القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دَرّاج القَسْطَلّي الكل
المجموع : 23
زَمَانٌ جَدِيدٌ وَصُنعٌ جديدُ
زَمَانٌ جَدِيدٌ وَصُنعٌ جديدُ / ودنيا تَرْوقُ وَنُعْمى تَزِيدُ
وغيثٌ يَصُوبُ وعيشٌ يِطيبُ / وَعِزٌّ يدومُ وعِيدٌ يعودُ
ومُلْكٌ يُنِيرُ بِعَبْدِ المليكِ / كَشَمْسِ الضُّحى سَاعَدَتْهَا السُّعُودُ
وَنَصْرٌ كَمَا تَتَمَنَّى الأَمَانِي / وَمَوْلَىً كَمَا يتمنّى العبيدُ
حَيَاءٌ وَحِلمٌ وفضلٌ وعدلٌ / وعَطْفٌ وَعَفْوٌ وبأسٌ وجُودُ
إِذا سِيلَ كاد يذوبُ ارتياحاً / وإِنْ صالَ كادَ يذوبُ الحديدُ
فيا خير من وَلَدَتْهُ الملوكُ / وأَكرَمَ من نَصَرَتْهُ الجنودُ
وأَشجعَ من حملته الخيولُ / وأَهيَبَ من رَهِبَتْهُ الأُسودُ
وأَصمدَ من جَرَّبَتْهُ السيوفُ / وأَجملَ من ظَلَّلَتْهُ البُنُودُ
ومَنْ هو للمُلْكِ سورٌ منيعٌ / ومن هو للدينِ ركنٌ مَشِيدُ
تقبَّلْ هدِيَّةَ عبدٍ حَدَاها / لسانٌ شَكورٌ وقلبٌ وَدُودُ
جواهِرَ من نظمِ حُرِّ الثناءِ / تبيدُ اللَّيالي وَمَا إِنْ تبيدُ
كُلُّ الكواكِبِ مَا طَلَعْتَ سُعُودُ
كُلُّ الكواكِبِ مَا طَلَعْتَ سُعُودُ / وإِذا سَلِمْتَ فكلُّ يومٍ عِيدُ
وَافَاكَ يومُ المِهْرَجَانِ وَبَعْدَهُ / للفِطْرُ يومٌ بالسرورِ جَديدُ
فصلٌ يُعَاوِدُ كلَّ عامٍ والنَّدَى / فِي كُلِّ حِينٍ من يَدَيْكَ يَعُودُ
إِن أَقْلَعَتْ دِيَمُ السَّحابِ فلم تَجُدْ / فسحابُ كفِّكَ مَا يزال يَجُودُ
ولَئِنْ طوى عَنَّا الربيعُ ثيابَهُ / فَربيعُ جودِكَ شاهدٌ مَشْهُودُ
لا زالت الدنيا وأَنْتَ لأهلِهَا / مولىً ونحن لرَاحَتَيْكَ عبيدُ
شَهِدَتْ لَكَ الأَعيادُ أَنَّكَ عيدُها
شَهِدَتْ لَكَ الأَعيادُ أَنَّكَ عيدُها / بكَ حَنَّ مُوحِشُها وآبَ بَعيدُها
وأَضاءَ مُظلِمُها وأَفرَخَ رَوْعُها / وأَطاعَ عاصِيها ولانَ شديدُها
وصَفَتْ لنا الدُّنيا فَشَبَّ كبيرُها / فِي إِثْرِ مَا قَدْ كَانَ شابَ وليدُها
ما كَانَ أجمدَ قَبلَ يَوْمِكَ بحرَها / فالآنَ فُجِّرَ بالنَّدى جُلْمُودُها
والرِّيحُ للإِقْبالِ تُزْجِي للمُنى / دِيَماً تَدَفَّقُ بِالحياةِ مُدُودُها
ولَقَدْ تَغِيمُ وَمَا لنا من وَدْقِها / إِلّا خواطفُ برقِها ورُعودُها
وارتاحَ بيتُكَ فِي أباطِحِ مَكَّةٍ / لمعادِ أَيامٍ دنا مَوْعُودُها
لِمواكِبٍ صَهَلَتْ إليكَ خُيولُها / وكتائِبٍ خَفَقَتْ عَلَيْكَ بُنودُها
شَغَفاً بدَعْوتِكَ الَّتِي قَدْ طالَما / عَمَرَتْ تهائِمُها بها ونُجُودُها
وأَهَلَّ مُحرِمُها ولَبَّى ركبُهَا / وتلاحَقَتْ حُجَّابُها ووفودُها
فالآنَ أنجَزَ مَوْعِدُ الدُّنيا لَنَا / ولَها وأَخْلَفَ رَوْعُها ووَعِيدُها
حينَ استَقَلَّ بكَ السَّريرُ وفَوْقَهُ / بأسُ الخلائِفِ مُنْجِبِيكَ وجُودُها
وبهاؤها وسَناؤها ووَفاؤها / وصُفُوفُها وسيوفُها وجُنودُها
وتلبَّسَتْ منك الخِلافةُ تاجَها / وتلألأتْ لَبَّاتُها وعُقودُها
أعظِم بِهَا نِعَماً وَفيتَ بشُكْرها / فَوَليُّ عهدِ المسلمينَ مزيدُها
تاليكَ تحْتازُ المدى فَيَحُوزُه / وتَؤودُ شاهِقَةَ الرُّبا فَيَؤودُها
إِنْ تَزرَع المعروفَ فهو غَمامَةٌ / أَوْ تَبدَأ النَّعْماءَ فَهوَ مُعيدُها
تستفتِحُ السَّرَّاءَ وَهْوَ يُسيرُها / وتُشَيِّدُ العَلياءَ وَهوَ يَشِيدُها
وإِذا ازدَهَتْكَ من المحامِدِ زَهْرَةٌ / فِي رَوْضَةٍ غَنَّاءَ فهو يَرُودُها
وإِذا تَقَحَّمَتِ العُداةُ مَوارِداً / فَلَنِعْمَ طَعَّانُ الكُماةِ يَذُودُها
فطَرَتْهُ من قُطْبِ النجومِ وِلادةٌ / وكَلَتْ إِلَيْهِ الخيلَ فهو يقودُها
واختصَّهُ بدْرُ السَّماءِ بنِسبَةٍ / حَكَمَتْ عَلَى السَّادَاتِ أنْ سَيسُودُها
وسَرَتْ إِلَيْهِ من يَدَيْكَ شَمَائِلٌ / أَغرَتْهُ بالآفاقِ فهوَ يَجُودُها
وكَسوْتَهُ ثَوْبَيْ وَغىً ورياسةٍ / زُهِيَتْ عَلَيْهِ سُيُوفُها وبُرُودُها
أَيَّامَ أزهَرَتِ البلادُ كواكِباً / بقبابِ جُندِكَ والرَّجاءُ عَبيدُها
حِجَجاً ثلاثاً مَا تَأَنَّسَ حَضْرُها / شوقاً إليكَ ولا تَوَحَّشَ بيدُها
وسُرادِقُ النصرِ العزيز عَلَيْكُمَا / مرفوعُ أَرْوِقةِ الهُدى مَمْدُودُها
حَتَّى ارتقَيْتَ من المنابِرِ رُتْبَةً / غَرَّتْ بِهَا غُرُّ الرجال وَصِيدُها
فِي قُبَّةِ المُلك الَّذِي صِنْهَاجَةٌ / و زِنَانَةٌ أَطنابُها وعَمودُها
وسَراتُها ودُعاتُها ورُعاتُها / وبُناتُها وحُماتُها وأُسودُها
هُمْ نَوَّرُوا لَكَ ليلَ كلِّ مُضِلَّةٍ / سُمْراً وبيضاً مَا تَجفُّ غُمُودُها
نُورٌ لِمَنْ وَالاكَ فَهْيَ وَقِيدُهُ / أَوْ نارُ مَنْ عاداكَ فهوَ وَقُودُها
أَذْهَلْتَهَا بِعُلاكَ عَمَّا أَوْرَثَتْ / من مُلكِها آباؤُهَا وجدُودُها
وتَعوَّضَتْ بذَرَاكَ من أَوْطانِها / أُمْنيَّةً حَسْبُ النُّفُوسِ وُجُودُها
صَدَقَتْكَ أَيَّامَ النِّزَالِ سُيُوفُها / ضَرْباً وَفِي يوم النِّفارِ عُهودُها
في ساعَةٍ مقطوعةٍ أَرْحامُها / لا البِرُّ شاهِدُها ولا مَشْهُودُها
يومٌ أُذِلَّ كِرامُهُ لِلئامِهِ / وَسَطَت بأحرارِ الملوكِ عبيدُها
وتوَاكَلَتْ أَبطالُها فِي كُرْبةٍ / أعيَتْ بِهَا سادَاتُها ومَسودُها
لا يَهْتَدِي سَمْتَ النَّجاةِ دَليلُها / دَهَشاً ولا وجه السَّدادِ سديدُها
حَتَّى طَلَعْتَ لَهُم بأسعدِ غرَّةٍ / طَلَعَتْ عَلَيْهِم فِي السَّماء سُعودُها
فَتَنَسَّمُوا نَفَسَ الحياةِ لأَنْفُسٍ / قَدْ حانَ من حَوْضِ الحِمام وُرُودُها
وتبيَّنَ الغيَّ المُبيرَ غَوِيُّها / وارتاحَ للرُّشْدِ المبينِ رَشيدُها
وتبادَرُوا يُمْنى يَدَيْكَ ببَيعَةٍ / يَبلى الزمانُ ويَستجدُّ جديدُها
يَدُ رَبِّهِمْ فِيهَا عَلَى أيديهِمُ / والكاتِبُونَ الحافظونَ شُهُودُها
أَوْفَوْا بِهَا فوفَتْ بأُلْفَةِ شملِهِمْ / فِي دولةٍ مستقبَلٍ تأْييدُها
ضَمِنَتْ لَهُم أَلّا تُسَلَّ سُيُوفُها / فِي مَعْرَكٍ حَتَّى تُسَلَّ حُقودُها
وسَقَتْهُمُ بكُؤوسِ عَطفٍ أَخْمدَتْ / منهم ذُحُولاً لا يُرَامُ خُمودُها
فَبِسَلْمِها أَصْفى السلامَ أَبيُّها / وبأمنِها أَلِفَ العُيونَ هُجودُها
وتصافَحُوا بعْدَ السيوفِ بأوجُهٍ / مُتقارِضٍ مَوْدودها ووَدُودُها
هي دعوةٌ بسيوفِهِمْ تثبيتُها / فِي بَيعَةٍ أَيْمانُهُمْ توكيدُها
ومعالِمٌ لشريعةٍ بجِهادِهِمْ / وجيادِهم وجِلادِهم توطيدُها
أَن جاهدوا فِي الله حقَّ جهادِهِ / وَعَلَى النُّفُوسِ لِرَبِّها مجهودُها
لِيزيدَ عزَّاً بالجهادِ عزيزُها / ويزيدَ سَعداً باليقِينِ سَعيدُها
حَلَفُوا بربِّهِمُ لعقد خلافَةٍ / أَوْصَاهُمُ أَلّا تُحَلَّ عقودُها
وبها اسْتَقَادَ لهم مُلُوكَ عُدَاتِهِمْ / وعنَا لهم جَبَّارُها وَعنيدُها
واستَوْدَعُوا جنبَيْ شَرَنْبَةَ وَقعَةً / هدَّ الجبالَ الراسياتِ وَئيدُها
دلَفوا إِلَى شَهباءَ حان حَصادُها / بظُبىً رُؤوسُ الدَّارعين حَصيدُها
وشِعابُ قَنتيشٍ وَقَدْ حَشَرَتْ لَهُمْ / أُممٌ بُغاةٌ لا يُكتُّ عديدُها
فكأنَّمَا مَرِضَتْ قلوبُهُمُ لَهُمْ / غِلّاً فجاؤوا بالرِّماحِ تَعودُها
ترَكُوا بِهَا ظَهْرَ الصَّعيدِ وَقَدْ غَدا / بطناً وأَجسادُ الغُواةِ صعيدُها
وكَتائِبُ الإِفْرَنج إِذ كادَتْكَ فِي / أَشياعِها والله عنكَ يكِيدُها
بسوابحٍ فِي لُجِّ بحرِ سَوابِغٍ / فاضتْ عَلَى الأَرض الفضاءِ مُدُودُها
ولقد أَضافُوا نسرَها وغُرابَها / وقِراهُما طاغوتُها وعَميدُها
شِلْوٌ لأَرْمَنْقُورها حُشِرَتْ بِهِ / للزَّحفِ ثُمَّ إِلَى الجَحيمِ حُشُودُها
ودَنَتْ لَهَا فِي آرُ تَحْتَ صَوارِمٍ / وَرِيَتْ بعزِّ المسلمينَ زُنودُها
من بعْدِ مَا قَصفُوا الرِّماحَ وأصلَتُوا / بيضاً يُشيِّعُ حدَّها توحيدُها
فكأَنَّما رُفِعتْ لَهَا صُلبانُها / فِي ظِلِّ هَبوَتِها فَحَانَ سُجُودُها
وبِجانِب الغَرْبيِّ إِذْ أَقْدَمتَها / شَعثاءَ بُشِّرَ بالفُتُوحِ شهيدُها
ضَرَبُوا عَلَى الأُخدودِ هامَ حُماتِهِ / حَتَّى عَبَرْتَ وجِسرُهُنَ خُدودُها
في وَقعةٍ قامت بعُذرِ سيوفِهِمْ / لَوْ ذابَ من حَرِّ الجِلادِ حديدُها
ويضيقُ فِيهَا العُذْرُ عن خَطِيَّةٍ / سمراءَ لَمْ يُورِقْ بكفِّكَ عُودُها
فبِها رأَينا العزَّ حَيْثُ تودُّه / وسوابِغَ النَّعماءِ حَيْثُ تريدُها
إِلّا كرائِمَ من كرائِمكَ الَّتِي / بكَ كُرِّمَتْ أخطارُها وجُدُودُها
ذُعِرتْ بحُكمِ الجاهليَّةِ أَن ترى / قَدْ دُسَّ فِي تُرْبِ الثَّرى مَوْؤُودُها
أَن مَلَّكتْ مَنْ فِي يديهِ مَماتُها / ونأت عَلَى مَن فِي يَديهِ خُلودُها
فاقبلْ فقد ساقَتْ إليكَ مُهورَها / أَكْفاءُ حمدٍ لا يُذَمُّ حميدُها
بدْعاً من النظمِ النفيسِ تَشابَهَت / فِيهَا الجواهِرُ دُرُّها وفَريدُها
وَلتَهْنِنا أَيَّامُ عِزٍّ كُلُّها / عِيدٌ وأنتَ لِمن أَطاعكَ عِيدُها
ولقَد يَحولُ عَلَى وَلِيِّكَ حُوْلُها / فِي مُشفِقِ الأَهْلِينَ وَهْوَ فَقِيدُها
