سئمَ الضَّنى والعُوَّدا
وغريمُ شوقٍ يستثيرُ اِذا النوى / طالتْ مسافتُها الامْونَ الجَلْعَدا
تَخدي وقد مدَّ الهجيرُ رِواقَه / فاِخالُها تطسُ الاكامَ خَفَيْدَدا
في مهمهٍ قد عبَّ بحرَ سرابِه / فيكادُ يكرعُ فيه مِن فرطِ الصَّدى
عجباً لطيفكِ والتنائفُ بيننا / لمّا سرى أنىَّ ألمَّ أوِ اهتدى
فسقى العِهادُ معاهداً لكِ غادرتْ / قلبي لنيرانِ الصبابةِ مَعهَدا
وأما وقضبانِ القدودِ تميسُ مِن / تَرَفِ النعيمِ على الحضورِ تأودا
ومباسمٍ عَذُبَتْ موارِدُ ظَلِمْها / فحمتْهُ أسهمُ لحظِها أن يُوردا
مُحَّئتُ عنه وفي الفؤادِ لبردِه / نارٌ أبتْ جَمَراتُها أن تَخْمُدا
لولا التعلُّلُ بالمُنى وبأنَّهُمْ / جعلوا لميقاتِ التداني موعدا
ما كنتُ أفرقُ بينَ يومِ فراقهمْ / لمّا نأوا عنّي وما بينَ الردى
يا حاديَ الأظعانِ قَدْكَ فِنَّها / مُهَجٌ تذوبُ إذا طَوَيْتَ الفَدفَدا
تسري الركائبُ في الفلاةِ ولو عرا / وجدي المطايا لم تَمُدَّ لها يدا
نزحتْ وفوقَ ظهورهنَّ أحبَّةٌ / لولا سوابقُهمْ لقلتُ همُ العِدى
قد كانَ عصرُ الوصلِ قبلَ بعادِهم / رَغَداً ويَرجِعُ أن تدانَوا أرغدا
هي العيسُ دعها بي إلى حاجرٍ تُحدَى
هي العيسُ دعها بي إلى حاجرٍ تُحدَى / طِلاحاً تؤمُّ الجِزعَ أو تنتحي نَجْدا
تعجَّزُ في الموماةِ وهي ضوامرٌ / برى نَيَّها الاِيجافُ ظِلمانَها الرُّبْدا
خوامسُ أنضاها الذميلُ فكلَّما / شكتْ ظمأً أمستْ لها أدمعي وِردا
تُناثرُ في البيداءِ ورداً خِفافُها / وَينظِمُه الاِرقالُ مِن خلفِها عِقْدا
أجيرانَنا بالرقمتينِ نقضتُمُ / عهودي وكم راعيتُ بعدكُمُ العهْدا
نأيتمْ فلي عينٌ أضرّ َبها البكا / وبنتمْ فلي على النأْي لا يَهْدا
فمَنْ لغرامٍ ليس يخبو ضِرامُه / اِذا الريحُ لي بريّاكمُ بَردا
ارى في ضَلالٍ الحبَّ وجدي بكم هدًى / وغيَّ الهوى العذريَّ في مثلكمْ رُشدا
فللهِ رندُ الواديينِ وبانُهُ / وقد رنَّحتْ ريحُ الصَّبا قُضْبَهُ المُلْدا
كأنَّ القدودَ الهيفَ وهي موائسٌ / أعرنَ التثنَي ذلك البانَ والرَّندا
بَرودُ الرُّضابِ العَذْبِ أورثني الضنى / الى أن غدتْ أعضايَ لا تحملُ البَرْدا
وقد كنتُ حرّاً قبلَ أن أعرفَ الهوى / فلمّا عرفتُ الحبَّ صرتُ له عَبْدا
أحبّايَ طالَ البعدُ والعيسُ ترتمي / عِجافاً بنا تأتمَّ ارضكمُ قَصْدا
