المجموع : 23
أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشد
أليلاي ما أبقى الهوى فيّ من رشد / فَرُدّي على المشتاق مهجَتَهُ رُدّي
أينسى تلاقينا وأنت حزينة / ورأسك كابٍ من عياءٍ ومن سهد
أقول وقد وسدته راحتي كما / توسّد طفل متعب راحة المهد
تعالي إلى صدرٍ رحيبٍ وساعدٍ / حبيب وركن في الهوى غير منهد
بنفسي هذا الشعر والخُصَل التي / تهاوت على نحر من العاج مُنقد
ترامت كما شاءت وشاء لها الهوى / تميل على خدٍ وتصدف عن خد
وتلك الكروم الدانيات لقاطفٍ / بياض الأماني من عناقيدها الرّبد
فيا لك عندي من ظلامٍ محبب / تألق فيه الفرق كالزمن الرغد
ألا كلّ حسن في البرية خادم / لسلطانة العينين والجيد والقد
وكل جمال في الوجود حياله / به ذلة الشاكي ومرحمة العبد
وما راع قلبي منك إلا فراشة / من الدمع حامت فوق عرش من الورد
مجنحة صيغت من النور والندى / ترفُّ على روضٍ وتهفو إلى ورد
بها مثل ما بي يا حبيبي وسيدي / من الشجن القتال والظمأ المُردي
لقد أقفر المحراب من صلواته / فليس به من شاعرٍ ساهر بعدي
وقفنا وقد حان النوى أي موقف / نحاول فيه الصبرَ والصبرُ لا يجدي
كأن طيوف الرعب والبين موشك / ومزدحم الآلام والوجد في حشد
ومضطرم الأنفاس والضيق جاثم / ومشتبك النجوى ومعتنق الأيدي
مواكب خُرس في جحيم مؤبد / بغير رجاءٍ في سلام ولا برد
فيا أيكة مدّ الهوى من ظلالها / ربيعاً على قلبي وروضاً من السعد
تقلصت إلا طيفَ حب محيّر / على درج خابي الجوانب مسودّ
تردّد واستأنى لوعد وموثق / وأدبر مخنوقاً وقد غص بالوعد
وأسلمني لليل كالقبر بارداً / يهب على وجهي به نفس اللحد
وأسلمني للكون كالوحش راقداً / تمزقني أنيابه في الدجى وحدي
كأن على مصر ظلاماً معلقاً / بآخر من خابى المقادير مربد
ركود وإبهام وصمت ووحشة / وقد لفها الغيب المحجب في بُرد
أهذا الربيع الفخم والجنة التي / أكاد بها أستاف رائحة الخلد
تصير إذا جن الظلام ولفها / بجنح من الأحلام والصمت ممتد
مباءة خمارٍ وحانوت بائعٍ / شقيّ الأماني يشتري الرزق بالسهد
وقد وقف المصباح وقفة حارس / رقيب على الأسرارِ داعٍ إلى الجد
كأن تقياً غارقاً في عبادة / يصوم الدجى أو يقطع الليل في الزهد
فيا حارس الأخلاق في الحيّ نائمٌ / قضى يومه في حومة البؤس يستجدي
وسادته الأحجار والمضجع الثرى / ويفترش الافريز في الحر والبرد
وسيارة تمضي لأمر محجب / محجبة الأستار خافية القصد
إلى الهدف المجهول تنتهب الدجى / وتومض ومض البرق يملع عن بُعد
متى ينجلي هذا الضنى عن مسالك / مرنقة بالجوع والصبر والكد
ينقب كلب في الحطام وربما / رعى الليل هرّ ساهر وغفا الجندي
أيا مصر ما فيك العشية سامرٌ / ولا فيك من مصغِ لشاعرك الفرد
أهاجرتي طال النوى فارحمي الذي / تركت بديد الشمل منتثر العقد
فقدتك فقدان الربيع وطيبه / وعدت إلى الإعياء والسقم والوجد
وليس الذي ضيعتُ فيك بهين / ولا أنتِ في الغيّاب هينة الفقد
بعينيك أستهدي فكيف تركتني / بهذا الظلام المطبق الجهم أستهدي
