القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : بَدَوِيّ الجَبَل الكل
المجموع : 10
هدهد همومك عندي
هدهد همومك عندي / على حيائي و صدّي
حور النعيم تمنّت / نعمى هواي و وجدي
هل عندهنّ رحيقي / و هل لديهنّ شهدي
يا ساكب الشعر خمرا / من شعر ربّك خدّي
و من معانيه عطري / و من قوافيه وردي
تأنّق الله دهرا / يعيد فيّ و يبدي
حتّى جلاني شعرا / يا حسرة الشعر بعدي!
خياله السمح ندّى / ثغري و نمنم عقدي
و قلبه كان كأسي / و جفنه كان مهدي
و الأنجم الزهر حولي / دمى للهوى و عدّي
فغارت الحور منّي / و كلّ زهو و مجد
و هبّ في روض عدن / عليّ عاصف حقد
فكان لله حكم / لشقوتي بل لسعدي
و اختار بعدي عنه / و راح يبكي لبعدي
دنياي أحلى و أغلى / من ألف جنّة خلد
أنّا الربيع المندّى / قارورة العطر نهدي
يهيم حسني بحسني / و يجتلي و يفدّي
و جنّ ثغري بريقي / و حنّ جيدي لزندي
و كلّ وشي حرير / يودّ لو لفّ قدّي
و كلّ عطر تشتهي / أن أسفح العطر وحدي
شقراء تحلم شمس ال / ضحى بخدّي و بردي
رفّت خصيلات شعري / بأشقر النور جعد
سكران تيه و دلّ / مخمور وهج و وقد
يا شاكيا زور وعدي / أحلى من الوصل وعدي
هيامنا يا حبيبي / أريد حلما لسهدي
كلّ المحبّين ملكي / و أنت وحدك نديّ
و كبرياء جمالي / تريد منك التحدّي
شقراء يا لون حسن / محبّب مستبد
و يا جمالا غريبا / على ظباء معدّ
لا وسم ليلاي فيه / و لا ملامح هندي
و لا اسمرار الغريرات / بالعقيق و نجد
ظمآن أنشد وردا / و عند عينيك وردي
يا سكرة بعد صحوي / و فتنة بعد رشدي
يا رغبة العين و القلب / بعد يأس و زهد
بيني و بينك حرب / و هول أخذ وردّ
صراع روحين فيه / عنف العدوّ الألدّ
و غزو قلب لقلب / فتح يبيد و يردي
فناء دنيا بدنيا / و طيّ بند ببند
الحبّ لا حكم شورى / لكنّه حكم فرد
فهيّئي فتنة الحسن / كلّها و استعدّي
زهوة الفتح و الشباب النّجيد
زهوة الفتح و الشباب النّجيد / من سقى الفجر من دماء الشهيد !
خضبت غرّة الصّباح فقد / نمّ عليها بالعطر و التوريد
قدر أنزل الكميّ عن السرج / و ألوى بالفارس المعدود
مصرع الشمس في الضحى هل ينال / الشمس في أفقها عثار الجدود
دم غازي ياحمرة الفجر فاسقي / و أرشفي من ضيائه و استزيدي
عرس في الجنان فالحور يطفرن / على ميعة الضياء البديد
سدرة المنتهى نعيم و أفياء / و أغرودة على أملود
و حنت فاطم تضمّ فتاها / لهفة الأمّ فوجئت بالوحيد
من رأى روعة الحنان أطلّت / من عيون و لألأت في خدود
و هفا بالنعيم غازي لبغداد / و للجند و القنا و البنود
إيه دنيا الرّشيد تفنى الحضارات / و تبقى كالدهر دنيا الرّشيد
صور للعلى القديم وضّاء / زوّقتها رؤى الخيال الشرود
صور للقديم تعرضها الدّنيا / ضياء و روعة في الجديد
هذه دجلة و هذي البساتين / و شدو القمريّة الغرّيد
و الأماسيّ و النخيل و ملاّح / طروب الحداء حلو النّشيد
و الليالي القمراء في النّهر / و الأنغام أصداء زورة و صدود
و القيان الملاح يخطرن في / الشطّ سكارى مرنّحات القدود
آهة بعد آهة من عريب / تخلق الظلّ للضحى المكدود
كلّما هلهلت صبا أو حجازا / ضاع حلم المتوّج المحسود
و جوار يمرحن في الزورق الساجي / و يضحكن عن نديّ برود
رفّ مجدافه على الماء و انساب / بأحلى معاصم و زنود
فانتشى من طيوفهنّ و جنّت / قطرات علقن بين النّهود
و القصور البيضاء و الحلم / اللذّ جلاه دخان ندّ و عود
حملته هفهافة العطر نشوان / إلى جنّة الخيال البعيد
همدت ثورة الشهيد و قرّت / يا دويّا مجلجلا في الهمود
إيه دنيا الرّشيد تفنى الحضارات / و تبقين من لدات الخلود
قصر هارون ما عهدت من الألاء / و العزّ و ازدحام الوفود
حمل التّاج مفرق الملك الطفل / و ما ناء بالجليل الشديد
تاج بغداد و الشام و لبنان / و بحر للروم طاغ عنيد
أيّها البحر ! بعض تيهك و اذكر / نسبا بيننا قديم العهود
لست للروم أنت للملك الطفل / نضار في تاجه المعقود
أيّها البحر ! أنت مهما افترقنا / ملك آبائنا و ملك الجدود
و انحنى الكون يلثم الملك الطف / ل و يفديه بالطّريف التليد
صاحب التّاج ! دمعة من دموع / الشام ذوّبت عطرها في قصيدي
و أنا الشاعر المدلّ على الدنيا / بغيب في حبّكم و شهود
هاشمي الهوى أحبّ فما دارى / و عادى على هواكم و عودي
حليت في نعيم جدّك أشعاري / و نمنمت في ذراه عقودي
حاطني بالحنان صقر قريش / و سقى دوحتي و نضّر عودي
لكم نعمة عليّ و ما كنت / لنعماء بيتكم بالجحود
فيّئ الشام باللواء و نضّر / شاطئيها بظلّك الممدود
ليس بين العراق و الشام حدّ / هدم الله ما بنوا من حدود
بايعت جدّك الشام فسلها / تتحدّث عن يومه المشهود
بيعه في رقابنا لأبي غازي / و للإبن بعده و الحفيد
قل كما قال للغمامة هارون / و في الجوّ زمزمات الرّعود
قل لها : أيّها الغمامة جودي / شاطئ الرّافدين أو لا تجودي
حوّمي ما أردت شرقا و غربا / في تجوم الكون الفسيح المديد
سترفّين مخصبا من سفوحي / أو تروّين ظامئا من نجودي
أمطري حيث شئت فالكون ملكي / و بنوه قبائلي و جنودي
لا تسلني عن الشام فقد حزّ / بجيد الشام عضّ الحديد
لوّحوا بالقيود فابتدر الموت / أباة تنمّروا للقيود
روّعوا الأمّهات في حلّك الليل / و راعوا صغراها في المهود
فتنمّر و اغضب لقومك و ارجم / بالشّهاب اللّمّاح كلّ مريد
و اغز بالجيش قبّة الفلك الدائر / و اقحم به عرين الأسود
جيشك الجيش لو تنكّر للنوم / لضاقت به جفون الرّقود
فإذا هجته ترنّحت الأعلام / و ازّيّنت لفتح جديد
و إذا هجته تلفّتت الدنيا / و همّت أفلاكها بالسجود
شقيت باليهود أرض فلسطين / و ضاقت رحابها باليهود
بنفايا الدنيا على كلّ وجه / منهم سبّة اللعين الطريد
أدب القوم بالسّياط و نزّه / سيف هارون عن دماء العبيد
بنت مروان لا تراعي و خلّي / عنك تهويل عدّة و عديد
أنت في ذمّة الوصيّ على التاج / و في ذمة المليك الوليد
أنت في ذمّة العراق و في / ذمّة أنجاده الأباة الصيد
قيل من للشآم قالت : أعزّ / العرب جارا و أومأت (للسعيد)
