المجموع : 6
جَنابكِ منه تُسْتَفَادُ الفَوائدُ
جَنابكِ منه تُسْتَفَادُ الفَوائدُ / ولِلناسِ بالإحسَانِ منكِ عوائدُ
فَطُوبَى لِمنَ يَسْعَى لِمَشْهَدِكِ الذي / تكَادُ إلى مَغْنَاهُ تَسْعَى المشَاهِدُ
إذَا يمَّمَتْهُ القاصِدُونَ تَيَسَّرَتْ / عليهمْ وإن لم يسألوكِ المقَاصدُ
تحَقَّقَتِ البُشْرَى لَمِنْ هُوَ رَاكِع / يُرَجّي به فضلاً وَمَنْ هُوَ ساجِدُ
فعَفَّرَتِ الشُّبانُ وَالشَّيبُ أوْجُهاً / بهِ والعَذارَى حُسَّرٌ والقَواعِدُ
هُوَ المَنْهَلُ العَذْبُ الكَثِيرُ زِحامُهُ / فَرِدْهُ فمَا مِنْ دُونِ وِرْدِكِ ذائدُ
أَتيْتُ إليه والرَّجاءُ مُحَلّأٌ / فما عُدْتُ إِلَّا والمُحَلَّا وَارِدُ
فيا لَكَ مِنْ يَأْسٍ بَلَغْتُ بِهِ المُنَى / وعُسْرٍ لأَقْفَالِ اليسَارِ مَقالِدُ
أَلَذُّ مِنَ الماءِ الزلالِ مَوَاقِعا / عَلَى كَبِدِ الظَّمْآنِ وَالماءُ بارِدُ
سَلِيلَةَ خَيْرِ العالَمِينَ نَفيسَة / سَمَتْ بِكِ أعراقٌ وطابَتْ محائِدُ
إذا جُحِدَتْ شمسُ النَّهارِ ضِياءها / فَفَضْلُكِ لم يَجْحَدهُ فِي الناسِ جاحِدُ
بآبائِكِ الأطهارِ زُيِّنَتِ العُلا / فحَبَّاتُ عِقْدِ المَجْدِ منهم فَرائِدُ
وَرِثْتِ صفاتِ المصطفى وَعلومَهُ / فَفضْلُكُمَا لولا النُّبُوَّةُ واحِدُ
فلم يَنْبَسِطْ إلَّا بِعِلْمِكِ عالم / وَلم يَنْقَبِضْ إلَّا بِزُهْدِكِ زاهِدُ
مَعارِفُ ما يَنْفَكُّ يفضي بِسِرِّها / إلى ماجِدٍ مِنْ آلِ أحْمَدَ ماجِدُ
يُضيءُ مُحيَّاهُ كأنَّ ثَنَاءَهُ / إلى الصُّبْحِ سارٍ أوْ إلى النَّجْمِ صاعدُ
إذا ما مَضى منهم إِمامُ هُدىً أتى / إِمامُ هُدىً يَدْعُو إِلى اللَّهِ رَاشِدُ
تَبَلَّجَ مِنْ نور النُّبُوَّة وَجْهُهُ / فمنه عليه للعُيُون شوَاهِدُ
وفاضَتْ بِحَارُ العِلْمِ مِنْ قَطْرِ سُحْبِها / عليه فطابَتْ لِلورادِ المَوارِدُ
رَأى زِينَةَ الدُّنيا غُروراً فعافَها / فليس له إلا عَلَى الفضلِ حاسدُ
كأنَّ المعالى الآهلات بِغَيْرِهِ / رُبوعٌ خَلَتْ مِنْ أهلِها وَمَعاهِدُ
إِذَا ذُكِرَتْ أَعمالُه وَعُلومُه / أقَرَّ لهَا زَيْدٌ وَبَكْرٌ وَخالدُ
وَما يَسْتَوِي في الفضلِ حالٍ وَعاطِلٌ / وَلا قاعِدٌ يومَ الوغَى وَمجاهِدُ
فَقُلْ لِبَنِي الزَّهْراء والقَوْلُ قُرْبَةٌ / يَكِلُّ لسانٌ فيهِمُ أوْ حصائدُ
أحَبَّكُمُ قلبي فأصبحَ مَنْطِقِي / يُجادِلُ عنكم حِسْبَةً وَيُجالدُ
وَهل حُبُّكُمْ لِلنَّاسِ إِلَّا عَقِيدةٌ / عَلَى أُسِّهَا في اللَّهِ تُبْنَى القَواعِدُ
وإنَّ اعتقاداً خالياً منْ مَحَبَّةٍ / وَوُدٍّ لكمْ آلَ النبيِّ لفاسِدُ
وإني لأَرْجُو أن سَيُلْحِقني بِكُمْ / وَلائي فَيَدْنُو المَطْلَبُ المُتَبَاعِدُ
فإِنَّ سَراةَ القَوْمِ منهم عَبِيدُهمْ / وإنَّ حُرُوفَ النُّطْقِ منها الزوائِدُ
فَدَتْكُمْ أُناسٌ نازَعُوكُمْ سِيَادةً / فلم أدْرِ ساداتٌ هُمُ أَمْ أسَاوِدُ
أرادوا بكم كَيْدَاً فكادوا نُفُوسَهُمْ / بكم وعَلَى الأَشْقَى تَعودُ المكايِدُ
فإنْ حِيزَتِ الدُّنيا إليهمْ فإنَّ مَنْ / نَفَى زَيْفَهَا سَلْماً إليهم لناقِدُ
ولو أنكم أبناؤُها ما أبَتْكُم / ما كانَ مَوْلودٌ لِيأْباهُ وَالِدُ
إذَا ما تَذَكَّرْتُ القضايا التي جرتْ / أُقِضَّتْ عَلَى جَنْبَيَّ منها المَراقِدُ
وجَدَّدَتِ الذِّكْرَى عَلَي بَلابِلاً / أُكابِدُ منها في الدُّجَى ما أُكابِدُ
أفِي مِثْلِ ذاكَ الخَطْبِ ما سُلَّ مُغْمَدٌ / ولا قامَ في نَصْرِ القَرَابَةِ قاعِدُ
تعاظمَ رُزْءاً فالعُيُونُ شواخِصٌ / لهُ دَهْشَةً وَالثَّاكِلاتُ سَوَامِدُ
وطُفِّفَ يومَ الطَّفِّ كَيْلُ دِمائكم / إذ الدَّمُ جارٍ فيه والدَّمْعُ جَامِدُ
فيا فِتْنَةً بعْدَ النبيِّ بها غَدا / يُهدمُ إيمانٌ وتُبْنَى مساجدُ
وما فتِنَتْ بعدَ ابنِ عِمْرَان قَوْمُهُ / بما عَبَدُوا إِلَّا لِيَهْلِكَ عَابِدُ
كذاكَ أَرادَ اللَّهُ منكُمْ ومِنْهمُ / وليس له فيما يُريدُ مُعانِدُ
وَلو لمْ يكنْ في ذَاكَ مَحْضُ سعادةٍ / لكم دونَهمْ لَمْ يُغْمِدِ السَّيْفَ غامدُ
وَأَنتُمْ أُناسٌ أُذْهِبَ الرِّجْسُ عنهمُ / فليسَ لهم خَطْبٌ وإنْ جَلَّ جاهِدُ
إذا ما رَضُوا للَّهِ أو غَضِبُوا لهُ / تَسَاوَى الأَدَانِي عندَهم والأباعِدُ
وسِيَّان مِنْ جَمْرِ العِدَا مُتَوَقِّدٌ / عَلَى بَهْرَمَانِ الصِّدْقِ منكم وخَامِدُ
وفَدْتُ عليكم بالمَدِيحِ وَكلُّكم / عليه كتابُ اللَّهِ بالمَدْحِ وَافِدُ
وَقد بيَّنتْ لِي هلْ أتَى كَمْ أتَى بهَا / مكارمُ أخْلاقٍ لكم وَمَحَامِدُ
فَلَوْلا تَغضيكم لنا في مديحِكم / لَرُدَّتْ علينا بالعيوبِ القصائدُ
