القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 29
طُوِيَ العامُ كَما يُطوى الرَقيم
طُوِيَ العامُ كَما يُطوى الرَقيم / وَهَوى في لُجَّةِ الماضي البَعيد
لَم يَكُن بَل كانَ لَكِن ذَهَبا / وَاِنقَضى حَتّى كَأَن لَم يَكُنِ
لَو دَرى حينَ أَتى المُنقَلَبا / لَتَمَنّى أَنَّهُ لَم يَبِنِ
أَيُّ نَجمٍ شارِقٍ ما غَرَبا / أَيُّ قَلبٍ خافِقٍ لَم يَسكُنِ
جاهِلٌ مَن حَسِبَ الآتي يَدوم / أَحمَقٌ مَن حَسِبَ الماضي يَعود
ما لَنا يَأخُذُ مِنّا الطَرَبُ / كُلَّما عامٌ تَلاشى وَاِضمَحَل
أَفَرِحنا أَنَّنا نَقتَرِبُ / مِن غَدٍ إِنَّ غَداً فيهِ الأَجَل
عَجَبٌ هَذا وَمِنهُ أَعجَبُ / إِنَّنا نَفنى وَلا يَفنى الأَمَل
فَكَأَنّا ما سَمِعنا بِالحُتوم / أَو كَأَنّا قَد نَعِمنا بِالوُجود
يا رَعاهُ اللَهِ مِن عامٍ خَلا / فَلَقَد كانَ سَلاما وَأَمان
صافَحَ الجَحفَلُ فيهِ الجَحفَلا / وَاِستَراحَ السَيفُ فيه وَالسِنان
ما اِنجَلى حَتّى رَأى النَعَ اِنجَلى / وَخَبَت نارُ الوَغى في البَلِقان
لَستُ أَنسى نَهضَةَ الشَعبِ النَأوم / إِنَّ فيها عِبرَةً لِلمُستَفيد
وَاِلتَقى البَحرانِ فيهِ بَعدَما / مَرَّتِ الأَجيالُ لا يَلتَقِيان
أَصبَحَ السَدُّ الَّذي بَينَهُما / تُرعَةً يَزخَرُ فيها الأَزرَقان
فَلتَدُم آمِرِكا ما اِلتَطَما / ما لِهَذا الفَتحِ في التاريخِ ثان
وَلتَعِش رايَتُها ذاتُ النُجوم / أَجمَلُ الراياتِ أَولى بِالخُلو
وَاِعتَلى الناسُ بِهِ مَتنَ الهَواء / فَهُمُ حَولَ الدَراري يَمرَحون
يَمخُرُ المِنطادُ فيهِم في الفَضاء / مِثلَما يَمخُرُ في البَحرِ السَفين
مُعجِزاتٍ ما أَتاها الأَنبِياء / لا وَلَم يَطمَح إِلَيها الأَقدَمون
سَخَّرَ العِلمُ لَهُم حَتّى الغُيوم / فَهُم مِثلَهُمُ فَوقَ الصَعيد
حَلَّقَ الغَربِيُّ فَوقَ السَمَواتِ / وَلَبِثنا نَندُبُ الرَسمَ المَحيل
فَإِذا ما قالَ أَهلُ المَكرُمات / ما وَجَدنا وَأَبيكُم ما نَقول
لَو فَقِهنا مِثلَهُم مَعنى الحَياة / ما أَضَعناها بُكاءً في الطُلول
أَلِفَت أَنفُسُنا الضَيمَ المُقيم / مِثلَما يَستَعذِبُ الظَبيُ الهَبيد
أَدرَكَت غاياتِها كُلُّ الشُعوب / نَهَضَ الصينِي وَما زِلنا نِيام
عَبِثَت فينا الرَزايا وَالخُطوب / مِثلَما يَعبَثُ بِالحُرِّ اللِئام
صودِرَ الكاتِبُ مِنّا وَالخَطيب / مُنِعَت أَلسُنُنا حَتّى الكَلام
نَحنُ في الغَفلَةِ أَصحابُ الرَقيم / نَحنُ في الذَلَّةِ إِخوانُ اليَهود
لَيتَ أَنا حينَ ماتَ الشَمَمُ / لَحِقَت أَرواحَنا بِالغابِرين
ما تَمَرَّدنا عَلى مَن ظَلَموا / لا وَلَم نَفكُك وِثاقاً عَن سَجين
لَيسَ يَمحو عارَنا إِلّا الدَمُ / فَإِلى كَم نَذرِفُ الدَمعَ السَخين
قامَ فينا أَلفُ جَبّارٍ غَشوم / غَيرَ أَنّا لَم يَمُت مِنّا شَهيد
يا لِقَومي بَلَغَ السَيلُ الذُبى / وَاِستَطالَ البَغي وَاِستَشرى الفَساد
فَاِجعَلوا أَقلامَكُم بيضَ الظُبى / وَاِستَعيروا مِن دَمِ الباغي المِداد
كَتَبَ السَيفُ اِقرَأوا ما كَتَبا / لا يُنالُ المَجدُ إِلّا بِالجِهادِ
أَيُّ رِجالَ الشَرقِ أَبناءَ القُروم / لا تَناموا آفَةُ الماءِ الرُكود
يا مَن قَرُبتَ مِنَ الفُؤادِ
يا مَن قَرُبتَ مِنَ الفُؤادِ / وَأَنتَ عَن عَيني بَعيدْ
شَوقي إِلَيكَ أَشَدُّ مِن / شَوقِ السَليمِ إِلى الهُجود
أَهوى لِقاءَكَ مِثلَما / يَهوى أَخو الظَمءِ الوُرود
وَتَصُدُّني عَنكَ النَوى / وَأَصُدُّ عَن هَذا الصُدود
وَرَدَت نَميقَتَكَ الَّتي / جُمِعَت مِنَ الدُرِّ النَضيد
فَكَأَنَّ لَفظَكَ لُؤلُؤٌ / وَكَأَنَّما القِرطاسُ جيد
أَشكو إِلَيك وَلا يُلامُ / إِذا شَكى العاني القُيود
دَهراً بَليداً ما يُنيلُ / وِدادَهُ إِلّا بَليد
وَمَعاشِراً ما فيهُمُ / إِن جِئتَهُم غَيرُ الوُعود
مُتَفَرنِجين وَما التَفَرنُجُ / عِندَهُم غَيرُ الجُحود
لا يَعرِفونَ مِنَ الشَجاعَةِ / غَيرَ ما عَرِفَ القُرود
سَيّانِ قالوا بِالرِضى / عَنّي أَوِ السُخطُ الشَديد
مَن لَيسَ يَصدُقُ في الوُعودِ / فَلَيسَ يَصدُقُ في الوَعيد
نَفَرٌ إِذا عُدَّ الرِجالُ / عَدَدتُهُم طَيَّ اللَحُد
تَأبى السَماحَ طِباعَهُم / ما كُلُّ ذي مالٍ يَجود
أَسخاهُمُ بِنُضارِهِ / أَقسى مِنَ الحَجَرِ الصَلود
جَعدُ البَنانُ بِعِرضِهِ / يَفدي اللُجَينَ مِنَ الوُفود
وَيَخافُ مِن أَضيافِهِ / خَوفَ الصَغيرِ مِنَ اليَهود
تَعِسَ اِمرُؤٌ لا يَستَفيدُ / مِنَ الرِجال وَلا يُفيد
وَأَرى عَديمَ النَفعِ أَنَّ / وُجودُهُ ضَرَرُ الوُجود
نَسِيَت عَهدي فَلَمّا جِئتُها
نَسِيَت عَهدي فَلَمّا جِئتُها / زَعَمَت أَنّي تَناسَيتُ العُهود
وَاِدَّعَت أَنّي خَلِيٌّ زاهِدٌ / أَنا لَو كُنتُ كَذا كُنتُ سَعيد
رَغِبَت في الصَدِّ عَنّي بَعدَما / بِتُّ لا يُحزِنُني مِثلُ الصُدو
مِثلَما أَنكَرَ ثَغري خَدُّها / أَنكَرَت فاتِنَتي تِلكَ الوُعود
يا شُهودي عِندَما كُنّا مَعاً / ذَكِّروها أَينَ أَنتُم يا شُهود
سَكَتَ البَدرُ الَّذي راقَبَنا / وَذَوَت في الرَوضِ هاتيكَ الوُرود
وَمَشَت ريحُ الصَبا حائِرَةً / في المَغاني حَيرَةَ الصَبِّ العَميد
يا هَواها قُل مَتى تَترُكُني / قالَ أَو تَصفَرَّ هاتيكَ الخُدود
أَنا لا أَدعو عَلَيها بِالضَنى / أَتَّقي أَن يَشمَتَ الحَسود
نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طينٌ
نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طينٌ / حَقيرٌ فَصالَ تيها وَعَربَد
وَكَسى الخَزُّ جِسمَهُ فَتَباهى / وَحَوى المالَ كيسُهُ فَتَمَرَّد
يا أَخي لا تَمِل بِوَجهِكَ عَنّي / ما أَنا فَحمَة وَلا أَنتَ فَرقَد
أَنتَ لَم تَصنَعِ الحَريرَ الَّذي / تَلبَس وَاللُؤلُؤَ الَّذي تَتَقَلَّد
أَنتَ لا تَأكُلُ النُضارَ إِذا جِع / ت وَلا تَشرَبُ الجُمانَ المُنَضَّد
أَنتَ في البُردَةِ المُوَشّاةِ مِثلي / في كِسائي الرَديمِ تَشقى وَتُسعَد
لَكَ في عالَمِ النَهارِ أَماني / وَرُأى وَالظَلامُ فَوقَكَ مُمتَد
وَلِقَلبي كَما لِقَلبِكَ أَحلا / مٌ حِسانٌ فَإِنَّهُ غَيرُ جَلمَد
أَأَمانِيَّ كُلَّها مِن تُرابٍ / وَأَمانيكَ كُلَّها مِن عَسجَد
وَأَمانِيَّ كُلُّها لِلتَلاشي / وَأَمانيكَ لِلخُلودِ المُؤَكَّد
