القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ظافِر الحَدّاد الكل
المجموع : 31
بمنازلِ الفُسْطاطِ حلَّ فؤادي
بمنازلِ الفُسْطاطِ حلَّ فؤادي / فارْبَعْ على عَرَصاتِهن ونادِ
يامصرُ هلْ عَرَضتْ لغصنٍ فوقهَ / قمرٌ لرَبْعِك أَوْبةٌ لِمَعاد
تَرِفٌ يُميِّله الصِّبا مَيْل الصَّبا / بقَوامِ خُوط البانة المَيّاد
أَتُرَى أَنالَ النِّيلَ بعضَ رُضابِه / فعَذُبْنَ منه مياهُ ذاك الوادي
فأَجاد منه طعمَه لكنّ ذا / يُرْوِى وذاك يَزيد كَرْبَ الصّادي
واهاً على تلك الرسوم فإنها / آثارُ أحبابي وأهلِ ودادي
فلقد أَحِنُّ لها ولَسْنَ منازلي / وأَوَدُّها شَغَفاً ولْسن بلادي
دِمنٌ لبستُ بها الشبابَ ولِمَّتِي / سَوداءُ تَرْفُل في ثياب حِداد
والعيشُ غَضٌّ والديارُ قريبةٌ / وأَبيتُ من أَملي على ميعاد
والقلبُ حيث القلبُ رَهْنٌ والظُّبا / حَدَقُ الظِّبا والغِيد قَيْدُ الغادي
شَتَّتُّ شملُ الدمعِ لما شَتَّتوا / شَمْلي وصِحْتُ به بَدادِ بَدادِ
فالآنَ تخترِقُ الدموعُ سَواكِبا / ما بينَ مثْنَى تَوْأَمٍ وفُرادِ
قانِي المَسيلِ كأنَّ فيضَ غُروبِه / فوقَ الخدود عُصارة الفِرْصاد
إذا ما جيوشُ القُرِّ جاءتْ فَرُمْ لها
إذا ما جيوشُ القُرِّ جاءتْ فَرُمْ لها / كمينا بأضعاف اللِّباس المحدَّد
ولا تُبعِد الكانونَ عنك فإنه / لأَمْنَعُها دِرْعا وَأَمْضَى مُهَنَّدِ
فما البرد إلا الليثُ يَلْقَى بعزمِه / جيوشاً وَيَخْشَى قُرْبَ أَصْغَرِ مَوْقِد
كأنّ جيوشَ الفحمِ من فوقِ جَمْرِه
كأنّ جيوشَ الفحمِ من فوقِ جَمْرِه / وقد جُمعا فاسْتُحْسِن الضِّدُّ بالضِّدِّ
غَدائرُ خَوْدٍ فَرَّقَتْها وقد بَدتْ / على خَفَرٍ من تحتها حمرةُ الخَدِّ
فلما تناهَى صبغهُ خِلتُ أنه / فصوصُ عَقيقٍ أو جَنَى زَهَر الورد
إلى أنْ حَكَى بعدَ الخمودِ رمادُها / غبارا من الكافور في قِطَع النَّدِّ
كأَنّ نجوم الليل لما تَبلَّجتْ
كأَنّ نجوم الليل لما تَبلَّجتْ / تَوَقُّدُ جَمْرٍ في سَواد رمادِ
حكى فوق مُمتدِّ المَجَرّةِ شكلُها / قَواقعَ تطفو فوقَ لُجَّةِ وادِ
وقد سَبَحتْ فيه الثُّرَيا كَأنها / بَنيقةُ وَشْىٍ في قميصِ حِداد
ولاحتْ بنو نَعْشٍ كتنقيطِ كاتبٍ / بيُسْراه للتعليم هيئةَ صاد
إلى أنْ بدا وجهُ الصباح كأنه / رداءٌ عروسٍ فيه صِبْغُ جِساد
وعَشيةٍ أَهْدَتْ لعيِنك مَنْظرا
وعَشيةٍ أَهْدَتْ لعيِنك مَنْظرا / قَدِمَ السرورُ به لقلبك وافِدا
روضٌ كمُخْضرِّ العِذار وجَدْول / نَقَشت عليه يدُ النسيم مَباردا
والنخلُ كالهِيف الحِسانِ تَزيَّنت / فلَبِسْنَ من أثمارهن قلائدا
خان الشباب وما وَفَّى بما عَهِدا
خان الشباب وما وَفَّى بما عَهِدا / فلا تَثِقْ بحبيبٍ بعدَه أَبَدا
قد كنتُ أعهد عزمي في أَوامره / فما أبالي أَغيّاً خُضت أم رَشَدا
حتى رأى من جنود الشيب بادرة / وَلَّى وخَلَّفني في إثْرِها وعَدا
فكُلَّما رُمْتُ نَصْرا منه يَخذُلني / وكلما رمتُ تقريباً له بَعُدا
فظلْتُ أَعتب نفسي في محبته / لما رأت كلَّ شيءٍ بعدَه نَكِدا
نَحا البَيْنُ في تشتيتِ شَمْلي مَقاصِدا
نَحا البَيْنُ في تشتيتِ شَمْلي مَقاصِدا / فسَدَّد رَمْيا نافِذا ليس نافِذا
كأنّ فؤادي بينهم تحتَ أسهمٍ / تُشمِّر عند الرَّمْىِ منها الحَدائدا
رَمانِي فأَصْمانِي وأَغْرَق نَزْعَه / وكَرَّر حتى كَلَّ كَفّا وساعِدا
وسَدَّ الفضا بالنَّبْلِ حتى أعَادَني / أَسيرا إليها أَيْنَما كنتُ حائدا
وما أنا إلا السيف فارَقَ غِمْدَه / ولمْ يْلفِ بعدَ الضربِ والقَطْع غامِدا
فوارَتْه أَصْداءُ النَّدَى فأَعَدْنَه / كما غادر الدهرُ الطُّلولَ البَوائدا
كأنَّ الليالي أَقْسمتْ بأَلِيَّةٍ / تؤكدها أنْ لستُ للثغرِ عائدا
ولا نَظرتْ عيني إلى الروضةِ التي / تَحوك يدث الأَنْواءِ فيها مَجاسِدا
ولا ارتضتُ في تلك الرياضِ كعادةٍ / عَدَتْني ولا شاهدتُ تلك المشاهدا
