القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 31
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أَجِدُ
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أَجِدُ / أهذهِ صَخرةٌ أم هذهِ كَبِدُ
قدْ يقتلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا / عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا
تَجري على رَسْلِها الدنيا ويَتْبَعُها / رأْيٌ بتعليلِ مَجْراها ومُعْتَقَدُ
أَعْيَا الفلاسفةَ الأحرارَ جَهْلُهمُ / ماذا يُخَبِّي لهم في دَفَّتَيْهِ غَدُ
طالَ التَّمَحُّلُ واعتاصتْ حُلولُهمُ / ولا تَزالُ على ما كانتِ العُقَدُ
ليتَ الحياةَ وليتَ الموتَ مَرْحَمَة ٌ / فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لَبدُ
ولا الفتاةُ بريعانِ الصِّبا قُصِفَتْ / ولا العجوزُ على الكَفَّيْنِ تَعْتَمِدُ
وليتَ أنَّ النسورَ اسْتُنْزِفَتْ نَصَفَاً / أعمارُهُنَّ ولم يُخْصَصْ بها أحدُ
حُيِّيتِ (أمَّ فُرَاتٍ) إنَّ والدةًً / بمثلِ ما انجبتْ تُكْنى بما تَلِدُ
تحيَّةً لم أجِدْ من بثِّ لاعِجِهَا / بُدَّاً وإنْ قامَ سَدّاً بيننا اللَّحدُ
بالرُوحِ رُدَّي عليها إنّها صِلَةٌ / بينَ المحِبينَ ماذا ينفعُ الجَسدُ
عَزَّتْ دموعيَ لو لمْ تبعثي شَجناً / رَجعتُ منهُ لحرَّ الدمعِ أَبْتَرِدُ
خلعتُ ثوبَ اصطبارٍ كانَ يستُرُني / وبانَ كَذِبُ ادَّعائي أنني جَلِدُ
بَكَيْتُ حتى بكا مَنْ ليسَ يعرفُني / ونُحْتُ حتىَّ حكاني طائرٌ غَرِدُ
كما تَفجَّر عيناً ثرةًً حَجَرُ / قاسٍ تفجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَّلِدُ
إنَّا إلى اللهِ! قولٌ يَستريحُ بهِ / ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحَدُوا
مُدي إليَّ يَداً تُمْدَدْ إليكِ يَدُ / لا بُدَّ في العيشِ أو في الموتِ نَتَّحِدُ
كُنَّا كشِقَّيْنِ وافى واحِدا ً قَدَرٌ / وأمرُ ثانيهما مِن أمرهِ صَدَدُ
ناجيتُ قَبْرَكِ أستوحي غياهِبَهُ / عنْ حالِ ضَيْفٍ عليه مُعْجَلاً يَفِدُ
وردَّدَتْ قَفْرَة ٌ في القلب ِ قاحِلة ٌ / صَدى الذي يَبتغي وِرْدَاً فلا يَجِدُ
ولفَّني شَبَحٌ ما كانَ أشبهَهُ / بِجَعْدِ شَعْرِكِ حولَ الوجهِ يَنْعَقِدُ
ألقيتُ رأسيَ في طَّياتِهِ فَزِعَاً / نَظِير صُنْعيَ إذ آسى وأُفْتَأدُ
أيّامَ إنْ ضاقَ صدري أستريحُ إلى / صَدْرٍ هو الدهرُ ما وفّى وما يَعِدُ
لا يُوحِشُ اللهُ رَبْعَاً تَنْزِلينَ بهِ / أظُنُّ قبرَكِ رَوْضَاً نورُهُ يَقِدُ
وأنَّ رَوْحَكِ رُوحٌ تأنَسِينَ بها / إذا تململَ مَيْتٌ رُوحُهُ نَكَدُ
كُنَّا كنَبْتَةِ رَيْحَانٍ تَخَطَّمَها / صِرٌّ فأوراقُها مَنْزُوعَة ٌ بَدَدُ
غَطَّى جناحاكِ أطفالي فكُنْتِ لَهُمْ / ثَغْرَاً إذا استيقظوا عَيْنَاً إذا رَقَدوا
شَتَّى حقوقٍ لها ضاقَ الوفاءُ بها / فهل يكونُ وفاءً أنّني كَمِدُ
لم يَلْقَ في قلبِها غِلٌّ ولا دَنَسٌ / لهُ مَحلاً ولا خُبْثٌ ولا حَسَدُ
ولم تَكُنْ ضرَّةً غَيْرَى لجارتِها / تُلوى لخيرٍ يُواتيها وتُضْطَهَدُ
ولا تَذِلُّ لِخَطْبٍ حُمَّ نازِلُهُ / ولا يُصَعِّرُ منها المالُ والوَلَدُ
قالوا أتى البرقُ عَجلاناً فقلتُ لهمْ / واللهِ لو كانَ خيرٌ أبْطَأَتْ بُرُدُ
ضاقتْ مرابِعُ لُبنان بما رَحُبَتْ / عليَّ والتفَّتِ الآكامُ والنُجُدُ
تلكَ التي رَقَصَتْ للعينِ بَهْجَتُها / أيامَ كُنّا وكانتْ عِيشَةٌ رَغَدُ
سوداءُ تَنْفُخُ عن ذكرى تُحَرِّقُني / حتَّى كأنّي على رَيْعَانِهَا حَرِدُ
واللهِ لم يَحْلُ لي مَغْدَىً ومُنْتَقَلٌ / لما نُعِيتِ ولا شخصٌ ولا بَلَدُ
أين المَفَرُّ وما فيها يُطَارِدُني / والذكرياتُ طَرِيَّاً عُودُها جُدُدُ
أألظلالُ التي كانَتْ تُفَيِّئُنَا / أمِ الهِضَابُ أمِ الماءُ الذي نَرِدُ
أمْ أنتِ ماثِلَة ٌ؟ مِن ثَمَّ مُطَّرَحٌ / لنا ومِنْ ثَمَّ مُرْتَاحٌ ومُتَّسَدُ
سُرْعَانَ ما حالَتِ الرؤيا وما اختلفتْ / رُؤَىً ولا طالَ- إلا ساعة ً- أَمَدُ
مَرَرْتُ بالحَوْر ِ والأعراسُ تملأهُ / وعُدْتُ وهو كمَثْوَى الجانِّ ِ يَرْتَعِدُ
مُنَىً - وأتْعِسْ بها- أن لا يكونَ على / توديعِهَا وهي في تابوتِها رَصَدُ
لعلنِي قَارِئٌ في حُرِّ صَفْحَتِهَا / أيَّ العواطِفِ والأهواءِ تَحْتَشِدُ
وسَامِعٌ لَفْظَةً منها تُقَرِّظُني / أمْ أنَّهَا - ومعاذَ اللهِ - تَنْتَقِدُ
ولاقِطٌ نَظْرَةً عَجْلَى يكونُ بها / لي في الحَيَاةِ وما أَلْقَى بِهَا سَنَدُ
صبوت إلى أرض العراق وبَرْدها
صبوت إلى أرض العراق وبَرْدها / اذا ما تصابى ذو الهوى لربى نجدٍ
بلاد بها استعذبتُ ماء شبيبتي / هوىٍ ولبست العزَّ بُرداً على برد
وصلت بها عمرِ الشباب وشَرخَه / بذكر على قرب وشوق على بعد
بذلت لها حق الوداد رعايةً / وما حفظ الود المقيم سوى الود
سلام على أرض الرُّصافة إنها / مراح ذوي الشكوى وسلوى ذوي الوجد
لها الله ما ابهى ودجلةُ حولها / تلف كما التف السوارُ على الزند
يعطر أرجاها النسيم كأنما / تنفس فيها الروض عن عابق النَّد
هواؤكِ أم نشر من المسك نافح / وأرضك يا بغداد أم جنة الخلد
أحباي بالزوراء كيف تغيَّرت / رسوم هوىً لم يُراعَ جانبهُ بعدي
رَضِينا بحكم الدهر لا جو عيشنا / بصاف ولا حبل الوداد بممتد
كأن لم نحمِّلْ بيننا عاتق الصبَّا / رسائل أعيته من الأخذ والرد
جفوتم ولم انكر جفاكم فلستمُ / بأولِ صَحْب لم يدوموا على العهد
حتى مَ هذا الوعدُ والايعادُ
حتى مَ هذا الوعدُ والايعادُ / وإلام ذا الابراقُ والارعادُ
أنا إن غصصتُ بما أحسُّ ففي فمي / ماء وبين جوانجي إيقاد
يا نائمينَ على الأذى لا شامُكم / شامٌ ولا بغدادُكُمْ بغداد
تلك المروج الزاهراتُ تحولت / فخلا العرينُ وصوّح المرتاد
هُضِمت حقوقُ ذوي الحقوق وُضيِّعت / تلك العهودُ وخاست الآساد
أعزِزْ على الأجدادِ وهي رمائم / أن لا تُعزَّ تراثَها الأحفاد
فزِعت الى تلك المراقد في الثرى / لو كان يُجدي بالثرى استنجاد
قَرِّى شعوبَ المَشرقَيْنِ على الأسى / ميعادُ فكِّ أسارِك الميعاد
أخذوا بأسباب السماء تعالياً / واستنزلوكِ الى الثرى أو كادوا
يسمو الخيال بنا ويسمو جهُدهم / بِهمُ فكلُّ عنده منطاد
ايهٍ زعيم الشرق نجوى وامق / لَهجٍ بذكركَ هزَّهٌ الانشاد
ان فَتَّ في عضُدِ الخِلافة ساعدٌ / فلكَمْ هوت بسواعد أعضاد
ولكم تضرَّت في القلوب عواطفٌ / ثم انثنت وكأنهنَّ رماد
خُطَّت على صفحات عزمك آيةٌ: / إن الحياة ترفعٌ وجهاد
حاطت جلالَك عصبةٌ ما ضرّها / أن أبرقت أن يكثُر الارعاد
أأنا منكم حيث الضُّلوع خوافق / يهفو بها التصويبُ والاصعاد
انا شاعرٌ يبغى الوفاق موِّحد / بين الشُّعوب سبيلُه الارشاد
ما الفرسُ والأعراب إلا كَفتا / عدل . ولا الاتراكُ والأكراد
لم تكفنا هذي المطامع فُرقةٍ / حتى تُفرِّقَ بيننا الأحقاد
ألغات هذا الشرق سيري للعلى / جنباً لجنب رافقتك الضاد
جِدُّوا فان الدهرَ جَدَّا
جِدُّوا فان الدهرَ جَدَّا / وتراكضُوا شِيباً ومُرْدا
وتحاشَدوا خَيرُ التسابق / للعُلى ما كانَ حَشْدا
صولوا بعزم ليس يصدأُ / حدُّه والسيفُ يصدأ
لا تَقعُدوا عن شحنِها / هِمَماً تَئِدُّ الدهرَ أدَّا
أوَلستُمُ خيرَ المواطنِ / موطناً وأعزَّ جُنْدا
فاز امرؤٌ عرف التقلُّبَ / في الليالي فاستعَدَّا
في لَوح ربِّك "آيةٌ " / خُطَّت على من كانَ جلْدا
لا ييأسَنْ من خاب ممسىً / أن ينالَ الأمر مَغدى
ذَلَّ امرؤٌ قعَدَت به / آمالهُ قَيْداً وَشدّا