لا الحقد خمرة أحزاني و لا الحسد
لا الحقد خمرة أحزاني و لا الحسد / من جوهر الله صيغ الشاعر الغرد
سقيت أحزان قلبي من غقيدته / فأسكر الحزن ما أغلي و أعتقد
و الهمّ يعرف كيف اختاره كبدي / و كيف تكرم جمر اللوعة الكبد
نعم العطاء و حسبي أنّها انغمست / تمزّق العطر من جرحي يد و يد
يا من ألحّ على قلبي يقطّعه / ألحّ منه عليك الخمر و الشهد
دام و يعبق صهباء و غالية / سجيّة في الأراك العطر و الملد
عندي الوسيم من الغفران أسكبه / عطرا على كلّ من آذوا و من حقدوا
أكبرت عن أدمعي من كان مضطهدا / و رحت أبكي لمن يطغى و يضطهد
الحاصدون من الدنيا شماتتها / لولا الذي زرعوا بالأمس ما حصدوا
ظمئت و الشمس من كبر و من أنف / و رحت و الشمس لا نعنو و لا نرد
أعلّها من فؤادي بعض لوعته / فرنّح الشمس ما أشكو و ما أجد
للشعر و الشمس هذا الكون لا عدد / يطغى على النّور في الدنيا و لا عدد
لقد حلفنا على الجلّى و زحمتها / أن لا يفارقنا عزّ و لا صيد
قرى الخطوب إذا ضجّت زعازعها / صبر الكريم على البأساء و الجلد
و ضاق قوم بأشعاري و موكبها / في موكب الشمس يخزى الحقد و الرمد
يؤنّق الظلم من أعذاره نفرا / كأنّهم من هوان الذلّ ما وجدوا
الشّاتمين من الأعراض ما مدحوا / و الثالبين من الطغيان ما حمدوا
البائعين لدى الجلّى و ليّهم / و الرائجين و لولا ذلّهم كسدوا
إذا المغانم لاحت و هي آمنة / هبّوا فإن حميت نار الوغى همدوا
إذا تبلّج فجر النّصر بعد دجى / و قرّ بعض الضراب الصارم الفرد
طوى الشجاع على صمت بطولته / و جرجرت ناقة و استأسدت نقد
سكبت في الكأس أشجاني فتلك يدي / من عبء ما حملته الكأس ترتعد
أين الذوائب من قومي و ما اقتحموا / من الفتوح و ما حلّوا و ما عقدوا
أفدي القبور الني طاف الرجاء بها / يا للقبور غدت ترجى و تفتقد
و لي قبور على الصحراء موحشة / فلا تزار و لا يدري بها أحد
لم أعرف الحقد إلاّ في مصارعهم / و لم أجز قبلها أعذار من حقدوا
تلك القبور و قلبي لا يضيق بها / ضاقت بزحمتها الأغوار و النجد
مصارع الصيد من قومي فكلّ ثرى / بدر و كلّ أديم موحش أحد
لو كان يعلم سعد الله ما ابتدعت / بي الخطوب تنزّى الفارس النجد
و لو درى هاشم حزني لدلّلني / و ردّ عني العوادي الصيغم الحرد
أحبّتي الصيد شلّ الموت سرحهم / و قد حننت إلى الورد الذي وردوا
السّالكون من العلياء أخشنها / و القاحمون و غير الشمس قصدوا
أكذّب الموت فيهم حرمة و هوى / و للأماني طريق هيّن جدد
لعلّهم من عناء الفتح قد نزلوا / عن الصّوافن فوق الرّمل و اتّسدوا
لعلّها غفوة الواني فإن رويت / جفونهم من لبانات الكرى نهدوا
ترفّقي يا خطوب الدّهر و اتّئدي / لا تجفلي النّوم في أجفان من سهدوا
و حاذري أن تثيري من مواجدهم / لم يصرعوا بالرّدى لكنّهم رقدوا
يصونهم من حتوف النّاس مجدهم / كأنّهم من جلال المجد ما فقدوا
طال انتظار المذاكي في مرابطها / ألا يرقّ لها فرسانها النجد
يا شاعرا زحم الدنيا بمنكبه / كالسيل يهدأ حينا ثمّ يطّرد
تراقصت في لهيب من فريحته / ثلوج لبنان و الأمواج و الزبد
حلو الشمائل لم يجهد بشاشتها / عبئ السنين و لا أزرى بها الكمد
عرار نجد شميم من سلافته / و الحور و الدعج المخمور و الغيد
و للهوى ألف قصر في جوانحه / و كلّ قصر له من عبقر رصد
و في العقيق على الوادي و ضفّته / حنت و حنّت قواف كالضحى شرد
فمن نسيب كما ناحت مطوّقة / و الفجر يسرع و الظلماء تتّئد
ألمسكر القدّ حتّى كلّه هبف / و المسكر الريق حتّى كلّه برد
على نهود العذارى من فرائده / عطر و في الجيد من أغزاله جيد
و من حماس إذا ريعت عرينته / كما زمجر دون الغابة الأسد
من كلّ مبرقة بالحقّ مرعدة / كالموج في العاصف المجنون يحتشد
يجلجل الهول فيها فالظبى مزق / من الحديد المدمّى و القناقصد
و الصّافنات و قد ضجّت سناكبها / و ضجّ فوق الجياد الضمّر الزرد
أبا الكوكب من شعر و من ولد / تقاسم النّور منك الشعر و الولد
فمن قواف على أنغامها عبق / و من قواف على غرّاتها رأد
بيني و بينك عهد الأوفياء فهل / أدّى المحبّون للأحباب ما وعدوا
عهد على إهدن الخضراء .. نبعتها / و الشعر و البدر حفّاظ لما شهدوا
بتنا صفّيين لم نسلف قديم هوى / بشاشة النور تغري كلّ من يرد
أبا الكواكب عهدي أنت تعرفه / لا ينطوي العهد حتّى ينطوي الأبد
من شاعر رنّح الدنيا فما ازدحمت / إلاّ به و له الأخبار و البرد
غضون وجه .. سطور خطفها قلم / لاه فيسرف أحيانا و يقتصد
و قامة تحمل التسعين لا وهن / فيها على الرحلة الكبرى و لا أود
و للعيون بريق كاد يحسده / زهو الشباب و أبراد الصبا الجدد
و العبقريّ شباب عمره و هوى / و جذوة في زوايا قلبه ودد
تلك الطيوف كنوز من رؤى و منى / ألروح مثرية و المملق الجسد
لبنان يا حلم الفردوس أبدعه / على غرار ذراك الواحد الصمد
و زاهدين بحسن أنت غرّته / لو آمنوا بجمال الله ما زهدوا
حسن أتمّ على لبنان نعمته / محسّد و تمام النعمة الحسد
يا جنّة الفكر يسمو كبف شاء و لا / أفق يحدّ و لا شأو و لا أحد
يا مكرم النجم في معسول غربته / لكلّ نجم ذراك الأهل و البلد
كأنّما الشمّ من لبنان في سفر / البدر يقرب و الغبراء تبتعد
أرائك لنجيمات مدلّلة / ينازع النوم في أجفانها السهد
كأنّها من ملوك الجنّ قد سحروا / و هم قيام فما همّوا و لا قعدوا
كأنّها هجّد طال الوقوف بهم / حتّى انجلى للقلوب الواحد الأحد
كأنّهم من جلال الله قد شدهوا / عند اللقاء فما خرّوا و لا سجدوا
ألحسن منسجم فيه ز مختلف / و الحسن مجتمع فيه و منفرد
جرى سنى البدر ماء في خمائله / فرحت بالموجة الزهراء أبترد
صانت مسوحكم الفصحى و كان لها / منكم بمحنتها الأركان و العمد
قرّت بأديرة الرّهبان يغمرها / شوق البنين و حبّ مترف رغد
الزاحمون بها الدنيا إذا انتهبوا / و الزاحمون بها الأخرى إذا هجدوا
ألمنزلوها على أندى سرائرهم / كأنّها عطر ما صلّوا و ما عبدوا