إِن يَطرُقِ الأَوطانَ فهو أَسِيرُها / أَوْ يُشعِرِ الأَعْدَاءَ فهو طريدُها
لا حُرْمَةُ الرحمنِ ناهيةٌ وَلا / معلومُ أَيَّامٍ ولا مَعدُودُها
عن مُسْلمٍ ضَحَّى بِهِ غاوٍ وَعَن / نَفْسٍ حرامٍ والعُداة تَصيدُها
قد عَانَدُوا الرَّحمنَ فِي حُرُمَاتِهِ / أن تُعتدى فِي المُسْلِمينَ حُدودُها
بيضُ السُّيوفِ عَليَّ فيكَ حِدَادُها / مُتَوَقِّدُ الأَكبادِ نحوِيَ سُودُها
هذا جَنايَ وغارَةٌ مشهودةٌ / عَدَلَتْ بِحُبِّ المُسْتَعينِ شُهُودُها
وكَفاكَ من نَفْسٍ كَفَيْتَ رَجاءها / ذُخراً فَهانَ طَريفُها وتَليدُها
كَانَتْ وَحيدةَ دَهرِها من نَكْبَةٍ / مَنْكوبُها فذُّ الدهورِ وحيدُها
وَلَئِنْ أَجَدَّ ليَ الحَسودُ نَفاسةً / أَن قَدْ دَعاكَ لِنِعمةٍ تَجديدُها
فأنا الَّذِي لَمْ تُغضِ عيْنُ الدَّهْرِ عن / نُعمى ولا نُقمى يَنامُ حَسودُها
وَلِذَاكَ فِي عُنُقي مُوَثَّقُ غُلِّها / باقٍ وَفِي القَدَمين بعدُ قُيُودُها
كَمْ أَستَطِيلُ تَضَلُّلِي وتَلَدُّدِي
كَمْ أَستَطِيلُ تَضَلُّلِي وتَلَدُّدِي / وأرُوحُ فِي ظُلْمِ الخطوبِ وأَغْتَدي
والأَرضُ مُشرِقَةٌ بنورَيْ ربِّها / والفجرُ مُنبَلِجٌ لِعَيْنِ المُهتدي
بأَغَرَّ من بيتِ النُّبوَّةِ والهُدى / كالبدرِ من وَلَدِ النَّبيِّ مُحَمَّدِ
القاسِمِ المقسومِ راحَةَ كَفِّهِ / فِي بَسطِ معروفٍ وقَبضِ مُهَنَّدِ
الهاشِمِيِّ الطَّالِبيِّ الفاطِمِي / يِ الوَارِثِ العَليا بأَعْلى قُعدُدِ
أَهْدى إِلَى الدنيا عَليٌّ هَدْيَهُ / فِي طَيِّ أَرْدِيَةِ النُّهى والسُّؤْدَدِ
حتى تَجَلَّى للمكارِمِ والعُلا / بَدْراً تَنَقَّلَ فِي بُرُوجِ الأَسْعُدِ
مُتَقَدِّماً من مَشرِقٍ فِي مَشرِقٍ / مُتَنَقِّلاً من سيِّدٍ فِي سَيِّدِ
من كُلِّ رُوحٍ بالعَفافِ مقدَّسٍ / فِي كُلِّ جِسمٍ بالسَّناءِ مُقلَّدُ
بَعُدُوا عنِ الرِّجْسِ الذَّمِيمِ وطُهِّرُوا / فِي مَنشَأٍ للمُنْجِبِينَ ومَوْلِدِ
ولَرُبَّ موجودٍ ولَمَّا يُوجَدِ / منهُمْ ومفقودٍ كَأَنْ لَمْ يُفْقَدِ
ما بُشِّرُوا بالفَوْزِ حَتَّى بُشِّرُوا / بِأَبَرِّ مَنْ خَلَفَ الجُدُودَ وأَمْجَدِ
لَهمُ زكِيُّ صَلاتِنا ودُعاؤُنا / فِي كلِّ خُطبةِ مِنبرٍ وتَشهُّدِ
ومكانُهُم من قلبِ كُلِّ كَتيبةٍ / كمكانِهِمْ من قلبِ كُلِّ مُوَحِّدِ
هُمْ أَنجبوكَ لسانَ صدقٍ عَنهُمُ / فَرعاً يطيبُ لنا بطيبِ المَحْتِدِ
وهُمُ رَضُوكَ لكلِّ خطبٍ فادحٍ / واستخلفوكَ لكلِّ غاوٍ مُعتَدِ
ولصوتِ داعٍ بالصَّرِيخِ مُثَوِّبٍ / ولِفَكِّ عانٍ بالخطوبِ مُقيَّدِ
مَلَكٌ تَشاكَهَ جُودُهُ وجَوادُهُ / إِن كَرَّ نحوَ مُبارِزٍ أَوْ مُجْتَدِ
أَعْيا عَليَّ أَهَادِياتُ جِيادِهِ / فِي الرَّوْعِ أَهْدى أَمْ نداه فِي النَّدي
لا الفارِسُ الأَقصى بمُعجِزِهِ ولا / جَدْواهُ للأَدنَيْن دونَ الأَبْعَدِ
سيفُ الخِلافَةِ فِي العِدى وأَمينُها / دونَ الغُيوبِ وزَيْنُها فِي المَشْهَدِ
يُبلي جَوَانِحَها بنفسِ مخاطِرٍ / ويُنيمُ أَعيُنَها بعَيْنِ مُسَهَّدِ
جَهِدَ الكرامُ وَمَا دَنَوْا من غايَةٍ / أَحرزْتَها متأَنِّياً لَمْ تَجهدِ
بِكَ أُخْمِدَتْ نيرانُها من فتنَةٍ / لولاكَ يَا ابْنَ نَبيِّنا لَمْ تُخْمَدِ
مَنْ ذا سِوَاكَ إِذَا الرجالُ تدافعوا / رَأْياً يُؤَلِّفُها برأْيٍ أَوْحَدِ
وإِذا الصَّوارِمُ جُرِّدَتْ فِي فتنةٍ / عَمْياءَ تُغْمِدُها بسيفٍ مُغمَدِ
ولرُبَّ مُشعَلةِ الرِّماحِ كَفَفْتها / عَفواً وَمَا زَعْزَعْتَ حَبوَةَ مُرتَدِ
يا مَنْ إِذَا عَلِقَتْ يَدِي بيَمينِهِ / فالكاشِحونَ أَقَلُّ مَا مَلَكتْ يَدي
وإِذا عَقَلْتُ رَواحِلي بفنائِهِ / فقد اقتَضَيْتُ ضَمانَ يومِي عن غدِ
وَعَدَتْنِيَ الدُّنيا شقيقَك مفزَعاً / من سُوءِ عادِيةِ الزَّمانِ الأَنكَدِ
وكَفى بِبِشرِكَ لي بَشيراً بالمُنى / وقبولِ وَجْهِك مُنجِزاً للمَوْعِدِ
يا ابْنَ الشفِيعِ بنا وأَكْرَمَ أُسْوَةٍ / لِلمُقتَدِينَ وأَنتَ أَجْدَرُ مُقتَدِ
امدُدْ يَمينكَ شافِعاً ومُشَفَّعاً / تَحُزِ الثَّناءَ مُخلَّداً بمُخلَّدِ
يا ابْنَ الوَصِيِّ عليَّ أَوْصِ سَمِيَّهُ / أَلّا يضيعَ سَمِيُّ جَدِّكَ أَحْمَدِ
يا صَفْوَةَ الحَسَنَيْنِ كَمْ قَدْ أَحْسَنا / إِصغاءَ وُدِّ النازِحِ المتَودِّدِ
يَا أَيُّهَا القَمرانِ أَيْنَ سَناكُمَا / عن مُطبِقٍ فِي ليلِ هَمٍّ أَسْوَدِ
يَا أَيُّهَا الغيثانِ هلْ لكما إِلَى / روضِ النُّهى والعِلْمِ فِي التُّرْبِ الصَّدِي
يا فرقَدَيْ قُطْبِ الخلافَةِ جَهِّزا / مُهْدِي السَّلامِ لفَرْقَدٍ من فَرْقَدِ
فَلأَجْعَلَنَّ ثناءَ مَا أَوْلَيْتُما / زاداً لكُلِّ مكَوِّفٍ أَوْ مُنجِدِ
حَتَّى يُسَمَّعَ طِيب مَا أُثني بِهِ / قَبْرٌ بطَيبةَ أَوْ بِصَحْنِ المَسجِدِ
وإِذا وردنا حوضَ جدِّك فاستمعْ / وأَبوكَ يَسقِي للرَّواءِ السَّرْمَدِ
شُكْر الَّذِي أَرْحَبتُما من منزِلي / وثناءَ مَا رَفَّهتُما من مَوْرِدِ
فِي سِتَّةٍ ضَعُفُوا وضُعِّفَ عَدُّهُمْ / حَمْلاً لمبهورِ الفُؤَادِ مُبَلَّدِ
شدَّ الجلاءُ رِحالُهُم فتَحَمَّلتْ / أَفلاذَ قلبٍ بالهُمُومِ مُبَدّدِ
وَحَدَتْ بِهِمْ صَعَقَاتُ رَوْعٍ شَرَّدَتْ / أَوْطانَهُمْ فِي الأرضِ كُلَّ مُشَرَّدِ
لا ذَاتُ خِدْرِهمُ يُرَامُ لِوَجْهِهَا / كِنٌّ ولا ذو مَهْدِهمْ بمُمَهَّدِ
عاذُوا بلَمْعِ الآلِ فِي مَدِّ الضُّحى / مِنْ بَعدِ ظِلٍّ فِي القُصورِ مُمَدَّدِ
ورَضُوا لباسَ الجُودِ يَنْهَكُ مِنهُمُ / بِالبُؤْسِ أَبشارَ النَّعِيمِ الأَرْغَدِ
واستَوْطَنُوا فَزَعاً إِلَى بَحرِ النَّدى / أَهْوَالَ بَحْرٍ ذي غَوَارِبَ مُزْبِدِ
من كُلِّ عارٍ بالتَّجَمُّلِ مُكتَسٍ / ومُزَوَّدٍ بالصَّبْر غيرِ مُزَوَّدِ
ولَنِعْمَ جَبْرُ الفَقْرِ من بَعدِ الغِنى / والذُّلِّ بَعدَ العِزّ آلُ مُحَمَّدِ
جِهادُكَ حُكم اللهِ من ذا يَرُدُّهُ
جِهادُكَ حُكم اللهِ من ذا يَرُدُّهُ / وعَزْمُكَ أَمْرُ اللهِ مَنْ ذا يَصُدُّهُ
وطائِرُكَ اليُمْنُ الَّذِي أنتَ يُمنُهُ / وطَالِعُكَ السَّعدُ الَّذِي أنتَ سَعدُهُ
وبَيعةُ رِضْوَان رَعَى الله حَقَّها / لمَنْ بَيعةُ الرِّضْوَانِ إِذْ غابَ جَدُّهُ
فأَصبَحَ فِي رَأْسِ الرِّياسَةِ تاجُهُ / وَنُظِّمَ فِي جيدِ الخِلافَةِ عِقدُهُ
مَسرَّتُهُ مأْوى الغريبِ وسِتْرُهُ / ولَذَّتُهُ خَيْرُ المُقِلِّ ورِفْدُهُ
وأجنادُهُ فِي موقِفِ الرَّوْعِ رَوْضُهُ / وَأَعلامُهُ فِي مَوْرِدِ المَوْتِ وِرْدُهُ
نلاعِبُ آرَامَ الفَلا من هِباتِهِ / وآرامُهُ غُرُّ الطِّرَادِ وَجُرْدُهُ
ونَفْتَرِشُ الدِّيباجَ منْ جُودِ كَفِّهِ / وَمَا فَرْشُهُ إِلّا الجَوادُ ولِبدُهُ
ومَنْ بَرَّحَ البيضُ الحِسان بوَجْدِهِ / فبالبيضِ فِي الهَيجاءِ بَرَّحَ وَجْدُهُ
وقَرَّبَنا من رَحْمَةِ اللهِ هَدْيُهُ / وَرَغَّبَنا فِي طاعَةِ الله زُهْدُهُ
وعلَّمَنا بَذْلَ النُّفوسِ لِنَصْرِهِ / نَدى كَفِّهِ المُرْبي عَلَى القَطْرِ عَدُّهُ
ولَوْ لَمْ يُوَافِ الوافِدُونَ قِبابَهُ / لأَصبحَ من زُهر الكواكِبِ وَفْدُهُ
وأَيَّامُهُ المَوصُولُ طُولُ صِيامِهِ / بلَيلٍ تَحلَّى بالتِّلاوَةِ سُهْدُهُ
وأَبْلَجَ من قحطانَ قُربُكَ عِزُّهُ / ومُلكُكَ مَحْياهُ ونَصرُكَ مَجْدُهُ
شَديدُ مِحال الرُّمحِ فيكَ أَبيُّهُ / مُبِرُّ خِصامِ السَّيفِ عَنكَ أَلَدُّهُ
رضاكَ لَهُ يَا مُرتضى دينُ وَاثِقٍ / بأَنَّكَ للدينِ الحَنيفِ تعدُّهُ
وما يَزْدَهِيهِ مِنكَ دهْرٌ يسُودُهُ / إذَا لَمْ تُجرِّدْهُ لِثَغْرِ يَسُدُّهُ
يَوقِّرُ عنكُمْ سَمْعُهُ فيُصيخُهُ / ويَقصُرُ عَنْكُمْ طَرْفُهُ فَيَمُدُّهُ
وعهدُكَ بالآمالِ تَصْرِفُ عَنكُمُ / ورَدَّاكُمُ عَهدَ السَّموْأَلِ عَهْدُهُ
وكم حَلَّ مَوتُ الحَقِّ من شَدِّ عَقدِكم / ويُحيي ابْنُ يَحْيى عَقدَكُمْ فَيَشُدُّهُ
وإِنْ ماتَ مَوْتُ اليَأْسِ منكُم رَجاؤُهُ / تَنَسَّم فيكُم روحَهُ فيَرُدُّهُ
ونادَيْتَ فِي الإِسْلامِ حَيّ عَلَى الهُدى / فَيا لَكَ مِنْ ظَمآنَ قَدْ حانَ وِرْدُهُ
فقلَّدْتَهُ سَيفاً لِزَحْفٍ يقُودُهُ / لِخِزْيِ عِدَاكَ أَوْ لزغف يَقدُّهُ
فإِنْ لَمْ يكَنْ لِلهِنْدِ يوماً حَديدُهُ / فمِنْ يَعرُبَ العَليا شباهُ وَحَدُّهُ
وإِنْ يَكُ فِي سَرْوِ اليَمانِينَ أَصْلُهُ / فطاعتُهُ فِي عَبدِ شَمْسٍ وَوُدُّهُ
وإِنْ أَنْجَبَتْهُ أَزْدُهُ وتُجِيبُهُ / فَصَفْوَتُهُ عَدْنانُهُ وَمَعَدُّهُ
أَمَا وتَحَلَّى دُونَ مُلكِكَ نَصْلُهُ / لَقِدْماً تَحَلَّى من سَنائكَ غِمْدُهُ
لمُلكٍ نَمى عَبدُ المَلِيكِ مُلُوكَهُ / وأَنْجُمِ نورٍ من هِشامٍ تُمِدُّهُ
بكُلِّ إِمامٍ ناصِرٍ أَنتَ صِنوُهُ / وكُلِّ مليكٍ قاهِرٍ أَنتَ نِدُّهُ