بوردِكِ أستسقي فكيف تركتني / لهذي الفيافي الصم والكثب الجرد
بحبكِ استشفي فكيف تركتني / ولم يبق غير العظم والروح والجلد
وهذي المنايا الحمر ترقص في دمي / وهذي المنايا البيض تختال في فودي
وكنت إذا شاكيت خففت محملي / فهان الذي ألقاه في العيش من جهد
وكنت إذا انهار البناء رفعته / فلم تكن الأيام تقوى على هَدِّي
وكنت إذا ناديت لبَّيت صرختي / فوا أسفا كم بيننا اليوم من سدّ
سلامٌ على عينيك ماذا أجنتا / من اللطف والتحنان والعطف والود
إذا كان في لحظيك سيف ومصرع / فمنكِ الذي يحيى ومنك الذي يردي
إذا جردا لم يفتكا عن تعمد / وإن أغمدا فالفتك أروع في الغمد
هنيئاً لقلبي ما صنعت ومرحبا / وأهلا به إن كان فتكك عن عمد
فإني إذا جن الظلام وعادني / هواك فأبديت الذي لم أكن أبدي
وملتُ برأسي كابياً أو مواسياً / وعندي من الأشجان والشوق ما عندي
أقبل في قلبي مكاناً حللته / وجرحاً أناجيه على القرب والبعد
ويا دار من أهوى عليك تحية / على أكرم الذكرى على أشرف العهد
على الأمسيات الساحرات ومجلس / كريم الهوى عف المآرب والقصد
تنادمنا فيه تباريح معشر / على الدم والأشواك ساروا إلى الخلد
دموعٌ يذوب الصخر منها فإن مضوا / فقد نقشوا الأسماء في الحجر الصلد
وماذا عليهم إن بكوا أو تعذبوا / فإن دموع البؤس من ثمن المجد
وانتحينا معا مكاناً قصياً
وانتحينا معا مكاناً قصياً / نتهادى الحديث أخذاً وردا
سألتني مللتنا أم تبدلتَ سوا / نا هوىً عنيفاً ووجدا
قلت هيهات كم لعينيك عندي / من جميلٍ كم بات يهدى ويسدى
أنا ما عشت أدفع الدين شوقا / وحنيناً إلى حماك وسهدا
وقصيداً مجلجلاً كل بيت / خلفه ألف عاصف ليس يهدا
ذاك عهدي لكل قلبكم لم يق / ضِ ديون الهوى ولم يرع عهدا
والوعود التي وعدتِ فؤادي / لا أراني أعيش حتى تؤدى
يا قاسي البعد كيف تبتعد
يا قاسي البعد كيف تبتعد / إني غريب الديار منفرد
إن خانني اليوم فيك قلت غداً / وأين مني ومن لقاك غد
إنّ غداً هوة لناظرها / تكاد فيها الظنون ترتعد
أطل في عمقها أسائلها / أفيك أخفى خياله الأبد
يا لامس الجرح ما الذي صنعت / به شفاه رحيمة ويد
ملء ضلوعي لظى وأعجبه / إني بهذا اللهيب أبترد
يا تاركي حيث كان مجلسنا / وحيث غناك قلبي الغرِد
أرنو إلى الناس في جموعهم / أشقتهم الحادثات أم سعدوا
تفرقوا أم هم بها احتشدوا / وغوروا هابطين أم صعدوا
إني غريب تعال يا سكني / فليس لي في زحامهم أحَد
لا البرء زار ولا خيالك عادا
لا البرء زار ولا خيالك عادا / ما أكذب الآمال والميعادا
عجباً لحبك با بخيلة كيف يخ / لق من جوانح عابد حُسادا
إني لأهتف حين أفترش المدى / وأرى الجحيم لجانبي مِهادا
آها على الرأس الجميل سلا وأغ / فى مطمئنا لا يحس سهادا
فرشت له الأحلام واحتفل الهدو / ء يد ومد له الجمال وسادا
يا حبها ما أنت ما هذا الذي / جمع الغريب وألف الأضدادا
كم أشرئب إلى سماك بناظري / مستلهما بك قوة وعمادا
ولكم أبيت على السآمة طاويا / في خاطري شبحاً لها عوادا
فأراك تعبث بي كطفل في السما / ء يصرف الأقدار كيف أرادا
