القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِيف اليازجي الكل
المجموع : 71
نُفارِقُكُم وَنَضرِبُ في البِلادِ
نُفارِقُكُم وَنَضرِبُ في البِلادِ / وَلا تَتَرحَّلونَ عَنِ الفُؤادِ
نَغيبُ وَلا تَغيبُ الدَّارُ عَنَّا / فَتُوهِمُنا التَقَرُّبَ في البِعادِ
رَحَلنا بِالغَداةِ عَلى وَداعٍ / فَمَن هَذا المُسلِّمُ في الهَوادي
وَفارَقنا الدِّيارَ وَما يَليها / فَما هَذا المشخَّصُ في السَوادِ
خُذُوا عَنّا الَّذي حَمَّلتُمونا / مِنَ الأَشواقِ فَهوَ أَمَرُّ زادِ
وَكُفُّوا عَنْ خَواطِرنا وَعَنَّا / فَقَد حُلتُم بِها دُونَ الرُّقادِ
تَكلَّفْنا الرَّحيلَ فَما أَقَمنا / مَخافَةَ أَن نَذُوبَ عَلى الوِسادِ
وَكان نَصيبُنا مِنكُم كَلاماً / قَطَعناهُ لِتشتَفِيَ الأَعادي
تَرَحَّلنا الجِيادَ وَكُلُّ صَدرٍ / كَأَنَّ فُؤادَهُ تَحتَ الجِيادِ
وَلَو كُنّا نُملَّكُ كُلَّ أَرضٍ / نَطاها ما مَشينا عَن مُرادِ
أَجارَتَنا الَّتي كُنّا نَراها / وَما بَرِحَت وَلَو طالَ التَمادي
أراكِ صَحبِتنا وَظلِلتِ مَعْنا / وظَلَّتْ وحْشةٌ لكِ في ازديادِ
كوجهِ أميرِ قيسٍ حين يبدو / نراهُ وكلُّنا رَيَّانُ صادِ
نراهُ كما نراهُ ولا جديدٌ / بهِ ونَظَلُّ في مُلَحٍ جِدادِ
سَلِ الهَيجاءَ عنهُ وسَلْهُ عنها / إذا انقطعَ الكلامُ لدَى الطِرادِ
وسَلْ عنهُ الخزائِنَ لا تَسَلْها / عنِ المالِ الطريفِ ولا التِلاد
وسلْ عنهُ اليَراعَ وما لدَيهِ / من البيضِ الصحائفِ والمِدادِ
وسلْ عنهُ القريضَ وما يليهِ / وسل كُتُبَ الحواضِرِ والبوادِي
وسلْ ما شئتَ عما شئتَ حتى / ترى ما شئتَ من غُرَرٍ جيادِ
ترى بَرّاً فسيحاً تحتَ ثوبٍ / وبحراً يستقلُّ على جَوادِ
وبدراً لا يُلِمُّ بهِ سِرارٌ / وغيثاً ظلَّ يُفْعِمُ كلَّ وادِ
رُويدكَ أَيُّها المولى المُفدَّى / فأنتَ على ذُرَى السّبعِ الشِدَادِ
إذا فَدَتِ النفوسُ كرامَ قومٍ / فُديتَ بِكُلِ مَفدِيٍّ وفادِ
متى وَثِقَتْ بِعهدٍ منكَ نفسٌ / كفاها العهدُ عن صَوبِ العِهادِ
ومثلُكَ لا يضيعُ فتىً لديهِ / وها أنتَ الأَمينُ على العبادِ
شرِيكُ الناسِ في خَلقٍ جميلٍ / وفي الخُلُقِ الجليلِ على انفِرادِ
لئِن تكُ صُورةٌ جَمَعَتْ فأوعَت / فإنَّ التِبرَ أشبَهُ بالرَّمادِ
لا تبكِ مَيْتاً ولا تَفرحْ بمولودِ
لا تبكِ مَيْتاً ولا تَفرحْ بمولودِ / فالميْتُ للدُّودِ والمولودُ للدُّودِ
وكُلُّ ما فوقَ وجْهِ الأرْضِ تنظرُهُ / يُطوَى على عَدَمٍ في ثوبِ موجودِ
بئسَ الحياةُ حياةٌ لا رَجاء لها / ما بينَ تصويبِ أنفاسٍ وتصعيدِ
لا تستقرُّ بها عينٌ على سنَةٍ / الأعلى خوف نومٍ غيرِ محدُود
ما أجهَلَ المرْءَ في الدُّنيا وأغفَلَهُ / ولا نُحاشي سُليمانَ بنَ دَاودِ
يرى ويعلمُ ما فيها على ثقةٍ / منهُ ويغترُّ منها بالمواعيدِ
كلٌّ يفارِقها صَفْرَ اليدَينِ بلا / زادٍ فما الفرقُ بينَ البخلِ والجُودِ
يَضَنُّ بالمالِ محموداً يُثابُ بهِ / طَوعاً ويُعطيهِ كرْهاً غيرَ محمودِ
هانَ المَعادُ فما نفسٌ به شُغِلَتْ / عن رَبَّة العُودِ أو عن رَنَّةِ العُودِ
يا أعيُنَ الغِيدِ تَسْبينا لواحِظُها / قِفِي انظُري كيفَ تُمسي أعيُنُ الغيِدِ
يبدوُ الهِلاَلُ ويأتي العِيدُ في أنَقٍ / ماذا الهِلاَلُ وماذا بَهجةُ العيدِ
يومٌ لغيركَ ترجوهُ وليسَ لهُ / كُلٌّ ليومٍ غَدَاةَ البينِ مشهودِ
قد صغَّرَ الدَّهرُ عندي كلَّ ذي خَطرٍ / حتى استوى كلُّ مرحومٍ ومحسودِ
إذا فُجِعتُ بمفقودٍ صَبَرتُ لهُ / إني سأتركُ مفجوعاً بمفقودِ
يا من لهُ منهُ أهلٌ لا جَزِعْتَ على / أهلٍ وهل لكَ رُكنٌ غيرُ مهدُودِ
لسْنا نُعزّيكَ إجلالاً وتَكْرِمةً / فأنتَ أدرى ببُرهانٍ وتقليدِ
لكل داءٍ دواءٌ يُستطبُ بهِ / وليس للحُزنِ إلا صَبرُ مجهودِ
والصَّبرُ كالصَّدرِ رُحباً عندَ صاحبهِ / فإنَّ صبركَ مثلُ البِيد في البيِدِ
لله أيَّةُ عينٍ غيرُ باكيةٍ / تُرى وأيُّ فُؤادٍ غيرُ مفؤودِ
إن كانَ لا بدَّ ممَّا قد بُليتَ بهِ / هانَ البِلى بينَ موعودٍ ومنقودِ
حاشاكَ من خُطَّةٍ للقوم باطلةٍ / منها الأسى لِفَواتٍ غيرِ مردودِ
فالحِلمُ في القلبِ مثلُ السُورِ في بَلَدٍ / والعِلمُ في العقلِ مثلُ الطوقِ في الجِيدِ
طالَ شوقي لطُولِ هذا البِعادِ
طالَ شوقي لطُولِ هذا البِعادِ / فتُرَى هل لِذاكَ من مِيعادِ
كُلّما أقبَلَ الرَجاءُ ثناهُ الدْ / دَهرُ عَنّا فكلُنا في الطِرادِ
خَمِدَت نارُ ذلكَ الحَيِّ ويلا / هُ ومن لي من جمرِها برَمادِ
واستقَرَّت تلك الأباطِحُ من رَكْ / ضِ المطايا ومن صهيلِ الجِياد
هكذَا الدهرُ لا يَدومُ ولو دا / مَ لكُنَّا في عهدِ مَن قبلَ عادِ
وكما لا يَدُومُ حالُ صلاحٍ / عِندَهُ لا يدومُ حالُ فَسادِ
ليتَ هذا الزَمانَ يَعرِفُ منا / ما عَرَفْناه فيهتدي في انتقادِ
لم تُصبْنا أيدي العُداةِ بِسَهمٍ / فرَمانا بأعيُنِ الحُسَّادِ
أيُّها الراحلُ الذي ضَرَبَ الأطنا / بَ بينَ القُلوبِ والأكبادِ
ما سَمعنا براحلٍ أوْحشَ الأح / بابَ عِندَ ارتحالِهِ والأعادي
رُبمّا أنكَرَ العِدَى منكَ أمراً / يَتَمنَّوْنَ هل لهُ من مَعادِ
