المجموع : 12
أقوى المُحَصَّبُ من هادٍ ومن هِيدِ
أقوى المُحَصَّبُ من هادٍ ومن هِيدِ / وودّعونَا لِطيّاتٍ عَباديدِ
ما أنسَ لا أنسَ إجفالَ الحجيجِ بنا / والرّاقصاتِ من المَهْريّةِ القُود
ذا موقِفُ الصَّبّ من مرمى الجمار ومن / مَشاخبِ البُدْنِ قَفْراً غير معهود
ومَوقِفُ الفَتَياتِ الناسكاتِ ضحىً / يَعْثُرْنَ في حِبَراتِ الفِتيةِ الصِّيدِ
يُحْرِمنَ في الرَّيطِ من مثنىً وواحدةٍ / وليسَ يَحْرِمْنَ إلاّ في الموَاعيدِ
ذواتُ نَبْلٍ ضِعافٍ وهي قاتلِةٌ / وقد يُصِيبُ كَمِيّاً سَهمُ رِعديد
قد كنتُ قَنّاصَها أيّامَ أذعَرُهَا / غِيدَ السّوالفِ في أياميَ الغِيدِ
إذْ لا تَبيتُ ظِباءُ الوحشِ نافرةً / ولا تُراعُ مَهاةُ الرملِ بالسِّيد
لا مثلَ وَجدي برَيعانِ الشبابِ وقَدْ / رأيتُ أُمْلودَ غُصْني غيرَ أُملود
والشيبُ يضرِبُ في فَودَيّ بارقَهُ / والدّهْر يَقدَحُ في شمْلي بتَبديدِ
ورابَني لَوْنُ رأسي إنّه اختلفتْ / فيه الغمائمُ من بِيضٍ ومن سود
إن تبكِ أعينُنا للحادثات فقدْ / كَحلننا بعد تغميضٍ بتسهيد
وليسَ تَرضى اللّيالي في تصرّفِها / إلاّ إذا مَزجَتْ صاباً بقِنديد
لأعْرُقَنّ زماناً راب حادِثُهُ / إذا استَمَرّ فَألقَى بالمَقَاليد
في اللّهِ تصْديقُ ما في النفس من أمَلٍ / وفي المُعِزّ مُعِزِّ البأس والجُود
الواهِبِ البَدَراتِ النُجلِ ضاحِيَةً / أمثالِ أسنِمَةِ البُزْلِ الجَلاعِيدِ
مُؤيَّدِ العزْمِ في الجُلّى إذا طرَقَتْ / منَدَّدِ السمْع في النّادي إذا نودي
لكلّ صوْتٍ مَجالٌ في مَسامعِهِ / غيرِ العَنيفَينِ من لَوْمٍ وتَفنيدِ
وعندَ ذي التاجِ بِيضُ المكرُماتِ وما / عندي له غيرُ تمجيدٍ وتحميد
أتْبَعْتُهُ فِكَري حتى إذا بَلَغتْ / غاياتِها بين تصْويبٍ وتصعيد
رأيتُ موضِعَ بُرهانٍ يبينُ وما / رأيتُ موضعَ تكييفٍ وتحديد
وكان مُنقِذَ نفسي من عَمايتِها / فقلتُ فيهِ بعلْمٍ لا بتقليدِ
فمن ضميرٍ بصدْقِ القوْلِ مشتملٍ / ومن لِسانٍ بِحُرّ المدحِ غِرِّيد
ما أجزَلَ اللّهُ ذُخري قبل رؤيتِهِ / ولا انتَفَعْتُ بإيمانٍ وتوحيد
للّهِ منْ سَبَبٍ باللّهِ مُتّصِلٍ / وظِلِّ عدلٍ على الآفاقِ ممدود
هادي رَشادٍ وبُرْهانٍ ومَوعظَةٍ / وبيِّناتٍ وتوفيقٍ وتسْديد
ضيِاءُ مظُلمةِ الأيّامِ داجِيَةٍ / وغيْثُ مُمْحِلَةِ الأكنافِ جارود
ترى أعاديه في أيّام دَولتِهِ / ما لا يرى حاسدٌ في وجهِ محسود
قد حاكمتْهُ ملوكُ الرّوم في لَجِبٍ / وكانَ للّهِ حكمٌ غيرُ مردود
