القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : رِفاعَة الطَّهْطاوِي الكل
المجموع : 9
ألا فادعُ الذي ترجو ونادي
ألا فادعُ الذي ترجو ونادي / بُحبِّكَ إن تكن في أيّ نادي
فمن غَرس الرجا في قلب حُرٍ / أصابَ جَنى النجا غِبّ الحصاد
ومن حُسن الخلائق سله صنعاً / جميلا فهو أوفى بالوداد
وحدثْ عن وفا خلٍ وفّى / بمرسلٍ حُبه في القلب بَادي
ورب أخ تلاهى عنك يوما / فربّ وداده أبداً ودادي
بنو الآدابِ إخوانٌ جميعاً / وأخدانٌ بمختلف البلاد
خلائفُ عنصرٍ كل تغذى / بأثداء العلا دونَ اقتصاد
وآدابُ الفتى تعليه يوماً / إلى الأنجاد من بعد الوهاد
وآدابِي تُسامى بي الدراري / على شعثى وتبلغني مُرادي
ومالي لا أتيه بها دلالا / وقد دلتْ على نَهج الرشاد
إلى سُبل الفخار تقود حزمي / وفي ميدانه عزمُ انقيادي
عِصاميٌّ طريفُ المجد سعياً / عظاميُّ شريفٌ بالتِّلاد
سوى نسب العلوم لي انتسابٌ / إلى خير الحواضرِ والبوادي
حُسينيُّ السلالة قاسميُّ / بطهطا معشري وبها مهادي
لسان العرب يُنسب لي نجاراً / ويدنيني إلى قُسّ الإياد
وحسبي أنني أبرزت كتباً / تبيدُ كتائباً يوم الطراد
فمنها منبعُ العرفان يجري / وكم طرسٍ تَحبَّر بالمداد
على عدد التواترِ مُعرباتي / تفي بفنون سلم أو جهاد
وملطبرون يشهدُ وهو عدل / ومنتسكو يقرُّ بلا تمادي
ومغترفو قراح فراتِ درسي / قد اقترحوا سِقاية كل صادي
ولاح لسان بَاريسٍ كشمسٍ / بقاهرة المعزّ على عبادي
ومحيي مصرَ أحيا كان قدري / وكافأني على قدر اجتهادي
سأشكرُ فضلَه ما دمتُ حياً / وما شكري لدى تلك الأيادي
رعى الحنان عهدَ زمان مصر / وأمطرَ ربعَها صوب العهاد
رحلتُ بصفقة المغبون عنها / وفضلي في سِواها في المزاد
وما السودانُ قطُ مُقامُ مثلي / ولا سَلماي فيه ولا سَعادي
بها ريحُ السمومُ يشم منه / زفيرَ لظى فلا يُطفيه وادي
عواصفها صباحاً أو مساءً / دواماً في اضطراب واطّراد
ونصفُ القوم أكثره وحوشٌ / وبعضُ القوم أشبهُ بالجماد
فلا تعجبْ إذا طبخوا خليطا / بمخ العظم مع صافي الرماد
ولطخُ الدُّهْنِ في بَدنٍ وشعر / كدهن الإبل من جَرب القراد
ويُضربُ بالسياط الزوجُ حتى / يُقال أخو ثَباتٍ في الجلاد
ويرتق ما بزوجتهِ زماناً / ويصعبُ فتقُ هذا الإنسداد
وإكراهُ الفتاة على بغاءٍ / مع النهى ارتضوْه باتحاد
نتيجته المولّدُ وهو غالٍ / به الرغباتُ دوماً باحتشاد
لهم شغفٌ بتعليم الجَواري / على شبقٍ مجاذبة السفاد
وشرحُ الحال منه يضيقُ صَدري / ولا يُحصيه طرسي أو مِدادي
وضبطُ القول فالأخيارُ نُزْرُ / وشرُ الناس منتشرُ الجراد