عَلِموا أنَّ ذاك قد كانَ تأدي / بَ أبٍ فانثَنَوا عنِ الأحقادِ
ضاقَ ذَرْعُ البِلادِ بَعدَكَ حتى / لا مُناخٌ لناقةٍ في البِلادِ
فكأنَّ البِلادَ جسمٌ بدُونِ الر / روحِ أو مُقلةٌ بدُونِ السَوادِ
أُوقِدَت يا كُلَيبُ بعدَك نارٌ / سالَ منها في الحيِّ قلبُ الجَمادِ
وانتَضَى القومُ بعدَكم كلَّ سيفٍ / كانَ في عهدِ سيفكُمْ كالنِّجادِ
إنما أنتَ واحدٌ غيرَ أنّي / لَسْتُ أُعطيكَ منزِلَ الآحادِ
كُنتَ دهراً فبِنتَ لم تغُننا منْ / كَ ولا عنكَ كثْرةُ الأعدادِ
لكَ خَوفٌ لو صادَفَ العينَ في الحُلْ / مِ لَصارَتْ تَخافُ طيبَ الرُقادِ
لم تَحُطَّ الأيَّامُ منكَ سِوى ما / حَطَّ برْيُ المُدَى من الأطوادِ
قد طلبنا إدراكَ شأوِكَ بالوصْ / فِ كصَرْحٍ بَغاهُ ذو الأوتادِ
فبماذا يبالغونَ وهم لا / يبلُغونَ الإنصافَ بعدَ الجِهادِ
أنتَ بينَ الكِرامِ دُرَّةُ تاجٍ / وإزاءَ الخُطوبِ صَخْرةُ وادِ
وعلى الرَوْضِ أنتَ زَهرُ ربيعٍ / وعلى الزَهرِ أنتَ صَوْبُ عِهادِ
تَفخَرُ الناسُ بالجُدودِ ولكنْ / أنتَ فَخْرُ الآباءِ والأجدادِ
وبكَ المنتمي يُباهِي ولو باِبْ / نِ أبيهِ يُدعى كمثلِ زيادِ
أنت أهلُ القريضِ تُنشَدُ منهُ / كلَّ بيتٍ يَهِمُّ بالإنشادِ
يَفْخَرُ الشِعرُ عِزَّةً بكَ حتّى / يستحي إنْ كتبتَهُ بالمدادِ
ليسَ يُثني عليكَ ما جاز أن يُثْ / نَى على من سِواكَ بينَ العِبادِ
كلُّ شعرٍ ثوبٌ على قَدَر اللا / بِسِ كالثوبِ فصَّلَتْهُ الأيادي
يَبلى الحبيبُ وحُزنُهُ يَتَجدَّدُ
يَبلى الحبيبُ وحُزنُهُ يَتَجدَّدُ / فكأنَّهُ في كُلِّ يومٍ يُفقَدُ
إن كانَ قد أمسى بعيداً نازحاً / عني فإنَّ سُلوَّ قلبي أبعَدُ
هم يَذكرُونَ من الكريمِ فضيلةً / وأنا أعُدُّ النَجْمَ حينَ أُعدِّدُ
تلكَ السجايا البِيضُ عندَ مُحِبّها / مما يليقُ بهِ اللبِاسُ الأسوَدُ
وَيحي مَتَى أنسى الذي طَرَدَ الكَرَى / وخَيالُهُ عن مُقلتي لا يُطرَدُ
ناديتُهُ فأجابَ سائلُ أدمُعي / والدَمعُ أجرى بالجَوابِ وأجوَدُ
يا راحلاً رَحَلَ اصطِباري بعدَهُ / هل بينَنا قبلَ القيامةِ مَوِعدُ
إنْ كُنتَ لم تَسمَعْ نُواحِي في الحِمىَ / فَعَلى ضَرِيحكَ ألفُ دمعٍ يَشَهدُ
طيفٌ إليَّ سرى عن غيرِ ميعادِ
طيفٌ إليَّ سرى عن غيرِ ميعادِ / يَشُقُّ لُبنانَ من أكنافِ بَغدادِ
تحمَّلَتْهُ ركابُ الشوقِ طائرةً / بهِ فسارَ بلا ماءٍ ولا زادِ
طيفُ الذي تملأُ الأقطارَ شُهرتُهُ / كأنَّما كلُّ ديوانٍ لهُ نادِ
إن تُحرَمِ العينُ مرآهُ فقد رُزِقَتْ / حديثَهُ الأُذْنُ مرفوعاً بإسنادِ
رَبُّ القوافي التي نهتزُّ من عَجَبٍ / لها فتهتزُّ عُجْباً عِندَ إنشادِ
من كلِّ حاضرةِ الألطافِ باديةٍ / تَبختَرَتْ بينَ أسبابٍ وأوتادِ
العالمُ العاملُ الميمونُ طائرُهُ / قُطبُ العراقَينِ في جمعٍ وإفرادِ
لهُ الكلامُ فإن نَبسُطْ إليهِ يداً / فقد جَنَينا على ميراثِ أجدادِ
تَهوي إلى الشِّعرِ من جهلٍ مطامعُنا / والشِّعرُ كَنْزٌ منيعٌ تحت أرصادِ
بحرٌ يجئ بدُرٍّ من جوانِبهِ / بعضٌ وبعضٌ بأصدافٍ وأعوادِ
قد عَزَّ عن حكماءِ العصرِ مطلبُهُ / وكانَ أيسَرَ مطلوبٍ على الحادي
شابَ الزمانُ فشابت فيه همَّتُنا / وذُلِّلَت جمرةُ الدنيا بإخمادِ
قد قلَّلَ الجَهلُ قدرَ العلمِ وا أسفَا / فقَلَّ مِقدارُهُ من بينِ أكبادِ
هيهاتِ ذلكَ من عزم الرُّعاةِ فهُم / بينَ الرعيَّةِ أرواحٌ لأجسادِ
والأمرُ إن لم يَقُمْ بالرأسِ مُعتضِداً / لم يَستقِلَّ بأكتافٍ وأعضادِ
يا طالما سَهِرتْ عينٌ على كُتُبٍ / كانَتْ تخافُ عليها عينَ حُسَّادِ
قد ضاعَ ما كَتَبَ الأقوامُ واجتهدوا / وما لِمَنْ قد أضلَّ اللهُ من هادِ
لا يَنجحُ العِلمُ حيثُ المالُ مُنَتَجَعٌ / هيهاتِ ما العِلمُ إلا خُلقُ زُهَّادِ
والمرءُ بالعِلمِ إنسانٌ يَسُودُ بهِ / حيّاً ومَيْتاً فذاكَ الرائحُ الغادي
بِضاعةٌ عندَ أهلِ الفضلِ رائجةٌ / وإنْ رَماها ذوُو بخْسٍ بإكسادِ
مَن كانَ يُرضي كِرامَ الناس في خُلُقٍ / فحبَّذا سخطُ أوباشٍ وأوغادِ
يا رافعاً رايةَ العلمِ التي انتَشَرَتْ / بفضلِهِ فوقَ أغوارٍ وأنجادِ
إليكَ تُزجى مطايا المدح مُثقَلةً / وهل تُقابَلُ أحمالٌ بأطوادِ
هذِهْ رسالةُ داعٍ يستجيرُ لها / من أن تَمُدَّ إليها طَرْفَ نَقَّادِ
ماذا تقومُ رِمالٌ في الكثيبِ لَدَى / مَن لا تقومُ لديهِ صَخْرةُ الوادي
فإنْ أجَبْتَ فما حَقُّ الجَوابِ لها / لكن ليَظَهرَ فَرْقٌ بينَ أضدادِ
المالُ يفرُقُ بينَ الأُمِّ والوَلَدِ
المالُ يفرُقُ بينَ الأُمِّ والوَلَدِ / فذاكَ أدنَى نسيبٍ عندَ كلِّ يدِ
عهدي بهِ خادماً كالعبدِ نَملِكُهُ / فما لعيني تراهُ سَيّدَ البَلَدِ
مالٌ يميلُ إليهِ المَرْءُ من صِغَرٍ / وكُلمَّا شَبَّ شَبَّ الحُبُّ في الكَبدِ
لو يجمَعُ اللهُ ما في الأرض قاطبةً / عندَ امرئٍ لم يَقُلْ حَسْبي فلا تَزِدِ
كلٌّ يروحُ من الدنيا الغَرُورِ كما / أتى بلا عَدَدٍ منها ولا عُدَدِ
لو كانَ يأخُذُ شيئاً قبلَنا أَحَدٌ / لم يبقَ شيءٌ لنا من سالفِ الأمَدِ
غِشاوةٌ في عُيُونِ الناسِ مُحكَمةٌ / تُفني العُيونَ ولا تَفنى إلى الأبدِ
عَلَتْ على كلِّ عالٍ في معَارِجهِ / ما لم يَكُنْ من رِجالِ اللهِ أهلِ غَدِ