إذْ لا ترَى هِبْرزِيّاً غيرَ منعفرٍ / منهم ولا جاثلِيقاً غيرَ مصفود
قَضَيْتَ نحبَ العوالي من بطارقهمْ / وللدّماسِقِ يَوْمٌ جِدُّ مشهود
ذَمّوا قَناكَ وقد ثارَتْ أسِنّتُها / فما تركْنَ وَريداً غيرَ مَورود
طَعْنٌ يُكوِّرُ هذا في فريصة ذا / كأنّ في كلّ شِلْوٍ بطنَ ملحود
حوَيتَ أسلابَهم من كلّ ذي شُطَبٍ / ماضٍ ومُطَّرِدِ الكعبَينِ أُملود
وكلِّ درعٍ دِلاصِ المَتن سابغةٍ / تُطوَى على كل ضافي النسْج مَسرود
لم يعلموا أنّ ذاكَ العزمَ مُنصَلِتٌ / وأنّ تِلكَ المنَايا بالمَراصِيد
حتّى أتَوْكَ على الأقتابِ من بُهَمٍ / خُزْرِ العيونِ ومن شُوسٍ مذاويد
وفوْقَ كلّ قُتودٍ بَزُّ مُستَلَبٍ / وفوق كل قناةٍ رأسُ صنديد
توّجتَ منها القنا تيجان ملحمةٍ / من كل محْلولِ سِلكِ النظمِ معقود
كأنّها في الذُرَى سُحقٌ مُكَمَّمَةٌ / من كلّ مخضودِ أعلى الطّلعِ منضود
سودُ الغدائرِ في بِيضِ الأسِنّةِ في / حُمْرِ الأنابيبِ من رَدْعٍ وتجسيد
أشهَدتَهم كلَّ فَضْفاض القميص ضحىً / في سْرجِ كلّ طِمِرّ العدوِ قَيدودِ
كأنّ أرماحَهم تَتْلو إذا هُزِجَتْ / زَبورَ داودَ في محْرابِ داود
لو كان للرّومِ علْمٌ بالذي لقِيَتْ / ما هُنّئَتْ أُمُّ بِطريقٍ بمولود
لم يَبقَ في أرْضِ قُسطَنطينَ مُشرِكةٌ / إلاّ وقد خَصّها ثُكْلٌ بمفقود
أرضٌ أقمتَ رَنيناً في مَآتِمِها / يُغْني الحمائمَ عن سَجعٍ وتغريد
كأنّما بادَرَتْ منها ملوكُهُمُ / مصارعَ القَتل أو جاؤوا لموعود
ما كلّ بارقَةٍ في الجوّ صاعقَةٌ / تُخْشَى ولا كلّ عِفريتٍ بمِرّيد
ألقى الدُّمُسْتُقُ بالصّلبان حينَ رأى / ما أنزَلَ اللّهُ من نَصْرٍ وتأييد
فقُلْ له حال من دونِ الخليجِ قَناً / سُمْرٌ وأذرُعُ أبطالٍ مَناجيد
أهلُ الجِلادِ إذا بانَتْ أكفُّهُمُ / يَجْمَعْنَ بينَ العَوالي واللّغاديد
فرْسانُ طَعْنٍ تُؤامٍ في الفرائصِ لا / يُنمي وضَرْبٍ دراكٍ في القماحيد
ذا أهرَتٌ كشُدوقِ الأُسد قد رجفتْ / زأراً وهذا غَموسٌ كالأخاديد
أعيا عليه أيرجو أم يخافُ وقد / رآكَ تُنْجِزُ مِنْ وعدٍ وتوعيدِ
وقائعٌ كَظَمَتْهُ فانْثنى خَرِساً / كأنّما كَعَمَتْ فاه بجُلمود
حَمَيْتَهُ البَرَّ والبَحرَ الفضاءَ معاً / فما يَمُرّ ببابٍ غيرِ مَسدود
يرى ثُغورَكَ كالعَينِ التي سَلِمَتْ / بين المَرَوراتِ منها والقَراديد
يا رُبّ فارعةِ الأجبالِ راسِيَةٍ / منها وشاهقةِ الأكنافِ صَيخود
دَنا ليمنَعَ رُكْنَيْها بغاربِهِ / فباتَ يَدعَمُ مهدوداً بمهدود