لا فَهَذي وَتِلكَ تَأتي وَتَمضي / كَذَويها وَأَيُّ شَيءٍ يُؤَبَّد
أَيُّها المُزدَهي إِذا مَسَّكَ السُقــ / ـمُ أَلا تَشتَكي أَلا تَتَنَهَّد
وَإِذا راعَكَ الحَبيبُ بِهَجرٍ / وَدَعَتكَ الذِكرى أَلا تَتَوَجَّد
أَنتَ مِثلي يَبَشُّ وَجهُكَ لِلنُعمى / وَفي حالَةِ المَصيبَةِ يَكمَد
أَدُموعي خِل وَدَمعُكَ شَهدٌ / وَبُكائي زُل وَنَوحُكَ سُؤدُد
وَاِبتِسامي السَرابُ لا رَيَّ فيهِ / وَاِبتِساماتُكَ اللَآلي الخَرَّد
فَلَكٌ واحِدٌ يُظِلُّ كِلَينا / حارَ طَرفي بِه وَطَرفُكَ أَرمَد
قَمَرٌ واحِدٌ يُطِلُّ عَلَينا / وَعَلى الكوخ وَالبِناءِ المُوَطَّد
إِن يَكُن مُشرِقاً لِعَينَيكَ إِنّي / لا أَراهُ مِن كُوَّةِ الكوخِ أَسوَد
النُجومُ الَّتي تَراها أَراها / حينَ تَخفى وَعِندَما تَتَوَقَّد
لَستَ أَدنى عَلى غِناكَ إِلَيها / وَأَنا مَعَ خَصاصَتي لَستُ أُبعَد
أَنتَ مِثلي مِنَ الثَرى وَإِلَيهِ / فَلِماذا يا صاحِبي التيه وَالصَد
كُنتَ طِفلاً إِذ كُنتُ طِفلا وَتَغدو / حينَ أَغدو شَيخاً كَبيراً أَدرَد
لَستُ أَدري مِن أَينَ جِئت وَلا ما / كُنتُ أَو ما أَكونُ يا صاحِ في غَد
أَفَتَدري إِذَن فَخَبِّر وَإِلّا / فَلِماذا تَظُنُّ أَنَّكَ أَوحَد
أَلَكَ القَصرُ دونَهُ الحَرَسُ الشا / كي وَمِن حَولِهِ الجِدارُ المُشَيَّد
فَاِمنَعِ اللَيلَ أَن يَمُدَّ رَواقاً / فَوقَه وَالضَبابَ أَن يَتَلَبَّد
وَاِنظُرِ النورَ كَيفَ يَدخُلُ لا يَط / لُبُ أُذناً فَما لَهُ لَيسَ يُطرَد
مرقَدٌ واحِدٌ نَصيبُكَ مِنهُ / أَفَتَدري كَم فيكَ لِلذَرِّ مَرقَد
ذُدتَني عَنه وَالعَواصِفُ تَعدو / في طِلابي وَالجَوُّ أَقتَمَ أَربَد
بَينَما الكَلبُ واجِدٌ فيهِ مَأوىً / وَطَعاما وَالهُرُّ كَالكَلبِ يُرفَد
فَسَمِعتُ الحَياةَ تَضحَكُ مِنّي / أَتَرَجّى مِنك وَتَأبى وَتُجحِد
أَلَكَ الرَوضَةُ الجَميلَةُ فيها / الماء وَالطَير وَالأَزاهِر وَالنَد
فَاِزجِرِ الريحَ أَن تَهُز وَتَلوي / شَجَرَ الرَوضِ إِنَهُ يَتَأَوَّد
وَاِلجُمِ الماءَ في الغَدير وَمُرهُ / لا يُصَفِّق إِلّا وَأَنتَ بِمَشهَد
إِنَّ طَيرَ الأَراكِ لَيسَ يُبالي / أَنتَ أَصغَيتَ أَم أَنا إِن غَرَّد
وَالأَزاهيرُ لَيسَ تَسخَرُ مِن فَق / ري وَلا فيكَ لِلغِنى تَتَوَدَّد
أَلَكَ النَهرُ إِنَّهُ لِلنَسيمِ الرَط / بِ دَرب وَلِلعَصافيرِ مَورِد
وَهوَ لِلشُهبِ تَستَحِمُّ بِهِ في الصَي / فِ لَيلاً كَأَنَّها تَتَبَرَّد
تَدَّعيهِ فَهَل بِأَمرِكَ تَجري / في عُروقِ الأَشجارِ أَو يَتَجَعَّد
كانَ مِن قَبلُ أَن تَجيء وَتَمضي / وَهوَ باقٍ في الأَرضِ لِلجَزر وَالمَد
أَلَكَ الحَقلُ هَذِهِ النَحلُ تَجني / الشَهدَ مِن زَهرِه وَلا تَتَرَدَّد
وَأَرى لِلنِمالِ مُلكاً كَبيراً / قَد بَنَتهُ بِالكَدحِ فيه وَبِالكَد
أَنتَ في شَرعِها دَخيلٌ عَلى الحَق / ل وَلِصٌّ جَنى عَلَيها فَأَفسَد
لَو مَلَكتَ الحُقولَ في الأَرضِ طُرّاً / لَم تَكُن مِن فَراشَةِ الحَقلِ أَسعَد
أَجَميلٌ ما أَنتَ أَبهى مِنَ الوَر / دَةِ ذاتِ الشَذى وَلا أَنتَ أَجوَد
أَم عَزيز وَلِلبَعوضَةِ مِن خَدَّي / كَ قوت وَفي يَدَيكَ المُهَنَّد
أَم غَنِيٌّ هَيهاتِ تَختالُ لَولا / دودَةُ القَزِّ بِالحَباءِ المُبَجَّد
أَم قَوِيٌّ إِذَن مُرِ النَومَ إِذ يَغـ / ـشاك وَاللَيلُ عَن جُفونِكَ يَرتَد
وَاِمنَعِ الشَيبَ أَن يَلِمَّ بِفَو / دَيك وَمُر تَلبُثِ النَضارَةُ في الخَد
أَعَليمٌ فَما الخَيالُ الَّذي يَطـ / ـرُقُ لَيلاً في أَيِّ دُنيا يولَد
ما الحَياةُ الَّتي تَبين وَتَخفى / ما الزَمانُ الَّذي يُذَم وَيُحمَد
أَيُّها الطينُ لَستَ أَنقى وَأَسمى / مِن تُرابٍ تَدوسُ أَو تَتَوَسَّد
سُدتَ أَو لَم رَسُد فَما أَنتَ إِلّا / حَيَوانٌ مُسَيَّرٌ مُستَعبَد
إِنَّ قَصراً سَمَكتُهُ سَوفَ يَندَكُّ / وَثَوباً حَبَكتَهُ سَوفَ يَنقَد
لا يَكُن لِلخِصامِ قَلبَكَ مَأوىً / إِنَّ قَلبي لِلحَبيبِ أَصبَحَ مَعبَد
أَنا أَولى بِالحُبِّ مِنك وَأَحرى / مِن كِساءٍ يَبلى وَمالٍ يَنفَد
لَيتَ الَّذي خَلَقَ العُيونَ السودا
لَيتَ الَّذي خَلَقَ العُيونَ السودا / خَلَقَ القُلوبَ الخافِقاتِ حَديدا
لَولا نَواعِسُها وَلَولا سِحرُها / ما وَدَّ مالِكُ قَلبِهِ لَو صيدا
عَوِّذ فُؤادَكَ مِن نِبالِ لِحاظِها / أَو مُت كَما شءَ الغَرامُ شَهيدا
إِن أَنتَ أَبصَرتَ الجَمال وَلَم تَهِم / كُنتَ اِمرَأً خَشِنَ الطِباعِ بَليدا
وَإِذا طَلَبتَ مَعَ الصَبابَةِ لَذَّةً / فَلَقَد طَلبَتَ الضائِعَ المَوجودا
يا وَيحَ قَلبي إِنَّهُ في جانِبي / وَأَظُنُّهُ نائي المَزارِ بَعيدا
مُستَوفِزٌ شَوقاً إِلى طَحبابِهِ / المَرءُ يَكرَهُ أَن يَعيشَ وَحيدا
بَرَأَ الإِلَهُ لَهُ الضُلوعَ وِقايَةً / وَأَرَتهُ شِقوَتُهُ الضُلوعَ قُيودا
فَإِذا هَفا بَرقُ المُنى وَهَفا لَهُ / هاجَت دَفائِنُهُ عَلَيهِ رُعودا
جَشَّمتُهُ صَبراً فَلَمّا لَم يَطُق / جَشَّمتُهُ التَصويب وَالتَصعيدا
لَو أَستَطيعُ وَقَيتُهُ بَطشَ الهَوى / وَلَوِ اِستَطاعَ سَلا الهَوى مَحمودا
هِيَ نَظرَةٌ عَرَضَت فَصارَت في الحَشا / نارا وَصارَ لَها الفُؤادُ وَقودا
وَالحُبُّ صَوتٌ فَهوَ أَنَّةُ نائِحٍ / طَورا وَآوِنَةً يَكونُ نَشيدا
يَهَبُ البَواغِمَ أَلسُناً صَدّاحَةً / فَإِذا تَجَنّى أَسكَتَ الغِرّيدا
ما لي أُكَلِّفُ مُهجَتي كَتمَ الأَسى / إِن طالَ عَهدُ الجُرحِ صارَ صَديدا
وَيَلَذُّ نَفسي أَن تَكونَ شَقِيَّةً / وَيَلَذُّ قَلبي أَن يَكونَ عَميدا
إِن كُنتَ تَدري ما الغَرامُ فَداوِني / أَو لا فَخَلِّ العَذل وَالتَفنيدا
يا هِندُ قَد أَفنى المَطالُ تَصَبُّري / وَفَنَيتُ حَتّى ما أَخافُ مَزيدا
ما هَذِهِ البيضُ الَّتي أَبصَرتُها / في لِمَّتي إِلّا اللَيالي السودا
ما شِبتُ مِن كِبَر وَلَكِنَّ الَّذي / حَمَّلتِ نَفسي حَمَّلتُهُ الفودا
هَذا الَّذي أَبلى الشَباب وَرَدَّهُ / خَلقا وَجَعَّدَ جَبهَتي تَجعيدا
عَلَّمتِ عَيني أَن تَسُحَّ دُموعُها / بِالبُخلِ عَلَّمتِ البَخيلَ الجودا
وَمَنَعتِ قَلبي أَن يَقَرَّ قَرارَهُ / وَلَقَد يَكونُ عَلى الخُطوبِ جَليدا
