المجموع : 55
في مِثلِها يُستَثارُ الصَّبرُ والجَلَدُ
في مِثلِها يُستَثارُ الصَّبرُ والجَلَدُ / وعندها يَتقاضى الحزمُ ما يَجِدُ
وَما الرزيَّةُ إلّا أَنْ تُلِمَّ بنا / وَنَحنُ لاهونَ عنها غُفَّلٌ بُعُدُ
مثلُ السّوامِ رَعَى في أرض مَضْيَعةٍ / نامَ المُسِيمُ بِها وَاِستَيقظَ الأسدُ
تَمشي الضَّراءَ وهامٌ لا تُخَمِرُّها / محلّقٌ فوقهنّ العارِضُ البَرَدُ
وإنّما المرءُ في الأيّامِ مُحتَبَسٌ / على المنيّةِ تأتيهِ ومُقتَعَدُ
يَسعى وَلَم يسعَ إلّا نَحوَ حُفرتِهِ / يخالُ معتمداً أو كيف يعتمدُ
جاب البلادَ وعدّى عن مصارعِهِ / فَاِختطّ مَصرعَه مِنْ بينها بَلدُ
وَكَيف يَنجو حِبالاتِ الرّدى رجلٌ / مُستَجمعٌ للمنايا بعده بَدَدُ
وَقَد عَلِمنا بِأنّا مَعشرٌ أُكُلٌ / للموتِ نُوجَدُ أحياناً ونُفتَقَدُ
يَرتاحُ نحوَ غدٍ من غفلةٍ أبداً / مَنْ ليس يدرِي بما تجنِي عليهِ غَدُ
كَم ذا فَقَدنا كراماً لا إِيابَ لهمْ / حُطّوا منَ المَنزلِ الأعلى وَنفتَقِدُ
ذاقَتْ شِفاهُهُمُ طعمَ الرّدى مَقِراً / وَطالَما كانَ يَجري بينها الشَّهَدُ
وَكَم وَرَدْنا وَما تُغْنِي ورادَتنا / إنّا وردنا وأُعْفُوا مُرَّ ما وردوا
لم يُغنِ عنهمْ وقد همّ الحِمامُ بهمْ / ما جَمّعوا لدفاعِ البُؤْسِ وَاِحتَشدوا
وَلَيسَ يُجدِي وَإِنْ أَرْبى بكثرتِهِ / عَلى الفَتى مَدَداً إِذا اِنقَضتْ مُدَدُ
كَأنّهمْ بَعد ما اِمتدَّ الزّمانُ لَهمْ / لِما مَضوا في سبيلِ المَوتِ ما وُلِدوا
فَنَحنُ نَبكي عَلى آثارهمْ جَزَعاً / نَقولُ لا تبعُدوا عنّا وقد بَعُدوا
قُلْ لِلوَزير سواك المرءُ نوقظُهُ / وَسمعَ غيرِكَ يَغشى العَذْلُ والفَنَدُ
حَتّى مَتى أَنتَ فيما فات مُكتئِبٌ / جَنَى الحِمامُ فلا عَقْلٌ ولا قَوَدُ
دَعِ التتبّع للعُمرِ الّذي قطعتْ / عَنه الحياةَ المنايا وَاِنتَهى الأمدُ
ما دُمتَ تطمعُ فيه فَاِحزنَنَّ له / فإنْ يَئِسْتَ فلا حُزْنٌ ولا كَمَدُ
وَاِستبقِ دمعَك لا تذهبْ به سَرَفاً / فمسرفٌ فيه يُضحِي وهو مقتصدُ
وإنْ جَزِعتَ لأَنْ مدّت إليك يدٌ / فبالّذي عشتَ ما مُدّت إليك يَدُ
ومُنيةُ الوالدين الدّهرَ أجمعَهُ / أنْ يكرعا الموتَ حتّى يسلمَ الولَدُ
تِلكَ الدّيارُ برامَتين همودُ
تِلكَ الدّيارُ برامَتين همودُ / دَرَسَتْ ولم تدْرسُ لهنّ عُهودُ
حَيثُ اِلتَوى ذاكَ اللّوى ثمَّ اِستَوى / وَاِلتفَّ مِن شَملِ الأراكِ بَدِيدُ
أَوَ ما رأيتَ وُقوفَنا بمُحَجَّرٍ / والدّمعُ مِنْ جَفْنِي عليه يجودُ
مُترنّحينَ منَ الغرامِ كأنّنا / قُضُبٌ تميلُ مع الصِّبا وتميدُ
والرّكبُ إمّا سادِرٌ مُتَهالكٌ / أو راكبٌ ثَبجَ السُّلوِّ جَليدُ
وعلى أهاضيب المُشقَّرِ غادةٌ / للرّيمِ منها طَرفُهُ والجيدُ
صَدّتْ ولم تُرِدِ الصُّدودَ وربّما / جاء العناءُ ولم يُرِدْه مريدُ
ولقد طَرقتَ وما طَرقتَ صبابةً / عيني ونحن إلى الرّحالِ هُجودُ
في ظلِّ خوصٍ كالقسيِّ طلائحٍ / أخَذَتْ عَوارِيَهُنَّ منها البيدُ
أَنّى اِهتَديتَ وَكيفَ زُرتَ وَبَينَنا / دون الزّيارةِ مُرْبخٌ وزَرودُ
ومفاوزٌ مِنْ دونهنّ مفاوزٌ / وتهائِمٌ مِنْ فوقهنّ نُجودُ
وغرائرٍ أنكرنَ شيبَ ذوائبي / والبيضُ مِنَّي عندهنّ السُّودُ
أنكرنَ داءً ليس فيه حيلةٌ / وَذَممْنَ مفْضىً ليس عنه مَحيدُ
يُهْوى الشّبابُ وَإِنْ تَقادم عهدُه / ويُمَلُّ هذا الشّيبُ وهو جديدُ
لا تَبْعُدَنْ عهدَ الشَّبابِ ومِنْ جوىً / أَدعو لَهُ بِالقربِ وَهوَ بعيدُ
أَيّامَ أُرمَى بِاللّحاظِ وأرتمِي / وأصادُ في شَرَكِ الهوى وأصيدُ
قد قلتُ للرّكب السِّراعِ يحثُّهمْ / مترنِّمٌ بحُدائه غِرَّيدُ
في سَبْسَبٍ خافي المعالمِ والصُّوى / فكأنّما موجودُهُ مفقودُ
مَنْ مبلغٌ فخرَ الملوكِ رسالةً / أَعيَتْ عليَّ يقولُها المجهودُ
أتَرى ليالِيَّ اللواتي طِبنَ لي / في ظلّكَ الوافي عليَّ تعودُ
وَمَتى أَزور ربيعَ أرضِك زَوْرَةً / وعليَّ من نَسْجِ الرّبيعِ بُرودُ