فيا حَبَّذا ذاك الخليجُ الذي له / من الحُسْن ما يُلهِى عن الشُّرْب وارِدا
وقد راقَ لما رقَّ عذبُ زُلالِه / فأصبح ملآنَ المَواردِ زائدا
تَرى منه تحتَ الريح دِرْعا وجَوْشنَا / وسيفا بلا غمد إذا كان راكدا
كأن الصَّبا لما أَثارتْ حَبابه / تُمرُّ على سيفٍ حديدٍ مباردا
تُرى جاورت أرضَ السوارى فَرائِدٌ / من القَطْر عادت في النبات فرائدا
وهل أظهرت في ظاهر الحسن روضة / إلى ربوة ابن العاص منه فصاعدا
إلى جانبَي قصرِ الدخان مغربا / إلى المُقْس رَوى العهدُ تلك المعَاهِدا
وهل قَلدتْ جِيد القليدة بعدنا / يدُ الغيثِ من زَهْرِ الربيع قلائِدا
منَابِت أزهارٍ يكرر نشرُها / على القْطرِ شكراً ذائعا ومَحامدا
تخطّ يد الأَنواءِ فيها صَحائفا / فيُنْشِدها راوِى النسيمِ قَصائدا
فللهِ ذاك الروضُ للغيثِ مادِحا / وللهِ ذاك الغيث للروض رافِدا
كنوز بَدَتْ لولا ذبولٌ يُصيبُها / لأَصبحَ ما عند الصَّيارفِ كاسِدا
كأن الأَقاحي والبَهار دراهمٌ / خِلال دنانيرٍ تُقابل ناقِدا
وللسَّوْسَن المفتوحِ أبواقُ فضة / تُقابل من حمرِ الشَّقيق مَطارِدا
فلم أرَ جمرا قبله مُتلهِّبا / إذا لمستْه الكفُّ أَلفَتْه باردا
وإن نَثرتْ أوراقَه الريحُ خِلْتَها / قُصاصةَ حُمْرِ اللاّذِ صِيغَتْ رَفائدا
شُنوف عقيقٍ صِيغَ من سبج لها / مَعاليقُ ما باشَرْن فيها مَعاقدا
فَرَاشٌ على أجسادها الدمُ جاسِدا / وقد قَرَّ في قِمّاتِها القارُ جامدا
مَواطِنُ صيدٍ بين وَحْشٍ وطائرٍ / وحيتان لُجٍّ ما تُخيِّب صائدا
يُقابل منها كلَّ جنسٍ بآلةٍ / فما فات مطرودٌ هنالك طارِدا
تُبكِّر في أَرزاقِها وهْي رزقنا / غَدَوْنا له نعتَدُّ تلك المَكايدا
فلم يَبْدُ قرنُ الشمسِ إلا وبيننا / شُموسٌ لها جَمْرٌ تُبيد الأَوابدا
وفي كل قُتْرٍ للقُتار رَوائحٌ / تَفوح فتَسْتَدْنِي على البُعْد رائِدا
لقد مَلَك الإسكندرُ الأرضُ وانقضى / وأَبَقى له الإسكندريةَ شاهدا
فَدَلَّتْ بما فيها على عُظم مُلْكه / وأَبقتْ له ذِكْرا مع الدهر خالدا
بباطِنِها أضعافُ ما فوقَ ظهرِها / من الحِكَم اللاتي بلغْنَ الفَراقِدا
رحلتُ إلى الفُسْطاط عنها بِغرَّةٍ / فها أنا في قيدِ النَّدامة واجدا
كآدمَ والشيطانِ لما اسْتَزلَّة / عن الخُلْد للدنيا الدَّنية حاسدا
فها أنا باكٍ مثل ما كان باكيا / مُكابِد ما كان قبلي مُكابِدا
أَسيرُ اغترابٍ واشتياقٍ كأنني / أُصارع أُسْدا منهما وأَساوِدا
أأحبابَنا بالثَّغْرِ ما كانَ من بَعْدِي
أأحبابَنا بالثَّغْرِ ما كانَ من بَعْدِي / تُراكم وإنْ طالَ البعادُ على العَهْدِ
فإني وإنْ شَطّتْ بيَ الدارُ عنكمُ / مقيمٌ على فَرْطِ الصَّبابةِ والوَجْد
إذا نَسَمتْ من ذلك القُطْرِ شَمْأَلٌ / تَرَشَّفْتُها رَشْفَ النَّزيفِ من الثَّمْد
لأَلْقَى من الإسكندرية نَشْوةً / أَغُضُّ بها ما بين جنبىَّ من وَقْد
وأُودعُ هَبّات الجنوب تحيتي / فهل بَلَّغَتْكم ما أقول على البُعْد
سَقَى اللهُ أيامي بها الغُرَّ وابِلا / كدمعي على ما فات من عيشِها الرَّغْد
فكم لي بها مِنْ زَوْرةٍ جَدَّدتْ رِضاً / بَديها على غيرِ انتظارٍ ولا وعد
وفي جانَبيْ ذاك الخليج مَرابعٌ / سحبت بها ذيل الصِّبا والصِّبا بُرْدِى
إذا سَرَحتْ فيها الرياحُ تَحدَّثت / لدينا بأسرارِ الرياحين والورد
وَينسِجُ فوقَ الماءِ فيه نَسيمُها / حَبيكا حَكي مستحكم الزَّرَد السَّرْد
وآصالُنا في ساحل البحر نَعْتلى / به الرملَ ما بين الكَثيب إلى الوَهد
نُغازل من غِزْلانه كل سانحٍ / له مُقْلةٌ عاداتُها قَنَص الأُسْد
حَكتْ بيننا ألأمواجُ أَثْقالَ رِدْفِه / فآوِنةً تُخفِى وآونةً تُبْدى
هو الماءُ فوقَ الماءِ هذا نَعافُه / أُجاجا وهذا فيه أَحْلى من الشهد
إذا قابل التيارُ هِيفَ قدودِها / أَرتْنا فِعالَ الريحِ بالقُضُب المُلْدِ