وَلَمْ أَرْتَزِقْ مِنْ غَيْركُمْ بِتِجَارَةٍ / بَضَائِعُهَا عند الأَنامِ كواسِدُ
عَمَدْتُ لِقَوْمٍ منهم فكَأَنَّنِي / عَلَى عَمَدٍ لا يَرْجِعُ القَوْلَ عَامِدُ
أَأَطْلُبُ مِنْ قَوْمٍ سِواكُم مُسَاعِداً / وقد صَدَّهم حِرْمانُهُمْ أنْ يُسَاعِدُوا
وَمَنْ وَجَدَ الزَّنْدَ الذي هُوَ ثاقِبٌ / فلنْ يَقْدَحَ الزَّنْدَ الذي هوَ صالِدُ
وحَسْبِي إذَاً مَدْحُ ابْنَةَ الحَسَنِ التي / لها كَرَمٌ مَجْدٌ طَرِيفٌ وَتَالِدُ
وَإني لمُهْدٍ مِنْ ثَنائي قلائداً / إليها حلالٌ هَدْيُها والقلائدُ
هِيَ العُرْوَةُ الوُثْقَى هيَ الرُّتَبُ العُلا / هِيَ الغايَةُ القُصْوَى لِمَنْ هُوَ قاصِدُ
كأنّي إذا أنشَدْتُ في الناسِ مَدْحَها / لِمَا ضلَّ منْ ذِكْرِ المَكَارِمِ ناشِدُ
أَسَيِّدَتي ها قد رَجَوْتُكِ مُعْلِناً / بمَا أَنَا مِنْ دُرِّ المناقِبِ نَاضِدُ
وَأَعْيُنُ آمالي إليكِ نواظِرٌ / بِمَا أَنَا مِنْ عاداتِ فضلِكِ عائدُ
وَمَا أجْدَبَت قَوْمٌ أتى مِنْ لَدُنْهُمُ / لِمَرْعَى الأماني مِنْ جنابِكِ رائدُ
ولولا نَدَى كَفَّيْكِ ما اخضَرَّ يابِسٌ / وَلا اهتَزَّ مِنْ أَرْضِ المكارِمِ هامِدُ
إلَى اللَّهِ أَشْكُو يا ابنَةَ الحَسَنِ الذي / لَقِيتُ وَإني إنْ شكَوْتُ لحامدُ
وما لِيَ لا أَشْكُو لآلِ مُحَمَّدٍ / خُطُوباً بها ضاقتْ عليَّ المراصِدُ
ومَنْ لصُرُوفِ الدَّهْرِ عَنِّيَ صارفٌ / ومَنْ لهُمُومِ القَلْبِ عَنِّيَ طارِدُ
تَسَلَّطَ شَيْطَانٌ مِنَ النَّفْسِ غَالِبٌ / عَلَيَّ وَشَيْطَانٌ مِنَ البؤْسِ مارِدُ
فيا وَيْحَ قَلْبٍ ما تَزَالُ سماؤُهُ / بها لِشَياطِينِ الخُطُوبِ مقاعِدُ
فيا سامِعَ الشَّكْوَى وَيَا كاشفَ البَلا / إذَا نَزَلَتْ في العالَمِينَ الشَّدَائِدُ
وَيا مَنْ هَدَى الطِّفْلَ الرَّضِيعَ وَلَمْ تَؤُب / إليهِ قُوَى عَقْلٍ وَلا اشْتَدَّ ساعِدُ
وَيا مَنْ سَقَى الوَحْشَ الظِّماءَ وَقد حَمَتْ / مَوَارِدَهَا مِنْ أَنْ تُنالَ المَصَايدُ
وَيا مَنْ يُزَجِّي الفُلْكَ في البَحْرِ لُطْفُهُ / وهنَّ جوَارٍ بَلْ وَهُنَّ رَوَاكِدُ
وَيا مَنْ هُوَ السَّبْعَ الطَّوَابقَ رَافعُ / ومَنْ هُوَ لِلأَرْضِ البسيطةِ ماهِدُ
وَيا مَنْ تُنَادينا خَزَائِنُ فضلِهِ / إلى رِفْدِهِ إِنْ أَمْسَكَ الفضلَ رافِدُ
فلا البابُ من تِلْكَ الخزائن مُغْلَقٌ / وَلا خَيرَ مِنْ تِلْكَ الخزَائن نافِدُ
دَعَوتكَ مِنْ فَقْرٍ إليك وَحاجةٍ / وَكلٌّ بما يَلْقَاهُ لِلصَّبْرِ فاقِدُ
وَأَفضَتْ بما فيها إليكَ ضَمَائِرٌ / وأنتَ عَلَى ما في الضَّمائرِ شاهدُ
دَعَوْنَاكَ مُضْطَرين يا رَبِّ فاسْتَجِبْ / فإِنّكَ لم تُخْلَفْ لَدَيْكَ المواعِدُ
فَلَيْسَ لَنَا غوْثٌ سِوَاكَ وَمَلْجَأٌ / نُراجِعُهُ في كَرْبِنَا وَنُعاوِدُ
فَقَدِّرْ لنا الخيرَ الذي أنتَ أهلُهُ / فما أَحَدٌ عَمَّا تُقَدِّرُ حائدُ
وَصَفْحاً عنِ الذَّنبِ الذي هوَ سائقُ / لِناركَ إِلَّا إنْ عَفَوْتَ وَقائدُ
وَصلْ حَبْلَنَا بالمصطفى إِنَّ حَبْلَهُ / لنا صِلةٌ يَا رَبِّ منكَ وعَائدُ
عليه صلاةُ اللَّهِ ما أُحمِدَ السُّرَى / إليه وَذَلَّتْ لِلْمَطِيِّ فَدَافِدُ
إلهي عَلَى كلِّ الأمورِ لَكَ الحَمْدُ
إلهي عَلَى كلِّ الأمورِ لَكَ الحَمْدُ / فلَيْسَ لِمَا أَوْلَيْتَ مِنْ نِعَمٍ حَدُّ
لَكَ الأَمرُ مِنْ قَبْل الزَّمانِ وبَعْدَهُ / وَما لكَ قَبْلٌ كالزَّمانِ وَلا بَعْدُ
وحُكْمكَ ماضٍ في الخلائِقِ نَافِذٌ / إذا شئتَ أمراً ليس من كونِهِ بُدُّ
تُضلُّ وتهدي منْ تشَاءُ منَ الوَرَى / وما بِيد الإِنْسَان غَيٌّ ولا رُشْدُ
دَعُوا مَعْشَرَ الضُلَّالِ عَنَّا حديثكم / فلا خَطَأٌ مِنهُ يُجابُ وَلا عَمْدُ
فلو أنكم خَلْقٌ كَريمٌ مُسِخْتُم / بقَوْلِكُم لكن بمَنْ يُمْسَخُ القِرْدُ
أتانَا حديثٌ ما كَرهْنَا بِمِثلِهِ / لكُمْ فِتْنَةً فيها لِمِثلِكُمُ حَصْدُ
غَنِيتُمُ عَنِ التأْويلِ فيه بظاهرٍ / وَمَنْ تَرَكَ الصَّمْصامَ لم يُغْنِهِ الغِمْدُ
وَأَعْشَى ضياءُ الحقِّ ضَعْفَ عُقُولِكم / وشمسُ الضُّحَى تَعْشَى بها الأَعْيُنُ الرُّمْدُ
ولَنْ تُدْرِكُوا بالجَهْلِ رُشْداً وَإِنما / يُفَرِّقُ بَينَ الزَّيْفِ وَالجَيِّد النَّقْدُ
وُعِظْتُمْ فَزِدْتُمْ بالمواعِظِ قَسْوَةً / وَلَيسَ يُفيدُ القدحُ إِن أصلَدَ الزَّندُ
وما ليَّنَت نارُ الحجازِ قُلوبَكُم / وَقد ذابَ مِنْ حرٍّ بها الحَجَرُ الصَّلْدُ
وَما هِيَ إلا عينُ نَارِ جَهنَّمٍ / تَرَدَّدَ مِنْ أَنفاسِها الحرُّ وَالبَرْدُ
أتَتْ بِشُوَاظٍ مُكْفَهِرٍّ نُحَاسُه / فلُوِّحَ منها للضُّحَى والدُّجَى جِلْدُ