لم يخذلوا لغة القرآن أمّهم / و كيف يخذل قربى كفّه العضد
و للأذان و للنّاقوس من قدم / عهد على الحبّ و الغفران ينعقد
تعانقت مريم فيه و آمنة / و حنّ للرشد الإيمان و الرشد
أبا الكواكب في الخلد مكرمة / أو نعمة كنت ترجوها و تفتقد
تنحّت الحوار إجلالا لشاعرها / و استقبلتك عذارى شعرك الخرد
من كلّ سمراء معسول مراشفها / و لا تلوّح بالسقيا و لا تعد
لا تخطئ العين أنّ الأرز منبتها / و أنّ والدها قحطان أو أدد
و نسمة من صبا لبنان أوفدها / لك الأحبّة و الأنباء و الحفد
هل في ربى الخلد ما ينسيك أرزته / و النور و الحسن في أفيائها بدد
أحقّ بالشوق للأوطان من نزحوا / و بالحنين لريّاها من ابتعدوا
يزيدها ألف حسن بعد فرقتها / قلب و يفتنّ في تلوينها خلد
هل جنّة الله عن لبنان مغنية / أستغفر الله لا كفر و لا فند
حملت من بردى للأرز مرقصة / فيها الصّبابة و الأشواق تحتشد
عروبة الشام يا لبنان صافية / سمحاء كالنّور لا مكر و لا عقد
تنزّه الحبّ عن منّ و عن نكد / و قد ينغّص حسن النعمة النكد
نحن المحبّين نهواكم و نؤثركم / هل كان من دلّلوا بالقربى كمن و أدوا
نحن الظماء و نسقي الحبّ أرزكم / ألحبّ في الشام لا نزر و لا ثمد
حلفت بالشام هذا القلب ما همدا
حلفت بالشام هذا القلب ما همدا / عندي بقايا من الجمر الذي اتّقدا
لثمت فيها الأديم السمح فالتهبت / مراشف الحور من حصبائها حسدا
قد ضمّ هذا الثرى من صيدها مزقا / إرث الفتوح و من مرّانها قصدا
ألملم الجمرات الخضر من كبدي / و أستردّ الصّبا و الحبّ و الكبدا
و أرشف الكأس من عطر و من غيد / فأسكر المترفين العطر و الغيدا
فديت سمراء و من لبنان ساقية / حنانها ما اختفى من غربتي و بدا
تحنو على اليأس في قلبي فتغمره / نورا و تبدع فيه الصّبر و الجلدا
حوريّة طاف جبريل بجنّته / يريد ندّا لريّاها فما وجدا
فديت جفنين من سكب الدّجى اكتحلا / إذا سهدت على جمر الغضا سهدا
سقيت خمرة أشعاري لمى شفة / بخيلة فسقتني الشّهد و البردا
و إن كبرت فلي كنزا هوى و صبا / نهدان من نغمات الله قد نهدا
أودعت عندهما بعض الشّباب فما / خانا وديعة أيّامي و لا جحدا
قد ادّخرت لقلبي عند كبرته / ما صانه كادح للشّيب و اجتهدا
كنزا يضمّ لباناتي منوّرة / و ما اطمأنّ من النّعمى و ما شردا
أمدّ كفّي إلى كنزي فيغمرها / بما أحبّ شبابا جامحا وددا
عاد الغريب و لم تظمأ سريرته / فقد حملت بها في غربتي بردى
من روع البلبل الهاني و أجفله / عن أبكيه و سقاه الحتف لو وردا
جلاني الظّلم أشلاء ممزّقة / و احتزّ أكرمهنّ : القلب و الولدا
تصغي النّجوم إلى نوحي فيسكرها / يبكي الهزّاز و يبقى مسكرا غردا
ألحانيين على قلبي و لوعته / يبدّدان من الأحزان ما احتشدا
قلبي الذي نضّر الدّنيا بنعمته / رأى من الحقد أقساه و ما حقدا
فيا لقلب غنيّ النور مزّقه / على النوى حقد أحباب و حقد عدى
إنّي لأرحم خصمي حين يشتمني / و كنت أكبره لو عفّ منتقدا
عانيت جهد محبّ في الوفاء له / و الغدر بي كلّ ما عانى و ما جهدا
قرّت عيون العدى و الأصفياء معا / فلست أملك إلاّ العطر و الشّهدا
دعوا كرامتي العصماء نازلة / على الشموس تذيع الحسن و الرأدا
كرامتي الحجر الصوّان ما ازدردت / إلاّ لتهشم أنياب الذي ازدردا
كغابة اللّيث إن مرّ العدوّ بها / رأى الزّماجر و الأظفار و اللّبدا
و كيف أعنو لجبّار و قد ملكت / يميني القمرين : الشّعر و الصيدا
إذا دجا النّور في غمر الضحى ائتلقا / و إن سطا الظّلم مخمور الظّبى صمدا
عروبتي فوق فرق الشمس ساخرة / من لؤم ما زوّر الواشي و ما سردا
تفرّد الله بالأرواح لا ملأ / جلاله سرّها الأعلى و لا بلدا
و ميّز الشام بالنعمى و دلّلها / فمن ثرى الشام صاغ الرّوح و الجسدا
أولى المدائن أخت الشمس قد شهدت / روما و غار الضّحى منها فما شهدا
ثراك و الدّر ما هانا و إن ظلما / و أنت و النّور ما ضاعا و إن جحدا
يسومنا الصّنم الطّاغي عبادته / لن تعبد الشام إلاّ الواحد الأحدا
وجه الشام الذي رفّت بشاشته / من النّعيم لغير الله ما سجدا
تفنّن الصّنم الطّاغي فألف أذى / و ألف لون من البلوى و ألف ردى
أنحى على الشّام أريافا و حاضرة / فلم يدع سبدا فيها و لا لبدا
جهد العفاة من العمّال جزيته / و كلّ ما قطف الفلاّح أو حصدا
هذا المدلّ على الدّنيا بصولته / ما صال إلاّ على قومي و لا حشدا
و مرعد مبرق ضجّت صواعقه / حتّى إذا قامت الجلّى له قعدا
الظامئ القلب من خير و مرحمة / فإنّ ألحّ سقاه الحقد و الحسدا
لو استطاع محا أمجادنا بطرا / لم يبق لا بدرا و لا أحدا
دع الشام فجيش الله حارسها / من يقحم الغاب يلق الضيغم الحردا
عزّت على كلّ فرعون عرينتها / ما روّضت و يروض القانص الأسدا
إذا العدوّ تحدّاها بصولته / نهدت أرخص روحي كلّما نهدا
تقحّمت كبريائي بوم محنتها / ما سامع االمحنة الكبرى كمن شهدا
أهوال ما أوعد الطاغي ليصرفني / عن الشام و نعمى كلّ ما و عدا
ماذا يريد الألى أصفوه ودّهم / و سخّروا لهواه المال و العددا
يكاد تمثالهم يحمرّ من خجل / و قد غدا للطغاة العون و المددا
يا مشعل النور كم حرّية ذبحت / على يديك و نور مات بل وئدا
قد أنكر المشعل الهادي رسالته / فإنّ يماجد خصيما بعدها مجدا
يبكي لحرّية الدنيا و يذبحها / على هواه و لا ثأرا و لا قودا
و من حمى ظلم فرعون لأمّته / فقد تفرعن طغيانا و معتقدا
تحمّلوا وزر هذا الشرق مزّقه / جنون طاغ فأضحى شمله بددا
لا أكذب الله قد أضحت كنوزكم / لصرح طغيانه الأركان و العمدا
لا أكذب الله من أموالكم صقلت / خناجر طعنت حريّتي و مدى
يا راقد الثأر لم يأرق لجمرته / جيش الشام عن الثارات ما رقدا
جيشي و فوق ذرى حطّين رايته / غدا و يملي على الدنيا الفتوح غدا
ألمطمئن و جمر الثأر في دمه / خابت رياحك هذا الجمر ما همدا
ألحامل الغار أمجادا منضّرة / و المدرك الثأر لا زورا و لا فندا
تبرّجت في السّماء الشمس حالية / لتشهد العدّة الشهباء و العددا