قد كانتِ الرّومُ محذوراً كتائبُها / تُدْني البلادَ على شَحْطٍ وتبْعيد
ملْكٌ تأخّرَ عهدُ الرّومِ من قِدَمٍ / عنه كأن لم يكن دهراً بمعهود
حُلّ الذي أحكموه في العزائم منْ / عَقْدٍ وما جرّبوه في المكائيد
وشاغَبوا اليَمَّ ألفَيْ حِجّةٍ كَمَلاً / وهم فوارسُ قاريّاتِهِ السُّود
فاليوْمَ قد طُمِستْ فيه مسالكُهم / من كلّ لاحبِ نَهْجِ الفُلْكِ مقصود
لو كنتَ سائلَهُم في اليَمّ ما عَرَفُوا / سُفْعَ السّفائن من عُفْرِ الملاحيد
هَيهاتَ راعَهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ / مَلْكُ الملوكِ وصِنديدُ الصّناديد
مَن ليس يمسَحُ عن عِرنينِ مُضْطهَدٍ / ولا يَبيتُ على أحناءِ مَفؤود
ذو هيبةٍ تُتّقَى من غيرِ بائقةٍ / وحِكمةٍ تُجْتَنى من غيرِ تعقيد
من مَعشرٍ تَسَعُ الدنيا نفوسهُمُ / والناسُ ما بينَ تضييقٍ وتنكيد
لو أصْحرُوا في فضاءٍ من صُدورهِمُ / سَدّوا عليكَ فُروجَ البِيدِ بالبِيد
أولئك الناسُ إن عُدّوا بأجمعِهِمْ / ومَن سواهم فَلَغْوٌ غيرُ معدود
والفرقُ بين الوَرَى جمْعاً وبينَهُمُ / كالفرْقِ ما بينَ مَعدومٍ وموجود
إن كانَ للجودِ بابٌ مُرْتَجٌ غُلُقٌ / فأنت تدني إليه كلّ إقليد
كأنّ حلمك أرسى الأرض أو عقدت / بهِ نَواصي ذُرَى أعْلامِها القُودِ
لكَ المَواهبُ أُولاها وآخرُها / عَطاءُ رَبٍّ عَطاءٌ غيرُ مجدودِ
فأنتَ سَيّرْتَ ما في الجُودِ من مثَلٍ / باقٍ ومن أثَرٍ في النّاسِ محمودِ
لو خَلّدَ الدّهرُ ذا عزّ لعِزّتِهِ / كنتَ الأحَقَّ بتَعميرٍ وتَخليدِ
تَبلى الكرامُ وآثارُ الكرامِ وما / تَزدادُ في كلّ عَصرٍ غيرَ تجديدِ
ألا طَرَقَتْنا والنّجُومُ رُكودُ
ألا طَرَقَتْنا والنّجُومُ رُكودُ / وفي الحَيّ أيْقاظٌ ونحنُ هُجُودُ
وقد أعجَلَ الفَجرُ المُلَمَّعُ خَطَوها / وفي أُخْرَياتِ اللّيلِ منْهُ عَمودُ
سرَتْ عاطلاً غضْبَى على الدُّرّ وحده / فلَم يدرِ نحرٌ ما دَهاه وجِيدُ
فَما برِحتْ إلاّ ومن سِلكِ أدْمُعي / قَلائِدُ في لَبّاتِها وعُقُودُ
وما مُغزِلٌ أدْماءُ دانٍ بَريرُها / تَرَبَّعُ أيْكاً ناعِماً وتَرُودُ
بأحْسَنَ منها حِينَ نَصّتْ سَوالِفاً / تَرُوغُ إلى أتْرابِها وتَحِيدُ
ألَمْ يأتِها أنّا كَبُرْنا عنِ الصِّبَى / وأنّا بَلينا والزّمانُ جَديدُ
فلَيتَ مَشيباً لا يزالُ ولم أقُلْ / بكاظمَةٍ ليتَ الشّبابَ يَعودُ
ولم أرَ مثلي ما له من تجلُّدٍ / ولا كجفوني ما لهنّ جُمودُ