ليالٍ وأيامٌ تَقضَّت كأَنها / جواهرُ نَظْمٍ خانَها العَقْدُ من عِقْد
يا محلَّ الروحِ من جَسَدي
يا محلَّ الروحِ من جَسَدي / وحُسامي في العِدَا ويَدِي
يا أبا إسحاقَ دعوة من / لم يَرَ الشكوى إلى أحد
خذ حديثي فهْو أطيبُ من / نغمات المُسْمِع الغَرِد
يغتدى في أُذْن سامعِه / كزُلالٍ في لَهاةِ صَد
ليَ مولىً لو طلبتَ له / مُشْبِهاً في الخَلْقِ لم تجد
فهْو فردٌ في الملاحةِ إذ / حاز منها كلَّ منفردِ
قَمرٌ شمسٌ نَقاً غُصُنٌ / شادِنٌ يَفْترُّ عن بَرَدِ
رُمتُ وَصْلا منه يُخمِد ما / أَضْرمتْ عيناهُ في كبدي
فابتدَى بالمطل يُسعِفُني / في غدٍ آتِي وبعدَ غد
ففَنِي صبِري لموعده / وانقضَى في خُلْفِه جَلَدي
وأخٍ لي وهْو أَرأَفُ بي / من أبٍ بَرٍّ على وَلد
قال لما أنْ شكوتُ له / ما أُقاسيه من الكَمَد
ما الذي تختار قلت له / ائِتِه في زيِّ مُفتِقد
وتَحدثْ في سِوَى خَبَري / بالذي يُرْضيه واقتصِد
ثم عَرِّض بي كأنك في / ذكرِ حالي غيرُ مُقْتصِد
فإذا أصغَى إليك فقُل / قد جَرى منكم إلى أمد
ثم أَدَّاه رجاؤكمُ / لقياسٍ غير مُطَّردِ
فغَدا مستبدلا فرأى / ما يؤاتيه فلم يَعُدِ
فمَضَى فيما شَرَعتُ له / مستحِثا غيرَ مُتَّئِدِ
وقضى ما قد حددتُ له / ثم لم ينقص ولم يَزد
فلَها عنه مغالطةً / وحَشاهُ في لَظَى الحَرَد
فأتى في إثْرِ ساعته / قِلقا كالشادِن الشرِد
غَرَضي لو كنتَ حاضرَ ما / مرَّ من لومٍ ومن فَنَد
وعتابٍ كنتُ أحسَبُه / نَفَثاتِ السحرِ في العُقَدِ
ومَقامٍ لو تُشاهده / ظامئاتُ الخْمِس لم تَرِدِ
أسدٌ في راحَتْي رَشَأً / كرَشاً في راحَتْي أسد
لَلَثمتُ الورد ملتزِما / وتَرشَّفتُ الأَقاحَ نَدِ
فرَشادِي في الهوى سَفَهٌ / وسَفاهِي في الهوى رَشدي
أأحبابنا بالثغرِ إني وإنْ نأتْ
أأحبابنا بالثغرِ إني وإنْ نأتْ / بيَ الدارُ عنكم ما استحلْتُ عن العهدِ
وقد لامَنِي العُذّالُ فيكم وَأَكْثَروا / فما غَيَّروني بالمَلامِ عن الودّ
إذا كَشفوا عن صِدْقِ كلِّ مودةٍ / فإن ودادَ الناسِ بعضُ الذي عندي
لكم في فؤادي منزلٌ غيرُ نازحٍ / ولو أنني خلفَ العِراقِ أو الهند
لقد أَبْعَدُوني عنكمُ فَقرُبْتمُ / وإنْ أَكثَروا بُعْد قَرُبتم على البُعْد
فو اللهِ ما ساعدتُ من لام فيكمُ / وإني لأُخْفِي منكمُ فوق ما أُبدي
ولو رُمْتُ أن أنساكمُ ذَكَّرتْ بكم / محاسنُ فعلٍ مثل منتظِم العِقد
برئتُ إذاً من نَخْوةٍ ومروءةٍ / إذا لم اقابلها بواجبها عندي
وإني لأَسْتهدِي الرياحَ نَسيمَكم / فأَنْشَقُ منها مثل مُفتِتح الورد
هل الموتُ إلا دونَ ما أنا واردُ
هل الموتُ إلا دونَ ما أنا واردُ / وإنْ كنتُ أَسْتحِلي بكم ما أُكابِدُ
وإني ليَعْروني غرامٌ تُذيبُني / حَرارتُه والماءُ بالقُرِّ جامد
وأَعطش حتى لا أُفيق من الظما / وقد طَفَحتْ مما بكيتُ المَوارد
أَيَحسبُ فيك اللومُ أني سمعتُه / إذاً بَخِلتْ كفِّى بما أنا واجد
وأنكرتُ فضلَ الأفضلِ الملكِ الذي / يداهُ لأَجْياد الملوكِ قلائد
لو كان هَجُركَ يُبْقيني إلى أَمَدِ
لو كان هَجُركَ يُبْقيني إلى أَمَدِ / لَما عَدِمتُ اصْطِباري عنك أو جَلَدِي
لكنّه ما ارْتَضَى لي ما أُكابِده / حتى رمى الخُلْف بين الروح والجسد
يَكْفيك أنّ غرامي لو أردتُ به / زيادةً فوقَ ما ألقاهُ لم أَجِد
إني أَلَذُّ عذابي في مَسَرَّتها / فيا صبابةُ زِيدي يا غرام قِدِ
يا قاتلِ اللهُ عينيها فكم قَتلتْ / عمدا ولم تَخْشَ من ثارٍ ولا قَوَد
في لحظِها مرضٌ للتِّيهِ تحسَبُه / وَسْنانَ أو كقريبِ العهدِ من رمد
رشيقةٌ يَتَثنَّى قَدُّها هَيَفا / كالخُوطِ مالَ بعطْفَيْه النسيمُ نَدِ
تُريك ليلا على صُبْحٍ على غُصُن / على كثيبٍ كموج البحر مُطَّرِد
ظننتُ أَن شبابي سوف يَعْطِفها / هذِي الشَّبيبةُ قد وَلّت ولم تَعُد
ما بَيَّضتْ لِمَّتي إلا وقد علمتْ / أني أعُدُّ سوادَ الشعر من عُدَدي