فما اسْوَدَّ مِنْ لَيْلٍ غَدَا وَهو أبيَضٌ / وَما ابيضَّ مِنْ صُبْحٍ غَدا وَهْوَ مُسْوَدُّ
تُدَمِّرُ ما تأتي عليه كعاصفٍ / من الرِّيحِ ما إنْ يُسْتَطَاعُ لهُ رَدُّ
تَمُرُّ عَلَى الأرض الشديد اختلافُها / فَتُنْجِدُ غَوْراً أوْ يغورُ بها نَجْدُ
وَتَرْمِي إلى الجوِّ الصُّخورَ كأنّما / بِبَاطِنِهَا غيظٌ على الجَوِّ أَوْ حِقْدُ
وَتَخْشَى بيوتُ النارِ حَرَّ دُخانِها / وَيَزْدَادُ طُغياناً بها الفُرسُ والهِندُ
فلو قَرُبَتْ مِنْ سَدِّ يأْجُوجَ بَعْدَمَا / بَنَى منه ذُو القَرْنَيْنِ دُكَّ بها السَّدُّ
وَلَمَّا أَساءَ الناسُ جِيرةَ رَبِّهمْ / وَلَمْ يَرْعَهَا منهم رئيسٌ وَلا وَغْدُ
أَراهم مَقاماً ليسَ يُرْعَى لِجَارِهِ / ذِمَامٌ وَلَمْ يُحْفَظْ لِساكِنِهِ عَهْدُ
مدينة نارٍ أُحْكِمَتْ شُرُفاتُهَا / وَأَبْراجُهَا والسُّورُ إذْ أُبْدِعَ الوَقْدُ
وَقَدْ أبصرَتْها أَهْلُ بُصْرَى كأنما / هِيَ البَصْرَةُ الجارِي بها الجَزْرُ والمَدُّ
أضاءتْ عَلَى بُعْدِ المَزَارِ لأهلِها / مِنَ الإِبِلِ الأعناقُ وَاللَّيْلُ مُرْبَدُّ
أشارتْ إلى أنَّ المدينةَ قَصْدُها / قرائنُ منها ليسَ يَخْفَى بها القَصْدُ
يَرُوحُ ويغْدُو كلُّ هَوْلٍ وَكُرْبَةٍ / على الناسِ منها إذْ تَرُوحُ وَإذ تَغْدُو
فلمَّا التَجَوْا للمصطفى وَتَحَرَّمُوا / بِسَاحَتِهِ والأمرُ بالناسِ مُشْتَدُّ
أَتَوْا بِشَفِيعٍ لا يُرَدُّ وَلَمْ يَكُنْ / بِخَلْقٍ سوَاهُ ذلك الهَوْلُ يَرْتَدُّ
فَأُطْفِئَتِ النارُ التي وَقَفَ الوَرَى / حَيَارَى لَدَيْهَا لم يُعيدوا ولم يُبْدُوا
فإنْ حَدَثَتْ مِنْ بَعْدِهَا نارُ فِرْيَةٍ / فما ذلك الشيءُ الفَرِيُّ وَلا الإِدُّ
فللَّهِ سِرُّ الكائناتِ وجَهْرُها / فكمْ حِكمٍ تَخْفَى وَكَمْ حِكَمٍ تَبْدُو
وَقِدماً حَمَى مِنْ صاحِبِ الفيلِ بَيْتَهُ / ولمَّا أَتى الحَجَّاجُ أَمْكَنَهُ الهَدُّ
وَللَّهِ سِرٌّ أنْ فَدَى ابنَ خَلِيلِهِ / بِذَبْحٍ وَلَوْ لَمْ يَفْدِهِ شُرِعَ الوَأْدُ
فلا تنْكِرُوا أن يحْرَمَ الحَرَمُ الغِنَى / وَساكِنهُ مِنْ فَخْرِهِ الفَقْرُ وَالزُّهْدُ
وقدْ فُدِيَتْ مِنْ مالِهِ خيرُ أُمَّةٍ / وَلَو خُيِّروا في ذلكَ الأمرِ لَمْ يَفْدُوا
فَوا عَجَباً حتى البِقاعُ كَرِيمَةٌ / لها مثلُ ما للساكِنِ الجاهُ وَالرِّفْدُ
فإنْ يَتَضَوَّع منه طِيبٌ بِطَيْبَةٍ / فما هو إِلَّا المَنْدلُ الرَّطْبُ وَالنَّدُّ
وَإنْ ذَهَبَتْ بالنارِ عنه زَخَارِفٌ / فما ضَرَّهُ منها ذَهابٌ وَلا فَقْدُ
أَلا رُبّما زادَ الحَبيبُ مَلاحَةً / إذَا شُقَّ عنه الدِّرْعُ وَانتَثَرَ العِقْدُ
وكم سُتِرَتْ لِلْحُسْنِ بالحَلْيِ مِنْ حُلىً / وكم جَسَدٍ غَطَّى مَحَاسِنَهُ البُرْدُ
وَأهْيَبُ ما يُلْقَى الحُسامُ مُجَرَّداً / وَرَوْنقُهُ أَنْ يظْهَرَ الصَّفْحُ وَالحدُّ
وَما تلكَ لِلإِسْلامِ إِلَّا بَواعِثٌ / على أنْ يجِلَّ الشَّوْقُ أوْ يَعْظُمَ الوَجْدُ
إلى تُرْبَةٍ ضَمَّ الأَمانَةَ وَالتُّقَى / بها وَالنَّدَى وَالفضْلَ مِنْ أَحْمَدٍ لَحْدُ
إلى سَيِّدٍ لم تأْتِ أُنْثَى بِمِثْلِهِ / وَلا ضَمَّ حِجْرٌ مِثْلُهُ لا وَلا مَهْدُ
وَلَمْ يمشِ في نَعْلٍ وَلا وَطِئَ الثَّرَى / شَبِيهٌ لَهُ في العالَمِينَ وَلا ندُّ
وَلَمْ تَخِدِ الكومُ العتاقُ بمثلِهِ / وَلا عَدَتِ الخَيْلُ المَسَوَّمَةُ الجُرْدُ
عَلِيمٌ كريمُ الخِيمِ ما فوقَ عِلْمِهِ / وَلا مَجْدِهِ عِلْمٌ يُرَامُ وَلا مَجْدُ
نبيُّ هُدىً أَهْدَى به اللَّهُ رَحْمَةً / لنا لَمْ يَنَلْهَا السَّعْيُ منَّا وَلا الْكَدُّ
وبَصَّرَهُ حتى رأى كلَّ غائبٍ / وصار سواءً عندهُ القُرْبُ وَالبُعْدُ
وحتى رأَى ما خَلْفَهُ وَهو مُقْبِلٌ / بِقَلْبٍ تساوَى عندهُ النَّومُ والسُّهْدُ
فيا لَيْلَة أَسْرَى الإِلهُ بِعَبْدِهِ / لقد نالَ فيه ما يُؤَمّلهُ العَبْدُ
وفاءٌ وَلا وعْدٌ وَوُدٌّ ولا قِلىً / وقُرْبٌ ولا بُعْدٌ ووصْلٌ وَلا صَدُّ
وجاءهُم بالبيِّنَاتِ التي بَدَتْ / براهنها كالشَّمسِ لَمْ يُخْفِها الجَحْدُ
وذِكْرٍ حَكَى معْناه في الحُسْنِ لَفْظُهُ / ويُشْبِهُ ماءَ الورْدِ في طِيبِهِ الورْدُ
وقد أُحْكِمَتْ آياتُهُ وتشابَهَتْ / فَلِلْمُبْتَدِي وِرْدٌ وَلِلْمُنْتَهِي وِرْدُ
وإنْ كانَ فيها كالنُّجومِ تَناسخٌ / فطالِعُهَا سَعْدٌ وغاربُها سعْدُ
وَإنْ قَصُرتْ عَنْ شَأْوِهَا كلُّ فِكْرَةٍ / فَلَيْسَتْ يَدٌ للأنْجُمِ الزُّهْرِ تَمْتَدُّ
فلمَّا عَمُوا عنها وصَمُّوا أَراهُم / سُيوفاً لها بَرْقٌ وَخَيْلاً لها رَعْدُ
وَمَنْ لَمْ يَلِنْ منهُ إلى الحَقِّ جانِبٌ / بِقَولٍ أَلانَتْ جَانِبَيهِ القَنا المُلْدُ