وأنا الّذي من بعد نَأْيِكَ نازحٌ / عن كلِّ ما فيه الهوى مطرودُ
أُضحِي أَرى ما غيرُهُ عندي الرِّضا / وأُريدُ كُرهاً ما سواه أُريدُ
للَّهِ حِلْمُك والرِّواقُ يُرى بهِ / للسائلين من الوفود وفودُ
والقول يُرزَقُهُ الشّجاعُ ويمتري / منه ويُحرَمُ نُطقَه الرِّعديدُ
في مَوقفٍ ينتاب تامورَ الفتى / للرّعبِ إقرارٌ بهِ وجُحودُ
وعلى الأسرّةِ من ضيائك بارقٌ / أو كوكبٌ جَهَر النّجومَ فَريدُ
وكأنَّ وجهَك قُدَّ من شَمسِ الضُّحى / أم مِنْ سَنا قمر الدّجى مقدودُ
لاذوا بمن ثَمَرُ المروءَة يانعٌ / منه وأُمُّ المَكْرُماتِ وَلودُ
والمنهلُ العِدُّ النميرُ وحيثما / يُدنى المَذود ويُمنحُ المحدودُ
يا فخرَ مُلكِ بني بويه ومَنْ له / ظِلٌّ على هذا الورى مَمْدودُ
وَالمُعتلي قِمم العَلاء بهمّةٍ / قامَتْ وهمّاتُ الرّجالِ قُعودُ
وَالمُنشئ الغُرِّ الغرائبِ في النّدى / حتّى تُعلّم منه كيف الجودُ
هيَ دولةٌ مازلتَ تَرْأبُ شعبَها / وتذُبُّ عنها كالئاً وتذودُ
تُنمى إِذا اِنتَسَبتْ إِليك وما لها / إِلّاكَ آباءٌ لها وجُدودُ
وَرَدَدْتها بالأَمسِ ثلَّةَ قَفْرةٍ / شَطَّتْ فأحْرزَها علينا السّيدُ
أَوْقَدتها بعدَ الخبوِّ فما لها / أَبَدَ الزّمانِ تطامنٌ وخمودُ
مَنْ ذا الّذي يَرنو إِلَيها طالباً / ولها ببابك عُدّةٌ وعديدُ
لَولا دِفاعُك ما اِستَقَرّ بمَفْرَقي / ذاك المتوَّجِ تاجُهُ المعقودُ
ولَزال هذا الملكُ بعد مماتِهِ / وَلمالَ عنهُ دعِامُه المعمودُ
كَم ذا صَليتَ وِقايةً لِنَعيمِهِ / يَوماً يَذوبُ بحَرِّهِ الجلمودُ
في ظهرِ مُستَلبِ الفُتورِ كأنّه / هَيْقٌ بأجواز الفلاةِ شَرُودُ
وكأنّه ينسابُ في خَلَلِ القنا / يومَ الكريهةِ أرْقمٌ مَزؤودُ
في غِلمةٍ سلكوا طريقَك في الوغى / والبيضُ منهمْ رُكّعٌ وسجودُ
مُتَسرّعينَ إِلى القِراعِ كأنّهمْ / وعليهمُ زُبَرُ الحديد حَديدُ
يُرْدُون مَنْ شاؤوا بِغَيرِ منيّةٍ / فَهُمُ وَإِنْ غَلَبوا الأسودَ أُسودُ
لا يَأخُذونَ المالَ إِلّا بِالقَنا / تَحمرّ مِنه ترائبٌ ووريدُ
أَو مِنْ ظُبا لم تَعْرَ يومَ كريهةٍ / إِلّا وَهاماتُ الكُماةِ غُمودُ
لا تَحقرنَّ منَ العدوِّ صغيرةً / وَاِرْدُد مكيدَةَ مَنْ تراه يكيدُ
وَإِذا اِسْتَرَبْتَ بِمنْ خَبَرْتَ فلا تَنَمْ / فَالدّاءُ يُعدِي والقليلُ يزيدُ
إِنَّ الحَسودَ هوَ العدوُّ وإنّما / سَتَروا قَبائِحَهُ فَقيل حسودُ
وَالضِّغنُ تَطْمُرُهُ الأناةُ فتعترِي / حِزَقاً إليه ضغائنٌ وحقودُ
وَالعودُ إِنْ طَرَحَ التقادُم قادحاً / فيهِ وَلم تدلكه ظلَّ العودُ
لَولا الصّلاحُ بِأنْ يُعاقَبَ مجرمٌ / ما كان وَعدٌ مُطمِعٌ وَوَعيدُ
ضَمِنَتْ لك الأقدارُ كلّ محبّةٍ / وَأحَلَّكَ الرّحمَن حيثُ تريدُ
وَنَعِمْتَ بِالنّيروزِ نعمةَ ناشدٍ / أضحى وَحشوُ يمينِهِ المنشودُ
وَعَرَتْكَ فيه جلالةٌ وإدالةٌ / وأتَتْكَ منه مَيامنٌ وسُعودُ
حَتّى يَقولَ المستزيدُ لكَ العُلا / ما فَوقَ هَذا في العَلاءِ مَزيدُ
أوَدُّ بأنّنِي أبقى ويبقى
أوَدُّ بأنّنِي أبقى ويبقى / لِيَ الوَلَدُ المحبَّبُ والتِّلادُ
ولا أُقذى ولا أُوذى بشيءٍ / وأوّلُ خائبٍ هذا الوِدادُ
وأنِّي بين أثناءِ الّليالِي / صلاحٌ لا يخالطه فسادُ
هَلْ شافعٌ لِي إلى نَعْمٍ وسيلتُها
هَلْ شافعٌ لِي إلى نَعْمٍ وسيلتُها / وَلا وَسيلةَ إلّا السَّقْمُ والجُهُدُ
لَم تطعمِ الحبَّ فَاِرتابَتْ لطاعِمهِ / ولم تَجِدْ بِي فلم أوقنْ بما أجدُ
في القربِ والبعدِ هجرانٌ ومَقْلِيَةٌ / فليس ينفعنِي قربٌ ولا بُعُدُ
ما نامَ ذِكرُكِ في قلبِي فيوقظُهُ / برقٌ سرى موهِناً أو طائرٌ غَرِدُ
أُحِبُّ منكِ وإنْ ماطَلْتِ عن أرَبي / وعداً وكم أخلف الميعاد من يَعدُ
ما أطعمَ الحبَّ يأساً ثمّ مَطْمَعَةً / لَو كانَ لي بالّذي يجني عليَّ يَدُ
لا مَوقف الحبِّ أَنساهُ وَنَحنُ عَلى / رَصْفٍ من البينِ يخبو ثمَ يَتَّقِدُ