لاتحسبي شيبَ رأسي كان من كِبر / لكنَّه فيضُ ما اسْتَوْدعتِ في كبدي
كم مَهْمةٍ جُبْتُ من أجلِ الهوى فَرقا / يكبو لِخيفَتِه الساعي من الرِّعَد
وليلةٍ مثلِ عين الظبي داجيةِ / عَسَفْتُها ونجومُ الصبحِ لم تَقِد
كأن أنجمها في الليلِ زاهرةً / دراهمٌ والثريا كفُّ مُنتِقد
لو هَمَّ مُوِقدُ نارٍ أنْ يَرى يَده / فيها ولو كانتِ الزَّرقاءُ لم يَكَد
وفي يَميني يمين الموتِ مائلةً / في صورة السيف لم تنقصُ ولم تَزد
ماضِي الغِرارَيْن لا تُدْعَى ضَريبتُه / بالعوْد لو أنه أُلْقِى على أُحُد
راوى الجوانبِ ظمآن الحَشا فعلتْ / فيه يدُ القَيْنِ فِعْلَ الأُمِّ بالولد
كأَنما النملُ دبَّتْ فوق صفحتِه / فغادرت أثرا كالسِّرِّ في جَلَدِ
حتى تأملتُ حَيّاً عزَّ ساكنُه / تَحفُّهُ أُسْدُ غابٍ من بني أَسَد
من كلِّ أَرْوَع لا كفٌّ لمِعْصَمِه / سوى الحُسامِ ولا جِلْدٌ سوى الزَّرَد
غَيْرانَ يُكثر سَلَّ السيفِ مُتَّهِما / من ظِنَّةٍ ويبيع النومَ بالسُّهدُ
فجئتُ أُخفِي خِطاءً لو وَطِئت بها / في جانبِ الجلدِ مما خَفَّ لم يَجِد
حتى لثمتُ فتاةَ الحيِّ فانتبهَتْ / ترنو إلىّ بعينَيْ جُؤْذرٍ شَرِد
فسلمت وهي وَلْهَى من مخافِتها / حيرانة تمزج الترحيب بالحَرَد
فظلْتُ اَلْثُمها طورا وأُشْعِرها / فِعْلَ الهوى بي وقد مالتْ على عَضُدي
وقلتُ للقلب لما خاف بادرة / ذا موردٌ عَزَّ أنْ تَعتْاضَهُ فَرِد
فودعتْني وقالت وهْي باكية / إني أخاف عليك الموت إنْ تَعُد
وسرتُ والليلُ قد وَلَّت عَساكُره / والدهرُ يأكل كَفَّيه من الحسد
ما العزمُ إلا ارتكاب الهَولِ فاعْنَ بما / تبغي وجِدَّ إليه غيرَ متئد
كم ذا التهاونُ في هُون الخُمول فقُم / واقْصِد مثالَ المعالي غيرَ مُفتصِد
ونافِرِ الذلَّ أنّ يَغْشاك وافدُه / فما حَمى الغابَ إلا جرأةُ الأَسد
لم تَسْمُ نفسٌ ثناها الذلُّ عن طَلبٍ / وهمةٌ ليس ترقَي في غدٍ فغَدِ
واسْتنبطِ السَّعدَ من مدح السعيد تجِدْ / بحرا يُمِدُّك لا يفنَى مدى الأبد
طاشَتْ سُرورا به الدنيا فوَقَّرها / بحلمه فلذاك الأرضُ لم تَمِد
أَضحَى بفضلك ثغرُ الثغر مبتسما / يزهو من العدل في أثوابه الجُدُد
ثغرٌ تَجمّع خيرُ الأرض فيه كما / جَمعتَ من كلِّ فضلٍ كلَّ منفرِد
ما زلتُ حتى رأيتُ الناسَ كلَّهمُ / في واحدٍ وجميعَ الأرضِ في بلد
لعلَّ زمانِي بالعُذَيْبِ يعودُ
لعلَّ زمانِي بالعُذَيْبِ يعودُ / فيَقربَ قُرْبٌ أو يَصُدَّ صدودُ
فأُبصِر كُثبانا وهنَّ رَوادفٌ / عليهن أغصانٌ وهن قُدود
وأَقطِف ورد الخدِّ وهْو مُضرَّجٌ / وأَجنِي أَقاحَ الثَّغْرِ وهْو بَرود
وأُبدِي ذراعي للعناقِ ذَريعةً / فَتَنْهى عن الإفراط فيه نُهود
ويَسْرِي إليّ البدرُ وهْو مُمنَّع / ويغدو إليّ الظبيُ وهْو شَرود
وأُعطي يمينَ اللهوِ فَضْلةَ مِقْوَدي / وأَغْدو وأغصانُ الشَّبيبِة غِيدُ
وأُكبر مقدارِ الهوى عن كبيرة / وأحمِي عفافي دونَها وأَذود
غَداةَ أُلبِّي الحبَّ من غيرِ ريبةٍ / على أنّ شيطانَ الغرام مَريد
وليل تَخطَّتْ بي سُوَيدا فؤادِه / عَزائمُ شوقٍ والنجومُ رُكود
أَخوض غِمارا من عَجاج ظلامِه / بحيث تقول الجنُّ أين تريد
ظلامٌ كأَحْداقِ الجآذرِ لونُه / دَجَا فضياءُ النارِ ليس يفيد
تَعسفتُه سَعْيا على غيرِ منهجٍ / وكُدْر القَطا عن أَخْمَصَيَّ تَحيد
فبادرَ عَدْوِي من بني الغاب أَهْرَتٌ / عظيمُ القَراعَبْلُ الذراعِ عَنود
أخو حَنَقٍ غَصَّ الفَلا بزئيرِه / له وَثْبةٌ في سيرِه ووَئيد
فأَلْجمتُه عَضْبَ الغِرارين كاسرا / هو الموتُ لولا أنْ يقال حديد
إذا مَجَّه الغِمدُ اسْتنارَ كأنه / شبابٌ له بعد الهُدوء وقُود
فشَتَّتُّ من شِطْرَيْه شَمْلا بضربةٍ / لها عادةٌ لا تبتدى فتعود
وسرتُ وصِنْوِى حافزٌ من صبابةٍ / يسوق اعتزامي تارة ويقود
إلى أنْ تراءتْ مُضْرَماتٌ شَواسع / كما حَدَّقتْ تحتَ الظلام أُسود