وقد يُعْجِزُ الدَّاءُ الدَّواءَ مِن امرِئٍ / وَيَشْفِيهِ مِنْ داءٍ به الكيُّ والفَصْدُ
فَغَالَبَهمْ قَوْمٌ كَأَنَّ سِلاحَهُمْ / نُيُوبٌ وَأظْفَارٌ لهُمْ فَهُمُ أُسْدُ
ثِقاتٌ مِنَ الإِسلامِ إنْ يَعِدُوا يَفُوا / وإنْ يُسْأَلُوا يُهْدُوا وإنْ يُقْصَدُوا يُجْدُوا
وَأَمَّا مَكانُ الصِّدقِ منهم فإنّه / مقالُهُم وَالطَّعْنُ والضَّرْبُ والوعدُ
إذا درَعُوا كانتْ عُيُونُ دُرُوعِهِم / قلوباً لها في الرَّوْعِ مِنْ بَأْسِهِمْ سَرْدُ
يَشُوقُكَ منهم كلُّ عِلْمٍ وَنَجْدَةٍ / تَحَلَّتْ بِكلٍّ مِنهُما الشِّيبُ وَالمُرْدُ
بهاليل أمَّا بَذْلُهُمْ فِي جِهادِهمْ / فأنْفُسُهُم وَالمالُ والنُّصْحُ وَالْحَمْدُ
فللَّهِ صِدِّيقُ النبيِّ الَّذي لهُ / فضائلُ لمْ يُدْرَكْ بِعَدٍّ لها حَدُّ
فإنْ يَتَخَلَّلْ بالعباءَةِ إنه / بذلك في خُلَّاتِهِ العَلَمُ الفَرْدُ
ومَنْ لَمْ يَخَفْ في اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ / وَلَمْ يُعْيِهِ قِسْطٌ يُقامُ وَلا حَدُّ
وَلا راعَهُ في اللَّهِ قَتْلُ شَقِيقِهِ / ألا هكذا في اللَّهِ فلْيَكُن الجَلْدُ
ومنْ جَمَعَ القرآنَ فاجْتَمَعَتْ به / فضائلُ منهُ مِثْلَ مَا اجْتَمَعَ الزُّبْدُ
وجَهَّزَ جَيشاً سار في وقت عُسْرَةٍ / تَعَذَّرَ مِنْ قوتٍ به الصَّاعُ والمُدُّ
وَمَنْ لَمْ يُعَفَّر كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ / جَبينٌ لغيرِ اللَّهِ منه ولا خَدُّ
فَتَى الحَربِ شَيخُ العِلْمِ وَالحِلْمِ وَالحِجَى / عَلِيُّ الذي جَدُّ النبيِّ لهُ جَدُّ
ومَن كانَ مِنْ خيرِ الأَنَامِ بِفَضلِهِ / كهارونَ مِن موسَى وذلِكُمُ الجَدُّ
إذا غَمَزَتْ كَفُّ الخطوبِ قَناتَهُ / تَوَهَّمْتَ أَنَّ الخَطْبَ ليس لهَ زَنْدُ
وإنْ عَجَمَتْ أَفواهُها عُودَ بأْسِهِ / أَفادَتْكَ عِلْماً أنَّ أَفواهَها دُرْدُ
يُوَرِّدُ خَدَّيْهِ الجِلادُ وسَيْفَهُ / فذَاكَ إذَا شَبَّهْتَهُ الأَسَدُ الوَرْدُ
وعِنْدِي لكمْ آل النبيِّ مَوَدَّةٌ / سَلَبْتُمْ بها قلبي وصارَ له عِنْدُ
عَلَى أنَّ تَذْكَارِي لِمَا قدْ أَصابكم / يُجَدِّدُ أَشجاني وإنْ قَدُمَ العَهْدُ
فِدىً لكُم قَوْمٌ شَقُوا وَسَعِدْتُمُ / فدارُهُمُ الدُّنيا ودارُكم الخلدُ
أَتَرجونَ مِن أَبناءِ هِند مَوَدَّةً / وَقَد أَرضَعتهُم دَرَّ بِغضَتِها هِندُ
فَلا قَبِلَ الرَّحْمنُ عُذْرَ عُداتِكم / فإنهم لا يَنْتَهُون وإنْ رُدُّوا
إليكَ رسولَ اللَّهِ عُذْرِي فإنَّني / بِحُبِّكَ في قَوْلِي ألِينُ وَأَشْتَدُّ
فإنْ ضاعَ قَوْلِي في سِوَاكَ ضلالَةً / فما أنَا بالماضي مِنَ القَوْلِ مُعْتَدُّ
وَمَا امْتَدَّ لِي طَرْفٌ ولا لانَ جَانِبٌ / لِغَيْرِكَ إلا ساءني اللِّينُ والمَدُّ
أأشْغَلُ عَنْ رَيْحَانَتَيْكَ قَرِيحَتِي / بِشيحٍ ورَنْدٍ لا نَما الشِّيحُ وَالرَّنْدُ
وأَدْعُو سِفاهاً غيرَ آلِكَ سادتي / وهلْ أنا إنْ وُفِّقتُ إِلَّا لهُمْ عَبْدُ
فلا راحَ مَعنِيّاً بِمَدْحِيَ حاتِمٌ / ولا عُنِيَتْ هند بِحبِّي ولا دَعْدُ
ولا هَيَّجَتْ شَوْقِي ظِباءٌ بِوَجْرَةٍ / ولا بَعَثَتْ وصْفِي نَقَانِقُها الرُّبْدُ
ويا طِيبَ تَشْبِيبي بِطَيْبَةَ لا ثَنَى / عِنانَ لِساني عنكَ غَوْرٌ ولا نَجْدُ
فَهَبْ لِي رسولَ اللَّهِ قُرْبَ مَوَدَّةٍ / تَقَرُّ بِهِ عَيْنٌ وتَرْوَى بِهِ كبدُ
وإني لأَرْجو أنْ يُقَرِّبَني إِلَى / جَنَابِكَ إرُقالُ الرَّكائِبِ والوخْدُ
وَلَولا وُثُوقِي منكَ بالفوزِ في غَدٍ / لما لذَّ لِي يَوْماً شَرابٌ ولا بَرْدُ
عَلَيْكَ صلاةُ اللَّهِ يُضْحِي بطيبَةٍ / لَدَيْكَ بها وفْدٌ ويُمْسِي بها وفْدُ
ودامَتْ كأَنْفَاسِ الوَرَى في تَرَدُّدٍ / عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ التَّحِيَّةُ والرَّدُّ
كَتَبَ المَشِيبُ بأَبْيَضٍ في أَسْوَد
كَتَبَ المَشِيبُ بأَبْيَضٍ في أَسْوَد / بغْضاءَ ما بَيني وبينَ الخُرَّدِ
خَجِلَتْ عُيُونُ الحُورِ حِينَ وصَفْتُها / وصْفَ المَشيبِ وقُلْنَ لِي لا تَبْعَدِ
ولِذاكَ أَظْهَرَتِ انْكِسَارَ جُفُونها / دَعْدٌ وآذَنَ خَدُّها بِتَوَرُّدِ
يا جِدَّةَ الشَّيْبِ الَّتِي ما غادَرَت / لِنُفُوسِنا مِنْ لَذَّةٍ بمجدَّدِ
ذَهَب الشَّبابُ وسَوْفَ أذْهَبُ مِثْلَما / ذَهَبَ الشبابُ وما امرؤٌ بِمُخَلَّدِ
إنَّ الفَنَاءَ لكلِّ حَيٍّ غايَةٌ / مَحْتُومَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فكأَنْ قَدِ
وارَحْمَتا لِمُصَوِّرٍ مَتَطَوِّر / في كلِّ طَوْرٍ صورَةَ المُتَردِّدِ
قَذَفَتْ به أَيْدِي النَّوَى مِنْ حالِقٍ / سامِي المَحَلِّ إلى الحَضيضِ الأوهَدِ
