القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِبْراهيم ناجِي الكل
المجموع : 23
أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشد
أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشد / فَرُدّي على المشتاق مهجَتَهُ رُدّي
أينسى تلاقينا وأنت حزينة / ورأسك كابٍ من عياءٍ ومن سهد
أقول وقد وسدته راحتي كما / توسّد طفل متعب راحة المهد
تعالي إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ / حبيب وركن في الهوى غير منهد
بنفسي هذا الشعر والخُصَل التي / تهاوت على نحر من العاج مُنقد
ترامت كما شاءت وشاء لها الهوى / تميل على خدٍ وتصدف عن خد
وتلك الكروم الدانيات لقاطفٍ / بياض الأماني من عناقيدها الرّبد
فيا لك عندي من ظلامٍ محبب / تألق فيه الفرق كالزمن الرغد
ألا كلّ حسن في البرية خادم / لسلطانة العينين والجيد والقد
وكل جمال في الوجود حياله / به ذلة الشاكي ومرحمة العبد
وما راع قلبي منك إلا فراشة / من الدمع حامت فوق عرش من الورد
مجنحة صيغت من النور والندى / ترفُّ على روضٍ وتهفو إلى ورد
بها مثل ما بي يا حبيبي وسيدي / من الشجن القتال والظمأ المُردي
لقد أقفر المحراب من صلواته / فليس به من شاعرٍ ساهر بعدي
وقفنا وقد حان النوى أي موقف / نحاول فيه الصبرَ والصبرُ لا يجدي
كأن طيوف الرعب والبين موشك / ومزدحم الآلام والوجد في حشد
ومضطرم الأنفاس والضيق جاثم / ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي
مواكب خُرس في جحيم مؤبد / بغير رجاءٍ في سلام ولا برد
فيا أيكة مدّ الهوى من ظلالها / ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد
تقلصت إلا طيفَ حب محيّر / على درج خابي الجوانب مسودّ
تردّد واستأنى لوعد وموثق / وأدبر مخنوقاً وقد غص بالوعد
وأسلمني لليل كالقبر بارداً / يهب على وجهي به نفس اللحد
وأسلمني للكون كالوحش راقداً / تمزقني أنيابه في الدجى وحدي
كأن على مصر ظلاماً معلقاً / بآخر من خابى المقادير مربد
ركود وإبهام وصمت ووحشة / وقد لفها الغيب المحجب في بُرد
أهذا الربيع الفخم والجنة التي / أكاد بها أستاف رائحة الخلد
تصير إذا جن الظلام ولفها / بجنح من الأحلام والصمت ممتد
مباءة خمارٍ وحانوت بائعٍ / شقيّ الأماني يشتري الرزق بالسهد
وقد وقف المصباح وقفة حارس / رقيب على الأسرارِ داعٍ إلى الجد
كأن تقياً غارقاً في عبادة / يصوم الدجى أو يقطع الليل في الزهد
فيا حارس الأخلاق في الحيّ نائمٌ / قضى يومه في حومة البؤس يستجدي
وسادته الأحجار والمضجع الثرى / ويفترش الافريز في الحر والبرد
وسيارة تمضي لأمر محجب / محجبة الأستار خافية القصد
إلى الهدف المجهول تنتهب الدجى / وتومض ومض البرق يملع عن بُعد
متى ينجلي هذا الضنى عن مسالك / مرنقة بالجوع والصبر والكد
ينقب كلب في الحطام وربما / رعى الليل هرّ ساهر وغفا الجندي
أيا مصر ما فيك العشية سامرٌ / ولا فيك من مصغِ لشاعرك الفرد
أهاجرتي طال النوى فارحمي الذي / تركت بديد الشمل منتثر العقد
فقدتك فقدان الربيع وطيبه / وعدت إلى الإعياء والسقم والوجد