تلوح وتخبو مثلَ غَمْضٍ تَعافُه / عيون لها من حولهن هُجود
أمامَ خِباءٍ حَفَّه كلُّ طالبٍ / دمى فله حرصٌ عليه شديد
إذا صافحتْ أجفانَه سِنةُ الكَرَى / نَقتْها لذكرى خَطْرةٍ فتَحيد
وإنّ هبَّ معتلُّ النسيم تَيقَّظوا / كما تُوقظ الخُلْدَ الحَذورَ رُعود
قَدِ اسْتَلأَموا فالمُرْهَفات سواعدٌ / لأَيمانِهم والسابغاتُ جلود
بحيث أُراعى غِرَّةَ القومِ منهم / إذا عَنَّ طَرْفٌ أو تَرنَّح جيدُ
حِذارا على سِرِّ ابنةِ القومِ يغتدى / لمعدومه بين الوُشاة وُجود
أدبٌ دَبيبَ الفجرِ أولَ وقِته / وأسَعى كسَعْىِ الظلِّ وهْو مديد
إلى أن دخلتُ الخِدْرَ حَبْوا كما دَنا / إلى ثَلَّةِ الراعي المُهوِّم سِيدُ
فَقبّلتُ مثلَ الشمسِ لا بل كَمالُها / على الشمس والبدر المنير يزيد
كتقبيل أفواه الملوك مهابةً / ثرى باب دارِ المُلْك وهْو بعيد
يقينا بأن الأَعْوَجيات فوقَه / تسير بشاهِنْشاهَ ثم تعود
وأن الحَيا والبِرّ والجود والندى / عطاياه أو مِلْكٌ له وعبيد
هو الناسُ طُرّا في اعتزامٍ وقُدرةٍ / وفي الجود والفضلِ العَميم وَحيد
إذا خَطَرتْ ذكراه أرضاً وإنْ نأتْ / فأَملاكُها عند السماع سُجود
لكلِّ تَغالٍ في تَعالٍ نهايةٌ / وكلٌّ لأَدْنَى ما بناهُ صَعيد
أفاض على الدنيا سَوابغَ عدله / ففي كل يوم للسعادة عيد
فيا بْنَ مغيثِ المُلْك بالرأيِ والقَنا / فقَصْدُك للنوعين منه سَديد
أبوك الذي شد الخلافةَ بعد ما / تَزعزع منها بالنفاق عمود
وَبيَّضَ مُسْودَّ الليال بعَدْلِه / وأيامُها من قبلِ ذلك سود
فقَوَّم معوجَّ الليالي بعدله / وذلَّل صعبَ الدهر وهْو كَنود
فأَبقاكَ للدنيا وللدين عصمةً / تجرِّد حَرْبا فيهما وتُجيد
فتُعدم حىَّ الظلم عِند وجوده / وتُحيِي دفينَ العدل وهْو فقيد
وتُنصف إلا في العَطايا فظُلْمُها / بتَشْتيتِ شَمْلِ المال منك أكيدِ
إليك وعنك الناسُ آتٍ وراحلٌ / فقَصْدُك بين البِيدِ ليس يَبيد
يُبشر ماضٍ قادما عنك بالغنى / ويَلْقى وفودا من نَداك وفود
لمدحِك بين النظم والنثر بهجةٌ / تَجمَّل منها خطبةٌ وقَصيد
صِفاتُك تَهْدى المادحين لنَظْمِها / فكلُّ أديبٍ قال فيك مُجيد
ولو سَكتوا قامتْ مَعاليك شاعرا / فصيحاً له بين الأَنام نشيد
ففي كل فعلٍ من فِعالك مُعْجِزٌ / له من ضرورات العِيان شهود
فيوماك يومٌ بالنوال مُدَيِّم / ويومُ وغى فيه يَشيب وليد
ترى العزم في حرب وجودٍ شريعةً / تَجرَّم وعدٌ عندها ووعيد
نوالُك من قبلِ المسائِل سائل / وصَيْدُك من قبلِ التَّلبُّثِ صِيد
ورُسْلُ المَنايا والمُنَى طوعُ ما تَرَى / لها في البَرايا رائدٌ وبريد
فجودٌ عَميمٌ يُنبِت العزّ والغنى / وعزمٌ له هامُ الكُماةِ حَصيد
فيا نفس هذا أولُ العهدِ بالعُلَى / ويا حظّ هذا الوعدُ أنْ سأَسود
وهذا المقام الأَشرف الأَمجد الذي / له كنتُ أسعىَ جاهِدا وأَرود
وهذا الجَناب الأَفْضلىُّ يَكُنُّنى / ذَرى ظِلَّه إني إذاً لسعيد
فيا دهر مَهْلا ما بقي فيَّ مَطْمعٌ / لحادثةٍ تنَتْاشُنى فتَؤود
ألستُ بدار المُلْك وهْي التي بها / لمالِك رِقِّ المالِكين خُلود
سآخذ ثأري من صروفِك عنوةً / أَقِدْني وإلا صَرْفُه سيُقيد
فلا زالتِ الأَقدارُ تجرِى بأمره / تَصاريفُها والحادثاتُ جنود
ولا زال محسودا لعَيْنٍ فإنه / عَلا مُرتقيً لم يَرْقَ فيه حسود
فسيحَ مَجالِ العِزّ يَصْحب عُمْرَه / بقاءٌ على مرِّ الزمان جديد
أَمُعيرَ بدرِ التِّمِّ وجها والظِّبا
أَمُعيرَ بدرِ التِّمِّ وجها والظِّبا / حَدَقا وأغصانِ الرياضِ قُدودا
والمِسْكِ نَشْرا والأَقاحِ تَبسُّما / والخمرِ ريقا والشَّقيقِ خدودا
رِفْقا بمن أَسرتْ لحاظُك قلبَه / فقتيلُ سيفِ اللحظ من لا يُودَى
هذا الإمام إمامي حاضرٌ بادِي
هذا الإمام إمامي حاضرٌ بادِي / فاليومَ أشرفُ أيامي وأعيادي
هذا مقامٌ سَمَا عن كلِّ مرتبةٍ / تسمو لها في المعالي نفسُ مرتاد