مُسْتَوْحِشٍ فِي أُنْسِهِ مُتعاهِدٍ / بحنِينِهِ شَوْقَاً لأَوَّلِ مَعْهَدٍ
مَنَعَتْهُ أَسبابٌ لَدَيْهِ رجُوعَهُ / فاشتاقَ للأَوْطان شَوْقَ مُقَيَّدِ
يا لَيْتَهُ لَوْ دامَ نَسْياً ما لَهُ / مِنْ ذاكِرٍ أوْ أنهُ لم يُولَدِ
حَمَلَ الهَوَى جَهْلاً بأَثْقَالِ الهَوَى / مُسْتَنْجِداً بعزيمةٍ لم تُنْجِدِ
ما إنْ يَزالُ بما تَكَلَّفَ حَمْلَهُ / في خُطَّتَي خَسْفٍ يَرُوحُ وَيَغْتَدِي
غَرضاً لأَمْرٍ لا تَطيشُ سِهامُهُ / ومُعَرَّضاً لِمُعَنِّفٍ ومُفَنِّدِ
وَخَلِيفَةٍ في الأرضِ إِلَّا أنَّه / مُتَوَعِّدٌ فيها وعيدَ الهُدْهُدِ
وَجَبَ السُّجُودُ لهُ فلما أنْ عصى / قالت خطيئَتُهُ لهُ اركعْ واسْجُدِ
وَنَبَتْ به الأوطان فهْوَ بِغُرْبَةٍ / ما بينَ أعداءٍ يَسيرُ وحُسَّدِ
أنفاسه تُحصَى عليه وعلم ما / يفضى إليه غدا له حُكمُ الغدِ
أبَداً تَرَاهُ واجِداً أَوْ عادِماً / في حَيْرَةٍ لَقْطَاتُها لم تُنْشَدِ
يُمسِي ويُصْبِحُ مُتْهِماً أَوْ مُنْجِداً / لِمعادِهِ معَ مُتْهِمٍ أَوْ مُنْجِدِ
يَرْمِي به سَهْلاً وَوَعْراً زاجِراً / بَطْنُ المِسَنِّ به كَظَهْرِ المِبْرَدِ
مُتَخَوِّفاً منه المصيرَ لِمَنْزِلٍ / مُسْتَوْبِل المَرْعَى وبيل المَوْرِدِ
ما إنْ رأى الجاني به أَعْمالَه / إِلَّا تَمَنَّى أنَّه لَم يولَدِ
حَسْبي لَهُ حُبُّ النبيِّ وآلِهِ / عِنْدَ الإِلهِ وسيلَةً لَمْ تُرْدَدِ
فإذا أجَبْتَ سؤالَهَ فِي آلِهِ / سَل تُعْطَ واسْتَمْدِد فَلاحاً تُمْدَدِ
وأْمَنْ إذا قامَ النبيُّ مَقَامَهُ ال / مَحْمُودَ في الأمرِ المُقيمِ المُقْعِدِ
وتَزَوَّدِ التَّقْوَى فإن لم تستطعْ / فمِنَ الصلاة على النبيِّ تَزَوَّدِ
صلّى عليه اللَّهُ إن صلاةَ مَنْ / صلّى عليه ذَخيرةٌ لم تَنْفَدِ
واسمَعْ مَدائحَ آلِ بيتِ المصطفى / مِنى ودونَكَ جَمْعُها في المُفرَدِ
صِنوُ النبيِّ أَخُو النبيِّ وزِيرُهُ / وَوَليُّهُ فِي كلِّ خَطْبٍ مُؤْيِدِ
جَدُّ الإِمامِ الشَّاذِليِّ المُنْتَمي / شَرَفاً إليهِ لِسَيِّدِ عَنْ سَيِّدِ
أسماؤُهم عِشْرُونَ دُونَ ثَلاثَةٍ / جاءتْ على نَسَقٍ كأحْرُفٍ أَبْجَدِ
لِعلِيّ الحَسَنُ انْتَمَى لِمُحمَّدٍ / عيسى وسِرُّ مُحَمَّدٍ في أَحْمَدِ
وَاخْتارَ بَطَّالٌ لِورْدٍ يُوشَعاً / وبِيُوسُفٍ وافَى قُصَيٌّ يَقْتَدِي
وبِحاتمٍ فُتِحَتْ سِيادَةُ هُرْمُزٍ / وغَدا تَمِيمٌ لِلْمَكَارِمِ يَهْتَدِي
وبِعَبْدِ جَبَّارِ السمواتِ انْتَضَى / لِلْفَضْلِ عبد اللَّهِ أيَّ مُهَنَّدِ
وأتَى عَليٌّ في العُلا يَتْلُوهم / فاختِمْ به سُوَرَ العُلا والسُّؤْدُدِ
أعْنِي أَبا الحَسَنِ الإِمامَ المُجْتَبَى / مِنْ هَاشِمٍ والشَّاذِليَّ المَوْلِدِ
إنَّ الإِمامَ الشَّاذِليَّ طَرِيقُهُ / فِي الفَضْلِ واضحَةٌ لِعَيْنِ المُهْتَدِي
فانْقُلْ ولوْ قَدَماً عَلَى آثارِهِ / فإذَا فَعَلْتَ فَذاكَ آخَذُ بالْيَدِ
واسْلُكْ طَرِيقَ مُحَمَّدِيِّ شَرِيعَةٍ / وَحَقِيقةٍ ومُحَمَّديِّ المَحْتِدِ
مِنْ كلِّ ناحِيَةٍ سَنَاهُ يَلوحُ مِن / مِصْبَاحِ نورِ نُبُوَّةٍ مُتَوَقِّدِ
فَتْحٌ أتى طُوفانُهُ بِمَعَارِفٍ / تَنُّورُها جُودِيُّ كلِّ مُوَحِّدِ
قد نالَ غَايَةَ ما يَرُومُ المُنْتَهِي / مِنْ رَبِّهِ وَلهُ اجتهادُ المُبْتَدِي
مُتَمَكِّنٌ في كلِّ مَشْهَدِ دَهْشَةٍ / أَوْ وَقْفَةٍ ما فَوْقَهَا مِنْ مَشْهَدِ
مَنْ لا مَقَامَ لَهُ فإنَّ كمالَهُ / لِلنَّاسِ يُرْجِعُهُ رُجُوعَ مُقَلِّدِ
قُلْ لِلْمُحَاوِلِ في الدُّنُوِّ مَقَامَهُ / ما العَبْدُ عندَ اللَّهِ كالمُتَعَبِّدِ
وَالفضلُ ليسَ يَنالُهُ مُتَوَسِّلٌ / بِتَوَرُّعٍ حَرِجٍ وَلا بِتَزَهُّدِ
إنْ قَالَ ذاكَ هُوَ الدَّوَاءُ فَقُلْ لهُ / كُحْلُ الصَّحِيحِ خِلافَ كُحْلِ الأرْمَدِ
يَمْشي المُصَرِّفُ حيثُ شَاءَ وغيْرُهُ / يمشِي بحُكْمِ الحَجْرِ حُكْمَ مُصَفَّدِ
مَنْ كانَ منكَ بمنْظَرٍ وَبِمَسْمَعٍ / أيُحَالُ منه عَلَى حدِيثٍ مُسْنَدِ
لِكِلَيْهِمَا الحُسْنَى وَإنْ لم يَسْتَوُوا / في رُتْبَةٍ فَقَد اسْتَوَوْا في الموْعِدِ
كلٌّ لِما شاء الإِلهُ مُيَسَّر / والنَّاسُ بَيْنَ مُقَرَّب وَمُشَرَّدِ
وإذَا تَحَقَّقَتِ العنايَةُ فاسْتَرِحْ / وإذَا تَخَلَّفَتِ العنايةُ فاجْهَدِ
أَفْدِي عَلِيّاً في الوجودِ وَكلُّنَا / بِوُجودِهِ مِنْ كلِّ سوءٍ نَفْتَدِي
قُطْبُ الزَّمانِ وغَوْثُهُ وإمامُهُ / عَيْنُ الوجُودِ لسانُ سِرِّ المُوجِدِ
سادَ الرِّجالَ فَقَصَّرَتْ عَنْ شَأْوِهِ / هِمَمُ المُؤَوِّبِ لِلْعُلا وَالمُسْئِدِ