وليس الذي ضيعتُ فيك بهين / ولا أنتِ في الغيّاب هينة الفقد
بعينيك أستهدي فكيف تركتني / بهذا الظلام المطبق الجهم أستهدي
بوردِكِ أستسقي فكيف تركتني / لهذي الفيافي الصم والكثب الجرد
بحبكِ استشفي فكيف تركتني / ولم يبق غير العظم والروح والجلد
وهذي المنايا الحمر ترقص في دمي / وهذي المنايا البيض تختال في فودي
وكنت إذا شاكيت خففت محملي / فهان الذي ألقاه في العيش من جهد
وكنت إذا انهار البناء رفعته / فلم تكن الأيام تقوى على هَدِّي
وكنت إذا ناديت لبَّيت صرختي / فوا أسفا كم بيننا اليوم من سدّ
سلامٌ على عينيك ماذا أجنتا / من اللطف والتحنان والعطف والود
إذا كان في لحظيك سيف ومصرع / فمنكِ الذي يحيى ومنك الذي يردي
إذا جردا لم يفتكا عن تعمد / وإن أغمدا فالفتك أروع في الغمد
هنيئاً لقلبي ما صنعت ومرحبا / وأهلا به إن كان فتكك عن عمد
فإني إذا جن الظلام وعادني / هواك فأبديت الذي لم أكن أبدي
وملتُ برأسي كابياً أو مواسياً / وعندي من الأشجان والشوق ما عندي
أقبل في قلبي مكاناً حللته / وجرحاً أناجيه على القرب والبعد
ويا دار من أهوى عليك تحية / على أكرم الذكرى على أشرف العهد
على الأمسيات الساحرات ومجلس / كريم الهوى عف المآرب والقصد
تنادمنا فيه تباريح معشر / على الدم والأشواك ساروا إلى الخلد
دموعٌ يذوب الصخر منها فإن مضوا / فقد نقشوا الأسماء في الحجر الصلد
وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا / فإن دموع البؤس من ثمن المجد
وانتحينا معا مكاناً قصياً
وانتحينا معا مكاناً قصياً / نتهادى الحديث أخذاً وردا
سألتني مللتنا أم تبدلتَ سوا / نا هوىً عنيفاً ووجدا
قلت هيهات كم لعينيك عندي / من جميلٍ كم بات يهدى ويسدى
أنا ما عشت أدفع الدين شوقا / وحنيناً إلى حماك وسهدا
وقصيداً مجلجلاً كل بيت / خلفه ألف عاصف ليس يهدا
ذاك عهدي لكل قلبكم لم يق / ضِ ديون الهوى ولم يرع عهدا
والوعود التي وعدتِ فؤادي / لا أراني أعيش حتى تؤدى
يا قاسي البعد كيف تبتعد
يا قاسي البعد كيف تبتعد / إني غريب الديار منفرد
إن خانني اليوم فيك قلت غداً / وأين مني ومن لقاك غد
إنّ غداً هوة لناظرها / تكاد فيها الظنون ترتعد
أطل في عمقها أسائلها / أفيك أخفى خياله الأبد
يا لامس الجرح ما الذي صنعت / به شفاه رحيمة ويد
ملء ضلوعي لظى وأعجبه / إني بهذا اللهيب أبترد
يا تاركي حيث كان مجلسنا / وحيث غناك قلبي الغرِد
أرنو إلى الناس في جموعهم / أشقتهم الحادثات أم سعدوا
تفرقوا أم هم بها احتشدوا / وغوروا هابطين أم صعدوا
إني غريب تعال يا سكني / فليس لي في زحامهم أحَد
لا البرء زار ولا خيالك عادا
لا البرء زار ولا خيالك عادا / ما أكذب الآمال والميعادا
عجباً لحبك با بخيلة كيف يخ / لق من جوانح عابد حُسادا
إني لأهتف حين أفترش المدى / وأرى الجحيم لجانبي مِهادا
آها على الرأس الجميل سلا وأغ / فى مطمئنا لا يحس سهادا
فرشت له الأحلام واحتفل الهدو / ء يد ومد له الجمال وسادا
يا حبها ما أنت ما هذا الذي / جمع الغريب وألف الأضدادا