بَينْا يُمَنِّي المرء خيراً / نفسَه اذ قيلَ أودَى
أينَ الذين اذا انحتْهم / شِدَّةٌ كانوا الأشَدّا
واذا الخطوبُ عَرَتْهُمُ / لم يضْرَعوا للخطب حَدّا
تَخذِوا الثباتَ سلاحَهُمْ / وتدَّرعوا حَزْماً وجِدّا
أبني مَعدَّ بلادُكم / لا تُغضِبوا فيها مَعَدا
وطنٌ مُفَدىً خيرُ ما / حَضَن الفَتى وطنٌ مُفدَّى
" الرافدان " بجانبيه / تجارَيا خمراً وشُهْدا
والزاهراتُ من الرياض / تضوَّعت أرَجاً ونَدّا
وكِسِتْ رُباه يد الطبيعة / من بديعِ الحُسْن بُردا
فَرْدُ الجمال وفي الغُلُّوِ بحبِّه / أصبحتُ فَرْدا
صبّاً نشأتُ وكلَّما / زادتْ سنيني زدتُ وَجْدا
وَطَنٌ اذا ذكروه لي / وبيَ الغليلُ وَجَدت بَرْدا
ولو استَفْفتُ ترابه / لوجدْتُ عيشي فيه رَغْدا
أعزِزْ بأني لا أطيقُ / لما دَهَى وطني مَرَدَّا
" الله " يَشهَد أنني / لم آلُهُ في النصح جُهْدا
لا تأسفَنْ وطني وكُنْ / ثَبْتاً على الأيام صَلْدا
ظُلمْ تَعدَّى حدَّه / والظلم يُردى إن تَعَدّى
" الله " يَجِزي خيرَ ما / جازَى به مولىً وَعبْدا
صِيداً " ليعرب " شَيِّدوا / عزاً وللأوطان مجدا
في ذمةِ الوطنِ الذي / بَذلوا له نَفْساً وَوُلْدا
رُوح بظلمٍ أُزِهقَت / وَدمٌ جَرَى ظُلْماً وَعَمدا
أفَكان عُقْبى مالَقوا / أن زادتِ النفقاتُ عَدّا
ويلي لغلِمة " يَعرُبٍ " / هدَّتْهم الأيامُ هَدّا
الجَور ألحَمَ بُردَة البَلوى / لَهم والضَيمُ سَدَّى
وَيلي لكّفٍ لم تجِدْ / عَضُدأً تصولُ به وزَنْدا
وَيلي لمن كانَتْ لهم / أيّامُهم خَصْماً ألَدّا
من أين دارُوا واجهوا / نكبِاتها سُودا ورُبْدا
هَوَتِ العروشُ كأنما / بعضٌ بشَرِّ البعضِ يُعدَى
فَقَدَتْ " دِمشقٌ " زَهوهَا / وجمالُ " بغدادٍ " تَرَدَّى
وجزيرةُ " العُرب " ازدرَتْ / نُورَ " النبوة " فاستُرِدَّا
باتت بها أحقادُها / يوسِعْنَ خَرقاً لن يُسَدّا
لمنِ المحافلُ جمّة الوُفّادِ
لمنِ المحافلُ جمّة الوُفّادِ / جَلَّ المَقام بها عن الانشادِ
مَنْ زان صدرَ المجلس الأعلى وقد / طفح الجلال بحيثُ فاض النادي
مِن صاحبُ السِّمة التي دَّلت على / أدب الحضارة في جمال البادي
يا نجلِ " سوريا " وتلك مزية / شهِدت بها بمهارة الأولاد
في كل يوم للمحافل رنةٌ / لك من نيويوركٍ إلى بغداد
ما قدرُ هذا الاحتفالِ وإنما / كلُ الزمان محافلٌ ونوادي
تَعْدادُ مجد المرء منقصة إذا / فاقت مزاياه عن التَّعْداد
يا كاشف الآثار زور أهلها / وكفت بذوُرك عندهم من زاد
رُحماكِ بالامم الضَّعاف هوت بها / إحنٌ فَمُدَّ لها يدُ الأسعاد
وأشفق على تلك الجوانح إنها / حُنيت أضالعُها على الأحقاد
وَّجدْ بدعوتك القبائل تهتدي / عن غَيِّها ولكل شعب هادي
إقرأ على " مصر " السلامَ وقل لها / حَيَّتْ رباكِ روائحٌ وغوادي
لا توحشي دارَ الرشيد فانها / وقفٌ على الإبراق والإرعاد
وتصافحي بيد الاخاء فهذه / كفُّ العراق تمُدُ حبل وداد
لا تْرهَبَنَّكِ قسوةٌٌ من غاصبٍ / عاتٍ فان الحق بالمرصاد
لا تَخْدعَنَّك حِليةٌ موهومة / ما أشبه الأطواقَ بالأقياد
ما أنصفوا التاريخ وهو صحائف / بيض نواصع لفعت بسواد
أمثقِفَ القلم الذي آلى على / أن ليس ترجَحُ كفهُ استعباد
ومشَّيداً ركناً يلتجى / منه بأمنعِ ذمة وعماد
أنصِفْ شكية شاعر قد حَّلقت / بالصبر منه فظائع الأنكاد
إني سمعت وما سمعت بمثله / نبأً يرن على مدى الآماد
سورية أمُّ النوابغ تغتذي / هدفَ العداة فريسةَ الأوغاد
تُّضحي على البلوى كما تُمسي وقد / خَفَت الزئيرُ فريسةَ الآساد
لم تكفِها الظُّلَمَ التي / غَشيتْ ولم تَهمُمْ بقدح زناد
أكذا يكون على الوداد جزاؤها / أم لست من ابنائها الأمجاد
حنَّت إليك مرابعٌ فارقتها / لو أن بُعداً هز قلبَ جماد
حدث عن الدنيا الجديدة إنها / أم الشعوب حديثة الميلاد
ماذا تقول غداً إذا بك حدَّقت / خُوْصُ العيون بمحضر الأشهاد
وتساءل الاقوامُ عنّا هل نما / فينا الشعور وما غناء الحادي
وتعجَّبوا من مهبِط الوحي الذي / سمِعوا وليس سوى قرارةِ وادي
وعلمت ما في الدار غيرُ تشاجر / وتطاحن ومذلة وفساد
أتذيع سرّ حضارةٍ ان غُيبَّت / منها السرائر فالرسوم بوادي
" كل المصائب قد تمر على الفتى / فتهون غير شماتة الحُسّاد"
قل إن سُئلتَ عن الجزيرة مُفصحاً / ما أشبهَ الأحفادَ بالأجداد
ما حُوِّلت تلك الخيامُ ولا عَدَتْ / فينا على تلك الطباع عوادي
نارُ القِرى مرفوعةٌ وبجنبها / نارُ الوغى مشبوبةُ الايقاد
أبقيةَ السلف الكريم عجيبةٌ / ما غيرتكِ طوارئ الآباد
ما لوَّثَتْ منك الحقائبُ مسحة / موروثةً لك قبلَ أعصر عاد
ما للحوادث فاجأتكِ كأنها / كانت على وعد من الأوعاد
نام " الرشيد " عن العراق وما درى / عن مصره فرعون ذو الأوتاد
حالت عن العهد البلاد كأنها / لبست لفقدِهُمُ ثياب حِداد
واستوحشت عرصاتُها ولقد تُرى / دارَ الُوفادة كعبة الوُفاد
إذ مُلْكُها غض الشباب وروُضها / زاهي الطراز مفوف الأبراد
وعلى الحِمى للوافدينَ تطلع / بتعاقب الاصدار والايراد
أغرى بها الاعداءَ صيقلُ حسنها / وجنت عليها نَضْرةُ المرتاد
فتساندوا بعد اختلاف مطامع / أن لا يقيمَ الشرقَ أيَّ سناد
وإذا أردتَعلى الحياة دلائلا / لم تلق مثلَ تآلف الأضّداد
إن هزكمْ هذا الشعورُ فطالما / لانَ الحديدُ بضربة الحداد
او تنكروا مني حماسة شاعر / فالقومُ قومي والبلاد بلادي
عَجِلَتْ على وطني الخطوبُ فحتَّمت / ان لا يقَرَّ وسادهُ ووسادي
قلت للمعجَبينَ بابنِ العميدِ
قلت للمعجَبينَ بابنِ العميدِ / ومُساماتهِ لعبدِ الحميدِ
إنَّ هذا وذاك عبادُ أصنام / ومأساةُ سّيدٍ ومسود
هم أناسٌ تولّعوا بالثريدِ / واستُميلوا بزاهياتِ البُرود
وأتَيْنا من بعدِ ألْفٍ نغني / النفسَ في وصف أكلِهِمْ للثَّريد
قد شَغَلْنا افكارَنا بقديمٍ / وَنَسِينا تقديرَ جيلٍ جديد
أن خيرَ الآدابِ ما انهض الشعبَ / وما فكَّ من إسارِ قيود
دعِ النُبلَ للعاجز القُعْدَدِ
دعِ النُبلَ للعاجز القُعْدَدِ / وما اسطعتَ من مَغنمٍ فازْدَدِ
ولا تُخْدَعَنَّ بقولِ الضِعافِ / من الناس أنّك عَفُّ اليد
وأنك في العيش لا تقتفي / خطا الأدنياءِ ولا تقتدي
سفاسفُ تضحك من أمرها / صرامةُ ذي القوةِ الأيّد
فلا تغد طوعاً لأمثالها / متى ما تُغرَّرْ بها تَنْقَد
ولا تَبْقَ وحدَكَ في حِطّة / ومهما يكن سلّمٌ فاصعد
فانك لو كنت محضَ الاباء / ومحضَ الشهامة والسُّودَد
وأصْدَقُ في القول من هُدْهُدٍ / وأخشنُ في الحق من جلمد
وأعطيتَ في الخلق طُهرَ الغمام / وفي الفضل منزلةَ الفرقد
شريفاً تشير إليك الأكفُّ / وتُنْعَتُ بالعَلَمِ المُفْرَد
لما زاد حظُّك من عِيشة / على حظّ ذي العاهةِ المُقْعَد
إليكَ النصيحةَ من مُصْطَلٍ / بنار التجارب مُستَحْصِد
ستطلُبُها عند عضّ الخطوب / عليك بأنيابها الحرّد
رِدِ العيشَ مزدحمَ الضِفَّتَيْنِ / من الغِشّ ملتحمَ المورد
ملياً بذي قوة يَسْتقي / وذي عِفّةٍ مستضامٍ صدي
وجُلْ فيه أروغَ من ثعلبٍ / وأشجعَ من ضيغمٍ مُلْبِد
وكن رجلَ الساعةِ المجتبَى / من اليوم ما يرتجى في غد
وإلا فإنّك من منكد / من العيش تمشي إلى أنكد
ذليلاً متى تمضِ لا يُبتأسْ / عليك وإن تبقَ لا تُنْشَد
وأنت إذا لم تماش الظروفَ / على كل نقص حريبٍ ردي
إذا ما مخضتَ نفوسَ الرجالِ / من الأقربين إلى الأبعد
وأوقفتَ نفسك للمدعين / سموّ المقاصدِ بالمرصد
تيقنتَ أن الذي يدّعون / من المجد للآن لم يُولَد
هم الناسُ لا يفضُلون الوحوشَ / بغير التحيُّلِ للمقْصِد
فلا تأتِ ساحةَ هذي الذئابِ / تُنازِلُها بفمٍ أدرد