ولا كالليالي ما لَهُنّ مواثِقٌ / ولا كالغواني ما لَهُنّ عُهُود
ولا كالمُعِزّ ابْنِ النبيّ خليفةً / له اللّهُ بالفضلِ المبينِ شَهِيد
وما لسماءٍ أن تُعَدّ نجومُها / إذا عُدّ آباءٌ لهُ وجُدود
فأسيافُهُ تلك العواري نصولُها / إلى اليوم لم تُعْرَفْ لهُنّ غُمود
ومِنْ خَيْلِهِ تلك الجوافِلُ إنّهَا / إلى الآن لم تُحْطَطْ لهُنّ لُبود
فيا أيها الشّانِيهِ خَلْفَكَ صادياً / فإنّكَ عن ذاك المَعِينِ مَذود
لغيرِكَ سُقيا الماء وهو مُرَوَّقٌ / وغيرِك رفُّ الظلّ وهو مَديد
نجاةٌ ولكنْ أينَ منكَ مَرامُها / وحوضٌ ولكن أين منكَ ورود
إمَامٌ لهُ ممّا جهِلتَ حقيقةٌ / وليس لهُ مما علمتَ نَديد
من الخطَلِ المعدودِ أن قيلَ ماجِدٌ / ومادِحُهُ المُثْني عليه مَجِيد
وهل جائزٌ فيهِ عَمِيدٌ سَمَيْذَعٌ / وسائلُهُ ضَخْمُ الدّسيعِ عَمِيد
مدائحُهُ عن كلّ هذا بمَعْزَلٍ / من القولِ إلاّ ما أخَلّ نشيد
ومَعلومُها في كلّ نفسٍ جِبِلّةٌ / بها يَسْتهلّ الطفلُ وهو وليد
أغيرَ الذي قد خُطّ في اللوح أبتغي / مديحاً لهُ إنّي إذاً لَعَنُود
وهل يستوي وحيٌ من اللّه مُنزَلٌ / وقافيةٌ في الغابرينَ شَرُود
ولكن رأيتُ الشعرَ سُنّةَ مَن خَلا / له رَجَزٌ ما ينقضي وقصيد
شكرْتُ وِداداً أنّ منكَ سَجيّةً / تَقَبّلُ شُكرَ العبدِ وهو وَدود
فإنْ يكُ تقصيرٌ فمني وإنْ أقُلْ / سَداداً فمرْمَى القائلين سديد
وإنّ الذي سَمّاكَ خيرَ خليفَةٍ / لَمُجري القضاءِ الحتمَ حيث تريد
لكَ البَرُّ والبحرُ العظيمُ عُبابُهُ / فسِيّانِ أغمارٌ تُخاضُ وبِيد
أمَا والجواري المنشَآتِ التي سَرت / لقد ظاهَرَتْها عُدّةٌ وعَديد
قِبابٌ كما تُزْجَى القبابُ على المَها / ولكنّ مَنْ ضَمّتْ عليه أُسود
وللّهِ ممّا لا يرون كتائبٌ / مُسَوَّمَةٌ تَحْدُو بهَا وجنُود
أطاعَ لها أنّ الملائكَ خلفَها / كما وقَفَتْ خلْفَ الصّفوفِ ردود
وأنّ الرّياحَ الذارياتِ كتائبٌ / وأنّ النجومَ الطّالعاتِ سُعود
وما راعَ مَلْكَ الرّوم إلاّ اطّلاعُها / تُنَشَّرُ أعْلامٌ لها وبنُود
عَلَيْها غَمامٌ مُكْفَهِرٌّ صَبيرُه / لهُ بارقاتٌ جَمّةٌ ورُعود
مَواخرُ في طامي العُباب كأنّهُ / لعَزْمكَ بأسٌ أو لكفّك جود
أنافَتْ بها أعلامُها وسَما لها / بناءٌ على غيرِ العَراء مَشيد
وليسَ بأعلى كبْكَبٍ وهو شاهقٌ / وليس من الصُّفّاحِ وهو صَلود
من الرّاسياتِ الشُّمّ لولا انتقالُها / فمنها قِنَانٌ شُمَّخٌ ورُيود