كم أشرئب إلى سماك بناظري / مستلهما بك قوة وعمادا
ولكم أبيت على السآمة طاويا / في خاطري شبحاً لها عوادا
فأراك تعبث بي كطفل في السما / ء يصرف الأقدار كيف أرادا
ولقد أقول هوى كما بدأ انتهى / فإذا الهوى وافى النهاية عادا
مات الرجاء مع المساء وإنما / كان الممات لحبنا ميلادا
ماذا صنعت بناظر لا ينثني / متطلعاً متلفتاً مرتادا
وأنا غريب في الزحام كأنني / آمال أجفان حرمن رقادا
ولقد ترى عيني الجموع فما ترى / دنيا تموج ولا تحس عبادا
فإذا رأيتك كنت أنت الناس وال / أعمار والآباد والآمادا
وأراك كل الزهر كل الروض أن / ت لديّ كل خميلة تتهادى
يا شطر نفسي وغرامي الوحيد
يا شطر نفسي وغرامي الوحيد /
ما شئتِ يا ليلاي لا ما أريد /
يا من رأت حزني العميق البعيد / داويتِ لي جرحي بجرح جديد
هتكتِ عن روحي خفي النقاب /
فلم يزل يا ليل هذا الحجاب /
حتى مشت كفّاك فوق العذاب / يا ليل إني لشقي سعيد
عمري سرابٌ في بقايا سراب /
وكل أيامي المواضي اغتراب /
فاليوم يا ليلاي طاب المآب / في ظلك الرحب الجميل المديد
فليذهب الماضي البعيد السحيق /
فيه صريع للبلى لا يفيق /
في جدث يزداد ضيقاً وضيق / في كفن ضمَّ الشباب الشهيد
ويوم لقياك على سلم /
في جانب مكتئب مظلم /
يا عذبة العينين والمبسم / وغضة الحسن الشهي الفريد
في لحظة يقفز فيها دمي /
وتعقد الدهشة فيها فمي /
من أي كون جئت لم أعلم / يا نفحة من نفحات الخلود
هيا أجل هيا إلى أينا /
لحيث نحكي حلم روحينا /
لحيث نروي سر قلبينا / فإن فرغنا من حديث نعيد
أي مكان بهوانا يضيق /
فامض بنا إن زحام الطريق /
في ظل حبينا رحيب طليق / وكل ركن طيب في الوجود
من أنت لا أدري ولا من أنا /
فيا إله الحب ماذا اسمنا /
إنّا حبيبان وذا حبنا / إنّا وليدان وهذا وليد
ومجلس قد ضمنا في الرخام /
رف على قلبين فيه السلام /
ترمقنا فيه ظنون الأنام / ولا تخلينا عيون الحسود
وحين ودعتِ خلال الجموع /
مشى على إثرك قلبي الوجيع /
مشى به الحب وكيف الرجوع / وفي ضميري هاتف هل تعود
خذ من طبيب الحي رأي النادي
خذ من طبيب الحي رأي النادي / واسمع إلى غريد هذا الوادي
إني عن الفئتين قمت وإنه / شرفٌ بلغت به أجل مرادِ
أنا لا أوفي اليوم حقك وحده / لكن أؤدي فيك حق بلادي
يا عائداً تحدوا السلامة ركبه / بوركت في الغيّاب والعوادِ
مصر التي بك في اشتداد كروبها / عرفت فتى الفتيان يوم جهاد
رفت عليك قلوبها وتطلعت / وهفت إليك منابر الأعواد
أي المحامد فيك لم ترفع به / رأساً ولم تتحدَّ كل معادي
وطنية ملء الفؤاد وهمة / علوية من حكمة وسداد
فلو ان أعواد المنابر قد مشت / لمشت لإبراهيم عبد الهادي
أنا ما التفت إليك إلا عادني / طيف يراوح خاطري ويغادي
طيف من الماضي الكريم وصفحة / أخذت لها عهداً على الآباد
إني به مترنم وبكل ما از / دانت به تلك الصحيفة شادي
أيام يجمعنا الشباب وكلنا / بالروح والدم والجوارح فادي
السجن مثل الأسر مثل النفي مث / ل القتل تلك قضية استشهاد
عش مديدا وجدد
عش مديدا وجدد / واعل والمع كفرقد
لو رأى الحق عبده / وهو بالحق يهتدي
وعلى الحق رائحاً / وعلى الحق يغتدي