جيشي و إيمانه بالحكم مجتمعا / شورى و قد داس حكم الفرد منفردا
لبّى الشام و قد ريعت كرامتها / و ثار للشعب منهوبا و مضطهدا
إنّ الكرامة و الحرّية احتلفا / و لن يفارق حلف حلفه أبدا
من هديه صاغها الإسلام فانسكبت / توزّع النّور و النعماء و الرشدا
هذي الحنيفيّة السمحاء قاهرة / لا اللات عزّت و لا فرعونها عبدا
تألّه الفرد حينا ثمّ عاصفة / هدّارة فكأنّ الفرد ما وجدا
كنز الحنيفة من حبّ و مرحمة / كالنور قد غمر الدّنيا و ما نفدا
نبع من الحبّ لو مرّ الجحيم به / لقطّف الظلّ من ريّاه و ابتردا
لا الفقر حقد و لا النّعماء غاشمة / كلاهما انسجما بالحبّ و اتّحدا
كلاهما أملت السمحاء حرمته / على أخيه فما ابتزّا و لا حقدا
تبنى الشعوب على فربى و مرحمة / و ما بنى الحقد لا شعبا و لا رغدا
آمنت بالفرد حرّا في عقيدته / و كلّ فرد و ما والى و ما اعتقدا
أفدي الشام لنعماها و عزّتها / من أربعين أقاسي الهول و النّكدا
ضمّ الثرى من أحبائي ليوث شرى / و غاب تحت منهم شموس هدى
لداتي الصيد شلّ الموت سرحهم / ليت النّجوم و روحي للّدات فدى
الرّاقدون و جفني من طيوفهم / في سامر ضجّ في جفني فما رقدا
قبور أهلي و إخواني و غافية / من الطيوف و أسرار و رجع صدى
و الليل و الصمت و الذكرى و كنز رؤى / لمحت مارد جنّ حوله رصدا
و وحشة لفّت الدّنيا برهبتها / و لفّت الغيب و الأحلام و الأبدا
ألحانيات على تلك القبور معي / و نبّه الفجر طيرا غافيا فشدا
حتّى بكيت فذابت كلّ واحدة / منهنّ في أدمع النائي الذي وفدا
هشّت إلىّ قبور أدمعي عبق / على الرّياحين في أفيائها و ندى
ضمّتني الشام بهد النأي حانية / كالأمّ تحضن بعد الفرقة الولدا
ردّت إليّ شبابي في متارفه / و هيّأت للصيال الفارس النجدا
أنا الوفيّ و تأبى الغرّ من شيمي / كفران نعمة من أسدلا إليّ يدا
ما للمنيّة أدعوها و تبتعد
ما للمنيّة أدعوها و تبتعد / أمرّ من كل حتف بعض ما أجد
ظمآن أشهد ورد الموت عن كثب / و الواردون أحبّائي و لا أرد
علّلت بالصبر أحزاني فيا لأسى / بالجمر من نفحات الجمر يبترد
دعوت خدنيّ من دمع و من جلد / فأسعف الدمع لكن خانني الجلد
أصبحت أعزل و الهيجاء دائرة / لا السيف ردّ الأذى عنّي و لا الزرد
أردّ رشق الظبى عن مهجتي بيد / و تمسح الدمع من نزف الجراح يد
أبا جميل سلام الله لا كتب / إليك تحمل أشواقي و لا برد
لقيت في الحق ما لاقى به نفر / من الهداة و ما عانوا و ما جهدوا
و العبقريّ غريب في مواطنه / يدور حيث يدور الحقد و الحسد
و حاملين رسالات مقدّسة / توحّدوا بالجهاد السمح و انفردوا
مشتّتين بعصف الرّيح و لا وطن / يلمّ أشتات بلواهم و لا بلد
معارك الحقّ من أجسادهم مزق / على ثراها و من مرّانهم قصد
و ربّ شاك فساد العصر يظلمه / لم يفسد العصر لكن أهله فسدوا
أذاكر لي على صيداء هانئة / من الزّمان عليها نعمة ودد
يمشي بك المجد في أفياء وارفة / من الأمانيّ لا تلوي بما تعد
فيها صباك عطور عبقريّة / و لي شباب طريف العمر متّئد
و نحن بين الدّروب الحاليات / يد تضمّها في ظلال البرتقال يد
و أستعيدك شعري حين تنشده / حتّى يقوّم في إنشاده الأود
حبّ أبوك تولاّه و دلّله / و راح يكرم الإرث الوالد الولد
يا مبدع السحر إلاّ أنّه كلم / و ساقي الرأي إلاّ أنّه شهد
يا ناقدا حبّه يملي فرائده / حتّى ليندى حنانا حين ينتقد
يا مانح النّور من تاهت دروبهم / و مانح الحبّ و الغفران من حقدوا
يفنى المزوّر من مجد و من خدعت / به الشعوب و تبقى أنت و الأبد
لن يعدم القبر لا ريّا و لا عبقا / فلي جفون نديّات و لي كبد
أحنو على دمك المطلول ألثمه / أزكى من الورد ما جادت به الورد
دماء قلبك إيمان و غالية / فليس ينكرها بدر و لا أحد
دماء قلبك ما من قطرة نزفت / إلاّ تمنّت سناها نجمة تقد
يا من نحبّ و لولا الحبّ لا لعس / و لا لمى عبق السقيا و لا غيد
سهرت في زحمة الجلّى و مزّقني / أنّي شهدتهم أغفوا و ما سهدوا
و في ضناي و في أحزاني ازدلفوا / يحرّضون عليّ الدّهر و اتحدوا
حتى بكت محنتي من ظلمهم و غدت / بالدّمع تنهش من قلبي و تزدرد
أمّاه دمعك تبكي من مواجعه / شمّ البواذخ و الأفلاك ترتعد
أمّاه لم يبق لي روح فأغدقه / على أساك و لا دمع و لا كبد
تطوف عينك في الزوار سائلة / عن الحبيب الذي ولّى و تفتقد
و طاف ثكلك في عدن فهل سألت / مساحب النّور أين النّور و الرّغد
ثكل الأمومة في التسعين حين بكى / عند الملائك في جنّانهم سجدوا
ثكل الأمومة عند الله حرمته / كحرمة الحقّ لا ستر و لا بعد
ثكل الأمومة عند الله فاتحة / من الكتاب و إيمان و معتقد
ثكل الأمومة حفّ الأنبياء به / يهدهدون من الآلام و احتشدوا
يدعو فتفتح أبوا ب السماء له / و يمسح الدمعتين الواحد الأحد
و أنت أمّ جميل أيّ نازلة / لم تبق رفدا لحزن جاء يرتفد
ما قبل يومك يوم رحت أشهده / له لواء على الأحزان منعقد
لبنان أين ربيع كنت أيكته / يبكي الرّبيع إذا جافى و يفتقد
لا الشمّ كالعهد فيه لهفة / و قرى على النسور و لا الأمواج و الزبد
لا الأرز بعد نوانا مائس عطر / و لا الغصون عليها الطائر الغرد
جيرانك الأنجم الزهراء عاتبة / و كلّ نجم حزين ثاكل حرد
لبنان فيك قبور للسّيوف حمى / هان ففي كلّ قبر صارم فرد
تألّقوا في سماء المجد ما خمدت / رغم العواصف ذكراهم و ما خمدوا
حتّى إذا ضفرت غارا لمفرقهم / أنامل الخلد زان الخلد من خلدوا
أبا جميل .. و قربى بيننا اتّصلت / إلى الجنان .. فدان و هو مبتعد
عدنان عندك في النعمى و لي كبد / عليه بالجمر و الأحزان يتّقد
أحبابنا في جنان الله قد نعموا / لقد شقينا بهم لكنّهم سعدوا
هشّوا إلى ابن أخيهم و هو بينهم / بحاليات صباه كوكب يقد
يا للنجوم قديمات السنى نزلت / على قراها نجوم طلّع جدد
حمّلت عدنان أطياب الحنين فهل / أدّى أمانة ما أشكو و ما أجد
لم أرثه و هو روحي فارقت جسدي / و كيف يبكي و يرثي روحه الجسد
ألمّ بالقبر أغليه و ألثمه / و حولي الساخران : الغيب و الأبد