ولولا البيضُ من عُرْبٍ لكانوا / سواداً في سوادٍ في سواد
وحسبي فتكها بنصيف صحبي / كأن وظيفتي لبسُ الحِداد
وقد فارقتُ أطفالا صغاراً / بطهطا دونَ عَوْدي واعتيادي
أفكر فيهم سراً وجهراً / ولا سَمرى يطيب ولا رقادي
وعادت بهجتي بالنأي عنهم / بلوعة مهجةٍ ذاتِ اتقادِ
أريد وصَالَهم والدهرُ يأبى / مواصلتي ويطمعُ في عنادي
وطالت مدةُ التغريب عنهم / ولا غنمٌ لدىّ سوى الكساد
وما خلتُ العزيزَ يريدُ ذلي / ولا يُصغى لأخصامٍ حدادِ
لديه سعوا بألسنةٍ حدادٍ / فكيف صغى لألسنةٍ حدادٍ
مهازيلُ الفضائل خَادعوني / وهل في حربهم يكبو جوادي
وزخرفُ قولهم إذْ مَوهوهُ / على تزييفه نادى المنادي
فهل من صَيرفي المعنى بصير / صحيحِ الانتقاء والانتقاد
قياسُ مدارسي قالوا عقيمُ / بمصر فما النتيجةُ في بعادي
وكان البحرُ منهجَ سفن عزمي / فكدتُ الآن أغْرقُ في الثَّمادِ
ثلاثُ سنين بالخرطوم مرت / بدون مدارس طبق المراد
وكيف مدارس الخرطوم تُرجى / هناك ودونَها خَرطُ القتاد
نعم تُرجَى المصانعُ وهي أحرى / لتأييد المقاصد بالمبادي
علومُ الشرع قائمةٌ لديهم / لمرغوب المعاش أو المعاد
خدمتُ بموطني زمناً طويلا / ولي وصفُ الوفاء والاعتماد
فكنتُ بمنحة الإكرام أوْلى / بقدرٍ للتعيش مُستفاد
وغايةُ مطلبي عَوْدي لأهلي / ولو من دون راحلةٍ وزادي
وصبري ضاع منذ اشتدّ خطبي / وهوْنُ الخطب عند الاشتداد
وكم حسناً دعوتُ لحسن حَالي / وكم نادى فؤادي يا فؤادي
وأرجو صدرَ مصر لشرح صدري / وجهد الطول في طول النجاد
وكم بُشرتُ أن عزيزَ مصر / تفوهَ بالفكاك ولم يفاد
وحاشا أن أقولَ مقال غيري / وذلك ضد سرّي واعتقادي
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً / ولكن لا حياةَ لمن تُنادي
وفي دار العزازةِ لي عياذٌ / يَقيني نشبَ أظفار العوادي
أميرُ كبار أرباب المعالي / فنى في شرعة العرفان هادي
عروفُ ألمعي لا يُباري / بمضمار العلا طلقُ الجياد
يوافر فضله الركبانُ سارتْ / وغَنىّ باسمه حادٍ وشاد
وقالوا في معارفه فريدٌ / فقلتُ وفي الرياسة ذو انفراد
وفي الأحكام قالوا لا يُضاهَى / فقلتُ وذو تحر واجتهاد
وقالوا في الذكاء ذكا فقلنا / وثاقبُ ذهنه وارى الزناد
وقالوا وفقَ الحسنُ المُسَمَّى / فقلت وكم حدا بالوصف حاد
وبحر حجاه يبدو منه در / لغوّاصِ العلوم بلا نفاد
فيا حسنَ الفعال أغثْ أسيرا / بسجن الزنج يحكي ذا القياد
عليه دوائرُ الأسواء دارتْ / وطالتْ وفقَ أهواء الأعادي
وقد فوضتُ للمولى أموري / وذا عينُ الإصابة والسداد
عسى المولى يقول امضُوا بعبدي / فيقضى لي بتقريب ابتعادي
