القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عَنْتَرة بن شَدّاد الكل
المجموع : 20
نَحا فارِسُ الشَهباءِ وَالخَيلُ جُنَّحٌ
نَحا فارِسُ الشَهباءِ وَالخَيلُ جُنَّحٌ / عَلى فارِسٍ بَينَ الأَسِنَّةِ مُقصَدِ
وَلَولا يَدٌ نالَتهُ مِنّا لَأَصبَحَت / سِباعٌ تَهادى شِلوَهُ غَيرَ مُسنَدِ
فَلا تَكفُرِ النُعمى وَأَثنِ بِفَضلِها / وَلا تَأمَنَن ما يُحدِثُ اللَهُ في غَدِ
فَإِن يَكُ عَبدُ اللَهِ لاقى فَوارِساً / يَرُدّونَ خالَ العارِضِ المُتَوَقِّدِ
فَقَد أَمكَنَت مِنكَ الأَسِنَّةُ عانِياً / فَلَم تَجزِ إِذ تَسعى قَتيلاً بِمَعبَدِ
هَدِيُّكُمُ خَيرٌ أَباً مِن أَبيكُمُ
هَدِيُّكُمُ خَيرٌ أَباً مِن أَبيكُمُ / أَعَفُّ وَأَوفى بِالجِوارِ وَأَحمَدُ
وَأَطعَنُ في الهَيجا إِذا الخَيلُ صَدَّها / غَداةَ الصَباحِ السَمهَرِيُّ المُقَصَّدُ
فَهَلّا وَفي الغَوغاءِ عَمروُ بنُ جابِرٍ / بِذِمَّتِهِ وَاِبنُ اللَقيطَةِ عِصيَدُ
سَيَأتيكُمُ عَنّي وَإِن كُنتُ نائِياً / دُخانُ العَلَندي دونَ بَيتِيَ مِذوَدُ
قَصائِدُ مِن قيلِ اِمرِئٍ يَحتَذيكُمُ / بَني العُشَراءِ فَاِرتَدوا وَتَقَلَّدوا
تَرَكتُ جُرَيَّةَ العَمرِيَّ فيهِ
تَرَكتُ جُرَيَّةَ العَمرِيَّ فيهِ / شَديدُ العَيرِ مُعتَدِلٌ سَديدُ
تَرَكتُ بَني الهُجَيمِ لَهُم دَوارٌ / إِذا تَمضي جَماعَتُهُم تَعودُ
إِذا يَقَعُ السِهامُ بِجانِبَيهِ / تَأَخَّرَ قابِعاً فيهِ صُدودُ
فَإِن يَبرَأ فَلَم أَنفِث عَلَيهِ / وَإِن يُفقَد فَحُقَّ لَهُ الفُقودُ
وَهَل يَدري جُرَيَّةُ أَنَّ نَبلي / يَكونُ جَفيرَها البَطَلُ النَجيدُ
كَأَنَّ رِماحَهُم أَشطانُ بِئرٍ / لَها في كُلِّ مَدلَجَةٍ خُدودُ
وَلَلمَوتُ خَيرٌ لِلفَتى مِن حَياتِهِ
وَلَلمَوتُ خَيرٌ لِلفَتى مِن حَياتِهِ / إِذا لَم يَثِب لِلأَمرِ إِلّا بِقائِدِ
فَعالِج جَسيماتِ الأُمورِ وَلا تَكُن / هَبيتَ الفُؤادِ هِمَّةً لِلسَوائِدِ
إِذا الريحُ جاءَت بِالجَهامِ تَشُلُّهُ / هَذاليلُهُ مِثلُ القِلاصِ الطَرائِدِ
وَأَعقَبَ نَوءُ المُدبِرينَ بِغَبرَةٍ / وَقَطرٍ قَليلِ الماءِ بِاللَيلِ بارِدِ
كَفى حاجَةَ الأَضيافِ حَتّى يُريحَها / عَلى الحَيِّ مِنّا كُلُّ أَروَعَ ماجِدِ
تَراهُ بِتَفريجِ الأُمورِ وَلَفِّها / لِما نالَ مِن مَعروفِها غَيرَ زاهِدِ
وَلَيسَ أَخونا عِندَ شَرٍّ يَخافُهُ / وَلا عِندَ خَيرٍ إِن رَجاهُ بِواحِدِ
إِذا قيلَ مَن لِلمُعضِلاتِ أَجابَهُ / عِظامُ اللُهى مِنّا طِوالُ السَواعِدِ
إِذا جَحَدَ الجَميلَ بَنو قُرادٍ
إِذا جَحَدَ الجَميلَ بَنو قُرادٍ / وَجازى بِالقَبيحِ بَنو زِيادِ
فَهُم ساداتُ عَبسٍ أَينَ حَلّوا / كَما زَعَموا وَفُرسانُ البِلادِ
وَلا عَيبٌ عَلَيَّ وَلا مَلامٌ / إِذا أَصلَحتُ حالي بِالفَسادِ
فَإِنَّ النارَ تُضرَمُ في جَمادِ / إِذا ما الصَخرُ كَرَّ عَلى الزِنادِ
وَيُرجى الوَصلُ بَعدَ الهَجرِ حيناً / كَما يُرجى الدُنُوُّ مِنَ البِعادِ
حَلُمتُ فَما عَرَفتُم حَقَّ حِلمي / وَلا ذَكَرَت عَشيرَتُكُم وِدادي
سَأَجهَلُ بَعدَ هَذا الحِلمِ حَتّى / أُريقُ دَمَ الحَواضِرِ وَالبَوادي