حَيثُ اِستَندتُ إِلى صبرِي فأَسْلَمنِي / والشّوقُ يأخذُ مِنِّي كلّ ما يجدُ
ألا ليت عيشاً ماضياً عنكِ بالحِمى
ألا ليت عيشاً ماضياً عنكِ بالحِمى / وإنْ لم يَعُدْ ماضٍ عليكِ يعودُ
ويا زَوْرَنا لمّا سمحتَ بزَوْرةٍ / سمحتَ بها وهْناً ونحنُ هُجُودُ
على غفلةٍ جاء الكرى باعثاً لنا / بلا موعدٍ والزّائرون هُمُودُ
فيا مرحباً بالطّارِقي بعد هَجْعَةٍ / تَقَرُّ به الأحلامُ وهْوَ بعيدُ
وعلّمَني كَيفَ المُحالُ لقاؤُهُ / وَأنّى اِلتِقاءٌ وَاللّقاءُ كَؤودُ
وَما نحنُ إلّا في إسارِ عَدَامةٍ / وعند كَرانا أنّ ذاك وجودُ
هبّتْ تلومُ على النّدى هندُ
هبّتْ تلومُ على النّدى هندُ / يا هندُ خيرٌ من غِنىً حَمْدُ
الحمدُ يبقى لي وإنْ تَلِفَتْ / نفسِي وفاتَ الأهلُ والوُلْدُ
وَالمالُ تَأكلُهُ النّوائبُ وال / أحداثُ حتّى ما لَهُ رَدُّ
وَيَبيت يحرسُهُ وإن دفعتْ / عنه الكرامُ الطِّفْلُ والعبْدُ
وَالحمدُ لا يَستطيع يأخذهُ / مِنْ راحتيَّ النّاكلُ الوَغْدَ
وإذا سريتُ سرى معِي وَضِحاً / وهْناً وجُنْحُ اللّيلِ مُسْودُّ
يا هِندُ إنّ الدّارَ زائلةٌ / والقربُ يأتي بعده بُعدُ
عُمْرِي يروح وما أهَبْتُ بهِ / ذاك الحِمامُ به ولا يَغْدُو
ما كنتُ بالمنقادِ في يَدِه / لو كان في أيدِي الرّدى بُدُّ
وَالمَرءُ غايةُ لِبْسِهِ كَفَنٌ / يَبلى وآخِرُ بَيتِهِ اللَّحْدُ
كَم مَعشَرٍ هُجرتْ ديارُهُمُ / بأساً وعرّج عنهُمُ القصدُ
مُتَجاوِرينَ بدارِ مَضْيَعَةٍ / لا حرَّ عندهُمُ ولا بَرْدُ
ما فارَقوا إلّا بِرغمِهُمُ / في النّاسِ مَنْ عَشِقوا ومَنْ وَدّوا
وَإِذا دعا وجْداً يُدِلُّ بهِ / عند المنيّةِ خانَهُ الوُجْدُ
والخُلْدُ مُنْيَتُهُ وليس له / مُكْثٌ على الدّنيا ولا خُلْدُ
يا هندُ ليس يُجير من حَذَرٍ / خوفَ الرّدى غَوْرٌ ولا نَجْدُ
كلُّ النفوسِ وإنْ غفلنَ هوىً / بين الحمامِ وبينها وعْدُ
والنّدْبُ فسلٌ في الزّمان إذا / أهوى له والواهنُ الجَلْدُ
لو فات تشعيثُ الزّمان فتىً / فات الأصمَّ اليابسَ الجَلْدُ
ونَجَتْ وعولُ هضابِ كاظمةٍ / منه وما شَقِيَتْ به الرُّبْدُ
وَتودُّ هندٌ وهْيَ مُشفقةٌ / أنّى خَلَدْتُ وفاتَها الوُدُّ
وتردّ عنِّي كلَّ طارقةٍ / أنّى وليس يُطيعها الردُّ
وَتَقول لا عَبِثَ البِعادُ بنا / وَتضلّ عَمّن خانهُ البُعْدُ
وَتَؤودُها البأساءُ إنْ نزلتْ / داري وعرّس عندِيَ الجَهْدُ
وَتُريدُ لي ما ليسَ في يَدِها / أمداً على الأيّامِ يمتدُّ
وتُعيذُنِي ما ليسَ يَنفعها / من راحةٍ ما بَعْدها كَدُّ
تَسَلين إنْ زلّتْ بنا وبِكم / قدمٌ وطُوِّل بيننا العهدُ
كَم جاءَ مثلَكِ وهْيَ ذاهبةٌ / من حادثٍ بعضُ الّذي يبدو
إنّ الرّدى لابدّ أُورَدُهُ / مستوخماً يوبى له الوِرْدُ
يَلِجُ البيوتَ وليس يدفعهُ / هَزْلٌ يرادُ به ولا جِدُّ
لا تَخدِشِي خدّاً عليَّ فما / ردّ الفتى أنْ يُخدَش الخدُّ
وتعلَّمي إنْ كنتِ عالمةً / أنّ الحِمامَ على الورى يعدو
ما إنْ جنى وِرْدٌ عليكِ ردىً / حتّى يُعطَّ لذلكَ البُرْدُ
لا تَحفلي بِالشامِتين فما / أنا في المنيّةِ دونهمْ وَحْدُ
لَم يُدرِكوا بَعدِي الطِلابَ ولا / سدّوا بمثْلِي الخَرْقَ إنّ سدّوا
وَلَقد كَفيتُهُمْ وما شَعروا / كيْدَ العِدا وَلِكَيدِهمْ وقْدُ
وعَلَتْ بهمْ لمّا جَذَبتُهُمُ / بيَدَيَّ قَسْراً تلكُمُ الوَهْدُ
نَزعوا الخمولَ بما كَسوتُهُمُ / من مَأْثُراتٍ حشوُها المجدُ
وَتَناهَبوا الأوْساقَ مِنْ شَرَفٍ / لا صاعَ فيهِ لَهُمْ ولا مُدُّ
وَأَنَا الّذي وَسْطَ الخميسِ إذا / نادَيتُ شُدّوا بِالقَنا شَدّوا
وعَلَيَّ مِن خِلَعِ القَنا حَلَقٌ / لَم يدنها نَسجٌ ولا سَرْدُ
في حيثُ ينجيكَ الطّعانُ وَلا / يُنجِي الأقبُّ القارحُ النَّهْدُ
مَنْ لِي بعارِي المَنْكِبَين منَ ال / دُنيا له عن خَتْلها شدُّ
يَنجو قَذاها غيرَ مُتّئدٍ / مِثْلَ الوَسيقةِ لَزَّها الطَّرْدُ
وَيَصُدُّ عَن تَزويقِ زينتها / حَيث اِستثيرَ فأعوَزَ الصَّدُّ