من الطّيرِ إلاّ أنّهُنّ جَوارِحٌ / فليسَ لها إلاّ النفوسُ مَصيد
من القادحاتِ النّارَ تُضْرَمُ للطُّلى / فليس لها يومَ اللّقاء خُمود
إذا زَفَرَتْ غَيظاً ترَامَتْ بمارجٍ / كما شُبّ من نَارِ الجحيمِ وقُود
فأنفاسُهُنّ الحامياتُ صَواعقٌ / وأفواهُهُنّ الزافراتُ حَديد
تُشَبُّ لآلِ الجاثليقِ سَعيرُهَا / وما هيَ منْ آل الطريدِ بعيد
لها شُعَلٌ فوقَ الغِمارِ كأنّها / دِماءٌ تَلَقّتْها ملاحفُ سود
تُعانِقُ موجَ البحرِ حتى كأنّهُ / سَليطٌ لها فيه الذُّبالُ عَتيد
ترى الماءَ منْها وهو قانٍ عُبابُهُ / كما باشَرَتْ رَدْعَ الخَلوق جُلود
وغيرُ المذاكي نَجْرُها غيرَ أنّهَا / مُسوَّمَةٌ تحتَ الفوارسِ قُود
فليس لها إلاّ الرّياحَ أعِنّةٌ / وليسَ لها إلاّ الحَبابَ كَديد
ترى كلَّ قَوداءِ التليلِ كما انثنَتْ / سَوالِفُ غِيدٌ للمَها وقُدود
رحيبةُ مَدّ الباعِ وهي نَتيجةٌ / بغيرِ شَوىً عذراءُ وهيَ وَلود
تكبّرْنَ عن نَقْعٍ يُثارُ كأنّها / مَوالٍ وجُردُ الصافِناتِ عبيد
لها من شُفوفِ العبقريّ ملابِسٌ / مُفوَّفَةٌ فيها النُّضارُ جَسيد
كما اشتملتْ فوق الأرائكِ خُرَّدٌ / أوِ التَفَعَتْ فوقَ المنابرِ صِيد
لَبوسٌ تكفُّ الموجَ وهو غُطامِطٌ / وتَدْرَأُ بأسَ اليَمّ وهو شديد
فمنها دُروعٌ فوقها وجَواشنٌ / ومنها خفاتينٌ لها وبُرود
ألا في سبيلِ اللّهِ تَبْذُلُ كلَّ مَا / تَضِنُّ به الأنواءُ وهْيَ جُمود
فلا غَرْوَ أنْ أعزَزْتَ دينَ محمّدٍ / فأنْتَ لهُ دونَ الأنامِ عقيد
وباسمِكَ تدعوهُ الأعادي فإنْهُمْ / يُقِرّونَ حَتْماً والمُرادُ جُحود
غَضِبتَ له أن ثُلّ بالشامِ عرشُهُ / وعادَكَ من ذكر العواصم عِيد
فبِتَّ له دونَ الأنام مُسَهَّداً / ونامَ طَليقٌ خائنٌ وطريد
برَغْمِهِمُ أن أيّدَ الحَقَّ أهلُهُ / وأن باءَ بالفعلِ الحميدِ حميد
فللوحْي منهمْ جاحِدٌ ومكذِّبٌ / وللدينِ منهُمْ كاشِحٌ وعَنود
وما سرّهم ما ساءَ أبناءَ قَيصرٍ / وتلك تِراتٌ لم تزَلْ وحُقود
هُمُ بَعُدُوا عنهم على قُرْبِ دارِهم / وجَحْفَلُكَ الدّاني وأنتَ بَعيد
وقلتُ أناسٍ ذا الدمستقُ شكرَهُ / إذا جاءهُ بالعفْوِ منكَ بَريد
وتقبيلَهُ التُّربَ الذي فوقَ خدّهِ / إلى ذِفْرَيَيْهِ من ثَراه صَعيد
تُناجيكَ عنه الكُتْبُ وهي ضراعَةٌ / ويأتيك عنه القولُ وهو سُجود
إذا أنكرتْ فيها التراجِمُ لفظَهُ / فأدمُعُهُ بينَ السّطورِ شُهود
لياليَ تَقفو الرُّسْلَ رُسْلٌ خواضعٌ / ويأتيكَ من بعد الوفود وفود