وَيَشكو السَيفُ مِن كَفّي مَلالاً / وَيَسأَمُ عاتِقي حَملَ النِجادِ
وَقَد شاهَدتُمُ في يَومِ طَيٍّ / فِعالي بِالمُهَنَّدَةِ الحِدادِ
رَدَدتُ الخَيلَ خالِيَةً حَيارى / وَسُقتُ جِيادَها وَالسَيفُ حادي
وَلَو أَنَّ السِنانَ لَهُ لِسانٌ / حَكى كَم شَكَّ دِرعاً بِالفُؤادِ
وَكَم داعٍ دَعا في الحَربِ بِاِسمي / وَناداني فَخُضتُ حَشا المُنادي
لَقَد عادَيتَ يا اِبنَ العَمِّ لَيثاً / شُجاعاً لا يَمَلُّ مِنَ الطِرادِ
يَرُدُّ جَوابَهُ قَولاً وَفِعلاً / بِبيضِ الهِندِ وَالسُمرِ الصِعادِ
فَكُن يا عَمروُ مِنهُ عَلى حِذارٍ / وَلا تَملَأ جُفونَكَ بِالرُقادِ
وَلَولا سَيِّدٌ فينا مُطاعٌ / عَظيمُ القَدرِ مُرتَفِعُ العِمادِ
أَقَمتُ الحَقَّ بِالهِندِيِّ رَغماً / وَأَظهَرتُ الضَلالَ مِنَ الرَشادِ
أَرضُ الشَرَبَّةِ شِعبٌ وَوادي
أَرضُ الشَرَبَّةِ شِعبٌ وَوادي / رَحَلتُ وَأَهلُها في فُؤادي
يُحَلّونَ فيهِ وَفي ناظِري / وَإِن أَبعَدوا في مَحَلِّ السَوادِ
إِذا خَفَقَ البَرقُ مِن حَيِّهِم / أَرِقتُ وَبِتُّ حَليفَ السُهادِ
وَريحُ الخُزامى يُذَكِّرُ أَنفي / نَسيمَ عَذارى وَذاتِ الأَيادي
أَيا عَبلَ مُنّي بِطَيفِ الخَيالِ / عَلى المُستَهامِ وَطيبِ الرُقادِ
عَسى نَظرَةٌ مِنكِ تَحيا بِها / حُشاشَةُ مَيتِ الجَفا وَالبِعادِ
أَيا عَبلَ ما كُنتُ لَولا هَواكِ / قَليلَ الصَديقِ كَثيرَ الأَعادي
وَحَقِّكَ لا زالَ ظَهرُ الجَوادِ / مَقيلي وَسَيفي وَدِرعي وِسادي
إِلى أَن أَدوسُ بِلادَ العِراقِ / وَأُفني حَواضِرَها وَالبَوادي
إِذا قامَ سوقٌ لِبَيعِ النُفوسِ / وَنادى وَأَعلَنَ فيهِ المُنادي
وَأَقبَلَتِ الخَيلُ تَحتَ الغُبارِ / بِوَقعِ الرِماحِ وَضَربِ الحِدادِ
هُنالِكَ أَصدِمُ فُرسانَها / فَتَرجِعُ مَخذولَةً كَالعِمادِ
وَأَرجِعُ وَالنوقُ مَوقورَةٌ / تَسيرُ الهُوَينى وَشَيبوبُ حادي
وَتَسهَرُ لي أَعيُنُ الحاسِدينَ / وَتَرقُدُ أَعيُنُ أَهلِ الوِدادِ
أَلا مَن مُبلِغٌ أَهلَ الجُحودِ
أَلا مَن مُبلِغٌ أَهلَ الجُحودِ / مَقالَ فَتىً وَفِيٍّ بِالعُهودِ
سَأَخرُجُ لِلبِرازِ خَلِيَّ بالٍ / بِقَلبٍ قُدَّ مِن زُبَرِ الحَديدِ
وَأَطعَنُ بِالقَنا حَتّى يَراني / عَدوّي كَالشَرارَةِ مِن بَعيدِ
إِذا ما الحَربُ دارَت لي رَحاها / وَطابَ المَوتُ لِلرَجُلِ الشَديدِ
تَرى بيضاً تَشَعشَعُ في لَظاها / قَدِ اِلتَصَقَت بِأَعضادِ الزُنودِ
فَأَقحَمُها وَلَكِن مَع رِجالٍ / كَأَنَّ قُلوبَها حَجَرُ الصَعيدِ
وَخَيلٍ عُوِّدَت خَوضَ المَنايا / تُشَيِّبُ مَفرِقَ الطِفلِ الوَليدِ
سَأَحمِلُ بِالأُسودِ عَلى أُسودٍ / وَأَخضِبُ ساعِدي بِدَمِ الأُسودِ
بِمَملَكَةٍ عَلَيها تاجُ عِزٍّ / وَقَومٍ مِن بَني عَبسٍ شُهودِ
فَأَمّا القائِلونَ هِزَبرُ قَومٍ / فَذاكَ الفَخرُ لا شَرَفُ الجُدودِ
وَأَمّا القائِلونَ قَتيلُ طَعنٍ / فَذَلِكَ مَصرَعُ البَطَلِ الجَليدِ
صَحا مِن بَعدِ سَكرَتِهِ فُؤادي
صَحا مِن بَعدِ سَكرَتِهِ فُؤادي / وَعاوَدَ مُقلَتي طيبُ الرُقادِ
وَأَصبَحَ مَن يُعانِدُني ذَليلاً / كَثيرَ الهَمِّ لا يَفديهِ فادي