نَمَوْكَ إِلَى بَيتِ النُّبُوَّةِ وابْتَنَوْا / لَكَ الشَّرَف الفَرْدَ الَّذِي أَنتَ فَرْدُهُ
فأَفخِرْ بِمَنْ قُرْبُ النِّبيينَ فَخْرُهُ / وأَمْجِدْ بمَنْ مَجدُ الخَلائِفِ مَجدُهُ
ومَنْ كُلُّ حَقٍّ فِي الخِلافَةِ حَقُّهُ / وكلُّ إِمامٍ فِي البَريَّةِ جدُّهُ
ومَنْ أُمُّهُ أَجْيادُ والرُّكْنُ ظِئرُهُ / ومُرْضِعُهُ البَطحاءُ والحِجْرُ مَهْدُهُ
لَهُ حَرَمُ الإِتْهامِ والغَوْرُ غَوْرُهُ / ومَنْهَجُ سُبلِ الحَجِّ والنَّجدُ نَجدُهُ
وحَيثُ اعْتلَى صَوْتُ المُلَبِّي وَحَجُّهُ / وحَيثُ انتهَى صَدْرُ الحَجيج وَوَخْدُهُ
مَناقِبُ سارَتْ فِي مَعالِمِ كُنْهِها / عُقولُ بَني الدُّنيا وَمَا حُدَّ حدُّهُ
وَفَخْرٌ لَوْ استَنْجدْتُ فِي وَصْفِهِ الوَرَى / لأَسْأَرَ من عَدِّ الحَصى مَنْ يَعُدُّهُ
ولمْ يُبلِ مَا أَبْلاهُ آباءُ مُنْذِرٍ / لأَوَّلهمْ بلْ مَفَخَرٌ تَسْتَجِدُّهُ
وأَلْقَوْا عَلَى مَرْوَانَ صَفوَةَ أَنْفُسٍ / تَعالى بِهَا جَدُّ الزمانِ وجَدُّهُ
وسيفُكَ منهُم سَهْمُكَ الصَّائِبُ الَّذِي / يَزيدُ غَناءً كُلَّما زادَ بُعدُهُ
رَمَيْتَ بِهِ آفاقَ رُومَةَ فانْثَنى / يقودُ بُنُودَ الرُّومِ نَحْوَكَ بَندُهُ
فَرُبَّ حمِيِّ الغِلِّ فِي غِيلِ مُلكِها / بَعيدٍ عَلَى شَأْوِ الجنائِبِ قَصْدُهُ
متى يَرْمِ صَرْفَ الدَّهْرِ لا يَعدُ نفسَهُ / وإِنْ يَرْمِهِ صَرفُ المكارِهِ يَعدُهُ
تجلَّى ابنُ يَحيى فِي سناكَ لِغَيِّهِ / فبَصَّرَهُ أَنَّ اصطناعَكَ رُشْدُهُ
فما أَبْطَأْتَ إِذ أَبطأتْ يدُ قادِحٍ / أَتاكَ وَقَدْ أَوْرى لك النُّجحَ زَنْدُهُ
ولا غابَ من وافاكَ من أرْضِ رُومَةٍ / بغابٍ من الخَطِّيِّ تَزْأَرُ أُسْدُهُ
كتائِبُ لَوْ يُرمى بِهَا الدَّهْرُ قبلَنا / لزُلزِلَ ذُو القَرْنَيْنِ منها وسَدُّهُ
كَأَنَّ فضاءَ الأَرْض أُلبِسَ منهُمُ / لَبوساً من الماذِيِّ قُدِّرَ سَرْدُهُ
تُهَدُّ بِهِمْ شُمُّ الجبالِ فإِنْ هَفَوا / فلَحْظُكَ يَرْمِي جَمْعَهُمْ فَيَهُدُّهُ
فما ينظُرُ الأَعدَاءُ إِلّا عَجَاجَةً / يسيرُ بِهَا الرَّحمنُ فِيهَا وعبدُهُ
إلى يومِ فَلْجٍ ساطِعٍ لَكَ نُورُهُ / وميقَاتِ فتحٍ صادقٍ لكَ وعْدُهُ
عَلى بادِئِ الإِنعَامِ فِيهِ تمامُهُ / وحَقٌّ عَلَى سِبْطِ الخِلافَةِ حَمدُهُ
وحَقٌّ عَلَى يُمنى يَدَيَّ بقاؤُهُ / جديداً عَلَى مَرِّ الزَّمانِ وخُلْدُهُ
بغَرْبِ لسانٍ لَوْ أُبارِي بِهِ الوَرى / مَدى الدَّهر لَمْ يَبْلُغْ نَصِيفيَ مُدُّهُ
عَليماً بأَن مَنْ أَلْحدَتْ فيكَ نَفسُهُ / ففِي لَهَواتِ الذِّيبِ والذَّيخِ لَحْدُهُ
ومَنْ يَبغِ فِي الآفاقِ عنكَ مُراغِماً / فَوِجْدانُهُ فِي مُلتَقى الخَيل فَقدُهُ
ومن يَتَّخِذْ فِي غير بَحرِكَ مَوْرداً / فلم يُتَّخَذْ إِلّا لنَعْلَيْكَ خَدُّهُ
فلا أَمَلٌ إِلّا إِليكَ انتِهاؤُهُ / ولا مَلِكٌ إِلّا إِليكَ مَرَدُّهُ
سَعيٌ شَفى بالمُنى قبل انتها أَمَدِهْ
سَعيٌ شَفى بالمُنى قبل انتها أَمَدِهْ / ويوْمُ سَعدٍ أَرانا الفتحَ قَبلَ غدِهْ
بمقدِمٍ والقنا مِلءُ الفضاءِ بِهِ / وقادِمٍ وعتادُ الشِّرْكِ ملءُ يدِهْ
داعٍ إِلَى دعوةِ الإِسلامِ ينصُرُها / فأَيُّ مُعتمدٍ من شَأْوِ مُعتمدِهْ
وكمْ فؤادٍ وكم جسمٍ وكم بَصَرٍ / لَبَّاهُ من قُرْبهِ سَعياً ومِنْ بُعُدِهْ
جمعاً غدا الحاجِب المَيمونُ قائدَهُ / والنَّصرُ والصَّبرُ والإِيمانُ من مَدَدِهْ
لمثلِها كنتَ يَا منصورُ والِدَهُ / ومِثلَها سَيُريكَ اللهُ فِي وَلَدِهْ
أَنجبتهُ وسْطَ رَوْضِ المُلكِ تَظْأَرُهُ / بواسِقٌ للعُلا تَهْتَزُّ فِي ثأَدِهْ
أَثمارُها من جنى الجانين دانِيةٌ / ووَرْدُ زَهْرَتِها قَدْ راقَ فِي نضدِهْ
فأَرْضَعَتْهُ ثُدِيَّ الحربِ فِي كِلَلٍ / من القنا فَوْقَ مَهدٍ من شبا قِصَدِهْ
حَيْثُ تلاقَتْ نواصي الخَيلِ واعتَنَقَتْ / صدورُ غَيظٍ يذوبُ الصَّخْرُ من وَقَدِهْ
سَرى لأَمرِكَ لا لَيلٌ بواجِدِه / عَلَى الحَشايا ولا نَجمٌ بِمفتقِدِهْ
مُجهِّزاً فِي سبيلِ اللهِ جَيشَ هُدىً / السَّمعُ والطَّوْعُ للمنصورِ من عُدَدِهْ
لمنْ بنى قُبَّةَ العَليا نَدىً ووَغىً / فأَصبحَ المُلكُ مرْفوعاً عَلَى عُمُدِهْ
مُوَرَّثِ المُلكِ من عُليا تَبابِعِهِ / والسَّيفِ من عَمْرِهِ والسَّيب من أُدَدِهْ
والنَّصْرِ من سَعيِ أَعمامٍ لَهُ فُطرُوا / لِنَصرِ ذي العَرْشِ فِي بَدْرٍ وَفِي أُحُدِهْ
مُشَدِّداً عُقَدَ الإِسلامِ إِنْ نُكِثَتْ / ولا تَحُلُّ خطوبُ الدَّهرِ من عُقَدِهْ
وقائِدُ الخيلِ مُزْجاةً مُجَهَّزَةً / للحربِ من صبرِهِ فِيهَا ومن جَلَدِهْ
هادٍ هوادِيَها والليلُ معتكرٌ / بهَدْيِ من أرْشِدَ الإِسْلامُ فِي رَشَدِهْ
كم بَيْنَ ليلِكَ يَا منصورُ تُركِضُها / وليلِ مُرْتكِضٍ فِي لَهْوِهِ وَدَدِهْ
ما صُبحُ مصطَبحٍ فِي روضةٍ أُنفٍ / من صُبْحِ من يَنعمُ الإِسلامُ فِي كَبِدِهْ
سارٍ إِلَى غِرَّةِ الأَعداءِ يَطلُبُها / إِذَا تقلَّبَ ساهِي العيش فِي رَغَدِهْ
مسهَّداً فِي سبيلِ اللهِ يكلؤُهُ / ربٌّ أَنامَ عُيونَ الدِّينِ فِي سُهُدِهْ
مُوفٍ عَلَى كَتدَيْ طاوي الحُزونِ بِهِ / والمُلكُ والدِّينُ والدنيا على كَتدِهْ
تُقصِّرُ الرِّيحُ عن مَسْرى كتائِبِهِ / كما تَقاصَرَتِ الأَملاكُ عن أَمَدِهْ
بُحورُ جَدْواهُ فِي الآفاقِ زاخِرةٌ / وَقَدْ يُزاحِمُ هِيمَ الطَّيرِ فِي ثَمدِهْ
شَرَّابُ أَنقُع أَجوازِ الفَلاةِ إذَا / مَا كَانَ شُرْبُ دمِ الأَعداءِ من صَدَدِهْ
حَتَّى يَئُودَ القنا فِي كُلِّ معركةٍ / أَوْداً يُقيمُ قَناةَ الدِّينِ من أَوَدِهْ
ويُنهِبُ الموتَ أَرواحَ الكُماةِ كَما / يُبيحُ فِي السَّلم جَدْوَاهُ لمُنتقِدِهْ
حَيْثُ يُعِلُّ أَديمَ القِرْنِ من دَمِهِ / ويَحتَبي جَسدُ الجبَّارِ فِي جَسَدِهْ
وتلحَظُ الشَّمسُ من أَثناءِ هَبْوَتِهِ / كما يُغَضغِضُ جَفنُ العَينِ من رَمَدِهْ
لا يُبعِدُ الجُودَ من يومِ الجِلادِ ولا / يُغِبُّ يومَ نداهُ يومُ مُجتلَدِهْ
كَأَنَّهُ من دَمِ الأَعداءِ فِي حَرجٍ / فإِنْ يَمُتْ ذو سلاحٍ من يدَيْهِ يَدِهْ
ومُعتَفوهُ لَديهِ أولياءُ دمٍ / نَداهُ ذُو عَقلِهِ فيهم وذو قَوَدِهْ
مساعِياً كُتِبتْ فِي اللَّوْحِ واكتُتِبَت / فينا بسعي ابن يحيى واعتلاءِ يدِهْ
يَخُطُّها بصدورِ الخَطِّ مُنصلِتاً / فِي كلِّ صدرٍ حليفِ الكُفرِ مُعتقِدِهْ
ويَنْثَني فِي صِفاحِ العُجمِ يُعجِمُها / بِصَفحَتَيْ كُلِّ ماضِي الغرْب مُتَّقدِهْ
والمُلكُ يَنسَخُها فِي أُمِّ مَفخَرِهِ / والدهرُ يَقرَؤها فِي مُنتَهى أبَدِهْ
راع الملوكَ فمخنوقٌ بجِرَّتِهِ / يهيمُ فِي الأرضِ أو لاجٍ إِلَى سَندِهْ
فتِلكَ نفسُ ابن شَنجٍ لا مآلَ لَهَا / من مِيتَةِ السيفِ أَوْ عَيشٍ عَلَى نَكدِهْ
ما يَرْتَقي شَرَفاً إِلّا رَفَعتَ لَهُ / وجهاً من الرَّوْعِ مَرفوعاً عَلَى رَصَدِهْ
ولا انتحى بلداً إلّا قَرَنْتَ بِهِ / هَمّاً يُبلِّدُهُ عن مُنتحى بَلَدِهْ
وقد تَوَجَّسَ من يُمناكَ بارِقَةً / فِي عارِضٍ لا يفوتُ الطَّيرُ من بَرَدِهْ
جيشاً إذَا آدَ مَتنَ الأَرضِ تَعدِلُهُ / بحِلْمِ أَرْوَعَ راسي الحِلمِ مُتَّئدِهْ
كالبحرِ تَنسِجُهُ ريحُ الصَّبا حُبكاً / إذَا ترَقرَقَ فِي الماذِيّ من زَرَدِهْ
بحرٌ سفائِنهُ غُرٌّ مَسومَةٌ / والبَيْضُ والبِيضُ والرَّاياتُ من زَبَدِهْ
وجاحمٌ من حريقٍ لا خمودَ لَهُ / إِلاَّ ونَفسُ ابن شَنجٍ وسْط مُفتأَدِهْ
كَتائِباً تَرَكَتْ عُبَّادَ مِلَّتِهِ / لا تعرِفُ السبتَ فِي الأيامِ من أَحَدِهْ
إِن ضاقَ عن مرِّها رَحْبُ الفضاءِ فقد / نَفِذْتَ من قَلبِهِ فِيهَا إِلَى كَبدِهْ
فتَّتَّ منها قواصي بَنباويَتِهِ / بالهَدْمِ والنَّارِ فَتّاً فتّ فِي عضدِهْ
وقدْتَ منها مطاياهُ مُوَقَّرَةً / بأهل كُلّ رفيع القدر أَوْ وَلَدِهْ
سما لَهُمْ رهَجُ المنصورِ فانقلبُوا / نحلاً جَلاهُ دُخانُ النَّار عن شُهُدِهْ
وراحَ كُلُّ منيعٍ من معاقِلِهِمْ / غاباً خَلا لمُبيرِ الأُسدِ من أَسَدِهْ
يرمي إِلَى الخيلِ والأَبطالِ مُفتدياً / بكلِّ أَغيدَ زادَ الذُّعر فِي غَيَدِهْ
ثم اتَّقَى أعيُنَ النُّظَّارِ ينقُدُها / من عَينِهِ كالحَصى عدَّاً ومِنْ نقَدِهْ
فرُبَّ ذي قَنصٍ زُرقٍ حبائِلُهُ / قَدْ صادَ ظَبياً وَكَانَ اللَّيثُ من طَرَدِهْ
وقد ترَكْتَ ابنَ شَنجٍ فلَّ مُعتَرَكٍ / إِن لَمْ يَمتْ من ظُباهُ ماتَ من كَمَدِهْ
مُشَرَّداً فِي قواصي البيدِ مُغترِباً / وَقَدْ مَلأْتَ فِجاجَ الأَرْضِ من خُرُدِهْ
وَ فِرْذَلندُ رَدَدْتَ المُلكَ فِي يَده / وَمَا رَجا غَيرَ رَدِّ الرُّوحِ فِي جَسَدِهْ
شِبلٌ دعاكَ لأُسْدٍ فوقهُ لِبَدٌ / فأقشعتْ عنه والأَظفارُ فِي لِبَدِهْ
وطارَ نحوَكَ سَبحاً فِي مَدامِعِهِ / وَقَدْ تزَوَّدَ مِلْءَ الصَّدر من زُؤُدِهْ