أحبّتي كلّما غامت طيوفهم / هتفت : لا تبتعدوا عنّي و قد بعدوا
روح الشهيد كنور الله ما همدت / لبث قليلا الظلاّم قد همدوا
حرب على الكفر و الطغيان يضرمها / رأي على الحجّة الزّهراء يعتمد
رموك غدرا و لو صالوا مجابهة / لمزّق الصائدين الضيغم الحرد
سلاحك النّور و الإسلام وحدهما / و منهما العون عند الفتح و المدد
رسالة من أبي الزهراء خالدة / عديدك الفاتح المنصور و العدد
حتّى إذا انهزمت شتّى فلولهم / و مرّغ الجبن زهو الحقّ و الصيد
أشرفت و الدم شمس – راح يحجبها / بكفّه و يواري وجهها الرّمد
لا يخدعنّك زهو الظالمين و إن / تاهت على الفلك الأبراج و العمد
ثلاثة لهوان الدّهر قد خلقوا / ألظالمون و عير الحيّ و الوتد
تكبّر الحقّ أن تلقاه مضطهدا / ألظلم في عنفوان الظلم مضطهد
شمائل الصّيد من قومي معطّرة / بمترف الحق لا غالوا و لا جحدوا
سمحاء لم تدر تهريجا و لا عقدا / فكيف شوّهها التهريج و العقد
تنكرّوا لقديم المجد و هو ضحى / يؤذي العيون و لا يؤذي الضحى الرمد
خطوبهم لا خطوب الدّهر ضاربة / على العروبة إن حلّوا و إن عقدوا
ألهانئون بسلم لا حماة / له فداء من زحموا الجلّى و من نهدوا
القدس سيناء لحد هبّ منتفضا / به الكمأة و خيل الحقّ تطّرد
و رمل سيناء لحد هبّ منتفضا / بكلّ من سقطوا غدرا و ما لحدوا
يصيح ألف صدى في الرّمل منتظرا / أن يستثير الصحارى فارس نجد
أرى الأذلاّء و الهيجاء ساخرة / توعّدوا بالوغى لكنّهم وعدوا
ردّ الأباة على الطغيان غارته / و لم يسلّموا ظبى لكنّهم حقدوا
و كيف أرضى بقوم ألّهوا صنما / و كفّروه و ذمّوا بعد أن حمدوا
حتى إذا راع قصف الرّعد من سمعوا / و راع برق الدّجى أحلام من شهدوا
تكشّف النقع عن أشلاء طاغية / و راح يخطر في غاباته الأسد
أبا جميل أناجي فيك حالية / من الشمائل أغليها و أفتقد
تحوّلت أفقا غير الذي عرفوا / و أنجما في الدّجى غير التي رصدوا
فسلّم الفلك الأسمى على فلك / فيه الكواكب و الأسحار و الرأد
هذي السماء كتاب من شتيت رؤى / فكلّ نجم بها رأى و معتقد
لي عالم يغمر الدنيا و تغمره / و عالم عطر الأسرار منفرد
تخفّ روحي لحاقا في حتوفكم / و يحكم القدر العاتي فتتّئد
ألعيش بعدكم لغو فلا طرب / فيه و لا أمل هان و لا كمد
فيا شقاء فتى آماله رجعت / لأمسه و انطوى يوم و مات غد
عفت الديار و أنكرت قصّادها
عفت الديار و أنكرت قصّادها / حيّا الحيا تلك الديار و جادها
أبلت بشاشتها الخطوب و أقصدت / فرسانها و تخرّمت أجوادها
و أباد فتيتها الزمان و طالما / مرّ الزمان بفتية فأبادها
هي حسرة فازدد و أنت أخو هوى / حقّ الوفاء عليك أن تزدادها
حيّيتهنّ منازلا مهجورة / سبت المنيّة هندها و سعادها
و حبست فيهنّ المطيّ مسائلا / عن أهل ودّك نؤيها و ثمادها
و سكبت ما شاء الهوى بطلولها / حمر الدّموع . أما تخاف نفادها
تلك الدموع قصيدة قد جوّدت / عيناك يوم فراقهم إنشادها
من أنّه الثكلى أخذت رويّها / و من القلوب قد استعرت مدادها
جاءت مهذّبة القوافي ما اشتكت / إبطاءها و زحافها و سنادها
فإذا تلتها العين و هي نديّة / سكر الزمان بلحنها فأعادها
الحزن أرسلها و وقّع لحنها / واختار في شوط القريض جيادها
غرّاء هذّبها و أحكم صنعها / صنع البيان فأتعبت نقّادها
الشعر ما ملك النفوس و هزّها / و أثار ثائرها الكمين وقادها
تتلو الطبيعة في الصباح قصائدا / بذّت بهنّ لبيدها وزيادها
إنّي لتطربني الحمامة أنشدت / فوق الغصون فرنّحت ميّادها
و يهزّني لحن النسيم مقبّلا / نور الخمائل لاثما أورادها
و الصبح مرّ على الربى بحنانه / فكسى بلؤلؤ دمعه أجيادها
والموج يخطب في الصخور مثرثرا / حنقا و ينقم كبرها و عنادها
و الليل غطّى في رداء سكونه / جسم البسيطة شمّها ووهادها
يا نفحة حملت إليّ من الربى / غبّ الرّبيع شقيقها و زبادها
أمّي الجزيرة و اسرقي من غيدها / برد الثغور على الصبا و برادها
ما للجزيرة. لا تفيق من الكرى / طلع الصباح فنبّهي آسادها
ملّ الشعوب من الرقاد و بكّروا / للطيّبات فهل تملّ رقادها
بنت الغزاة الفاتحين تحكّمت / فيها العداة و أحكمت أصفادها
ملكوا عليها الدجلتين و حرّموا / بردى وذادوا بالظبى ورّادها
و كست جنودهم العواصم فارتدّت / ثوب الحداد وودّعت أعيادها
يا للعواصم خطّة مغزوّة / ملك الغريب بياضها و سوادها
الدهر فلّ سيوفها هنديّة / بيضا و حطّم بالقراع صعادها
مدّت إلى الفيحاء كفّ رجائها / متروكة و ترقّبت إسعادها
ما أسرع الفيحاء لولا أنّها / طغت الخطوب فرّيثت أنجادها
و شكت لبغداد الخطوب و ما درت / أنّ الخطوب تعرّقت بغدادها
حبست مياه الرّافدين و حلاّت / عن ورد دجلة لخمها و إيادها
و يح العروبة ! حلّمت أحبابها / ريب الزمان و نزّقت حسّادها
هي جنّة ما ارتادها ذو شرّة / إلاّ و أطمع حسنها مرتادها
كالطير أسكر لحنها صيّادها / فمشى إليها بالردى و اصطادها
ذاك الجمال جنى على أبنائها / ظلما و جلّل بالأذى أحفادها
و لقد أقول لغاصبين مشوا بها / مرحا و أثقلها الشقاء و آدها
هي جذوة حاولتم إطفاءها / و الظلم راح محولا إيقادها
أقبلتم كالمرشدين و ساءكم / بعد الكرى أن تستبين رشادها
قلتم نؤيّد منعة استقلالها / لكنكم أيّدتم استبعادها
إنّ الغزالة لو ملكتم أمرها / لحبستم عن جلّق آرادها
يا عصبة الأمم القوية . حاذري / بأس الضعاف و حزمها و كيادها
لا تأمني بأس الأعراب إنّهم / كادت تفارق بيضهم أغمادها
و كأنّني بالصيد من أمرائها / يوم الحميّة أنكرت أحقادها
و كأنّني بالتاج ألّف شملها / نظما و لمّ نثيرها و بدادها
هلّلت للنشء الجديد و قد مشى / يصلى الحياة و حربها و جهادها
و خشعت للنشء الجديد و قلت ذا / جند الشام فمن يطيق جلادها
حيّيت فيه حماتها أبطالها / يوم النزال كماتها قوّادها
تلك المهار و لا أكابد لوعة / إن مدّ في عمري شهدت طرادها
لا الأمس يسلبك الخلود و لا الغد
لا الأمس يسلبك الخلود و لا الغد / هيهات أنت على الزمان مخلّد