وما نظمُ القريض برأْسِ مالي / ولا سَندي أراهُ ولا سِنادي
وافرُ بحره إن جاد يوماً / فممدوحي له وصف الجواد
وليس لبكر فكري من صداقٍ / سوى تلطيف عودي في بلادي
فا أسمى ذراها من بيوتٍ / رَزانٍ في حماستها شداد
ومسكُ ختامها صلوات ربي / على طه المُشَفَّعِ في المعاد
وآل والصحابة وكلَّ وقت / مواصلةٍ إلى يوم التنادِ
يا حزْبنَا قمْ بنا نسودُ
يا حزْبنَا قمْ بنا نسودُ / فنحن في حرْبنا أُسودُ
عند اللقا بأسنا شديدُ / هامُ عدانا لها حصيدُ
نحن البهاليلُ في المعاركْ / نحن الصناديدُ في المهالك
سهامنا أنجمُ الحوالك / بنورها يهتدي الوجودُ
نحن ليوثُ الشرى كماةُ / نحن لأوطاننا حُماةُ
ونحن بين الورى سراةُ / يبْنى ذُرى مَجدنا سعيد
جميعُنا يعشق الحروبا / وجمْعُنا يألفُ الخطوبا
هل نأنف الهولَ والكروبا / وعشينا عندها رغيد
تحت ظلالِ السيوفِ نُرزقُ / ورمحنا الموتُ وهو أزرقُ
بياضُ فجر الفخار أشرقُ / به ليالي العدوّ سودُ
في كل ماضٍ من الزمانِ / ماضي سيوفِ الوغى يماني
ما ثم من بات في أمان / إلا له عندنا عهود
لمصرنا سالفُ المزيّهْ / قد مدّنتْ سائرَ البريهْ
منها أثينا غدت مليه / بحكمةٍ قصرُها مَشيدُ
كالشمس فضلٌ لعين شمس / وأُنسُ منفٍ أجلُّ أنسِ
ووشْى تنِّيسَ غيرُ منسى / من حسنه الدهر يستفيد
وفخر طيوى قديمُ عهد / أبوابها محكماتُ عُمْدِ
وحصرُها عن صحيح عدِّ / في مائةٍ كلها شهودُ
لفضل مصر أجلُّ مَظْهر / وخيرُها للبلاد يُنثرْ
ونيلها العذب فهو كَوثَرْ / منهلُه زانَه الورود
حصوننا سامتْ الشواهقُ / أفواهُها تقذف الصواعقُ
إن سامها ماكرٌ منافقُ / في حقه يَصدقُ الوعيدُ
أهواننا تورِثُ الهوانا / لكل منْ مالَ عن هَوانا
سعيرُها للذي تَوانى / فهو لنيرانها وَقودُ
فخارُنا في اقتحام خَطْبٍ / فنونُ ضربٍ ضروبُ حَرْبٍ
لحوْزِ سلمٍ وحرْزِ سَلب / وأسرِ أسدٍ لها نَصيد
كرامٌ ضباطنا أكارمُ / آدابهم تَبْتغي المَكارمُ
وهم إذا أقْبلَ المصادمُ / ليوثُ كرٍ وذا طريد
في موقف الحرب والمنونِ / تطرُ بنا نَغَمةُ اللُحونِ
بكل ضربٍ من الفنونِ / وبحرُ أهزَاجها مديد
أيامُنا كلها مواسمُ / ثُغورها بالهنا بَراسمُ
ومن أتى حيَّنا يُزاحمُ / فنحرهُ للنسورِ عيدُ
ماذا قصائدُ شاعرٍ
ماذا قصائدُ شاعرٍ / لو أنه فيها مجيد
في مدح من يَروِي العلا / والمجد عن عبد المجيد
شادى المسرَّةِ قد شدا
شادى المسرَّةِ قد شدا / وأجادَ حُسنَ الابتدا
والبشرُ أعلن مُنشدا / شورى تُصادف مولدا
بأبي الفدا شمسِ الهدى / كنزِ العطا بحرِ الندا
الدهرُ جاد وأسعدا / وأعزّ مصرَ وأيّدا