ثم انثنى وملوكُ الشِّرْكِ أَعبُدُهُ / إِذْ جاءَ عبدَ يَدٍ أَلقى لَهَا بيدِهْ
وآبَ مَنصورُ قَحطانٍ بعزَّتِهِ / أَوْباً تَذُوبُ مُلُوكُ الأَرْضِ من حَسَدِهْ
فاللهُ ينقُصُ من أَعدائِه أَبداً / ويستَزيدُ من الإِسلامِ فِي عَدَدِهْ
بِفَتْحِ الفُتُوحِ وسَعْدِ السُّعُودِ
بِفَتْحِ الفُتُوحِ وسَعْدِ السُّعُودِ / وعِزِّ العزيزِ وحَمْدِ الحَمِيدِ
تَدَرَّعْتَ صَبْراً تَجَلَّى بِنَصْرٍ / وأَوْفَيْتَ شُكْراً وَفى بالمَزِيدِ
فَمِنْ يَوْمِ عِيدٍ إِلَى يَوْمِ فَتْحٍ / ومن يَوْمِ فَتْحٍ إِلَى يَوْمِ عِيدِ
وجُودٍ تَفَجَّرَ مِنْ نَارِ بَأْسٍ / وبَأْسٍ تَسَعَّرَ مِنْ بَحْرِ جُودِ
بِطَوْلٍ يُعِيدُ شَبابَ الكَبِيرِ / وهَوْلٍ يُشَيِّبُ رَأْسَ الوَلِيدِ
وسَعْيٍ يزيدُ مَدىً كُلّ يَوْمٍ / إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَدىً من مَزِيدِ
فَلَوْ عَلِمَ البَدْرُ عَمَّ السَّماءَ / أَوِ البَحْرُ جَلَّلَ وَجْهَ الصَّعِيدِ
فَكَمْ صَبَّحَتْكَ بِفَتْحٍ قَرِيبٍ / سُرى لَيْلَةٍ ذَاتِ صُبْحٍ بَعِيدِ
وكَمْ حَمَلَتْ منكَ بَيْدَاءُ قَفْرٍ / إِلَى الكُفْرِ من يَوْمِ حَيْنٍ مُبِيدِ
بِكُلِّ كَمِيٍّ لأُمٍّ نَزُورٍ / ومن راحَتَيْكَ لأُمٍّ وَلُودِ
يُجيبُ إِلَيْكَ صَرِيخَ المُنادِي / بِأَنْزَعَ مِنْ قَلْب صَبٍّ عَمِيدِ
ويَلْقى وَجُوهَ الأَهاوِيلِ عَنْكَ / لِقاءَ هَوىً مَا لَهُ مِنْ صُدُودِ
إِذَا قَتلَ الحَزْنَ والسَّهْلَ وافى / نُفُوسَ العِدى من يَدَيْ مُسْتَقِيدِ
وكُلِّ جَوَادٍ نَمَتْهُ يَدَاكَ / فأَعْرَقَ فِي سَرْوِ بَأْسٍ وَجُودِ
رَعى بكَ كُلَّ حِمىً لَمْ يَرُعْهُ / صَرِيخُ المُنادِي بِهادٍ وَهِيدِ
تَضَمَّنَهُ خافِقات البُرُوقِ / تَلأْلأُ فِي مُصْعِقَاتِ الرُّعُودِ
وأَوْرَدْتَها كُلَّ ماءٍ حَماهُ / بَرِيقُ السُّيُوفِ وَزَأْرُ الأُسُودِ
سَرَيْتَ فَأَلْحَقْتَ لَيْلاً بِلَيْلٍ / وسِرْتَ فَوَصَّلْتَ بِيداً بِبِيدِ
كما قَدْ وَصَلْتَ حِبالَ الغَرِيبِ / وَقَرَّبْتَ مَأْوى القَصِيِّ البَعِيدِ
ونادى نَدَاكَ عَلَى الأَرْضِ حَيَّ / عَلَى مُسْتَقَرِّ الشَّرِيدِ الطَّريدِ
وجَيْشٍ عَقَدْتَ لَهُ فِي الجِهادِ / لِواءً سَما بِوَفاءِ العُقُودِ
فَزَادَ الضُّحى مِنْ سَنا الشَّمْسِ نُوراً / ولَيلَ السُّرى فِي نُجُومِ السُّعُودِ
وأَصْبَحْتَ أَعلى جِبالِ الأَعادِي / تُزَلْزِلُها بِجِبالِ الحَدِيدِ
فَرُعْتَ الصَّياصِي بِشُعْثِ النَّوَاصِي / وأَبْناءِ قُوطٍ بأَبْناءِ هُودِ
بِكُلِّ نَجِيبٍ نَمى فِي تُجِيبَ / بِمَجْدِ الجُدُودِ وسَعْدِ الجُدُودِ
لَهُ فِي المَدى كُلُّ بَحْرٍ طَمُوحٍ / وفَوْقَ العُلا كُلُّ قَصْرٍ مَشِيدِ
مَناقِبُهُمْ لِصُدُورِ الدُّهُورِ / عُقُودٌ نُظِمْنَ نظامَ الفَرِيدِ
ومُلْكُكَ سِلْكٌ لِذَاكَ النِّظَامِ / وأَنْتَ وَسِيطٌ لِتِلْكَ العُقُودِ
فَأَسْرَيْتَ بَيْنَهُمُ يَا ابْنَ يَحْيَى / كَبَدْرٍ سَرى بَيْنَ زُهْرِ السُّعُودِ
رُجُوماً رَمَيْتَ بِهَا فِي الضَّلالِ / عَلَى كُلِّ شَيْطَانِ كُفْرٍ مَريدِ
تُذَكِّرُهُمْ بِذُبالِ الرِّماحِ / صِلاءَهُمُ النَّارَ ذَاتَ الوَقُودِ
وتُرْهِقُهُمْ كُلَّ طَوْدٍ يفَاعٍ / يُمَثِّلُهُمْ رَهَقاً فِي صَعُودِ
وَمَا فات صَرْفَ الرَّدى مَنْ عَلَيْهِ / لِنَصْرِكَ عَيْنُ رَقِيبٍ عَتِيدِ
ولَوْ كَانَ وَعْداً لأَنْجَزْتَ لكِنْ / خُلِقْتَ خَلِيقاً بِخُلْفِ الوَعِيدِ
ولو شِمْتَ سَيفَكَ فِي صَدْرِ كِسْرى / وَقَيصَرَ بَيْنَ الطُّلى والوريدِ
لما نِلْتَ حَقَّكَ سَعْياً وهَدْياً / ولا بَعْضَ ثارِ أَبِيكَ الشَّهيدِ
وفي اللهِ أَكْفَأْتَ كَأْسَ المَنامِ / وسُمْتَ جُفُونَكَ فَقْدَ الهُجُودِ
الآنَ رُدَّ عنانُ الملكِ فِي يدِهِ
الآنَ رُدَّ عنانُ الملكِ فِي يدِهِ / وعاد نورُ الهدى في جفنِ أَرْمَدِهِ
ولاح قائدُ ذَاكَ الثَّغْرِ أَوْحَدُهُ / فِي قصرِ مالِكِ هَذَا المُلْكِ أَوْحَدِهِ
وعدٌ من اللهِ فِي إِعزازِ دعوتِهِ / وحاشَ للهِ من إِخلافِ موعِدِهِ
فليَهْنِكَ اليومَ يَا شمسَ الوفاءِ لَهُ / بدرٌ دنا منكَ طَلّاباً لأَسْعُدِهِ
قادت إِلَيْكَ بِهِ فِي عَهْدِ مُوثِقِهِ / قلائدٌ لَمْ يُضِعْها فِي مُقَلِّدِهِ
ذخائرٌ لَكَ مِمَّنْ أَنتَ فاقِدُهُ / ووارثُ الملكِ عنهُ غَيْرُ مُفْقِدِهِ
محفوظةٌ عند حُرٍّ لا يَحُورُ بِهِ / عن يومِهِ لَكَ رَيْبُ الدهرِ فِي غدِهِ
شملٌ من الدِّينِ منظومٌ لَهُ وبِهِ / فِي حبلِ عهدٍ مُمَرِّ الفَتْلِ مُحْصَدِهِ
من كلِّ عاقِدِ ميثاقٍ يداً بِيَدٍ / لَمْ تَخْلُ فِيهَا يدُ الرحمنِ من يَدِهِ
رأَى نظامَ الأَمانِ فِي تأَلُّفِهِ / فطارَ نحوَكَ خوفاً من تَبَدُّدِهِ
هدْياً تلقَّى هُدَاهُ فِي اسْمِ والِدِهِ / وشِيمةٌ شَمَّها فِي رَوْحِ مَوْلِدِهِ
وَاسْمٌ من السَّلْمِ والإِسلامِ أَنشأَهُ / بَدْءٌ من الصِّدْقِ عَوَّادٌ بأَحْمَدِهِ
في زهرةٍ من وفاءِ العهدِ فاحَ بِهَا / غمامُ أَنعُمِكُمْ فِي روضِ مَحْتِدِهِ
لَمْ تُنْبِتِ الدِّمَنُ السُّفْلى مراعِيَها / ولا رَعى فِي حِماها كَيْدُ حُسَّدِهِ
مُصْغٍ إِلَيْكَ بِسَمْعَيْ سامِعٍ أَذِنٍ / ومُبْهَمِ البابِ للواشِينَ مُوصَدِهِ
ورافعٌ لَكَ من إِذْعانِهِ عَلَماً / كَمُوقِد النارِ فِي علياءِ مَوْقِدِهِ
يبأَى بذكْرِكَ فِي أَعوادِ منبَرِهِ / حقّاً وباسمِكَ فِي أَسماعِ مَسْجِدِهِ
مُهَنَّداً لَكَ فِي يُمناكَ قائِمُهُ / وعِزُّ نصرِكَ فِي حَدَّيْ مُهَنَّدِهِ
تغَمَّدَتْهُ أيادٍ منكَ أَوْضَحَها / إِلَى عِداكَ بسيفٍ غَيْرِ مُغْمَدِهِ
وَفِي خيولِكَ حازَ الدَّرْبَ يُصْعِقُهُ / بكُلِّ مُبْرِقِ غيمِ الموت مُرْعِدِهِ
وعن قِسِيِّكَ رامى الرُّومَ منتحياً / بكلِّ نافذِ وقعِ النصلِ مُقْصِدِهِ
وَفِي سبيلِكَ خاض البحرَ مقتحِماً / سُبْلَ الجهادِ إِلَى غاياتِ أَجْهَدِهِ
مُغَمِّضَ الطَّرْفِ عن أَغراضِ أَقْرَبِهِ / سامي الجفونِ إِلَى آفاقِ أَبعَدِهِ
فليس هادِي القَطا شَرَّابَ أَنْقُعِهِ / ولا مُنِيفُ الرُّبى طَلّاعَ أَنْجُدِهِ
وإِنَّ أَوَّلَ مقتولٍ بِفِطْرَتِهِ / شَكٌّ من الغَدْرِ أَرداهُ وَلَمْ يَدِهِ
حَتَّى إِذَا النَّأْيُ أَدنى من تَوَحُّشِهِ / وفَلَّ قَتْلُ الأَعادي من تَجَلُّدِهِ
وغَرَّهُ بُعْدُ عهدٍ منكَ أَذْكَرَهُ / عهداً لِقُرْبِكَ يُبْلى فِي تعَهُّدِهِ
ثنى إِلَيْكَ بِهِ مِنْ تَحْتِ رايَتِهِ / رأْيٌ رأَى فِي سناهُ نُصْحَ مُرْشِدِهِ
كَأَنَّ من وجهِكَ الوضَّاحِ قابَلَهُ / نورٌ أَنارَ إِلَيْهِ وَجْهَ مَقْصِدِهِ
حَتَّى اسْتَهَلَّ إِلَى يمناكَ مُقْتَبِلاً / منها لأَيْمَنِ إِهلالٍ وأَسْعَدِهِ
مستفتِحاً منك بابَ العِزِّ مبتدِراً / فِي باب سُدَّتِكَ اسْتِكْمالَ سُؤْدَدِهِ
قد شَقَّ دِرْعَ التَّوقِّي عن تَوَقُّعِهِ / وجابَ غيب التظنِّي عن تودُّدِهِ
إِذ لَمْ ترم خيلك الغزَّى بمكلئه / وَلَمْ يُضِعْ ثغرَكَ الأَعلى بِمَرْصَدِهِ
فأَيُّ شمسٍ أَضَاءَتْ قَبْلَ مطلَعِها / لَهُ وبحرٍ سقاهُ قبلَ مَوْرِدِهِ
مُقَدِّماً لِسناهُ قبلَ مَقْدَمِهِ / ومُشهِداً برضاهُ قبلَ مَشْهَدِهِ
فأَيُّ مولىً تَلقَّاهُ فأَسْمعَهُ / من بَيْنِ شيعَتِهِ الدُّنيا وأَعْبُدِهِ
بُشرَاكَ هَذَا حِباءُ البِرِّ فاحْتَبِهِ / مِنِّي وهذا رداءُ العزِّ فارْتَدِهِ
فابلُغْ قَصِيَّ الأَمانِي يَا مُظَفَّرُ فِي / مُظَفَّرِ المَقْدَمِ الأَقصى مُؤَيَّدِهِ
في أَكْرَمِ الذِّكْرِ فِي الدنيا وأَخْلَدِهِ / وأَسْعَدِ الجَدِّ فِي الدُّنيا وأَصْعدِهِ
الشمسُ شاهِدَةٌ وإِنْ تَكُ وَاحِدَهُ
الشمسُ شاهِدَةٌ وإِنْ تَكُ وَاحِدَهُ / فشهادَةُ الإِقْرارِ أَعدلُ شاهِدَهْ
عَرَفَتْكَ فاعترفَتْ بأَنَّكَ واحِدٌ / فينا كَمَا هِيَ في الكواكِبِ واحِدَهْ
فَغَدَوْتُمَا صِنْوَيْنِ إِنْ يُبْعِدْهُما / نأْيُ الدِّيارِ فما الصِّفَاتُ مُبَاعِدَهْ
متناسِبَيْنِ إِلَى أُخُوَّةِ فِطْرَةٍ / لَيْسَتْ لَهَا فِطَرُ العقولِ بجاحِدَهْ
متقاسِمَيْ خُطَطِ العُلا لا حاسِداً / فَضْلاً عَلَيْهِ لَهَا ولا هِيَ حاسِدَهْ
إِن راقَ حاجِبُها فَيَحْيى حاجِبٌ / وَرِثَ الحجابَةَ والرِّياسَةَ والِدَهْ
أَوْ تَجْلُ راكِدَةَ الدُّجى فلكَمْ جَلا / يَحْيَى بِهَا ظُلَمَ الخطوبِ الرَّاكِدَهْ
أَوْ تَمْحُ نورَ النَّيِّراتِ فكم عفا / نُورَ الضَّلالِ رُسُومَهُ ومَعاهِدَهْ
أَوْ تَهْوِ في فَلَكِ البروجِ فكمْ هَوى / بالسَّيْفِ يضربُ قِرْنَهُ ومُعانِدَهْ
أَوْ تَشْفِ فِي كَبِدِ السَّماءِ فكم شفى / كَبِداً لأَوجالِ الهمومِ مُكابِدَهْ
ولَربما احْتَجَبَتْ لَنَا شمسُ الضُّحى / فِي دَجْنِ بارِقَةِ السَّحابِ الرَّاعِدهْ
فَسَحابُكَ الرَّهَجُ المثارُ من الوغى / وبروقُكَ الهنديَّةُ المتجالِدَهْ