يَرى في نَومِهِ فَتَكاتِ سَيفي / فَيَشكو ما يَراهُ إِلى الوِسادِ
أَلا يا عَبلَ قَد عايَنتِ فِعلي / وَبانَ لَكِ الضَلالُ مِنَ الرَشادِ
وَإِن أَبصَرتِ مِثلي فَاِهجُريني / وَلا يَلحَقكِ عارٌ مِن سَوادي
وَإِلّا فَاِذكُري طَعني وَضَربي / إِذا ما لَجَّ قَومُكِ في بِعادي
طَرَقتُ دِيارَ كِندَةَ وَهيَ تَدوي / دَوِيَّ الرَعدِ مِن رَكضِ الجِيادِ
وَبَدَّدتُ الفَوارِسَ في رُباها / بِطَعنٍ مِثلِ أَفواهِ المَزادِ
وَخَثعَمُ قَد صَبَحناها صَباحاً / بُكوراً قَبلَ ما نادى المُنادي
غَدَوا لَمّا رَأَوا مِن حَدِّ سَيفي / نَذيرَ المَوتِ في الأَرواحِ حادي
وَعُدنا بِالنِهابِ وَبِالسَبايا / وَبِالأَسرى تُكَبَّلُ بِالصِفادِ
أَلا يا عَبلَ ضَيَّعتِ العُهودا
أَلا يا عَبلَ ضَيَّعتِ العُهودا / وَأَمسى حَبلُكِ الماضي صُدودا
وَما زالَ الشَبابُ وَلا اِكتَهَلنا / وَلا أَبلى الزَمانُ لَنا جَديدا
وَما زالَت صَوارِمُنا حِداداً / تَقُدُّ بِها أَنامِلُنا الحَديدا
سَلي عَنّا الفَزارِيِّينَ لَمّا / شَفَينا مِن فَوارِسِها الكُبودا
وَخَلَّينا نِسائَهُمُ حَيارى / قُبَيلَ الصُبحِ يَلطِمنَ الخُدودا
مَلَأنا سائِرَ الأَقطارِ خَوفاً / فَأَضحى العالَمونَ لَنا عَبيدا
وَجاوَزنا الثُرَيّا في عُلاها / وَلَم نَترُك لِقاصِدِنا وُفودا
إِذا بَلَغَ الفِطامَ لَنا صَبِيٌّ / تَخِرُّ لَهُ أَعادينا سُجودا
فَمَن يَقصِد بِداهِيَةٍ إِلَينا / يَرى مِنّا جَبابِرَةً أُسودا
وَيَومَ البَذلِ نُعطي ما مَلَكنا / وَنَملا الأَرضَ إِحساناً وَجودا
وَنُنعِلُ خَيلَنا في كُلِّ حَربٍ / عِظاماً دامِياتٍ أَو جُلودا
فَهَل مَن يُبلِغُ النُعمانَ عَنّا / مَقالاً سَوفَ يَبلُغُهُ رَشيدا
إِذا عادَت بَنو الأَعجامِ تَهوي / وَقَد وَلَّت وَنَكَّسَتِ البُنودا
أُعادي صَرفَ دَهرٍ لا يُعادى
أُعادي صَرفَ دَهرٍ لا يُعادى / وَأَحتَمِلُ القَطيعَةَ وَالبِعادا
وَأُظهِرُ نُصحَ قَومٍ ضَيَّعوني / وَإِن خانَت قُلوبُهُمُ الوِدادا
أُعَلِّلُ بِالمُنى قَلباً عَليلاً / وَبِالصَبرِ الجَميلِ وَإِن تَمادى
تُعَيِّرُني العِدا بِسَوادِ جِلدي / وَبيضُ خَصائِلي تَمحو السَوادا
سَلي يا عَبلَ قَومَكِ عَن فَعالي / وَمَن حَضَرَ الوَقيعَةَ وَالطِرادا
وَرَدتُ الحَربَ وَالأَبطالُ حَولي / تَهُزُّ أَكُفُّها السُمرَ الصِعادا
وَخُضتُ بِمُهجَتي بَحرَ المَنايا / وَنارُ الحَربِ تَتَّقِدُ اِتِّقادا
وَعُدتُ مُخَضَّباً بِدَمِ الأَعادي / وَكَربُ الرَكضِ قَد خَضَبَ الجَوادا
وَكَم خَلَّفتُ مِن بِكرٍ رَداحٍ / بِصَوتِ نُواحِها تُشجي الفُؤادا
وَسَيفي مُرهَفُ الحَدَّينِ ماضٍ / تَقُدُّ شِفارُهُ الصَخرَ الجَمادا
وَرُمحي ما طَعَنتُ بِهِ طَعيناً / فَعادَ بِعَينِهِ نَظَرَ الرَشادا
وَلَولا صارِمي وَسِنانُ رُمحي / لَما رَفَعَت بَنو عَبسٍ عِمادا
لِأَيِّ حَبيبٍ يُحسُنُ الرَأيُ وَالوُدُّ
لِأَيِّ حَبيبٍ يُحسُنُ الرَأيُ وَالوُدُّ / وَأَكثَرُ هَذا الناسِ لَيسَ لَهُم عَهدُ
أُريدُ مِنَ الأَيّامِ ما لا يَضُرُّها / فَهَل دافِعٌ عَنّي نَوائِبَها الجَهدُ