بسط التاج باليد / قائلاً قم تقلدِ
قم تقلَّد تقلدِ / يا أميري وسيدي
وبإيمان ركع / وتسابيح سجد
بايع الحق عبده / والبرايا بمشهد
انظر الساح داوياً / بالنداء المردد
انظر البحر زاخراً / بالشباب المجند
حمدوا فيك يومهم / مشرئبين للغد
عش مديدا لتبتني / كل صرح ممرد
فلك الرأي قاطعاً / ما به من تردد
يهدأ السيف في القراب / ويثوى بمرقد
ولك السيف ساهراً / يقظاً غير مغمد
خذ بياناً نظمته / شبه عقد منضد
ما به من تزلف / جل شعري ومقصدي
خالد أنت بالعلى / والفعال المسدد
فتقبل على المدى / كل شعر مخلد
إن السراة الأباظيين قد عظموا
إن السراة الأباظيين قد عظموا / عن طوق ند وعن تحليق أضداد
تخطف القدر الجاري أحاسنهم / بصيرفي المنايا أو بنقاد
كم صحت والعين تذري الدمع في أسف / على الجواهر في كف الردى العادي
ألا رقىً للأباظيين تحفظهم / على الحوادث من أنظار حساد
أجر غربتي أيها العائد
أجر غربتي أيها العائد / فقد ملّني الداء والعائد
أجر غربتي فبلادي الهموم / وليل بطيء الخطى راكد
تقاسمني في نواك الديار / وأنتَ لي الوطن الواحد
محياك داري ومنك نهاري / إذا ضمك الصدر والساعد
أجر شفتي من عذاب الظما / أما أذن الله أن ترحما
أتمعن في الهجر حتى ترانا / بكينا دما واحترقنا فما
ولي رمق صنته كي أراك / فاشفق على رمقي ريثما
إذا طلب الحب برهانه / من الموت لبَّيت كي تعلما
لياليّ مرت هباء عقيما / فهل تنوالى البواقي سدى
أسائل جرحي عمن جناه / وأرنو فاستخبر العوَّدا
فما اطلعوا اليوم بالبشريات / ولا عللوا بالتلاقي غدا
فلما تنكر حتى المحب / تلفت أسألُ عنك العدا
سلام على غائب عن عيوني / حملت حطامي إلى داره
وقلت لقلبي تمهل بنا / وخبئ شقاءك أو داره
تناسَ الأسى ها هنا أو يقال / حملت الظلام لأنواره
أتغدو إلى عتبات النعيم / بلفح الجحيم وإعصاره
ها أنا عُدتُ إلى حيثُ التقينا
ها أنا عُدتُ إلى حيثُ التقينا / في مكانٍ رَفرَفَت فيه السعاده
وبه قد رفرفَ الصمتُ علينا / إنَّ في صَمتِ الحبيبين عباده
ربَّ لَحنٍ قَصَّ في خاطِرنا / قصَّةَ الساري الذي غَنَّى سهاده
وكأَنَّ الصمتَ منهُ واحةٌ / هَيَّأَت من عُشبِها الرَّطبِ وساده
صَمَتَ السّهلُ ولكن أقبَلَت / من ثَنَايا السهلِ أصداءٌ بعيده
كلُّ لحنٍ في هدوءٍ شاملٍ / تشتهي النفسُ به أن تستعيدَه
يتهادى في عُبابٍ ساحرٍ / باعِثٍ للشَّطِّ أمواجاً مديده
فإذا ما ذَهَبَ الليلُ بها / تَزخَرُ النفسُ بأصداءٍ جديده
هدأ الليلُ هُنا لكنني / كنتُ في حُسنِك بالصّمتِ أُغنّي
كلُّ لحنٍ لَجِبٍ يَغشَى دمي / لَعِبَ العازف بالعُودِ المُرِنّ
ناقلاً للنّهرِ والسهلِ معاً / قصةً يشرحُها عنكِ وعني
قصةَ الشاعرِ والحسنِ إذا اس / تبقا للخلدِ في حَومة فنّ
ما الذي في خُصلَةٍ راقِدةٍ / ما الذي في خطِّهِ أو كُتُبِه
ما الذي في أثَرٍ خَلَّفَهُ / من أفانينِ الهوى أو عَجَبِه
ما الذي في مجلسٍ يَألَفُهُ / عَقَدَ الحبُّ عليه مَوعِده
ربما يَبكي أسىً كرسيُّه / إن نَأَى عنه وتَبكِي المائده
ولقد نَحسَبُها هَشَّت إذا / عائدٌ هَشَّ لها أو عائده