كأنَّ عليها السيرَ ضربةُ لازمٍ / لتنضى به وخداً واضنى بكم وجدا
وما زلتُ أخشى الهجرَ والبعدَ منكمُ / ومَنْ ذا الذي لم يلقَ هجراً ولا بُعدا
أعاتبُ في الأحبابِ قلبي ضلالة / ولي كَبِدٌ تَصْلى بنارِ الهوى وَقْدا
فليت هبوبَ الريحِ مِن نحوِ أرضهمْ / تُبَلَّغُ عن ميقاتِ عودهمُ وَعْدا
ليَ اللهُ مِن وجدِ إذا قلتُ قد مضتْ / اواخرُه عنّي اعادَ الذي أبدى
كانيَ لمّا ألقَ مِن لاعجِ النوى / ومما أعانيهِ ومِن حبهمْ بُدّا
مَرادَ الهوى عهدي بمغناكَ ضاحياً / أنيقاً به نجلو لواحظَنا الرُّمدا
أُقبَّلُ ثُغراً في ربوعكَ أشنباً / وأهصِرُ بينَ البانِ مِن مثلِه قَدّا
قطعتُ به عيشاً رقيقاً اِهابُه / ومَنْ لي به لو أستطيعُ له ردّا
فكيف أحالَ الدهرُ حسنَكَ وانثنى / بياضُ التداني في عراصكَ مسودّا
ودِعْلَبةٍ صدت عنِ الوِرْدِ بعدَما / تراءَتْ لها مِن دونِ أهلِ الحمى صدّا
كأنّي واياها وقد أمتِ الغَضا / الى أربعِ الأحبابِ مسرعةً وخَدْا
شِهابٌ وسهمٌ بين اعوادِ كُورِها / رمتْ بي حنايا العيسِ قلبَ الفلا فَردا
لئن لم أجدْ في حبَّ جُملٍ على الهوى / جميلاً ولم تُسْعِفْ باِسعادِها سُعدى
فلي أسوةٌ بالأقدمينَ صبابةً / وقد وردوا للوجدِ منهلَه العِدّا
فراقٌ وهجرٌ كم تَجَلَّدْتُ مَعْهُما / وكم قَهَرا قبلي بنارَيهما جلْدا
وكم في المجاني مِن نبالِ لواحظٍ / فَرَتْ بعدَ أحشائي المضاعفةَ السَّردا
لحاظٌ مِراضٌ أنلَتْني كأنَّما / تَعَدَّى اليَّ السُّقمُ منهنَّ أو أعدى
ووردُ خدودٍ يُخْجِلُ الوردُ لونُها / مضرَّجةٍ أمستْ بماءِ الصَّبا تندى
اِذا رُمْتُ أن القى لِندَّةِ خالِها / نظيراً فلا مِثْلاً أراه ولا نِدّا
كفى حَزَناً أنَّي أبثُّكَ ما عندي
كفى حَزَناً أنَّي أبثُّكَ ما عندي / وقد رحلَ الأحبابُ عن علَمَيْ نَجدِ
وكيف وقد كنتُ الأمينَ على الهوى / أُحدَّثُ عن أشياءَ طالَ لها جَحْدي
وما لُمْتُهمْ فيما جنوه مِنَ النوى / لعلمي بأنَّ اللومَ في الحبَّ لا يُجْدي
فيا عاذلي دعْ عنكَ عَذْلي فما أرى / عليكَ ضلالي في الغرامِ ولا رشدي
إليكَ فهذا الشوقُ قد عادَ مأْلَفاً / لقلبي وهذا الوجدُ قد صارَ لي وَحْدي
أحِنُّ إلى ليلى فلو زالَ حبُّها / ولا زالَ عن قلبي طَرِبْتُ إلى هندِ