وخذ مخلباً لك من غَدْرَةٍ / وناباً من الكِذْبِ فاستأسد
ولا تتديَّنْ بغير الرّياءِ / وغَيْرَ النفاق فلا تعبُد
وصلِّ على سائرِ الموبقاتِ / صلاةَ المُحالِفِ للمسجد
وما اسطعت فاقطع يد المُعْتَدَي / عليه وقبّلْ يدَ المُعتَدي
ومجّدْ وضيعاً بهذي الهِنات / تحدّى مكانهَ ذي المَحتِد
ونفسَك في النفع لا تبلُها / وعَقْلَكَ في الخير لا تُجهِد
يغطّي على شَرَفِ المنتَمى / ويسحق من عزّة المَوْلِد
ويقضي على مُطْرِفِ المكرُمات / ويأتي على الحَسَب المُتلد
مهارشةَ الواغلِ المدّعي / وتهويشةَ المُغْرِضِ المُفسِد
أقول لنفسي وقد عربدتْ / رجالٌ لغاياتها : عربدي
ولا تَحْسَبينيَ في مأزِقٍ / قليلَ الغَنا ضيِّقَ المَنْفْد
وهيهاتَ لا تدركين المنى / بسيرِ أخي مَهَلٍ مُقْصِد
وإنكِ إن لم تواني الحياةَ / بنفس المخُاطِرِ تُستْعْبَدي
ولا بدّ أن تقحمي مقحماً / وإلا فلا بد أن تُطْرَدي
فحِصّةُ مستحفزٍ مجرمٍ / لأشرفُ من حِصّةِ المجتدي
رأيت المغامر في موقف / به يفْتََدي نفسَهُ المفتدي
تناوَلُهُ الألْسُنُ المُقْذِعات / ويعصِفُ بالشتم منه الندى
وحيداً كذي جَرَبٍ مزدَرىً / يروح هضيماً كما يغتدي
ولم يَطُلِ العهدُ حتى انجلت / كوارثُ ما هنّ بالسرمد
فكان الأميرَ وكان الزعيمَ / وكان مثالَ الفتى السّيد
وكان المبَّجلَ عند المغيب / وكان المقَدَّمَ في المشهد
يَلَذُّ لكلِ فمٍ ذكْرُهُ / متى يجْرِ في مَحْفِلٍ يُحْمَد
وكان وأمثالُه عبرةً / على ضوئها يهتدي المهتدي
لو أنَّ مقاليدَ الجَماهير في يدي
لو أنَّ مقاليدَ الجَماهير في يدي / سَلَكتُ بأوطاني سبيلَ التمرُّدِ
إذن عَلِمَتْ أنْ لا حياةَ لأمّةٍ / تُحاولُ أن تَحيا بغير التجدُّد
لوِ الأمرُ في كَفِّي لجهَّزتُ قوّةً / تُعوِّدُ هذا الشعبَ ما لم يُعوَّد
لو الأمرُ في كفِّي لاعلنتُ ثورةً / على كلِّ هدّام بألفَي مشيِّد
على كُلِّ رجعيٍّ بألفَي منُاهضٍ / يُرى اليوم مستاءً فيبكي على الغد
ولكننَّي اسعَى بِرجلٍ مَؤوفةٍ / ويا ربَّما اسطو ولكنْ بلا يَد
وحوليَ برّامونَ مَيْناً وكِذْبَةً / متى تَختَبرهُم لا تَرى غيرَ قُعدد
لعمرُكَ ما التجديدُ في أن يرى الفَتى / يَروحُ كما يَهوَى خليعاً ويغتَذي
ولكنَّه بالفكر حُرّاً تزَينهُ / تَجاريبُ مثل الكوكَبِ المُتَوقِّد
مشَتْ اذ نضَتْ ثَوبَ الجُمود مواطنٌ / رأت طَرْحَهُ حَتماً فلم تَتردَّد
وقَرَّتْ على ضَيْم بلادي تسومُها / من الخَسف ما شاءَتْ يدُ المتعبِّد
فيا لك من شعبٍ بَطيئاً لخيرِه ِ / مَشَى وحثيثاً للعَمَى والتبلُّد
متى يُدْعَ للاصلاح يحرِنْ جِماحُه / وان قيد في حبل الدَجالةِ يَنْقد
زُرِ الساحةَ الغَبراء من كل منزلٍ / تجد ما يثير الهَمَّ من كلِّ مَرقد
تجد وَكرَ أوهامٍ وملقَى خُرافةٍ / وشَتّى شُجونٍ تَنتهي حيثُ تَبتدي
هم استسلموا فاستعبَدتْهم عوائدٌ / مَشت بِهمُ في الناس مشيَ المقيَّد
لعمْركَ في الشعب افتقارٌ لنهضةٍ / تُهيِّجُ منه كل اشأمَ أربد
فإمّا حياةٌ حرّةٌ مستقيمةٌ / تَليقُ بِشَعبٍ ذي كيان وسؤدُد
وإمّا مماتٌ ينتهَي الجهدُ عِندَهُ / فتُعذَرُ فاختر أيَّ ثَوْبيَك ترتدي
وإلا فلا يُرجى نهوضٌ لأمّةٍ / تقوم على هذا الأساس المهدَّد
وماذا تُرَجِّي من بلاد بشعرة / تُقاد وشَعب بالمضلِِّّين يَهتدى
اقول لقَومٍ يجِذبون وراءهُم / مساكين أمثالِ البَعير المعبَّد
اقاموا على الأنفاس يحتكرونها / فأيَّ سبيلٍ يَسلُلكِ المرءُ يُطردَ
وما منهمُ الا الذي إنْ صَفَتْ له / لَياليه يَبْطَر او تُكَدِّرْ يُعربِد
دَعوا الشعبَ للاصلاح يأخذْ طريقَه / ولا تَقِفوا للمصلحينَ بمَرْصَد
ولا تَزرعوا اشواككم في طريقه / تعوقونه .. مَن يزرعِ الشوكَ يَحصِد
أكلَّ الذي يشكُو النبيُّ محمدٌّ / تُحلُونَه باسم النبيِّ محمّد
وما هكذا كان الكتابُ منزَّلاً / ولا هكذا قالت شريعةُ لَموعد
اذا صِحتُ قلتُم لم يَحنِ بعد مَوعد / تُريدون إشباعَ البُطون لمَوعد
هدايتَك اللهمَّ للشعب حائراً / أعِنْ خُطوات الناهضين وسدِّد
نبا بلساني أن يجامِلَ أنني / أراني وإنْ جاملتُ غير مُخَلَّد
وهب أنني أخنَتْ عليَّ صراحتي / فهل عيشُ من داجَي يكون لسرمَد
فلستُ ولو أنَّ النجومَ قلائدي / أطاوع كالأعمى يمين مقلدي
ولا قائلٌ : اصبحتُ منكم وقد أرى / غوايَتكم او انني غير مهتدي
ولكنني ان أبصِرِ الرشد أءتمرْ / به ومتى ما احرزِ الغي أبعد
وهل انا الا شاعر يرتجونَه / لنصرة حقٍ او للطمةِ معتدي
فمالي عمداً استضيمُ مواهبِي / وأورِدُ نفساً حُرَّةً شرَ مَورد
وعندي لسانٌ لم يُخِّني بمحفِلٍ / كما سَيْف عمروٍ لم يَخنُه بمشْهَد
جِدُّوا فان الدهرَ جَدَّا
جِدُّوا فان الدهرَ جَدَّا / وتراكضُوا شِيباً ومُرْدا
وتحاشَدوا خَيرُ التسابق / للعُلى ما كانَ حَشْدا
صولوا بعزم ليس يصدأُ / حدُّه والسيفُ يصدأ
لا تَقعُدوا عن شحنِها / هِمَماً تَئِدُّ الدهرَ أدَّا
أوَلستُمُ خيرَ المواطنِ / موطناً وأعزَّ جُنْدا
فاز امرؤٌ عرف التقلُّبَ / في الليالي فاستعَدَّا
في لَوح ربِّك "آيةٌ " / خُطَّت على من كانَ جلْدا
لا ييأسَنْ من خاب ممسىً / أن ينالَ الأمر مَغدى
ذَلَّ امرؤٌ قعَدَت به / آمالهُ قَيْداً وَشدّا
بَينْا يُمَنِّي المرء خيراً / نفسَه اذ قيلَ أودَى
أينَ الذين اذا انحتْهم / شِدَّةٌ كانوا الأشَدّا
واذا الخطوبُ عَرَتْهُمُ / لم يضْرَعوا للخطب حَدّا
تَخذِوا الثباتَ سلاحَهُمْ / وتدَّرعوا حَزْماً وجِدّا
أبني مَعدَّ بلادُكم / لا تُغضِبوا فيها مَعَدا
وطنٌ مُفَدىً خيرُ ما / حَضَن الفَتى وطنٌ مُفدَّى
" الرافدان " بجانبيه / تجارَيا خمراً وشُهْدا
والزاهراتُ من الرياض / تضوَّعت أرَجاً ونَدّا
وكِسِتْ رُباه يد الطبيعة / من بديعِ الحُسْن بُردا
فَرْدُ الجمال وفي الغُلُّوِ بحبِّه / أصبحتُ فَرْدا
صبّاً نشأتُ وكلَّما / زادتْ سنيني زدتُ وَجْدا
وَطَنٌ اذا ذكروه لي / وبيَ الغليلُ وَجَدت بَرْدا
ولو استَفْفتُ ترابه / لوجدْتُ عيشي فيه رَغْدا
أعزِزْ بأني لا أطيقُ / لما دَهَى وطني مَرَدَّا
" الله " يَشهَد أنني / لم آلُهُ في النصح جُهْدا
لا تأسفَنْ وطني وكُنْ / ثَبْتاً على الأيام صَلْدا
ظُلمْ تَعدَّى حدَّه / والظلم يُردى إن تَعَدّى
" الله " يَجِزي خيرَ ما / جازَى به مولىً وَعبْدا
صِيداً " ليعرب " شَيِّدوا / عزاً وللأوطان مجدا
في ذمةِ الوطنِ الذي / بَذلوا له نَفْساً وَوُلْدا
رُوح بظلمٍ أُزِهقَت / وَدمٌ جَرَى ظُلْماً وَعَمدا
أفَكان عُقْبى مالَقوا / أن زادتِ النفقاتُ عَدّا
ويلي لغلِمة " يَعرُبٍ " / هدَّتْهم الأيامُ هَدّا
الجَور ألحَمَ بُردَة البَلوى / لَهم والضَيمُ سَدَّى
وَيلي لكّفٍ لم تجِدْ / عَضُدأً تصولُ به وزَنْدا
وَيلي لمن كانَتْ لهم / أيّامُهم خَصْماً ألَدّا
من أين دارُوا واجهوا / نكبِاتها سُودا ورُبْدا
هَوَتِ العروشُ كأنما / بعضٌ بشَرِّ البعضِ يُعدَى
فَقَدَتْ " دِمشقٌ " زَهوهَا / وجمالُ " بغدادٍ " تَرَدَّى
وجزيرةُ " العُرب " ازدرَتْ / نُورَ " النبوة " فاستُرِدَّا
باتت بها أحقادُها / يوسِعْنَ خَرقاً لن يُسَدّا
قُمْ حِّي هذي المنشآت معاهدا
قُمْ حِّي هذي المنشآت معاهدا / الناهضاتِ مع النُجومِ خوالدا
الشامخاتِ أنوُفهن إلى السما / والمطلعاتِ لفرقَدين فَراقدا
والفاتحاتِ على الخلودِ نوافذاً / والمجرياتِ مع الحياة روافدا
قم حيِّهنَّ ببعثِ شعب واثقاً / وَتَرضَّهُنَّ بخَلق جيلٍ جاهدا
جَلَّتْ بُنىً تَلدُ الرجال وقُدست / غُرفٌ تَبوَّأها الخلودُ مقاعدا