فَتَلَقَّ ما يُلْقِي إليكَ فَنُطْقُهُ / نُطْقٌ بِرُوحِ القُدْسِ أَيُّ مُؤَيِّدِ
إمَّا مَرَرْتَ على مكانِ ضَرِيحِهِ / وَشَمِمْتَ رِيحَ النَّدِّ مِنْ تُرْبِ النَّدِ
وَرأيتَ أرْضاً فِي الفَلا مُخْضَرَّةً / مُخْضَلَّةً منها بِقاعُ الفَدفَدِ
والوحشُ آمِنَةٌ لَدَيهِ كَأَنَّها / حُشِرَتْ إلى حَرمٍ بأَوَّلِ مَسْجِدِ
وَوَجدْتَ تَعْظِيماً بِقَلْبِكَ لَوْ سَرَى / في جَلْمَدٍ سَجَدَ الوَرَى لِلجَلمَدِ
فَقُلِ السَّلامُ عليكَ يا بَحْرَ النَّدَى ال / طامِي ويا بَحْرَ العلومِ المُزْبِدِ
يا وارثاً بالفَرْضِ عِلْمَ نَبِيِّهِ / شَرَفاً وبالتَّعْصِيبِ غيرَ مُفَنَّدِ
الْيَوْمَ أَحْمَدُ مِنْ عَلِيٍّ وارِثٌ / حَظَّي عَلِيٍّ مِنْ وِراثَةِ أَحْمَدِ
يُعزَى الإِمامُ إلَى الإِمامِ وَيَقْتَدِي / للمُقْتَدى بِهُدَاهُ فضلُ المُقْتَدِي
وَالمَرءُ في مِيراثِهِ أتْبَاعُهُ / فاقْدِرْ إِذَنْ فضلَ النبيِّ مُحَمَّدِ
خيرِ الوَرَى صلَّى عليه اللَّه ما / صَدَعَ الأَسَى قَلْبَاً بِسَجْعِ مُغَرِّدِ
وسَرَى السُّرُورُ إلَى القلوبِ فَهَزَّها / مَسْرَى النَّسيمِ إلَى القَضيبِ الأمْلَدِ
شَوْقاً لِمُرْسِيَةٍ رَسَتْ آساسَها / بعَلِي أَبي العَبَّاسِ فَوْقَ الفَرْقَدِ
اليَوْمَ قَامَ فَتَى عَلِيٍّ بَعْدَهُ / كَيمَا يُبَلِّغَ مُرْشِداً عَنْ مُرْشِدِ
فكأَنَّ يُوشَعَ بعدَ موسى قائمٌ / بِطَرِيقِهِ المُثْلَى قِيامَ مُؤَكِّدِ
فليقصِدِ المُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلِهِ / دارَ البقاءِ مِنَ الطَّرِيقِ الأَقْصَدِ
فإذَا عزمْتَ على اتِّباعِ سَبِيلِهِ / فَاسْمَعْ كلامَ أَخِي النَّصيحَةِ ترْشُدِ
فنِظَامُ أعْمَالِ التُّقَى آدَابُها / فاصْحَب بها أهْلَ التُّقَى والسُّؤْدَدِ
وَتَجَنَّبِ التَّأْوِيلَ في أقْوالِ مَنْ / صاحَبْتَ مِنْ أهْلِ السعادَةِ تَسْعَدِ
قدْ فرَّقَ التأوِيلُ بَيْنَ مُقَرَّبٍ / يَوْمَ السُّجُودِ لآدَمٍ ومُبَعَّدِ
وَحَذارِ أنْ يَثِقَ المُرِيدُ بِنَفْسِهِ / وَاحْزِمْ فما الإِصْلاحُ شَأْنُ المُفْسِدِ
فالوَصْفُ يَبْقَى حُكْمُهُ مَع فَقْدِهِ / وَالمَرْءُ مَرْدُودٌ إذَا لَمْ يُفْقَدِ
إنَّ الضَّنِينَ بِنَفسِهِ فِي الأرضِ لا / يَلْوِي عَلَى أَحَدٍ وليسَ بمُصعِدِ
ويظُنُّ إنْ رَكَدَتْ سفينَتُهُ عَلَى / أمْوَاجِها ورِياحِها لَمْ تَرْكُدِ
فاصْحَبْ أَبا العَبَّاسِ أحمدَ آخِذاً / يَدَ عارِفٍ بِهَوَى النُّفُوسِ مُنَجِّدِ
فإذَا سَقَطْتَ عَلَى الخَبير بِدَائها / فَاصْبِرْ لِمُرِّ دَوَائِهِ وَتَجَلَّدِ
وإذَا بَلَغْتَ بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ مِنْ / عِلْمَيْهِ فانْقَعْ غُلَّةَ القَلْبِ الصَّدِي
فَمَتى رَأى مُوسى الإِرادَةَ عِندَهُ / خِضرُ الحقيقةِ نَالَ أَقصى المَقصدِ
وإذَا الفَتَى خُرِقَتْ سَفِينَةُ جِدِّهِ / لَنَجَاتِهَا وجَدَ الأَسَى غيرَ الدَّدِ
وتَبَدَّلَتْ أَبَوا الغُلامِ بِقَتْلِهِ / بأبرَّ مِنهُ لِوَالِدَيْهِ وأَرْشَدِ
وَأُقِيمَ مُنْتَقَضُ الجِدارِ وَتَحْتَهُ / كَنْزُ الوُصُولِ إِلى البقاءِ السَّرْمَدِي
فلْيَهنِ جَمْعاً في الفِراقِ ووُصْلةً / مِنْ قاطِعٍ وترَقِّياً مِنْ مُخْلِدِ
مُغْرىً بِقَتْلِ النَّفْسِ عَمْداً وهْوَ لا / يُعْطَى إلى القَوَدِ القِيادَ ولا الْيَدِ
للَّهِ مَقْتُولٌ بِغَيرِ جِنايَةٍ / كَلِفٌ بِحُبِّ القاتِلِ المُتَعَمِّدِ
ما زالَ يَعْطِفُها عَلَى مَكْرُوهِها / حتَّى زَكَتْ وَصَفَتْ صفَاءَ العَسْجَدِ
وأُجِيبَ داعِيها لِرَدِّ مُشَرَّدٍ / مِنْ أمْرِها طَوْعَاً وَجمْعِ مُبَدَّدِ
لَمْ تَتْرُكِ التَّقْوَى لها مِنْ عادَةٍ / أُلِفَتْ ولا لِمَريضها مِنْ عُوَّدِ
فَلْيَهْنِ أَحْمَدَ كيمياءُ سَعَادَةٍ / صَحَّتْ فلا نارٌ عليه تَغْتَدِي
جَعَلَتْهُ لَمْ يَرَ لِلْحَقيقةِ طالباً / إِلَّا يَمُدُّ إليهِ راحَةَ مُجْتَدِي
كلٌّ يَرُوحُ بِشُرْبِ راحِ عُلُومِهِ / طَرَباً كَغُصْنِ البانَةِ المُتأَوِّدِ
ضَمنَ الوقارَ لها اعْتدالُ مِزاجِها / فَشَرَابُها لا يَنْبَغِي لِمُعَرْبِدِ
فَضَحَتْ مَعارِفُها مَعارِفَ غَيرِها / والزَّيْفُ مَفْضُوحٌ بِنَقْدِ الجَيِّدِ
كَشَفَتْ لهُ الأَسْماعُ عَنْ أَسرارِها / فإذَا الوُجُودُ لِمقْلَتَيهِ بِمَرْصَدِ
وأَرَتْهُ أسبابَ القضاء مُبِينَةً / للمستَقيمِ بِعِلْمِها وَالمُلْحِدِ
تَأبَى علُومُكَ يا فَتَى غَيْرَ التي / هيَ فَتْحُ غَيْبٍ فَتْحُهُ لَمْ يُسدَدِ
قُل لِلَّذينَ تَكلَّفوا زِيَّ التُّقى / وَتَخيَّروا لِلدَّرسِ أَلفَ مُجَلَّدِ
لا تَحْسَبُوا كُحْلَ العُيُونِ بِحِيلةٍ / إنَّ المَهَا لَمْ تَكْتَحِلْ بالإِثْمِدِ