دَلَّهَتني وَحَمَيتِ جَفني غَمضَهُ / لا يُستَطاعُ مَعَ الهُمومِ هُجودا
لا تَعجَبي أَنَّ الكَواكِبَ سُهَّدٌ / فَأَنا الَّذي عَلَّمتُها التَسهيدا
أَسمَعتُها وَصفَ الصَبابَةِ فَاِنثَنَت / وَكَأَنَّما وَطِئَ الحُفاةُ صُرودا
مُتَعَثِّراتٍ بِالظَلامِ كَأَنَّما / حالَ الظَلامُ أَساوِدا وَأُسودا
وَأَنَّها عَرِفَت مَكانَكَ في الثَرى / صارَت زَواهِرُها عَلَيكِ عُقودا
أَنتِ الَّتي تُنسي الحَوائِجَ أَهلَها / وَأَخا البَيانِ بَيانَهُ المَعهودا
ما شِمتُ حُسنَكَ قَطُّ إِلّا راعَني / فَوَدِدتُ لَو رُزِقَ الجَمالُ خُلودا
وَإِذا ذَكَرتُكِ هَزَّ ذِكرَكِ أَضلُعي / شَوقاً كَما هَزَّ النَسيمُ بُنودا
فَحَسِبتُ سِقطَ الطَلِّ ذَوبَ مَحاجِري / لَو كانَ دَمعُ العاشِقينَ نَضيدا
وَظَنَنتُ خافِقَةَ الغُصونِ أَضالِعاً / وَثِمارَهُنَّ القانِياتِ كُبودا
وَأَرى خَيالَكَ كُلَّ تَرفَةِ ناظِرٍ / وَمِنَ العَجائِبِ أَن أَراهُ جَديدا
وَإِذا سَمِعتُ حِكايَةً عَن عاشِقٍ / عَرَضاً حَسِبتُني الفَتى المَقصودا
مُستَيقِظ وَيَظُنُّ أَنّي نائِمٌ / يا هِندُ قَد صارَ الذُهولُ جُمودا
وَلَقَد يَكونُ لِيَ السُلُوُّ عَنِ الهَوى / لَكِنَّما خُلِقَ المُحِبُّ وَدودا
تَبَدَّلَ قَلبي مِن ضَلالَتِهِ رُشدا
تَبَدَّلَ قَلبي مِن ضَلالَتِهِ رُشدا / فَلا أَرَبٌ فيهِ لِهِند وَلا سَعدى
وَلَم تَخبُ نارُ الوَجدِ فيه وَلا اِنطَوَت / وَلَكِن هِيامي صارَ بِالأَنفَعِ الأَجدى
وَما الزُهدُ في شَيءٍ سِوى حُبِّ غَيرِهِ / أَشَدُّ الوَرى نُسكاً أَشَدُّهُم وَجدا
أَحَبَّ سِوايَ العَيشَ لَهوا وَراحَةً / وَأَنكَرتُهُ لَهواً فَأَحبَبتُهُ كَدّا
وَما دامَ في الدُنيا سُمُو وَرِفعَةٌ / فَما أَنا مَن يَرضى وَيَقنَعُ بِالأَردا
هُوَ المَوتُ أَن نَحيا شِياها وَديعَةً / وَقَد صارَ كُلُّ الناسِ مِن حَولِنا أُسدا
وَأَن نَكتَفي بِالأَرضِ نَسرَحُ فَوقَها / وَقَد مَلَكوا مِن فَوقِنا البَرق وَالرَعدا
وَأَن يَنشُروا في كُلِّ أُفقٍ بُنودَهُم / وَأَن لا نَرى فَوقَ السِماكِ لَنا بَندا
تَأَمَّلتُ ماضينا المَجيدَ الَّذي اِنقَضى / فَزَلزَلَ نَفسي أَنَّهُ اِنهار وَاِنهَدّا
وَكَيفَ اِمَّحَت تِلكَ الحَضاراتِ كُلُّها / وَصارَت بِلادٌ أَنبَتَتها لَها لَحدا
وَصُرنا عَلى الدُنيا عِيالا وَطالَما / تَعَلَّمَ مِنّا أَهلُها البَذل وَالرَفدا
وَنَحنُ الأُلى كانَ الحَريرُ بُرودَهُم / عَلى حينِ كانَ الناسُ مَلبَسُهُم جِلدا
إِذا الأَمسُ لَم يَرجِع فَإِنَّ لَنا غَداً / نُضيءُ بِهِ الدُنيا وَنَملَءُها حَمدا
وَتُلبِسُنا في اللَيلِ آفاقُهُ سَناً / وَتَنشُرُنا في الفَجرِ أَنسامُهُ نَدّا
فَإِنَّ نُفوسَ العُربِ كَالشُهبِ تَنطَوي / وَتَخفى وَلَكِن لَيسَ تَبلى وَلا تَصدا
وَمِثلُ اللَآلي لا يَخيسُ جَمالُها / وَإِن هِيَ لَم تُرصَف وَلَم تَنتَظِم عَقدا
إِذا اِختَلَفَت رَأياً فَما اِختَلَفَت هَوىً / أَوِ اِقتَرَفَت سَعياً فَما اِفتَرَقَت قَصدا
عَدِمتُ قَلبي إِذا لَم يَعدَمِ الجَلَدا
عَدِمتُ قَلبي إِذا لَم يَعدَمِ الجَلَدا / وَنالَ نَفسي الرَدى إِن لَم تَذُب كَمَدا
آها وَلَو نَفِعَت آهٌ أَخا شَجَنٍ / لَم يَبتَغِ غَيرُها عِندَ الأَسى عُضُدا
آها وَلَو لَم يَكُن خَطبٌ أَلَمَّ بِنا / ما سَطَّرَتها يَدي في كاغِدٍ أَبَدا
المَرءُ مُجتَهِد وَالمَوتُ مُجتَهِدٌ / أَن لَيسَ يَترُكُ فَوقَ الأَرضِ مُجتَهِدا
ساوى الرَضيعَ بِهِ مَن شابَ مَفرِقُهُ / وَالعَبدُ سَيِّدَه وَالثَعلَبُ الأَسَدا
قَد غادَرَ الفَضلَ بِالأَحزانِ مُنفَرِداً / مَن كانَ بِالفَضلِ دونَ الناسِ مُنفَرِدا
ماتَ البَيانُ بِمَوتِ اليازَجِيِّ فَمَن / لَم يَبكِ هَذا بَكى هَذا الَّذي فَقَدا
وَاللَهِ ما وَلَدَت حَوّاءُ أَطهَرَ مِن / هَذا الفَقيدِ فُؤاداً لا وَلَن تَلِدا
أَينَ الضِياءُ الَّذي زانَ البِلادَ كَما / يَزينُ البَدرُ في جُنحِ الدُجى الجَلَدا
أَينَ اليَراعُ الَّذي قَد كانَ يُطرِبُنا / صَريرُهُ في أَديمِ الطِرسِ مُنتَقِدا
وَأَينَ أَينَ سَجاياهُ الَّتي حُسِدَت / مِن أَجلِه وَكَذا مِن أَجلِها حُسِدا
حَقٌّ عَلى العِلمِ أَن يَبكي عَلَيهِ كَما / يَبكي الشَقيقُ أَخا وَالوالِدُ الوَلَدا
أَقسَمتُ ما اِهتَزَّ فَوقَ الطَرسِ لي قَلَمٌ / إِلّا جَعَلتُ لَهُ دَمعي البَتيتُ مَدَدا
وَلَاِتَّخَذتُ أَخاً في الدَهرِ يُؤنِسُني / بَعدَ الجَليلِ سِوى الحُزنِ الَّذي وَجَدا
قالَت سَكَت وَما سَكَتَّ سُدى
قالَت سَكَت وَما سَكَتَّ سُدى / أَعيا الكَلامُ عَلَيكَ أَم نَفِدا
إِنّا عَرَفنا فيكَ ذا كَرَمٍ / ما إِن عَرَفنا فيكَ مُقتَصِدا
فَأَطلِق يَراعَكَ يَنطَلِق خَبَباً / وَاِحلُل لِسانَكَ يَحلُلِ العُقَدا
ما قيمَةَ الإِنسانِ مُعتقِداً / إِن لَم يَقُل لِلناسِ ما اِعتَقَدا
وَالجَيشِ تَحتَ البَندِ مُحتَشِداً / إِن لَم يَكُن لِلحَربِ مُحتَشِدا
وَالنورِ مُستَتِراً فَقُلتُ لَها / كُفّي المَلامَة وَاِقصُري الفَنَدا
ماذا يُفيدُ الصَوتُ مُرتَفِعاً / إِن لَم يَكُن لّصَوتِ ثَمَّ صَدى
وَالنورُ مُنبَثِقا وَمُنتَشِراً / إِن لَم يَكُن لِلناسِ هُدى
إِنَّ الحَوادِثَ في تَتابُعِها / أَبدَلنَني مِن ضِلَّتي رَشَدا
ما خانَني فِكري وَلا قَلَمي / لَكِن رَأَيتُ الشِعرَ قَد كَسَدا
كانَ الشَباب وَكانَ لي أَمَلٌ / كَالبَحرِ عُمقاً كَالزَمانِ مَدى
وَصَحابَةٌ مِثلُ الرِياضِ شَذىً / وَصَواحِبٌ كَوُرودِها عَدَدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
ذَهَبَ الصِبى وَمَضى الهَوى مَعَهُ / أَصَبابَة وَالشَيبُ قَد وَفَدا
فَاليَومَ إِن أَبصَرتُ غانِيَةً / أُغضي كَأَنَّ بِمُقلَتي رَمَدا
وَإِذا تُدارُ الكَأسُ أَصرِفُها / عَنّي وَكُنتُ أَلومُ مَن زَهِدا
وَإِذا سَمِعتُ هُتافَ شادِيَةٍ / أَمسَكتُ عَنها السَمع وَالكَبِدا
كَفَّنتُ أَحلامي وَقُلتُ لَها / نامي فَإِنَّ الحُبَّ قَد رَقَدا
وَقعُ الخُطوبِ عَلَيَّ أَخرَسَني / وَكَذا العَواصِفُ تُسكِتُ الغَرِدا
عَمرٌ صَديقٌ كانَ يَحلِفُ لي / إِن نُحتُ ناح وَإِن شَدَوتُ شَدا
وَإِذا مَشَيتُ إِلى المَنونِ مَشى / وَإِذا قَعَدتُ لِحاجَةٍ قَعَدا