ولقد نَحسَبُها تسأَلُنا / حين نَمضِي أفِراقٌ لِعِدَه
كم أعَدَّت نفسَها وانتظرت / واستَوت موُحشةً تحت السماء
وهي لو تَملِك كفّاً صافحت / كفَّكِ الغَضَّةَ في كلِّ مساء
رُبَّ كَرمٍ مَدَّه الليلُ لنا / فَتواثَبنا له نَبغِي اقتطافَه
وعلى خَيمَته حارسُه / عَرَبِيُّ الجودِ شَرقِيُّ الضيَافه
وَجَدَ العُرسَ على بهجتِه / وسناه دونَ وَردٍ فأَضافه
ثم وارتهُ غياباتُ الدّجى / كخيالٍ من أساطيرِ الخُرافه
أرَجٌ يَعبَقُ في جُنحِ الدّجى / حَمَلَتهُ نحو عَرشَينا الرياح
كلُّ عطرٍ في ثناياه سَرَى / كان سِرّاً مُضمراً فيه فباح
يا لهَا من حِقبَةٍ كانت على / قِصَرٍ فيها كآمادٍ فِساح
نتمنَّى كلما امتدَّت بنا / أن يَظَلَّ الليلُ مجهولَ الصباح
أنا إِن ضَاقَت بيَ الدنيا أفِئ / لثَوانٍ رحبةٍ قد وَسِعَتنا
إنما الدنيا عُبابٌ ضَمَّنا / وشطوطٌ مِن حُظُوظٍ فَرَّقتنا
ولقد أطفُو عليه قَلِقاً / غارقاً في لحظةٍ قد جمعتنا
ومعاني الحسنِ تَترَى وأنا / ناظرٌ فيها لِمَعنًى خَلفَ معنى
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها / أين في الرمضاء ظلٌّ من ظلالك
ربما تَزخَرُ بالحسن وما / في الدُّمى مَهما غَلَت سحرُ جمالك
ولقد تزخر بالنّورِ وكم / من ضياءٍ وهو من غيرِك حالك
لو جَرَت في خاطري أقصى المُنى / لتمنّيتُ خيالاً من خيالِك
قلتُ للّيلِ الذي جلّلنا / والذي كان على السرِّ أمينا
أينَ يا قلبِيَ مَن قلبي اجتَبَى / لهواهُ واصطفاهُ لي خدينا
لم أكن أطمع أن ترحمني / بعد أن قَضَّيتُ في الوجدِ السنينا
لم أكُن أطمعُ أن تُضمِرَ لي / آسياً يُبرئُ لي الجُرح الدفينا
لم أكن أعلمُ يا ليلَ الأسى / أن في جُنحِكَ لي فجراً جنينا
أيها اللائذُ بالصَّمتِ كَفَى / وأدِر وجهَكَ لي وانظر طويلا
لا تَمِل واسخر من الدنيا إذا / شاءت الأيامُ يوماً أن تميلا
ما الذي مَكَّن في القلبِ الوداد / ما الذي صَبَّك صَبّاً في الفؤاد
ما الذي مَلَّكَ عينيك القياد / ما الذي يَعصِفُ عَصفاً بالرشاد
ما الذي إن أُقصِهِ عنِّيَ عاد / طاغياً سِيّانِ قُربٌ أو بعاد
ما الذي يَخلُقُنا من عدمٍ / ما الذي يُجرِي حياةً في الجماد
كم حبيبٍ بَعُدَت صَهباؤُه / وتَبقَّت نفحةٌ من حَبَبِه
في نسيجٍ خالدٍ رَغمَ البِلى / عَبَثَ الدهرُ وما يَعبثُ به
أين سُلطاني ومجدي والذي / حُبُّه مجدٌ وسلطانٌ وعِزَّه
أين إلهامي ونوري والذي / أيقظَ القلبَ إلى البَعثِ وهَزَّه
يا قاسيَ البُعدِ كيف تبتعدُ
يا قاسيَ البُعدِ كيف تبتعدُ / إني غريبُ الفؤاد مُنفردُ
إن خانني اليومُ فيك قلتُ غداً / وأين منّي ومن لقاك غَدُ
إنَّ غداً هُوَّةٌ لناظرها / تكاد فيها الظنون ترتعد
أُطِلُّ في عمقِها أُسَائِلُهَا / أفيك أخفَى خيالَه الأبدُ
يا لامس الجُرحِ ما الذي صنعَت / به شفاهٌ رحيمةٌ ويد
ملءُ ضلوعي لظىً وأعجبُه / أني بهذا اللهيبِ أبترد
يا تاركي حيثُ كان مجلسُنا / وحيث غنَّاكَ قلبيَ الغَرِدُ
أرنو إلى الناس في جموعهم / أشقتهُمُ الحادثاتُ أم سَعِدوا
تفرَّقوا أم هُمُ بها احتشدوا / وغوَّروا في الوهادِ أم صَعَدوا