وَجناءَ مِنها الصّبرُ عن مَلَقٍ / تُنبِي بهِ أسبابُها النُّكْدُ
يا مُرَّةً وَيظنّ ذائقُها / أبَدَ الزّمانِ بأنّها شَهْدُ
ما دامَ غيُّك وهوَ منك هوىً / فَيدوم فيك وَيذهب الرُّشدُ
كَم ذا عقدتِ على الوفاءِ وما / ينفَكُّ يضعفُ ذلك العَقْدُ
وذنوبُ صَرْفِكِ إنْ عُدِدْنَ لنا / فَنِيَ الزّمانُ وَما اِنقَضى العَدُّ
أَمّا دِيارُ السّاكِنين إِلى / نَجواكِ فهْيَ الدُرَّسُ المُلْدُ
لا جِرْسَ فيه غير أنْ صَدَحَتْ / قُمْرِيّةٌ أو قَعْقَعَ الرَّعْدُ
وَبَكى عَلى مَنْ حلّها وَمضى / مُسْحَنْكِكُ القُطرينِ مُرْبَدُّ
زَجِلاً كأنّ صَلِيلَ هَيْدَبِهِ / زَأَرتْ وَقَد ريعَتْ بِه الأُسْدُ
أين الّذينَ عَلى القِنانِ لهمْ / شَرَفٌ عَزيزٌ بَحرُهُ عِدُّ
مُدّوا النعيمَ فحين تَمَّ لهمْ / سُلبوه وَاِنقطَعَ الّذي مُدّوا
من كلِّ أَبّاءِ الدنيّةِ لمْ / يُفْلَلْ له في مطلبٍ حَدُّ
كاللّيثِ أبرز شخصَه خَمَرٌ / والسّيفِ أعلَنَ مَتْنهُ غِمْدُ
ذَعَنَتْ لعزّتهمْ وهَيبتهمْ / الشّيبُ في الأحياء والمُرْدُ
ويسودُ طفلُهُمُ تميمتُهُ / لم تنفصمْ وقرارُهُ المَهْدُ
ردّوا الخطوبَ قعُدْنَ ناكصةً / لكنّهمْ للموتِ ما ردّوا
وكأنّهمْ من بعدما سكنوا الْ / أجداثِ ما هَزَلوا وما جدّوا
ما نافعٌ جدِّي إلى أمَدٍ / جدّ الفَتى وَقدِ اِلتَوى الجَدُّ
فَلَئِنْ فُقِدْتُ فإنّ لِي كَلِماً / حَتماً خَوالِدَ ما لَها فَقْدُ
تفرِي البلادَ وما يُحَسُّ بها / عَنَقٌ على دوٍّ ولا وَخْدُ
من كلِّ قافيةٍ مُرَقِّصَةٍ / يشدو بها الغِرّيدُ إنْ يشدُو
وإذا تضوّع نشرُ نَفْحَتِها / قال العَرَارُ تضوّع الرَّنْدُ
طَلَعتْ كَشمسِ ضحىً على أُفُقٍ / بيضاءَ لا يسطيعها الجَحْدُ
وَكَأنَّما أَغراضُها شرَرٌ / في وهنِ ليلٍ شبّها زَنْدُ
سَيّارةٌ جَمحُ الكلام لها / سَمْحٌ وحُرُّ فصيحها عَبدُ
يُنثْنِي عليها الحاسدون على / إحسانها وخصومُها اللدُّ
فَلَوَ اِنَّ جوهرَ لَفظها جسدٌ / لأضافَهُ في سِلْكِهِ العِقْدُ
عَصيتُك وَالأنفاسُ منِّي هواجِرٌ
عَصيتُك وَالأنفاسُ منِّي هواجِرٌ / فَكَيفَ ترجّيني وقيظُك باردُ
صحبتُ السُّرى حتى كسانِي ثِيابه / ونَظْم دَراريهِ عليَّ قلائِدُ
أُعانقُ سُمراً غيرُهنّ من الدُّمى / وألثِمُ بيضاً غيرُهنّ الخَرائِدُ
ولي حاجةٌ عند الأسنّةِ والظُّبا / تَهُمُّ بها نفسِي فأين المساعدُ
تُعافُ لها الآمالُ وهْيَ نوافقٌ / وينفُقُ فيها الموتُ والموتُ كاسدُ
إِذا لاكتِ الهيجاء فيها نفوسَنا / فَلَيسَ يَفوت الشّرطَ إلّا المُجالِدُ
مُرادِيَ أنْ تستَلّنِي في مُلِمّةٍ / فَإنّي حُسامٌ صانَهُ عنك غامِدُ
فتىً يلبسُ الإقدامَ والصّبرُ جازعٌ / ويكرع ماءَ الصَفْحِ والحلمُ حاقدُ
وكم لِيَ من يومٍ عصبتُ به الرّدى / وسمرُ العوالِي للنُّفوسِ تُراودُ
وَما ضَرّ قَولُ الكاشِحينَ وإنّما / كلامُ الأعادي للمعالِي مَقالِدُ
بقلبي غرامٌ ليس يَشفيه مَنْ أرى / ألا كلُّ ما يشفي المريض العوائدُ
وما ضرّني أنِّي خَليٌّ منَ الغِنى / وَوَفْرُ العُلا عندِي طريفٌ وتالِدُ
بياضك يا لون المشيبِ سوادُ
بياضك يا لون المشيبِ سوادُ / وَسُقمُك سقمٌ لا يكادُ يُعادُ
فقَد صِرتُ مَكروهاً على الشّيبِ بَعدَما / عَمِرْتُ وما عند المشيبِ أُرادُ
فلِي من قلوبِ الغانياتِ ملالةٌ / ولي من صلاحِ الغانياتِ فسادُ
وَما لي نَصيبٌ بَينهنّ وَلَيسَ لي / إذا هنّ زوّدن الأحبّةَ زادُ
وَما الشّيبُ إلّا توأَمُ الموتِ للفتى / وعيشُ امرئٍ بعد المشيبِ جهادُ
رأينا بوادي الرِّمثِ ظَبْيَ صريمةٍ
رأينا بوادي الرِّمثِ ظَبْيَ صريمةٍ / فصاد قلوباً لم يصِدْهنَّ صائدُ
تَقلّد حُسناً زانهُ في قُلوبنا / وَأَعيننا ما لم تزنهُ القلائدُ
وَلمّا طلبنا الوصلَ لم يكُ وصْلهُ / لطالبهِ إلّا السُّها والفراقدُ
وَما ثغرُهُ إلّا حَصىً من غمامةٍ / وَما فَرعه في العينِ إلّا أساودُ
وَقالوا لِقَلبي خَلِّ عنهُ وَقارَه / وَما قادَه إلّا الصَّبابةُ قائدُ