قم حييِّ هذي الموحيات صوامتاً / واستنطِقِ الحَجَرَ البليغ الجْامدا
واخلَعْ عليهنَّ المواهبَ تُجتلى / لا النثَرَ لا الشعرَ المعادَ قلائدا
يا بنتَ رسطاليسَ امُّكِ حرَّةٌ / تلد البنينَ فرائداً وخرائدا
وأبوكِ يحتضنُ السرير يَرُبُّها / ويقوتُها قلباً وذهنا حاشدا
مَشَتٍ القرونُ وما يزالُ كعهده / في أمسِ " مشاءً " يعودُ كما بدا
يستنزلُ الخَطراتِ من عَليائها / عُصْماً ويُدني العالمَ المتباعدا
لم يقتنصنْ جاهاً ولاسامَ النُهى / ذُلاً ولا اتخذَ الحريرَ وسائدا
جلَّ النُهى . الفكر أعظمُ عصمةً / من أنْ يُريدَ وصائفاً وولائدا
يا بنتَ رسطاليسَ قُصِّي نستمعْ / عن عاشِقيكِ أقارباً وأباعدا
عن واهبينَ حياتَهم ما استُعبِدوا / للشاكرين ولم يَذُموا الجْاحدا
والصاعدينَ إلى المشانق مثلما / ارتَقتِ النُّسورُ إلى السماءِ صواعدا
ومُحَرَّقين يُغازلون وَقودَها / شوقاً إليكِ ويَحمَدون الواقدا
والمُسمَلات عُيونُهم وكأنهم / بطيُوف شخصك يكحلون مراودا
قُصِّي فَدَيتُك من لَعوب غَضةٍِ / تَصِفُ القُرونَ مَخابراً ومَشاهداً
إني وَجدْتُ – وللشبابِ حدودهُ - / أشهى بناتِ الفكر أقصاها مَدى
فتخلّعي نجدِ الفُهومَ عَوارِياً / وتَبَسمي نجد الفُنونَ نضائدا
وتطلَّبي نُزْجِ النفوسَ عزيزةً / هَدياً وننتظمُ القُلوبَ قصائدا
يا بنت رسطاليس لُحتِ " بواسط " / فَنزَلت " حيّاً " بالصبابة حاشدا
خصبَ الشُعور ستَحَمدين مولَّهاً / من أهله ومُغازلاً ومُراوِدا
إيهٍ " بلاسمُ " والمفاخرُ جَمةٌ / أحرزتَ مَنهُنَّ الطريفَ التالدا
أحرزتَ مجداً ليس ينفدَ ذكرهُ / طولَ المدى وبذلتَ كنزاً نافِدا
ذكرٌ يظَلُّ بكل خطوٍ يرتَمي / للصف او جرَسٍ يُدقُّ معاودا
خَبِّرْ فقد جُبتَ الحياةَ رخيَّةً / خضراء َ لم تكذِبْ لعينك رائدا
وحَلبتَ من غَفلات دهرِك شطرَها / وَقنَصتَ من مُتع النَعيم الشاردا
وانسَبْتَ في غُدرُ اللذائذ خائضاً / وخَبَرتَهن مصادِراً ومَواردا
أعرَفْتَ كالأثر المخلَّدِ لذةً / جازَتْ مخَلِّدها فكان الخالدا
لله درُّك من كريمٍ أنعَشَت / كفّاهُ روحاً من نبوغ هامدا
نَفَّقتَ من عَذَبات صبيان الحِمى / عِلْقاً بمُنعَرج الأزقةِ كاسدا
إني وَجدتُ مواهباً مطمورةً / كالزراع أينعَ لمُ يصادفْ حاصدا
ولربَّ أشعثَ لأغبرٍ ذي هامة / تُلقي على كَتَفيهِ ثقلاَ آيدا
ألوى به فَقرٌ فنكَّب خطوَة / جَهلٌ فزلَّ عن الفضيلةِ حائدا
قد راحَ يبعَثُ بالتعاسةِ راحماً / قد كان لولا ذاكَ يرجِعُ حاسدا
قُتِلَ العُقوقُ فكم قَتَلنا نابغاً / بين البُيوتِ وكم وأدنا قائدا
اولاء حمدُك عاقِباً عن عاقبٍ / أتريدُ احسنَ من اولئك حامدا
سيقولُ عنك الدهرُ : ثَمَةَ ماجدٌ / في الرافدين شأى الكريم الماجدا
هل غيرُ أن رُمتَ الثناء كما ادعي / نَفَرٌ وأن أنْبَهتَ ذكرَكَ عامدا
مجداً على مجد فتلكَ طَماحةٌ / يمشي عليها المجدُ نحوكَ قاصدا
كذَبوا فان الأكرمينَ طرائدٌ / للمَكْرُماتِ وإنُ حسِبنَ طرائدا
وإذا صدقتُ فللخلودِ مصايدٌ / أبداً تَلَقَّفُ من أتاه صائدا
يمشي الكريمُ مع التكرُّم توأماً / صنوٌ يسددُ خطوَ صنوٍ عائدا
حتى إذا بلغَ الجميلُ أشُدَّه / سارَ الكريمُ إلى المكارم فاردا
ما كان باللُغزِ الخلودُ وإنما / كان النفوسَ نوازلاً و صواعدا
هل غيرُ آلافٍ تروحُ كما اغتدت / بيَدى سواكَ طرائقاً وبدائدا
تغدو إلى مطمورةٍ إن لم تَرُحْ / للهوِ دوراً والقِمارِ موائدا
احييتَهُنَّ فكانَ عدلاً ناطقاً / هذا الجمادُ على سمِّكَ شاهدا
وضممتَهُنَّ لبعضِهنَّ مجْهِّزاً / جيشاً ترُدُّ به الوَباءَ الوافدا
الجهلَ : اكرمُ ذائدٍ عن موطنٍ / من راحَ فيه عن الجهالةِ ذائدا
أعطيتَ حقَّ العلمِ أوفاها ندى / ومدَدتَ للتعليم أزكاها يَدا
فاعطِ المعلمَ يا " بلاسمُ " حقهُ / واعضُدْ فقد عَدِمَ المعلمُ عاضداً
لو جازَ للحر السُجودُ تعبًّداً / لوُجدتُ عبداً للمعلِّم ساجدا
للمُتعَب المجهودِ في يَقظاتِهِ / والمرَتعي طيفَ المتاعبِ هاجدا
والمثُخنِ المجهولِ لم يَنشُد يداً / تأسوا الجْراحَ ولا تَطلَّب ناشدا
والمستبيحِ عُصارةً من ذهنِهِ / يغذو الألوفَ بها ويُحسبُ واحدا
قل للمعلم راجياً لا راشداً / كن للشبيبةِ في المزالقِ راشدا
يا خالقَ الأجيالِ أبدِِعْ خَلْقَها / وتَوَّق بالإبداع جيلاً ناقدا
سيقولُ عهدٌ مقبلُ عن حاضرٍ / نُشوى عليه : لُعنتَ عهداً بائدا
ولسوفَ يبرأ عاقبٌ عن أهلهِ / ولسوفَ يَتَّهِمُ البنونَ الوالدا
قل للشبيبة حينَ يعصِفُ عاصف / ألا يَظلُّوا كالنسيمِ رواكدا
وإذا اغتَلَتْ فينا مراجلُ نقمةٍ / ألا يكونوا زمهريراً باردا
هيِّئ لنا نشءاً كما انصَبَّ الحيا / لُطفاً ونشءاَ كالزلازل راعدا
فلقد رأيتُ اللهَ يخلُق رحمةً / مَلَكاً ويخلُقُ للتمردِ ماردا
ومحمداً ما إنْ أهابَ بجيشهِ / يطأ البلادَ روابياً و فدافدا
ويكُبُّ جباراً ويُعلي مُدقعاً / ويُنيرُ خابطةً ويُنهضُ راقدا
لو لم يعبّئ للقيادةِ ثائِراً / حَنِقأً على نُظُمٍٍ بَلينَ وحاردا
ما إن يروحُ مع الضعيف مُطاوعاً / من لا يروحُ على القويِّ معاندا
وأذلُّ خلقِ اللهِ في بَلَدٍ طغت / فيه الرزايا من يكونُ محايدا
نشءٌ يقوِّمُ من زمانٍ فاسدٍ / لا كالزمانِ يكونُ خَلْقاً فاسدا
عُلِّمْتُمُ فُرْضَ الحسابِ فأنتُمُ / أدرى بِهنَّ فوائداً وعوائدا
ما إن تُعجِّلُ جيلٍ ناقصاً / إلاّ تحمَّلَ من عناءِ زائدا
أطلِقْ يدَ التحليل في تاريخهم / حراً وفكَّ من العِقال أوابدا
لابُدَّ من فَهم الحياةِ مَعايباً / ومفاخِراً ولذائذاً وشدائدا
جنباً إلى جنبٍ يُتمِّمُ بعضها / بعضاً كما انتظَم الجُمانُ فرائدا
علِّمْهُ حُبَّ الثائرين من الورى / طُرّاً وحُبَّ المخلصينَ عقائدا
واجْلُ الشٌّعوبَ كرائماً لا تَنتَقِصْ / شعباً ولا تَقحَمْ عليه شواهدا
واجلُبْ له أمسٍ البعيدَ مَراجِعاً / وألِحْ له أمسِ القريبَ مساندا
أرِه لثورته عِظامَ جماجمٍ / وابعَثْ له زنداً أطنَّ وساعدا
وإذا تقصَّاكَ الدليلُ مسائلاً / عن أيّ شيءٍ أعقَبَتْ ومناشدا
فابعثْ له الاشباحَ يشهدْ عندَها / ما يستفِّز مًطالعاً ومُشاهدا
يشهدْ خيالاً عارياً ومُجَوَّعاً / من أهلهم ومُضايقاً ومُطارَدا
أصِلحْ بنهجِك منهجاً مُستعبداً / صُنعَ الغريبِ على الثقافةِ حاقدا
قالوا : قواعدُ يبتنيها غاضبٌ / وسْطَ العراق على الكرامةِ قاعدا
تحتلُّ منه مشارفاً ومَناهلاً / وتَسدُّ منه مسالكاً و منافذا
ساقَتْ جُيوشَ الموبقاتِ حواشداً / للرافدين مع الجيوشِ حواشدا
ما كان أهونَ خطبَهُ مستعمراً / لو لم يُقِمْ وسْط العقولِ قواعد
لمن الصُّفوف تحفُّ بالأمجاد
لمن الصُّفوف تحفُّ بالأمجاد / وعلى من التاج الملمع باد
ومن المحلّى بالجلال يزينه / وقر الملوك وسحنة العبّاد
ليت الرشيد يعاد من بطن الثرى / ليرى الذي شاهدت في بغداد
حيث الملوك تطلعَّت تّواقة / لك والوفود روائح وغوادي
وعلى المواكب من جلالك هيبة / غصَّ الصعيد بها وماج الوادي
شّوال جئت وأنت أكرم وافد / بالعيد تسعد كعبة الوفّاد
أما العراق فلست من أعياده / وعليه للأرزاء ثوب حداد
ملك العراق هناك ملك أنه / وقف على سبط النبي الهادي
زف العراق إلى علاك سلامه / ما بين حاضر ربعه والبادي
يدعوك للأمر الجليل ولم تزل / ترجى ليوم كريهة ونآد
فكَّ العراق من الحماية تحيه / وامداد لسورّيا يد الإسعاد
عجباً تروم صلاح شعبك ساسة / بالأمس كانوا أصل كلِّ فساد
صرِّح لهم بالضدِّ من آمالهم / أولست ممن أفصحوا بالضاد ؟