سقى زمنَ الجرعاءِ دمعي إذا ونتْ / سحائبُ يحدوهنَّ حادٍ من الرعدِ
اِذا لمعتْ فيها البوارقُ خلتُها / قواضبَ في ليلٍ مِنَ النقعِ مسودَّ
زماناً قطعناهُ شهيّاً أوانُه / بساعاتِ وصلٍ كلُّها زمنُ الوردِ
فليت لأيامِ تقضَّتْ بقربهمْ / رجوعاً ولا يُرْجَى لما فاتَ مِن ردَّ
ومما شجاني في الأراكِ حمامةٌ / تغنَّتْ على فرعٍ من البانِ والزَّنْدِ
تنوحُ اشتياقاً والهديلُ أمامَها / على البانِ لم تعبثْ به راحةُ البُعْدِ
فكيف بها لوعاينتْ موقفَ النوى / مضافاً إلى هجرِ تطاولَ أوصدِِّ
وخوصُ النياقِ الواخداتِ بواركٌ / لوشكِ النوى مابينَ حَلِّ إلى شَدِّ
ومَعْرَكٍَ بينٍ فالغزالُ مرَّوعٌ / يُودِّعنُي سرّاً ودمعيَ كالعِدِّ
فطوراً أُرى فيه جريحَ لحاظِه / وطوراً أُرى فيه طعينَ قنا قَدِّ
وقد عدتُ مقروناً بوجدي ولوعتي / غداةُ سرى الحادي عنِ الأجْرَعِ الفردِ
أسائلُ رسمَ الدارِ عن أمدِ النوى / واِنْ لم أكن بالعَودِ منهمْ على وعدِ
وذي هَيفٍَ ما زالَ يهزأُ قدُّه / وقد هزَّهُ الاِعجابُ بالقُضُبِ المُلْدِ
تطاولتِ الأزمانُ بيني وبينَهُ / وما حالَ حاشاه ولا حلتُ عن عهدِ
كأنَّ الهوى إلى عليه أَليَّةً / بأنْ لا أَرى لي منه ماعشتُ مِن بُدِّ
وهيَّجتُ أشجانَ الرِّفاقِ بعالجٍ / وهوجُ المطايا الناجياتِ بنا تَخدي
وقد زرتُ ربعَ الظاعنينَ عشيَّةً / فباتَ إلى قلبي رسيسُ الهوى يَهدي
بنوحٍ على ما فاتَ مِن زمنِ الصِّبا / ودمعٍ على عيشٍ تقضَّى بهمْ رغدِ
وأعدانيَ الرسمُ الدريسُ بسُقْمِه / فأعديتهُ والسُّقمُ أكثرُه يُعدي
فيا قلبُ قد أصبحتَ جَلْداً على النوى / وما كنتَ تُدعَى قبلَ ذلكَ بالجَلْدِ
ولو لم تكن جَلْداً لما كنتَ بعدهمْ / بقيتَ ولو أصبحتَ مِن حجرٍ صَلْدِ
أحبتَّنا مَنْ حلَّ بالجِزعِ بعدكمْ / وقد بنتمُ عنه ومَنْ حلَّهُ بعدي
ومَنْ باتَ يَسقيهِ الدموعَ غزيرةً / تَحدَّ رُشوقاً فوقَ ذاكَ الثرى الجَعدِ
وينظرُ خفّاقَ البروقِ فينطوي / على أضلعٍ لم يبقُ فيها سوى الوجدِ
اِذا لاحَهُ حرُّ الغرامِ رأيتُه / يعانقُ أطلالَ الديارِ مِنَ الوقدِ
يُبَرِّدُ بالائآرِ لذعَ غليلِهِ / وجاحمُ نارِ الشوقِ في ذلكَ البَرْدِ
وما صارمٌ يَفْري الضرائبَ باتكٌ / مَخُوفُ سُطا الحدَّينِ يُعزى إلى الهندِ