وَما يَلتَقي سالٍ وَصبٌّ إذا اِستوى / فَتىً غيرُ ذِي وَجْدٍ وَمَنْ هو واجدُ
أُحِبُّ مَنْ ليس حظٌّ في مودّتِهِ
أُحِبُّ مَنْ ليس حظٌّ في مودّتِهِ / وَليسَ إلّا الهَوى والهمُّ والكَمَدُ
يَسوؤُهُ أنّه همِّي ويُغضِبُهُ / أنِّي شكوتُ إليه بعضَ ما أجدُ
يا صاحبي لا تَلُمْني في هوىً هجمتْ / به عليَّ الَّتي ما ردّها أحَدُ
وافى ولم تَسعَ لي رِجْلٌ لألحقَهُ / حِرصاً عليهِ ولم تُمدَد إليهِ يَدُ
فإنْ يكن لكَ صبرٌ فيه أو جَلَدٌ / فليس لِي في الهوى صبرٌ ولا جَلَدُ
وَلَمّا تفرَّقنا كما شاءَتِ النّوى
وَلَمّا تفرَّقنا كما شاءَتِ النّوى / تبيّنَ حبٌّ خالصٌ وتودُّدُ
كأنِّي وقد سارَ الخليطُ عشيّةً / أخو جِنَّةٍ ممّا أقومُ وأقعُدُ
صدّتْ أسَيماءُ عن شيبي فقلتُ لها
صدّتْ أسَيماءُ عن شيبي فقلتُ لها / لا تنفُرِي فبياضُ الشَيب معهودُ
عمرُ الشّبابِ قصيرٌ لا بقاءَ له / والعمرُ في الشّيبِ يا أسماءُ ممدودُ
قالتْ طُرِدتَ عن اللذّاتِ قاطبةً / فقلتُ إنّي عن الفحشاءِ مطرودُ
ما صَدّني شيبُ رأسي عن تُقىً وعُلاً / لكنّنِي عن قذى الأخلاقِ مصدودُ
لولا بياضُ الضّحى ما نِيلَ مُفتَقَدٌ / ولم يَبِنْ مطلبٌ يبقى ومَقصودُ
ما عادل الصُّبحَ ليلٌ لا ضياءَ بهِ / وَلا اِستَوتْ في اللّيالي البيضُ والسُّودُ
أفِي كلِّ يومٍ لي مُنىً أستجدّها
أفِي كلِّ يومٍ لي مُنىً أستجدّها / وأسبابُ دنياً بالغرُورِ أودُّها
ونفسٌ تنزّى ليتها في جوانحٍ / لذِي قوَّةٍ يَسطيعها فيردّها
تَعامَهُ عَمْداً وهْيَ جِدُّ بصيرةٍ / كما ضلّ عن عشواءَ باللّيل رُشدُها
إذا قلتُ يوماً قد تناهى جِماحُها / تجانَفَ لِي عن منهجِ الحقِّ بعدُها
ولي نَقْدُها من كلِّ شرٍّ وربّما / يكون بخيرٍ لا توفّيه وعدُها
وَأَحْسَبُ مَولاها كَما يَنبغي لَها / وَأنِّيَ من فَرْطِ الإطاعةِ عبدُها
ترى في لساني ما تشاءُ من التُّقى / ومِنْ حَسَناتٍ ثمّ فعلِيَ ضدُّها
وأهوى سبيلاً لا أرى سالكاً بها / كأنِّيَ أقلاها وَغيري يَوَدُّها
وأنسى ذنوباً لِي أتتْ فات حصرُها / حسابي وربّي للجزاءِ يعُدُّها
أقِرُّ بها رَغماً وليس بنافعِي / وَقَد طويتْ صُحْفُ المعاذير جَحْدُها
وَلَمّا تَراءَتْ لي مَغبَّةُ قبحِها / وَعُرِّيَ عن دارِ المُجازاةِ بُرْدُها
تَندّمتُ لمّا لَم تَكُن لي نَدامةٌ / فَألّا وفى كفّي لو شئتُ ردّها
ولم أرَ كالدّنيا تصدّ عن الّذي / يَوَدُّ محبوها فيحسُنُ صدُّها
وتسقيهمُ منها الأُجاجَ مُصَرَّداً / وكيف بها لو طاب للقومِ عِدُّها
تعلّقتُها وَرْهاءَ للخَرْقِ نسجُها / وللمنع ما تُعطي وللحلِّ عقدُها
يُدالُ الهوى فيها مِراراً من الحِجى / ويقتادُها صُغْراً كما شاء وغْدُها
وما أنصَفتنا تظهِرُ الصَّفحَ كلَّهُ / لجانٍ وفيما لا ترى العينُ حِقْدُها
أراها على كلِّ العيوبِ حبيبةً / فيا لقلوبٍ قد حشاهنَّ وُدُّها
وحبُّ بنِي الدّنيا الحياةَ مسيئةً / بهمْ ثَلْمَةٌ بالنّفسِ أعوَزَ سدُّها
أَلا يا أُباةَ الضّيمِ كيف اِطّباكُمُ / وغيرُكُمُ يغترّه الرِّفْدُ رِفدُها
وَكَيفَ رَجَوتمْ خيرَها وإزاءَكمْ / طلائحُ أرْداهنّ بالأمس كدُّها
وقد كنتمُ جرّبتُمُ غِبّ نفعِها / وجرّعكم كأسَ المراراتِ شَهدُها
تَعاقَبَ فيكمُ حرُّها بعد بَردها / فما ضرّها لو حرُّها ثمَّ بردُها
وَلَو لَم تُنِلْكمُ كارِهينَ نَعيمها / لَما ضَرّكم كلَّ المضرّةِ جَهدُها
سَقَى اللَّهُ قلباً لم يَبتْ في ضلوعِهِ / هواها لم يطرقْ نواحيهِ وَجْدُها
ولم يَخشَ منها نحسَها فيبيتُهُ / عَلى ظَمأٍ إلّا مُحيّاهُ سعدُها
تخفّف مِن أزوادها مِلءَ طوقِهِ / فَهانَ عليهِ عندَ ذلك فَقدُها
سَئِمتُ مقامِي في الغبينةِ مُغْمَدا
سَئِمتُ مقامِي في الغبينةِ مُغْمَدا / يُراوحني فيها الملامُ كما غدا
ألا إنّ جارَ الذُلَّ مَن بات يتّقِي / سِناناً طَريراً أو حساماً مُهنّدا
وما خِيفةُ الإنسان إلّا غباوةٌ / وخوفُ الرّدى للمرءِ شرٌّ من الرّدى