كم لي اُسوِّف آمالي وأَمْطُلها / فاليومَ وَفَّيتها أضعافَ ميعاد
ها غُرَّةُ الآمِر المنصورِ مُشرِقةً / في الدَّست يُبِهجها مدحي وإنشادي
كأنه الشمس لا تخفى محاسنها / عن حاضرٍ من جميع الناس أوباد
أتلو محاسنَه الغُرَّ التي نَظمتْ / دُرَّ الكلامِ وغيري في أبي جاد
خيرُ الخلائفِ من ابناءِ حَيْدَرةٍ / وفاطمٍ أيِّ آباءٍ وأولاد
له على شَرفِ العلياء مرتبةٌ / منيفةٌ ذاتُ أطنابٍ وأوتادِ
عَلْياءُ أُسَّسها آباؤه وبَنى / فيها بغُرِّ الأَيادي فوق أَطْواد
يا بْنَ الأُولَى سَلَفوا من هاشمٍ ولهم / مَدْحٌ يُكرِّره الشّادِي على النادي
كم قَدْرُ مدحي ومدِح الخَلْق فيك وقد / مُدِحْتَ بالوَحْيِ وهْو السابِق البادي
وللصلاةِ كمالٌ وهْو ذِكْركمُ / خِلالَها عندَ إصدارٍ وإيراد
يا عُروةٌ فازِت المُستمسِكون بها / أتَ الشفيعُ وأنت المُرشِد الهادي
لولا هداك وعدلٌ أنت باسطُه / أضحى الورى نَقَدا ما بين آساد
فَخْراً لفُسْطاطِ مصرٍ إذ حللتَ به / مُستوطِنا ولوادي النيلِ مِنْ واد
فَضَحْتُه بالعَطايا ثم تَحْسَبه / جميعَه ليس يُروِى غُلّةَ الصادي
نهرٌ تُنافِسه الدنيا وتَحسده / عليك دِجْلةُ في أَكْنافِ بغداد
لأَنْتَ وارثُ مُلْكِ الأرض قاطبةً / ومُدَّعيهِ سواك الغاصِب العادي
وسوف تُكمِل ما اسْتوجبتَ حَوْزَته / بمُنْزَلِ الوحىِ لا أخبارِ آحاد
بجندِ نَصْرِك فُرسانٍ ملائكةٍ / لا ما يرى الناسُ من خيل وأَجْناد
بها أمدَّ أباك اللهُ في أُحُدٍ / وفي حُنَينٍ وبَدْرٍ أيَّ إمداد
لا بد للشرك من يومٍ تُعيد له / فيه سيوفُك فِعْلَ الريحِ في عاد
ما الشام إلا كماءٍ فوقه شَرَك / والرومُ سِرْب قَطاً جاءتْ لإيراد
وقد أَضرَّ بها مِن دُونِه ظَمأٌ / وحَدُّ سيفِك فيهم أيُّ صَيّاد
بقيتَ يا جُملةَ الفضلِ التي عَظُمتْ / عن أن تُقاسَ بأَمثالٍ وأَنْداد
فأنت للخَلْق روحٌ ظاهِر وبه / يَحْيا ولولاك أضحى رِكَّ أجساد
حَسْبُ العَوافِي بأَنْ أَصبحتَ مُشتمِلا / منها بما فَتَّ في أَعْضاد أَضْداد
حللتَ كالغيثِ يُحيى ما أَلمَّ به / من بعد تقديم إبْراقٍ وإرْعاد
فَكَّت مَسرَّتُها أَسْرَ القلوبِ وقد / تَقلَّبت للأَسى ما بين أَصْفاد
يَهْنِى لقاؤك عيدا جاء مُبتدراً / يسعى له بين تَأويب وإيساد
كي يستفيدَ ثلاثا منك وهْي له / إلى تَصرُّم حولٍ أشرف الزّادِ
فاخطُبْ وصَلِّ وعَيِّد وانْحرِ البُدُنَ ال / عظمى وثَنِّ بأعداء وحسادِ
فالعيدُ أنت ومهما دُمتَ في دعٍة / فكلُّ عيدٍ لدينا رائحٌ غاد
أما والذي قد قَدَّر البعدَ بيننا
أما والذي قد قَدَّر البعدَ بيننا / وعَذَّبني بالشوقِ وهْو شديد
وخَصَّكُم بالصبر دُوني وخَصَّني / بحزنٍ عليكم يبتدى ويعود
وصَيَّرني مهما شَممت نَسيمكم / أَشُدُّ لقلبي راحتي وأَميد
لقد ذاب قلبي في دُموعي عليكمُ / على أنه في النائبات حَديد
فياليتَ شِعْري هل على ما لقيتُه / وكابدتُ من جَوْرِ الفراق مزيد
لَئِنْ عاد ذاك العيشُ أو عاد بعضُه / وهَيْهاتَ منه إنني لسعيد
على أنها الأَقْدار قد تُبعد الفتى / قريباً وقد تُدْنِيه وهْو بعيد
لقد كان ذاك الثغرُ بالقربِ جَنّة / نَعِمنا به لو كان فيه خلود
أقسمتُ لو كاتبتُكم
أقسمتُ لو كاتبتُكم / حَسْبَ اشتياقي واعتقادي
وفعلت ما يقضي به / أسَفِي على طول البعاد
لَكتبتُ في خدي لكم / بسواد عيني أو فؤادي
ولكان ذكركمُ يج / لُّ عَن الصَّحائِف والمِداد
لا فرقَ بينكمُ وبين فؤادي
لا فرقَ بينكمُ وبين فؤادي / في حالَتَىْ قُربِي لكمُ وبِعادي
فلَقد حَبَبْتكم على عِلاّتِكم / كمحبَّةِ الآباءِ للأَولاد
ونَزلتُمُ مني وَإنْ لم تُنصِفوا / بمَنازلِ الأرواحِ في الأجساد
ورجوتُ أن أسلو لسوء صَنيعِكم / عندي فصار ذَريعةَ لودادي
قد كنتُ أطمعُ بالخيال لو أنكم / لم ترحلوا يومَ النَّوَى برُقادي
ولذكركم في مِسْمَعىَّ لَذاذةٌ / كالماء عذبا في لَهاةِ الصّادي