إني غريبٌ تعال يا سَكَني / فليس لي في زحامهم أحد
اليوم منكِ عرفتُ سر وجودي
اليوم منكِ عرفتُ سر وجودي / وعرفتُ من معناك معنى العيد
ما كنت بالفاني وسرُّك حافظي / وبمقلتيك ضَمِنتُ كلَّ خلودي
الآن أعرف ما الحياة وطيبُها / وأقول للأيّام طبتِ فعودي
عاد الربيع على يديك وأشرقت / روحي وأورق في ربيعك عودي
أنت يا من جعلت روض حياتي
أنت يا من جعلت روض حياتي / مهدَ وردٍ إليك وردك رُدَّا
آيةُ الورد أنه نفحةٌ من / ك ومن عطرك العبيرَ استمدّا
هذه باقةٌ من الورد تجثو / مَلَكٌ في الرياضِ أصبح عبدا
يا جمال الجمال من خلَّد الحس / ن جميعاً في نظرةٍ منك تَندَى
يا صباح الصباح من يَملكُ الأض / واء وصفاً أو الفرائد عَدَّا
ليس بدعاً يا وردة العمر أن كا / نت لمغناك وردةُ الروض تُهدى
لا تظني ورداً يكافئ ورداً / أنت أغلى حسناً وأكرم وردا
غير أني وإن عجزت عن التق / دير حاولتُ ما تمكَّنتُ جهدا
باعثاً للوفاء ورداً وللقل / ب إلى أعمق السرائر ودّا
وإلى العيد أنت عيدٌ لأيَّا / مي جميعاً أنت الحبيبُ المُفدَّى
أفدي نهاراً طلعتِ فيه
أفدي نهاراً طلعتِ فيه / نجم جمالٍ ونجم سعد
إني لهذي العيون عبدٌ / والدهر إما رضيتِ عبدي
إن كان عيدٌ به ووردٌ / فأنت عيدي وأنت وردي
يا خير من مرَّ في وجودي / إنك كلُّ الوجود عندي
عندي خَفِيٌّ من الأماني / أضعافَ ما جئتُ فيهِ أُبدي
معذرةً في القليل إني / والله أعيا الكثيرُ جُهدي
يا فتنتي والهوى ديونٌ / حسبيَ أَني له أؤدّي
ما أنت من أنت هل مجيبٌ / على سُؤالٍ بغير رَدّ
لم يخلق الله من جمالٍ / يلفُّه في سَنِيِّ بُرد
حسنٌ قُصاراه من شفاهٍ / عطرُ ثناءٍ وطيبُ حمد
ويخلق الله معجزاتٍ / يجمعها كلَّها بفرد
كسحر عينيك كيد باغٍ / وسحر عينيك للتحدّي
يا ميَّةُ الحسناء هل يغزو الهوى
يا ميَّةُ الحسناء هل يغزو الهوى / قلبين ما كانا على ميعاد
لا شيءَ إلا أن ذُكرتِ فهزّني / طربٌ وبات على الحنين فؤادي
وظللتُ أحلم والتفتُّ لساعةٍ / تدنو إِليَّ بطيفك الميّاد
يا مَيَّ إني قد مُنيت بظلمةٍ / والليلُ يجثم فوق صدر الوادي
فأنرتِ لي قلبي وصرتُ كأنما / هذا السواد الجَهمُ غير سواد
أملٌ ضائعٌ ولبٌّ مشرَّد
أملٌ ضائعٌ ولبٌّ مشرَّد / بين حبٍّ طغى وجُرحٍ تمرّد
وضلالٌ مشت إليه الليالي / هاتكاتٍ قناعه فتجرّد
وبدا شاحباً كيوم قتيلٍ / لم يكد يلثم الصباح المورّد
غفر الله وهمها من ليالٍ / صوّرت لي الربيع والروض أجرد
قاسمتني الورقاء أحزان قلبي / وشجاه وغَرَّدَت حين غرّد
ثم ولَّت والقلب كالوتر الدا / مي يتيمُ الدموع واللحن مفرد
ما بقائي أرى اطِّراد فنائي / وانتهائي في صورةٍ تتجدّد
ورثائي وما يفيد رثائي / لأمانٍ شقيةٍ تتبدّد
عبثاً أجمع الذي ضاع منها / والمنايا منِّي ومنها بمرصد
وبقائي أبكي على أملٍ با / لٍ وأحنو على جريحٍ موسَّد
واحتيالي على الكرى وبجفني / يَ قتادٌ ولي من الشوك مرقد
وشكاتي إِلى الدجى وهو مثلي / ضائعٌ صبحه ضليلٌ مسهَّد
وشخوصي إِلى السماء بطرفي / وندائي بها إلى كل فرقد