ما النَّحْلُ ذَلَّلَتِ الهِدَايَةِ سُبْلَها / مِثْلَ الحَمِيرِ تَقُودُها لِلْمَوْرِدِ
مَنْ أَمْلَتِ التَّقْوَى عليهِ وأَنْفَقَتْ / يَدُهُ مِنَ الأَكوانِ لا مِنْ مِزْوَدِ
وأَبِيكَ ما جَمَعَ المَعالِيَ وادِعاً / جَمْعَ الأُلوفِ مِنَ الحِسابِ عَلَى اليَدِ
إلَّا أبو العبَّاسِ أَوْحَدُ عَصْرِهِ / أكْرِمْ به فِي عَصرِهِ مِنْ أَوْحَدِ
أفْنَتْهُ فِي التَّوْحِيدِ هِمَّةُ ماجِدٍ / شَذَّتْ مَقَاصِدُها عَنِ المُتَشَدِّدِ
ساحَتْ رجالٌ في القِفَارِ وإنّه / لَيَسِحُ في مَلَكُوتِ طَرْفٍ مُسْهَدِ
ولهُ سرائرُ في العُلا خَطَّارَةٌ / خَطَّارُها ورِكابُها لم تُشْدَدِ
فالمستقيم أخو الكَرَامَةِ عندَهُ / لا كلُّ مَنْ رَكِبَ الأُسودَ بأسْوَدِ
وَأجَلُّ حالِ مُعاملٍ تَبَعِيَّة / أُخِذَتْ إلى أَدَبِ المُرِيدِ بِمِقْوَدِ
فأَتى مِنَ الطُّرقِ القَرِيبِ مَنَالُها / وأتى سِواهُ مِنَ الطَّرِيقِ الأَبْعَدِ
سَيْفٌ مِنَ الأَنْصَارِ ماضٍ حَدُّهُ / فاضرِبْ بهِ في النَّائِبَاتِ وهَدِّدِ
أُثْنِي عليه بِبَاطِنٍ وبِظاهِرٍ / لا سِرَّ منه بِمُغْمَدٍ ومُجَرَّدِ
مِنْ مَعْشَرٍ نَصَرُوا النبيَّ وسابَقوا / مَعَهُ الرِّيَاحَ بِكلِّ نَهْدٍ أَجْرَدِ
وَثَنَوْا أَعِنَّتَهُمْ وقد تَرَكُوا العِدا / بالطَّعْنِ بَيْنَ مُجَدَّلٍ ومُقَدَّدِ
مِنْ كلِّ ذِمْرٍ كالصَّبَاحِ جَبِينُه / ذَرِبٌ بِخَوْضِ المُعْضِلاتِ مُعَوَّدِ
وبِكَلِّ أَسْمَرَ أَزْرَقٍ فُولاذُهُ / وبِكُلِّ أَبيضَ كالنَّجِيعِ مُوَرَّدِ
شَهِدَ النَّهَارُ لِفَاضِلٍ بمُسَدَّدِ / مِنْ رأيِه ولِطاعِنٍ بمُسَدِّدِ
وتَمَخَّضَتْ ظُلَمَ اللَّيَالِي منهمُ / عَنْ رُكَّعٍ لا يَسْأَمُونَ وسُجَّدِ
خافَ العَدُوُّ مَغِيبَهُم لِشُهُودِهِم / والموتُ يَكْمُنُ فِي الحُسامِ المُغْمَدِ
السَّاتِروا العَوْرَاتِ مِنْ قَتْلَى العِدا / يَوْمَ الحَفيظَةِ بالقَنا المُتَقَصِّدِ
والطَّاعِنُوا النَّجلاءَ يُدْخِلُ كَفَّهُ / في إثْرِها الآسي مكانَ المِرْوَدِ
سَلْ مِنْ سَلِيلِهمُ سُلوكَ سَبيلِهِمْ / يُرْشِدْكَ أحمدُ للطَّرِيقِ الأحمدِ
مُسْتَمْطِراً بَرَكاتِهِ مِنْ رَاحَةٍ / أنْدَى مِنَ الغَيثِ السَّكُوبِ وأَجْوَدِ
فَمَوَاهِبُ الرَّحْمنِ بين مُصَوَّبٍ / منها لِراجِي رحمَةٍ ومُصَعَّدِ
يا مَنْ أَمُتُّ لهُ بِحِفظِ ذِمامِهِ / وبِحُسْنِ ظنِّي فيهِ لِي مُسْتَعْبِدِي
مَوْلايَ دُونَكَ ما شَرَحْتُ بِوَزْنِهِ / وَرَوِيِّهِ قَلْبَ الكئيبِ الأكْمَدِ
فاقبَل شِهابَ الدِّينِ عُذْرَ خَرِيدَةٍ / عَذْرَاءَ تُزْرِي بالعَذَارَى النُّهَّدِ
مَعْسُولَةٍ ألفاظُها مِنْ كامِلٍ / أَبرِد حَشىً مِنْ رِيقِها بِمُبَرَّدِ
طَلَعَتْ مَجَرَّةُ فضلها بِكَواكِبٍ / دُرِّيَّةٍ مَحْفُوفَةٍ بالأَسْعدِ
رَامَ اسْتِرَاقَ السَّمْعِ منها مارِدٌ / لَمَّا أتَتْكَ فَلَمْ يَجِدْ مِنْ مَقْعَدِ
مِنْ مَنْهَلٍ عَذْبٍ صَفا سلْسَالُهُ / لا مِنْ صَرىً يَشْوِي الوُجُوهَ مُصَرَّدِ
بَعَثَتْ إليكَ بها بواعِثُ خاطِرٍ / مُتَحَبِّبٍ لِجَنابِكُمْ مُتَوَدِّدِ
صادَفْتُ دُرّاً مِنْ صِفاتِكَ مُثْمَناً / فأَعَرْتُهُ منِّي صفَاتِ مُنَضِّدِ
جاءتْ تُسَائِلُكَ الأمانَ لِخائفٍ / مِنْ رِبْقَةٍ بِذُنُوبِهِ مُتَوَعِّدِ
فاضْمَنْ لها دَرْكَ المعادِ ضمانَها / بالفَوْزِ عنكَ لِسَامِعٍ وَلِمُنْشِدِ
فإذا ضَمِنْتَ لهُ فليسَ بِخائِفٍ / مِنْ مُبْرِقٍ يَوْماً ولا مِنْ مُرْعِدِ
جاهُ النبيِّ لِكُلِّ عاصٍ واسِعٌ / والفضلُ أَجدرُ باقتراحِ المُجتَدِي
أهلُ التُّقَى والعِلمِ أهلُ السُّؤْدُدِ
أهلُ التُّقَى والعِلمِ أهلُ السُّؤْدُدِ / فأَخُو السِّيَادَةِ أحمدُ بنُ مُحَمَّدِ
الصاحبُ ابن الصاحب ابن الصاحب ال / حبْرُ الهُمَامُ السَّيِّدُ ابنُ السَّيِّدِ
لا تُشْرِكَنَّ به امرأ في وَصْفِهِ / فتكونَ قد خالفْتَ كلَّ مُوَحِّدِ
الشَّمسُ طالعةٌ فهل من مُبْصِرٍ / والحَقُّ مُتَّضِحٌ فهل من مُهْتَدِي
إنَّ الفَتَى مَنْ سَوَّدَتْهُ نفْسُهُ / بالفضلِ لا مَنْ سادَ غيرَ مُسوَّدِ
والناسُ مُخْتَلِفُوا المذاهِبِ في العُلا / والمَذْهَبُ المُخْتارُ مذْهَبُ أحمدِ
وفَّى عُلومَ الأوّلين حُقوقَها / والآخِرِينَ وَفاءَ مَنْ لم يَجْحَدِ
فكأنَّه فينا خليفةُ آدمٍ / أوْ آدَمٌ لو أنَّهُ لم يُولَدِ
أفضَى به علْمُ اليَقِينِ لعَيْنِهِ / وَرَآهُ حَاسِدُهُ بعَيْنَيْ أَرْمَدِ
كُشِفَ الغِطَاءُ لهُ فليسَ كحائرٍ / في دينِهِ مِنْ أَمْرِهِ مُتَرَدّدِ
قد كانَ يَحكمُ في الأُمورِ بِعِلْمِهِ / شَهِدَ المُحقُّ لديْهِ أَمْ لم يَشْهَدِ