قم ماش هذا الشعب في خطواته / لا تتركن وطني بغير سناد
ألله خلفك والجدود كلاهما / وكفاك عون الله والأجداد
هذي الرقاب ولم تعوَّد ذلة / تشكو إليك نكاية الأصفاد
علت الوجوه الواضحات كآبة / ومحا الذبول نضارة الأوراد
والرافدان تماوجا حتى لقد / أشفقت أن يثبأ على الأسداد
ولقد شجاني أن ترى في مأتم / أمَّ الخلائف مرقد الأسياد
سل عن تشرشل كيف جاذبه الهوى / حتى استثار كوامن الأحقاد
هيهات من دون الذي أمَّلته / وقع السُّيوف ووثبة الآساد
ومواطن حدبت على استقلالها / بالسيف ترضعه دم الأكباد
يكفيكمو بالأمس ما جرَّبتم / فدعوا السيوف تقرُّ في الأغماد
أبني الشعوب المستضامة نهضة / ترضي الجدود فلات حين رقاد
هذا تراث السالفين وديعة / لا تخجلوا الأجداد في الأحفاد
إن كان طال الأمدُ
إن كان طال الأمدُ / فبعد ذا اليومِ غدُ
ما آن أن تجلو القذى / عنها العُيون الرَّمد
أسياُفُكم مرهفة / وعزمُكم متقد
هبوا كفتكم عبرة / أخبار من قد رقدوا
هبوا فعن عرينه / كيف ينام الأسد
وثورة بل جمرة / ليعرب لا تخمد
أججها إباؤهم / والحر لا يستعبد
لا تنثني عن بلد / حتى يشب البلد
خفوا إلى الداعي / وفي الحرب جبالاً ركدوا
واستبشروا بعزمهم / فهلهلوا وغردوا
وأقسموا الى العدى / أن لا يلين المقود
يأبى لكم أن تقهروا / عزمكم والمحتد
إن كان أعيا مورد / غير الأذى لا تردوا
أو كان لا يجديكم / قربى لهم فأبتعدوا
كم جلب الذل على / المرء حسام مغمد
زيدوا لقاحاً حربكم / لعل عزاً تلد
إياكم والذل إن / جرحه لا يضمد
وللفرات نهضة / مشهودة لا تجحد
هاجوا بها لا لعب / فيما أتوا أودد
غطارف من الظبا / صرح لهم ممرد
وفتية على المنى / أو المنايا احتشدوا
ناديهم الحرب وصهوة / الجياد المقعد
لو أوردوا على ظماً / بذلة ما وردوا
من كل مشتد الحصاة / رأيه مستحصد
ناشد بذاك عوجة / ومثلها يستنشد
هل اشتفت من العدى / أم بعد فيها كمد؟
وهل درت أبناؤها / أن الثنا مخلد
هم عمروها خطة / يصلى بها وتحمد
خالدة ما ضرهم / أنهم ما خلدوا
وللقطار وقعة / منها تفز الكبد
ما تركوا حتى الحديد / سلسلوا وقيدوا
مر وقد تحاشدت / عديده والعدد
كأنما لسانه / خطيب جمع مزبد
كأنه آلى على / أن لا يطول المدد
تكاد من هيبته / صم الجبال تسجد
تحتثه النار كما / بالروح سار الجسد
لم يلف إلا موعدا / فمبرق ومرعد
حتى إذا ما أجل / دنا وحان الموعد
لم ينجه من الردى / حديده الموطد
هيهات يغني عن / قضاء زبر مصفد
من بعد ما قد / أبرم الأمر قدير أوحد
هناك لو قد وجدوا / سم خياط نفدوا
واستنجد وأين من / حين النفوس المنجد
ملحمة تشكر مصليها / الوحوش الشرد
ودعوة مشهودة / تدعو ليوم يشهد
قام بها مقلد / بعزمه مجتهد
" محمد " ومعجز / مثلك يا " محمد "
ألقحتها شعواء لا / يطاع فيها السيد
يرون أقصى مطمع / في الحرب ان يستشهدوا
كأنما ليست لهم / نفوسهم والولد
حتى إذا ما ويلسن / ضاقت بها منه اليد
ولم يجد ليناً بهم / وهل يلين الجلمد
وما رأى ذنباً سوى / أن حقوقا تنشد
وأنهم أولى بما / قد زرعوا أن يحصدوا
سواعد مفتولة / بعزمها تعتضد
وهمة شماء لا / ينال منها الفرقد
مال إلى الحق ولم / يكن لحق يرشد
وقال : هذا عاصف / هب وبحر مزبد
وجذوة تلهم من / أطرافها ما تجد
ولست أقوى حمل ما / تنوء عنه الكتد
يا ثورة العرب انهضي / لا تخلقي ما جددوا
لا عاش شعب أهله / لسانهم مقيد
سيان عندي مقول / أو مرهف مجرد
أفدي رجالاً أخلصوا / لشعبهم واجتهدوا
كم خطبة نفاثة / فيها تحل العقد
ومقول قصر عن / تأثيره المهند
هذا لساني شاهد / عدل متى تستشهدوا
أن لا تزال أضلعي / تطوى على ما تجد
عهداً أكيداً فثقوا / أني على ما أعهد
صبراً وما طاب لكم / مرعاكم والمورد
صبراً وما عودتموا / من قبل أن تضطهدوا
إن رفعت رواقها / الحرب فأنتم عمد
وأنتم إذا الوغى / أعوزه من يوقد
نيران حرب يصطلي / الأدنى بها والأبعد
مواطني شقت وأبناء / السقوط " سعدوا
يا أخوتي كل الذي / أملتموه بدد
نصيبكم من كل ما / شيدتموه النكد
تتركوا تأرمنوا / تنكلزوا تهندوا
أولا فان عرضكم / ومالكم مهدد
قد أكلت نتاج / أقوامي أناس جدد
اخو الشعور في العراق / ضائع مضطهد
يحت من فؤاده / ما لا يحت المبرد
يومٌ من العُمْرِ في واديكِ مَعدودُ
يومٌ من العُمْرِ في واديكِ مَعدودُ / مُستوحِشاتٌ به أيَّاميَ السُودُ
نزلتُ ساحتَكِ الغنَّاءَ فانبعثَتْ / بالذكرياتِ الشَّجيَّاتِ الأناشيد
واجتَزتُ رغمَ الليالي بابَ ساحرةٍ / مرَّ الشبابُ عليه وهو مسدود
قامَتْ قِيامتُه بالحُسْنِ وانتشرتْ / فيه الأهازيجُ والأضواءُ والغيد
ما وحدَهُ غرَّدَ الشادي لِيرْقِصَهُ / الماءُ والشجرُ المهتزُّ غِرِّيد
واد هو الجَّنةُ المحسودُ داخلُها / أو أنَّه من جِنان الخُلدِ محسود
ثقي " زحيْلةُ " أنَّ الحسْنَ أجمَعَهُ / في الكونِ عن حُسنكِ المطبوعِ تقليد
أنتِ الحياةُ وعمرٌ في سواكِ مضى / فإنما هو تبذيرٌ وتبديد
أقسمتُ أُعطي شبابي حقَّ قيمتهِ / لو أنَّ ما فاتَ منه اليومَ مردود
وكيفَ بي ونصيبُ المرء مُرْتَهَنٌ / به ومَغْنَمُهُ في العُمْرِ محدود
لم يأتِ للجَبَلْينِ العاطفَيْنِ على / واديكِ أبهى وأنقى منهُ مولود
زَفَّتْ له مُتَعُ الدُّنيا بشائرَها / واستقبلَتْهُ مِن الطيرِ الأغاريد
أوفى عليه يَقيهِ حَرَّ هاجرةٍ / سُرادِقٌ من لطيفِ الظلِّ ممدود
بالحََوْرِ قامَ على الجنبينِ يحْرُسُهُ / مُعَوَّذٌ من عُيونِ الناسِ مرصود
تناولَ الأفْقَ معتزّاً بقامتهِ / لا ينثني فَنَنٌ منه ولا عود
يقولُ للعاصفاتِ النازلاتِ بهِ / إليكِ عنيّ فغيرُ " الحَوْرِ " رِعديد
صُنْعُ الطبيعةِ بالأشجارِ وارفةً / لَهُ وبالنَّهَرِ الرّقراقِ تحديد
خَصَّتْهُ باللُطفِ منها فهو مُنْبَعِثٌ / ورُبَّ وادٍ جَفتْهُ فهو موءود
طافَ الخيالُ على شَتَّى مظاهرهِ / واستوقَفَتْني بهِ حتَّى الجْلاميد
تَفَجَّرَ الحجرُ القاسي بهِ وبدا / في وَجْنَةِ الصَّخرةِ الصَّماءِ توريد
تجري المياهُ أعاليهِ مُبعَثرَةً / لها هُنالكَ تصويبٌ وتصعيد
حتى إذا انحدَرَتْ تبغي قَرارتَهُ / تَضيقُ ذرعاً بمجراها الأخاديد
استقبلَتْها المجاري يَسْتَحِمُّ بها / زاهي الحصى فَلهُ فيهنَّ تمهيد
فهُنَّ في السفحَِّْ عَتْبٌ رقَّ جانبُهُ / وهن يزفُرْنَ فوقَ الصخرِ تهديد
ما بينَ عَيْنٍ وأُخرى فاضَ رَيِّقُها / أنْ تُلْفَتَ العينُ أو أنْ يُعطَفَ الجْيد
هذي " المسيحيَّةُ " الحسناءُ تكَّ على / شرعِ " المسيحِ " لها بالماءِ تعميد
كأنَّها وعُيونُ الماءِ تَغْمُرُها / مُستْنزَفُ الدَّم مِن عِرْقَيْهِ مفصود
بُشرى بأيلول شَهرٍ الخْمرةِ اجتَمَعَتْ / على العرائشِ تَلْتَمُّ العناقيد
للهِ درُّ العَشِيَّاتِ الحِسانِ بها / يُسْرِجْنَ ظُلمتَها الغِيدُ الأماليد
لُطْفُ الطبيعةِ محشودٌ يتّمِمُهُ / جمعٌ لطيفٌ من الجنسَيْنِ محشود
في كلِّ مُقهىً عشيقاتٌ نزلنَ على / " وادي الغرامِ " وعُشَّاقٌ معاميد
تدورُ بينهُمُ الأقداحُ لا كَدَرٌ / يعلو الحديثَ ولا في العيشِ تنكيد
الرَّشْفَةُ النزرُ من فرط ارتياحِهِمِ / كأسٌ مُفايَضَةٌ والكأسُ راقود
خَوْدَ البِقاعِ لقد ضُيّعْتِ في بَلدٍ / تنَاثَرتْ فوقهُ أمثالُكِ الخُود
أُسلوبُ حُسْنكِ مُمتازٌ فلا عَنتٌ / في الروح منهُ ولا في السَبْكِ تعقيد
نهداكِ والصدرُ " ثالوثٌ أُقدّسُه / لو كانَ يُجمَعُ تثليثٌ وتوحيد
الخَمْرُ ممزوجةً بالرِّيقِ راقصةٌ / والكأسُ مرَّتْ بثغرٍ منكِ عِربيد
لو يُستجاب رجائي ما رجوتُ سوى / أنّي وشاحٌ على كَشْحيكِ مردود