يا حسنَ عيدٍ وافتتاحْ / شُورى بها الأصلاحُ لاحْ
عنوانُ أنواعِ الفلاح / في مِصرَ صار مخَّلدا
بأبي الفدا شمس الهدى / كنز العطا بحر الندا
الدهرُ جاد وأسعدا / وأعزَّ مصر وأيَّدا
فالسعد يهتفُ لا عجَبْ / تنظيمُ شورى في رَجَبْ
عن مصرَ ما كان احتجبْ / في شهره السامي بَدا
قمرٌ أنار بمصره / وسمتْ طلائعٌ نصره
وزهتْ مطالعُ عصره / ببديعِ ما قد جددا
من مثله أحيا الوطن / وأجادَ أعلى ما يظن
وبه ارتقى أهلُ الفِطن / وسَما الجهادِ تعضَّدا
من مِثلنا بين الدولْ / وهلالُ نظم الملكِ هَلْ
في المجلسِ الأعلى الأجلْ / إذْ بالنظامِ تقلدا
الدهرُ صافي والزمانْ / ووفى بما وعدَ الأوانْ
والسعدُّ عنا تَرجمانْ / هَنَّا العزيزَ الأمجدا
لا زالَ يبلغُ في المرامْ / مجداً أثيلاً لا يُسام
عيداً جليلا كلِّ عام / أبداً يعودُ كما بدا
بلّغْهُ يا ربَّ العبادْ / وبنيهِ أربابَ الرشادْ
أوجَ السعادةِ والمراد / في ظله طول المدا
واجعلْه للدين القويمْ / ركناً مشيداً يَستديمْ
وأدمْ به النفعَ العميمْ / واحفظْ بقاهُ سَرْمَداً
نعم إنْ سخا دهري وجاد أجدتُ في
نعم إنْ سخا دهري وجاد أجدتُ في / مديحي إسماعيل نخبة أمجادِ
أبا العربِ عمَّ المسعداتِ أخا الحيا / حليفَ الندى مولى الجدى شرفَ النادي
سليلُ الموالي حائزٌ كل مفخر / جليلُ المعالي منتهى كل مُرتاد
عزيزُ له التقديمُ في شِرعةِ العلا / به يَقتدى طُلاب هدىً ورشادِ
سما رتباً في العدل من دونها السها / فمن رامها صلَّ الطريقَ ولا هادى
وإنَّا لنرجو فوق ذلك مظهراً / لعليائه دام السعودُ له حادي
وتوفيقُه ربُّ المعالي رفيقُه / له صوب عهدِ الملك أكمل إسعاد
عينُ الحياةِ بهجةٌ
عينُ الحياةِ بهجةٌ / جاءتْ على وِفق المرادْ
مُذ طابَ أنسُ عرسها / أرخّهُ بالمرغوب جاد
وافى الهناءُ وطابَ وصْلُ الغيدِ
وافى الهناءُ وطابَ وصْلُ الغيدِ / وصَفا وُرود الأُنْسِ بالتجديدِ
سطعَ السنا وزهتْ أساريرُ المنى / وشدتْ طيورُ الروض بالتغريدِ
قد قابلتْ وجناتُ ساقِينا الطلا / فاحمرَّ خدُّ الكأسِ بالتغريدِ
لاحتْ بسر كواكبٍ مصريةٍ / لمخدراتٍ في القصور وخُودِ
فيهن أكفاءٌ لكل ممجّدٍ / هو في نظام الملك حِيلةُ جِيد
طن رقى الأفلاكَ كوكبُ سعده / وسما بآباءٍ كرام صِيدِ
تُجلى له الزهراءُ فاطمةُ التي / في بيتِ إسماعيلَ بيت قصيد
لا غروَ أن تكُ في الكمال فريدةً / فبمنِّ مولاها انتمتْ لفريد
طسن علا في المجد أسنى رتبةً / وعلى المدى سينالُ فضلَ مزيد
وبعرسه الزاهي يزيدُ سروره / بمواسم فيها بواسمُ عيد