اِذا ما انتضاهُ في الكريهةِ ضاربٌ / ومَرَّ يؤمُّ القِرنَ في ملتقى الأسدِ
يرى الموتَ منه في الغِرارينِ كامناً / يلاحظُه مابينَ حدِّ إلى حدَّ
بأمضى غِراراً مِن لساني إذا انبرى / يُنَظَّمُ شِعراً ليس لي فيه مِن نِدِّ
فكلُّ كلامٍ فيه عِقْدٌ منضَّدٌ / وكلُّ قصيدٍ فيه واسطةُ العِقْدِ
ما بالُ طرفكَ بعدَ البعدِ مارقدا
ما بالُ طرفكَ بعدَ البعدِ مارقدا / ما ذاكَ إلا لأمرٍ أوجبَ السَّهَدا
صبابةٌ وحنينٌ يبعثان على / بُعدِ المزارِ إليكَ الشوقَ والكَمَدا
ما أنتَ غِرٌّ بأيامِ الغرامِ فلا / تظنَّ جهلاً بأنَّ الوجدَ صار سُدى
أقلُّ ما فيه أن تُلقي بلا سببٍ / على الحبائبِ فيه اللَّوْمَ والفَنَدا
لُدْنُ القدودِ كباناتِ الحمى هَيفَاً / بيضُ الطِّلى كظباءِ المنحنى جيَدا
حوراً العيونِ كأحداقِ المها عَينَاً / غِيدُ الجسومِ بنفسي ذلكَ الغَيَدا
كم قدْ سفكنَ بهاتيكَ العيونِ دماً / وما رأيتُ لها ثأراً ولا قَوَدا
أغراكَ برقُ الحمى بالذِّكْرِ آونةً / لما تراءَى على أجزاعِه وبدا
ما لاحُ إلا وفي قلبي كمومضِه / وَقيِدُ نارٍ غرامٍ مثلَ ما وَقَدا
نارانٍ نارُ زنادِ المزنِ ما خمدتْ / تحت الظلامِ ولا جمرُ الهوى خَمَدا
هذي تلوحُ فيحكيها تلهُّبُه / وهناً بجاحمِ شوقٍ قلَّما بَرَدا
يا راكباً يِطسُ الرَّضْراضَ مُجْفَرُه / كالهَيْقِ نحوَ الحمى والجِزْعِ قد وَخَدا
يسري على الأيْنِ لا يَثنيهِ مُنخَرَقٌ / عنِ الرسيمِ ولا يَستبعِدُ الأمدا
قلْ للغزالِ الذى حالتْ مواثِقُه / اِنِّي على ذلكَ العهدِ الذي عَهَدا
ما حلتُ في الحبِّ عماّ كان يعرفُه / ولا مددتُ إلى السُّلوانِ عنه يَدا
أحبابَنا سُقِيتْ أيامُ وصلكمُ / بهاطلٍ كلَّما جادَ الرُّبى رَعَدا
اِذا ونى سَحُّهُ أو قلَّ سافحُه / أجرتْ له مقلتي مِن مائها مَدَدا
يا بينُ ويحكَ ما أبقيتَ بعدَهمُ / للوالهِ الصبِّ لا صبراً ولا جَلَدا
قد كان ذا جَلَدٍ جَمٍّ فسارَ بهِ / حادي مطاياهمُ في الظعينِ يومَ حَدا
أين الأحبَّةُ لم يوفوا بما وعدوا / مِن بعدِما أنجزَ التفريقُ ما وعدا
بانوا فها أنا في الأطلالِ بعدهمُ / وِردي الدموعُ إذا ما شئتُ أن أرِدا
لأحمَدَنَّ زماناً كان يجمعُنا / بالرقمتينِ فخيرُ العيشِ ما حُمِدا
وقائلٍ قبلَ وشكِ البينِ مِن جَزَعٍ / قد نالَهُ للنوى والبينِ ما أفِدا