إيَّاكَ أَعني حَماك اللهُ من رجُلٍ / نَراهُ في أرضِنا كالرُّوحِ في الجَسَدِ
نِلتَ الكَمالَ إلى ما فوقَ غايتِنا / فلا ينالُكَ منا طَوْرُ مُجتهدِ
القائلُ الحقَّ تحتَ السيفِ مشتهراً / والفاعلُ الخيرَ تحتَ البُغضِ والحَسدِ
خلُقٌ طُبِعتَ عليه لا تَمنَّ به / فلو أردت سبيلاً عنه لم تَجِدِ
من مَغربِ الأرضِ نَجْمٌ زانَ مَشرِقَها / تَفيضُ أنواؤُهُ بالدُّرِّ لا البَرَدِ
مَشَى على كَبِدِ الدُّنيا فما عَرَفَتْ / سيَّارةَ الأرضِ من سَيَّارةِ الجَلَدِ
فردٌ يَقُومُ على ساقٍ بما عَجَزَتْ / عنهُ الجُموعُ ولو قامَتْ على عُمُدِ
لا يُعجَبِ العَدَدُ الوافي بكَثرتِهِ / فرُبَّما غَلَبَتْهُ كَثرةُ المَدَدِ
أهلاً ببدرٍ تجلَّى بعدَ مغرِبِهِ / عَنّا وأشرَقَ بعد الخسفِ والكَمَدِ
حَسِبتُ مَرآهُ حُلْماً بعدَ عوْدتِهِ / فطالما زارَ في حُلمٍ ولم يَعُدِ
القلبُ بينَ الصَحْبِ أعدَلُ شاهِدٍ
القلبُ بينَ الصَحْبِ أعدَلُ شاهِدٍ / يُرضى وإن كانت شَهادةَ واحدِ
وإذا اتَّهمتَ أمينَ قلبِكَ مَرَّةً / وطَلَبتَ مُؤتَمَناً فَلَستَ بواجِدِ
نَظَرُ القُلوبِ إلى القُلوبِ أصحُّ من / لَحظَاتِ عينٍ للوُجوهِ رَواصِدِ
ولَقد يرى في البُعدِ قلبُ محقِّقٍ / ما لا ترَى في القُربِ عينُ مشاهدِ
وإذا بدَتْ للنَّاسِ مَعذِرةُ الفَتَى / أغنَتْهُ عن بَسْطِ اعتذارٍ عامِدِ
يحتالُ في عُذرِ الصديقِ صديقُهُ / أَيَعافُ مِنهُ قَبُولَ عُذرٍ وارِدِ
عَبِثَتْ بنا الأيَّامُ وهيَ بليَّةٌ / عُظمى وأعظمُها شِفاءُ الحاسدِ
وإذا رَجوتَ منَ الزَّمانِ سَلامةً / فهيَ الصَّلاحُ رَجَوتَهُ من فاسدِ
مَنْ عاشَ في الدُّنيا رأى في يَقْظةٍ / ما لا تَرَى في الحُلمِ عينُ الراقِدِ
يَرِدُ الشَّقاءُ منَ النَعيمِ وإنَّما / ليسَ الشَّقاءُ ولا النعيمُ بخالدِ
إنّي على العَهدِ القديمِ فلم تَحُلْ / تلكَ العُهودُ على حُؤُولِ مَعَاهِد
هيهاتِ لا يَبقَى على مُتقَارِبٍ / مَن كان لا يَبقَى على مُتباعِدِ
عهدٌ قديمٌ قد تَداوَلْنا بهِ / حَقَّ الوراثةِ والداً عن والدِ
ولَرُبَّما سَمَحَ الكريمُ بطارفٍ / من مالهِ عَفواً وضَنَّ بتالدِ
ورِسالةٍ أَنِسَ الفُؤاد بوفدها / أُنْسَ المريضِ إلى الطبيب الوافدِ
عَطَفَتْ على قلبي الكليمِ فحَبَّذا / صِلَةٌ تلقَّتْني بأكرمِ عائدِ
جاءَت بِطيبِ تحيَّةٍ أشهى لنا / نحنُ العِطاشَ منَ الزُلالِ الباردِ
تخَتالُ بين دَقائقٍ ورَقائقٍ / وتَميسُ تحتَ قَلائدٍ وفرائدِ
جَلَتِ العِتابَ على قَطيعةِ هاجرٍ / ولَعلَّ في الهِجرانِ بعضَ فوائدِ
لو لم يكُنْ سَبَبٌ لِعَتْبٍ لم يكن / سَبَبٌ لوَفْدِ رسائلٍ وقصائدِ
هذِهْ بِضاعتُنا التي ما مِثلُها / في سوقِ تاجرِها الخَبيرِ بكاسدِ
كَلِماتُ صِدقٍ في البَيانِ تصرَّفَت / من بَعضِ أبنيةِ الضَميرِ الجامدِ
قد جَدَّدتْ عَقْدَ الوَلاءِ وإنَّهُ / يَبقى فيلزَمُ بعدَ مَوتِ العاقدِ
تِلكَ السريرةُ عُمدةٌ مطلوبةٌ / والغيرُ مَعْها فضلةٌ كالزائدِ
سَلامٌ وما يُغني السلامُ على البعدِ
سَلامٌ وما يُغني السلامُ على البعدِ / ولكنَّهُ أولى بتذكرِةِ العَهْدِ
سَلامٌ على من لا أرَى غير كُتْبهِ / فألهُو بذاكَ الرَّسم والرَّسمُ لا يُجدي
حبيبٌ طَوَى بُعْدُ المَسافةِ وَصلَهُ / فكانَ غريمي شُقَّةَ الغَورِ والنجدِ
ولا خيرَ في قُربِ الدِّيارِ مع القِلَى / ولا بأسَ من بُعدِ الدِّيارِ مع الوُدِّ
لهُ اللهُ ما أبقى الوِدادَ بقلبِهِ / على حِين يُمحَى النقشُ في الحَجَرِ الصَلْدِ
تَمُرُّ صُروفُ الدَّهر والسُّخطُ والنَّوَى / عليهِ ولكن لا تُعيدُ ولا تُبدي
صديقٌ صَدُوقٌ كلمَّا قُلتُ قد سلا / لبُعدٍ رأيتُ البُعدَ قد زَاد في الوجدِ
عَرَفتُ قُصوري عنهُ في كلِّ مَنهَجٍ / فَلستُ أُباري فضلَهُ بِسوى الحمدِ
تُعَلِّلُنا الآمالُ يوماً إلى غدٍ / بوَعدٍ ويا ويلَ الوَفاءِ من الوعدِ
وهيهات ما وَعدُ الحيَاةِ بقائمٍ / تُجاهَ المنايا وَهْيَ فاسخةُ العَقْدِ
طلبنا التَّداني فابَتعدْتَ فليتَنا / طلبنا النَّوَى يا مَن يُقابِلُ بالضِدِّ
وكم واجدٍ ما لم يكن طالباً لهُ / وكم طالبٍ ما ليسَ يُدرِكُ بالجَهدِ
يبيتُ فُؤادي أيُّها النَّاسُ عندَ من / يَبيتُ إذا جَنَّ الدُجَى طَيفُهُ عِندي
قُصارى اللِقا منهُ الزِّيارةُ في الكَرَى / فتُشفِقُ عيني أن تعودَ إلى السُهدِ
أهيمُ إلى مَن لا أراهُ صَبَابةً / كما اشتاقَ ظمآنٌ إلى نازحِ الوِرْدِ
إذا نَفَحَتْني نَسْمةٌ من ديارِهِ / تَعلَّلتُ منها بالسَّلامِ وبالبَرْدِ
ألا يا بعيدَ الدَّارِ لو أنَّ دارَنا / دَنَت مثلَ قلبَينا لَبِتْنا على مَهْدِ
لَئن مَنَعَتْ غُبْرُ السباسبِ وَفدنا / فما مَنَعَتْ ريحَ الجَنُوبِ من الوَفْدِ
كادت تَذوبُ ثُغورُ البحر من حَسَدِ
كادت تَذوبُ ثُغورُ البحر من حَسَدِ / لِثَغرِ بيرُوتَ أو تنهالُ منْ كَمَدِ
قد زارها من رأى أضعافَ مَنظرِها / ولم تَرَى مِثَلهُ في الناسِ منْ أحَدِ
ذاكَ السَّعيدُ الذي الدنيا بهِ سَعِدَتْ / وليسَ تَنسَى أياديهِ إلى الأبَدِ
وَهْوَ الكريمُ الذي يُدعى كريمَ أبٍ / كريمَ نفسٍ كريمَ اسمٍ كريمَ يَدِ