صَدَّقتُهُ فَجَعَلتُهُ عَضُدي / وَأَقَمتُ مِن نَفسي لَهُ عَضُدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
هِند وَأَحسَبُني إِذا ذُكِرَت / أَطَءُ الأَفاعي أَو أَجُسُّ مُدى
كانَت إِلَهاً كُنتُ أَعبُدُهُ / وَأَجُلُّه وَالحُسنُ كَم عُبِدا
كَم زُرنَها وَالحَيُّ مُنتَبِهٌ / وَتَرَكتُها وَالحَيُّ قَد هَجَدا
وَلَكَم وَقَفتُ عَلى الغَديرِ بِها / وَالريحُ تَنسُجُ فَوقَهُ زَرَدا
وَالأَرضُ تَرقُصُ تَحتَنا طَرَباً / وَالشُهبُ ترقُصُ فَوقَنا حَسَدا
وَلَكَم جَلَسنا في الرِياضِ مَعاً / لا طارِئً نَخشى وَلا رَصَدا
وَاللَيلُ فَوقَ الأَرضِ مُنسَدِلٌ / وَالغَيمُ فَوقَ البَدرِ قَد جَمَدا
قَد كاشَفَتني الحُبَّ مُقتَرِباً / وَشَكَت إِلَيَّ الشَوقَ مُبتَعِدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
قَومي وَقَد أَطرَبتُهُم زَمَناً / ساقوا إِلَيَّ الحُزن وَالكَمَدا
هُم عاهَدوني إِن مَدَدتُ يَدي / لَيَمُدَّ كُلُّ فَتىً إِلَيَّ يَدا
قالوا غَداً تَهمي سَحائِبُنا / فَرَجَعتُ أَدراجي أَقولُ غَدا
وَظَنَنتُ أَنّي مُدرِكٌ أَرَبي / إِن غارَ تَحتَ الأَرضِ أَو صَعَدا
فَذَهَبتُ أَمشي في الثَرى مَرِحاً / ما بَينَ جُلّاسي وَمُنفَرِدا
تيهَ المُجاهِدُ نالَ بُغيَتُهُ / أَو تيهَ مِسكينٍ إِذا سَعِدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
هُم هَدَّدوني حينَ صِحتُ بِهِم / صَيحاتِيَ الشَعواءَ مُنتَقِدا
وَرَأَيتُ في أَحداقِهِم شَرَراً / وَرَأَيتُ في أَشداقِهِم زَبَدا
وَسَمِعتُ صائِحُم يَقولُ لَهُم / أَن أُقتُلوهُ حَيثُما وُجِدا
فَرَجَعتُ أَحسَبُهُم بَرابِرَةً / في مَهمَه وَأَظُنُّني وَلَدا
مَرَّت لَيالٍ ما لَها عَدَدٌ / وَأَنا حَزينٌ باهِتٌ كَمَدا
أَرتاعُ إِن أَبصَرتُ واحِدَهُم / ذُعرَ الشُوَيهَةِ أَبصَرَت أَسَدا
وَإِذا رَقَدتُ رَقَدتُ مُضطَرِباً / وَإِذا صَحَوتُ صَحَوتُ مُرتَعِدا
لَكِنَّني لَمّا مَدَدتُ يَدي / وَأَدَرتُ طَرفي لَم أَجِد أَحَدا
لا تَذكُروهُم لي وَإِن سَأَلوا / لا تَذكُروني عِندَهُم أَبَدا
لا يَملَءُ السِربالَ واحِدُهُم / وَلَهُ وُعودٌ تَملَءُ البَلَدا
يا لَيتَني ضَيَّعتُ مَعرِفَتي / مِن قَبلِ أَعرِفَ أَحَدا
مَرِضتُ فَأَرواحُ الصِحابِ كَئيبَةٌ
مَرِضتُ فَأَرواحُ الصِحابِ كَئيبَةٌ / بِها ما بِنَفسي لَيتَ نَفْسي لَها فِدى
تَرُفُّ حِيالي كُلَّما أَغمَضَ الكَرى / جُفوني جَماعات وَمَثنى وَمَوحِدا
تَراءى فَآناً كَالبُدورِ سَوافِراً / وَآوِنَةً مِثلَ الجُمانِ مُنَضَّدا
وَطَوراً أَراها حائِراتٍ كَأَنَّها / فَراقِدُ قَد ضَيَّعنَ في الأَرضِ فَرقَدا
وَطَوراً أَراها جازِعاتٍ كَأَنَّما / تَخافُ مَعَ الظَلماءِ أَن تَتَبَدَّدا
أَهينُّ إِلَيها رائِحات وَعُوَّدا / سَلامٌ عَليها رَإِحات وَعُوَّدا
تَهُشُّ إِلَيها مُقبِلاتٍ جَوارِحي / كَما طَرِبَ الساري رَأى النورَ فَاِهتَدى
وَأُلقي إِلَيها السَمعَ ما طالَ هَمسُها / كَذَلِكَ يَستَرعي الأَذانُ المُوَحَّدا
وَيَغلِبُ نَفسي الحُزنُ عِندَ رَحيلِها / كَما تَحزَنُ الأَزهارُ زايَلَها النَدى
كَرِهتُ زَوالَ اللَيلِ خَوفَ زَوالِها / وَعَوَّدتُ طَرفي النَومَ حَتّى تَعَوَّدا
وَلَو أَنَّها في الصَحوِ تَطرُقُ مَضجَعي / حَميتُ الكَرى جَفني وَعِشتُ مُسَهَّدا
وَلَو لَم تَكُن تَعتادُ مِنِّيَ مِثلَها / خَيالاتِها هَمَّت بِأَن تَتَقَيَّدا
فَيا لَيتَني طَيفٌ أَروح وَأَغتَدي / وَيا لَيتَها تَستَطيعُ أَن تَتَقَيَّدا
نَحِلتُ إِلى أَن كِدتُ أُنكِرُ صورَتي / وَأَخشى لِفَرطِ السُقمِ أَن أَتَنَهَّدا
مَبيتي عَلى مِثلِ الوَثيرِ لَيانَةً / وَأَحسَبُني فَوقَ الأَسِنَّة وَالمَدى
كَأَنَّ خُيوطَ المَهدِ صارَت عَقارِباً / كَأَنَّ وِسادي قَد تَحَوَّلَ جامِدا
لَقَد توشِكُ الحُمّى إِذ جَدَّ جَدُّها / تُقَوِّمُ مِن أَضلاعِيَ المُتَأَوِّدا
تُصَوِّرُ لي طَيفَ الخَيالِ حَقيقَةً / وَأَحسَبُ شَخصاً واحِداً مُتَعَدِّدا
لَقَد ضَعضَعَتني وَهِيَ سِر وَلَم يَكُن / يُضَعضِعُني صرِفُ الزَمانِ إِذا عَدا
إِذا ما أَنا أَسنَدتُ رَأسي إِلى يَدي / رَمتني مِنها بِالَّذي يوهِنُ اليَدا
تَغَلغَلَ في جِسمي النَحيلِ أُوارُها / فَلَو لَم أُقَدَّ الثَوبَ عَنهُ تَوَقَّدا
رَأَيتُ الَّذي لَم يُبصِرِ الناسَ نائِماً / وَطُفتُ الدُنى شَرقا وَغَرباً مُوَسَّدا
يَقولُ النُطاسي لَو تَبَلَّدتَ ساعَةً / تَبَلَّدتُ لَو أَنّي أُطيقُ التَبَلُّدا
تَهامَسَ حَولي العائِدون وَرَجَّموا / وَعَنَّفَ بَعضُ الجاهِلين وَفَنَّدا
فَما ساءَني إِلّا شَماتَةُ مَعشَرٍ / رَجَوتُ بِهِم عِندَ الشَدائِدِ مُسعِدا
أَسَأتُ إِلَيهِم بَل أَساؤوا فَإِنَّني / ظَنَنتُهُم شَراوِيَ خُلقا وَمَحتِدا
أَحَبَّ الضَنى قَومٌ لِأَنّي ذُقتُهُ / وَأَحبَبتُهُ كَيما يُحِب وَيُحسَدا
وَوَدَّ أُناسٌ لَو يُعاجِلُني الرَدى / كَأَنِّيَ أَرجو فيهِم أَن أُخَلَّدا
وَما ضَمِنوا أَن لا يَموتوا وَإِنَّما / يَوَدُّ زَوالَ الشَمسِ مَن كانَ أَرمَدا
إِذا اللَيلَ أَعياهُ مُساجَلَةَ الضُحى / تَمَنَّي لَو أَنَّ الصُبحَ أَصبَحَ أَسوَدا
عَلى أَنَّني وَالداءُ يَأكُلُ مُهجَتي / أَرى العارَ كُلَّ العارِ أَن أَحسُدَ العِدى
فَإِنَّ الَّذي بِالجِسمِ لا بُدَّ زائِلُ / وَلَكِنَّ ما بِالطَبعِ يَنفَكُّ سَرمَدا
لَئِن أَجلَبَ الغَوغاءُ حَولي وَأَفحَشوا / فَكَم شَتَموا موسى وَعيسى وَأَحمَدا
وَلا عَجَبٌ أَن يُبغِضَ الحُرَّ جاهِلٌ / مَتى عَشِقَ البومُ الهَزارَ المُغَرِّدا
وَإِنِّيَ في كَبتِ العُداة وَكَيدِهِم / كَمَن يَسلُكُ الدَربَ القَصيرَ المُعَبَّدا
وَلَكِنَّني أَعفو وَلِلغَيظِ سَورَةٌ / أُعَلِّمُ أَعدائي المُروأَة وَالنَدى
أَلا رُبَّ غِرٍّ خامَرَ الشَكُّ نَفسَهُ / فَلَمّا رَآني أَبصَرَ البَحرَ مُزبَدا
فَأَصبَحَ يَخشاني وَقَد بِتُّ ساكِتاً / كَما كانَ يَخشاني وَقَد كُنتُ مُنشِدا
وَيَرهَبُ إِسمي أَن يَطيفَ بِسَمعِهِ / كَما تَتَّقي الدَرداءَ حَرفاً مُشَدَّدا
وَمَن نالَ مِنهُ السَيف وَهوَ مُجَرَّدٌ / تَهَيَّبَ أَن يَرنو إِلى السَيفِ مُغمَدا
أُحِبُّ الأَبِيَّ الحُرَّ لا وُدَّ عِندَهُ / وَأَقلى الذَليلَ النَفسِ مَهما تَوَدَّدا