ما أنتَ يومَ نوى الأحبابِ صانِعُه / اِذا رأيتَ مزارَ القومِ قد بَعُدا
فقلتُ والقلبُ فيه حَرُّ نارِ جوًى / للبينِ تُضرَمُ مِن أنفاسيَ الصُعَدا
يدايَ / اِنْ حُمَّ بينٌ
قد ذَخَرتُهما / هذي لدمعي وهذي تَلْزَمُ الكَبِدا
ما استوطنوا بلداً إلا وعدتُ لِما / عندي من الوجدِ أهوى ذلكَ البلدا
لا تُلْزِمَنِّي بصبرٍ بعدما رحلوا / عنِ العقيقِ فصبري بعدهم نَفِدا
يا واقفاً في عراصِ الدارِ مكتئباً / يُذري المدامعَ في أرجائها بَدَدا
حيرانَ تُذْكِرُهُ الآثارُ بعدهمُ / عيشاً تولَّى بجيرانِ النقا رَغَدا
حَرانَ يسمعُ أشعاري فيحسبُني / وقد ترنَّمتُ فيها طائراً غَرِدا
مِن كلِّ قافيةٍ للعقلِ ساحرةٍ / نفثتُ في عُقَدٍ مِن سِحرها عُقَدا
أمسيتُ والبحرُ وردي من صناعِتها / متى وردتُ وغيري يَرشُفُ الثَّمَدا
شِعرٌ إذا سمعَ النظّامُ محكمَهُ / أقرَّ كرهاً له بالفضلِ مَنْ جَحَدا
معاشرٌ حسدوه لا أرى لهمُ / فيما توخَّوه لا راياً ولا رَشَدا
لغيرِ شيءٍ سوى انِّي أفوقُهمُ / بخاطرٍ كلَّما أذكيتُه اتَّقَدا
لا زلتُ في الفضلِ محسوداً ولا بَرِحوا / لا يقدرونَ على أن يُظْهِروا الحَسَدا
عليلُ الوجدِ عندكَ لا يُعادُ
عليلُ الوجدِ عندكَ لا يُعادُ / وسرُّ الحبِّ عندي لا يُعادُ
ومقروحُ الجفونِ إذا تَشكَّى / أليمَ الشوقِ صدَّقَهُ السُّهادُ
يَحِنُّ على التنائي والتمادي / الى أحبابِه هذا الفؤادُ
فؤادٌ باتَ يقدحُ فيه شوقاً / لنارِ الوجدِ مذ بانوا زِنادُ
وخلانٍ على نجدٍ نزولٍ / لهم منّي المحبَّةُ والودادُ
أُريدُ تصبُّراً عنهمْ وقلبي / يخالفُ ما أردتُ لِما أرادوا
ضلالي في الغرامِ ولا أُحاشي / خُرافاتِ النُّهى بهمُ رشادُ
اِذا حدَّثتُ بالسُّلوانِ قلبي / يقولُ الوجدُ موعدُه المَعادُ
ومذ ساروا عنِ الجرعاءِ ليلاً / سرى عن جفنِ عينَّي الرُّقادُ
فما ليَ والحياةِ إذا تناءتْ / عنِ الخَلْصاءِ هاجرةً سعادُ
أأرجِعُ بعدما بانتْ سَفاهاً / أُحاولُ أن يُخاطبَني الجمادُ
وأنظرُ في الديارِ مَرادَ لهوٍ / به قد كان ساعفَني المُرادُ
وما عندي على وجدي مزيدٌ / وهل فوقَ الذي عندى ازديادُ
وأجفانٍ مِنَ التفريقِ أمسى / تَوالي الدمعِ وهو لها عَتادُ
اِذا أرسلتُهنَّ رأيتُ سَحّاً / عِهادُ الدمعِ يتبعُه عِهادُ
ومحزونٍ بكى الأطلالَ شوقاً / بدمعٍ لا يَجِفُّ له مَزادُ