يَسيرُ والذَهَبُ المنثورُ يَتبَعُهُ / مثلَ السَّماءِ تَرُشُّ الأرضَ بالبَرَدِ
فظَنَّتِ الناسُ أنَّ السُحْبَ قد فَتحَتْ / بِقُدرةِ الله دارَ الضَربِ في الجَلَدِ
أماتَ ذِكرَ الكِرامِ السالِفينَ كما / أحيا مكارمَهُم في سالفِ الأمَدِ
ورَدَّ لَهفةَ عَصرٍ كانَ منزِلُها / في بُهرةِ الصَّدرِ بينَ القلبِ والكَبِدِ
ضاحي الجبينِ شديدُ البأسِ مُقتدِرٌ / في طلعةِ البدرِ ألقَى جبهةَ الأَسَدِ
بدرٌ بلا كَلَفٍ لَيثٌ بلا صَلَفٍ / بَحرٌ بلا زَبَدٍ كَنْزٌ بلا رَصَدِ
عَطاؤهُ من عَطاءِ ا للهِ مُغتَرفٌ / بلا حِسابٍ ولا وَزنٍ ولا عَدَدِ
إذا دنا فاضتِ الخَيراتُ من يَدِهِ / وإن نأى فنَداهُ غيرُ مُبتعِدِ
للمُلكِ في تختِهِ رأسٌ يقومُ بهِ / ومن سَعيدٍ أتاهُ اللهُ بالعَضُدِ
شخصُ الخليفةِ بعدَ اللهِ نَحسبُهُ / وبعدَ ذاكَ سعيدٌ أوَّلُ العُمَدِ
رُكنٌ لدَولةِ هذا المُلكِ يَخِدمُها / بالمالِ والخيلِ والأبطالِ والعَدَدِ
وَهْوَ الوَفيُّ الذي يَرعَى الذِمامَ ولا / ينسَى الصديقَ ولا يَلوي عنِ الرَشَدِ
الواسعُ الحِلمِ لا يَعلُوهُ عن غَضَبٍ / والعادلُ الحُكمِ لا يَعرُوهُ من أوَدِ
والقاطعُ السيفِ لا تُثنَى مضارِبُهُ / وليسَ يَسلمُ منهُ لابسُ الزَرَدِ
يا مَنْ علينا لهُ حَقُّ الثَّناءِ كما / لنا عليهِ حُقوقُ الغَوثِ والمَدَدِ
عارٌ علينا إذا شَرَّفتَ بلدَتنا / ونحنُ كالعُمُدِ الخرساء في البَلَدِ
هذا ثناء غريق في نَداكَ يَرَى / ثَناكَ في الشِّعرِ مثلَ الرُوحِ في الجسَدِ
إذا أردتَ لهُ توجيهَ مَكرُمةٍ / فقُلْ قَبِلتُكَ لي عَبداً ولا تَزِدِ
لكلِ كَرامةٍ زَمَنٌ يَعُودُ
لكلِ كَرامةٍ زَمَنٌ يَعُودُ / كما يَخَضَرُّ بَعدَ اليُبسِ عُودُ
وإِنَّ الدَّهرَ يَبخُلُ بعدَ جُودٍ / وبعدَ البُخْلِ ننظُرُهُ يجودُ
لَئِنْ فاتَ البِلادَ قديمُ عَصرٍ / فها قد جاءَها عَصرٌ جديدُ
وإِن شَقيَتْ بلادُ الشُّوفِ قدْماً / فإِنَّ اليومَ صاحبَها سَعِيدُ
كريمٌ شادَ بينَ الناسِ ذِكراً / بهِ الآباءُ تَحْيا والجُدُودُ
أَعادَ لنا البشيرَ وما كفاهُ / فكانَ على مُجرَّدِهِ يَزيدُ
عَرَفناهُ على بُعدٍ ولكنْ / تَعاظَمَ إذ دَنا ذاكَ البَعيدُ
وما كَذَبَ السَّماعُ بهِ ولكنْ / تَزَكَّتْ عِندَ رُؤيتِهِ الشُّهودُ
رئيسٌ في عَشائِرِ آلِ قيسٍ / تَسِيرُ لَدَى مَواكِبِهِ البُنودُ
يَشُبُّ النَّارَ في سِلْمٍ وحَرْبٍ / وفي الحالَيْنِ ليسَ لها خُمُودُ
هُوَ الرُّكنُ الذي لولاهُ كادتْ / قواعدُ طُورِ لُبنانٍ تَميدُ
إذا كانتْ بِلادُ الشُّوفِ تُدعَى / جَوانِبَ خَيمةٍ فَهُوَ العَمودُ
هَجَرَتْ فبِتُّ بمُقلةٍ لم تَرْقُدِ
هَجَرَتْ فبِتُّ بمُقلةٍ لم تَرْقُدِ / فأَنا على الحالينِ راعي الفَرْقَدِ
يا طَالما حَكَتِ النُجومَ بحُسنِها / حَتَّى حَكَتها في المَقامِ الأَبعَدِ
سُبحانَ من طَبَعَ القُلوبَ على الهوَى / فتَراهُ يَقصِدُها وإنْ لم يُقصَدِ
لاخيرَ في قَلبٍ بلا شُغلٍ ولا / أَرَبِ فذلكَ قِطعةٌ من جَلمَدِ
ولَقد وَقَفتُ على المنازِلِ باكياً / بينَ العميقِِ وبينَ بُرقةِ ثَهمَدِ
ما كانَ من شِيَمِي البُكاءُ وإنَّما / يأتي الزَّمانُ بشِيمةٍ لم تُعهدِ
ولَرُبَّ طَيفٍ زارَني تحتَ الدُّجَى / فلَقيتُهُ طَرَباً بلَهجةِ مَعَبَدِ
وسألتُ زَورَتهُ الغدَاةَ فقالَ لي / مَهلاً إذا ما جَنَّ لَيلُكَ فارصُدِ
يا جائِرِينَ على ضَعيفٍ حائرٍ / لا يَهتدي وَيَوَدُّ أن لا يَهتدي
ما في يدي سيفُ الإمامِ ولا أَرى / قَلَمَاً لشَيخِ القُطرِ يَجرِي في يدي
العالمُ العلمُ الذي من ظِلِّهِ / عَلَمٌ على تَيماءَ حتى المِربَدِ
يَلقاهُ طالِبُهُ بمُقلةِ خاشعٍ / ويَراهُ حاسِدُهُ بمُقلةِ أَرمَدِ
قابلتُهُ فنَظَرتُ شخصاً رَيثَما / جالستُهُ فإذا ببحرٍ مُزبِدِ
ولَكَمْ سَمِعتُ بهِ فحينَ رأَيتُهُ / ضَحِكَ العِيانُ على السَّماعِ المُسنَدِ
رجلٌ لَدَى الأَسماءِ يُحْسَبُ مُفرَداً / لكن لَدَى الأَفعالِ ليسَ بمُفرَدِ
لو أنَّ فُسحةَ عِلمِهِ في عمرهِ / لَرَجَوْتُ أن يَبقى ليَومِ المَوعدِ
أَرضى الإلهَ وخَلقَهُ كمُؤَلِّفٍ / يوماً بِنُونِ البحرِ ضَبَّ الفَدفَدِ
فيَظَلُّ يَجَهَدُ في المَدارِسِ يَومَهُ / أَبَداً ويُصبحُ عاكفاً في المَسجدِ
أَهدَيتُهُ من آلِ عيسى غادةً / أَلقى بها الإِعرابَ آلَ محمَّدِ
فإذا اقتَصَرتُ فلا لأِنَّ صِفاتِهِ / نَفِدَتْ ولكنْ ضاقَ ذَرعُ المُنشِدِ
ماتَ الحبيبُ كأنَّهُ لم يُولَدِ
ماتَ الحبيبُ كأنَّهُ لم يُولَدِ / وسلا المُحِبُّ كأنهُ لم يُفقَدِ
والُحزنُ يُنشِئُهُ الحبيبُ كما نَشا / فإذا بَلِي كبَلآئهِ لم يَعْتَدِ
يا مَن نَراهُ اليومَ يَغلبُهُ البُكا / سَنَراكَ يَعصِيك التَباكي في غَدِ
هَبْ في فُؤَادِكَ من شُجُونِكَ جمرةً / أَرأَيتَ وَيَحْكَ جَمرةً لم تَخمَدِ
كم يجَهدُ الباكي المعَدِّدُ نَوحَهُ / والمَيْتُ لا يَدرِي بنَوْحِ مُعَدِّدِ
المَيْتُ لا يَدري بحالةِ قائمٍ / والحَيُّ لا يَدرِي بحالِ مُوَسَّدِ
لو دام هذا الحُزنُ ألقى رَبَّهُ / في اللحد قبلَ بِلَى الحبيبِ المُلحَدِ
من غابَ عن عينٍ فسَوفَ يغيِبُ عن / قَلبٍ فتِلكَ وِثاقُهُ في المَشهَدِ