ولقد أقول هوى كما بدأ انتهى / فإذا الهوى وافى النهاية عادا
مات الرجاء مع المساء وإنما / كان الممات لحبنا ميلادا
ماذا صنعت بناظر لا ينثني / متطلعاً متلفتاً مرتادا
وأنا غريب في الزحام كأنني / آمال أجفان حرمن رقادا
ولقد ترى عيني الجموع فما ترى / دنيا تموج ولا تحس عبادا
فإذا رأيتك كنت أنت الناس وال / أعمار والآباد والآمادا
وأراك كل الزهر كل الروض أن / ت لديّ كل خميلة تتهادى
يا شطر نفسي وغرامي الوحيد
يا شطر نفسي وغرامي الوحيد /
ما شئتِ يا ليلاي لا ما أريد /
يا من رأت حزني العميق البعيد / داويتِ لي جرحي بجرح جديد
هتكتِ عن روحي خفي النقاب /
فلم يزل يا ليل هذا الحجاب /
حتى مشت كفّاك فوق العذاب / يا ليل إني لشقي سعيد
عمري سرابٌ في بقايا سراب /
وكل أيامي المواضي اغتراب /
فاليوم يا ليلاي طاب المآب / في ظلك الرحب الجميل المديد
فليذهب الماضي البعيد السحيق /
فيه صريع للبلى لا يفيق /
في جدث يزداد ضيقاً وضيق / في كفن ضمَّ الشباب الشهيد
ويوم لقياك على سلم /
في جانب مكتئب مظلم /
يا عذبة العينين والمبسم / وغضة الحسن الشهي الفريد
في لحظة يقفز فيها دمي /
وتعقد الدهشة فيها فمي /
من أي كون جئت لم أعلم / يا نفحة من نفحات الخلود
هيا أجل هيا إلى أينا /
لحيث نحكي حلم روحينا /
لحيث نروي سر قلبينا / فإن فرغنا من حديث نعيد
أي مكان بهوانا يضيق /
فامض بنا إن زحام الطريق /
في ظل حبينا رحيب طليق / وكل ركن طيب في الوجود
من أنت لا أدري ولا من أنا /
فيا إله الحب ماذا اسمنا /
إنّا حبيبان وذا حبنا / إنّا وليدان وهذا وليد
ومجلس قد ضمنا في الرخام /
رف على قلبين فيه السلام /
ترمقنا فيه ظنون الأنام / ولا تخلينا عيون الحسود
وحين ودعتِ خلال الجموع /
مشى على إثرك قلبي الوجيع /
مشى به الحب وكيف الرجوع / وفي ضميري هاتف هل تعود
خذ من طبيب الحي رأي النادي
خذ من طبيب الحي رأي النادي / واسمع إلى غريد هذا الوادي
إني عن الفئتين قمت وإنه / شرفٌ بلغت به أجل مرادِ
أنا لا أوفي اليوم حقك وحده / لكن أؤدي فيك حق بلادي
يا عائداً تحدوا السلامة ركبه / بوركت في الغيّاب والعوادِ
مصر التي بك في اشتداد كروبها / عرفت فتى الفتيان يوم جهاد
رفت عليك قلوبها وتطلعت / وهفت إليك منابر الأعواد
أي المحامد فيك لم ترفع به / رأساً ولم تتحدَّ كل معادي
وطنية ملء الفؤاد وهمة / علوية من حكمة وسداد
فلو ان أعواد المنابر قد مشت / لمشت لإبراهيم عبد الهادي
أنا ما التفت إليك إلا عادني / طيف يراوح خاطري ويغادي
طيف من الماضي الكريم وصفحة / أخذت لها عهداً على الآباد
إني به مترنم وبكل ما از / دانت به تلك الصحيفة شادي
أيام يجمعنا الشباب وكلنا / بالروح والدم والجوارح فادي
السجن مثل الأسر مثل النفي مث / ل القتل تلك قضية استشهاد
عش مديدا وجدد
عش مديدا وجدد / واعل والمع كفرقد
لو رأى الحق عبده / وهو بالحق يهتدي
وعلى الحق رائحاً / وعلى الحق يغتدي
بسط التاج باليد / قائلاً قم تقلدِ
قم تقلَّد تقلدِ / يا أميري وسيدي
وبإيمان ركع / وتسابيح سجد