وَبَينَ ضُلوعي قُلَّبٌ ما تَمَرَّدَت / عَلَيهِ بَناتُ الدَهرِ إِلّا تَمَرَّدا
وَلَو أَنَّ مَن أَهوى أَطالَ دَلالَهُ / مَنَعتُ هَواهُ أَن يَجوزَ بِيَ المَدى
لِتَرمِ العَوادي بِيَ العَوادي فَإِنَّني / تَرَكتُ لِمَن يَهواهُما اللَهو وَالدَدا
فَدَيناكَ لَوَ اِنَّ الرَدى قَبِلَ الفِدا
فَدَيناكَ لَوَ اِنَّ الرَدى قَبِلَ الفِدا / بِكُلِّ نَفيسٍ بِالنَفائِسُ يُفتَدى
أَبى المَوتُ إِلّا أَن يَنالَكَ سَهمُهُ / وَأَلّا يَرى شَملَ السَخاءِ مُبَدَّدا
فَأَقدَمَ لا يَبغي سِواك وَكُلَّما / دَرى أَنَّهُ يَبغي عَظيماً تَشَدَّدا
دَهاكَ الرَدى لَكِن عَلى حينِ فَجأَةٍ / فَتَبَّت يَداهُ غادِرٌ صَرَعَ النَدى
دَهاك وَلَم يُشفِق عَلى الصِبيَةِ الأُلى / تَرَكتُهُم يَبكونَ مَثنى وَمَوحَدا
فَقَدت وَأَوجَدتَ الأَسى في قُلوبِنا / أَسىً كادَ لَولا لدَمعِ أَن يَتَوَقَّدا
بَكَيناكَ حَتّى كادَ يَبكي لَنا الصَفا / وَحَتّى بَكَت مِمّا بَكَينا لَهُ العِدى
وَما كادَ يَرقى الدَمعُ حَتّى جَرى بِهِ / غَدٌ عِندَما يا لَيتَنا لَم نَرَ غَدا
وَقَضَت طِفلَةٌ تَحكي المَلاكَ طَهارَةً / وَأَلحَقَها المَوتُ الزُؤامُ بِمَن عَدا
لَقَد ظَعِنَت تَبغي لُقاكَ كَأَنَّما / ضَربتَ لَها قَبلَ التَفَرُّقِ مَوعِدا
كَأَنَّ لَها نَذراً أَرادَت قَضائَهُ / كَأَنَّكَ أَنتَ الصَوتُ جاوَبَهُ الصَدى
مَشَت في طَريقٍ قَد مَشى فيهِ بَعدَها / فَتاكَ الَّذي أَعدَدتَ مِنهُ المُهَنَّدا
فَتىً طابَ أَخلاقا وَطابَ مَحامِداً / وَطابَ فُؤاداً مِثلَما طابَ مَحتَدا
فَتىً كانَ مِثلَ الغُصنِ في عُنفُوانِهِ / فَلِلَّهِ ذاكَ الغُصنُ كَيفَ تَأَوَّدا
تَعَوَّدَ أَن يَلقاكَ في كُلِّ بُكرَةٍ / فَكانَ قَبيحَ تُركٍ ما قَد تَعَوَّدا
فُجِعنا بِهِ كَالبَدرِ عِندَ تَمامِهِ / وَلَم نَرَ بَدراً قَبلَهُ الأَرضَ وُسِّدا
فَلَم يَبقَ طَرفٌ لَم يَسِل دَمعُهُ دَماً / وَلَم يَبقَ قَلبٌ في المَلا ما تَصَعَّدا
كَوارِثٌ لَو نابَت جِبالاً شَواهِقاً / لَخَرَّت لَها تِلكَ الشَواهِقُ سُجَّدا
وَلَو اِنَّها في جامِدٍ صارَ سائِلاً / وَلَو اِنَّها في سائِلٍ صارَ جامِدا
أَفَهمي إِنَّ الصَبرَ أَليَقُ بَِلفَتى / وَلا سِيَّما مَن كانَ مِثلَكَ سَيِّدا
فَكُن قُدوَةً لِلصابِرينَ فَإِنَّما / بِمِثلِكَ في دَفعِ المُلِمّاتِ يُقتَدى
لَعَمرُكَ ما الأَحزانُ تَنفَعُ رَبَّها / فَيَجمُلُ بِالمَحزونِ أَن يَتَجَلَّدا
فَما وُجِدَ الإِنسانُ إِلّا لِيُفقَدا / وَما فُقِدَ الإِنسانُ إِلّا لِيوجَدا
وَما أَحَدٌ تَنجو مِنَ المَوتِ نَفسُهُ / وَلَو اِنَّهُ فَوقَ السَماكينِ أُصعِدا
فَلا يَحزَنِ الباكي وَلا تَشمَتِ العِدا / فَكُلُّ اِمرِئٍ ياصاحِ غايَتُهُ الرَدى
شُهورُ العامِ أَجمَلُها رَبيعٌ
شُهورُ العامِ أَجمَلُها رَبيعٌ / وَأَبغَضَها إِلى الدُنيا جُمادى
وَخَيرُ المالِ ما أَمسى زَكاةً / وَخَيرُ الناسِ مَن نَفَعَ العِبادا
بِرَبِّكَ قُل لَنا وَخَلاكَ ذَمٌّ / أَعيسى كانَ يَدَّخِرُ العَتادا
تَنَبَّه أَيُّها الراعي تَنَبَّه / فَمَن حَفِظَ الوَرى حَفِظَ العِبادا
خِرافُكَ بَينَ أَشداقِ الضَواري / وَمِثلُكَ مَن حَمى وَوَقّى النِقادا
تَبَدَّلَ أَمنُهُم رُعُبا وَخَوفاً / وَصارَت نارُ أَكثَرِهِم رَمادا
لَقَد أَكَلَ الجَرادُ الأَرضَ حَتّى / تَمَنّوا أَنَّهُم صاروا جَرادا
فَما لَكَ لا تَجودُ لَهُم بِشَيءٍ / وَقَد رَقَّ العَدُوُّ لَهُم وَجادا
وَمالَكَ لا تُجيبُ لَهُم نِداءً / كَأَنَّ سِواكَ لا أَنتَ المُنادى
وَرَبَّتَ ساهِرٍ في بَعلَبَكِّ / يُشاطِرُ جَفنُهُ النَجمَ السَهادا
يَزيدُ اللَيلُ كُربَتَهُ اِشتِداداً / وَفَرطُ الهَمِّ لَيلَتَهُ سَوادا
إِذا مالَ النُعاسُ بِأَخدَعَيهِ / ثَنى الذُعرُ الكَرى عَنه وَذادا
بِهِ الداءانِ مِن سَغَب وَخَوفٍ / فَما ذاقَ الطَعام وَلا الرُقادا
تَطوفُ بِهِ أُصَيبِيَةٌ صِغارٌ / كَأَنَّ وُجوهَهُم طُلِيَت جِسادا
جِياعٌ كُلَّما صاحوا وَناحوا / تَوَهَّمَ أَنَّ بَعضَ الأَرضِ مادا
إِذا ما اِستَصرَخوه وَضاقَ ذَرعاً / نَبا عَنهُم وَما جَهِلَ المُرادا
وَلَكِن لَم يَدَع بُؤسَ اللَيالي / طَريفاً في يَدَيه وَلا تِلادا
وَلَو تَرَكَ الزَمانُ لَهُ فُؤاداً / لَما تَرَكَت لَهُ البَلوى فُؤادا
أَتَفتَرِشُ الحَرير وَتَرتَديهِ / وَيَفتَرِشُ الجَنادِل وَالقَتادا
وَيَطلُبُ مِن نَباتِ الأَرضِ قوتاً / وَتَأبى غَيرَ لَحمِ الطَيرِ زادا
وَتَهجَعُ هانِئً جَذلاً قَريراً / وَقَد هَجَرَ الكَرى وَجَفا الوِسادا
عَجيبٌ أَن تَكونَ كَذا ضَنيناً / وَلَم تُبصِر بِنا إِلّا جَوادا
أَما تَخشى مَقالَةَ ذي لِسانِ / أَماتَ الناسَ كَي يُحيِ الجَمادا
لِذاتُكَ هَمُّهُم نَفعُ البَرايا / وَهَمُّكَ أَن تَكيد وَأَن تُكادا
نَزَلتَ بِنا فَأَنزَلناكَ سَهلاً / وَزِدناكَ النُضارَ المُستَفادا
فَكانَ حَزَأُنا أَن قُمتَ فينا / تُعَلِّمُنا القَطيعَة وَالبُعادا
فَلَمّا ثارَ ثائِرُ كُلِّ حُرٍّ / رَجِعتَ اليَومَ تَمتَدِحُ الحِيادا
أَتَدفَعُ بِالغَوِيِّ إِلى التَمادي / وَتَعجَبُ بَعدَ ذَلِكَ إِن تَمادى
سَكَتَّ فَقامَ في الأَذهانِ شَكٌّ / وَقُلتَ فَأَصبَحَ الشَكُّ اِعتِقَدا
تَجَهَّمتَ القَريضَ فَفاضَ عَتَباً / وَإِن أَحرَجتَهُ فاضَ اِنتِقادا
وَلَولا أَن أَثَرتَ الخُلفَ فينا / وَدِدنا لَو مَخَضناكَ الوِدادا
لَوعَةٌ في الضُلوعِ مِثلَ جَهَنَّمِ
لَوعَةٌ في الضُلوعِ مِثلَ جَهَنَّمِ / تَرَكَت هَذِهِ الضُلوعَ رَمادا
بِتُّ مَرمى لِلدَهرِ بي يَتَعَلَّم / كَيفَ يُصمي القُلوب وَالأكبادا
كَيفَ يَنجو فُؤادُهُ أَو يَسلَم / مَن تَمادى بِهِ الأَسى فَتَمادى
أَنا لَولا الشُعورُ لَم أَتَأَلَّم / لَيتَ هذا الفُؤادَ كانَ جَمادا
كَيفَ لا أَبكي وَفي العَينِ دُموع / كَيفَ لا ئشكو وَفي القَلبِ صُدوع
قَلَّ في الناسِ مَن صَبَر / مُخـــــــــــــــــــــــــــتارا
لَحظَةٌ ثُمَّ صارَ ضِحكي وَجيبا / وَنَشيجا وَالنَومُ صارَ سُهادا
رَبِّ لَمّا خَلَقتَ هَذي الخُطوبا / لِمَ لَم تَخلُقِ الحَشا فولادا
كُلَّما قُلتُ قَد وَجَدتُ حَبيبا / طَلَعَ المَوتُ بَينَنا يَتَهادى