لو أنصَفَ الباكُونَ أنفُسَهم بكَوْا / حُزناً عليها في انتِظار المَوعِدِ
هل يأمنُ الباكي هُجومَ حِمامِهِ / ما بينَ مسحِ دُمُوعِهِ المُتَرَدِّدِ
ما لي تَكلَّفتُ النَّصيحةَ مُرِشداً / في ما أعوزُ بهِ نَصيحةَ مُرشِدِ
جُمَلٌ أتيتُ بها اعتِراضاً حيثُ لا / عمَلٌ فما قامت مَقامَ المُفرَدِ
قد كنتُ أرغَبُ أن أرى قلبي كما / أهوَى ولكن ليسَ قلبي في يَدي
والقلبُ مثل العِهنِ إنْ جارَيتَهُ / لكن إذا عاصَيتهُ كالجَلمَدِ
آهاً لهذا الموتِ لا يَرثي لِمَن / يبكي ولا يحنو على المُتَنهِّدِ
كم شَقَّ أكباداً وأبكى أعيُناً / ولكم يَشُقُّ على المَدَى من أكبُدِ
والموتُ ليس بجيِّدٍ لكنّما / لولاهُ كان الحالُ ليسَ بجيِّدِ
لولا قديمُ الموتِ لاصطَنَعَ الوَرَى / مَوتاً فماتَ النَّاسُ بالمُتَجدِّدِ
لو قامَ من قَتَلتْهُ سَطوةُ مِثلِهِ / ضاقت بكثرتِهمْ رِحابُ الفدْفَدِ
والقتلُ قبلَ الموتِ كان قَدِ ابتدا / إذ كان حَتفُ الأنفِ لمَّا يَبتدي
ولقد رأيتُ الأُسْدَ أحسَنَ خَلّةً / من جِنسِ هذا الناطقِ المُتَمرِّدِ
الناسُ تَقتُلُ كلَّ يومٍ بعضَها / والأُسدُ تَقتُلُ غيرَها إذ تَعتدِي
كلٌّ يخافُ من المَنُونِ لوَقتهِ / ونَراهُ يَجهَدُ في الغِنى كمخُلَّدِ
هذا على حُكم الجُنونِ وإنَّما / قد أصبحَ المجنونُ غيرَ مُقيَّد
يا صاحِ ذَرْ عنك التَغَفُّلَ وانتَبِهْ / لا تَنظُرِ الدُنيا بطَرْفٍ أرمَدِ
سَفَرٌ بعيدٌ في مفَاوِزِ قَفْرةٍ / فالوَيلُ إنْ سافَرتَ غيرَ مُزوَّدِ
لِمَنْ طَلَلٌ بِوادي الرَّمل بادِ
لِمَنْ طَلَلٌ بِوادي الرَّمل بادِ / تَخُطُّ بهِ الرِّياحُ بلا مِدادِ
وَقَفتُ بناقتي فيهِ فكُنَّا / ثَلاثةَ أرسُمٍ في ظِلِّ وادِ
على مَن لا سَلامَ لها علينا / سلامٌ لا يُرَدُّ على البِعادِ
تَعَشَّقْنا الحِجازَ وقد سَمِعْنا / بمَنزِلها على ذاتِ الإصادِ
نَؤومُ عينُها سَلَبَتْ مَنامي / فصارَ لها رُقادٌ في رُقادِ
رَضِيتُ بطَيفِها لو زَارَ حيناً / وكيفَ يَزورُ طيفٌ في السُّهادِ
كحيلةُ مُقلةٍ بَرَزَتْ كسيفٍ / فجاءَتها الغدائِرُ بالنَّجادِ
رأيتُ دَمي بَوجْنتِها فأرْخَتْ / ذُؤَابتَها تُشيرُ إلى الحِدادِ
لِعَينكِ يا أُميَّةُ ما برأسي / وما في مُقلتَيَّ وفي فُؤادي
تَطِيبُ لأجلِها بالشَيبِ نفسي / فقد صارت تَخافُ منَ السَّوادِ
أمِنتُ على فُؤَادي من حَريقٍ / بِحُبكِ حينَ صار إلى الرَّمادِ
وقد أمِنَتْ قُروحَ الدَمعِ عيني / لأنَّ الدَّمعَ صار إلى النَفادِ
دَعوتُ بني الصَّفاءِ لكَشفِ ضَرٍّ / أذُوبُ لهُ فكانوا كالجَمادِ
وما كلُّ أمرئٍ يا أُمَّ عَمْرٍو / بمحمودٍ إذا هَتَفَ المُنادي
هَوِيتُ من البِلادِ دِمَشْقَ لَمَّا / هَوِيتُ ابنَ النَّسيب منَ العِبادِ
وليسَ ابنُ النَّسِيبِ اليومَ فيها / سِوَى جَبَلٍ على كَبِدِ الوِهادِ
نسيبٌ من نَسيبٍ من نسيبٍ / كأكعابِ القناةِ على اُطِّرادِ
كِرامٌ لو تَقَصَّاهُمْ نَقِيبٌ / لَعَدَّ كِرَامَهُمْ من عَهدِ عادِ
إذا قَلَّبتَ في محمودَ طَرْفاً / تَرَى قَمَراً تَبوَّأ صَدْرَ نادِ
تراهُ في المعاني قيس عبسٍ / وفي الألفاظِ قسَّ بني إياد
كريم الخلقِ ممدوحُ السَّجايا / كريمُ النَفسِ محمودُ الأيادِي
أرَقُّ منَ الزُّلالِ العَذْبِ لُطفاً / وأثبتُ من ثَبيرٍ في الوِدادِ
فَتىً لا يَزْدَهيهِ التِّيهُ كِبْراً / ولو أمسَى على السَّبْعِ الشِّداد
تَحِلُّ المكرُماتُ حِماهُ شَوقاً / وقد سارَتْ إليه بغَيرِ حادِ
أصَحُّ الناسِ في الغَمَراتِ رأْياً / وأهداهُمْ إلى سُبُلِ الرَّشادِ
وأشجاهم بمَسئَلةٍ لخَصْمٍ / وأرواهم بفائدةٍ لِصادِ
يَهُبُّ الشَّوقُ في قَلبي إليهِ / هُبوبَ الرِّيحِ في رِجْلِ الجَرادِ
ويَعذُبُ مَا تَيسَّرَ منه عِندي / كمَسْغبَةٍ تُحبِّبُ كُلَّ زادِ
ألا يا مُنعِماً بقَديمِ وَصلٍ / بَدأتَ فهل لِبَدْئِكَ مِن مَعادِ
لَئنْ حَجَّت إليكَ العينُ يوماً / فإنَّ القلبَ دامَ على الجهادِ
قِفْ فوقَ رابيةٍ تُجاهَ المسِجِدِ
قِفْ فوقَ رابيةٍ تُجاهَ المسِجِدِ / وقُلِ السَّلامُ على ضَريحِ مُحَمَّدِ
واتْلُ الفَواتِحَ فوقَ تُربتهِ التي / حُفَّت بأملاكٍ تَرُوحُ وتَغتَدي
هذا صَفِيُّ اللهِ خيرُ عِبادِهِ / وأبَرُّ كُلِّ مُوَحِّدٍ مُتَعبِدِ
ما زالَ يسعَى كُلَّ يومٍ باحثاً / في يومِهِ عَمَّا يُحاسَبُ في غَدِ
عَلَمٌ من الأقطابِ أصبَحَ مُفرداً / في العالمينَ بفَضلِهِ المُتَعدِّدِ
قد صَحَّ وَضعُ الحُوتِ في لَقَبٍ لهُ / إذ خاضَ في بحر العُلومِ المُزبِدِ
صافي السريرةِ مُخلِصٌ لله في / عَمَلٍ سليمُ القلبِ عَذْبُ المَوْرِدِ
مُتوَاضعٌ فوقَ الكَرامةِ كُلَّما / قامتْ عُلاهُ يقولُ للنفس اقعْدي
لم تُغْوِهِ الدُّنيا فكانَ نَصيبُهُ / نَصَبَ العِبادةِ لا نِصابَ العَسْجَدِ
حَزِنَ القريبُ عليهِ مُلتاعاً كما / حَزِنَ البعيدُ على الحديث المُسنَدِ
لم تبقَ عينٌ في البِلادِ عليهِ لم / تَدمَعْ ولا شَفَةٌ لهُ لم تَحْمَدِ
بيروتُ نُوُحي في الأصائِلِ والضُّحَى / حُزناً عليهِ ولا أقولُ تَجَلَّدي
قد غابَ عنكِ وفيكِ بدرٌ مُشرِقٌ / بدرُ التَمامِ إزاءَهُ كالفَرقَدِ