بايع الحق عبده / والبرايا بمشهد
انظر الساح داوياً / بالنداء المردد
انظر البحر زاخراً / بالشباب المجند
حمدوا فيك يومهم / مشرئبين للغد
عش مديدا لتبتني / كل صرح ممرد
فلك الرأي قاطعاً / ما به من تردد
يهدأ السيف في القراب / ويثوى بمرقد
ولك السيف ساهراً / يقظاً غير مغمد
خذ بياناً نظمته / شبه عقد منضد
ما به من تزلف / جل شعري ومقصدي
خالد أنت بالعلى / والفعال المسدد
فتقبل على المدى / كل شعر مخلد
إن السراة الأباظيين قد عظموا
إن السراة الأباظيين قد عظموا / عن طوق ند وعن تحليق أضداد
تخطف القدر الجاري أحاسنهم / بصيرفي المنايا أو بنقاد
كم صحت والعين تذري الدمع في أسف / على الجواهر في كف الردى العادي
ألا رقىً للأباظيين تحفظهم / على الحوادث من أنظار حساد
أجر غربتي أيها العائد
أجر غربتي أيها العائد / فقد ملّني الداء والعائد
أجر غربتي فبلادي الهموم / وليل بطيء الخطى راكد
تقاسمني في نواك الديار / وأنتَ لي الوطن الواحد
محياك داري ومنك نهاري / إذا ضمك الصدر والساعد
أجر شفتي من عذاب الظما / أما أذن الله أن ترحما
أتمعن في الهجر حتى ترانا / بكينا دما واحترقنا فما
ولي رمق صنته كي أراك / فاشفق على رمقي ريثما
إذا طلب الحب برهانه / من الموت لبَّيت كي تعلما
لياليّ مرت هباء عقيما / فهل تنوالى البواقي سدى
أسائل جرحي عمن جناه / وأرنو فاستخبر العوَّدا
فما اطلعوا اليوم بالبشريات / ولا عللوا بالتلاقي غدا
فلما تنكر حتى المحب / تلفت أسألُ عنك العدا
سلام على غائب عن عيوني / حملت حطامي إلى داره
وقلت لقلبي تمهل بنا / وخبئ شقاءك أو داره
تناسَ الأسى ها هنا أو يقال / حملت الظلام لأنواره
أتغدو إلى عتبات النعيم / بلفح الجحيم وإعصاره
ها أنا عُدتُ إلى حيثُ التقينا
ها أنا عُدتُ إلى حيثُ التقينا / في مكانٍ رَفرَفَت فيه السعاده
وبه قد رفرفَ الصمتُ علينا / إنَّ في صَمتِ الحبيبين عباده
ربَّ لَحنٍ قَصَّ في خاطِرنا / قصَّةَ الساري الذي غَنَّى سهاده
وكأَنَّ الصمتَ منهُ واحةٌ / هَيَّأَت من عُشبِها الرَّطبِ وساده
صَمَتَ السّهلُ ولكن أقبَلَت / من ثَنَايا السهلِ أصداءٌ بعيده
كلُّ لحنٍ في هدوءٍ شاملٍ / تشتهي النفسُ به أن تستعيدَه
يتهادى في عُبابٍ ساحرٍ / باعِثٍ للشَّطِّ أمواجاً مديده
فإذا ما ذَهَبَ الليلُ بها / تَزخَرُ النفسُ بأصداءٍ جديده
هدأ الليلُ هُنا لكنني / كنتُ في حُسنِك بالصّمتِ أُغنّي
كلُّ لحنٍ لَجِبٍ يَغشَى دمي / لَعِبَ العازف بالعُودِ المُرِنّ
ناقلاً للنّهرِ والسهلِ معاً / قصةً يشرحُها عنكِ وعني
قصةَ الشاعرِ والحسنِ إذا اس / تبقا للخلدِ في حَومة فنّ
ما الذي في خُصلَةٍ راقِدةٍ / ما الذي في خطِّهِ أو كُتُبِه
ما الذي في أثَرٍ خَلَّفَهُ / من أفانينِ الهوى أو عَجَبِه
ما الذي في مجلسٍ يَألَفُهُ / عَقَدَ الحبُّ عليه مَوعِده
ربما يَبكي أسىً كرسيُّه / إن نَأَى عنه وتَبكِي المائده
ولقد نَحسَبُها هَشَّت إذا / عائدٌ هَشَّ لها أو عائده
ولقد نَحسَبُها تسأَلُنا / حين نَمضِي أفِراقٌ لِعِدَه