وإِذَا تناهَتْ فِي عُلُوِّ بروجِها / بالسَّعْدِ بادِئَةً إِلَيْكَ وعائِدَهْ
فلَكَ العوالي يَا مُظَفَّرُ أَسعُدٌ / ولكَ المراتِبُ فِي العُلُوِّ الصَّاعِدَهْ
والشمس زائِلَةٌ وعهدُكَ ثابتٌ / وتغيبُ عنكَ ومأَثُرَاتُكَ شاهِدَهْ
تتَناسَخُ الأَزْمانُ من آياتِها / سُوَراً تخلِّدُها القرونُ الخالدَهْ
وورِثْتَ عنها يَا مُظَفَّرُ دَوْلَةً / دانَتْ لِعِزَّتِها الملوكُ العانِدَهْ
مُلْكاً رفعْتَ عَلَى القَنا شُرُفاتِهِ / وجعَلْتَ حِلْمَكَ أُسَّهُ وقواعِدَهْ
فَمَلأْتَ أَحناءَ الصُّدورِ محبَّةً / وسَلَلْتَ أَحقادَ القلوبِ الحاقِدَهْ
ووفَيْتَ للدُّنيا بعهدِ مكارِمٍ / سَقَتِ البلادَ عِهادُها المتعاهِدَهْ
شِيَماً عَمِدْتَ بِهَا عُلاكَ فَأَصْبَحَتْ / عَمَداً لَهَا فَوْقَ الخلائِقِ عامِدَهْ
وتركْتَها فِي كُلِّ أُفْقٍ نازِحٍ / موجودَةً ولكُلِّ حَمْدٍ واجِدَهْ
فبِها وسِعْتَ الأَمْنَ أُمَّةَ فِتْنَةٍ / نَعِمَتْ بعَطْفِكَ فِي الظِّلالِ البارِدَهْ
وبها أَنَمْتَ جفونَ عينٍ ساهِدَهْ / وبها ذَعَرْتَ جفونَ عَيْنٍ هاجِدَهْ
وبها أَهَلَّ إِلَيْكَ أملاكُ العِدى / تدعوكَ من أَقطارِها المُتباعِدَهْ
من عائِذٍ بِكَ منكَ باتَ يَؤُزُّهُ / رَوْعٌ تذوبُ لَهُ الصَّخُورُ الجامِدَهْ
أَوْ نازِعٍ فزِعٍ إِلَيْكَ حياتهُ / من حَيَّةٍ فِي قَلْبِهِ لكَ راصِدَهْ
أَو غُرَّةٍ جُعِلَتْ لِسَيْفِكَ غرَّةً / إِن لَمْ تَخِرَّ إِلَى جَبينِكَ ساجدَهْ
ولِمِثْلِها قادَ ابنُ شَنْجٍ نَفَسَهُ / وجُنودَهُ فِي طاعَةٍ لَكَ قائِدَهْ
يرتادُ روضاً من رِضاكَ وَلَمْ يَجِدْ / إِلّا هداياهُ إِليها رائدَهْ
فَغَدا يُكايِدُ عن كَرَائِمِ ذُخْرِهِ / نفساً لَهُ عن بَذْلِهِنَّ مُكايِدَهْ
حَتَّى اصطفى لَكَ من صَوَافِنِ خَيْلِهِ / عِلْقاً لَهُ لَمْ يَدَّخِرْكَ فوائِدَهْ
خيلاً تُصادُ بِهَا الظِّباءُ وفَوْقَها / فرسانُها أَشْباهُ مَا هِيَ صائدَهْ
حَتَّى إِذَا أَدْناهُ إِذْنُكَ أَقبلَتْ / تهفُو بِهِ أَنفاسُهُ المُتَصَاعِدَهْ
سَمْحاً بأَنْ أَعطى يَدَيْكَ قيادَهُ / لَهِجاً بأَنْ أَلقى إِلَيْكَ مقالِدَهْ
وَرَأَى فرائِصَهُ لِسيفِكَ فُرْصَةً / وفؤادَهُ لسنانِ رُمْحِكَ فائِدَهْ
فَدَنا بِهِ زَمَعُ الرَّجاءِ كَأَنَّما / أَحشاؤهُ عَزَماتُهُ المُتفاقِدَهْ
لا ثَغْرَ دُونَكَ غَيْرَ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ / إِلّا رجاءَ عوائِدٍ لَكَ عائِدَهْ
ولقد لَبِسْتَ إِلَيْهِ من حُللِ الهُدى / نوراً ثَنى نارَ الضَّلالَةِ خامِدَهْ
ومَلأْتَ عينَيْهِ بما مَلأَ المَلا / أُسْداً لأَقرانِ الحُتوفِ مُساوِدَهْ
رَمَقُوا صفوفَ جنودِهِ من فَرْسَخٍ / فأَرَتْكَ إِجفالَ النَّعامِ الشَّارِدَهْ
حَتَّى بَسَطْتَ لخاضِعٍ ومُقَبِّلٍ / كفّاً لسيفِ البأْسِ عنهُمْ غامِدَهْ
فَدَنَوْا يَرَوْنَ الأرضَ مائِدَةً بِهِمْ / ذُعْراً وَوَشْكاً مَا رأَوْها مائِدَهْ
خِصْباً لَهُمْ بالنُّزْلِ أُرغِدَ أُكْلُها / للمعتَفِينَ وللجنودِ الوافِدَهْ
وموارِدٌ حَطَّ ابْنُ شَنْجَ رِحالَهُ / ورجالَهُ فِيهَا مَحَطَّ الوارِدَهْ
صُنْعاً لمن أَحْيا بدولَتِكَ الورى / فَسَقى بيُمْنِكَ كُلَّ أرضٍ هامِدَهْ
فاسْلَمْ ولا زالَتْ قُصورُكَ للمُنى / مقصودَةً وسِهامُ عزمِكَ قاصِدَهْ
تُصْمِي بِسَعْيِكَ كُلَّ أَنْفٍ شامِخٍ / قَهْراً وتَفْقَأُ كُلَّ عينٍ حاسِدَهْ
واسْلَمْ وَلا نَقَصَتْ لِدَهْرِكَ ساعَةٌ / إِلّا وكانت فِي بقائِكَ زَائِدَهْ
بَشِّرِ الخَيْلَ يومَ كَرِّ الطِّرادِ
بَشِّرِ الخَيْلَ يومَ كَرِّ الطِّرادِ / وظُبى الهندِ عند حَرِّ الجِلادِ
وسماءَ العُلى بنَجْمِ المساعي / ورياضَ المنى بصَوْبِ الغَوادِي
ثُمَّ وافِ القصورَ من مُلْكِ بُصْرى / بالمَشِيدات من ذُرى شَدَّادِ
ثُمَّ نادِ الأَذواءَ عن ذِي الرياسا / تِ نداءً يُصغِي لَهُ كُلُّ نادِ
وصَلَتْكُمْ أرحامُ مُلْكٍ نَمَتْكُمْ / من كرامِ الأَمْلاكِ والأَجْوادِ
وهَناكُمْ منصُورُكُمْ من تُجِيبٍ / فِي مساعٍ جلَّتْ عنِ الأَنْدادِ
بلَّغَتْ مجدَكُمْ نُجُومَ الثُّرَيَّا / ومساعِيكُمُ أَقاصِي البلادِ
ونمى منكُمُ إِلَى المُلْكِ سيفٌ / نافذُ الحكمِ فِي رقابِ الأَعادِي
بِسِماتٍ أَهدَتْ لكم هَدْيَ هودٍ / وبحِلْمٍ أَعادَ أَحلامَ عادِ
وأَنارَتْ بِهِ نجومُ المعالي / وأَنارَ الدُّنيا ببيضِ الأَيادِي
وَهْوَ فِي المنجبينَ أَعلى وأزكى / والدٍ أَنْتَ أَكرَمُ الأَولادِ
قمرٌ فِي مطالع الملك أَوْفى / طالِعاً والمُنى عَلَى مِيعادِ
وتلاقَتْ زُهْرُ النجومِ عَلَيْهِ / بسُعودِ الجُدُودِ والأَجدادِ
وسما للإِسلامِ باسْمِ أَبيهِ / وانتحى باسْمِ جَدِّهِ للأَعادِي
فَهْوَ للدين بالحياةِ بشيرٌ / وهو للشِّرْكِ مُنْذِرٌ بالنَّآدِ
سابِقُ الشَّأْوِ لَمْ يُؤَخِّرْ مداهُ / عن مداكُم تَأَخُّرُ المِيلادِ
وَلَدَتْهُ الحروبُ منكمْ تماماً / فارِسَ الخيل فارِسَ الآسادِ
واكْتَسى الدينُ منه ثوبَ سرورٍ / وصليبُ الضَّلالِ ثوبَ حِدادِ
فهنيئاً للتَّاجِ أَيُّ جبينٍ / عندَهُ أَيُّ عاتقٍ للنِّجادِ
وهنيئاً لَنَا وللدِّين والدُّنْ / يا وللبِيضِ والقَنا والجيادِ
وغريبٍ تهوي بِهِ كُلُّ أَرضٍ / وشريدٍ ينبُو بِهِ كُلُّ وادِ
وهنيئاً لِطَيِّئٍ ولِهَمْدَا / نَ ولَخْمٍ وكِنْدَةٍ ومُرادِ
قُدِ الخيلَ والخيرَ بأْساً وجُودا
قُدِ الخيلَ والخيرَ بأْساً وجُودا / وصِلْ أَبَدَ الدهرِ عِيداً فَعِيدَا
ودَوْنَكَ فالْبَسْ ثيابَ البقاءِ / فأَخْلِقْ جديداً وأَخْلِفْ جديدا
مُظاهِرَ مَا أَوْرَثَتْكَ الجدودُ / من الحُلَلِ المُلْبساتِ الجُدُودا
سَنىً وسَناءً ومُلكاً وملِكاً / وسيفاً وسَيْباً وجَدّاً وجُودَا
وَمَا نَثَرَتْهُ عَلَيْكَ السُّعودُ / محاسِنَ تبهَرُ فِيهَا السُّعودا
حُلىً منحت منكَ زُهْرَ النُّجومِ / شُنُوفاً تَحَلَّى بِهَا أَوْ عُقُودا
وأَنْتَ وَسِعْنَ بِهِنَّ الرجالَ / ملابِس فالبَسْ لَهُنَّ الخُلُودا
فَحَوَّلْتَ منها اللُّهى والخيولَ / وعَبَّدْتَ منها المَها والعَبِيدا
وأَلْبَسْتَ فِيهَا الحُلى والدُّروعَ / وأَسْحَبْتَ منها المُلا والبُرُودَا
وكم قَدْ كَسَوْتَ ثيابَ الحِدادِ / بلاداً لبسْتَ إِلَيْها الحديدا
فأَشْرقْتَ بالدِّينِ نوراً مُبِيناً / وأَلْحَقْتَ بالشركِ حتفاً مُبِيدا
كتائِبَ حلَّيْتَهُنَّ السيوفَ / وتَوَّجْتَهُنَّ القَنا والبُنُودا
صوارِمَ بوَّأْتَها فِي الرقابِ / معاهِدَ أَنْسَيْتَهُنَّ الغُمُودا
كما فَتَقَتْ نَيِّراتُ الصباحِ / تُفَتِّحُ فِي الروضِ روضاً نَضِيدا
وسُمراً جلوتَ بِهَا للعيونِ / وجُوهَ المهالِكِ حُمْراً وسُودا
يُرِينَكَ تَحْتَ سُجُوفِ العجاجِ / نواظِرَ أَنْسَيْتَهُنَّ الهُجودا
مصارِعَ قَرَّبْتَ منها نفوساً / تعاطَيْنَ منها مراماً بعيدا
فمُلِّيتَهُ عِزَّ نصرٍ وفَلْجٍ / كفيلَ المزيدِ بأن تَسْتَزِيدا
وهُنِّيْتَهُ فَتْحَ أَيَّامِ عيدٍ / جديرٍ عوائدُهُ أَن تعودا
ولُقِّيْتَهُ عيْدَ فَأْلٍ بوَعْدٍ / لِنَصْرِكَ يَقْرُو عِدَاكَ الوعيدا
وكم ذَكَّرَتْ منكَ أَيَّامُهُ / مقاماً كريماً وفِعلاً حَميدا
فَعَشْرُ لياليهِ فضْلاً ونُسْكاً / وعَشْرُ بنانِكَ عُرفاً وَجُودا
ويومُ مِنىً بالمُنى أَيُّ فَأْلٍ / مُفِيدَ الرَّغائِبِ أَوْ مُسْتَفِيدا
وَفِي اليومِ من عَرَفَاتٍ عَرَفْنا / من اللهِ فيما حَباكَ المزيدا
وذكَّرَنا مَنْحَرُ البُدْنِ منكَ / مواقِفَ تَنْحَرُ فِيهَا الأُسُودا
وتكسُو سيوفَكَ فِيهَا الدِّماءَ / وتُوطِئُ خيلَكَ فِيهَا الخُدُودا
ورَمْيُ الجِمارِ فَكَمْ قَدْ رَمَيْتَ / عن الدينِ شيطانَ كُفْرٍ مَرِيدا
معالِمُ شَيَّدَهُنَّ الخليلُ / وأَذَّنَ بالحَجِّ فيها مُشِيدا
فلَبَّاهُ من لَمْ يكُنْ قبلُ خَلْقاً / وأُنشِئَ من بَعْدُ خلقاً جديدا
رجالٌ أَجابُوا أذانَ الخليلِ / فجابُوا إِلَيْها بِحاراً وَبِيدا
كما عُمِّرَتْ بك سُبْلُ الجِهادِ / جنوداً تَفُلُّ بِهِنَّ الجنودا
وجُدْتَ فنادى نَدَاكَ العُفاةَ / وسُدْتَ فنادى عُلاكَ الوُفُودا
ولا كَوُفودٍ تقبَّلْتَ مِنْهُمْ / وسائِلَ كانوا عَلَيْها شُهودا
فَحَيَّوْكَ عن كُلِّ مُحْيي الوفاءِ / إِلَيْكَ حياةً تُمِيتُ الحقودا
فكم أَنَّسوا بك شكلاً زَكِيّاً / وأَدْنَوْا إِلَيْكَ صَفِيَّاً بعيدا
وكم وَصَلُوا بك قلباً كريماً / وكم شَرَحُوا لَكَ صدراً وَدُودا
عهوداً تَضَمَّنَهُنَّ الوفاءُ / بصدقٍ تضمَّنَ منكَ العُهُودا
فلا أَعْدَمَتْكَ ظنونُ اللبيبِ / يقيناً عَلَى كلِّ قلبٍ شهيدا
ولا زالَ سيفُكَ فِي كلِّ أَرْضٍ / عَلَى كلِّ غاوٍ رقيباً عَتِيدا
ولا زِلْتَ للدِّينِ طَوْداً مُنيفاً / وظلّاً ظليلاً ورُكناً شَدِيدا
وفيهنَّ أَضحَيْتَ يومَ الأَضاحِي