بدرٌ يدورُ على العُيون فتنجلي / أبصارُها وعلى القُلوب فتَهتَدي
ما عِيبَ قَطُّ بريبةٍ إذ لم يزَلْ / طُولَ الحَياةِ لنفسِهِ بالمَرْصَدِ
يُشكَى إليه ليسَ منهُ فإنَّهُ / عن كل سُوءٍ كانَ مكفوفَ اليدِ
يا أيُّها المَيْتُ الذي يبقى لهُ / في أرضنا ذِكرٌ ليومِ المَوْعدِ
قد مُتَّ في الدُنيا كأنَّكَ لم تَمُتْ / والبعضُ ماتَ كأنَّهُ لم يُولَدِ
ماذا يُؤَمِّلُهُ الحَسُودُ بجَهْدِهِ
ماذا يُؤَمِّلُهُ الحَسُودُ بجَهْدِهِ / إذ يَقصِدُ الموَلى كَرامةَ عبدِهِ
وإذا أرادَ اللهُ عَوْنَ مُوفَّقٍ / جُعَلِتْ مَلائكةُ السَّماءِ كجُندهِ
للهِ سِرٌّ في العِبادِ وحِكْمةٌ / تَدَعُ الرَّشيدَ كغائبٍ عن رُشدِهِ
يَقضي بما يَهْوَي فَسَلْ عن فِعِلِهِ / إنْ شئِتَ لكنْ لا تَسَلْ عن قَصدِهِ
والدَّهرُ كالبُستانِ بينَ رِجالهِ / لا بُدَّ يُؤذِي الشَّوكُ قاطفَ وَردِهِ
لو لم نَكُنْ ذُقنا مَرارةَ صَبرِهِ / بالأمسِ لم نَعرِفْ حَلاوةَ شَهدِهِ
لا تَحمَدِ الأمرَ الذي أبصَرتَهُ / حَتَّى يَتِمَّ فقمْ هُناكَ بَحمدِهِ
وإذا قَبَضْتَ مِنَ الصَداقةِ دِرْهماً / كَلِّفْ تجاريبَ الزَّمانِ بنَقْدِهِ
إنَّ الصَّديقَ هُوَ المُقيمُ على الوَفا / في وَقتِ ضَنْكِ العَيشِ لا في رَغدِهِ
أهْلُ الصَّداقِةِ في النُّحُوسِ قَلائلٌ / والكُلُّ أصحابُ الفَتَى في سَعدِهِ
ليسَ الجميلُ لِمَنْ يُعاهِدُ صاحباً / إنَّ الجَميلَ لِمَنْ يَقومُ بعَهدِهِ
لا يحَفَظُ الوُدَّ السَّليمَ لرَبِّهِ / مَن لم يكُنْ للناسِ حافظَ ودِّهِ
يا نِعمةَ اللهِْ الذي لَكَ نِعمةٌ / من فَضلِهِ وكَرامةٌ مِن عِندِهِ
وَعَدَ الإلهُ الصَّابرِينَ بعَونِهِ / لا تَحسَبَنَّ اللهَ مُخلِفَ وَعدِهِ
كم قد تَجرَّدَ سيفُ رجزٍ قاطعٌ / سَحَراً فأمسَى نائماً في غِمدِهِ
وَلَكَمْ تَمزَّقَ من سَحابٍ فارغٍ / قد كانَ يَرجُفُ بَرقُهُ من رَعدهِ
من عاشَ في هذا الزَّمانِ يَعوزُهُ / صَبرٌ على حَرِّ الزَمانِ وبَرْدِهِ
لا يُحْزِنُ المَرَضُ الفَتَى بقُدومِهِ / يوماً عليهِ كما يَسُرُّ بفَقْدِهِ
إنْ كُنتَ أحسنتَ الوَفاءَ فهكذا / قد أحسنَ المَلِكُ العظيمُ بِرِفدِهِ
شارَكتَهُ بالأمسِ في أتعابِهِ / واليومَ أنتَ شريكُهُ في مَجْدِهِ
لِمَنِ المَضارِبُ في ظِلالِ الوادي
لِمَنِ المَضارِبُ في ظِلالِ الوادي / مثلُ الجِبالِ تُشَدُّ بالأوتادِ
تكسو الذَّبائِحُ كُلَّ يومٍ أرضَها / بِدَمٍ فتَسْتُرُهُ بثَوبِ رَمادِ
حُفَّتْ بِغاباتِ الرِّماحِ وإنَّما / تِلكَ الرِّماحُ عَرِينةُ الآسادِ
تَخشَى اشتِعالَ العُودِ منها إذ تَرَى / لَيلاً أسِنَّتها كوَرْي زِنادِ
تِلكَ الدِّيارُ ديارُ طَيٍّ حَوْلها / أحياءُ جُلهُمَةٍ ورَبْعُ إيادِ
حَفَّت بها زُمَرُ الكُماةِ كأنَّها / دارُ السَّعيدِ تُحَفُّ بالأجنادِ
دارٌ بأرضِ الشُّوفِ قام بِناؤها / وظِلالُ هَيبْتِها على بَغْدادِ
إنْ لم تكُنْ كُلَّ البلادِ فإنَّها / نِصفُ البِلادِ وفَخْرُ كُلِّ بلادِ
هيَ كَعْبةُ القُصَّادِ بل هيَ منَهلُ ال / وُرَّادِ بل هيَ غُصَّة الحُسَّادِ
كَتبَتْ يمينُ الحقِّ في أبوابهِا / لا تَنْسَ أنّ اللهَ بالمِرْصادِ
يَممَّتُ صاحِبَها السَّعيدَ فقيلَ لي / أنتَ السَّعيدُ ظَفِرْتَ بالإسعادِ
إن كُنتَ طالبَ حاجةٍ فَقدِ انقَضَتْ / ما لم تَكُنْ مَلطوخةً بِفَسادِ
أهديتُهُ مِثلَ العَرُوسِ قَصيدةً / لكنَّها طَلَعَتْ بثَوبِ سَوادِ
حَزِنتْ لذُلِّ الشِعر حتى أيقَنَت / بِمَماتهِ فتَسربلَتْ بحِدادِ
ولقد هَمَمتُ بتَرْكهِ لو لم تَكُنْ / غَلَبَتْ عَلَيَّ صَبابةٌ بفُؤادي
ما كُنتُ أعرِفُ قبلَ مَعرِفتي بهِ / نَفْسي فكانَ كتوْأم المِيلادِ
قد قَلَّ في هذا الزَّمانِ رَواجُهُ / حَتَّى ابتُلِيْ مَعَ رُخصِه بكَسادِ
ولَئنْ تَكُنْ كَثُرَتْ معايبُهُ فَقد / ستَرَت عليها قِلَّةُ النُقَّادِ
يا واحداً غَلَبَ الأُلوفَ فأصبَحَت / رُتَبُ الأُلوفِ رَهينةَ الآحادِ
مَن كانَ يُجهِدُ في قِتالكَ نَفسَهُ / فبِسَيفِ ذُلٍّ لا بِسَيفِ عِنادِ
إنّي دَعَوتُكَ فاستَمَعْتُ إجابةً / بالقَلبِ قبلَ الأُذْنِ عِندَ بِعادي
حاشاكَ أنْ لا تَستَجِيبَ مُنادِياً / ونَرَى الإلهَ يُجيبُ حينَ تُنادي
هذِهْ عَرُوسُ الزَّهرِ نَقَّطَها النَّدَى
هذِهْ عَرُوسُ الزَّهرِ نَقَّطَها النَّدَى / بالدُرِّ فابتَسَمَتْ ونادَتْ مَعْبَدَا
لَمَّا تَفتَّقَ سِتْرُها عن رأسِها / عَبِثَ الحَياءُ بخَدِّها فَتورَّدا
فَتَحَ البَنَفْسَجُ مُقلةً مكحولةً / غَمَزَ الهَزازَ بها فقامَ وغَرَّدا
وتَبَرَّجَتْ وُرْقُ الحَمامِ بطَوْقِها / لمَّا رأينَ التَّاجَ يعلو الهُدْهُدا
بَلَغَ الأزاهرَ أنَّ وَرْدَ جِنانِها / مَلِكُ الزُهورِ فقابَلَتْهُ سُجَّدا
فرَنا الشَّقيقُ بأعينٍ مُحمَرَّةٍ / غَضَباً وأبدى منهُ قَلباً أسْودَا
بَسَطَ الغَديرُ الماءَ حَتَّى مَسَّهُ / بَرْدُ النَّسائِمِ قارصاً فتَجَعَّدا
ورأى النَّباتَ على جَوانِبِ أرضِهِ / مَهْداً رَطيباً لَيِّناً فَتَوسَّدا
يا صاحبيَّ تَعَجَّبا لِمَلابِسٍ / قد حاكهَا مَن لَم يَمُّدَّ لها يَدا
كلُّ الثِّيابِ يَحولُ لونُ صِباغِها / وصِباغُ هذِهْ حينَ طالَ تَجَدَّدا