صِرتُ في هَذِهِ الحَياةِ غَريبا / لَيتَ سُهدي الطَويلَ كانَ رُقادا
فَتَجَلَّد أَيُّها القَلبُ الجَزوع / أَو تَدَفَّق كُلَّما شاءَ الوَلوع
عَندَماً أَو دَماً هُدِر / أَو نـــــــــــــــــــــــــــارا
مَن كانَ بَينَ الكَرى وَبَينِيَ صُلُحُ / فَأَرادَ القَضاءَ أَن نَتعادى
لَم أَكَد أَخلَعُ السَواد وَأَصحو / مِن ذُهولي حَتّى لَبِستُ السَوادا
في فُؤادي لَو يَعلَمُ الناسُ جُرحٌ / لا يُلاشى حَتّى يُلاشى الفُؤادا
يا خَليلي هَيهاتَ يَنفَعُ نُصحُ / بَعدَما ضَيَّعَ الحَزينُ الرَشادا
أَنتَ لا تَستَطيعُ إِحياءَ الصَريع / وَأَنا حَملَ الأَسى لا أَستَطيع
ذا الَّذي صَيَّرَ الكَدَر / إِكـــــــــــــــــــــــــــــــــدارا
يا ضَريحاً عَلى ضِفافِ الوادي / جادَ مِن أَجلِكَ الغَمامُ البِلادا
فيكَ أَودَعتُ مُنذُ سِتٍّ فُؤادي / وَبِرَغمي أَطَلتُ عَنكَ البِعادا
غَيرَ أَنّي وَإِن عَدَتني العَوادي / ما عَدَتني بِالروحِ أَن أَرتادا
أَنبَتَت حَولَكَ الزُهورُ الغَوادي / وَاللَيالي أَنبَتنَ حَولي القَتادا
وَذُبولُ الغُصنِ في فَصلِ الرَبيع / لَو رَآهُ شَجَرُ الرَوضِ المَريع
جَمَدَ الماءُ في الشَجَر / مُحـــــــــــــــــــــــــــــــــتارا
كَيفَ لا يَتَّقي الكَرى أَجفاني / وَجُفوني قَدِ اِستَحَلنَ صِعادا
وَدُموعي بِلَونِها الأُرجُواني / مَنهَلٌَ لَيسَ يُعجِبُ الوُرّادا
وَالَّذي في الضُلوعِ مِن نيرانِ / صارَ ثَوبا وَمَقعَدا وَوِسادا
كَيفَ يَقوى عَلى الشَدائِدِ عانِ / أَكَلَ السُقمُ جِسمَهُ أَو كادا
فَإِذا ما غَشِيَ الطَرفَ النَجيع / فَتَذَكَّر أَنَّهُ القَلبُ الصَديع
كَظَّهُ الحُزنُ فَاِنفَجَر / اِنفِجـــــــــــــــــــــــــــــــارا
طائِرٌ كانَ في الرُبى يَتَغَنّى / أَصبَحَ اليَومَ يَحمِلُ الأَصفادا
غُصنٌ كان وَالصِبا يَتَثَنّى / هَصَرَتهُ يَدُ الرَدى فَاِنآدا
نالَ مِنّي الزَمانُ ما يَتَمَنّى / وَأَبى أَن أَنالَ مِنهُ مُرادا
وَتَجَنّى ما شاءَ أَن يَتَجَنّى / وَاِستَبَدَّت صُروفُهُ اِستِبدادا
حَطَّمَ السَيف وَما أَبقى الدُروع / وَتَداعى دونَهُ السورُ المَنيع
وَأَراني مِنَ العِبَر / أَطــــــــــــــــــــــــــــــــــوارا
ما لِهَذي النُجومِ تَأبى الشُروقا / أَتَخافُ الكَواكِبُ الأَرصادا
فَرطَ البَينُ عِقدَها المَنسوقا / أَم لِما بي أَرى البَياضَ سَوادا
أَم فَقِدنَ كَما فَقَدتُ شَقيقا / فَلَبِسنَ الدُجى عَلَيهِ حِدادا
ما لِعَيني لا تُبصِرُ العَيّوقا / وَلَقَد كانَ ساطِعاً وَقّادا
سافِراً يَختالُ في هَذا الرَقيع / هَل أَتاهُ نَبَءُ الخَطبِ الفَظيع
أَم رَأى مَصرَعَ القَمَر / فَتَـــــــــــــــــــــــــــــــــوارى
سَدَّدَ الدَهرُ قَوسَه وَرَماني / لَم تَحُد مُهجَتي وَلا السَهمُ حادا
هَكَذا أَسكَتَت صُروفُ الزَمانِ / بُلبُلاً كانَ نَوحُهُ إِنشادا
فَهوَ اليَومَ في يَدِ السَجّانِ / يَشتَهي كُلَّ ساعَةٍ أَن يُصادا
فَاِحسِبوني أُدرِجتُ في الأَكفانِ / إِن أَنَفتُم أَن تَحسِبوا القَولَ بادا
لَيسَ في هَذي وَلا تِلكَ الرُبوع / ما يُسَلّي النَفسَ عَن ذاكَ الضَجيع
قَبرَهُ جادَكَ المَطَر / مِـــــــــــــــــــــــــــــــــــــدرارا
يا شاعِرَ الحُسنِ هَذي رَوعَةُ العيدِ
يا شاعِرَ الحُسنِ هَذي رَوعَةُ العيدِ / فَاِستَنجِدِ الوَحي وَاِهتُف بِالأَناشيدِ
هَذا النَعيمُ الَّذي قد كُنتَ تَنشدُهُ / لا تَلْهُ عَنهُ بِشَئي غَيرِ مَوجودِ
مَحاسِنُ الصَيفِ في سَهل وَفي جَبَلٍ / وَنَشوَةُ الصَيفِ حَتّى في الجَلاميدِ
وَلَستَ تُبصِرُ وَجهاً غَيرَ مُؤتَلِقٍ / وَلَستَ تَسمَعُ إِلّا صَوتَ غِرّيدِ
قُم حَدِّثِ الناسَ عَن لُبنانَ كَيفَ نَجا / مِنَ الطُغاةِ العُتاةِ البيض وَالسودِ
وَكَيفَ حَشَّت دِمَشقُ بَعدَ مِحنَتِها / وَاِستَرجَعَت كُلَّ مَسلوب وَمَفقودِ
فَاليَومَ لا أَجنَبِيٌّ يَسَتَبِدُّ بِنا / وَيَستَخِفُ بِنا اِستِخفافَ عِربيدِ
يا أَرزُ صَفِّق وَيا أَبنائُهُ اِبتَهِجوا / قَد أَصبَحَ السِربُ في أَمنٍ مِنَ السَيِّدِ
ما بُلبُلٌ كانَ مَسجوناً فَأَطلَقَهُ / سَحّانُهُ بَعدَ تعذيب وَتَنكيدِ
فَراحَ يَطوي الفَضاءَ الرَحبَ مُنطَلِقاً / إِلى الرُبى وَالسَواقي وَالأَماليدِ
إِلى المُروجِ يُصلي في مَسارِحِها / إِلى الكُرومِ يُغني لِلعَناقيدِ
مِنّي بِأَسعَدَ نَفساً قَد نَزِلَت عَلى / قَومي الصَناديدِ أَبناءَ الصَناديدِ
سَماءُ لُبنانَ بِشرٌ في مَلامِحِم / وَفَجرُهُ في ثُغورِ الخُرَّدِ الغيدِ
إِن تَسكُنوا الطَودَ صارَ الطَودُ قُبلَتَنا / أَو تَهبِطوا البيدَ لَم نَعشَق سِوى البيدِ
ما لِهِندٍ وَكُلُّ حَسناءَ هِندٌ
ما لِهِندٍ وَكُلُّ حَسناءَ هِندٌ / كُلَّ يَومٍ تَبدو بِزِيٍّ جَديدِ
تَلبِسُ الثَوبَ يَومَها وَهيَ تَطريـ / ـه وَتَطريهِ عِندَها كُلُّ خَودِ
فَإِذا جاءَ غَيرُهُ أَنكَرَتهُ / فَرَأَينا الحَميدَ غَيرَ حَميدِ
أَولَعَت نَفسَها بِكُلِّ طَريفٍ / لَيتَها أَولَعَت بِبَعضِ التَليدِ
أَصبَحَت تَعشَقُ المِشَد وَلَم أُبـ / ـصِر طَليقاً مُتَيَّماً بَِلقُيودِ
رَحمَةً بِالخُصورِ أَيَّتُها الغيـ / ـد وَرِفقاً رِفقاً بِتِلكَ القُدودِ
ما جَنَتهُ الزُنودُ حَتّى يَنالَ الـ / ـعُريُ مِنها يا عارِياتِ الزُنودِ
لَهَفَ نَفسي عَلى المَعاصِمِ تَغدو / غَرَضَ الحَرِّ عُرضَةً لِلجَليدِ
عَلامَ الأَذيالُ أَمسَت طِوالاً / كَلَيالي الصُدودِ أَو كَالبُنودِ
لَو تَكونُ الذُيولُ أَعمارَ قَومٍ / لَضَمِنّا لَهُم نَوالَ الخُلودِ
قَصَرَت هَمَّها الحِسانُ عَلى اللَه / و وَيا لَيتَ لَهوَها بِالمُفيدِ
ساءَ حالُ الأَزواجِ في عَصرِنا هَـ / ـذا وَساءَت أَحوالُ كُلِّ وَليدِ
كُلُّ زَوجٍ شاك وَكُلُّ صَغيرٍ / دامِعِ الطَرفِ كارِهٍ لِلوُجودِ
يَظلُمُ الدَهرُ حينَ يَعزو إِلَيهِ / البُؤس وَالبُؤسُ كُلُّ أُمٍّ كَنودِ
لا رَعى اللَهُ زَوجَةً تُنفِقُ الأَمـ / ـوال وَالعُمرَ في اِقتِناءِ البُرودِ
لَيسَ في اللَهو وَالبَطالَةِ فَخرٌ / إِنَّما الفَخرُ كُلُّ عُرسٍ كَدودِ
مِن أُسودٍ تَسَربَلَت بِالحَديدِ
مِن أُسودٍ تَسَربَلَت بِالحَديدِ / وَمِنَ الجِنِّ في رَواءِ الجُنودِ