اِذا ركضتْ سحائبهُ استباقاً / بدا للماءِ فيهنَّ اطِّرادُ
بكى والقربُ محكمةٌ عراه / فكيف به إذا طالَ البِعادُ
كأنَّ بقلبِه وخزَ الأشافي / تُجَدِّدُه مؤلَّلَةٌ صِعادُ
أأيامَ الشبابِ سقاكِ دمعٌ / تغصُّ به الأهاضبُ والوهادُ
كدمعي يومَ بنتِ وقالَ شيبي / نأى عنكَ الشبابُ المستعادُ
فِانَّ لنارِ ذكراه زفيراً / له ما بينَ جنبيَّ اتِّقادُ
ومذ ضَحِكَ البياضُ بكى اكتئاباً / على أيامِ صبوتِه السوادُ
نَبَتْ بالهائمِ الولهانِ ليلاً / مضاجعُه وأنكرَهُ الوِسادُ
كأنَّ على مضاحعِه إذا ما / تَمهَّدهنَّ قد فُرِشَ القَتادُ
رأى تلكَ الحُدوجَ وقد حمتْها / سيوفٌ مِن فوارسِها حِدادُ
وكلُّ مُشَيَّع العَزَماتِ ماضٍ / يُحامي عن حقيقتِه الجِلادُ
فوارسُ كلِّ معركةٍ تمطَّتْ / بهمْ في ليلِ عِثْيَرِها الجيادُ
وقد رجعتْ بهمْ شُعْثَ النَّواصي / على اللَّبّاتِ مِن عَلَقٍ جِسادُ
فليس يَروعُهمْ كالناسِ يوماً / على العِلاّتِ داهيةٌ نآدُ
فلو ردُّوا اليها بعد لأيٍ / وقد هلكوا بصَيلَمِها لعادوا
فلم يكُ دأبُه اِلاّ دموعاً / تَحدَّرُ وهي قانئةٌ وِرادُ
وِانشادُ القريضِ بكلِّ وادٍ / تَعطَّرُ مِن نوافحِه البلادُ
كأنِّي في فصيحِ الفولِ قُسٌّ / ولكنْ ليس لي منكم اِبادُ
بشِعْرٍ بحرُه الزخّارُ عندى / وللغيرِ النقائعُ والشِّمادُ
فما فيهِ مِنَ الاِقواءِ شيءٌ / يُعابُ به ولا فيه سِنادُ
فحِلفاه الجزالةُ والمعاني / واِلفاه الاِصابةُ والسَّدادُ
علامةُ سُلواني إذا قلتُ بعدكمْ
علامةُ سُلواني إذا قلتُ بعدكمْ / وقد بِنتمُ أن المزارَ بعيدُ
وميعادُ اِحراقي بنارِ هواكُمُ / اِذا حانَ مِن ذاكَ النسيمِ زكودُ
أحِنُّ إلى أيامِ نجدٍِلعلِّها / بقربكمُ يوماً عليَّ تجودُ
مواسمُ لهوٍ أن رجعنَ حميدةً / بجيرانِ سَلْعٍ اِنَّني لسعيدُ
مقالةُ مَحنيِّ الضلوعِ على هوًى / يَرِثُّ جديدُ الدهرِ وهو جديدُ
محبُّ له دمعٌ وشوقٌ مُجَدَّدٌ / على الدارِ يقوى سَحُّهُ ويزيدُ
فليس لنارِ الشوقِ في الربعِ بعدَكمْ / خمودٌولا للسافحاتِ جمودُ
يؤرِّقها ذكراكمُ كلَّ ليلةٍ / وأعينُ باقي العاشقينَ رقودُ
مُعنَّى بتسآلِ الرسومِ وتارةً / يسائلُ حادي العيسِ أين يُريدُ
واِنَّ امراً لم يَفْضَحِ البينُ سِرَّهُ / على ما يعانيهِ بكم لجليدُ