جارَ النِطاقُ عليها في حكومتهِ / فالرِّدفُ مُنتعِشٌ والخَصْرُ مجهود
وأْعلَنَتْ خيرَ ما فيها مَلابسُها / مُنَمَّقاتٌ عليهنَّ التجاعيد
وكشَّفَتْ جَهْدَ ما اسطاعَتْ محاسنَها / ولم تدَعْ خافياً لو لا التقاليد
ما خَصرُها وهو عُريانٌ تتيهُ بهِ / أرقُّ منه إذِ الزُّنَّارُ مشدود
أمَّا البديعانِ من عالٍ ومُنْخَفِضٍ / فِداهما كلُّ حُسْنٍ أُعطىَ الغيد
فقد تجسَّمَ هذا غيرَ محتَشِمٍ / من فرطِ ما ضَيَّقتهُ فهو مشهود
ونطَّ ذيّاك مرتجّاً تقولُ : بهِ / رِيِشُ النعامِ على الوِرْكَيْنِ منضود
إيَّاكَ والفتنةَ الكبرى فنظرتُها / مسحورةٌ كلّها همٌّ وتسهيد
إذا رَمَتْكَ بعينَيْها فَلبِّهِما / واعلَمْ بأنَّكَ مأخوذٌ فمصفود
وإنَّما الحبُّ زَحليٌّ فلا صِلةٌ / ولا صدودٌ ولا بُخْلٌ ولا جود
يا موطِنَ السِحرَ إنَّ الشِعر يُنعْشُه / فيضٌ من الحُسْنِ في واديكَ معهود
خيالُهُ من خيالٍ فيكَ مأخذهُ / ولطفُ معناه من معناكَ توليد
اهتاجني موعدٌ لي فيك يجمعُني / كأنَّني بالشَّباب الطَّلْقِ موعود
وريعَ قلبيَ من ذكرى مُفارَقَةٍ / كأنَّني من جِنانِ الخُلْدِ مطرود
لا أبعدَ اللهُ طيفاً منك يؤنسني / إذا احتوتنيَ في أحضانها البيد
يا عَذبَةَ الرُوح يا فتّانَة الجَسدِ
يا عَذبَةَ الرُوح يا فتّانَة الجَسدِ / يا بنتَ " بيروتَ " يا أنشودةَ البَلدِ
يا غيمةَ الشَعرِ مُلتاثاً على قَمر / يا بَسمةَ الثغر مفترَّاً عن النَضَد
يا رَوعةَ البحرِ في العينينِ صافيةً / يا نشوةَ الجبَلِ الملتّفِ في العضُد
يا قَطرةً من نِطاف الفجر ساقطها / من " أرز " لبنانَ خفَّاقُ الظلالِ ندى
يا نَبتة الله في عَليا مَظاهرِه / آمنتُ بالله لم لم يُولَد ولم يَلِد
يا تلعةَ الجيدِ نصَّته فما وقَعَت / عَينٌ على مِثله يَزدانُ بالجَيَد
يُطِلُّ منها بوجهٍ أيِّ مُحْتَملٍ / ويَستريحُ بصدرٍ أيِّ مقتعَد
يا جَوهرَ اللُطفِ يا معنىً يضيقُ به / لَفظ فيقذِفُهُ الشِدقانِ كالزَبَد
أعِيذُ وجهَكِ أن أشْقى بِرقَّتِه / وفَيْضَ حُسنِك إن يَعيا برِيِّ صدى
ولا يليقُ بأجفانٍ أنشِّرُها / على جمالكِ أن تُطوى على السُهد
يَدٌ مَسحتُ بها عَيني لأغمِضَها / على الهوى ويدي الأخرى على كَبِدي
وَرَدتُ عن ظمأٍ ماءً غَصِصتُ به / فليتَ أنَّيَ لم أظَمأْ ولم أرِد
قالَ الرِفاقُ ونارُ الحُبِّ آكلةٌ / مِن وَجنْنتَّي أهذا وجهُ مُبَترِد
لمْ أدرِ أذكُرُ " بيروتاً " بأيِّكما / أأنتِ . أم لَوعتي ياليلةَ الأحد
عَجّ الرصيفُ بأسرابِ المها وهَفا / قلبي بزفرةِ قَنَّصٍ ولم يسِد
فمِن مُوافيةٍ وعداً وراقبةٍ / وعداً وأين التي وَّفت ولم تَعِد؟
فُويقَ صدرِكِ من رفق الشبابِ به / أشهى وأعنفُ ما يُعطى لمنتهد
كنزانِ مِن مُتَع الدُنيا يُقِلُّهُما / جمُّ الندى سَرِفٌ في زيِّ مُقتَصِد
قالوا تَشاغَلَ عن أهلٍ وعن ولَدٍ / فقال نهداك : لم يَشغَلهْ من أحد
سوى رَضيِعي لبانٍ توأمٍ حُبِسا / رهنَ الغِلالة إشفاقاً مِن الحَسَد
راجَعتُ نَفسي بما أبقى الشبابُ لها / وما تخلَّف من أسئاره بِيدي
فما أمرَّ وأقسى ما خرجتُ به / لولا بَقيةُ قلبٍ فيَّ مُتَّقِد
أمسى مَضى بلُبانات الهوى . وأتى / يَومي يُمهِّد بادي بَدءةٍ لِغَدي
ولَّى شبابٌ فهلْ يعودُ
ولَّى شبابٌ فهلْ يعودُ / ولاحَ شَيْبٌ فما يُريدُ ؟
يُريد أنْ يُنقِصَ الليالي / مِنّيَ ظُلماً بما يَزيد
يا أبيضَ الريشِ طرْنَ منه / غِدفانُ رِيش الجَناحِ سُود
يا هُولةً تَفزَعُ المرايا / مِنه ويستصرخُ الوليد!
يا حاملاً شارةِ الرَّزايا / يا ساعيَ الموتِ يا بَريدَ !
يا ناغِزَ الجُرحِ لا يُداوي / إلاَّ بأنْ يُقطعَ الوريد
برغمِ أنفِ الصِّبا وأنفي / يَخضِبُ فَودي منكَ الصديد
وأنَّ رأسي يمشي عليهِ / تِيهاً عَدُوٌّ لهُ لَدود!
كمْ ليلةٍ خوفَ أنْ تُواتي / أُترِعَ كأسٌ ورنَّ عُود
وكمْ وكمْ والشَّباب يَدري / رُوَِّعَ ظبيٌ فَنُصَّ جيد
أعائدٌ للشَّبابِ عيدُ ؟ / أمْ راجعٌ عهدهُ السَّعيد؟
أيَّامَ شرخُ الصِّبا وريقٌ / وظِلّهُ سجسجٌ مَديد
ونحنُ مِثْلَ الجُمانِ زهواً / ينظِمُنا عِقدُهُ الفريد
أمْ لا تلاقٍ فلا خطوطٌ / تُدني بعيداً ولا حُدود؟!
مَنْ مُبلِغُ المُشتفينَ أنَّا / صِرنا لمِا يَطمحُ الحسودُ ؟
أنَّا استعَضْنا ثوباً بثوبٍ / وطالما استُبْدلَتْ بُرود
فراحَ ذاكَ العتيقُ غَضّاً / ولاحَ – رَثّاً – هذا الجديد
ألوى بنا عاطفٌ حبيبٌ / ومَلَّنا الواصِلُ الودود
قد كان يُشجي أهلَ التَّصابي / أنَّا على هامهِم ْ قُعود
لم ندرِ ما نَسْتزيدُ منهُ / لو قيلَ : هلْ عندَهُم مَزيد؟
نهارُنا مُترَفٌ بَليدُ / وليلُنا جامِحٌ عَنيد
فاليومَ إنْ تُعتصَرْ شِفاهٌ / أو تعتصَرْ – لَدْنَةً – قُدود
أو يطََّرِدْ قانِصٌ قَنيصاً / أو تُعْجبِ الأغيدِينَ غِيد
نقنعُ مِن لذَّةٍ ولهوٍ / أنَّا على عُرْسِهمْ شُهود
عُدنا وَقوداً ! وكُلُّ حيٍّ / للذَّة تُشتهى وَقود!
تزاحمت الآمال حولكِ وانبرتْ
تزاحمت الآمال حولكِ وانبرتْ / قلوب عليهنَّ العُيون شواهدُ
مشت مهجتي في إثرِ طرفِكِ واقتفت / دليل الهوى والكلُّ منهنَّ شارد
حُشاشةُ نفسٍ أجهدت فيك والهوى / يطاردها عن قصدها وتطارد
أجابت نفوسٌ فيك وهي عصية / ولانت قلوب منك وهي جلامد
أعلَّ السُّها مسرى هواك وأوشكت / تَنازَلُ عن أفلاكهنَّ الفراقد
ورغبَني في الحب ان ليس خالياً / من الحب إلا بارد الطبع جامد
إذا كان وحي الطرف للطرف مدليا / بأسرار قلبينا فأين التباعد
خليلي ما العين في الحب ريبةٌ / إذا كُرمت للناظرين المقاصد
ولي نزعات أبعدتها عن الخنا / سجية نفس هّذبتها الشدائد
أقاويل أهل الحب يفنى نشيُدها / وأما الذي تُملي الدموع فخالد
وما الشعر إلا ما يزان به الهوى / كما زَيّنت عطلّ النحور القلائد
هَويتَ لِنُصرةِ الحقّ السُهادا
هَويتَ لِنُصرةِ الحقّ السُهادا / فلولا الموتُ لم تُطِقِ الرُّقادا
ولولا الموتُ لم تَتْرُكْ جِهاداً / فَلَلْتَ به الظغاةَ ولا جِلادا
ولولا الموتُ لم تُفْرِحْ فُرادى / صعَقْتَهُمُ ولم تُحزِنْ سودا
ولولا الموتُ لم يَذهبْ حريقٌ / بيانعةٍ وقد بَلَغتْ حَصادا
وإنْ كانَ الحدادُ يَرُدُّ مَيتاً / وتَبلُغُ منه ثاكلةٌ مُرادا
فانَّ الشَّرقَ بينَ غدٍ وأمسٍ / عليكَ بِذِلَّةٍ لبِسَ الحِدادا!
ترفَّعْ أيُّها النجم المُسَجَّى / وزِد في دارة الشَّرَفِ اتّقادا
ودُرْ بالفكر في خَلَدِ الليالي / وجُلْ في الكون رأياً مُستعادا
وكُنْ بالصَّمتِ أبلغَ منك نُطْقاً / وأورى في مُحاجَجةٍ زِنادا
فانَّ الموتَ أقصرُ قِيدَ باعٍ / بأنْ يَغتالَ فِكراً واعتقادا
جمالَ الدين يا رُوحاً عَليّاً / تنزَّلَ بالرسالة ثمَّ عادا
تجشَّمْتَ المهالكَ في عَسوفٍ / تجشَّمَهُ سواك فما استَقادا
طَريقِ الخالدينَ فمَنْ تَحامى / مصايرَهُمْ تَحاماه وحادا
كثير الرُعْبِ بالأشلاء غطَّتْ / مَغاورَهُ الجماجِمُ والوِهادا
جماجِمُ رائِدي شَرَفٍ وحقٍّ / تهاوَوا في مَجاهلهِ ارتْيادا !
وأشباحُ الضحايا في طواهُ / على السارينَ تحتشِد احتشادا!
وفوقَ طُروسه خُطَّتْ سُطورٌ / دمُ الأحرار كان لها مِدادا
شقَقْتَ فِجاجَهُ لم تخْشَ تَيْهاً / ومَذْئَبةً وليلاً وانُفرادا
لأِنَّكَ حاملٌ ما لا يُوازي / بقُوَّتهِ : العقيدةَ والفؤادا!
وتختلِفُ الدُروبُ وسالكوها / وغايتُها دُنوّاً وابتعادا
ويختلفُ البُناةُ ورُبَّ بانٍ / بَنى مِن فِكرةٍ صَرْحاً وشادا
وأنت ازْدَدْتَ من سُمٍّ زعافٍ / تَذَوَّقَهُ سَواك فما استزادا!