تتجدّد الدّنيا وقلبك وحده / دنيا تعيد شبابها و تجدّد
لك من خيالك عالم متناسق / بهج تعاود خلقه و تجوّد
أمّا البسيطة فهي فيه خميلة / ولع الرّبيع بها و رحت تغرّد
و سكبت في الأنغام قلبك دمعة / لا كالدّموع و رحمة تتنهّد
خلع الحياة على البلى فكأنّه / للبعث من قبل الأوان يمهّد
قيس و ليلى بعد طول كراهمت / ثغر يرفّ ووجنو تتورّد
بعثا كعهدهما القديم فمن رأى / تلك العيون يرفّ فيها الإثمد
في كلّ قافية حياة تجتلى / و منى تضوع و زفرة تتردّد
صور الجزيرة ما جلوت من العلى / و الحسن لا ما أوّلته الحسّد
الحبّ و الخيم المنيفة و القرى / و لبانة عند الغدير و موعد
و سكينة الصحراء إلاّ هازجا / مرحا يعيد حداءه و يردّد
يا شاعر الدّنيا لقد أسكرتها / ماذا تغنّيها و ماذا تنشد
خفّت بزينتها إليك مشوقة / سكرى تعبّ كؤوسها و تعربد
و جلت على الشعراء قبلك حسنها / لكن أراك شهدت ما لم يشهدوا
الزاهدين بها ولو كشفت لهم / سرّ الحياة المجتلى لم يزهدوا
نظروا إلى خير الوجود و حسنه / شزرا كما نظر الضياء الأرمد
أطريت فتنتها فدع في غيّه / من راح يعذل حسنها و يفنّد
العبقريّة شعلة من نارها / حمراء ناضرة اللّظى تتوقّد
و الشّعر و النّغم الشجيّ و رحمة / تسع الوجود و نقمة تتوعّد
يا فتنة الدنيا يذمّك معشر / و الحقّ كلّ الحقّ في أن يحمدوا
ألهب نبوغك في الحياة و حبّها / و أنا الضمين بأنّه لا يخمد
الكنز بين يديك فانثر درّه / إنّي أراه يزيد حين يبدّد
ظلم الجمال أبا عليّ من رأى / أنّ الجمال غواية تتودّد
و سموت في صور النعيم تعدّها / من نعمة الله التي لا تجحد
الحقّ و الإبداع من نفحاتها / و الهير من أسمائها و السؤدد
حبّ الجمال عبادة مقبولة / و الله يلمح في الجمال و يعبد
يا شاعر الدّنيا نديّك حافل / و الجمع مصغ و المواكب حشّد
ينتظرون السّحر من جبّاره / هيهات دون السّحر باب موصد
يشكى إليك و أنت رهن منيّة / و تزار في عنت الخطوب و تقصد
و لقد يرجّى السيف و هو ملثّم / و لقد يهاب اللّيث و هو مصفّد
فاذهب كما ذهب الرّبيع على الرّبى / منه يد و على القلوب له يد
و لك الإمارة في البيان يقرّها / أمس الزّمان و لا يضيق بها الغد
ألفت حرّك لا شكوى و لا سهد
ألفت حرّك لا شكوى و لا سهد / يا جمرة في حنايا الصدر تتّقد
مرّي على كبدي حمراء دامية / يبقى الحنين إذا تسلم الكبد
و ما أضيق بهمّ حين يطرقني / لقد تقاسم حبّي البؤس و الرّغد
إنّي أدلّل آلامي و أمسحها / مسح الشفيق و أجلوها و أنتقد
حتّى تطلّ على الدنيا بزينتها / حسناء تبدو عليها نعمة ودد
بعض الخطوب ظلام لا صباح له / و بعضها الفجر فيه النّور و الرشد
تفجّر الخير منه روضة أنفا / تدعو إلى ظلّها وانين قد جهدوا
إذا هم جرعوا من مائها جرعا / توثّبت عزمات فيهم جدد
و مدلجين أضاء الحزن ليلهم / حتّى إذا انطفأت أحزانهم قعدوا
حادوا عن المحنة الكبرى و لو صحبوا / نيرانها الحمر ما ضلّوا و لا انفردوا
فيم التنكّر للآلام قاسية / إذا تباعد في ميدانها الأمد
ألطالعون على الدنيا بنصرهم / لولا الفواجع هل شدّوا و هل نهدوا
إذا ونوا راح يذكي من عزائمهم / حقد هو العدّة الشهباء و العدد
سقاهم خمرة الآلام فاضطرموا / يستلهمون من الآلام و احتشدوا
أمّا الشعوب و قد ضجّت عواصفها / فصلحب النّصر فيها الثاكل الحرد
لقد تلاقى على الغايات من ظفروا / بالملك في زحمة الدنيا و من حقدوا
إنّ الألى أنكر الأحزان سامرهم / لغو من الناس لا ذموّا و لا حمدوا
إذا تباكوا من البلوى فما عرفوا / حزن المحبّين في البلوى و لا وجدوا
الظامئون و ظنّوا أنّهم ثملوا / و الغائبون و ظنّوا أنّهم شهدوا
لا يبعد الله أحبابا فجعت بهم / و ما علالة قلبي بعدما بعدوا
الناشئون علة نعماء مترفة / تقيّلوا الرمل في الصحراء و اتّسدوا
تلك الجسوم التي حزّ الحرير بها / حريرها في العراء الموحش الزرد
صادين للموت إيمانا و موجدة / فكلّما لاح منه منهل وردوا
على الصحاصح هامات معطّرة / و في الرّمال بنان أفردت و يد
في كلّ منزلة قبر تلمّ به / هوج الرّياح و ينأى الأهل و الولد
مشتّتين فمن أجسادهم مزق / على الأديم و من مرّانهم قصد
مصارع بعطور الحقّ زاكية / كأنّما سكبوا فيها اعتقدوا
حنا السراب عليها و هي ظاكئة / حرّى الجوانح لا غمر و لا ثمد
بموحش من رمال البيد منبسط / يضلّ في شاظئيه الصّبر و الجلد
مسحت دمعي من ذكراهم بيد / و أمسكت كبدي ألاّ تذوب يد
يا خمرة الحزن هذي الكأس مترعة / للشاربين و هذا الشاعر الغرد
إنّ الندامى على عهد الحبيب بهم / لا جانبوا النّشوة الكبرى و لا زهدوا
لا أوحش الله قلبي من مواجعه / و لا تحوّل عن نعمائها الحسد
و لا شفى الله جرحا في سريرته / نديان ينطف منه الخمر و الشهد
فجّرت قلبي رثاء ما وفين به / حقّ الزعيم قواف كالضحى شرد
الناقلات إلى الأجيال ما ظلموا / من الأباة و ما راعوا و ما اضطهدوا
صلى الاله على قبر يطوف به / كبيت مكة من حجّوا و من قصدوا
أغفى أبو طارق بعد السّهاد به / و خلّف الهمّ و البلوى لمن سهدوا
ضاو من السقم ضجّت في شمائله / عواصف الحقّ و الأمواج و الزبد
إذا أثير نضا عنه مواجعه / كما تفلّت من أشراكه الأسد
يروع في مقلتيه بارق عجب / و عالم عبقريّ السحر منفرد
يغالب البشر أسقاما نزلن به / يأبى له الكبر أن يأسى لها أحد
داء ملح و نفس لا تذلّ له / حرب تكافأ فيها البأس و العدد
تلك البشاشة أبلى الدّاء نضرتها / فراح يلمح في نعمائها الكمد
كالغيم يحجب حسن الشمس طالعة / و ما تحوّل عنها الحسن و الرأد
نعمت منك بساعات معطّرة / كأنّها الحلم دان و هو مبتعد
و صحبة كقديم الرّاح لو جليت / لليائسين حميّا كأسها سعدوا
يا خدنة من قراع الدهر دامية / ألا يهدهد من آلامك الأبد
خيل الزعيم تنزّى في شكائمها / ما فاتها قنص في الحيّ أو طرد
عرينة الحقّ في الشهباء منجبة / يروع أنّى التفتّ الظفر و اللّبد
إذا الزعيم تولّى عن شبولتها / حمى الشبولة إخوان له نجد ...