وما دَلَفَتْ إلاّ الهُمومُ وراءَهُ / وإنْ قال قومٌ إنّهُنّ حُشود
ولكن رأى ذُلاًّ فهانَتْ مَنِيّةٌ / وجَرّبَ خُطباناً فلَذّ هَبيد
وعرّضَ يَسْتجدي الحِمامَ لنفسِهِ / وبعضُ حِمامِ المُستريح خُلود
فإنْ هَزّ أسيافَ الهِرَقْلِ فإنّهَا / إذا شِئْتَ أغلالٌ له وقيودُ
أفي النومِ يستامُ الوغى ويشُبُّهَا / ففيمَ إذاً يلقَى القَنا فيحيد
ويُعْطي الجِزا والسلمَ عن يدِ صاغرٍ / ويقضي وصدرُ الرّمحِ فيه قصيد
يُقَرِّبُ قُرْباناً على وَجَلٍ فإنْ / تَقَبّلْتَهُ مِنْ مِثْلِهِ فسِعيد
أليسَ عجيباً أنْ دعاكَ إلى الوغى / كما حَرّضَ الليثَ المُزَعْفَرَ سِيدُ
ويا رُبّ منْ تُعلِيهِ وهو مُنافِسٌ / وتُسْدي إليه العُرْفَ وهو كَنود
فإنْ لم تكنْ إلاّ الغوايةُ وحدها / فإنّ غِرارَ المَشرفيّ رَشيد
كذا بكَ عَزمٌ للخطوبِ مُوكَّلٌ / علهيم وسيفٌ للنفوس مُبيد
إذا هَجروا الأوطانَ رَدّهُمُ إلى / مصارِعِهِم أن ليس عنك مَحِيد
وإنْ لم يكُنْ إلاّ الدّيارُ ورُعْتَهُمْ / فتلكَ نَواويسٌ لهم ولُحُود
ألا هل أتاهُمْ أنّ ثغرَكَ مُوصَدٌ / وليسَ له إلاّ الرماحَ وصِيد
وليسَ سواءً في طريقٍ لسالكٍ / حُدورٌ إلى ما يبتغي وصُعُود
وعزْمُكَ يلقى كلَّ عزْمٍ مُمَلَّكٍ / كما يَتَلاقَى كائدٌ ومَكيد
وفُلكك يلقى الفلكَ في اليمّ من علٍ / كما يتَلاقَى سَيّدٌ ومَسود
فليتَ أبا السبطين والتربُ دونَه / يَرى كيف تُبْدي حكمَه وتُعيد
ومَلْكَكَ ما ضمّتْ عليه تهائمٌ / ومَلْكَكَ ما ضَمّتْ عليه نجود
وأخذَكَ قسراً من بني الأصفر الّذي / تذَبذَبَ كسرى عنه وهو عنيد
إذاً لرأى يُمناك تخضِبُ سيفَهُ / وأنتَ عن الدين الحنيفِ تَذود
شهدتُ لقد أُوتيتَ جامعَ فضْلِهِ / وأنتَ على علمي بذاكَ شَهيد
ولو طُلِبَتْ في الغيثِ منكَ سجيّةٌ / لقد عَزّ موجودٌ وعزّ وُجود
إليك يفِرُّ المسلِمونَ بأسرِهِمْ / وقد وُتِروا وتْراً وأنتَ مُقيد
وإنّ أميرَ المؤمنينَ كعهدِهِمْ / وعندَ أمير المؤمنينَ مزيد
يا روضَ علمٍ ويا سَحابَ ندىً
يا روضَ علمٍ ويا سَحابَ ندىً / لا زِلتَ لا زِلتَ عيشَنا الرَّغدا
يَتْرَى علينا نَدَى يديكَ كما / تَدافَعَ الموْجُ جال فاطّرَدا
عوّضنا اللّهُ منْ سواكَ ولا / عوّضَنا منكَ سيّداً أبدا
أيَّ هِزَبْرٍ كانَ الهِزَبْرُ لقد / غادرَ منكَ الضَّرغامَة الأسدا
بلى هذه تَيماءُ والأبْلَقُ الفَرْدُ
بلى هذه تَيماءُ والأبْلَقُ الفَرْدُ / فسل أجَماتِ الأُسْد ما فعل الأُسْدُ