يُنشِدونَ الوَغى وَما يُنشِدُ / الحَسناءَ غَيرُ المُتَيَّمِ المَعمودِ
كُلُّ قِرمٍ عَلَيهِ دِرعٌ مِنَ الصَبرِ / وَدِرعٌ مَسرودَةٌ مِن حَديدِ
تَحتَهُ أَجرَدُ أَشَدُّ حنيناً / وَاِشتِياقاً إِلى الوَغى مِن نَجيدِ
سابِحٌ عِندَهُ العَسيرُ يَسيرٌ / وَالقَصِيُّ القَصِيُّ غَيرُ بَعيدِ
وَصَبا لِلنُجومِ مَن قَد عَلاهُ / أَصبَحَ الجَوُّ تَحتَهُ كَالصَعيدِ
تَحسَبُ الأَرضُ قَد جَرَت حينَ يَجر / وَتَراهُ كَأَنَّهُ في رُكودِ
إِنَّما يَركَبُ الجَوادُ جَوادٌ / وَيَصونُ الذَمّارَ غَيرُ بَليدِ
وَخَميسٍ يَحكي النُجومَ اِنتِظاماً / عَجَباً مِن كَواكِبٍ في بيدِ
أَوقَعَ الرُعبَ في قُلوبِ الضَواري / فَاِستَكانَت كَأَنَّها في قُيودِ
أَصبَحَت تَهجُرُ المِياه وَكانَت / لا تَرى الماءَ غَيرَ ماءِ الوَريدِ
خافِقاتٍ أَعلامُهُ أَرَأَيتُم / كَقُلوبِ العُشّاقِ عِندَ الصُدودِ
قادَهُ ذَلِكَ الغَضَنفَرُ نوجي / وَيُناطُ الحُسامُ بِالصِنديدِ
رَجُلٌ دونَهُ الرِجالُ مَقاماً / مُشبِهٌ في الأَنامِ بَيتَ القَصيدِ
كُلُّ سَيفٍ في غَيرِ قَبضَةِ نوجي / فَهوَ عِندَ السُيوفِ غَيرُ سَعيدِ
يا يَراعي سَل بورتَ آرثور عَنهُ / إِنَّ تِلكَ الحُصونِ خَيرُ شَهيدِ
مَعقِلٌ أَصبَحَت جَحافِلُ هيتو / حَولَهُ كَالعُقودِ حَولَ الجيدِ
هَجَموا هَجمَةَ الضَراغِمِ لَمّا / هَسَبوها فَريسَةً لِلأُسودِ
وَتَعالى الضَجيجُ لِلأُفقِ حَتّى / كادَ ذاكَ الضَجيجُ بِالأُفقِ يودي
وَتَوالى هُجومُهُم وَالمَنايا / ضاحِكاتٌ فَيا لَها مِن صُيودِ
كَم جَريحٍ مُضَرَّجٍ بِدِماهُ / وَقَتيلٍ عَلى الثَرى مَمدودِ
وَأَسيرٍ إِلى أَسيرٍ يُساقونَ / تِباعاً إِلى الشَقاءِ العَتيدِ
أَسطَرَتهُم مَدافِعُ الروسِ ناراً / أَصبَحوا بَعدَها بِغَيرِ جُلودِ
دامَتِ الحَربُ أَشهُراً كُلَّما قيلَ / خَبَت نارُها ذَكَت مِن جَديدِ
وَالمَنايا تَحومُ حَولَ الَرايا / حَومَةَ العاشِقينَ حَولَ الغيدِ
حَيثُ حَظُّ المِقدامِ مِثلُ سِواهُ / وَكَحَظِّ الكَبيرِ حَظُّ الوَليدِ
صَبَرَ الروسُ صَبرَ أَيّوبٍ لِلبَلوى / وَعَلى ذَلِكَ العَدُوِّ العَنيدِ
غَيرَ أَنَّ الأَيّامَ طالَت وِستوسَل / يُمني أَجفانَهُ بِالهُجودِ
فَتَوَلّاهُمُ القُنوطُ مِنَ النَصرِ / فَرَدّوا أَسيافَهُم لِلغُمودِ
كانَ هَذا لِلصُفرِ عيدا وَعِندَ / الروسِ ضَرباً مِنَ اللَيالي السودِ
قَلعَةٌ صانَها الزَمانُ فَلَولا / كَيدُ نوجي لَبَشَّرتُ بِالخُلودِ
في المَنزِلِ المَهجورِ أَذكُرُكُم
في المَنزِلِ المَهجورِ أَذكُرُكُم / فَأَخالَني في جَنَّةِ الخُلدِ
أَنتُم مَعي في كُلِّ آوِنَةٍ / وَالناسُ تَحسَبُ أَنَّني وَحدي
مِثلِيَ هَذا النَجمُ في سُهدِهِ
مِثلِيَ هَذا النَجمُ في سُهدِهِ / وَمِثلُهُ المَحبوبُ في بُعدِهِ
يَختالُ في عَرضِ السَما تائِهاً / كَأَنَّما يَختالُ في بُردِهِ
إِن شِئتَ فَهوَ المَلِكُ في عَرشِهِ / أَو شِئتَ فَهوَ الطِفلُ في مَهدِهِ
يَرمَقُنو شَذَراً كَأَنّي بِهِ / يَحسَبُني أَطمَعُ في مَجدِهِ
يَسعى وَلا يَسعى إِلى غايَةٍ / كَمَن يَرى الغايَةَ في جَدِّهِ
كَأَنَّما يَبحَثُ عَن ضائِعٍ / لا يَستَطيعُ الصَبرَ مِن بَعدِهِ
طالَ سُراه وَهوَ في حَيرَةٍ / كَأَنَّهُ المَحزونُ في وَجدِهِ
في جُنحِ لَيلٍ حالِكٍ فاحِمٍ / كَأَنَّ حَظِيَ قُدَّ مِن جِلدِهِ
لا يَحسُدُ الأَعمى بِهِ مُبصِراً / كِلاهُما قَد ضَلَّ عَن قَصدِهِ
ساوَرَني الهَم وَساوَرتُهُ / ما أَعجَزَ الإِنسانَ عَن رَدِّهِ
ما أَعجَبَ الدَهر وَأَطوارَهُ / في عَينِ مَن يُمعِنُ في نَقدِهِ
جَرَّبتَهُ دَهراً فَما راقَني / مِن هَزلِهِ شَيء وَلا جَدِّهِ
أَكبَرَ مِنهُ أَنَّني زاهِدٌ / ما زَهِدَ الزاهِدُ في زُهدِهِ
أَكبَرَ مِنّي ذا وَأَكبَرتُ أَن / يَطمَعَ أَن أَطمَعَ في رَفدِهِ
وَعَدَّني أُعجوبَةً في الوَرى / مُذ رُحتُ لا أَعجَبُ مِن حِقدِهِ
يا رُبَّ خَلِّ كانَ دوني نُهىً / عَجِبتُ مِن نَهسي وَمِن سَعدِهِ
وَعائِشٍ يَخطُرُ فَوقَ الثَرى / أَفضَلُ مِنهُ المَيتُ في لَحدِهِ
أَصبَحَ يَجني الوَردَ مِن شَوكِهِ / وَبِتُّ أَجني الشَوكَ مِن وَردِهِ
أَكذِبُ إِن صَدَّقتُهُ بَعدَما / عَرَفتُ مِنهُ الكَذِبَ في وَعدِهِ
لا أَشتَكي الضَرَّ إِذا مَسَّني / مِنه وَلا أَطرُبُ مِن رَغدِهِ
أَعلَمُ أَنَّ البُؤسَ مُستَنفَذٌ / وَالرَغدُ ما لا بُدَّ مِن فَقدِهِ
إِذا اللَيالي قَرَّبَت نازِحاً / وَكُنتَ مُشتاقاً إِلى شَهدِهِ
أُمَلِّكُ عَنهُ النَفسَ في قُربِهِ / خَوفاً مِنَ الوَحشَةِ في صَدِّهِ
وَإِن أَرَ الحُزنَ عَلى فائِتٍ / أَضَرَّ بِيَ الحُزن وَلَم يُجدِهِ
مالي وَما لِلرَشَإِ الأَغيَدِ
مالي وَما لِلرَشَإِ الأَغيَدِ / خَلَت مِنَ الحُب وَمِنهُ يَدي
نَأى فَما في قُربِهِ مَطمَعٌ / لا تَصِلُ الكَفُّ إِلى الفَرقَدِ
قَطَعتُ بِاليَأسِ حِوطَ المُنى / وَقُلتُ لِلسَلوانِ لا تَبعُدِ
وَصِرتُ لا يُطريني مُنشِدٌ / وَلا أَنا أَصبو إِلى مُنشِدِ
أَسيرُ في الرَوضَةِ عِندَ الضُحى / حَيرانَ كَالمُدلِجِ في فَدفَدِ
أَمامِيَ الماء وَلا أَرتَوي / وَحَولِيَ النور وَلا أَهتَدي
يا لَيتَ شِعرتي أَينَ عَهدُ الصِبا / وَأَينَ أَحلامُ الفَتى الأَمرَدِ
وَلّى وَوَلَّت كَخَيالِ الكَرى / يَلوحُ في الذُهن وَلَم يوجَدِ
فَيا قُلوبَ الكاشِحينَ اِسكُني / وَيا عُيونَ الحاسِدينَ اِرقُدي
وَيا شِياهاً تَتَّقي صَولَتي / قَلَّمتُ أَظفارِيَ فَاِستَأسِدي
يا سائِلي عَن أَمسِ كَيفَ اِنقَضى / دَعه وَسَلني يا أَخي عَن غَدِ
أَروَحُ لِلنَفس وَأَهنا لَها / أَن تَحسُبَ الماضِيَ لَم يولَدِ
جَلَست وَقَد هَجَعَ الغافِلون
جَلَست وَقَد هَجَعَ الغافِلون / أُفَكِّرُ في أَمسِنا وَالغَدِ
وَكَيفَ اِستَبَدَّ بِنا الظالِمون / وَجاروا عَلى الشَيخ وَالأَمرَدِ
فَخِلتُ اللَواعِجَ بَينَ الجُفونِ / وَأَنَّ جَهنَّمَ في مَرقَدي
وَضاقَ الفُؤادُ بِما يَكتُمُ / فَأَرسَلَتِ العَينُ مِدرارَها
ذَكَرتُ الحُروب وَوَيلاتِها / وَما صَنَعَ السَيف وَالمِدفَعُ
وَكَيفَ تَجورُ عَلى ذاتِها / شُعوبٌ لَها الرُتبَةُ الأَرفَعُ
وَتَخضُبُ بِالدَمِ راياتِها / وَكانَت تَذُمُّ الَّذي تَصنَعُ
فَباتَت بِما شيدَت تَهدُمُ / صُروحَ العُلوم وَأَسرارَها