نضالِ المستبدِّ يَرى انكشافاً / عَمايتَه وعثرتَه سَدادا
إذأ استحلىَ غَوايتَه وأصغى / إلى المتزلّفِينَ له تمادى
خَشِيتَ اللهَ عن علمٍ وحقٌّ / إذا لم تَخشَ في الحقّ العبادا
وجَدْتَ اللذَّةَ الكُبرى فكانت / طريفَ الفِكرِ والهِمَمِ التِلادا
وأعصاباً تَشُدُّ على الرَّزايا / إذا طاشَتْ وتَغلِبُها اتئادا
ولمَّا كنتَ كالفجر انبلاجاً / " وكالعنقاء تكْبُرُ أنْ تُصادا"
مَشَيْتَ بقلبِ ذي لبَدٍ هَصورٍ / " تُعانِدُ من تُريدُ له العِنادا"
صليبَ العُودِ لم يَغمزْكَ خَوفٌ / ولم تَسهُلْ على التَرفِ انعقادا
ولم تَنزِلْ على أهواء طاغٍ / ولا عمَّا تُريدُ لمِا أرادا
ولم أرَ في الرجالِ كمُستَمِدٍّ / من الحقِّ اعتزازاً واعتدادا
وكان مُعسكرانِ : الظُلمُ يَطغى / ومظلومٌ فلم تَقفِ الحيِادا
ولم تحتجَّ أنَّ البَغْيَ جيشٌ / وأنَّ الزاحفينَ له فُرادي
ولا أنَّ اللياليَ مُحرِجاتٌ / وأنَّ الدَّهَر خصمٌ لا يُعادى
و أنَّ الأمرَ مرهونٌ بوقتٍ / ينادي حينَ يأْزَفُ لا يُنادى
مَعاذيرٌ بها ادَّرَعَتْ نُفوسٌ / ضعافٌ تَرهبُ الكُرَبَ الشِّدادا
تُريدُ المجدَ مُرتميا عليها / جَنىً غَضّاً تَلَقَّفُهُ ازدِرادا!
جمالَ الدينِ كنتَ وكانَ شَرقٌ / وكانتْ شِرعةٌ تَهَبُ الجْهادا
وكانت جَنَّةٌ في ظِلِّ سيفٍ / حَمَى الفَردُ الذِمارَ به وذادا
وإيِمانٌ يقودُ الناسَ طَوعاً / إلى الغَمَراتِ فَتوىً واجتهادا
وناسٌ لا الحضارةُ دنَّسَتْهُمْ / ولا طالُوا مع الطَمَعِ امتِدادا
وكانت " عُروةٌ وُثْقَى " تُزَجَّى / لمنقَسِمينَ حُبّاً واتحادا
ونيَّةُ ساسةٍ بَسُطَتْ فبانت / ووجْهُ سياسةٍ جلَّى وكادا
وحُكْمٌ كالدَّجى عُريانُ صافٍ / فلم يُنْكِرْ إذا انتَسبَ السَّوادا
ولم يُدخِلْ من الألوانِ ظّلاً / يلوذُ به انتقاصاً وازْديادا
دَجَا قَسْراً وسادَ وكان شَهماً / صريحاً أنَّه بالرُّغمِ سادا
وجِئتَ ورُفقة لك كالدَّراري / لِضُلاَّلٍ بغَيْهَبِه رشادا
تَصُدُّ عُبابَهُ وجهاً لوجهٍ / وتَزْحَمُهُ انْعكاساً وَاطَّرادا
جمالَ الدينِ كنتَ وكانَ عهدٌ / سُقيتَ لما صمَدْتَ له العِهادا
نَما واشتطَّ واشتدَّتْ عُراه / وزادَ الصامدونَ لهُ اشتدادا
مشَتْ خمسونَ بعدَك مرْخياتٍ / أعِنَّتَها هِجاناً لا جِياداً
محَّملةً وسُوقاً من فُجورٍ / وشامخةً كَمُحصَنةٍ تهادى
تحوَّرَتِ السياسةُ عن مَداها / إلى أنأى مدىً وأقلَّ زادا
وباتَ الشرق ليلَتَه سَليماً / على حالينِ ما اختَلَفا مُفادا
على حُكْمين من شَفعٍ وَوتْرٍ / عُصارةُ كلّ ذلك أن ْ يُسادا
ولُطِّفَتِ الابادةُ فهو حُرٌّ / بأيِّ يَدٍ يُفَضِّلُ أنْ يُبادا!
ومُدَّتْ إصْبَعٌ لذويهِ فيهِ / فعاثَتْ فوقَ ما عاثُوا فَسادا!
فكَمْ في الشَّرقِ من بَلدٍ جريحٍ / تشَكِّى لا الجروحَ بَلِ الضِّمادا!
تشَكَّى بَغيَ مُقتادٍ بغيضٍ / تأبَّى أنْ يُطاوعَه انقيادا
فكانتْ حِيَلةٌ أنْ يَمْتَطيهِ / رضيعُ لِبانه فبغى وزادا
صَدىً للأجنبيّ ورُبَّ قَفْرٍ / أعادَ صدىً فَسُرَّ بما أعادا
وكان أجلَّ من زُمَرٍ إذا ما / تجَّنى المُستَبيحُ بها تفادى
فكانوا منه في العَوْراتِ سِتراً / وكانوا فوق جمرتهِ رمادا
تروَّى من مطامعهِ وأبقى / لهم من سُؤر ما وَرَدَ الثمادا
وكان إذا تهضَّمهُ غريبٌ / أقامَ له القيامةَ والمعادا
فأسلَمَهُ الغريبُ إلى قَريبٌ / يسّخِرُهُ كما شاءَ اضطهادا
وكان الأجنبيُّ وقد تَولَّى / زمام الأمرِ واغتَصَبَ البلادا
يرى أدنى الحُقوقِ لهمْ عليه / مُساغَ النقد والكلِم المُعادا
فأضحوا يحسبونَ النقد فتحاً / لو اسطاعُوا لِما يَصِمُ انتِقادا
فبئسَ مُنىً لمصفودٍ ذليلٍ / لَوَ انَّ يَديه لم تضَعا الصِفادا
وبئسْ مَصيرُ مُفَترشينَ جمراً / تَمّنْيهم لو افترَشوا القَتادا!
وكانوا كالزُّروعِ شَكَتْ مُحُولاً / فلمَّا استمْطرتْ مُطِرَتْ جرادا!
على رغم أنف الموت ذكُرك خالدُ
على رغم أنف الموت ذكُرك خالدُ / ترِنُّ بسَمع الدهر منكَ القصائدُ
نُعيتَ إلى غُرّ القوافي فأعولَتْ / عليك من الشعر الحسانُ الخرائد
وللعلم فياضاً فماجَتْ مصادرٌ / عُنيتَ بها بحثاً وجاشَتْ موارد
وفلسفةٌ أطلعتَ في الشعر نُورَها / هي اليومَ ثَكْلى عن جميلٍ تُناشد
حَلفتُ يميناً لم تَشُبْها اختلاطةٌ / وقلبي على دعوى لسانيَ شاهد
لقد كنتَ فخراً للعراق وزينةً / تُزانُ نواديه بها والمعاهد
وكنت على خِصبِ العراقِّي شاهداً / إذا أعوزتنا في التباهي شَواهد
وكنت أرقَّ الناس طبعاً ونُكتةً / وألطفَ من دارَتْ عليه المقاعد
وأنت ابتعثتَ الشعرَ بعد خُموله / نشيطاً . فخوضُ الشعر بعدك راكد
ثوى اليومَ في هذي الحفيرة عالِمٌ / باسرارها . لهه بالعقل ناشد
أقامَ على العلم الصحيح اعتقادَه / عَدوٌّ لا شباح الخُرافات طارد
وكان نقياً فكرةً وعقيدةً / عزيزاً عليه ان تَسِفَّ العقائد
يؤكد أن الدينَ حُبٌّ ورحمةٌ / وعدلٌ وأن اللهَ لا شكَ واحد
وأن الذي قد سخَّر الدينَ طامعاً / يتاجرُ باسم اللهِ للهِ جاحد
ثوَى اليومَ في هذي الحفيرة شاعرٌ / على الظلم محتجٌّ عن العدل ذائد
وشيخوخةٍ مدّت على الكون ظلَّها / تكافحُ عن آرائها وتجالِد
أبا الشعرِ إنَّ الشعر هذا محلُّه / فقد نصَّت الاسماعُ والجمع حاشِد
وهذي جيوشُ العلم والشعر تبتغي / لها قائداً فذاً فهل أنَت قائد؟
فأين قصيدٌ قد نظَمتَ فريدَهُ / وأينَ من الشعر البديعِ الفرائد
وأين النكاتُ المؤنساتُ كأنها / حدائقُ تُسقى بالندى وتعاوِد
وأين العيونُ اللامعاتُ زكانةً / رغائبُ تبدو تبدو فوقها ومقاصد
جميل أعانَ الرافدينِ بثالثٍ / من الشعر تَنميه بحورٌ رَوافد
وكان حياةً للنفوس ورحمةً / تُغاثُ بها هذي النفوسُ الهوامد
تطاوعُه غُرُّ كأنها / وصائفُ في زِيناتها وَولائد
أقولُ لرهطِ الشعر يبغون باعثاً / عليه . تُثير الشعرَ هذي النضائد
هلمُّوا إلى قبر الزهاويِّ نقتنصْ / به نَفَساً من روُحه ونُطارِد
وإن خيالاً يملأُ الشعرَ رَهبةً / سكونٌ على قبرِ الزهاويِّ سائد
وحجُّوا إلى بيتٍ هو الفنُّ نفسُه / أنارَتْ " فَنيسٌ " ساحَه و " عُطارد"
فإن بيوتَ الشاعرين مناسكٌ / وإن قبورَ النابغين معابد
أبا الشعر والفكرُ المنبِّهُ أمةٌ / عزيزٌ علينا أنكَ اليومَ راقد
وأن الذي هزَّ القلوبَ هوامداً / وحرَّكَها في التُرب ثاوٍ فهامد
وأن فؤاداً شع نوراً وقوَّةً / هو اليوم مسودُّ الجوانب بارد
فهل أنت راضٍ عن حياة خبرتَها / ممارسةً أمْ أنت غضبانُ حارِد؟
أضاعوك حياً وابتغوك جنازةً / وهذا الذي تأباه صِيدٌ أماجد
إن سعى الواشي يُريك الغَيَّ رشدا
إن سعى الواشي يُريك الغَيَّ رشدا / لا تكن أهلاً وصُن للود عهدا
حاشَ لله بقايا ذمةٍ / منك ان تُشْمِتَ بي خصماً ألدا
أنا إنْ بُلِّغتُ عنكم ريبةً / قلت : شكراً لهم مني وحمدا
وإذا قيل جفا من سلوة / قلت : لا أسلو وإن عاف وصّدا
مستهام كَرَعَ الدمع فما / زادَه إلا جوى فيكم ْ ووقدا
دَلالاً في مَياديِنِ الجِهادِ
دَلالاً في مَياديِنِ الجِهادِ / وتيهاً بالجِراحِ وبالضِّمادِ
ورَشْفاً بالثغورِ من المَواضي / وأخذاً بالعِناق من الجِهاد
وَعبّاً مِن نميرِ الخُلد يَجري / لِمُنْزَفَةٍ دِماؤُهم صَوادي
وَتَوطيناً على جَمرِ المنايا / وإخلاداً إلى حَرِّ الجِلاد