وَما هَذِهِ الدُنيا لَنا بِمُطيعَةٍ / وَلَيسَ لِخَلقٍ مِن مُداراتِها بُدُّ
تَكونُ المَوالي وَالعَبيدُ لِعاجِزٍ / وَيَخدُمُ فيها نَفسَهُ البَطَلُ الفَردُ
وَكُلُّ قَريبٍ لي بَعيدُ مَوَدَّةٍ / وَكُلُّ صَديقٍ بَينَ أَضلُعِهِ حِقدُ
فَلِلَّهِ قَلبٌ لا يَبُلُّ غَليلَهُ / وِصالٌ وَلا يُلهيهِ مِن حَلِّهِ عَقدُ
يُكَلِّفُني أَن أَطلُبَ العِزَّ بِالقَنا / وَأَينَ العُلا إِن لَم يُساعِدنِيَ الجَدُّ
أُحِبُّ كَما يَهواهُ رُمحي وَصارِمي / وَسابِغَةٌ زَغفٌ وَسابِغَةٌ نَهدُ
فَيا لَكَ مِن قَلبٍ تَوَقَّدَ في الحَشا / وَيا لَكَ مِن دَمعٍ غَزيرٍ لَهُ مَدُّ
وَإِن تُظهِرِ الأَيّامُ كُلَّ عَظيمَةٍ / فَلي بَينَ أَضلاعي لَها أَسَدٌ وَردُ
إِذا كانَ لا يَمضي الحُسامُ بِنَفسِهِ / فَلِلضارِبِ الماضي بِقائِمهِ حَدُّ
وَحَولِيَ مِن دونِ الأَنامِ عِصابَةٌ / تَوَدُّدُها يَخفى وَأَضغانُها تَبدو
يَسُرُّ الفَتى دَهرٌ وَقَد كانَ ساءَهُ / وَتَخدُمُهُ الأَيّامُ وَهوَ لَها عَبدُ
وَلا مالَ إِلّا ما أَفادَكَ نَيلُهُ / ثَناءً وَلا مالٌ لِمَن لا لَهُ مَجدُ
وَلا عاشَ إِلّا مَن يُصاحِبُ فِتيَةً / غَطاريفَ لا يَعنيهِمُ النَحسُ وَالسَعدُ
إِذا طولِبوا يَوماً إِلى الغَزوِ شَمَّروا / وَإِن نُدِبوا يَوماً إِلى غارَةٍ جَدّوا
أَلا لَيتَ شِعري هَل تُبَلِّغُني المُنى / وَتَلقى بِيَ الأَعداءَ سابِحَةٌ تَعدو
جَوادٌ إِذا شَقَّ المَحافِلَ صَدرُهُ / يَروحُ إِلى ظُعنِ القَبائِلِ أَو يَغدو
خَفيفٌ عَلى إِثرِ الطَريدَةِ في الفَلا / إِذا هاجَتِ الرَمضاءُ وَاِختَلَفَ الطَردُ
وَيَصحَبُني مِن آلِ عَبسٍ عِصابَةٌ / لَها شَرَفٌ بَينَ القَبائِلِ يَمتَدُّ
بَهاليلُ مِثلُ الأُسدِ في كُلِّ مَوطِنٍ / كَأَنَّ دَمَ الأَعداءِ في فَمِهِم شَهدُ
جازَت مُلِمّاتُ الزَمانِ حُدودَها
جازَت مُلِمّاتُ الزَمانِ حُدودَها / وَاِستَفرَغَت أَيّامُها مَجهودَها
وَقَضَت عَلَينا بِالمَنونِ فَعَوَّضَت / بِالكَرهِ مِن بيضِ اللَيالي سودَها
بِاللَهِ ما بالُ الأَحِبَّةِ أَعرَضَت / عَنّا وَرامَت بِالفِراقِ صُدودَها
رَضِيَت مُصاحَبَةَ البِلى وَاِستَوطَنَت / بَعدَ البُيوتِ قُبورَها وَلُحودَها
حَرِصَت عَلى طولِ البَقاءِ وَإِنَّما / مُبدي النُفوسِ أَبادَها لِيُعيدَها
عَبَثَت بِها الأَيّامُ حَتّى أَوثَقَت / أَيدي البِلى تَحتَ التُرابِ قُيودَها
فَكَأَنَّما تِلكَ الجُسومُ صَوارِمٌ / نَحَتَ الحِمامُ مِنَ اللُحودِ غُمودَها
نَسَجَت يَدُ الأَيّامِ مِن أَكفانِها / حُلَلاً وَأَلقَت بَينَهُنَّ عُقودَها
وَكَسا الرَبيعُ رُبوعَها أَنوارَهُ / لَما سَقَتها الغادِياتُ عُهودَها
وَسَرى بِها نَشرُ النَسيمِ فَعَطَّرَت / نَفَحاتُ أَرواحِ الشَمالِ صَعيدَها
هَل عيشَةٌ طابَت لَنا إِلّا وَقَد / أَبلى الزَمانُ قَديمَها وَجَديدَها
أَو مُقلَةٌ ذاقَت كَراها لَيلَةً / إِلّا وَأَعقَبَتِ الخُطوبُ هُجودَها
أَو بِنيَةٌ لِلمَجدِ شيدَ أَساسُها / إِلّا وَقَد هَدَمَ القَضاءُ وَطيدَها
شَقَّت عَلى العَليا وَفاةُ كَريمَةٍ / شَقَّت عَلَيها المَكرُماتُ بُرودَها