فجعتني الأيام فيه فلم يَب / قَ على الأرض ما يسرُّ ويحمد
ذهبت بالجميل والرائع الفخ / م وطاحت بكل قدسٍ ممجّد
مال ركنٌ من السماء وأمسى / هلهلَ النسج كلُّ صَرحٍ مُمرَّد
ربِّ عفواً لحيرتي وارتيابي / وسؤالٍ في جانحي يتردّد
هو همس الشقاء ما هو شك / لا ولا ثورةٌ فعدلك أخلد
أين يا رب أين من قبل حيني / ألتقي مرةً بحملي الأوحد
بخليلٍ ما ردَّه كيدُ نما / مٍ ولم يَثنِه وشاةٌ وحُسَّد
وحبيبٍ إِذا تدفَّق إحسا / سي جزاني بزاخرٍ ليس ينفد
وعناقٍ أُحِسُّه في ضلوعي / دافقاً في الدماء كاليمِّ أزبد
إن عُدتَ أو أخلفتَ لم تعدِ
إن عُدتَ أو أخلفتَ لم تعدِ / أنا إلف روحك آخر الأبدِ
ظمأٌ على ظمأ على ظمأ / ومواردٌ كثرٌ ولم أردِ
مرَّ الظلامُ وأنت لي شجنٌ / وأتى النهارُ وأنت في خلدي
لا يسمع البحرُ الغضوب إلى / شاكٍ ولا يصغي إلى أحدِ
كم لاح لي حربُ الحياة على / أمواجه المجنونة الزبدِ
ورأيت طيفَ الضنك مرتسما / في عاصفِ الأنواء مطَّردِ
في الليل مدَّ رواقه وثوى / كجوانحٍ طُويت على حسدِ
قبر مَباهجه بلا عددٍ / لفتى متاعبه بلا عددِ
مَن يومه يوم بلا أملٍ / وغدٌ بلا سلوى وبعد غدِ
لولاك والعهد الذي عقدت / بيني وبينك مهجتي ويدي
أضجعتُ جنبي جوف غيهبه / وأرحتُ فيه باليَ الجسدِ
يا مخلفَ الميعاد عد لترى / جزع الغريب وضيعة الرشدِ
وليالياً موصولة سهراً / أبدية حجرية الكبدِ
وطليحَ أسفار وعلّته / قتالة لَم تشف في بلدِ
يا شعر أيامي وأغنيتي / وغليل ظمآن الشفاه صدي
يا ظالمي عيناك كم وعدت / قلبي إذا شفتاك لَم تعدِ
من شاطئ لشواطئ جدد
من شاطئ لشواطئ جدد / يرمي بنا ليل من الأبد
ما مرّ منه مضى فلم يعد / هيهات مرسى يومه لغد
سنة مضت وختامها حانا / والدهر فرّق شملنا أبدا
ناجِ البحيرة وحدك الآنا / واجلس بهذا الصخر منفردا
قل للبحيرة تذكرين وقد / سكن المساء ونحن باللج
لا صوت يسمع في الدنى لأحد / إلا صدى المجداف والموج
فإذا بصوت غير معتاد / هزّ السكون هتافه العذب
أصغى العباب ورجّع الوادي / أصداءه وتناجت السحب
يا دهر في رفق ولا تدر / ساعاته في هينة وقفي
حتى تتاح هناءة العمر / وتطول لذتها لمقتطف
هلا التفتَ لذلك الكون / وعلمت كم في الناس من باكي
يدعوك خذني والأسى المضنى / خل الممتع وامضِ بالشاكي
هذا النعيم وهاته المحن / يتنافسان الدهر إقلاعا
فبأي عدل أيها الزمن / تتشابه الحالان إسراعا
يا أيها الأبد السحيق أجب / وتكلمي يا هوة الماضي
ما تصنعان بأشهرٍ وحقب / ونعيم عمر غير معتاض
ناج البحيرة والصخور وعد / فاستحلف الأغوار والغابا
قل صُن ذكر غرامنا فلقد / صين الشباب عليك أحقابا
ولتبق يا هذي البحيرة في / حاليك ثائرة وهادئة
في باسق للماء منعطف / في رائعات الصخر ناتئة
في عابر النسمات مرتجفاً / في النجم فضض صفحة الماء
في الريح أنّ أنينه وهفا / في الغصن نفّس حر أحشاء
في الجو معتبقاً بريّاكِ / خطرت ملاعبة رقيق صبا
في كل هذا هاتفٌ باكي / سيقول يا أسفا لقد ذهبا
أدركت عندك يوميَ الموعودا
أدركت عندك يوميَ الموعودا / ولقيت فيك مثاليَ المنشودا