وَإقداماً وإنْ سَرَتِ السَواري / بما يُشجي وإن غدتِ الغوادي
وبذلاً للنفيِس مِن الضحايا / فَأنْفَسُ منهم شَرفُ البلاد
حُماةَ الدارِ مسَّ الدارَ ضُرٌّ / ونادى بافتقادكُمُ المُنادي
أرادَتْكُمْ لِتكفوها فُلُوْلاً / مُعرِّزةٍ كأرتالِ الجَراد
وشاءتْكُمْ لتنهطِلوا عليها / هُطولَ الغيثِ في سَنةٍ جَماد
وطافَ عليكُمُ حُلُم العَذَارَى / مُروَّعةً كُحِلْنَ مِن السُهاد
يَشُوْقُ الذائدينَ على المَنايا / نداءُ العاجزاتِ عنِ الذياد
تطَلعَتِ العيونُ إلى خُيولٍ / مُحجَّلةٍ مُنشَّرَةِ الهوادي
خبَرْنَ رَحَى الوغَى فعن اعتِسافٍ / يَدُرنَ مدارَها وعنِ اعتماد
إذا الرِجّلانِ مسَّهما لُغوبٌ / شأتْ بهما اليدانِ عن ارتِداد
عليها كلُّ أُغلَبَ أرقميٍ / يَبيسِ العَينِ ريّانِ الفؤاد
زَوَتْ ما بين جَفْنَيْهِ هُمومٌ / نَفَتْ عن عينهِ دَرَنَ الرُقاد
وشدَّتْ خافِقَيهِ فلن يَرِّفا / إذا التقيا على الكُرَبِ الشِّداد
وكلُ مُسَعَّرِ الجَمراتِ يُكسَى / من الغَبَراتِ ثوباً من رماد
تَمرَّسَ بالحُتوف فلا يُبالى / أحادَتْ عنهُ أم عَدَتِ العوادي
ويا جُثَثاً يَفوحُ المجدُ مِنها / فتَعَبقُ في الجبالِ وفي الوِهاد
سَقَتْكِ الصائباتُ مِن التَّحايا / مُعطَّرَةً فما صَوبُ العِهاد
أعزُّ الناسِ في أغلى مماتٍ / وَخيرُ الزرعِ في خيرِ الحَصِاد
ويا مُتَقربين إلى المنايا / يَشُقُّ عليِهمُ وطءُ البِعاد
رأيتُ الجودَ ملهاةً يُجازَى / بها اللاهي بحَمْدٍ مُستفاد
ومُتَّجَراً يدُرُّ المجدَ ربحاً / لكُل مُسلِّفٍ بِيضَ الأيادي
يُؤدِّي الناسُ ما وَهَبَتَْ كِرامٌ / وتدفَعُهُ المحافِلُ والنّوادي
ولكِنْ ثَمَّ للبلوى مِحَكٌّ / تَميزُ به البخيلَ مِنَ الجواد
هُنالِكَ إذ يَشُقُّ على المفدَّى / فَكاكُ إسارِهِ منْ كفِّ فادي
تفيضُ النفسُ لا تدري جزاءً / - ولا تبغي – إلى يوم المعاد
ولا يَختَالُ – صاحبُها ازْدِهاءً / بما أسدى – على هامِ العباد
وروحٍ من " صلاح الدّينِ " هَبَّتْ / من الأجداثِ مُقلَقَةَ الوِساد
تَسَاءَلُ هل أتَتْ دوَلٌ ثمانٍ / ضِخامٌ ما أتاه على انفراد
وما أضفى الحديثُ على قديمٍ / وما ألقى الطَريفُ على تلاد؟
وما عِند الدُهاة منِ انْتقامٍ / ومن أخْذٍ بثأرٍ مُستقاد؟
وهل ضاقوا وهمْ كُثْرٌ ذِراعاً / بداهيةٍ نهضتُ بها دَآد
مَشَيْتُ بطبِّها عَجِلاً فطابت / عواقُبها وساروا باتِئاد
بلى كانوا ومَنْ عادَوْا تبيعاً / وكنتُ المستقِلَّ ومَن أُعادي
ومعتدّاً وما تُجدي حياةٌ / إذا خلتِ النفوسُ مِن اعتِداد
حَماةَ الدّارِ لم تَتْركْ لشعري / فِلَسْطينٌ سوى كَلِمٍ مُعاد
بَكَيْتُ مصابَها يَفَعاً ووافَتْ / نِهايَتهُا وخَمْسونٌ عدادي
قَدَحْتُ لها رَويَّاً من زِنادِي / وصُغْت لها رَّوِيَّا من فؤادي
وألقَيْتُ الظِِلالَ على القوافي / عليها يصْطَفقْنَ مِنِ ارتعاد
وهل عندي سوى قلبٍ مريرٍ / أُذَوِّبُهُ بكأسٍ مِن سُهاد
حماةَ الدارِ إنّي لا أُماري / وإن قلتُ الجديدَ ولا أُصادي
وليس تملُّقُ الجُمْهورِ مني / ولا التَّضْليلُ من شيمي ونادي
حماةَ الدارِ من عشرينَ عاماً / تقضَّتْ فاتَنا يومُ التَّنادي
دعانا وعدُ بلفورٍ وثنّى / وثلّثَ صائحُ البلدِ المُذاد
ونادتْنا بألسِنَةٍ حِدادٍ / دِماءٌ في قرارةِ كلِّ وادي
ومَوجاتٌ من الكُرَبِ الشدادِ / تراوَحُ بانتقاصٍ وازدياد
فكنّا نسْتَنِيمُ إلى قُلوبٍ / قَدَدْناها من الصُّمَ الصِلاد
وكنّا نستجير إلى زعيمٍ / كلِيلِ السيفِ لمّاع النِّجاد
كَذوبِ الدَّمع يسمَنُ في الرَّزايا / ويَدْعَرُ وهو يَرْفُلُ في الحِداد
وكنا نمتطي مُهْرَ الطِراد / فِلَسْطيناً إلى يومِ اصطياد
وكانَتْ دَلْوَ نّهازين مدّوا / بها واستنفدوا ملء المزاد
وَعَدْناها بثأرٍ مستقادِ / ومجدٍ قد أضَعنا مُسْتَعاد
بتصريحٍ وصاحبِه مفادِ / وتصريحٍ يَظَلُّ بلا مفاد
ومؤتمرٍ تعجَّلَ عاقدوه / ومؤتمرٍ سيؤذِنُ بانعقاد
حماةَ الدارِ ما النَّكساتُ سِرٌّ / ولا شيءٌ تَلفَّفَ في بِجَاد
ولا لُغْزٌ يَحارُ المرءُ فِيهِ / فَيَجهلُ ما سُداسٌ مِنْ أُحَاد
ولكِن مِثلَما وَضَحتْ ذُكاءٌ / ونَوَّرَ حاضِرٌ منها وبادي
فما ذَهبَتْ فِلَسطينٌ بسحر / ولا كُتِبَ الفناءُ بلا مِداد
ولا طاحَ البِناءُ بلا انحرافٍ / ولا بَنَتِ اليهودُ بلا عِماد
وما كنتْ فِلَسْطينٌ لِتَبقى / وجيرتُها يُصاحُ بها بَداد
وسِتُّ جِهاتِها أخذت بجوعٍ / وجهلٍ واحتقارٍ واضطهاد
شعوبٌ تستَرقُّ فما يُبَقّي / على أثرٍ لها ذُلُّ الصِّفاد
تُساطُ بها المواهِبُ والمزايا / وتُحتَجزُ العقائدُ والمبادي
وتَطْلُعُ بينَ آونةٍ وأُخرى / " بحجَّاج " يُزَيَّفُ أو " زياد "
فَيُذوي الخَوفُ منها كُلَّ خافٍ / ويُصمي الجَوْرُ منها كلَّ بادي
وتُنتَهَبُ البلادُ ومِنْ بَنيها / يَؤوبُ الناهبون إلى سِناد
وتَنطلِقُ المطامعُ كاشراتٍ / تُهدِّدُ ما تُلاقي بازدراد
وتَنطبِقُ السُّجونُ مُزمجراتٍ / على شبَهٍ وظَنٍّ واجتهاد
حُماةَ الدارِ ما ميدانُ حَربٍ / بأعنفَ من مَيادينِ اعتقاد
فَمثلُكُمُ من الأرواح جسمٌّ / تُقاسي الموتَ من عَنَتِ الجهاد
وأخلاقٌ تضيق بِمُغْرياتٍ / شدادٍ في خُصومَتها لِداد
تَكادُ تَطيحُ بالعَزماتِ لولا / رُجولَةُ قادرينَ على العِناد
رُجولةُ صائمينَ ولو أرادوا / لكانوا الطاعمينَ بأيّ زاد
ومَعركةٍ يَظَلُّ الحقُّ فيها / يُسالِمُ أو يُهادِنُ أو يُبادي
وميدانٍ وليس لنازليهِ / سوى الصَّبرِ المثلَّم من عَتاد
وكانتْ في السُّطوحِ مَزعزَعاتٍ / خُطوطٌ يرْتَسِمْنَ منَ الفَساد
فها هي فرطَ ما جَنَتِ الجواني / إلى عُمقٍ تَغَّورُ وامتداد
لقَد شبَّتْ عنِ الطَّوقِ المخازي / وكانَتْ بنتَ عامٍ في مِهاد
حُماةَ الدارِ لولا سُمُّ غاوِ / أساغَ شَرابَه فَرطُ التمادي
وَلَوْغٌ في دم الخِلِّ المُصافي / فقل ما شِئتَ في الجنِفِ المُعادي
ولبَّاسٌ على خَتَلٍ وغَدْرٍ / ثيابَ الواقفينَ على الحِياد
وَخِبٌ لا يُريكَ متى يُواتي / فتأمنَ سرَّهُ ومتى يُصادي
تَطلّعُ اذ تَطلّعُ في رَخِيٍّ / وتَقرَعُ حين تَقرعُ في جَماد
ولولا نازلونَ على هواه / سُكارَى في المحبّةِ والوداد!
نَسُوْا – إلا نفوسَهُمُ – وهامُوا / غراماً حيثُ هامَ بكلِّ واد
أجرّهُمُ على ذَهبٍ فَجرّوا / فِلسطيناً على شوكِ القَتاد
وقادُوها له كَبْشَ افتداءٍ / صنيعَ الهاربينَ منَ التّفادي
لكنتم طِبَّ عِلَتِها وكانت / بكم تُحدَى على يدِ خيرِ حادي
حُماةَ الدارِ لم تَزَلِ اللّيالي / يُطوِّحُ رائحٌ منها بغادي
ولا تَنفكُّ داجيةٌ بأخرى / تَعثَّرُ لم يُنِرهْا هَدْيُ هادي
ولا تألو الضلالَةُ وهي سِقطٌ / تُكابرُ أنّها أمُّ الرَّشاد
حماةَ الدار كلُّ مَسِيلِ ظُلمٍ / وإن طالَ المدى فإلى نَفاد
وكلُ مُحتَشَّدٍ فإلى انِفِضاضٍ / وكلُ مُفرَّقٍ فإلى احتشاد
فصبراً ينكشِفُ ليلٌ عميٌ / وينَحسرِ البياضُ عن السواد
وتَتَضِحِ النفوسُ عن الخبايا / ويُفصِحُ مَنْ يُريدُ عن المراد
وتَندفِعِ الشعوبُ إلى محجٍّ / مُبينِ الرُشدِ موثوقِ السَّداد
وتُؤذنْ جذوةٌ إلى انْطِفاءٍ / يَؤولَ مآلُها أم لاتّقاد
ومهما كانتِ العُقبى فَلستُمْ / بمسؤولينَ عن غيبٍ مُراد

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025