ما بالُ هذا النَّهر يَضرِبُ صَدرَهُ / رَكضاً ويَهِدرُ كالبَعيرِ مُعَرْبِدا
هل غارَ من كَفِّ الأميرِ مُحمَّدٍ / كم حاسدٍ حَسَدَ الأميرَ محمَّدا
هذا الذي قَتَلَ العَدُوَّ بكَيدهِ / وأذابَ مِن حَرِّ الصُدُورِ الحُسَّدا
أعطاهُ خالقُهُ الذي لم يُعْطِهِ / أحَداً فإنْ حَسَدَ الحَسُودُ فما اعتَدى
أعطاهُ حِلمَ الشَّيخِ في سِنِّ الفَتَى / حَتَّى لَقد خِلْناهُ أشْيَبَ أمرَدا
ونَفَى عيوبَ الناسِ عنهُ جامعاً / ألطافَهُمْ في شَخصهِ فتَفرَّدا
عَجَباً نَزِيدُ على استِماعِ حديثِهِ / عَطَشاً ونَشهَدُ أنَّهُ رِيُّ الصَّدَى
ونَرَى حَلاوتَهُ ونَشهَدُ أنَّهُ / بحرٌ صَدَقْنا إنَّهُ بحرُ النَّدَى
ما زالَ كاللآّلِ ينثُرُ دُرَّهُ / طَوراً ويَنظِمُ حينَ شاءَ مُنَضِّدا
يَنهَى عن السُّكْرِ المَعِيبِ جَليسَهُ / ويُبيحُ ذاك إذا تَفَنَّنَ مُنشِدا
الكاتبُ اللَبِقُ الذي في كَفِّهِ / قَلَمٌ رأى آياتِهِ فتَشَّهدا
كلُّ السَّوادِ ضَلالةٌ لظَلامِهِ / إلاّ سَوادَ مِدادِهِ فهُوَ الهُدَى
يا ذا الذي يُعطِي الوُفُودَ لِسانُهُ / دُرَراً وتُعطِي راحتَاهُ العَسْجدا
وَفَدَتْ إليكَ قصيدةٌ خَيَّرتُها / فتَخيَّرتْ دُرَّ الجَوابِ مُقلَّدا
هل أنتَ تَرْضاني بِصدقِ مَوَدَّةٍ / عَبداً فإني قد رَضيتُكَ سَيِّدِا
ما زِلتُ مُستَنِداً إليكَ مُحدِّثاً / فكأنَّني خَبَرٌ وأنتَ المُبَتدا
إن لم لكَ يَكُنْ في نَقْدِ الرِّجالِ يَدُ
إن لم لكَ يَكُنْ في نَقْدِ الرِّجالِ يَدُ / فانظُرْ إلى الموتِ كيفَ الموتُ ينتَقِدُ
يَدورُ في الأرض حولَ النّاسِ مُلتمساً / كريمَ قومٍ ولا يَرضَى بما يَجِدُ
جَبَّارُ صَيدٍ يريدُ الصَّقْرَ مُفتخِراً / بهِ فإن لم يَجِدهُ يُرْضهِ الصُرَدُ
إذا انتضَى سَيفَهُ فالرأسُ مَورِدُهُ / وإن رَمَى السَّهْمَ فليَستهِدِفِ الكَبِدُ
يا أيُّها المَلِكُ المرهوبُ جانبُهُ / هذا هُوَ المَلِكُ المرهوبُ إذ يَفِدُ
يا أيُّها الأسدُ الجاني بسَطْوتِهِ / على ضَواري الفَلا هذا هُوَ الأسَدُ
يا أيُّها البَطَلُ الشَّاكي السِلاحِ تُرَى / أينَ السِّلاحُ وماذا يَمنَعُ الزَّرَدُ
قد خانَ عَهْدُكَ ما تَرجُوهُ من عُدَدٍ / إذا أتى الموتُ يوماً ماتتِ العُدَدُ
ما زالَ كلُّ ابنِ أثنَى مُنذُ فِطرَتِهِ / فَريسةً بينَ أيدي الموتِ تَرتِعدُ
يا مَنْ يقولُ غداً دَعْ عنكَ ذِكرَ غَدٍ / فلَيسَ للمَرْءِ في هذا الزَّمانِ غَدُ
للموتِ كلُّ أبٍ فوقَ التُّرابِ مَشَى / وكلُّ أُمٍّ وما رَبَّتْ وما تَلِدُ
إلى تُرابٍ جُبِلْنا منهُ مَرجِعُنا / نظيرَ ماءٍ إليه يَرجِعُ البرَدُ
نَهتَمُّ في خِصبِ أجسامٍ نُنَعِّمُها / ويَشكُرُ الدُودُ مِنَّا ما بهِ نَعِدُ
مَناحةٌ في دِيارِ المَيْتِ قائِمةٌ / ودُعوةٌ في دِيارِ القبرِ تَحتَشِدُ
للدَّهرِ في كلِّ عينٍ دَمعَةٌ قَطَرَتْ / منهُ وفي كلِ قلبٍ جَمْرةٌ تَقِدُ
مَتَى تُرِدْ أن تَعُدَّ السالِمينَ فضَعْ / صِفراً على الطِّرسِ حتى يحدُثَ العَدَدُ
أستَودعُ اللهَ مَن بالأمسِ وَدَّعَني / كُرهاً فَوَدَّعَ قلبي الصَّبرُ والجَلَدُ
ما زالَ يَصحبُنا دَهراً ويُؤُنِسُنا / فما لهُ صارَ عنا اليومَ يَنفرِدُ
قد نازَعتْنا المنايا شَخصَهُ حَسَداً / وَيلاهُ حتَّى المنايا عِندَها الحَسَدُ
تَسطُو علينا بلا كَفٍّ ولا عَضُدٍ / وليسَ يَنفَعُ مِنَّا الكَفُّ والعَضُدُ
قد غابَ في الشَّرقِ بدرٌ في الضُّحَى عَجَباً / فأبصَرَ النّاسُ منهُ غيرَ ما عَهِدوا
لو أنصفتْهُ دَراري الأُفْقِ ما طَلَعتْ / حُزْناً عليه وغَشّى أُفْقَها الكَمَدُ
يا أيُّها المضجَعُ الميمونُ طالعُهُ / هل ضَمَّ كمنْ تحويهِ أو بَلَدُ
أكرِمْ لَكَ اللهُ ضَيفاً قد ظَفِرتَ بهِ / فطالما أكرَمَ الضِيفانَ إذ وَفدوا
واعرِفْ جَلالَة شخصٍ فيك قد عَرَفتْ / مَقامَهُ كُبراءُ الناسِ والعُمَدُ
واحرِصْ على كلِّ عَظمٍ من مَفاصلِهِ / فذاك من أشرَفِ الآثارِ يُعتَقدُ
يا مَنْ سَكِرتَ وليسَ السُّكْرُ عادتَهُ / بخَمْرةٍ لم يُفِقْ من سُكرِها أحَدُ
أراكَ بالقُرْبِ منِّي غيرَ مُبتعِدٍ / وأنتَ أبعَدُ مَنْ في الأرضِ يَبتِعدُ
ما نومةٌ لَكَ يومُ الحَشْرِ مَوعِدُها / ويحي وما غيبةٌ ميعادُها الأبَدُ
ما بالُ عينيِكَ لا تَنفَكُّ مُغمضَةً / جُفُونُها وبِعيني لا بها الرَمدُ
هذِهْ هيَ النَظْرَةُ الأخرى نُزوَّدُها / فهل بِزادِ حُدِيثٍ منكَ نُفتَقَدُ
وهل تُرَدُّ على بُعدٍ تحيِتُّنا / وهل تُؤَدَّى رِسالاتٌ لنا تَرِدُ
عَلوتَ يا أيُّها العالي إلى فَلَكٍ / قد طالَ منكَ إلى ما فَوقَهُ الرَّصَدُ
أنتَ الغريبُ ومَنْ لي أن يكُونَ لنا / غرائبٌ في أساليبَ الرِّثا جُدُدُ
جادَتْ على قَبرِكَ الأنواءُ باكيةً / كأنَّما قد عراها الغَمُّ والنَكَدُ
هذا هُوَ المَنزِلُ الباقي وعُدَّتُهُ / هي الذَّخيرةُ لا مالٌ ولا وَلَدُ
دَعْ يومَ أمسِ وخُذْ في شأنِ يومِ غَدِ
دَعْ يومَ أمسِ وخُذْ في شأنِ يومِ غَدِ / واعدِدْ لِنفسِك فيهَ أفضَلَ العُدَدِ
واقنَعْ بما قَسَمَ اللهُ الكريمُ ولا / تَبسُطْ يَديَكَ لنَيلِ الرِّزقِ من أحَدِ
والبَسْ لكُلِّ زمانٍ بُرْدةً حَضَرَت / حتى تُحاكَ لك الأُخرى من البُرَدِ