كم أعَدَّت نفسَها وانتظرت / واستَوت موُحشةً تحت السماء
وهي لو تَملِك كفّاً صافحت / كفَّكِ الغَضَّةَ في كلِّ مساء
رُبَّ كَرمٍ مَدَّه الليلُ لنا / فَتواثَبنا له نَبغِي اقتطافَه
وعلى خَيمَته حارسُه / عَرَبِيُّ الجودِ شَرقِيُّ الضيَافه
وَجَدَ العُرسَ على بهجتِه / وسناه دونَ وَردٍ فأَضافه
ثم وارتهُ غياباتُ الدّجى / كخيالٍ من أساطيرِ الخُرافه
أرَجٌ يَعبَقُ في جُنحِ الدّجى / حَمَلَتهُ نحو عَرشَينا الرياح
كلُّ عطرٍ في ثناياه سَرَى / كان سِرّاً مُضمراً فيه فباح
يا لهَا من حِقبَةٍ كانت على / قِصَرٍ فيها كآمادٍ فِساح
نتمنَّى كلما امتدَّت بنا / أن يَظَلَّ الليلُ مجهولَ الصباح
أنا إِن ضَاقَت بيَ الدنيا أفِئ / لثَوانٍ رحبةٍ قد وَسِعَتنا
إنما الدنيا عُبابٌ ضَمَّنا / وشطوطٌ مِن حُظُوظٍ فَرَّقتنا
ولقد أطفُو عليه قَلِقاً / غارقاً في لحظةٍ قد جمعتنا
ومعاني الحسنِ تَترَى وأنا / ناظرٌ فيها لِمَعنًى خَلفَ معنى
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها / أين في الرمضاء ظلٌّ من ظلالك
ربما تَزخَرُ بالحسن وما / في الدُّمى مَهما غَلَت سحرُ جمالك
ولقد تزخر بالنّورِ وكم / من ضياءٍ وهو من غيرِك حالك
لو جَرَت في خاطري أقصى المُنى / لتمنّيتُ خيالاً من خيالِك
قلتُ للّيلِ الذي جلّلنا / والذي كان على السرِّ أمينا
أينَ يا قلبِيَ مَن قلبي اجتَبَى / لهواهُ واصطفاهُ لي خدينا
لم أكن أطمع أن ترحمني / بعد أن قَضَّيتُ في الوجدِ السنينا
لم أكُن أطمعُ أن تُضمِرَ لي / آسياً يُبرئُ لي الجُرح الدفينا
لم أكن أعلمُ يا ليلَ الأسى / أن في جُنحِكَ لي فجراً جنينا
أيها اللائذُ بالصَّمتِ كَفَى / وأدِر وجهَكَ لي وانظر طويلا
لا تَمِل واسخر من الدنيا إذا / شاءت الأيامُ يوماً أن تميلا
ما الذي مَكَّن في القلبِ الوداد / ما الذي صَبَّك صَبّاً في الفؤاد
ما الذي مَلَّكَ عينيك القياد / ما الذي يَعصِفُ عَصفاً بالرشاد
ما الذي إن أُقصِهِ عنِّيَ عاد / طاغياً سِيّانِ قُربٌ أو بعاد
ما الذي يَخلُقُنا من عدمٍ / ما الذي يُجرِي حياةً في الجماد
كم حبيبٍ بَعُدَت صَهباؤُه / وتَبقَّت نفحةٌ من حَبَبِه
في نسيجٍ خالدٍ رَغمَ البِلى / عَبَثَ الدهرُ وما يَعبثُ به
أين سُلطاني ومجدي والذي / حُبُّه مجدٌ وسلطانٌ وعِزَّه
أين إلهامي ونوري والذي / أيقظَ القلبَ إلى البَعثِ وهَزَّه
يا قاسيَ البُعدِ كيف تبتعدُ
يا قاسيَ البُعدِ كيف تبتعدُ / إني غريبُ الفؤاد مُنفردُ
إن خانني اليومُ فيك قلتُ غداً / وأين منّي ومن لقاك غَدُ
إنَّ غداً هُوَّةٌ لناظرها / تكاد فيها الظنون ترتعد
أُطِلُّ في عمقِها أُسَائِلُهَا / أفيك أخفَى خيالَه الأبدُ
يا لامس الجُرحِ ما الذي صنعَت / به شفاهٌ رحيمةٌ ويد
ملءُ ضلوعي لظىً وأعجبُه / أني بهذا اللهيبِ أبترد
يا تاركي حيثُ كان مجلسُنا / وحيث غنَّاكَ قلبيَ الغَرِدُ
أرنو إلى الناس في جموعهم / أشقتهُمُ الحادثاتُ أم سَعِدوا
تفرَّقوا أم هُمُ بها احتشدوا / وغوَّروا في الوهادِ أم صَعَدوا