لولا يُخاطِبُنَا بِقَدْرِ عُقُولِنَا / جَاءتْ معارفُهُ بما لم نَعْهَدِ
ورِثَ النُّبُوَّة فَلْيَقُم كَقِيامِهِ / مَنْ حَاوَلَ الميراثَ أَوْ فَلْيَقْعُدِ
فلِسَانُهُ العَضْبُ الحُسامُ المَنْتَضَى / وَبَيَانُهُ بَحْرٌ خِضَمُّ المُزْبِدِ
وَبَصِيرَةٌ باللَّهِ يُشْرِقُ نورُها / ويُضِيءُ مثلَ الكَوْكَبِ المُتَوَقِّدِ
وخَلائِق ما شابَها مَنْ شانَها / فأتَتْ كماءِ المُزْنِ في قَلْبِ الصَّدِي
فَلِبَابِ زَيْنِ الدِّينِ أحمدَ فلْيَسِر / مَنْ كانَ بالأَعْذَار غيرَ مُقَيَّدِ
هوَ كعْبَةُ الفضلِ الذي قُصَّادُهُ / قد حَقَّقُوا منه بُلوغَ المَقْصِدِ
لَمَّا وَرَدْتُ عَلَى كَرِيمِ جَنَابِهِ / فوَرَدْتُ بَحْرَ الْجُودِ عَذْبَ المَوْرِدِ
ورَأَيْتُ وَجْهَاً أَشْرَقَتْ أَنْوَارُهُ / فأَضَاءَ مثلَ الكوكَبِ المُتَوَقِّدِ
أعْرَضْتُ عَنْ لهْوِ الحَدِيثِ وقُلْتُ يا / مَدْحَ الوَرَى عنِّي فمَا أَنَا مِنْ دَدِ
وَعَزَمْتُ في يَوْمِي عَلَى العَمَلِ الّذي / ألقاهُ لي نعْمَ الذَّخيرةُ في غَدِ
مَدْحٌ إذَا أعْمَلْتُ فيه مِقْوَلِي / جَاهَدْتُ عن دينِ الهُدَى بِمُهَنَّدِ
أَبْقَى لهُ الذِّكْرَ المُخَلَّدَ عِلْمُهُ / أنْ ليس في الدُّنْيَا امرُؤٌ بِمُخَلَّدِ
فَاسْتُنْفِدَتْ بوجودِهِ آمالُهُ / وَاخْتَارَ عندَ اللَّهِ ما لم يَنْفَدِ
شُغِفَتْ بِهِ الدُّنْيَا وآثَرَ أُخْتَهَا / حُبَّاً فَأَوْهَمَ رَغْبَةً بِتَزَهُّدِ
وأتى عليها جُودُه فكأَنّها / لهَوانِهَا في نفسه لم تُوجَدِ
فإذَا نَظَرْتَ إلى مقاصِدِهِ بهَا / أَبْدَتْ إليكَ حَقيقةَ المُتَجَرِّدِ
كلِفٌ بمَا يَعْنِيهِ مِنْ إسعادِ ذِي ال / حَاجَاتِ في الزَّمَنِ القَليلِ المُسْعِدِ
يَطْوِي مِنَ التَّقْوَى حَشَاهُ عَلَى الطَّوَى / وَيَبِيتُ سَهْرَانَاً مُقَضَّ المَرْقَدِ
وَيَغُضُّ مِنْ مَغْسُولَتَيْنِ بِدَمْعِهِ / مَكْحُولَتَيْنِ مِنَ الظَّلامِ بإثْمِدِ
عَوِّلَ عليه في الأُمورِ فإنَّهُ / أهلُ الغَرِيبِ وبَيْتُ مالِ المُجْتَدِي
وَاسْتَمْطِرِ البركاتِ مِنْ دَعَوَاتِهِ / حيث استقَلَّ سحَابُ راحَتِهِ النَّدِي
واسمعْ لِمَا يُوحَى مِنَ الذِّكْرِ الَّذِي / يُشْجِي القلوبَ لَوَ انَّها مِنْ جَلْمَدِ
صَدَرَتْ جَواهِرُ لفظِهِ مِنْ باطِنِ / صافِي التُّقَى مِثْلِ الحُسامِ الْمُغْمَدِ
فأراكَهُ سِحر البيانِ مُنَضَّدَاً / بِيَدِ البَلاغَةِ وَهْوَ غيرُ مُنَضَّدِ
مُتَحَلِّياً بِجَوَامِعِ الكَلِمِ التي / يُعْنَى بها حَدِبٌ عناءَ تَجَلُّدِ
فالقَصُّ منه إذا أتَاكَ تَعَدَّدَتْ / منه المعاني وَهْوَ غيرُ مُعَدَّدِ
قُلْ لِلإِمَامِ المُقْتَدَى بِعُلُومِهِ / قد فَازَ مَنْ أَضْحَى بِرَأْيِكَ يَقْتَدِي
يَا مَنْ يُرَاعِي للفضيلةِ حَقَّهَا / لِتَلَذُّذٍ بِالفَضْلِ لا لِتَزَيُّدِ
لمْ تُصْغِ لِلْعُلَمَاءِ إِلَّا مِثْلَمَا / أَصْغَى سُلَيْمَانٌ لِقَوْلِ الهُدْهُدِ
عَجِبَتْ لِزُهْدِكَ في الوزارةِ مَعْشَرٌ / فأَجَبْتُهُمْ عَجَباً إذَا لم يَزْهَدِ
ما ضَرَّ حبرَاً قَلَّدَتْهُ أَئِمَّةٌ / أَن لم يكنْ لِمَنَاصِبٍ بمُبَلَّدِ
وإذا سما باسْمِ العلومِ فلا تَسَلْ / عَن حَطِّ نَفْس بالحَضِيضِ الأَوْهَدِ
ما المَجْدُ إِلَّا حِكْمَةٌ أُولِيتَهَا / يَنْحَطُّ عنها قدر كلِّ ممجَّدِ
يا رُتْبَةً لا تُرْتَقَى بِسَلالِمٍ / وسيادَةً ما تُشْتَرَى بالعَسْجَدِ
خيرُ المناصِبِ ما العُيُونُ كَلِيلَةٌ / عنه وما الأَيدِي له لمْ تُمْدَدِ
مَوْلايَ دونَكَ مِنْ ثنائِي حُلَّةٌ / تُبْلِي مِنَ الأَيّامِ كلَّ مُجَدَّدِ
جَاءَتْ مُسَارِعَةً إليكَ بِسَاعَةٍ / سَعِدَتْ مُطالِعَةً وإنْ لمْ تُرْصَدِ
يَوْمُ اتِّصَالٍ بالأَحِبَّةِ حَبَّذا / يَوْمٌ به انْقَطَعَتْ قلوبُ الحُسَّدِ
ما سُيِّرَتْ ما بَيْنَ يوسُفَ مِثْلَمَا / قد سُرَّ فيه أَحْمَدٌ بِمُحَمَّدِ
يا حَبَّذا مَدْحٌ لآِلِ مُحَمَّدٍ / دونَ التَّغَزُّلِ في غَزَالٍ أَغْيَدِ
إنَّ الجَلالَةَ مُنْذُ رُمْتُ مَدِيحَكم / لم تَرْضَ لي ذكرَ الحِسَانِ الخُرَّدِ
فاللَّهُ يَجْمَعُ شَمْلَكُمْ ساداتِنا / جَمْعَ السلامَةِ في نعيمٍ سَرْمَدِ
ما لِلنَّصَارَى إليَّ ذَنْبٌ
ما لِلنَّصَارَى إليَّ ذَنْبٌ / وإنَّما الذنبُ لِلْيَهودِ
وكيفَ تَفْضِيلُهُمْ وفيهمْ / سِرُّ الْخَنازِيرِ وَالقُرُودِ
بِقُبَّةِ قَبْرِ الشَّافِعِيِّ سَفِينَةٌ
بِقُبَّةِ قَبْرِ الشَّافِعِيِّ سَفِينَةٌ / رَسَتْ مِنْ بِنَاءٍ مُحْكَمٍ فَوْقَ جُلْمُودِ
وَمُذْ غاضَ طُوفانُ العُلُومِ بِمَوتِهِ اسْ / تَوَى الفُلْكُ في ذَاكَ الضَّرِيحِ عَلَى الجُودِيِّ