تركتُ الهُوَيْنَى للرَّدِيِّ وإِنّنِي / إذا غار مُغترٌّ بها كنتُ مُنجِدا
وأيُّ مُرادٍ لم أنَلْهُ بعزّةٍ / فأنفسُ حظِّي منه أنْ يتبعّدا
وما شَعَفِي بالحرب إلّا لأنّنِي / أرى السّيفَ أهدى والكريهة أقصَد
سَقى اللَّهُ قلبِي ما أعَفَّ عن الهوى / وأَقْسى على نأْيَ الحبيبِ وأجْلدا
وَإنِّي مَتى ضنَّ الصّديقُ بقربهِ / أكنْ منه أسخى بالبِعاد وأجْوَدا
أرى الهمَّ يرميني إلى كلِّ غايةٍ / ومَن لِي بأَنْ ترضى همومِيَ مَقصَدا
لَعَلِّيَ أنْ ألْقى مِنَ النّاسِ واحداً / يكون على حُرِّ المطالبِ مُسعِدا
وهيهاتَ أعيا العزُّ كلَّ مُغامرٍ / وأفْنى على الدّنيا مسوداً وسيّدا
وسرٍّ حجبتُ النّاسَ عنه كأنّما / قذفتُ به في لُجّة البحر جَلْمدا
وداريتُ عنه صاحبِي وهْوَ دائبٌ / يُنازعهُ عَرضُ الحديثِ إذا بدا
عذوليَ ما أخشى جنايةَ كاشحٍ / إذا الحزمُ وارانِي خفيتُ عن العِدى
لَحا اللَّهُ هَذا الدّهرَ تأتِي حظوظُهُ / خطاءً ويَغشى ضيمُه متعمّدا
إذا نِلْتُ منه اليومَ حالاً حميدةً / أَبى فَتقاضاني اِرتجاعتها غدا
تنقّلنا الأيّامُ عن كلِّ عادةٍ / وتُبدلنا من موردِ العيشِ مورِدا
ولو كنت موفورَ الحياةِ من الأذى / على نَبَواتِ الدّهرِ كنتُ مخلَّدا
وهوّنَ ما ألْقى من الدّهرِ أنّه / تعمّدنِي بالغدر فيمن تعمّدا
وليستْ حياةُ المرءِ إلّا شرارةً / ولابدَّ يوماً أنْ تناهى فتخمُدا
أمَا ووجيفِ العِيسِ تنضو شفاهُها / لُغاماً تُحَلّاهُ الأزمّةُ مُزبِدا
وَنَهضةِ أَبناءِ اللقاءِ لخُطّةٍ / تجرُّ مَماتاً أو تقلِّدُ سُؤْدُدا
لَقد ألْصَقَتْنِي بالحسين خلائقٌ / أَعَدْنَ قديمَ المجدِ غضّاً مجدّدا
هو المرءُ إنْ قلَّ التقدّم مُقدِمٌ / وإِنْ عزّ زادٌ في العشيرةِ زوّدا
أَبِيٌّ على قولِ العواذلِ سمعُهُ / إِذا أَعرضوا دونَ الحفيظة والنّدا
وأرْوَعَ من آل النبيِّ إذا اِنتَمى / أصابَ عليَّاً والداً ومحمّدا
كرامٌ سَعَوا للمجد من كلِّ وُجهةٍ / كما بسطوا في كلّ مكْرُمةٍ يدا
وَما فيهمُ إلّا فَتىً ما تلبّستْ / بِهِ الحَربُ إلّا كانَ عَضْباً مجرّدا
وقاؤُك من صَرْفِ الرّدى كلُّ ناكلٍ / إذا صَدمَتْهُ النّائباتُ تبلّدا
جَرِيءٌ إذا ما الأمنُ أخلى جَنانَهُ / فإِنْ رابه ريبٌ تولّى وعرّدا
وأَنتَ الّذي لا يثلمُ الرّعبُ شدَّه / وقد لفّتِ الخيلُ السّوادَ المشرّدا
وكنتَ متى لاذتْ بنصرك بلدةٌ / ضممتَ إليها قَطْرَ أسْحَمَ أربدَا
رجالاً كأمثال الأسنَّةِ رُكَّزا / وخيلاً كأمثالِ الأعنّةِ شُرَّدا
ولا أَمنَ إلّا أَنْ تُردَّ صدورُها / منَ الطّعنِ يَسحبن القنا المتقصّدا
طوالعَ من ليلِ العجاجِ كأنّما / زَحَمْن الدُّجى عنهنّ حتّى تقدّدا
وَقَد سَلب الإقدامُ لَونَ جُلودها / وَأَلْبَسها بالطّعن ثوباً مورَّدا
وَيَومٍ طردتَ العُدْمَ عنه كأنّما / طردتَ به جنداً عليك مجنّدا
وَلَم تُلقَ إلّا باسِطاً من يمينهِ / ببذلِ الندى أو ضارباً فيه موعدا
هنيئاً لك العيدُ المخلِّفُ سعدُهُ / عليك من النّعماءِ ظِلّاً مُمدّدا
ولا زلتَ فيه بالغاً كلَّ إرْبَةٍ / ولا زال مكروراً عليك مُردَّدا
تهُبُّ رِياحُ الجوِّ حولَك كلُّها / نسيماً ويطلُعن الكواكبُ أَسْعُدا
قُل للّذي راحَ بِعزٍّ وَاِغتَدى
قُل للّذي راحَ بِعزٍّ وَاِغتَدى / يسحبُ منه مِطْرَفاً مورّدا
صنيعَ مَنْ يطمعُ أنْ يُخلَّدا / جمعتَ ما لا بدّ أنْ يُبدّدا
إنْ لم يزُلْ في يومِهِ زال غدا / يا جامعاً لغيره مُحتشِدا
نَضَدتَ مالاً هل نَضَدتَ أمَدا / سيّانِ مَنْ سار يجرّ العَدَدا
ومن يَظِلّ واحداً مُنفردا / كلاهما مفارقٌ ما وَجدا
وَصائِرٌ ما يَقتَنيهِ قِددا / وإنْ أتاه حَتفُه لا يُفتَدى
هيهاتَ ما أغفلنا عن الهُدى / وأوضحَ الحقَّ لنا لو قُصدا
كم نركبُ الوَعْرَ ونفرِي الجدَدَا / ونأخذُ الغيَّ ونُلْقِي الرَّشَدا
وَكَم يَرى الراؤُون فينا الأَوَدا / قد آن في زهيدنا أنْ نزهدا