إني غريبٌ تعال يا سَكَني / فليس لي في زحامهم أحد
اليوم منكِ عرفتُ سر وجودي
اليوم منكِ عرفتُ سر وجودي / وعرفتُ من معناك معنى العيد
ما كنت بالفاني وسرُّك حافظي / وبمقلتيك ضَمِنتُ كلَّ خلودي
الآن أعرف ما الحياة وطيبُها / وأقول للأيّام طبتِ فعودي
عاد الربيع على يديك وأشرقت / روحي وأورق في ربيعك عودي
أنت يا من جعلت روض حياتي
أنت يا من جعلت روض حياتي / مهدَ وردٍ إليك وردك رُدَّا
آيةُ الورد أنه نفحةٌ من / ك ومن عطرك العبيرَ استمدّا
هذه باقةٌ من الورد تجثو / مَلَكٌ في الرياضِ أصبح عبدا
يا جمال الجمال من خلَّد الحس / ن جميعاً في نظرةٍ منك تَندَى
يا صباح الصباح من يَملكُ الأض / واء وصفاً أو الفرائد عَدَّا
ليس بدعاً يا وردة العمر أن كا / نت لمغناك وردةُ الروض تُهدى
لا تظني ورداً يكافئ ورداً / أنت أغلى حسناً وأكرم وردا
غير أني وإن عجزت عن التق / دير حاولتُ ما تمكَّنتُ جهدا
باعثاً للوفاء ورداً وللقل / ب إلى أعمق السرائر ودّا
وإلى العيد أنت عيدٌ لأيَّا / مي جميعاً أنت الحبيبُ المُفدَّى
أفدي نهاراً طلعتِ فيه
أفدي نهاراً طلعتِ فيه / نجم جمالٍ ونجم سعد
إني لهذي العيون عبدٌ / والدهر إما رضيتِ عبدي
إن كان عيدٌ به ووردٌ / فأنت عيدي وأنت وردي
يا خير من مرَّ في وجودي / إنك كلُّ الوجود عندي
عندي خَفِيٌّ من الأماني / أضعافَ ما جئتُ فيهِ أُبدي
معذرةً في القليل إني / والله أعيا الكثيرُ جُهدي
يا فتنتي والهوى ديونٌ / حسبيَ أَني له أؤدّي
ما أنت من أنت هل مجيبٌ / على سُؤالٍ بغير رَدّ
لم يخلق الله من جمالٍ / يلفُّه في سَنِيِّ بُرد
حسنٌ قُصاراه من شفاهٍ / عطرُ ثناءٍ وطيبُ حمد
ويخلق الله معجزاتٍ / يجمعها كلَّها بفرد
كسحر عينيك كيد باغٍ / وسحر عينيك للتحدّي
يا ميَّةُ الحسناء هل يغزو الهوى
يا ميَّةُ الحسناء هل يغزو الهوى / قلبين ما كانا على ميعاد
لا شيءَ إلا أن ذُكرتِ فهزّني / طربٌ وبات على الحنين فؤادي
وظللتُ أحلم والتفتُّ لساعةٍ / تدنو إِليَّ بطيفك الميّاد
يا مَيَّ إني قد مُنيت بظلمةٍ / والليلُ يجثم فوق صدر الوادي
فأنرتِ لي قلبي وصرتُ كأنما / هذا السواد الجَهمُ غير سواد
أملٌ ضائعٌ ولبٌّ مشرَّد
أملٌ ضائعٌ ولبٌّ مشرَّد / بين حبٍّ طغى وجُرحٍ تمرّد
وضلالٌ مشت إليه الليالي / هاتكاتٍ قناعه فتجرّد
وبدا شاحباً كيوم قتيلٍ / لم يكد يلثم الصباح المورّد
غفر الله وهمها من ليالٍ / صوّرت لي الربيع والروض أجرد
قاسمتني الورقاء أحزان قلبي / وشجاه وغَرَّدَت حين غرّد
ثم ولَّت والقلب كالوتر الدا / مي يتيمُ الدموع واللحن مفرد
ما بقائي أرى اطِّراد فنائي / وانتهائي في صورةٍ تتجدّد
ورثائي وما يفيد رثائي / لأمانٍ شقيةٍ تتبدّد
عبثاً أجمع الذي ضاع منها / والمنايا منِّي ومنها بمرصد
وبقائي أبكي على أملٍ با / لٍ وأحنو على جريحٍ موسَّد
واحتيالي على الكرى وبجفني / يَ قتادٌ ولي من الشوك مرقد
وشكاتي إِلى الدجى وهو مثلي / ضائعٌ صبحه ضليلٌ مسهَّد
وشخوصي إِلى السماء بطرفي / وندائي بها إلى كل فرقد