وَعَزيزَةٍ مَفقودَةٍ قَد هَوَّنَت / مُهَجُ النَوافِلِ بَعدَها مَفقودَها
ماتَت وَوُسِّدَتِ الفَلاةَ قَتيلَةً / يا لَهفُ نَفسي إِذ رَأَت تَوسيدَها
يا قَيسُ إِنَّ صُدورَنا وَقَدَت بِها / نارٌ بِأَضلُعِنا تَشُبُّ وَقودَها
فَاِنهَض لِأَخذِ الثَأرِ غَيرَ مُقَسِّرٍ / حَتّى تُبيدَ مِنَ العِداةِ عَديدَها
إِذا فاضَ دَمعي وَاِستَهَلَّ عَلى خَدّي
إِذا فاضَ دَمعي وَاِستَهَلَّ عَلى خَدّي / وَجاذَبَني شَوقي إِلى العَلَمِ السَعدي
أُذَكِّرُ قَومي ظُلمَهُم لي وَبَغيَهُم / وَقِلَّةَ إِنصافي عَلى القُربِ وَالبُعدِ
بَنَيتُ لَهُم بِالسَيفِ مَجداً مُشَيَّداً / فَلَمّا تَناهى مَجدُهُم هَدَموا مَجدي
يَعيبونَ لَوني بِالسَوادِ وَإِنَّما / فِعالُهُمُ بِالخُبثِ أَسوَدُ مِن جِلدي
فَوا ذُلَّ جيراني إِذا غِبتُ عَنهُمُ / وَطالَ المَدى ماذا يُلاقونَ مِن بَعدي
أَتَحسِبُ قَيسٌ أَنَّني بَعدَ طَردِهِم / أَخافُ الأَعادي أَو أَذِلُّ مِنَ الطَردِ
وَكَيفَ يَحُلُّ الذُلُّ قَلبي وَصارِمي / إِذا اِهتَزَّ قَلبُ الضِدِّ يَخفُقُ كَالرَعدِ
مَتى سُلَّ في كَفّي بِيَومِ كَريهَةٍ / فَلا فَرقَ ما بَينَ المَشايِخِ وَالمُردِ
وَما الفَخرُ إِلّا أَن تَكونَ عِمامَتي / مُكَوَّرَةَ الأَطرافِ بِالصارِمِ الهِندي
نَديمَيَّ إِمّا غِبتُما بَعدَ سَكرَةٍ / فَلا تَذكُرا أَطلالَ سَلمى وَلا هِندِ
وَلا تَذكُرا لي غَيرَ خَيلٍ مُغيرَةٍ / وَنَقعَ غُبارٍ حالِكِ اللَونِ مُسوَدِّ
فَإِنَّ غُبارَ الصافِناتِ إِذا عَلا / نَشِقتُ لَهُ ريحاً أَلَذَّ مِنَ النَدِّ
وَرَيحانَتي رُمحي وَكاساتُ مَجلِسي / جَماجِمُ ساداتٍ حِراصٍ عَلى المَجدِ
وَلي مِن حُسامي كُلَّ يَومٍ عَلى الثَرى / نُقوشُ دَمٍ تُغني النَدامى عَنِ الوَردِ
وَلَيسَ يَعيبُ السَيفَ إِخلاقُ غِمدِهِ / إِذا كانَ في يَومِ الوَغى قاطِعَ الحَدِّ
فَلِلَّهِ دَرّي كَم غُبارٍ قَطَعتُهُ / عَلى ضامِرِ الجَنبَينِ مُعتَدِلِ القَدِّ
وَطاعَنتُ عَنهُ الخَيلَ حَتّى تَبَدَّدَت / هِزاماً كَأَسرابِ القَطاءِ إِلى الوِردِ
فَزارَةُ قَد هَيَّجتُمُ لَيثَ غابَةٍ / وَلَم تُفرِقوا بَينَ الضَلالَةِ وَالرُشدِ
فَقولوا لِحِصنٍ إِن تَعانى عَداوَتي / يَبيتُ عَلى نارٍ مِنَ الحُزنِ وَالوَجدِ
فَخرُ الرِجالِ سَلاسِلٌ وَقُيودُ
فَخرُ الرِجالِ سَلاسِلٌ وَقُيودُ / وَكَذا النِساءُ بَخانِقٌ وَعُقودُ
وَإِذا غُبارُ الخَيلِ مَدَّ رُواقَهُ / سُكري بِهِ لا ما جَنى العُنقودُ
يا دَهرُ لا تُبقِ عَلَيَّ فَقَد دَنا / ما كُنتُ أَطلُبُ قَبلَ ذا وَأُريدُ
فَالقَتلُ لي مِن بَعدِ عَبلَةَ راحَةٌ / وَالعَيشُ بَعدَ فِراقِها مَنكودُ
يا عَبلَ قَد دَنَتِ المَنِيَّةُ فَاِندُبي / إِن كانَ جَفنُكِ بِالدُموعِ يَجودُ
يا عَبلَ إِن تَبكي عَلَيَّ فَقَد بَكى / صَرفُ الزَمانِ عَلَيَّ وَهوَ حَسودُ
يا عَبلَ إِن سَفَكوا دَمي فَفَعائِلي / في كُلِّ يَومٍ ذِكرُهُنَّ جَديدُ
لَهفي عَلَيكِ إِذا بَقيتِ سَبِيَّةً / تَدعينَ عَنتَرَ وَهوَ عَنكِ بَعيدُ
وَلَقَد لَقيتُ الفُرسَ يا اِبنَةَ مالِكٍ / وَجُيوشُها قَد ضاقَ عَنها البيدُ