وفيهنَّ أَضحَيْتَ يومَ الأَضاحِي / كتائِبَ مستقدِماتِ التَّهادِي
بأَجْمَعِ مولىً لشملِ العبيدِ / وأَخشَعِ عبدٍ لربِّ العبادِ
فأَوْسَعْتَهُنَّ نظامَ المصلَّى / وَقَدْ غَصَّ منهنَّ رحبُ البلادِ
ملاعِبَةً للصَّبا بالنَّوَاصِي / مسامِيَةً للقَنا بالهوادِي
تكادُ تَفَهَّمُ فصلَ الخطابِ / بتعويدِها لاسْمِكَ المستعادِ
وعِرْفانِهِ فِي شِعارِ الحروبِ / وتِبْيَانِهِ فِي صَريخِ المُنادِي
وتَرْدِيدِهِ فِي مجالِ الطِّعانِ / وتكريرِهِ فِي مَكَرِّ الطِّرادِ
وَفِي كلِّ ذكرٍ وفخرٍ ونشرٍ / وشكرٍ وشِعرٍ وشَدْوٍ وشادِ
فلما قَضَوْا بِكَ حقَّ السَّلامِ / ثَنَوْا لَكَ حقَّ سلامٍ مُعادِ
فوافى قصورَكَ وفدُ السلامِ / بأَيْمَنِ حادٍ إليها وهَادِ
يخُوضُونَ نحوَكَ بَحْرَ العوالي / تموجُ بِهَا أَبْحُرٌ من جِيادِ
لمَلْءِ عيونِهِمُ من بهاءٍ / ومَلْءِ صدورِهمُ من وِدَادِ
بمرأَىً هَداهُمْ إِلَى هَدْي هُودٍ / وعادَ إِلَيْهِمْ بأحلامِ عادِ
وَقَدْ ذَكَّرَتْهُمْ جِفاناً نَمَتْكَ / إِلَى كلِّ ملكٍ رفيعِ العِمادِ
مطاعِمُ مُدَّتْ بِهَا فِي الصُّحونِ / موائدُ مستبشِراتُ التَّمادِي
وكم خَطَّ جودُكَ بالمِسْكِ فِيهِمْ / شهادَتُهُ لمليكٍ جوادِ
سطوراً محوْنَ بياضَ المشيبِ / بنورٍ محا منه لونَ السَّوادِ
وراح قرينُ الشبابِ النَّضِيرِ / وفَوْدَاهُ خَطَّا شبابٍ مُفادِ
مشاهدُ غَلَّفْتَ منها الزمانَ / بغالِيةٍ مِسْكُها من مِدادِي
فأَشْعَرْتَها كلَّ بَرٍّ وبحرٍ / وأَنشَقْتَها كلَّ سارٍ وغادِ
وأَتْبَعْتَها من كِباءِ الثناءِ / عجاجاً يهُبُّ إِلَى كلِّ نادِ
نوافِجُ مَجْمَرُها من ضلوعي / تُؤَجِّجُها جمرةٌ من فؤادِي
بِما عَلَّمَ الهِنْدَ أَنَّكَ أمضى / غداة الوغى من ظُباةِ الحِدادِ
وأَنَّ ثناءَكَ أَزكى وأَذكى / عَلَى الدهر من طِيبِهِ المستجادِ
سوائِمُ فخرٍ عَلَتْ عن مُسيمٍ / يرودُ بِهَا مَرْتَعَ الإِقْتِصَادِ
ودعوى هوىً لَمْ يَزُرْ فِي كراهُ / خيالٌ ولا خاطرٌ فِي فؤادِ
وتلك عُلاكَ تُهادِي العيونَ / كواكِبَ مُقْتَرِباتِ البِعادِ
أَوانِسُ تأْبى لَهَا أَنْ تَصُدَّ / مقادِمُها فِي الوغى أَوْ تُصادِي
كواعِبُ مَجدِكَ حَلَّيْتَهُنَّ / بزُهْرِ المساعِي وبيضِ الأَيادي
نجومٌ تُنِيرُ بِنُورِ الأَمَانِي / وطوراً تنوءُ بِغُرِّ الغوادي
فأَوَّلُ أَنوائِها منكَ بِشرٌ / وَفيُّ العهودِ بصَوْبِ العِهادِ
حياً صِدْقُهُ منكَ فِي اسْمٍ وفعلٍ / وشاهِدُهُ فِي الورى منكَ بادِ
وسمَّاكَ رَبُّكَ مأْمُونَ غَيْثٍ / عَلَى نَشْرِهِ رحمةٌ للعبادِ
غمامٌ يؤودُ مُتُونَ الرياحِ / ويُزْجِيهِ للرَّوْعِ مَتْنُ الجوادِ
فمن راحَةٍ ريحُها الارتياحُ / ومن ماءِ صادٍ إِلَى كلِّ صادِ
وسُقْيا عَنانٍ بِثَنْيِ العِنانِ / وبارِقُهُ فِي مَناطِ النِّجادِ
فأَشْرَقَ من رَوْضِهِ كُلُّ حَزْنٍ / وأَغدَقَ من وَبْلِهِ كُلُّ وادِ
وذابَ بأَنْدائِهِ كلُّ فَصْلٍ / يُكَذِّبُ فِيهِ حَدِيثَ الجَمادِ
ربيعُ المَصِيفِ ربيعُ الشِّتاءِ / مَريعُ الحزونِ مَريعُ الوِهادِ
ومن رَوْضِهِ سَرَواتُ الكُماةِ / تَثَنَّى عَلَى صَهَواتِ الجِيادِ
ومن زَهْرِهِ سابغاتُ الدورعِ / وبِيضُ الصِّفاحِ وسمر الصِّعادِ
وأَيْنِعْ بِهَا فِي وَقُودِ الطِّعانِ / وأَنْضِرْ بِهَا فِي ضِرامِ الجِلادِ
وأَيُّ فواتِحِ وردٍ نَضيدٍ / مواقِعُها فِي نحور الأَعادي
وكم غادَرَتْ لَمَهَبِّ الرياحِ / سنا جَسَدٍ شَرِقٍ بالجِسادِ
رياضاً قَسَمْتَ أَزاهِيرَهُنَّ / لِعِزِّ المُوالي وخِزْيِ المُعَادِي
فأَهْدَيْتَها لأُنوفِ الغَناءِ / وأَرغمتَ منها أُنوفَ العِنادِ
وأَوْرَدْتَها كل بحرٍ يَمُورُ / بِما يُلْبِسُ الشُّهْبَ لونَ الوِرادِ
ودُسْتَ بِهَا كلَّ صعبِ المرامِ / وقُدْتَ بِهَا كلَّ عاصِي القِيادِ
إذَا مَا تنادَتْ لجمعٍ ثَنَتْهُ / مُجِيبَ المُنادِي ليومِ التَّنادِي
بِهِنَّ شَعَبْتَ عِصِيَّ الشِّقاقِ / وعنهُنَّ أَوْضَحْتَ سُبْلَ الرَّشادِ
فأَوْدَعْتَها فِي نواصِي الرِّياحِ / لتَنْثُرَها فِي أَقاصِي البلادِ
فكَمْ أَنْبَتَ الشرقُ والغربُ منها / حدائِقَ تُغني عَنِ الإِرْتِيادِ
ووَقْفاً على سَقْيِها ماءُ وجهي / وفَيْضُ دموعي وَمَا فِي مَزَادِي
وكم حَصَدَ الدهرُ للخُلْدِ منها / ثمارَ النُّهى وثِمارَ التَّهادِي
فيا أَرْأَسَ الرُّؤَساءِ الجديرَ / بحُكْمِ السَّدادِ لقولِ السَّدادِ
أَيَغْرُبُ عندَكَ نَجْمُ اغْتِرابِي / ومطلَعُهُ لَكَ فِي الأَرضِ بادِ
وأَسْقِي الوَرى عَنْكَ ماءَ الحياةِ / وأَرشُفُ منك حِميءَ الثِّمَادِ
وزَرْعِيَ فيكَ حَصِيدُ الخلودِ / وحظِّيَ منك لَقِيطُ الحَصادِ
سِداداً من العَوْزِ المُسْتَجارِ / وأَكثرُهُ عَوَزٌ من سَدَادِ
قضاءٌ لَهُ فِي يدِ الإِقتضاءِ / زِمامٌ ومن سابِقِ البَغْيِ حادِ
كعِلْمِكَ من خَطْبِ دهرٍ رماني / بأَسهُمِ واشٍ وغاوٍ وعادِ
يَسُلُّونَ بينَ الأَمانِي وبيني / سيوفَ القِلى ورماحَ البِعادِ
زمانٌ كَأَنْ قَدْ تَغَذَّى لِسَعْيٍ / لُعابَ أَفاعٍ وحيَّاتِ وادِ
فأَودَعَ من نَفْثِهِ حُرَّ صدري / سِماماً لَياليَّ منها عِدَادِي
وأَطْفَأَ نُورِي وناري عليماً / بأَنْ سيُضِيءُ الدُّجى من رَمَادِي
وهانَ عَلَيْهِ نَفاقِي بفَقْدِي / لبَيْعِ حياتِيَ بَيْعَ الكَسادِ
ولولا القضاءُ الَّذِي فَلَّ عزمي / وآدَ شَبا حَدِّه مَتْنَ آدِي
وأَنِّيَ دِنْتُ إِلهي بِدينٍ / من الصَّبْرِ جَلَّ عَنِ الإِرْتِدادِ
لغاضَتْ بِهِ قطرَةٌ من سحابِي / وأَوْدَتْ بِهِ شُعْلَةٌ من زِنادِي
وَمَا انْفَرَجَتْ مُبهَماتُ الخطوبِ / بمثلِ اشْتِدادِ الأُمُورِ الشِّدادِ
فكِلْني لحاجِبِكَ المستجيرِ / بذِمَّتِهِ كلُّ قارٍ وبادِ
ليَقْسِمَ لي سهمَ حمدي وشكري / وينزِعَ سهم الأَسى من فُؤادي
ليقتادَني بِيَدِ الإِصْطِناعِ / ويخلَعَ من يَدِ دهرِي قِيادِي
ويكتُبَ فَوْقَ جبيني ووجهي / إِلَى نُوَبِ الدهرِ حِيدي حَيادِ
وحسبي فإِمَّا رِباطِي أراني / ثوابِيَ منه وإِمَّا جِهادِي
فإِنْ شَطَّ من غَرْبِ شأَوِي مَدَاهُ / وعادَتْ أَمانِيَّ منه العَوَادِي
فأَنتَ عَلَيْهِ دَليلي وعَوْنِي / وجدواكَ ذُخْرِي إِلَيْهِ وَزَادِي
فلا أَبعدَ الدَّهْرُ منكُمْ حياةً / تَلي نِعَماً مَا لَهَا من نَفادِ
ولا خذَلَتْكُمْ يَدٌ فِي عِنانٍ / ولا خانكُمْ عاتِقٌ فِي نِجادِ
وَطِّنْ فؤادَكَ إِن كَانَ الرحيلُ غَدَا
وَطِّنْ فؤادَكَ إِن كَانَ الرحيلُ غَدَا / إِنَّ الأَسى إِلْفُهُ من بعدِهِمْ أَبَدَا
واندُبْ لتشييعِهِمْ حَرَّ الزفيرِ ضُحىً / وابعَثْ دموعَكَ فِي آثارِهِ مَدَدَا
والنَّفْسُ إِنْ لَمْ تَمُتْ من بعدِهِمْ كَمَداً / مات الوفاءُ عَلَيْها بَعْدَهُمْ كمدَا
كَحَدِّ سيفِكَ يَا منصورُ إِن سَلِمَتْ / منهُ ملوكُ العِدى ماتوا لَهُ حَسَدَا
أَخلِقِ الدَّهْرَ بَقاءً واسْتَجِدّ
أَخلِقِ الدَّهْرَ بَقاءً واسْتَجِدّ / عُمُراً يَفْضُلُ عن عُمْرِ الأَبَدْ
والْبَسِ المَجْدَ حُلىً بَعْدَ حُلىً / واعْتَوِزهُ أَمَداً بعدَ أَمَدْ
وابلُغِ الغاياتِ مغبوطاً بِهَا / فِي ضمانِ الله بُقْيا واسْتَزِدْ
وإِذا سَرَّكَ صُنْعٌ فَلْيَدُمْ / وإِذا وافاكَ عيدٌ فَلْيَعُدْ
وإِذا جاءَكَ يومٌ بالمُنى / فَاقْتَبِلْ أَضعافَها فِي يومِ غَدْ
نِعَمٌ تَثْرى وَجَدٌّ يَعْتلِي / وعُلا تَبْأَى وفَتْحٌ يُسْتَجَدْ
واهدِمِ الكُفْرَ وغَيّر مُلْكَهُ / وابْنِ أَعلامَ الهُدى عِزّاً وشِدْ
والبَسِ الصبرَ إِلَى أَرْضِ العِدى / وقُدِ النصرَ إِلَيْهِ واسْتَمِدْ
واخسِفِ الشِّرْكَ بعزمٍ يُنْتَضى / سَيْفُهُ عن قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدْ
وَجَدَ الخيلَ تَثَنَّى مَرَحاً / فَهَدَاهَا لمدى الشَّأْوِ المُجِدْ
ودَعَا السُّمْرَ فوافَتْ شُرَّعاً / وظُبى الهِنْدِ فجاءَتْ تَتَّقِدْ
فكأَنْ مَا كَانَ للرُّمْحِ شَباً / قبلَهُ يوماً ولا للسَّيْفِ حَدْ
فَرَمى عن قوسِ بأْسٍ صادِقٍ / وَسَطَا بساعِدِ الدينِ الأَشَدْ
رُبَّ أَرضٍ بِغِرَارَيْ سَيْفِهِ / وُحِّدَ الرحمنُ فِيهَا وعُبِدْ
وبلادٍ للعِدى من ذُعْرِهِ / عُدِمَ الإِشراكُ فِيهَا وفُقِدْ
فانْتحى للكُفْرِ حَتَّى لَمْ يَجِدْ / واقتفى آثارَهُ حَتَّى هَمَدْ
جابَ عنه الأَرضَ حَتَّى جُمِعُوا / فِي أَقاصِيها عَلَى أَدْنَى العَدَدْ
وعفا أَعلامَهُمْ حَتَّى لقد / كادَ أَنْ يَخْفَى لَهُمْ يَوْمُ الأَحَدْ
هِمَمٌ غاياتُها لا تَنْتَهِي / عَزَمَاتٌ شأَوُها لا يَتَّئِدْ
لِعَزِيزٍ نصرُهُ حَيْثُ انْتَوى / وعَلِيٍّ كعبُهُ حَيْثُ قَصَدْ
مُنْتَقى الآباءِ من ذي يَمَنٍ / ماجِدِ الأَحوالِ فِي عُلْيا مَعَدْ
منهمُ الأَقيالُ والصِّيدُ الأُلى / طَرَفَ المُلْكُ لَهُمْ ثُمَّ تَلَدْ
ولهمْ مُفْتَخَرُ الجودِ الَّذِي / وَلَدَتْهُ طَيِّئٌ بِنْتُ أُدَدْ