فجعتني الأيام فيه فلم يَب / قَ على الأرض ما يسرُّ ويحمد
ذهبت بالجميل والرائع الفخ / م وطاحت بكل قدسٍ ممجّد
مال ركنٌ من السماء وأمسى / هلهلَ النسج كلُّ صَرحٍ مُمرَّد
ربِّ عفواً لحيرتي وارتيابي / وسؤالٍ في جانحي يتردّد
هو همس الشقاء ما هو شك / لا ولا ثورةٌ فعدلك أخلد
أين يا رب أين من قبل حيني / ألتقي مرةً بحملي الأوحد
بخليلٍ ما ردَّه كيدُ نما / مٍ ولم يَثنِه وشاةٌ وحُسَّد
وحبيبٍ إِذا تدفَّق إحسا / سي جزاني بزاخرٍ ليس ينفد
وعناقٍ أُحِسُّه في ضلوعي / دافقاً في الدماء كاليمِّ أزبد
إن عُدتَ أو أخلفتَ لم تعدِ
إن عُدتَ أو أخلفتَ لم تعدِ / أنا إلف روحك آخر الأبدِ
ظمأٌ على ظمأ على ظمأ / ومواردٌ كثرٌ ولم أردِ
مرَّ الظلامُ وأنت لي شجنٌ / وأتى النهارُ وأنت في خلدي
لا يسمع البحرُ الغضوب إلى / شاكٍ ولا يصغي إلى أحدِ
كم لاح لي حربُ الحياة على / أمواجه المجنونة الزبدِ
ورأيت طيفَ الضنك مرتسما / في عاصفِ الأنواء مطَّردِ
في الليل مدَّ رواقه وثوى / كجوانحٍ طُويت على حسدِ
قبر مَباهجه بلا عددٍ / لفتى متاعبه بلا عددِ
مَن يومه يوم بلا أملٍ / وغدٌ بلا سلوى وبعد غدِ
لولاك والعهد الذي عقدت / بيني وبينك مهجتي ويدي
أضجعتُ جنبي جوف غيهبه / وأرحتُ فيه باليَ الجسدِ
يا مخلفَ الميعاد عد لترى / جزع الغريب وضيعة الرشدِ
وليالياً موصولة سهراً / أبدية حجرية الكبدِ
وطليحَ أسفار وعلّته / قتالة لَم تشف في بلدِ
يا شعر أيامي وأغنيتي / وغليل ظمآن الشفاه صدي
يا ظالمي عيناك كم وعدت / قلبي إذا شفتاك لَم تعدِ
من شاطئ لشواطئ جدد
من شاطئ لشواطئ جدد / يرمي بنا ليل من الأبد
ما مرّ منه مضى فلم يعد / هيهات مرسى يومه لغد
سنة مضت وختامها حانا / والدهر فرّق شملنا أبدا
ناجِ البحيرة وحدك الآنا / واجلس بهذا الصخر منفردا
قل للبحيرة تذكرين وقد / سكن المساء ونحن باللج
لا صوت يسمع في الدنى لأحد / إلا صدى المجداف والموج
فإذا بصوت غير معتاد / هزّ السكون هتافه العذب
أصغى العباب ورجّع الوادي / أصداءه وتناجت السحب
يا دهر في رفق ولا تدر / ساعاته في هينة وقفي
حتى تتاح هناءة العمر / وتطول لذتها لمقتطف
هلا التفتَ لذلك الكون / وعلمت كم في الناس من باكي
يدعوك خذني والأسى المضنى / خل الممتع وامضِ بالشاكي
هذا النعيم وهاته المحن / يتنافسان الدهر إقلاعا
فبأي عدل أيها الزمن / تتشابه الحالان إسراعا
يا أيها الأبد السحيق أجب / وتكلمي يا هوة الماضي
ما تصنعان بأشهرٍ وحقب / ونعيم عمر غير معتاض
ناج البحيرة والصخور وعد / فاستحلف الأغوار والغابا
قل صُن ذكر غرامنا فلقد / صين الشباب عليك أحقابا
ولتبق يا هذي البحيرة في / حاليك ثائرة وهادئة
في باسق للماء منعطف / في رائعات الصخر ناتئة
في عابر النسمات مرتجفاً / في النجم فضض صفحة الماء
في الريح أنّ أنينه وهفا / في الغصن نفّس حر أحشاء
في الجو معتبقاً بريّاكِ / خطرت ملاعبة رقيق صبا
في كل هذا هاتفٌ باكي / سيقول يا أسفا لقد ذهبا
أدركت عندك يوميَ الموعودا
أدركت عندك يوميَ الموعودا / ولقيت فيك مثاليَ المنشودا