بِكم آلَ وَحْيِ اللهِ يفتخرُ المجدُ
بِكم آلَ وَحْيِ اللهِ يفتخرُ المجدُ / وفيكم يَسوغ المدحُ والشكر والحمدُ
وما يَنتهِي فيكم ثَنا الشعرِ غايةً / ولكنه حَسْبُ الذي يبلغُ الجُهْد
إذا أنزل اللهُ الكتابَ بمَدْحِكُم / فكم قَدْرُ ما يأتِي به شاعرٌ بَعْدُ
إليكَ أميرَ المؤمنين تَشوَّقْت / معانٍ وألفاظٌ كما انْتَظمَ العِقْد
فجاءتْ كما مر النسيم على ندى ال / رياضِ فحَيّا وَفْده الآسُ والوَرْد
حلاوتُها شِيبَتْ بعطرٍ كأنما / تنافس في ألفاظها المِسْك والشهد
فقد سَمِعتْها الصُّمُّ من كلِّ أَخْرسٍ / وأَبْصَرها في حِنْدِسِ الظُّلَمِ الخُلْد
وذكرُك أَعْلَى قَدْرَها فتشرَّفتْ / ولولا الحسامُ العَضْبُ ما حُلِّى الغِمْد
ومعنى كتاب الله شَرَّف صُحْفَه / فقُبِّلَ منها الحبر والطِّرْس والجلد
تَهنَّ أميرَ المؤمنين خلافةً / تَشيب أَعاديها وأيامُها مُرْد
فإنْ يتأخر خيرُها فهْو أولٌ / وبعد توالى الزَّنْد يَضْطرِم الوَقْد
وما الناسُ إلا كالدُّجَى وصَباحُها / أَئِمَّتها والشمسُ آخرُ ما يبدو
إذا الآمر المنصور كان لأُمةٍ / فلا عَدَمٌ يَقِضى عليها ولا فَقْد
فمَنْ عاش أَحْياهُ نَداهُ ومن يَمُتْ / على حبه طَوْعا فمسكنُه الخُلْد
إمامٌ تَبدَّى للوَرىمن جبينه / ضياءٌ به تُشْفَى بَصائرُها الرُّمْد
هو المَفصِد الأقصى هو الغاية التي / بها صَحَّ للمُستمسِك الفوزُ والسعد
هو الحُجَّة العظمى هو الغاية التي / تَأَتَّي به للمبُصِر الحَلُّ والعَقْد
أَطاعْته أسرارُ القلوبِ ديانةً / فما لامرىءٍ لم يعتقد حُبَّه رُشْد
فيا بْنَ رسولِ الله هذا أَوانُكم / وُعِدتم به والآن يُنْتَجَز الوعد
ستأخذ للإِسلام ثاراته التي / تَقادمَ للكفرِ اللعينِ بها العهد
كما فعلتْ في يوم بدرٍ سيوفُكم / وفي الشِّرْك من دُونِ القَليبِ لهاوِرْد
لك العَزَمات النافذات إذا انْبَرتْ / إلى مَقْصِدٍ لم تمنعِ البيضُ والسَّرْد
وإنْ خَفَتْ راياتُك الحمر سّبَّحتْ / لنَصْرِك أَعلاها ملائكةٌ جُنْد
وخَطِّيةٌ سُمْر وبيض صَوارمٌ / ومَسْرودةٌ زَغْفٌ ومُقْرَبة جُرْد
وقوم مَناياهم مُناهم إذا اقتضتْ / رضاك وفي طِيب الحياةِ لهم زُهْد
فقد شامَ منك الشامُ بَرْقا سيحتوِي / على مُلْك قُسْطَنْطِينَ من سَيْلِه مَدّ
تزلزل ما خلفَ الفرنجِة هيبةً / له فروَاسِيها تَحِزُّ وَتَنْهَدّ
وللهِ سرٌّ فيك حانَ ظهورُه / ليُوقنَ مرتابٌ ويرجعَ مُرتدّ
غمرتَ جميعَ الخَلْق بالعدل فانتهى / عنِ الوَحْش والطيرِ الكواسِرُ والأُسْدُ
ولو أَسعدتْها من بِساطك خلوةٌ / لَقَبَّله من كل جنسٍ لها وفد
وهَذبتَ أفعالَ الزمانِ وأهله / فلا خَطَأٌ فيما يَضُرُّ ولا عَمْد
لقد غادرتْ آثارُ عزمِك سِنْبِسا / نذيرا لمن قد غَرَّه الجمعُ والحَشْد
ولما طغى شيطانُها وتأكدتْ / بذاك عليها حُجَّةٌ ما لها رَد
خَرقَت بأطرافِ القَنا في قلوبها / مَسالكَ حتى ليس يَسْكُنها الحقد
فقد شكرتْ آثارَ سيِفك فيهمُ / قَشاعُم تَتْلوها مُحَلْحَلة عِقْد
فمَن عاش منهم بالفرارِ فإنما / حُسامُك موتٌ فوقَه حيثُما يَغْدو
لقد كان في أَفْياء عدلِك مَرْتَعٌ / لهم فيه لو لم يَغْدروا عيشةٌ رَغْد
وفي العدل إصلاحُ الخليقةِ كلِّها / ولكنْ من بينها يَفْسد الوغد
ولو لم تُغِثْهم رحمةٌ نَبوية / تَوارثَها منكم عن الوالدِ الوُلْد
لَما عاش من أحياءِ سِنْبِسَ واحدٌ / ولو عاش أفنى عمَره القيد والقِدّ
فإنْ عاوَدوا فالعَيْر يأتي بنفسه / ليَفْرِسه في خِيسه الأسد الوَرْد
لأَنَتَ الإمامُ الآمر العادل الذي / به يُعضَد الدينُ الحَنيف ويَشْتدُّ
له أَرْبَعٌ في الناس نِيطَتْ بأَرْبعٍ / فما لامرىءٍ عنها فكاكٌ ولا بُدّ
فطاعتُه فرضٌ وخدمته تُقىً / ونُصرته دِين ومَرْضاته جَد
لك الأرضُ مُلْكٌ باكتسابٍ ومَوْرثٍ / وما حَملتْ مالٌ ومن جَمعتْ عَبدُ