وبعد جورٍ قد مضى أنْ نقصِدا / وأنْ نُرى عن الدّنايا حُيَّدا
صَبراً عن الوِرْدِ وإنْ طال الصّدى / إنْ فاتنِي العِدُّ أبيتُ الثَّمَدَا
ولستُ أرضى بالهِجانِ النَّقَدا / أما ترى زمانَنا ما أنكدا
كأنّنا إذا سألناه الجِدا / نُرْحِلُ منه بازلاً مُقيّدا
أو نجتلِي الشّمسَ بعينَيْ أرْمَدا / أو نمترِي النّارَ بزندٍ أصلَدا
وصاحبٍ أيقظنِي ورَقَدا / ورام أنْ يصلحنِي فأفسدا
يحسُدنِي ولا أرى أن أُحسدا / بات يُلاحينِي على بذلِ النّدا
فقلتُ لمّا لامنِي وفنّدا / مصوِّباً وتارةً مُصعّدا
أليس عدلاً بالغنى أنْ أُحَمدا / بِتْنا بذاتِ العَلَمين سُهَّدا
نرقُبُ في ليلٍ طويلٍ أسودا / كأنّما ذرَّ علينا الإِثْمِدا
أو كان بالطّولِ لِزاماً سَرْمدا / فجراً كمصقولِ الغِرارِ جُرِّدا
كأنّما الأُفقُ به إذا بدا / حالَ لُجيناً لونُهُ وعَسجدا
وإنّما ننشد أوْتارَ العِدى / بكلِّ عُريانِ العِذارِ أَمْرَدا
ذِي هِمّةٍ لم تَرمِ إلّا صُعُدا / إِذا اِحتذى بالحمدِ يوماً وَاِرتَدى
وَمَدَّ بِالبيضِ أوِ السُّمرِ يدا / لَم يَدنُ من حَيزومِهِ خوفُ الرّدى
أَسؤدداً ولا أرومُ سؤدُدا / وما قضيتُ في الأعادِي موعِدا
ولَم أرِمْ طولَ الحياةِ البلَدا / مُجتمعاً أَحسَبُ هِمّاً صَرِدا
مُزَمَّلاً بكلِّ وتْرٍ مُكْمَدا / موطِّئاً للمُثقِلاتِ الكَتَدا
مَنْ شاء أنْ يعدُوَ في ما لِي عدا / نَهْضاً فقد أَمكن ألّا تقعُدا
وَاِستلَّ للفرصةِ نَصْلاً مُغمَدا / ورِدْ حياضَ العزِّ فيمن وردا
فَمن بغى المجدَ بجِدٍّ أُيِّدا /
أما رأيتَ ضُحَيّاً
أما رأيتَ ضُحَيّاً / أُدْمَ الرّكائب تُحدى
يُردْنَ نجداً وما اِشتا / قَ مَن عليهنَّ نجدا
وَفَوقَهنّ وجوهٌ / مثلُ النجومِ تَبدّى
يَغرُبن بدراً ويطلُعْ / نَ بالإيابة سعدا
وقد تجلّدتُ حتّى / يخالنِي القومُ جَلْدَا
وما رَدِيتُ وممّا / أودّ أنّي أُردى
قل للقِلاصِ خفافاً / يَخِدْنَ بالظّعنِ وَخْدا
تخالهنُّ سِراعاً / رُبْداً يبارين رُبْدا
بمنْ حملتنّ وجدِي / وَما حملتُنَّ وجْدا
حَلفتُ بالبيتِ جاؤوا / إليهِ رَكْضاً وشدّا
مطوِّفين عليهِ / تُقىً كهولاً ومُرْدا
وَالوارِدينَ ظِماءً / مِن ماءِ زَمزَمَ رَغْدا
وَالبائِتينَ بجَمْعٍ / لاقين في اللَّهِ جُهْدا
يُقلِلْنَ من مَرْوِ جَمْعٍ / للرّمْيِ زوجاً وفَرْدا
لهمْ أناملُ عِيضَتْ / من جِلدها ثَمَّ جِلْدا
وبالنحائرِ تُلْقى / عند الجِمارِ فتُرْدى
تُهدى إلى اللَّهِ بِرّاً / وَالبِرُّ للَّهِ يُهدى
وواقفِي عَرَفاتٍ / يَرجونَ للَّهِ رِفْدا
ما أنْ ترى ثَمّ إلّا / ربّاً لعبدٍ وعبدا
عدّوا الّذي كان منهمْ / وَاِستَنفَروا منه عدّا
لَقد خَلفتُ ألوفاً / للنّاس عهداً ووُدّا
وما تعاطيتُ هَزْلاً / ولا تعافيتُ جِدّا
ولا صددتُ بوجهِي / عمّنْ جنى لِيَ صدّا
وَلا تَجاوَزت قصداً / ولا تعدّيتُ حدّا
ولا وهبتُ وداداً / وسُمتُ مُعطاه ردّا
قل للوزير أبي سع / دٍ الّذي جلّ مَجْدا
يا أوثقَ النّاسِ عقداً / وأعذبَ النّاسِ وِرْدا
لا راعهمْ منك بينٌ / ولا رأوْا منك بُعْدا
فَما اِستَطاعوا لفضلٍ / آتاك ربُّك جَحْدا
سلّوك طوراً ولكنْ / للسلّ صانوك غِمْدا
فإنْ ضَرَبْتَ فماضٍ / قدّ الضّريبة قدّا
ما زلتَ فيهمْ سِناناً / للرّمح والسّيف حدّا
وما أردتَ على الهَوْ / لِ نَجْدَةً منك جُندا
فَإنْ رُمُوا كنتَ تُرساً / وإنْ ورَوْا كنت زندا
وإن دَجَوْا كنت صُبحاً / وَإِن ضَحوْا كنت بَرْدا
خُذْ مِلءَ كفّيك من عا / مِكَ الّذي جاء رِفْدا
وما وُعدتَ به خذْ / ومن يد الدّهرِ نقْدا
ما كنتَ تمطُلُ وَعْداً / فكيف تُمطَلُ وعْدا
وَاِستَشعرِ النُّجْحَ دِرْعاً / واِلبَسْ منَ اليُمْنِ بُرْدا
وَعِشْ فَما العَيشُ إلّا / ما كان رحْباً ورَغْدا
يُراحُ بابُكَ فينا / قصداً إليه ويُغدى
وَاِخلدْ فخُلدُك أَوْفى / منّا علينا وأجْدى
ولا يزلن نيوبُ ال / خطوبِ حولك دُرْدا
ولا رأينا لشيءٍ / نَهواهُ عندكَ فَقدا