أمّا الشباب فما خانوا رسالته / عند الكفاح و لا حادوا و لا جحدوا
إذا دجت ظلمات اليأس حالكة / شقّ الدجى كوكب من ذكره يقد
حول الزعامة فتيان غطارفة / لا ينقض الدّهر ما شدّوا و ما عقدوا
الساخرون من الأقزام يضحكهم / أن راح يلبس جلد الضيغم النقد
المؤمنون إذا ما بايعوا صدقوا / و الصابرون فإن جدّ الوغى صمدوا
سقتهم كفّ إبراهيم صافية / من خمرة الحقّ تروي كلّ من يرد
ففي الدّماء سعير من سلافتها / عجلان يهدأ أحيانا و يتّئد
بين الجوانح إلاّ أنّه أنف / و في الشمائل إلاّ أنّه صيد
أذكى أبو طارق في الشرق جمرتها / حمراء تلتهم الجلّى و تزدرد
إذا ونت و هتفنا باسمه جمحت / تعيد سيرتها الأولى و تطّرد
فذكره الأمل الهادي إذا انتبهوا / و طيفه الحلم الهاني إذا رقدوا
زعامة الحقّ لا شوهاء يرفعها / على الرّمال الهوى و الزور و الفند
مالي أرى الفرس الشقراء عارية / على المرابط لا تطغى فتنجرد
آب المغيرون جنّت خيلهم مرحا / و آن أن يستريح الفارس النجد
سأل الصبح عن أخيه المفدّى
سأل الصبح عن أخيه المفدّى / أيّها الصبح لن تشاهد سعدا
غيّب الدّهر من سيوف معدٍّ / مشرفيّا حمى وزان معدّا
كلّما عارضوا الصّوارم فيه / كان أمضى شبا وأصفى فرندا
حاسنوا غرّة الصباح بسعد / فعلمنا أيّ الصباحين أهدى
طلعة تفرح العيون و تسبيها / و تغزو القلوب كبرا و مجدا
و حديث كأنّه قطع الروض / تنوّعن أقحوانا ووردا
بدعة الظرف و الأناقة يرضيك / دعابا عفا و يرضيك جدّا
تنهل العين من بشاشة سعد / ريّها و العيون تروى و تصدى
الحضارات في شمائل سعد / إذا سمته الهوان تبدّى
مترف في رجولة و اعتداد / راع زيّا و راع وجها و قدّا
زعم الخصم أنّه مستبد / حبّذا الحكم عادلا مستبدّا
إنّ شرّ الأمور ظلم الجماهير / و أهون بالظلم إن كان فردا
من كسعد و للشباب هواه / قدرة تتعب الخيال و زهدا
يا صفيّ الأحزان تسقي البرايا / كأسها مرّة و تسقيك شهدا
رضيت نفسك الهموم رفيقا / اريحيّا على الشدائد جلدا
بورك الهمّ عبقريّا جوادا / لا كهمّ أعطى قليلا و أكدى
قل لمن يحسد العظيم ترفّق / إنّ خلف الأمجاد همّا و سهدا
من كسعد الملاحم جنّت / و تلقّى حدّ من الهول حدّا
و على راية الشام كميّ / يقحم الدرعين أشقر نهدا
هتكوا حرمة العرين فهاجوا / أسدا دامي البراثن وردا
حشدوا جندهم و أقبل سعد / يحشد البأس و العقيدة جندا
ضاحك الثغر و الضحى مكفهرّ / روّعوه قصفا و برقا و رعدا
و التقينا لا و إيمان سعد / ما تحدّوا بالموت إلاّ تحدّى
ضرب الظلم ضربة رنّحته / فتداعى مزمجرا فتردّى
زعموا أنّه جلاء و ما كان / جلاء بل كان خزيا و طردا
ما على العبد أن يسوّد عار / بدعة العار أن ترى الحرّ عبدا
من كسعد و للنديّ احتدام / جمرة الحرب عنفوانا و وقدا
حمم كالجحيم مستعرات / ردّها حلمه سلاما و بردا
ما حملت الجراح داء ملحّا / بل حملت الجراح غدرا و صدّا
حزّ في قلبك الوفيّ صديق / صار في الندوة الخصيم الألدّا
من يهزّ النديّ بعدك بالخطبة / عصماء تحشد البأس حشدا
ملهم حاضر البديهة تغريه / بأحلى ممّا اصطفى و أعدّا
مترف الفكر و البيان غنيّ / بالآلي يصوغ عقدا فعقدا
يجمع الحقّ و البيان على الخصم / فلمّا تملّك الأمر شدّا
يطعن الطّعنة العفيفة لا / تدمي و لكنّه أباد و أردى
برّأ الله قلب سعد من الحقد / وفاء للكبرياء و حمدا
و بنات الصدور يتعبها الذ / لّ خفاء عن العيون و وأدا
و القويّ النبيل يحنو على الدنيا / و يسمو بها وفاء و ودّا
حنّت الغوطة الرؤوم لسعد / و رواح له عليها و مغدى
طالما باكر الرياحين فيها / و سقاها الندى حنينا و وجدا
و شكى همّه فيا لك شكوى / نوّرت في الرّبى أقاحا و رندا
قال لي و الرّبيع غاف على الزّهر / يذيع الأحلام عطرا و ندّا
و الغروب النديّان في الغوطة المعطار / يحنو على الظلال فتندى
و قطيع من الشياه و رعيان / و أغنّية ترقّ فتردى
ما أحبّ الحياة في غوطة الشام / و أفجع الموت هجرا و فقدا
أيّ ورد للحسن تشتفّه عيني / و يبقى بقدرة الله وردا ..