وَتَموجُ مَوجَ البَحرِ إِلّا أَنَّها / لاقَت أُسوداً فَوقَهُنَّ حَديدُ
جاروا فَحَكَّمنا الصَوارِمَ بَينَنا / فَقَضَت وَأَطرافُ الرِماحِ شُهودُ
يا عَبلَ كَم مِن جَحفَلٍ فَرَّقتُهُ / وَالجَوُّ أَسوَدُ وَالجِبالُ تَميدُ
فَسَطا عَلَيَّ الدَهرُ سَطوَةَ غادِرٍ / وَالدَهرُ يَبخُلُ تارَةً وَيَجودُ
إِذا رَشَقَت قَلبي سِهامٌ مِنَ الصَدِّ
إِذا رَشَقَت قَلبي سِهامٌ مِنَ الصَدِّ / وَبَدَّلَ قُربي حادِثُ الدَهرِ بِالبُعدِ
لَبَستُ لَها دِرعاً مِنَ الصَبرِ مانِعاً / وَلاقَيتُ جَيشَ الشَوقِ مُنفَرِداً وَحدي
وَبِتُّ بِطَيفٍ مِنكِ يا عَبلَ قانِعاً / وَلَو باتَ يَسري في الظَلامِ عَلى خَدّي
فَبِاللَهِ يا ريحَ الحِجازِ تَنَفَّسي / عَلى كَبِدٍ حَرّى تَذوبُ مِنَ الوَجدِ
وَيا بَرقُ إِن عَرَّضتَ مِن جانِبِ الحِمى / فَحَيِّ بَني عَبسٍ عَلى العَلَمِ السَعدي
وَإِن خَمَدَت نيرانُ عَبلَةَ مَوهِناً / فَكُن أَنتَ في أَكنافِها نَيِّرَ الوَقدِ
وَخَلِّ النَدى يَنهَلُّ فَوقَ خِيامِها / يُذَكِّرُها أَنّي مُقيمٌ عَلى العَهدِ
عَدِمتُ اللِقا إِن كُنتُ بَعدَ فِراقِها / رَقَدتُ وَما مَثَّلتُ صورَتَها عِندي
وَما شاقَ قَلبي في الدُجى غَيرُ طائِرٍ / يَنوحُ عَلى غُصنٍ رَطيبٍ مِنَ الرَندِ
بِهِ مِثلُ ما بي فَهوَ يُخفي مِنَ الجَوى / كَمِثلِ الَّذي أُخفي وَيُبدي الَّذي أُبدي
أَلا قاتَلَ اللَهُ الهَوى كَم بِسَيفِهِ / قَتيلُ غَرامٍ لا يُوَسَّدُ في اللَحدِ
أَحرَقَتني نارُ الجَوى وَالبُعادِ
أَحرَقَتني نارُ الجَوى وَالبُعادِ / بَعدَ فَقدِ الأَوطانِ وَالأَولادِ
شابَ رَأسي فَصارَ أَبيَضَ لَوناً / بَعدَما كانَ حالِكاً بِالسَوادِ
وَتَذَكَّرتُ عَبلَةً يَومَ جاءَت / لِوَداعي وَالهَمُّ وَالوَجدُ بادي
وَهيَ تُذري مِن خيفَةِ البُعدِ دَمعاً / مُستَهِلّاً بِلَوعَةٍ وَسُهادِ
قُلتُ كُفّي الدُموعَ عَنكِ فَقَلبي / ذابَ حُزناً وَلَوعَتي في اِزدِيادِ
وَيحَ هَذا الزَمانِ كَيفَ رَماني / بِسِهامٍ صابَت صَميمَ فُؤادي
غَيرَ أَنّي مِثلُ الحُسامِ إِذا ما / زادَ صَقلاً جادَ يَومَ جِلادِ
حَنَّكَتني نَوائِبُ الدَهرِ حَتّى / أَوقَفَتني عَلى طَريقِ الرَشادِ
وَلَقيتُ الأَبطالَ في كُلِّ حَربٍ / وَهَزَمتُ الرِجالَ في كُلِّ وادي
وَتَرَكتُ الفُرسانَ صَرعى بِطَعنٍ / مِن سِنانٍ يَحكي رُؤوسَ المَزادِ
وَحُسامٍ قَد كُنتُ مِن عَهدِ شَدّا / دٍ قَديماً وَكانَ مِن عَهدِ عادِ
وَقَهَرتُ المُلوكَ شَرقاً وَغَرباً / وَأَبَدتُ الأَقرانَ يَومَ الطِرادِ
قَلَّ صَبري عَلى فِراقِ غَصوبٍ / وَهوَ قَد كانَ عُدَّتي وَاِعتِمادي
وَكَذا عُروَةٌ وَمَيسَرَةٌ حا / مي حِمانا عِندَ اِصطِدامِ الجِيادِ
لَأَفُكَّنَّ أَسرَهُم عَن قَريبٍ / مِن أَيادي الأَعداءِ وَالحُسّادِ
بَينَ العَقيقِ وَبَينَ بُرقَةِ ثَهمَدِ
بَينَ العَقيقِ وَبَينَ بُرقَةِ ثَهمَدِ / طَلَلٌ لِعَبلَة مُستَهِلُّ المَعهَدِ
يا مَسرَحَ الآرامِ في وادي الحِمى / هَل فيكَ ذو شَجَنٍ يَروحُ وَيَغتَدي
في أَيمَنِ العَلَمينِ دَرسُ مَعالِمٍ / أَوهى بِها جَلَدي وَبانَ تَجَلُّدي