أَبَتْ زَفراتُ الحبِّ إلّا تصعُّدا
أَبَتْ زَفراتُ الحبِّ إلّا تصعُّدا / وَيَأبى لَهيبُ الوجْدِ إِلّا تَوقُّدا
ولم أرَ مِنْ بعد الّذين تشرّدوا / لأعيُننا إلّا رُقاداً مشرّدا
تَذكّرتُ بِالغَوْرين نجداً ضلالةً / وَمِن أَين ذكرى غائر الدّار مُنجدا
مضى البينُ عنّا بالحياة وطيبِها / فلم يبق بعد البين شيءُ سوى الرّدى
فقلْ للّذي ينوِي الفراقِ وعندَه / بأنّي مطيقٌ في الفراق التجلّدا
وَعَدْتَ ببينٍ يسلبُ العيشَ طيبَه / فَما كانَ ذاكَ الوعدُ إلّا تَوعّدا
وَما كانَ عِندي أَن يُفرَّق شملُنا / ويبعُدُ عن داري العميدُ تعمّدا
وما سرّني أنْ سرتَ عنّي وأنّني / مُقيمٌ بأرضِي أو تغيبَ وأشهدا
سَيَرحَمُني مَن كانَ بالأمسِ حاسدِي / وما عادَلَ المرحومُ فيك المُحسَّدا
وأبقى وحيداً بعد أنْ كنتُ ثانياً / ومَنْ ذا بُعَيْدَ الأُنسِ يرضى التوحّدا
وَما زِلتُ دَهراً بالتفرّقِ قانعاً / فَما زِلتَ بي حتّى كرهتُ التفرّدا
هَززتُك سيفاً ما اِنثَنى عَن ضَريبةٍ / مضاءً كما أنّي نَقدتُك عَسجدا
وَكان الّذي بَيني وَبينك كلّهُ / وداداً وفي كلِّ الرّجالِ تودُّدا
فإنْ لم يكن سِنْخٌ يؤلّفُ بيننا / فقد ألّفَتْ فينا المودّةُ محتِدا
وَمَنْ قرّبته دارُ وُدٍّ مُصَحّحٍ / إليَّ فلا كان المقرّبُ مولِدا
وما كنتُ أخشى أنّني فيك أبتلِي / وتخرجُ عن كفّيَّ منك المهنّدا
وَأُسقى بكَ العذبَ النّميرَ وينثني / فراقُك يسقيني الأُجاجَ المصرّدا
ولو لم تَرُحْ عنّي لما كنتُ بالّذِي / أُبالِي بناءٍ راح عنِّيَ أو غدا
وَقَد زادَني منكَ النّظامُ كأنّه / رياضٌ بأعلى الحَزْنِ جاد لها النّدى
وقلّدني مَنّاً وما كنتُ قبلَه / وجَدِّك ما بين الرّجالِ مُقَلّدا
ولو أنَّنِي أنشدتُه نَغَماً به / مع الصّبحِ أطربتُ الحَمامَ المغرِّدا
كأنِّيَ لمّا أنْ كرعتُ زلاله / كَرِعتُ زلالاً من سحابٍ على صَدى
فَخُذه كَما شاءَ الودادُ وشئتَه / نظاماً على مرّ الزّمانِ منضّدا
هو الماء طوراً رقّةً وسلاسةً / وإنْ شئتَ طوراً قوّةً كان جَلْمَدا
ولمّا دعوتَ القولَ منِّي سمعته / وكان لمنْ يبغيه نَسْراً وفَرقدا
هَذي المُصيبةُ ما أبْقَتْ لنا أبداً
هَذي المُصيبةُ ما أبْقَتْ لنا أبداً / صبراً عليها ولا خلَّتْ لنا جَلَدا
جاءَتْ ولا همّ في قلبِي ولا كَمَدٌ / فَلَم تَدعْ فيه إلّا الهمَّ والكَمَدا
يا سَعدَنا لَم يجد فيك الزّمانُ وقد / بلاك موضعَ إخشاعٍ وقد وجدا
اِنظُر إِلى الدّهرِ لمّا أنْ ألمَّ بنا / من أيِّ بابٍ إلى مكروهنا قصدا
جبَّ السَّنام الذي كنّا نصولُ به / فما أفادَ بأنْ أبقى شوىً ويدَا
أنكى بأفرسِ مَنْ ناجيتُه قدرٌ / جارٍ وأفرسِ مَن حاذرتُ منه رَدى
والموتُ إنْ لم يزرْ يوماً ففِي غدِهِ / والمرءُ إنْ لم يرُحْ سعياً إليه غدا
لَو يَستَطيعُ الّذي يهوى البقاءَ له / فداءَه بالّتِي في جنبِه لفدى
وَلَو أَطافَ الّذي قِيدتْ مشافِرُهُ / إلى ورودِ حياضِ الموتِ ما وردا
وما أرى الصّبرَ لِي رأياً فأسألَهُ / والقصدُ يُغْرِي به مَن كان مقتصدا
ولستُ أرضى له قولاً وفي كَبدِي / جمرُ المصيبةِ ما أغضى ولا خَمَدا
فإنْ أفَقْتُ فعندي كلّ قافيةٍ / تَتْرى وقد ضَمِنَ الإنجازَ من وعدا
سقانِي ولَم أَستَسْقِهِ فضلَ خيرِهِ
سقانِي ولَم أَستَسْقِهِ فضلَ خيرِهِ / فَلَم يَسقنِي إِلّا الذُّعافَ المصَرَّدا
وَما زال يدعونِي إلى دارِ وصلِهِ / فلمّا دنوتُ الدّارَ ولّى وعَرَّدا
فماذا على مَن خاننِي في ودادِه / إذا لم يكنْ منه الوِدادُ تودّدا
ولو كان يجني مخطئاً لعذرتُهُ / ولكنّه يجنِي عليَّ تعمّدا
وَإنِّيَ ممّنْ إِن نَبا عنه منزلٌ / وأنكرَ مثواه نآه فأبعدا
فخراً فإنّك من قومٍ إذا اِفتَخروا
فخراً فإنّك من قومٍ إذا اِفتَخروا / مدّوا إلى كلِّ نجمٍ في السّماءِ يدا
مُحَسَّدين وهذا الفضل مَرقَبةٌ / تَجرّ قِدْماً على طُلّاعِها الحَسدا
لمّا رأينا سجاياً منهمُ سُمعتْ / كأنّنا ما رأينا منهمُ أحدا