هل رأت هذه الخمائل فبلي / من رآها عينا و ثغرا و خدّا
هي عندي شمائل و عطور / و قلوب تهوى و دلّ يفدّى
أعشق الحسن دوحة و غديرا / و بيانا سمحا و فجرا مندّى
ما رأى السقم قبل سعد حنانا / و حياء من السّقام و رفدا
كبقايا السيف اطمأنّت إلى الجفن / و راحت تبلى الهويني و تصدا
روعة الشمس في الغروب و لا أعشق / للشمس عنفوانا و رأدا
رنّح الشعر و الكريم طروب / ذكر سعد لا يبعد الله سعدا
و حدونا به المعاني فحنّت / حنّة العيس بالأغاريد تحدى
ما لسعد في الموت يزداد قربا / من فؤادي ما ازداد هجرا و بعدا
و إذا رفّ طيفه في خيالي / رفّ ريحانة من الله تهدى
أنت في خاطري و عيني و قلبي / و على الهجر لا أرى منك بدّا
صور لو ينال من حسنها النّور / لكانت بنور عينيّ تفدى
و أصون الطيوف بين جفوني / لو تطيق الجفون للطّيف ردّا
و أنا الصاحب الوفيّ فما خنت / حبيبا و لا تناسيت عهدا
لم يرعك الزّمان في حالتيه / و تحدّيته و عيدا و وعدل
ما وفيناك بعض حقّك فاعذر / إنّ عذر الكريم أسمى و أجدى
إنّ دين العظيم في كلّ شعب / لا يوفّى و حقّه لا يؤدّى ...
شغل الناس بالعظيم و أرضوا / نزوات النفوس هدما و نقدا
حسدوه على المزايا فكان ال / موت بين الأهواء و الحقّ حدّا
إنّ من ينكرونه و هو حيّ / ربّما ألهوه رمزا و لحدا
ما لأبنائنا تجنّوا علينا / و غفرنا ما كان سهوا و عمدا
أنكرونا على المشيب كأنّا / لم نكن قبلهم غرانيق مردا
حاسبونا على هنات المعالي / ثمّ غالوا بها حسابا و عدّا
نحن روّادكم طلعنا الثنايا / و زحمنا الصعاب غورا و نجدا
و بنينا لكم و نعلم أنّا / لن نملّى به بقاء و خلدا
أيّها النازل المقيم تعهّد / بالرضى و الحنان ركبا مجدّا
قل لشكري العظيم أشرقت في / السدّة يمنا و كبرياء و رشدا
يا أبا الدّولة الفتيّة تبنيها / و يلقى الباني عناء و جهدا
إن حضنت استقلالها و هو في / المهد فما اختار غير نعماك مهدا
لا تخف عثرة عليه و وهنا / بلغ الطفل في حماك الأشدّا
يا وريث الشموس من عبد شمس / ملكوا العالمين روما و هندا
بفتوح هنّ الملوك من العزّ / و بعض الفتوح غرثى عبدّى
أسلم القدس من يحجّ إلى القدس / و يتلو الإنجيل وردا فوردا
إن يناموا عنها نبّه الثأر / على الغوطتين أروع نجدا
مدن القدس كالعذارى سبوها / و أرادوا لكلّ عذراء وغدا
كالسّبايا لطمن خدّا و مزّقن / شفوف الحرير بردا فبردا
ضجّ سوق الرقيق في ندوة القوم / و نخّاسه طغى و استبدّا
يعرضون الشعوب عرض الجواري / عرّيت للعيون نحرا و نهدا
غيرة الله ! أين قومي و عهدي / بهم ينهدون للشرّ نهدا
نعشق القدّ للعوالي و أحببنا / لهنديّة الصوارم هندا
و دفنّا الكنوز يوم دفنّا / في ثراها الآباء جدّا فجدّا
رضي الله عن أخ لك كالسيف / المحلّى يروع نضلا و غمدا
أين سعد ؟ و لا ألوم اللّيالي / و هب الدّهر غاليا و استردّا
أيّ بدع إذا بكيت لسعد / إن بكى السيف حدّه ما تعدّى
لو رأى هذه الدّموع الغوالي / لبكى رحمة وحيّا و فدّى
غاب سعد عن العيون و ما / غاب ضياء يهدي القلوب فتهدى
ثورة في الحياة و الموت جلّت / ثورة الحقّ أن تقرّ و تهدأ
لا تعيدي ألحانه لا تعيدي
لا تعيدي ألحانه لا تعيدي / جلّ ذاك الهوى عن التقليد
نعم البلبل الأسير فقد عاد / إلى أفقه الفسيح المديد
شاعر لا يحدّه الكون ملّت / نفسه ضيق عالم محدود
و رأت جسمه على كرم العنصر / سجّان كنزها المرصود
فهي تقسو عليه تمعن في الهدم / و تأسى لركنه المهدود
فإذا هدّها الصراع اطمأنّت / و نجت في خيالها المصفود
لم يكن موته فراقا و لكن / هذه أوبة الخيال البعيد
عاد للفن ذلك النغم العذب / و آبت حنّانة التغريد
و انطوى في شذى الرّبيع و قد / ضمّ فنون العبير عطر الورد
قوّة من هوى و سحر رمتها / ربّة الشعر في يدي (كوبيد)
كلّما آذن الفناء تنادت / بوجود يطلّ خلف وجود
ملهم الشعر من هوى كلّ نفس / و لبنات كلّ قلب عميد
يتمت بعدك القوافي و ضجّت / باكيات بيومك المشهود
بعض نجواك للمشيب و إن / نزّهت نجواك عن أذى و حقود
يجمع الدّهر من غدائر بيض / حين يسطو و من غدائر سود
و لعلّ الردى أحنّ على الشعر / و أحنى على الصّريع الشهيد
رزئ الشعر فيك عبد الحميد / عبقري القديم عذب الجديد
غزل يسكر النفوس و يدني / ما نأى من خيالها المنشود
و أغان تعيد حبّا و عطرا / ما روته العصور عن داوود
فترشّف منهنّ خمر ثغور / و تنشّق فيهنّ عطر خدود
من قواف كأنّها بسمات / حاليات على شفاه اللغيد
قيّدت بالرويّ بعد انطلاق / نزوات الحنين و التّغريد
كلّما ردّد المغنّون رقّت / و هفا السامعون للترديد
و أطلّت منها فتون ثغور / و لبانات أعين و نهود
و جراحات كلّ قلب ظمئ / و ابتسامات كلّ ثغر برود
و المنى العاريات ألهبها / الشوق فجنّت و لوّحت بالبرود
و حنت تنشد الخلود ليغفو / بين أحضانها إله الخلود
عمر في القصيد من آل نعم / و سليمان قبله في النشيد
و المحبّون بسمة عند ثغر / يتملّى و معصم عند جيد
طال عهدي بالشعر إلاّ لماما / زورة الطيف بعد طول الصدود
و أنا شاعر الشباب و عندي / ما يشاؤون من منى و قصيد
لم أخن عهدهم فحبّي على ما / ألفوه و ذمّتي و عهودي
و الميامين آل جفنة و التّاج / عليهم أبوّتي و جدودي
لا تغرّنك ضحكة من حزين / ضحكات البروق سرّ الرّعود
حبّذا عهدنا على الغوطة الخضراء / و الحسن دائم التجديد
و ليال لنا على الرّبوة المئناف / سكرى نعيمها الموعود
نتهادى على عيون الأقاحي / و نعفو على شفاه الورود
أنشد الشعر و الشباب سكارى / من معيد منهم و من مستزيد
لا أبالي و قد قسوت على الظالم / عسف الدجى و عضّ الحديد
و لئن نالني الشباب بلوم / فبنعمى الشباب أورق عودي

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025