سعد التهاني فيه قال مؤرخاً / حظٌّ بهيٌّ بسَعادٍ لابن سعيدِ
سألنا معالي مصر هل لكِ عودةٌ
سألنا معالي مصر هل لكِ عودةٌ / وهل سابقاتُ الدهر يدنو بعيدُها
فقالت بإسماعيلَ أوحدِ عصرِه / وجدْتُ لأيامٍ الصِّبا مَنْ يُعيدُها
بينما قد خرجتُ من عند سُعدَى
بينما قد خرجتُ من عند سُعدَى / حيثُ منها بالوصل قد نلتُ قَصْدا
وقطفتُ زهراً وقبّلتُ خَدا / إذ بنظم القريضِ قد زدتُ وجدَا
وجعلتُ كالدرِّ أنظمُ عِقْدا /
زاد بي الحالُ إذ صفا لي حَانِي / في غنائي بالعودِ والألحانِ
باسم ربيِّ والسادةِ الأعيانِ / وترنمتُ شجوةً بالحسانِ
وبسُعدَى ذاتِ الجبين المفَدَّى /
فصغَى سمعُهما إلى إنشادِي / ورمى اللنارَ لحظُها في فؤادِي
فلهذا شعري بدا ذا اتّقادٍ / وغدا من حماسهِ في انفراد
لذوي الفهم والمعارفُ يهدَى /
أحرقَ العشقُ قلبها كاحتراقِ / فأتتْ تُطفى اللظى بعِناقي
فتضاممّنا ضمةَ المشتاقِ / وتلاثمنا عادةَ العشاق
وتثنتْ لتخجلَ الغصنَ قَدَّا /
شنّفْ السمعَ من رفيقِ التغاني / واستمعْ يا أُخَّي صوتَ المثانيِ
يا خليليَّ بالله هلا تراني / أنني قد أحييْتُ شعرَ ابن هانيِ
بعد أن كان قد توسَّ لحدا /
حيثُ شِعري نَجلُ الشجاعة يُملَى / لستُ أحجوه في البراعةِ إلا
أنه قدر رقىَ العُلا وتملاّ / وغدا لائقاً بحضرة المولى
فقدَ الشِّبهَ في الوَرى والضِّدا /
واحيائي واخجلتي صار فنِّي / أنني في هوى المِلاحِ أُغنّى
برخيمِ الغنا كظبيٍ أغنِّ / وبأوتاري أبتدي وأُثنِّى
ما أرى هذا للفضائل أجْدي /
أفأيَّامي كلُّها لي عَقيمهْ / أو مَالي عواقبٌ مستقيمهُ
بل على طاعةُ الهوى مُستديمه / أفما هذه مَراقِي ذميمه
أقتفى هزلها وأرفضُ جِدا /
أعلى اجتراع كأسِ نصيبِ / خاملٍ ليس كافياً لأريبِ
مع أني والله غيرُ مُريبٍ / همّتِي همةُ الذكي النجيبِ
تَقنصُ المجدَ والسِّوى تَتعدى /
غيره كان قد تسلطنَ عِشقي / وسبا قانوني له في الرقِّ
فليقم في المغنى بأوفر حقِ / بُليتْ الألفاظُ من نارِ شوقي
مع خفوقٍ يثيرُ برقاً ورعدا /
مثلُ أرياحِ مصرَ ذاتُ اضطرابِ / آه من مصر إذ غَدتْ في حِسابي
أدهشتني بسحرها المستهاب / وأثارتْ عليَّ ذكري صَابي
ولأوطاني أذكرتني عهدا /
ما أحيي سعيدَ بِركَ ألزمْ / فرطٌ بالعودِ أنْ قد تَرنم
وبأنغامِه القوية سلم / وتمنى لو كان قال وعلم
فيك فخراً كما عهدتَ ومجدا /
أنا أدركتُ نحوك الحنيّه / واعْتَرى قلبي رأفةٌ بنويّهْ
ولقد قِستُ فكرتي والرويّه / بعلاك فجاءتا بالسويّه
فصرفتُ إليك شكراً وحمدا /
أنا في إنشادي القريضَ أُصدرْ / نحوَ عمرانك المديحَ وأُظهرْ