وهمُ المغفورُ فِي بَدْرٍ لَهُمْ / وهم الأَبرارُ فِي يومِ أُحُدْ
وهمُ حُرَّاسُ نفسِ المصطفى / حينَ نامَ الجيشُ عنهُ وهَجَدْ
وهُمُ أَندى وأَعطى من قَرى / وهُمُ أَرْضى وأَزكى من شَهِدْ
وهنيئاً لَكَ يَا مَوْلى الوَرى / ولداً أَنْجَبْتَهُ وَمَا وَلَدْ
قَمَرٌ أَشرقَ فِي أُفقِ العُلا / فأَضاءَ الدهرُ منه وسَعِدْ
وحَياً أَغْدَقَ إِلّا أَنَّهُ / بَرَقَ الإِقدامُ منهُ وَرَعَدْ
فَهْوَ لِلإِسلامِ غَيْثٌ صائِبٌ / وَعَلَى الإِشراكِ شُؤْبُوبُ بَرَدْ
مَنْ رَسولي نَحوَهُ يُخْبِرُهُ / بالذي فِيهِ يَقِيني يَعْتَقِدْ
دونَكَ السُّؤْدُدَ مَوْفُوراً فَسُدْ / وجنودَ الدينِ والدنيا فَقُدْ
أَيَّ مجدٍ لَمْ تَحُزْهُ عن أَبٍ / وفَخارٍ لَمْ يَحُزْهُ لَكَ جَدْ
أَسمعُوهُ رغبةً من راغِبٍ / ويَدِي رهنٌ لكُمْ إِن لَمْ يَجُدْ
وأَروهُ فارساً مستلْئِماً / وأَنا كَذَّابُكُمْ إِن لَمْ يَشدْ
هَدِّئوهُ بالعوالي والظُّبى / وبأَبطالِ الكُماةِ تَجْتَلِدْ
جاءَتِ الأَعيادُ تستقبلُهُ / للأَمانِي والسُّرورِ المُسْتَجِدْ
فَهَنا الإِسلامَ منه عُدَّةٌ / للهُدى والدينِ من أَسْنى العُدَدْ
حَضَرُوا الإِذْنَ الَّذِي عَوَّدْتَهُمْ / كظِماءِ الطَّيْرِ أَسراباً تَرِدْ
فَدَنَوْا واستوقَفَتْهُمْ هَيْبَةٌ / ملأَتْهُمْ من سُرورٍ وزُؤُدْ
فتوانَوا بقلوبٍ لم تَرِمْ / ثُمَّ أَدنَتْهُمْ جسومٌ لَمْ تَكَدْ
ثُمَّ أَمُّوا الراحَةَ العُلْيا الَّتِي / عَمَّتِ الدُّنيا أَماناً وَصَفَدْ
يستضيئونَ بشمسٍ طَلْقَةٍ / ويُهالُونَ بإِقدامِ أَسَدْ
فَهَناهُمْ ثُمَّ لا زالَ الورى / منكَ فِي أَثوابِ آمالٍ جُدُدْ
إِذَا شِئْتِ كَانَ النَّجْمُ عندَكِ شاهِدِي
إِذَا شِئْتِ كَانَ النَّجْمُ عندَكِ شاهِدِي / بلَوْعَةِ مُشتاقٍ ومُقْلَةِ ساهِدِ
غريبٌ كساهُ البينُ أَثوابَ مُدْنَفٍ / وحَفَّتْ بِهِ الأَشجانُ حفَّ الولائِدِ
بَعيدِ الضُّحى من بَعْدِ إِلْفٍ مُفارِقٍ / طويلِ الدُّجى من طولِ بَثٍّ مُعاوِدِ
كَأَنَّ ظلامَ الليلِ سَدَّ طَرِيقَهُ / تعلُّقُ أَجفانِي بِرَعْيِ الفراقِدِ
وَقَدْ لَبِسَتْ آفاقُهُ من دُجُونِهِ / حِدادَ نواعٍ للصباحِ فَوَاقِدُ
سَلِيني عن الليلِ التَّمامِ قطعْتُهُ / بزفرَةِ مُشتاقٍ وأَنفاسِ واجِدِ
طَوَاكِ على طِيبِ الكرى فطَوَيْتُهُ / بشكوى سَلي عنهُنَّ صُمَّ الجَلامِدِ
يطاولُ ليلُ التِّمِّ بَثِّيَ مُسْعِداً / عَلَى ذِكْرِ إِلْفٍ بانَ غيرِ مُساعِدِ
ويوحِشُني ملْءُ السماءِ كواكِباً / إِلَى كوكبٍ فِي مَغْرِبِ البَيْنِ واحِدِ
أَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الصُّبحَ شِبْهُكَ قَبْلَها / فأَعرِفَ منه الآنَ خُلْفَ المَوَاعِدِ
ستَرْعى وفاءَ العهدِ لي إن نَقَضْتَهُ / لواعِجُ بَثٍّ فِي هواكِ مُعاهِدِي
ويُوشِكُ أَن تُجْلى وُجوهُ مَطَالبِي / بأَزْهَرَ وضَّاحٍ وأَرْوَعَ ماجِدِ
مليكٍ لشملِ الملكِ والعِزِّ جامِعٍ / وعن حُرَمِ الأَحسابِ والمجدِ ذائِدِ
أَغَرَّ سَما للدِّينِ فاعْتَصَمَ الهُدى / بِهِ وهَدى المعروفَ سُبْلَ المحامِدِ
حَياً طبَّقَ الآفاقَ شَرْقاً ومَغْرِباً / فما تُقْتَفى فِي المَحْلِ آثارُ رَائِدِ
بسيفٍ لأَقدارِ الحُتُوفِ مساوِرٍ / وسَيْبٍ لِتَهْتَانِ الغيومِ مُجاوِدِ
سليلُ عُلاً تَنْمِيهِ أَنسابُ حِمْيَرٍ / إِلَى كُلِّ بانٍ للمفاخِرِ شائِدِ
همامٌ لَهُ من فَخْرِ يَعْرُبَ فِي العُلا / ذُرى كلِّ سَامِي السَّبْكِ راسِي القواعِدِ
محاتِدُ عِزٍّ واعتلاءٍ كَأَنَّما / سنا الشمسِ من إِشراقِ تِلْكَ المحاتِدِ
فتىً أَذْعَنَ الدهرُ الأَبيُّ لِحُكْمِهِ / فأَضحى إِلَيْهِ مُلْقِياً بالمَقالِدِ
هُوَ البَدْرُ إِشراقاً ونوراً وسيفُهُ / مَدى الدهرِ منه فِي مَحَلِّ عُطَارِدِ
تدانَتْ من الآمالِ أَنواءُ كَفِّهِ / وبَرَّزَ سَبْقاً فِي المدى المُتباعِدِ
فَحَجَّبَ منهُ الملكَ أَكرمُ حاجِبٍ / وقادَ جنودَ النصرِ أَكرمُ قائِدِ
كتائِبُ توحيدُ الإِلَهِ شِعارُها / وَمَا يومُ خِزْيِ الكفر فِيهَا بِواحِدِ
إِذَا يَمَّمَتْ منه حِمىً فكأَنَّما / أَرَبَّتْ عَلَيْهِ مُصْعِقاتُ الرَّواعِدِ
لئِنْ حَلَّ دارَ الملكِ من بَعْدُ قافِلاً / لقد شَدَّ أَقصاها برأْيِ مُجاهِدِ
فشاهَدَ عنه النصرُ إِنْ لَمْ يُشَاهِدِ / وجالَدَ عنهُ الصَّبْرُ إِن لَمْ يُجالِدِ
رعى اللهُ للمَنْصُورِ نُصْرَةَ دِينِهِ / فَجَازَاهُ خيرَ ابْنٍ تلا خَيْرَ والِدِ
وأيّد هَذَا المُلْكَ والدِّينَ مِنْهُما / بأَيمَنِ يُمْنى ساعَدَتْ خَيْرَ سَاعِدِ
فيا جامِعَ الإِسلامِ شَمْلاً وتارِكاً / دِيارَ الأَعادِي مُوحِشاتِ المعاهِدِ
ومقتحِمَ الأَهْوالِ فِي حَوْمَةِ الوغى / كَمَا بادرَ الظمآنُ عذبَ المَوَارِدِ
لِيَهْنِكَ أَنَّ العيدَ وافاكَ قادِماً / بأوشَكِ بادٍ للسرورِ وعائِدِ
تلقَّاكَ بالبُشْرَى وحيَّاكَ بالمنى / وساعَدَ للبُشْرى لأَعْدَلِ شاهِدِ
فلا زَالَتِ الأَيَّامُ أَعيادَ فضلِكُمْ / لكُلِّ مُوالٍ خالِصِ الشكرِ حامِدِ
ولا زِلْتُمُ مأْوَى غريبٍ وآمِلٍ / ومَفْزَعَ ملهوفٍ وفُرْصَةَ قاصِدِ
طاعَتْ لَكَ الأَحرارُ باستعبادِها
طاعَتْ لَكَ الأَحرارُ باستعبادِها / وأَباحَتِ الأَملاكُ صَعْبَ قِيادِها
فلأَخْمَصَيْكَ اليومَ حُرُّ وُجُوهِها / ولوَطْءِ خيلِكَ أَمْسِ حُرُّ بِلادِها
ما زِلْتَ تخطْبُ بالظُّبى أَرواحَها / حَتَّى أَتَتْكَ بِهِنَّ فِي أَجسادِها
وتُحَمِّلُ الخَطِّيَّ أَرْؤُسَها فقد / جاءَتْكَ تحملُها عَلَى أَكْتادِها
من بعدِ مَا قَدْ رُعْتَها بعزائِمٍ / هُدَّتْ لَهُنَّ الشُّمُّ من أَطوادِها
وخَلَتْ متونُ الخيلِ من أَبطالِها / ومرابِضُ الآجامِ من آسادِها
ومشاهِدُ البِيعاتِ من عُمَّارِها / ومعالِقُ الصُّلْبانِ من عُبَّادِها
حَتَّى تلافَتْ منكَ باستسلامِهِ / مَا كَانَ أَعْجَزَها بِحَرِّ جِلادِها
ورَمى ابْنُ شَنْج إِلَيْكَ نَفْس مُحَكِّمٍ / نَهَجَ الخضوعُ لَهَا سبِيلَ رَشادِها
مُسْتَعْطِفاً لحُشاشَةٍ من مُلْكِهِ / وثُمالَةٍ قَدْ آذَنَتْ بنفادِها
فاسْتَنْقَذَتْهُ منكَ عودَةُ مُنْعِمٍ / قامت لمهجَتِهِ مقامَ مَعادِها
وثَنى نواجِذَهُ وفِلْذَةَ كِبْدِهِ / شَفَقاً وناظِرَ عَيْنِهِ وسوادِها
فسما يخُوضُ إِلَيْكَ بَحْرَ كتائِبٍ / ضاقَتْ جنودُ الأَرضِ عن أَجسادِها
في سابِغاتِ دُرُوعِها ومُثَقَّفا / تِ رِماحِها ومُسَوَّماتِ جِيادِها
نِيطَتْ نجومُ السَّعْدِ مِنْ أَعلامِها / وغَدَتْ جنودُ النَّصرِ من أَمْدادِها
غازٍ لعَطْفِ العامِرِيِّ مجاهِدٌ / فِي طاعَةِ المنصورِ حَقَّ جِهادِها
مستنجِدٌ منه مَذَلَّةَ خاضِعٍ / غَنِمَ الحياةَ أَبُوهُ باستِنْجادِها
فَحَمَتْهُ طاعتُكَ الَّتِي لَوْ خانَها / طارَتْ إِلَيْهِ البِيضُ من أَغمادِها
حَتَّى أَناخَ بعَقْوَةِ المَلِكِ الَّتِي / قَدْ حَلَّقَ العَيُّوقُ دُونَ وِهادِها
ومليكِ قَحْطانَ الَّذِي وَكَلَتْ بِهِ / إِحياءَ مَفْخَرِها ورَفْعَ عِمادِها
صَفْوِ الملوكِ الصِّيدِ من أَذْوائِها / وسُلالَةِ العُظَماءِ من أَمجادِها
وسَنِيِّها وعَلِيِّها وزَكيِّها / وحليمِها وكريمِها وجوادِها
فاسلَمْ لِعِزِّ الدينِ والدنيا الَّتِي / أَصْبَحْتَ أَنْفَسَ ذُخْرِها وعَتادِها
حَتَّى تُؤَدِّيَ شكرَ سَعْيِكَ أُمَّةٌ / وَطَّأْتَ فِي نُعْماكَ خَفْضَ مِهادِها
خُضْتَ المهالِكَ دونَ صَفْوِ حَياتِها / وَهَجَرْتَ غَمْضَكَ عن لذيذِ رُقادِها
بلَغَتْ سِجالُكَ مُنْتَهى رَغَباتِها / وتجاوَزَتْ نُعماكَ شَأْوَ مُرَادِها
واللهُ يشهدُ أَنَّ بَيْنَ جَوَانِحِي / نفْساً رجاؤُكَ فِي صَميمِ فؤادِها
لَوْ قارَعَتْ عنكَ الخلائِقِ كلَّها / غَلَبَتْ عَلَيْكَ بشكرِها ووِدادِها
أَهلاً بمن نَصَرَ الإِلهُ وأَيَّدَا
أَهلاً بمن نَصَرَ الإِلهُ وأَيَّدَا / وحمى من الإِشراكِ أُمَّةَ أَحْمَدَا
وسَخا لأَطرافِ الرِّماحِ بنفسِهِ / شُحَّاً وإِشفاقاً عل دينِ الهُدى
وبمَنْ حَمى التوحيدَ مِمَّنْ سامَهُ / خَسْفاً فأَصبَحَ فِي المعالِي أَوْحَدَا
حَتَّى أَعادَ الدِّينَ أَبيضَ مُشْرِقاً / بسيوفِهِ والكُفْرَ أدْهَمَ أَسْوَدَا
بَسَطَ الإِلهُ بِسَيْفِهِ وبرُمْحِهِ / ظِلّاً عَلَى الدِّينِ الحنيفِ مُمَدَّدا
بمكارِمٍ شهدَتْ عَلَيْهِ بأَنَّهُ / أَنْدى الورى كَفَّاً وأَطيَبُ مَحْتِدا
وشمائِلٍ لَوْ شامَ رَهْبَةَ سَيْفِهِ / لَغَدا لِرِقَّتِها الورى مُسْتَعْبَدَا
من أَحرَزَ الغاياتِ أَدْنى شأْوِهِ / حَتَّى تقاصَرَ عن مساعِيهِ المَدى
وسطا عَلَى الأَعداءِ حَتَّى لاغتدَتْ / عَنْقَاءُ مُغْرِبُ فِي البلادِ منَ العِدى
بعزائِمٍ فِي الرَّوْعِ قحطانِيَّةٍ / تركَتْ ديارَ الشِّرْكِ قاعاً فَدْفَدَا
يا حاجِباً وَرِثَ الرِّياسَةَ والعُلا / والملكَ والإِعظامَ أَمْجَدَ أمْجَدَا