وافرحتي بك فرحة الطفل الذي / يلهو ويخلق كل يوم عيدا
وافرحتي بك فرحة الطير الذي / ملأ الروابي المصغيات نشيدا
طربت لصدحته وصفق ظافراً / جذلان في عرض الفضاء سعيدا
في موكب من قلبه وحبيبه / من راح تحسبه العيون وحيدا
وافرحتي بك فرحة الضال الذي / يطوي القفار اللافحات شريدا
لاحت له بعد الهواجر أيكة / غنّاء تبسط ظلها الممدودا
ما أعجب الدنيا التي بعث الهوى / وأحالها روضاً أغر جديدا
شتى غرائبها وأعجبها فتى / يغدو لمهجته عليك حسودا
يتهالكان على جمالك صبوة / يتنافسان ضراعه وسجودا
يتنازعانك غيرة وتغضباً / كل يراك حبيبه المعبودا
ما أعجب الإيمان يغمر خاطري / كالفجر قد غمر السماء وئيدا
مزقتِ شكي فاسترحتُ لأعين / علمنني الإيمان والتوحيدا
اليوم يومك في الشباب فناد
اليوم يومك في الشباب فناد / لا نوم بعد ولا شهيُّ رقادِ
قل للذي يبغي الصلاح لقومه / بنبيل صنع أو شريف جهادِ
بالطب أو بالشعر أو بكليهما / كل الجهود فداء هذا الوادي
لا خير في قلم إذا هو لَم يكن / حراً طهوراً كالشعاع الهادي
لا خير في طب إذا هو لم يزر / ظلم الحياة كفرحة الأعيادِ
يا أيها الوطن الجريح وجرحه / بصميم كل حشاشة وفؤادِ
صبراً فنحن أساتك الرحماء في ال / بأساء قد جئنا بكل ضمادِ
قل للبناة المصلحين ألا اخلقوا / شم الذرى ورواسخ الأطواد
جيلاً من النشء القوي إذا مشوا / رفعوا الرؤوس بعزة وعنادِ
لا خير في الأرواح تسكن منزلاً / متهدماً رثاً من الأجسادِ
لا خير في الأرواح تسكن موطناً / متخاذلاً لا يرتجى لجلادِ
أبَكَت عيونكم الضعيف يصير في / ناب القوي فريسة استعبادِ
فتبينوا إذن الحقيقة واعلموا / أن الطبيعة هكذا من عادِ
الجو ملك النسر يغشاه على / ما يشتهي والغاب للآسادِ
مهلاً بني قومي أتيت مذكراً / في ساحة مجموعة الأشهادِ
واخجلتا مما نقدمه إذا / حان الحساب وجاء يوم معادِ
أيّ الصحائف في غد وحسابكم / في ذمة الأبناء والأحفادِ
أيّ البلاد هو السعيد وأهله / يتنابذون تنابذ الأضدادِ
كل يعيش لنفسه في أمة / شقيت بطول تفرق الأفرادِ
فخذوا السبيل إلى الحياة تآلفاً / وتكاتفاً في رغبةٍ وودادِ
خير الصحائف ما كتبت سطوره / بيد الكفاح الحر لا بمدادِ
صونوا البلاد وأدركوا فلاَّحكم / كاد الحمى يغدو بغير عمادِ
حيران من مرضٍ إلى بؤس إلى / كربٍ تمر به بلا تعدادِ
هذي دياركم وذلك نيلكم / هبة السماء ومنحة الآبادِ
هذي دياركم وهذي شمسكم / طمع الغريب وحرقة الحسادِ
ومن المصائب في زمانك أن ترى / بلداً كثير مناهل الروادِ
والخير مدرار عليه وربه / جوعان محروم الرعاية صادِ
والزرع نضر في الحقول وأهله / يتهيأون لمنجل الحصادِ
هذا زمانكم وذا ميدانكم / ماذا بكم من عدة وعتادِ
نبغي شداد القوم قد شحذوا القرى / في ليل أحداث نزلن شدادِ
ونريد شباناً بمصر استعصموا / ومضوا يصدون الغريب العادي
ونريد أطفالاً إذا ما أُرضعوا / فرضاعهم وطنية بسهادِ
الطفل منهم مثل أمي أو أبي / شفتاه أول ما تقول بلادي
يُغذون في الأرحام حب بلادهم / لتكون مصراً صرخة الميلادِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025