لك تاريخٌ بالعجائبِ مُبْهرْ / وبتجديدي هيكلاً لا أقصر
وأعيد الذي تَلاشى مجدا /
وبتأسيسٍ فيكِ كل الفنونِ / بهدايا تغتني عن يقينِ
وبإنشائي المبينِ المتينِ / أنقلُ أوربا فيك يا نورَ عيني
وأوفِّيك بالمعارف سَعْدا /
واحدٌ من بنيك يَصنع عُرفَا / حيث الفضلُ فيك ينشرُ عَرفا
هل ترين السوى يفيدك لطفا / فاقَ هذا الشذى وأرغَم أنفا
كلَّ لاحٍ وللحواسد أردى /
أنا إنْ شاء الله حققَ عوْدِي / فيك أعجوبةً رقتْ في الصعودِ
وتولى على ثراكِ السعيد / وأزال الذي عفَى بالجديد
وإليك كلّ المفاخرِ أُسْدى /
لكن المفخرَ الذي قد تخبَّا / تحتَ أطلالِك القديمةِ حِقبا
قد أُزيلَ القناعُ عنه فهبّا / ضوؤه في الأنام شرقا وغربا
وعجيبٌ أنْ سرعةً قد تبدَّا /
خبريني من الذي قد تولَّى / شأنك البالغَ الجدودَ وعلاَّ
سمكُ إيوانِك الذي فيه حَلاَّ / يا لَه من عظيم رأيٍ تجلاَّ
من بني التركِ للفَلاحِ استعدا /
مذْ دنا مُشِهراً للسلاحِ / صَغُر الكلُ في جميع النواحي
أورنا ناطقاً بعين الفلاحِ / قام من قبره فخارُك صَاحِي
ورقى ذروةَ العُلا وامتدَّا /
بسياساتٍ فيك أضحى كفيلاَ / بيدٍ دانتْ من مُضي التقبيلا
حددتْ في جبينِك الإكليلا / نضرتْ غُصناً فيكِ حاز ذبولا
وأعادتْ فيه الشبيبةَ وُدَّا /
يا وزيراً بأرضِ مصرَ عطوفْ / حوله كلُّ المكرماتِ تَطوفْ
أعَدن روْنقاً بمصر ينوف / حُزْتِ تختاً عن الملوكِ طريفْ
فلتحزْ فضلاً وتحرزْ رُشْدا /
فعلُكَ الخيرَ بعده حسنُ ذكرِ / مستمرٌ على مدى كل دهرِ
فاغتنم حفظ مشتَهى نيلِ مصرِ / فلقد شابه دماً سيفُ نصرِ
وغدا في حماكِ ينفقُ رِفْدا /
فأدِم في سبيل المحاسِن سَعيَا / وارْعَ في روضةِ الأحاسِن رعيا
وأبِنْ عن بهاءِ مصر المحيَّا / ما تخبّا من حسنها قد تهيا
وغدا غورُها بفعلك نجْدا /
أنا عن وجهِ مصرَ صرتُ بعيدا / فوق برَ بالفضل أضحى سَعيدا
ولوادٍ شرفتَه لن أريدا / حيث عنِي اغتني وصار وَحيدا
فحقيقٌ بالعقم موتِي فَرْدا /
مع أني بالقرب من مَيْدانِ / عامرٍ من تناضُل الفِرسان
كلُّ أقراني بالسباق مُعاني / وجميعُ الأنام طُراً يراني
في مرورِي أرى التفرنُجَ نِدَّا /
أيهذا الوادي رفيعُ الفخارِ / صار في شطك المنيع قَراري
في الحشا قد غرسْتَ حبَّ اشتهاري / حيث كل الكمالِ نحوك سَارِي
فعجيبٌ أنْ لا أُنافسُ ضِدَّا /
مع ما قد حملتُ حيث فريقي / محرقاتٌ من الدم الأفريقِي
وصَبُوحي بلوعَتي وغَبوقي / كل هذا غدا هباءً بشوقِي
وأنيني من المحبة عَمْدا /
أنا أسلمتُ للمقادير نفسي / ونَصيبي عاملْتُه بالتأسّي
وإذا العودُ في يدي أنا أُمِسي / نحوَ باريز ثمَّ مجلسُ أُنسي