ثناؤك ما تُهدى الرياضُ لناشِقٍ / ولولاه ما فاح الخُزام ولا الرَّنْد
ونورك ما يُهدى الصباح لناظرٍ / ولولاه ضلّ الناس وامتنع القصْد
فضائلك الدُّرّ الذي لو تجسَّمتْ / قلائده لم يبق في الأرض مسْوَدّ
وهَيْهاتَ أنْ يستكمِلَ الوصفُ بعضها / إذا ما تَناهَى أو يحيطَ به حَد
وكيف يُكالُ البحرُ أم كيف تُوزَن ال / جبالُ وهل تُحْصَى الرمالُ وتَنْعَدّ
وغيرُ غريبٍ منك فضلٌ وإنما / حَياتُك دُنْياهُ وراحُتك المَهْد
سَينفُق مدحى فيك علما بأنه / إليك انتهى في جوهر الحِكَم النَّقْد
أجاد ابنُ هاني في المُعِزِّ مَدائحا / هَداه إليها ذلك الفضلُ والمجد
وقد جاد مَدْحِي فيك لما رأيتُ ما / رأى فاسْتَوىَ المدْحَان والإبنُ والجَدّ
ليَهْنِكَ عيدٌ جاء شوقاً لنظرةٍ / إليك له من أَجْلِها سنةٌ يَغْدو
يُفيد بها منك الذي جَلَّ قَدْرُه / فَضائلَ شتى ماله غيرَها وُكْد
فيُبِصر وجهاً كلُّ نورٍ شُعاعُه / ويلثم كفّا كلُّ جودٍ لها زَنْد
ويبدو له منك الكمالُ الذي حَوَى / مَحاسنَ لا تُحْصَى على أنه فَرْد
ويَعلم أنّ اللهَ شَرَّف أرضَه / بكَوْنِك فيها فاعْتَلَىَ الكوكبَ الوَهْد
هَنيئاً لعيدِ الفِطْر أنّك سامعٌ / تُهنَّى به لفظاً يُصيخ له الصَّلْد
تَهُزّ القَوافِي منك رَضْوى وَيَذْبُلا / كما اهتز من ريح الصَّبا القُضُب الملد
فلا زلتَ تَلْقَى كلَّ عيدٍ وموسمٍ / ومُلكُك بالتوفيق والسعد مُشتَدّ
ودمتَ لها مستقبِلا ومُشَيِّعا / بَقاءً يُبيد الحاسِدين ويَمْتدّ
مَجدٌ تَقاصرَ عن سَماهُ الفَرْقَدُ
مَجدٌ تَقاصرَ عن سَماهُ الفَرْقَدُ / وسعادةٌ أسبابها تتأكد
رُتَبٌ خُصِصْتَ بها وما صادفتها / لكنْ أَفادَكها الحِجَا والسؤدد
وسياسةٌ ورياسةٌ ونَفاسة / وتَفقُّد وتَسدُّد وتَأَيُّد
إنّ الخلافةَ ما اصْطَفَتْك لنفسها / حتى اخْتُبِرت لكلِّ أمرٍ يُحْمَد
فاشْتُقَّت الألْقابُ فيك لأنها / وصفٌ جميلٌ في صفاتٍ تُوجد
فدَعتْك بالمأمون وهْي جِبِلَّة / مما يُثَبِّتُها لديك المَوْلِد
تاج الخلافِة وهْو تاجُ فَضائلٍ / تَقْضِي الجواهرُ دُونَه والعَسْجَد
فَخْرُ الصَّنائِع أيُّ فخر صِبغه / أَبدا على طول المَدى يتجدَّد
وإذا وجيه الملك قيل فإنه / وَجْهٌ له من كلِّ فضلٍ مُسْعِد
نِعْمَ الذَّخيرةُ أنت للأمرِ الذي / يَنْحُو أميرَ المؤمنين ويَقْصِد
يُزْهَى بك التشريفُ والخِلَعُ التي / جَلَّت وجوهر طرفها المتوقِّد
ما خاب فيك دعاؤُنا ورجاؤُنا / واللهُ يَعْلم ما نقول ويَشْهَد
كم من قَريحِ القلبِ في ظُلَم الدُّجَى / ودعاؤها لك دائم يتردّدُ
وضعيفةٍ تحنو على أطفالها / فلَهم نوالُك كلَّ وقت يُورَد
ومُكرِّرِ الزَّفَرَاتِ في مِحْرابه / يَقْرأ ويركع للإله ويسجد
أوْليتَه بِرّا فأَخْلَص دعوةً / نجَحَتْ وأنت بها المَجِيد الأَسْعَد
فأبْشِرْ فهذا بعضُ ما سَتنالُه / إنّ الذي يأتِي أَجلُّ وأَرْغَد
شَمِل الورى فَضْلانِ منك ونعمةٌ / أَسْديتَها أو مِنَّةٌ تُتقلَّد
من يزرعِ المعروفَ زَرْعَك للنَّدى / لا شكَّ مثلَ حصيدِ سَعْدِك يَحْصُد
مولاىَ قد أَوْليتَ عبدَك نِعمةً / فَله عليك بها ثَناءٌ سَرْمَد
والآن قد أضحتْ حَواشِى حالِه / هُدْبا فلا تُرْفَى ولا هي تُعْقَد
فكأنني بعضُ الملائكةِ التي / لا تغتذى وكأن بيتيَ مسجد
وتكاثُرُ الأطفالِ فاقَ تَجلُّدي / لكنّني كم قَدْرُ ما أتجلَّد
فكأننا ليكائهم في مأتمٍ / طولَ الزمانِ وما لنا من نفقد
وتَعُّذر الجارى أَضَرَّ بحالهم / وأَضرَّبى وهو القليل الأنكد
هو خمسةٌ عدداً يَصِحُّ ثلاثةً / لكنْ هُمُ عَشْرٌ تَتِمُّ وأزْيَد
وتساوىُ العَدَدين عندَك هينٌ / لو شئتَه ما كان أمرا يبعُد
فاقْصِدْ مَسَرَّتَهم فتلك غنيمةٌ / فثَناؤها وثوابُها لا يَنْفَذ
قد وَجَّهوني قاصِدين وأيقنوا / أنْ سوف يفعلها الأجلُّ محمد

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025