ودُرْ مَعَ الدَّهرِ وانظُرْ في عَواقبِهِ / حِذارَ أن تُبتَلى عَيناكَ بالرَّمَدِ
مَتَى تَرَ الكلبَ في أيَّامِ دَوْلتِهِ / فاجَعلْ لرِجْليكَ أطواقاً من الزَرَدِ
واعمْ بأنَّ عليكَ العارَ تَلْبَسُهُ / من عَضَّةِ الكلبِ لا من عضَّةِ الأسَدِ
لا تأمُلِ الخيرَ من ذي نعمةٍ حَدَثَت / فَهْوَ الحريصُ على أثوابهِ الجُدُدِ
واحرِصْ على الدُرِّ أن تُعطِي قلائدَهُ / مَن لا يُميِّزُ بينَ الدُرِّ والبَرَدِ
أعدَى العُداةِ صَديقٌ في الرَّخاءِ فإن / طَلَبْتَهُ في أوانِ الضِّيقِ لم تَجِدِ
وأوثَقُ العهدِ ما بينَ الصِّحابِ لِمَنْ / عاقَدتَ قلباً بقلبٍ لا يَداً بيَدِ
عليكَ بالشُّكرِ للُمعطي على هِبةٍ / ودَعْ حَسُودَكَ يَشوي فِلْذَة الكَبِدِ
لو كانَ يَفَعلُ في ذي نِعمةٍ حَسَدٌ / لم ينجُ ذو نعمةٍ من غائلِ الحَسَدِ
مَحَضْتُك النُّصحَ عن خُبرٍ وتجرِبةٍ / واللهُ سُبحانَهُ الهادي إلى الرَشَدِ
فاخَترْ لنفسِكَ غيري صاحباً فأنا / شُغِلتُ عنكَ بما قد جدَّ في البَلَدِ
قد شَرَّفَ اليومَ إبراهيمُ بلَدتَنا / كأنَّهُ الرُوحُ قد فاضَتْ على الجَسَدِ
اهدَت إلينا ضَواحي مِصرَ جَوْهرةً / من مالِنا فهي قد جادَتْ ولم تَجُدِ
ما زالتِ الشَّامُ تشكو طُولَ وَحْشتِهِ / كالأمِّ طالتْ عليها غُربةُ الوَلَدِ
سُرَّتْ بزَوْرتِهِ يوماً ونَغَّصَها / خوفُ الفِراقِ فلم تَسلَمْ من الكَمَدِ
عليلةٌ من دواعي الشَّوقِ حينَ دَرَى / من لُطفِهِ ما بها وافَى كمُفتقِدِ
لئنْ يكُنْ من حِماها غيرَ مُقترِبٍ / فقلبُهُ عن هَواها غيرُ مُبتعِدِ
كريم نفسٍ يُراعي عهدَ صاحبهِ / فلا يُقصِّرُهُ طُولٌ منَ المُدَدِ
مُهذَّبٌ ليسَ في أقوالِهِ زَلَلٌ / وليسَ في فِعلِهِ عَيبٌ لمُنتَقدِ
يقومُ بالأمرِ بينَ النَّاسِ مُنفرِداً / والغيرُ قد كَلَّ عنهُ غيرَ مُنفرِدِ
ويَحطِمُ المَنكِبَ الأعلى بهمَّتِهِ / من قُوَّةِ الرأي لا من قُوَّةِ العَضُدِ
منَ الرِّجالِ رجالٌ عَدُّهم عَبَثٌ / وواحدٌ قد كَفَى عن كَثْرةِ العَدَدِ
مالي وما لنُجوم الليلِ أحسُبُها / إذا ظَفِرتُ بوجهِ البَدرِ في الجَلَدِ
أهديتُهُ بِنتَ فكرٍ قد فتحتُ لها / من حُسنِ أوصافهِ كَنْزاً بلا رَصَدِ
تَمكَّنت بعدَ ضُعفٍ من نَفائسِهِ / حتَّى ابتَنَتْ كُلَّ بيتٍ شامخِ العُمُدِ
كلُّ الملابِسِ تَبلَى مثلَ لابِسِها / ومَلبَسُ الشِّعرِ لا يبلى إلى الأبدِ
وأفضَلُ المدحِ ما وازَنْتَ صاحبَهُ / وزْنَ العَروض فلم تَنْقُص ولم تَزِدِ
وقَفْتُ مَدحي فلا يَطْمَعْ بهِ أحَدٌ
وقَفْتُ مَدحي فلا يَطْمَعْ بهِ أحَدٌ / على الذي مِثلَهُ في النَّاسِ لا أجِدُ
وليسَ مدحي لهُ حُبّاً وتَكْرِمةً / لكنّني غيرَ وِرْدِ الحَقِّ لا أرِدُ
عَيبٌ عليَّ إذا أنشدتُ قافيةً / في غيرهِ أو جَرَتْ لي باليَراعِ يَدُ
ومن تَيَمَّمَ حيث الماءُ مُندِفقٌ / فذاكَ قد ضاعَ منهُ الحَزمُ والرَّشَدُ
هذا الذي عِندَهُ للشِّعرِ من أدَبٍ / جاهٌ وعِندَ سواهُ حَظُّهُ الكَمَدُ
هل يَستوي من يَظُّنُ الشِّعرَ طَلْسَمةً / ومَن يروضُ معانيهِ وينتقِدُ
إذا كَتَبْنا لهُ في الطِّرْسِ قافيةً / كادَتْ تَطيرُ إليهِ وَهْيَ تَجتهدُ
وإنْ سَعينا على بُعدٍ لزورتهِ / خِلنا منَ القُربِ يَسعَى نحوَنا البَلَدُ
يَذِلُّ عِندَ أميرِ النَّاسِ أكبرُهُمْ / وعِندَهُ يُرفَعُ الأدنَى الذي يَفِدُ
تُنسي مكارِمُهُ الأضيافَ مَنزِلَهم / فلا يَشوقُهُمُ أهلٌ ولا وَلَدُ
مُبارَكُ الوَجهِ بادي اللُطفِ باهِرُهُ / تَكادُ تنحَلُّ من ذِكرِ اسمهِ العُقَدُ
إنْ حاضَرَ النَّاسَ قُلْنا إنَّهُ مَلَكٌ / أو باشَرَ الحربَ قُلْنا إنَّهُ أسَدُ
قد مارسَ الصَّبرَ في الأيَّام عن جَلَدٍ / حَتَّى تَعجَّبَ منهُ الصَّبرُ والجَلَدُ
فنالَ ما تَشتهيهِ النَّفسُ مُقتدراً / ولم تَنَلْ منهُ ما يُشفَى بهِ الكَبِدُ
قد جَدَّدتْ لبَني رَسْلانَ دَوْلتَهُم / يَدُ الأمينِ التي باللهِ تَعتَضِدُ
من كان من أمراءِ النَّاس مولِدُهُ / فإِنَّهم مِن مُلوكِ النَّاسِ قد وُلِدوا
آلُ المناذِرَةِ القومِ الذينَ غَدَت / منهم فرائِصُ أهلِ الأرضِ تَرتعِدُ
هذا هُوَ النَّسَبُ العالي الذي شَهِدَت / بهِ الرُّواةُ فصَحَّ النَّقلُ والسَّنَدُ
أكادُ أشكوكَ يا مَنْ قد حُسِدتُ بهِ / فقد تخوَّفتُ أنْ يُؤذينيَ الحَسَدُ
رَفَعتَ قدرِي بما أبدَيتَ من عَمَلٍ / بمثلِهِ ينبغي أنْ تُرفَعَ العُمَدُ
رأيتُ نَظرةَ حُبٍّ منكَ صادقةً / لو كانَ بي رَمَدٌ لم يَلبَثِ الرَّمَدُ
ونِعمةً طَوَّقَتْ عُنقي قَلائِدُها / بالأمسِ واليومُ موصولٌ بهِ وغَدُ
أستغفرُ اللهَ قد طالَ الزَّمانُ وما / وَفيتُ شُكراً عليهِ كُنتُ أعتَمِدُ
وازَنْتُ نِعمتَكَ العُظمَى بهِ عَدَداً / حتى استَطالتْ فضاعَ الوَزْنُ والعَدَدُ
لو لم تُغِثني بما يُعطي الفَتَى مَدَداً / على الثَّنا لم يكن لي في الثَّنا مَددُ
وربَّما ساعَدَ الممدوحُ مادحَهُ / إذ كان يصلُحُ للمدحِ الذي يرِدُ
والصِّدقُ أهونُ ما يجري اللِّسانُ بهِ / مِثلَ الصِّرَاطِ أمامَ العينِ يَطَّرِدُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025