لأرى شعري كيف يَبلغُ حَدّا /
وإفادِي أسيرَ عقلٍ ذكيٍّ / يزدرِي فيها شعرَ كل كمىً
يرتقي أوجَ كلَّ معنى بهىِّ / ينتقي لفظَ ماهرٍ ألمعيِّ
وشذاه يضوعُ مسكاً ونَدا /
يا إله السماءِ يا ذا البقاء / قد تيقنتُ فيك نيلَ رجائي
لم أحدْ عن موائدِ الأحياء / قبل أن أستريحَ تحت لواء
مع أهل الفخار أبلغُ قَصْدا /
أنتِ يا سُعدي قد مَلكتِ حشائي / وسبيتِ حريتي بالتهائي
ولقد أذهبتِ شديدَ بهائِي / عن محيّا وقتي الذي باعتنائي
لا يُوفى إلا لعُودي وعدا /
وسلبتِ بغير حقٍ شبابي / وحسبتُ لَدَيْكِ كلَّ اكْتآبي
وعلى حُكمك المعيبِ انتسابي / ولك أن تصرفي في انتهابي
في حياتي وما أرى عنك بُدا /
ادهبي الآن قد رفضتُ الغراما / لست من أسراه نقضتُ الذِّماما
عن عبوديتي نحوتُ مُراما / لستُ أرضى لشرعتي استسلاما
أنا لا أبغي ولو تلطفتِ بَعْدا /
أحرقْتني بلثمها وَاعنائي / مزجتْ خمرَ ثغرها بدمائي
في عُروقي جرت وفي أعضائي / اذهبي يا سُعدي أديمي التنائي
فظلومُ الهرى عليَّ تعدَّى /
اقبلي منيِّ طيباتِ الوداعِ / واجعليها نهايةَ الاجتماعِ
قد تسليتُ رغبةً في ارتفاعي / ولأحيي ذِكري بغير انقطاع
وأجاري تأييدَه لا مَردّا /
أمنياتي من غِفلتي أيقظتني / وبإلهامها الهُدى وعظتني
ودواعي الغرام قد لَفِظتني / فتناولْتُ آلةً حفظتني
فتجارتْ لفصْمها اليومَ سُعدي /
حسْبُكُ الله أن عُودِي حياتي / أتريدي أن تظفري بوفاتِي
يا فجارِ الفرارَ عن مُزهقاتي / أنا مسكينٌ في الورى أنا ذاتي
كيفَ بالفحشِ قد تمنَّيتُ صَدّا /
أيُّ شيءٍ قد قلتُه من جُنوني / وتفننتُ في القَلا بفُنونِ
يا مرامي المباينَ التبين / قد تلعبتَ في الهوى بالمجون
تردفُ الضد من غرامك ضدا /
يا فؤادي قد أسلمتُك الأمورا / وأباحتْ تجارةً لن تبُورا
كيف ترضى على الظبا أن تجورا / لستَ ألفوك آسفاً مقهورا
حيث فديتُ قلبها الآن فِدا /
أفنهنيك شِدةُ الإيلامِ / لفتاةٍ صعيفة في الأنَامِ
يا شريفاً لدى الملوكِ الكرامِ / بامتداحٍ لهم مدى الأيَّام
إن هذا للمجد يهدم عهدا /
فتأملْ منها انهمالَ الدموعِ / من عيونٍ مريضةٍ بالولوع
الفرارَ الفرارَ فهو شفيعي / غير أن الفرار ألقى بروعي
أنها من بعيْني تجاورُ لحْدا /
هذه فكرةٌ أراعتْ فؤادي / وأضاعتْ عَزمي وكلَّ اعتمادي
وأثارتْ دمي ووارتْ رشادي / لست أنجو جبانَ نصرِ اجتهادي
أو أفادي من همتي الآن قيدا /
ويحَ عزٍ وسؤددٍ نشتريه / بنواحِ المِلاح إذ نشتهيهِ
يا فؤادي سلْ عند أي فقيه / يغفرُ الذنبَ من قتالِ بنيه
لاشتهاءِ الظهور علّك تُهدى /