نِسَأٌ تَجودُ بِأَولادِها / عَلى المَوت وَالمَوتُ لا يَرحَمُ
وَجُندٌ تَجودُ بِأَكبادِها / عَلى الأَرض وَالأَرضُ لا تَعَلمُ
وَتَغدو الطُيورُ بِأَجسادِها / فَإِن عَطِشَت فَالشَرابُ الدَمُ
وَفي كُلِّ مَنزِلَةٍ مَأتَمُ / تَشُقُّ بِها الغَدُ أَزرارَها
لَقَد شَبِعَ الذِئب وَالأَجدَلُ / وَأَقفَرَتِ الدور وَالأَربُعُ
فَكَم يَقتُلُ الجَحفَلَ الجَحفَلُ / وَيَفتُكُ بِالأَروَعِ الأَروَعُ
وَلَن يُرجِعَ القَتلُ مَن قُتِّلوا / وَلَن يَستَعيدَ الَّذي ضَيَّعوا
فَبِئسَ الأُلى بِالوَغى عَلِموا / وَبِئسَ الأُلى أَجَّجوا نارَها
أَمِن أَجلِ أَن يَسلَمَ الواحِدُ / رُطَلُّ الدِماء وَتَفنى الأُلوف
وَيَزرَعُ أَولادَهُ الوالِدُ / لِتَحصِدَهُم شَفَراتُ السُيوف
أُمورٌ يَحارُ بِها الناقِدُ / وَتُدمي فُؤادَ اللَبيبِ الحَصيف
فَيا لَيتَ شِعري مَتى يَفهَمُ / مَعاني الحَياة وَأَسرارَها
وَحَوَّلتُ طَرفي إِلى المَشرِقِ / فَلَم أَرَ غَيرَ جِبالِ الغُيوم
تَحولُ عَلى بَدرِهِ المُشرِقِ / كَما اِجتَمَعَت حَولَ نَفسي الغُموم
فَأَسنَدتُ رَأسي إِلى مِرفَقي / وَقُلت وَقَد غَلَبَتني الهُموم
بِرَبِّكِ أَيَّتُها الأَنجُمُ / مَتى تَضَعِ الحَربُ أَوزارَها
كَما يُقتَلُ الطَيرُ في الجَنَّةِ / وَيَقتَنِصُ الظَبيُ في السَبسَبِ
كَذَلِكَ يُجنى عَلى أُمَّتي / بِلا سَبَب وَبِلا موجِبِ
فَحَتّامَ تُؤخَذُ بِالقُوَّةِ / وَيُقتَصُّ مِنها وَلَم تُذنِبِ
وَكَم تَستَكين وَتَستَسلِمُ / وَقَد بَلَغَ السَيلُ زُنّارَها
وَسيقَت إِلى النَطعِ سوقُ الغَنَم / مَغاوِرَها وَرِجالُ الأَدَب
وَكُلُّ اِمرِئٍ لَم يَمُت بِالخَذَم / فَقَد قَتَلوهُ بِسَيفِ السَغَب
فَما حَرَّكَ الضَيمُ فيها الشِمَم / وَلا رُؤيَةُ الدَمِ فيها الغَضَب
تَبَدَّلَتِ الناس وَالأَنجُمُ / وَلَمّا تُبَدِّلِ أَطوارَها
أَرى اللَيثَ يَدفَعُ عَن غَيضَتِه / بِأَنيابِه وَبِأَظفارِهِ
وَيَجتَمِعُ النَملُ في قَريَتِه / إِذا خَشِيَ الغَدرَ مِن جارِهِ
وَيَخشى الهَزارُ عَلى وَكنَتِه / فَيَدفَعُ عَنها بِمِنقارِهِ
فَلا الكاسِرات وَلا الضَيغَمُ / وَلا الشاةُ تَمدَحُ جَزّارَها
عَجِبتُ مِنَ الضاحِكِ اللاعِبِ / وَأَهلوهُ بَينَ القَنا وَالسُيوف
يَبيتونَ في وَجَلٍ ناصِبِ / فَإِن نَصَبوا أُلجِؤوا لِلكُهوف
وَمِمَّن يَصفَقُّ لِلضارِبِ / وَأَحبابُهُ يَجرَعونَ الحُتوف
مَتى يَذكُرُ الوَطَنَ النَومُ / كَما تَذكُرُ الطَيرُ أَوكارَها
أَنت وَالكَأسُ في يَدي
أَنت وَالكَأسُ في يَدي / فَلِمَن أَنتِ في غَدِ
فَاِستَشاطَت لِقَولَتي / غَضَباً في تَمَرُّدِ
وَأَشاحَت بِوَجهِها / وَاِدَّعَت أَنَّني رَدي
كاذِبٌ في صَبابَتي / ماذِقٌ في تَوَدُّدي
قُلتُ عَفواً فَإِنَّها / سَورَةٌ مِن مُعَربِدِ
وَجَرى الصُلح وَاِلتَقى / ثَغرَها ثَغرِيَ الصَدي
أَذعَنَ القَلبُ طائِعاً / بَعدَ ذاكَ التَمَرُّدِ
فَنَعِمنا هُنَيهَةً / بِالوَلاءِ المُجَدَّدِ
بَينَ ماءٍ مُصَفِّقٍ / وَهَزارٍ مُغَرِّدِ
ثُمَّ عادَت وَساوِسي / فَأَنا في تَرَدُّدِ
راعَها مِنِّيَ الحُبُّ السُكو / تُ فَذَمَّت تَبَلُّدي
قالَتِ الحُبُّ سَرمَدٌ / قُلتُ لا شَيءَ سَرمَدي
أَتُحِبّينَني إِذا / زالَ مَجدي وَسُؤدُدي
فَأَجابَت لِفَورِها / أَنتَ لا المَجَدَ مَقصَدي
قُلتُ هَل تَحفَظينَ عَه / دي إِذا صاغَ عَسجَدي
فَأَجابَت بِرِقَّةٍ / أَنتَ ما عِشتُ سَيِّدي
كُنتَ كَالشَمسِ في الغِنى / أَم فَقيراً كَجَدجَدِ
حَسَناً قُلتُ ضاحِكاً / يا مَلاكي وَفَرقَدي
إِنَّما هَل يَدومُ لي / حُبُّكِ المُشرِقُ النَدي
إِن حَنى الدَهرُ قامَتي / وَمَحا الشَيبُ أَسوَدي
وَاِنطَوى رَونَقُ الصِبا / مِثلَ بَرقٍ بِفَدفَدِ
قالَتِ الشَكُّ آفَةُ الحُب / بِ فَاِنبُذهُ تَسعَدِ
لَيسَ حُبّيكَ لِلصِبا / لَستَ فيهِ بِأَوحَدِ
بَل لِما فيكَ مِن صِفا / ت وَمِن طيبِ مُحتَدِ
قُلت وَالشَكُّ رائِحٌ / في ضَميري وَمُغتَدِ
وَإِذا غالَني الحَما / م وَأَصبَحتُ في غَدِ
جَنَّةً لَفَّها الثَرى / بَِلظَلامِ المُؤَبَّدِ
لَيسَ فيها لِصاحِبٍ / أَرَبٌ أَو لِحُسَّدِ
وَسَرى الدودُ حَولَها / يَتَغَذّى وَيَعتَدي
وَمَرَرتِ الغَداةَ بي / فَمَرَرتِ بِجامِدِ
وَنَظَرتِ فَلَم تَرَي / غَيرَ عَظمٍ مُجَرَّدِ
بَعثَرَتهُ يَدُ البِلى / كَنافِياتِ مَوقِدِ
هَل تُحِبّينَني إِذَن / لِخِلالي وَمَحتَدي
وَيكَ صاحَت وَدَمعُها / كَجُمانٍ مُبَدَّدِ
كَم تَظُنُّ الظُنونَ بي / أَيُّها الزائِغُ اِهتَدِ
أَشهِدُ الصُبحَ فائِضاً / في مُروجِ الزَبَرجَدِ
أَشهِدُ اللَيلَ لابِساً / طَيلَسانَ التَمَرُّدِ
أُشهِدُ الغَيثَ مُعطِياً / أُشهِدُ الحَقلَ يَجتَدي
وَذَواتِ الجَناحِ مِن / باغِمٍ أَو مُغَرِّدِ
وَالأَزاهير وَالشَذى / في وِهاد وَأَنجُدِ
أُشهِدُ الأَرض وَالسَما / أُشهِدُ اللَهَ موجِدي
سَوفَ أَحيا كَما تَرى / لِلهَوى وَالتَوَجُّدِ
فَأُناجيكَ في الضُحى / وَهوَ أَمراسُ عَسجَدِ
وَأُناجيكَ في المَسا / وَالأَصيلِ المُوَرَّدِ
في الرُبى تَخلَعُ الجَما / لَ بُرودا وَتَرتَدي
وَالسَواقي لَها غِنا / ءٌ كَأَلحانِ مَعبَدِ
وَالعَصافيرِ أَقبَلَت / نَحوَها لِلتَبَرُّدِ
أَسهَرُ اللَيلَ وَحشَةً / بِفُؤادٍ مُشَدَّدِ
وَإِذا نُمتُ كَي / يَطرُقَ الطَيفُ مَرقَدي
فَيَظَلَّ الهِيامُ بي / يَنتَهي حَيثُ يَبتَدي
وَبِحُزنٍ تَنَهَّدتُ / فَاِستَجاشَت تَنَهُّدي
فَاِعتَنَقنا سُوَيعَةً / مِثلَ جَفنِيَ مُسَهَّدِ
أَفلَتَ الأَمسَ هارِباً / وَغدٌ لَيسَ مِن غَدِ
وَصُرتُ وَحدي وَلَيسَ لي / أَرَبٌ في التَوَحُّدِ
يا نَديمي إِلى الكُؤو / س وَيا مِنشِدَ اِنشُدِ
زِد لِيَ الشَمرَ كُلَّما / قُلتُ يا صاحِبي زِدِ
لا تَقُل أَيُّ مَوسِمٍ / ذا فَذا يَومُ مَولِدي
أَنا ما زِلتُ في الحَيا / ةِ لي شَبابي وَسُؤدُدي
وَلُجَيني وَعَسجَدي / وَخِلالي وَمَحتَدي
إِنَّما تِلكُ أَخلَفَت / قَبلَ لَيلَينِ مَوعِدي
لَم تَمُت لا وَإِنَّما / أَصبَحَت في سِوى يَدي
آفَةُ الحُبِّ أَنَّهُ / في قُلوب وَأَكبُدِ
فَهوَ كَالنارِ لَم تَدُم / في هَشيمٍ لِمَوقِدِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025