وافرحتي بك فرحة الطفل الذي / يلهو ويخلق كل يوم عيدا
وافرحتي بك فرحة الطير الذي / ملأ الروابي المصغيات نشيدا
طربت لصدحته وصفق ظافراً / جذلان في عرض الفضاء سعيدا
في موكب من قلبه وحبيبه / من راح تحسبه العيون وحيدا
وافرحتي بك فرحة الضال الذي / يطوي القفار اللافحات شريدا
لاحت له بعد الهواجر أيكة / غنّاء تبسط ظلها الممدودا
ما أعجب الدنيا التي بعث الهوى / وأحالها روضاً أغر جديدا
شتى غرائبها وأعجبها فتى / يغدو لمهجته عليك حسودا
يتهالكان على جمالك صبوة / يتنافسان ضراعه وسجودا
يتنازعانك غيرة وتغضباً / كل يراك حبيبه المعبودا
ما أعجب الإيمان يغمر خاطري / كالفجر قد غمر السماء وئيدا
مزقتِ شكي فاسترحتُ لأعين / علمنني الإيمان والتوحيدا
اليوم يومك في الشباب فناد
اليوم يومك في الشباب فناد / لا نوم بعد ولا شهيُّ رقادِ
قل للذي يبغي الصلاح لقومه / بنبيل صنع أو شريف جهادِ
بالطب أو بالشعر أو بكليهما / كل الجهود فداء هذا الوادي
لا خير في قلم إذا هو لَم يكن / حراً طهوراً كالشعاع الهادي
لا خير في طب إذا هو لم يزر / ظلم الحياة كفرحة الأعيادِ
يا أيها الوطن الجريح وجرحه / بصميم كل حشاشة وفؤادِ
صبراً فنحن أساتك الرحماء في ال / بأساء قد جئنا بكل ضمادِ
قل للبناة المصلحين ألا اخلقوا / شم الذرى ورواسخ الأطواد
جيلاً من النشء القوي إذا مشوا / رفعوا الرؤوس بعزة وعنادِ
لا خير في الأرواح تسكن منزلاً / متهدماً رثاً من الأجسادِ
لا خير في الأرواح تسكن موطناً / متخاذلاً لا يرتجى لجلادِ
أبَكَت عيونكم الضعيف يصير في / ناب القوي فريسة استعبادِ
فتبينوا إذن الحقيقة واعلموا / أن الطبيعة هكذا من عادِ
الجو ملك النسر يغشاه على / ما يشتهي والغاب للآسادِ
مهلاً بني قومي أتيت مذكراً / في ساحة مجموعة الأشهادِ
واخجلتا مما نقدمه إذا / حان الحساب وجاء يوم معادِ
أيّ الصحائف في غد وحسابكم / في ذمة الأبناء والأحفادِ
أيّ البلاد هو السعيد وأهله / يتنابذون تنابذ الأضدادِ
كل يعيش لنفسه في أمة / شقيت بطول تفرق الأفرادِ
فخذوا السبيل إلى الحياة تآلفاً / وتكاتفاً في رغبةٍ وودادِ
خير الصحائف ما كتبت سطوره / بيد الكفاح الحر لا بمدادِ
صونوا البلاد وأدركوا فلاَّحكم / كاد الحمى يغدو بغير عمادِ
حيران من مرضٍ إلى بؤس إلى / كربٍ تمر به بلا تعدادِ
هذي دياركم وذلك نيلكم / هبة السماء ومنحة الآبادِ
هذي دياركم وهذي شمسكم / طمع الغريب وحرقة الحسادِ
ومن المصائب في زمانك أن ترى / بلداً كثير مناهل الروادِ
والخير مدرار عليه وربه / جوعان محروم الرعاية صادِ
والزرع نضر في الحقول وأهله / يتهيأون لمنجل الحصادِ
هذا زمانكم وذا ميدانكم / ماذا بكم من عدة وعتادِ
نبغي شداد القوم قد شحذوا القرى / في ليل أحداث نزلن شدادِ
ونريد شباناً بمصر استعصموا / ومضوا يصدون الغريب العادي
ونريد أطفالاً إذا ما أُرضعوا / فرضاعهم وطنية بسهادِ
الطفل منهم مثل أمي أو أبي / شفتاه أول ما تقول بلادي
يُغذون في الأرحام حب بلادهم / لتكون مصراً صرخة الميلادِ