فخرُ ذا الجُرْم ليس يكسو إلا / فوق كتفيه من خَطاياه ثِقلا
أنا صدقتُ مأرباً معتلا / ورجاءً عن الطريقةِ ضَلاّ
في صنيعي لغادتي ما اشتدا /
أذهبُ اليوم خائناً للودادِ / لسؤال العُلا أمدُّ الأيادي
وجبيني قدمتُه بتمادي / نحوَ تاج على اتهامِي يُنادي
وافتضاحي يكون في الناس وِرْدا /
لا رَعى اللهُ فكرةَ التأسيفِ / مَزّقتني بسهم قوسٍ عَنيفِ
وصياحي الخفيُّ مزَّقَ خُوفي / وغضوبُ الإكليل في تعنيفي
لجبيني أضحى يُحاول طردا /
تخذ الصمتَ عادةً منك عُودِي / حيث بانتْ تلهفاتُ الصدودِ
وغدا في أناملي كالعميدِ / ميتاً لا يظن فيه بعوْدِ
لم يُطقْ للغناء أن يتصدَّى /
وأنا الذي قد رميتُ السلاحا / ولشرع الهوى خفضتُ الجناحا
لا تزالي إنْ تفعلي إصلاحا / ترفعِي في الغرام عني جناحا
وانظري لي بينُ لطفك أفَدى /
ليتني أشتري رضاءك عني / الذي الآن فيه حسَّنتُ ظنِّي
بنصيفِ الحياة لو كان يُغنى / وبما قد بقى أعيشُ بأمنِ
أرتقي في نعيمِ حُسنك خُلْدا /
فحقيقٌ أن المفاخرَ كانتْ / قد أرادتْ ضِيافتي ما توانتْ
بسعاداتٍ لم تكن لي بانتْ / لكن النصرةَ التي قد تدانتْ
بابها الظنُّ والشقاءُ تحدُّي /
فإذن قد وكلتِ شمسَ رجاءِ / بك أضحى شروقُها في ازدهاءِ
وتهنىَّ غروبها بهناءِ / وإذن أنا حاضرٌ يا منائي
فهلمِّي كيما أُقبِّلُ خَدَّا /
إن رشفي مدامعَ الأحزانِ / من عيونٍ مَريضةِ الأجْفانِ
قد رَددتِ إليكِ خِلاً مُعاني / أو صددتِ الذميمَ من طيشاني
فانظري قد قصمتُ عُودِي زهدا /
هو عودٌ كما علمتِ أثيمُ / حظه في القصاصِ حظ جسيمُ
فهو ملقيٌ على التراب ثَليمُ / حيثما كان للمعالي يَرومُ
مذ خلصتُ صار دمعك حَدّا /
فدعي ذكراكِ قصيرَ خَيالِ / غَرّني فيه لهجتي في كَمالي
وأنا الآن فديةٌ للجمالِ / قد ذبحتُ الفخارَ مما جَرى لي
ونحرتُ استقبالَ عِزي بَعدا /
إن روحي قد أغربتْ في المودهْ / بابتهاجٍ قد صيَّر العزَّ جُنده
وجناني بجنةٍ مستعده / في حياتي كيما أسامرُ مجده
فانظري كيف حبُّك اليوم أدَّى /
فمن الآن للمماتِ خُذيني / عبدَّ رقٍ بين الورى شَرِّفيني
أي شيء من الأماني يَليني / فلتكوني مولاةَ عِزّي وديني
لو اجعلي لي بساطَ حجرك مَهْدا /
فهلميِّ لتشمليني لُطفَا / وأسكريني بخمرِ عزِّك صِرْفا
فلنا عهدٌ بالمحبةِ وَفَى / ليس يفنى ذكراه لو نُتَوفَّى
من ذيولِ الأخبارِ ينشرُ بُردا /
وإذا ما لديك حانَتْ وفاتي / لك كفُّ بغمضِ جفني تاتي
وكذا في قبرٍ يُؤْهل ذاتي / أتهنّى بآخرِ اللثماتِ
فختامي في حُسنه كالمبدا /

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025