مِن كُلِّ فاتِنَةٍ تَلَفَّتَ جيدُها / مَرَحاً كَسالِفَةِ الغَزالِ الأَغيَدِ
يا عَبلَ كَم يُشجى فُؤادي بِالنَوى / وَيَروعُني صَوتُ الغُرابِ الأَسوَدِ
كَيفَ السَلُوُّ وَما سَمِعتُ حَمائِماً / يَندُبنَ إِلّا كُنتُ أَوَّلَ مُنشِدِ
وَلَقَد حَبَستُ الدَمعَ لا بُخلاً بِهِ / يَومَ الوَداعِ عَلى رُسومِ المَعهَدِ
وَسَأَلتُ طَيرَ الدَوحِ كَم مِثلي شَجا / بِأَنينِهِ وَحَنينِهِ المُتَرَدِّدِ
نادَيتُهُ وَمَدامِعي مُنهَلَّةٌ / أَينَ الخَلِيُّ مِنَ الشَجِيِّ المُكمَدِ
لَو كُنتَ مِثلي ما لَبِثتَ مَلاوَةٌ / وَهَتَفتَ في غُصنِ النَقا المُتَأَوِّدِ
رَفَعوا القِبابَ عَلى وُجوهٍ أَشرَقَت / فيها فَغَيَّبتِ السُها في الفَرقَدِ
وَاِستَوكَفوا ماءَ العُيونِ بِأَعيُنٍ / مَكحولَةٍ بِالسِحرِ لا بِالإِثمِدِ
وَالشَمسُ بَينَ مُضَرَّجٍ وَمُبَلَّجٍ / وَالغُصنُ بَينَ مُوَشَّحٍ وَمُقَلَّدِ
يَطلُعنَ بَينَ سَوالِفٍ وَمَعاطِفٍ / وَقَلائِدٍ مِن لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَدِ
قالوا اللِقاءَ غَداً بِمُنعَرَجِ اللِوى / وَأَطولَ شَوقِ المُستَهامِ إِلى غَدِ
وَتَخالُ أَنفاسي إِذا رَدَّدتُها / بَينَ الطُلولِ مَحَت نُقوشَ المِبرَدِ
وَتَنوفَةٍ مَجهولَةٍ قَد خُضتُها / بِسِنانِ رُمحٍ نارُهُ لَم تَخمُدِ
باكَرتُها في فِتيَةٍ عَبسِيَّةٍ / مِن كُلِّ أَروَعِ في الكَريهَةِ أَصيَدِ
وَتَرى بِها الراياتِ تَخفُقُ وَالقَنا / وَتَرى العَجاجَ كَمِثلِ بَحرٍ مُزبِدِ
فَهُناكَ تَنظُرُ آلُ عَبسٍ مَوقِفي / وَالخَيلُ تَعثَرُ بِالوَشيجِ الأَملَدِ
وَبَوارِقُ البيضِ الرِقاقِ لَوامِعٌ / في عارِضٍ مِثلِ الغَمامَ المُرعِدِ
وَذَوابِلُ السُمرُ الرِقاقِ كَأَنَّها / تَحتَ القَتامِ نُجومِ لَيلٍ أَسوَدِ
وَحَوافِرُ الخَيلِ العِناقِ عَلى الصَفا / مِثلُ الصَواعِقِ في قِفارِ الفَدفَدِ
باشَرتُ مَوكِبَها وَخُضتُ غُبارَها / أَطفَأتُ جَمرَ لَهيبِها المُتَوَقِّدِ
وَكَرَرتُ وَالأَبطالُ بَينَ تَصادُمٍ / وَتَهاجُمٍ وَتَحَزُّبٍ وَتَشَدُّدِ
وَفَوارِسُ الهَيجاءِ بَينَ مُمانِعٍ / وَمُدافِعٍ وَمُخادِعٍ وَمُعَربِدِ
وَالبيضُ تَلمَعُ وَالرِماحُ عَواسِلٌ / وَالقَومُ بَينَ مُجَدَّلٍ وَمُقَيَّدِ
وَمُوَسَّدٍ تَحتَ التُرابِ وَغَيرُهُ / فَوقَ التُرابِ يَئِنُّ غَيرَ مُوَسَّدِ
وَالجَوُّ أَقتَمُ وَالنُجومُ مُضيئَةٌ / وَالأُفقُ مُغبَرُّ العَنانِ الأَربَدِ
أَقحَمتُ مُهري تَحتَ ظِلِّ عَجاجَةٍ / بِسِنانِ رُمحٍ ذابِلٍ وَمُهَنَّدِ
وَرَغَمتُ أَنفَ الحاسِدينَ بِسَطوَتي / فَغَدَوا لَها مِن راكِعينَ وَسُجَّدِ
إِذا الريحُ هَبَّت مِن رُبى العَلَمَ السَعدي
إِذا الريحُ هَبَّت مِن رُبى العَلَمَ السَعدي / طَفا بَردُها حَرَّ الصَبابَةِ وَالوَجدِ
وَذَكَّرَني قَوماً حَفِظتُ عُهودَهُم / فَما عَرِفوا قَدري وَلا حَفِظوا عَهدي
وَلَولا فَتاةٌ في الخِيامِ مُقيمَةٌ / لَما اِختَرتُ قُربَ الدارِ يَوماً عَلى البُعدِ
مُهَفهَفَةٌ وَالسِحرُ مِن لَحَظاتِها / إِذا كَلَّمَت مَيتاً يَقومُ مِنَ اللَحدِ
أَشارَت إِلَيها الشَمسُ عِندَ غُروبِها / تَقولُ إِذا اِسوَدَّ الدُجى فَاِطلِعي بَعدي