والقائِدَ الميمونَ والقمرَ الَّذِي / يجلُو بغُرَّتِهِ الظلامَ إِذَا بَدَا
والأَزْهَرَ الوضَّاحَ والمَلِكَ الَّذِي / لبِسَ الندى والبأْسَ ثَوْباً وارتدى
إِنْ يُكْنَ عن بعضِ النجومِ بأَسْعُدٍ / فلقد تَجَلَّتْ كُلُّها لَكَ أَسْعُدَا
فَخْراً لمصدرِكَ الَّذِي لَمْ يَتَّرِكْ / لِظُبَى الصوارِمِ فِي الأَعاجِمِ مَوْرِدا
للهِ فِي الإِشراكِ منك وقائعٌ / أَرْبَتْ عَلَى حَرْبِ الذَّنائِبِ مَشْهَدَا
لا مثْلَ بَرْبَدِّيل يوم حَوَيْتَها / فَخْراً أَغارَ عَلَى الزمانِ وأَنْجَدَا
جَرَّدْتَ للإِسلامِ فِيهَا صارِماً / عَوَّدْتَهُ ضَرْبَ الطُّلى فَتَعَوَّدَا
وسلَلْتَهُ للهِ فِيهَا سَلَّةً / مَنَعَتْ صليباً بعدها أَن يُعْبَدا
ووقَفْتَ دونَ الدَّيْرِ فِيهَا وَقَفْةً / كَانَتْ لنصرِ اللهِ فِيهَا مَوْعِدَا
و قُلُنْيَةٌ أَنشأْتَ فِيهَا عارِضاً / للحربِ أَبْرَقَ بالحتوفِ وأرعدا
وَبِرَأْي عَيْنِي يومَ خُضْتَ لِفَتْحِها / بحراً من البيضِ الصَّوَارِمِ مُزْبِدا
فرأَيْتُ مَا اسْتَنْزَلْتُ من نجمٍ هَوَى / وشهِدْتُ مَا حُدِّثتُ عَنْ لَيْثٍ عَدَا
والحربُ قائِمَةٌ تَغَصُّ بِنَقْعِها / لَمحاً بنارِ المشرَفِيَّةِ مُوقَدا
والشمسُ حَيْرَى فِي السماءِ كَأَنَّها / ترنُو إِلَى الدُّنيا بمُقلَةِ أَرْمَدَا
والخيل تستلِمُ الصَّعيدَ كَأَنَّما / تبغِي إِلَى الجَوزاءِ منها مَصْعَدَا
ما إِن ترى إِلّا خُفُوقَ مهنَّدٍ / كالبرقِ يقرعُ فِي المَكَرِّ مُهَنَّدَا
وثُقُوبَ أَزْهَرَ كالشهابِ مُثَقَّفٍ / يُهْدَى إِلَى ظُلَم النُّفوسِ بِهِ الرَّدَى
فغدا إِلَيْها منكَ لَيْثُ خَفِيَّةٍ / مَا راح إِلّا للفخارِ ولا غَدَا
لا تَرْتَضِي للسيفِ سَلَّةَ ساعَةٍ / حَتَّى تراهُ فِي الكواهِلِ مُغْمَدا
وتركت شَنْتَ اشْتِيبناً وكأَنَّما / حَطَّتْ سيوفُكَ من عِداها الفَرْقَدَا
فَقَصَرْتَ مُدَّتَها بوقفةِ ساعَةٍ / أَبْقَتْ لَكَ الفخرَ الجليلَ مُخلَّدا
شَيَّدْتَ عزَّ المسلمينَ بهَدْمِ مَا / قَدْ كَانَ عِزُّ الكفرِ منها شَيَّدَا
وتَرَكْتَ غَرْسيَةً بنقمةِ غَدْرِهِ / بالرَّوْعِ فِي الأَرضِ الفضاءِ مُقَيَّدَا
لهفانَ يجتابُ النهارَ مُروَّعاً / بظباكَ والليلَ التمامَ مُسَهَّدا
خزيانَ قَدْ أَوْسَعْتَ حُرَّ بلادِهِ / وديارِهِ لَهَبَ السعيرِ المُوقَدَا
قَدْ غَرَّ أحزابَ الكُماةِ وَمَا حَمَى / وأَضَلَّ أَشياعَ الضَّلالِ وَمَا هَدَى
إِيهاً بني المنصورِ أَنْفُسُنا لكُمْ / ونفوسُ مَنْ فِي الشَّرْقِ والغربِ الفِدا
اليومَ أَنْسى فتحُكُمْ مَا قبلَهُ / عِظَماً كَمَا نَسَّا لِفَتْحِكُمُ غَدا
أهنِّيكَ يَا عِيدَ الرَّغائِبِ عيدا
أهنِّيكَ يَا عِيدَ الرَّغائِبِ عيدا / تَلَقَّاكَ بِاسمٍ صادقٍ لِتَعُودَا
كنُعماك فينا فاتِحاً ومُتمِّماً / وجُهدِكَ فينا مُبدِئاً ومُعِيدا
فأعطاكَ بالعَهدِ الكريمِ مَوَاثِقاً / وبالنصر فِي طُولِ البقاءِ عهودا
وقد مَلأَ الأيَّامَ منك مَحاسِناً / وآفاقَها العليا إليكَ سُعودا
وحلّاكَ عِقدَ المَكرُمَاتِ مُنَظَّماً / وأَلبَستَهُ ثوبَ السرورِ جديدا
وقد أشرقَت منكَ المُصَلَّى بغرَّةٍ / يظلُّ لَهَا وجهُ الصباحِ حَسودا
أضاءَت بنورِ الحقِّ والعدلِ والنُّهى / فجاءَتكَ أحرارُ الرِّجالِ عَبيدا
سَجَدتَ لربِّ العرشِ ديناً وطاعةً / فَخَرَّتْ إليكَ النائباتُ سُجودا
ومَدَّ إليك الناظرونَ نواظِراً / أقامَتْ بإخلاصِ القلوبِ شُهودا
فَمَلَّأْتَها هَدياً وبِرّاً وسُودَداً / وبأساً عَلَى أعدائِهنَّ وجُودا
وأعلامَ عِزٍّ أحدَقتْ بمكارِمٍ / فواتخ عقبانٍ حَمَلْنَ أُسودَا
كأَنَّ نَدى يُمناكَ مِمَّا تجودُها / كساها من الرَّوضِ النَّضِيدِ بُرُودا
وقد طَلَعَ الدِّيباجُ والوشيُ فَوقَها / حَدَائِقَ زَهرٍ فِي الغصونِ نَضِيدا
وكم لَبِستْ منه عِداكَ حِدادَها / إذا لَبِسُوا فوقَ السُّروجِ حَديدا
وكم مَلؤُوا الأرضَ الفضاءَ حَوَافِراً / وجَوَّ السَّماء قَسطَلاً وبُنُودا
وبِيضاً ردَدْنَ الليلَ أبيضَ مُشرقاً / علينا وأيَّامَ المعانِدِ سُودا
وزُرقاً من الخطِّيِّ أوقدها الوغى / فأضحَتْ لَهَا غُلبُ الرِّقابِ وَقُودا
مَساعٍ رَعَينَ الملكَ حَتَّى تَلأَلأَت / قلائِدَ فِي لَبَّاتِهِ وعُقودا
فَلَو لَمْ تُشَيِّعكَ الجنودُ إلى العِدى / لأضحى لَكَ النصرُ العزيزُ جُنودا
فلا زِلتَ للإسلامِ سَيفاً مُحامِياً / وصِنوُكَ رُكناً للثُغورِ شَديدا
تُنادِمُهُ كأسَ الوفاءِ فإن غَدَا / بعيداً فما مثواهُ مِنكَ بَعِيدا
فَمُلِّيتُما نُصحاً يعودُ بغبطَةٍ / وألهِمتُما حَمدا يقودُ مَزيدا
فِداؤكَ من لَوْ كَانَ فِي وُسعِهِ الفِدا
فِداؤكَ من لَوْ كَانَ فِي وُسعِهِ الفِدا / للاقى الأسى من دونِ نَفسِكَ والرَّدى
فلم تُضحِ من صرفِ الزمانِ مُرَوَّعاً / ولا بِتَّ من ليلِ المنونِ مُسَهَّدا
ولا راعَ منك الصبحُ سِرباً مُسَوَّماً / ولا هَزَّ عنكَ الليلُ مَثوىً مُمَهَّدا
ولم تَجِدِ الشكوى لِعَلْيَاكَ مُرتَقىً / ولا النائباتُ فِي سَماِئكَ مَصعَدا
ولا الحُزنُ فِي رَوْضاتِ عِزِّكَ مَرتَعاً / ولا الهمُّ فِي أرجاءِ بَحرِكَ مَورِدا
ولا ماءُ دَمْعٍ فِي جفونكَ مَسلَكاً / ولا نارُ وَجْدٍ فِي ضلوعِكَ مَوقِدا
وأصبَحَ جَدِّي حِينَ أفديكَ طائِعاً / بنفسِيَ أحظى بالوفاءِ وأسعَدا
ومالي لا أفدِي المكارِمَ والعُلا / وناهِجَ سُبلِ الفضلِ والجودِ والندى
ولكِن أرى مِنْ سَلِّ رأيِكَ للنُهى / وسعيِكَ للحسنى وَهدْيِكَ للهُدى
لقاءَكَ مَا لُقِّيتَ إلّا تَصَبُّراً / وحملَكَ مَا حُمِّلتَ إلّا تَجَلُّدا
مُرَزَّأَ أفلاذِ الفؤادِ مصائِباً / توالت بِهَا الأيامُ مَثَنىً ومَوحَدَا
فلم تَبدَ إلّا كُنتَ بالصَّبرِ بادِياً / ولا عُدنَ إلّا كنتَ بالعَودِ أحمدا
جَدِيراً وَقَدْ أشجاكَ فقدُ مُحَمَّدٍ / بِسَلوَةِ ذِكرَاكَ النَّبيَ مُحَمَّدَا
لِتقتَضِيَ الأَجرَ الجَزيلَ مُضَاعَفاً / وتَشتمِلَ الصَبرَ الجَمِيلَ مُمَدَّدَا
بأعلى مِنَ النَّجمِ الَّذِي غَارَ مُقتنىً / وأزكى منَ الغُصْنِ الَّذِي
هِلالاً يُسامِي فيكَ مَجرىً ومَطلعَاً / وفَرعاً يبارِي مِنكَ أصلاً ومَحتِدا
تَتِمُّ بِهِ النُعمى ويُسلى بِهِ الأَسى / وتَبأى بِهِ الدنيا ويَشجى بِهِ العِدى
بِسَعدِكَ لا بسعدٍ أو سُعادِ
بِسَعدِكَ لا بسعدٍ أو سُعادِ / تَنقَّلَ كلُّ هَمٍّ عن فُؤادِي
قعَدتُ عنِ الصِّبا وظَلِلتُ أدعُو / بأن تُعطى الظهورَ عَلَى الأعادي
وذلكَ حين أبصرتُ العَوالي / تُميلُ إليكَ أفئِدَةَ العِبادِ
عَلِمتُ بأنَّكَ المَلكُ الَّذي لا / تَدِينُ لغيرِهِ كُلُّ البِلادِ
عجِبتُ لمارِقٍ يعصيكَ جهَلاً / وَقَدْ سَبَقَتْ إليهِ لكَ الأيادي
فَسلْهُ مُخْزِياً هل كَانَ يَدرِي / بأنَّ الخِزْيَ فِي طَلَبِ العِنادِ
ألَمْ يَكُ لَوْ أنابَ إليك طَوْعاً / ينالُ منَ العلا فوقَ المُرادِ
ومَنْ لَمْ يَدرِ أنَّ الهامَ زَرْعٌ / لِينَظُرْ فِعْلَ سيفكَ فِي الأعادِي
حُسامَكَ لاستحالَتْ بالفَسادِ /
فإنَّ الدهرَ عندَكَ فِي قِيادِ /
وَمنْ يَكُنِ الزمانُ لديه عَبْداً / يَنَلْ مَا شاءَ من غَيْرِ ارتِيادِ
فَنَفْسُكَ بالمكارِمِ قَدْ تَحَلَّتْ / ورأيُكَ قَدْ تَحلَّى بالسَّدادِ
وسيفُكَ حيثُما وَجَّهتَ ماضٍ / ونُورُكَ حيثُما يَمَّمْتَ هادِ
ونجمُكَ طالِعٌ بالسَّعْدِ يَجْرِي / فسعدُكَ كُلَّ يومٍ فِي ازْدِيادِ
ونُصْحُكَ فِي الديانَة ليْسَ يَخْفى / وَمَا تَسْعى إلى غيرِ المَعادِ
وما صُوِّرْتَ إلا من حديدٍ / ولا استعْمِلتَ إلا للجِلادِ
وما تَرْضى بغيرِ الدِّرْعِ لِبساً / ولا فَرْشاً تحب سِوى الجِيادِ
أرى الأقدارَ مَا أمضَيْتَ تُمْضي / أأنْتَ تَسُوقُها أمْ أنتَ حادِ
أرى جَدْواكَ للإملاقِ ضِدّاً / وَفِي يَدِكَ المنونُ لمَنْ تُعادِي
أظُنُّكَ أنت مِفتاحَ المنايا / وَقَدْ مُلِّكْتَ أرزاقَ العِبادِ
أتَتْ كُتُبُ الأوائِلِ عنكَ تُثْني / تُبَشِّرُنا وتُنْذِرُ قَوْمَ عادِ
لأنكَ سوفَ تُهْلِكُ كُلَّ عادٍ / وتُنْصَرُ بالملائِكَةِ الشِّدادِ
ولَيْسَتْ فَعْلَةٌ تشناكَ لكِنْ / تَمَلَّكَ أهلَها ضِدُّ المعادِ
ولو وَجَدُوا السبيلَ إليكَ يوماً / لما خَفِيَتْ لهُمْ طُرُقُ الرَّشادِ
أشِرْ نحوَ الشَآمِ وأرْضِ مِصْرٍ / تَجِئْكَ مُجيبَةً لكَ بالقيادِ
وهل مَلِكٌ يُقاسُ إلى ابنِ يَحْيى / لَدى الهيجاءِ أو فِي كُلِّ نادِ
مليكٌ إن حَلَلْتَ بِهِ مُقِلّاً / نَزَلتَ عَلَى أجَلَّ من التِّلادِ
هَلِ المنصورُ للأيام إلّا / يَدٌ قِبَلَ البَرِيَّةِ بل أيادِ
يَحلُّ قصورُ مِثلِكَ فِي مِثالي / حُلولَ الماء فِي ظَمْآنَ صادِ
لئِنْ غَلَبتْ مناقِبُكمْ لِساني / فإنَّ العُذْرَ من بعضِ السِّدادِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025