وَقالَ لَها البَدرُ المُنيرُ أَلا اِسفِري / فَإِنَّكِ مِثلي في الكَمالِ وَفي السَعدِ
فَوَلَّت حَياءً ثُمَّ أَرخَت لِثامَها / وَقَد نَثَرَت مِن خَدِّها رَطِبَ الوَردِ
وَسَلَّت حُساماً مِن سَواجي جُفونِها / كَسَيفِ أَبيها القاطِعِ المُرهَفِ الحَدِّ
تُقاتِلُ عَيناها بِهِ وَهوَ مُغمَدٌ / وَمِن عَجَبٍ أَن يَقطَعَ السيفُ في الغِمدِ
مُرَنَّحَةُ الأَعطافِ مَهضومَةُ الحَشا / مُنَعَّمَةُ الأَطرافِ مائِسَةُ القَدِّ
يَبيتُ فُتاتُ المِسكِ تَحتَ لِثامِها / فَيَزدادُ مِن أَنفاسِها أَرَجُ النَدِّ
وَيَطلَعُ ضَوءُ الصُبحِ تَحتَ جَبينِها / فَيَغشاهُ لَيلٌ مِن دُجى شَعرِها الجَعدِ
وَبَينَ ثَناياها إِذا ما تَبَسَّمَت / مُديرُ مُدامٍ يَمزُجُ الراحَ بِالشَهدِ
شَكا نَحرُها مِن عَقدِها مُتَظَلِّماً / فَواحَرَبا مِن ذَلِكَ النَحرِ وَالعِقدِ
فَهَل تَسمَحُ الأَيّامُ يا اِبنَةَ مالِكٍ / بِوَصلٍ يُداوي القَلبَ مِن أَلَمِ الصَدِّ
سَأَحلُمُ عَن قَومي وَلَو سَفَكوا دَمي / وَأَجرَعُ فيكِ الصَبرَ دونَ المَلا وَحدي
وَحَقِّكِ أَشجاني التَباعُدُ بَعدَكُم / فَهَل أَنتُمُ أَشجاكُمُ البُعدُ مِن بَعدي
حَذِرتُ مِنَ البَينِ المُفَرِّقِ بَينَنا / وَقَد كانَ ظَنّي لا أُفارِقُكُم جَهدي
فَإِن عايَنَت عَيني المَطايا وَرَكبُها / فَرَشتُ لَدى أَخفافِها صَفحَةَ الخَدِّ
لَعوبُ بِأَلبابِ الرِجالِ كَأَنَّها
لَعوبُ بِأَلبابِ الرِجالِ كَأَنَّها / إِذا أَسفَرَت بَدرٌ بَدا في المَحاشِدِ
شَكَت سَقَماً كَيما تُعادُ وَما بِها / سِوى فَترَةِ العَينَينِ سُقمٌ لِعائِدِ
مِنَ البيضِ لا تَلقاكَ إِلّا مَصونَةً / وَتَمشي كَغُصنِ البانِ بَينَ الوَلائِدِ
كَأَنَّ الثُرَيّا حَينَ لاحَت عَشِيَّةً / عَلى نَحرِها مَنظومَةٌ في القَلائِدِ
مُنَعَّمَةُ الأَطرافِ خَودٌ كَأَنَّها / هِلالٌ عَلى غُصنٍ مِنَ البانِ مائِدِ
حَوى كُلَّ حُسنٍ في الكَواعِبِ شَخصُها / فَلَيسَ بِها إِلّا عُيوبُ الحَواسِدِ
إِذا كانَ دَمعي شاهِدي كَيفَ أَجحَدُ
إِذا كانَ دَمعي شاهِدي كَيفَ أَجحَدُ / وَنارُ اِشتِياقي في الحَشا تَتَوَقَّدُ
وَهَيهاتَ يَخفى ما أُكِنُّ مِنَ الهَوى / وَثَوبُ سِقامي كُلَّ يَومٍ يُجَدَّدُ
أُقاتِلُ أَشواقي بِصَبري تَجَلُّداً / وَقَلبِيَ في قَيدِ الغَرامِ مُقَيَّدُ
إِلى اللَهِ أَشكو جَورَ قَومي وَظُلمَهُم / إِذا لَم أَجِد خِلّاً عَلى البُعدِ يَعضُدُ
خَليلَيَّ أَمسى حُبُّ عَبلَةَ قاتِلي / وَبَأسي شَديدٌ وَالحُسامُ مُهَنَّدُ
حَرامٌ عَلَيَّ النَومُ يا اِبنَةَ مالِكٍ / وَمِن فَرشُهُ جَمرُ الغَضا كَيفَ يَرقُدُ
سَأَندُبُ حَتّى يَعلَمَ الطَيرُ أَنَّني / حَزينٌ وَيَرثي لي الحَمامُ المُغَرِّدُ
وَأَلثِمُ أَرضاً أَنتِ فيها مُقيمَةٌ / لَعَلَّ لَهيبي مِن ثَرى الأَرضِ يَبرُدُ
رَحَلتِ وَقَلبي يا اِبنَةِ العَمِّ تائِهٌ / عَلى أَثَرِ الأَظعانِ لِلرَكبِ يَنشُدُ
لَئِن يَشمَتِ الأَعداءُ يا بِنتَ مالِكٍ / فَإِنَّ وِدادي مِثلَما كانَ يَعهَدُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025