يقولونَ هل جاءَ العراقَ نذيرُها / فقلتُ لهم ما قالتِ العِيس والوَخد
أصيخوا فما هذا الذي أنا سامعٌ / برَعدٍ ولكن قَعقَعَ الحَلَقُ السَّرد
تؤمُّ أميرَ المؤمنين طوالعاً / عليه طلوعَ الشمس يقدمُها السَّعد
فتوحاتُ ما بينَ السماءِ وأرضِها / لها عند يومِ الفخرِ ألسنةٌ لُدُّ
سيَعْبَقُ في ثوبِ الخليفةِ طيبُهَا / وما نَمّ كافورٌ عليه ولا نَدُّ
وتُعْقَدُ إكْليلاً على رأس مَلْكِهِ / وتُنْظَمُ فيه مثلَ ما نُظمَ العِقد
حَروريَّةٌ ما كبّرَ اللّهَ خاطبٌ / عليها ولا حَيّا بها مَلِكاً وفْد
وكانت هيَ العجماءَ حتى احْتبى بها / ملوكُ بني قحطانَ والشِّعرُ والمجد
لذاكَ تراها اليومَ آنَسَ من مِنىً / وأفْيَحَ من نَجدٍ وما وصلتْ نجْد
وما رُكزَتْ في جوّها قبلك القَنا / ولا ركَضَتْ فيها المسوَّمةُ الجُرد
ولا التمعتْ فيها القِبابُ ولا التقَتْ / بها لَأْمَةٌ سَرْدٌ وقافيةٌ شَرْد
رَفَعْتَ عليها بالسُّرادقِ مثلَها / وجلَّلْتَها نوراً وساحاتُها رُبْد
يقابلُ منكَ الدّهرُ فيها شبيهَ مَا / يقابل من شمس الضُّحى الأعين الرُّمد
مَباءةُ هذا الحيِّ من جنِّ عبقَرٍ / فليس لها بالإنْسِ في سالفٍ عهد
تذوبُ لقُرْبِ الماءِ لولا جَمادُها / وتُحرق فيها الشمس لولا الصفا الصَّلد
معَ الفَلك الدَّوّار لا هي كوكبٌ / ولا هي مما يُشْبهُ الرَّيدُ والفِند
ولولا الهُمامُ المعتلي لتعذَّرتْ / على أبطُنِ الحيّاتِ أقطارُها المُلد
وأعْيَت فلم يَحمِلْ بها بَزَّ فارسٍ / حِصانٌ ولم يثبُتْ على ظهرِها لِبد
ولمّا تجَلّى جعْفَرٌ صَعِقتْ لَهُ / وأقبلَ منها طورُ سَيناءَ يَنهدُّ
شَهِدتُ له أنّ الملائكَ حولَهُ / مُسوَّمَةٌ واللّهُ من خلفِهِ رِدُّ
أقَمْنَا فمنْ فُرسانِنا خُطباؤنا / ومنبرُنا من بِيض ما تطبعُ الهِنْد
ولو لم يقُمْ فيها بحمدِكَ خاطبٌ / علينا وفينا قامَ يخطُبُنا الحَمد
على حين لم يُرْفَعْ بها لخليفةٍ / مَنارٌ ولم يَشدُدْ بها عُرْوَةً عَقْدُ
وكانت شجاً للمُلكِ سِتّينَ حِجّةً / وما طيبُ وَصْلٍ لم يكنْ قبلَه صَدُّ
بها النارُ نار الكفرِ شُبَّ ضِرامُها / ولو حُجبَت في الزَّنْدِ لاحترقَ الزَّند
فمن جَمْرَةٍ قد أُطفئَتْ مَخْلديّةٍ / وأُخرى لها بالزّابِ مذ زمَنٍ وَقْد
رأتْ هاشمٌ من تلك ما قد بدا لها / وفي هذه مَكنُونُ ما لم يكن يبدو
وعادَ لها الدّاءُ القديمُ فأصبحتْ / بها نافِضٌ منه وليس بها وِرْد
وكُفَّ على بحرٍ إلى اليوم موجُهُ / فليس له جَزْرٌ وليس له مَدُّ
وعادتْ بهم حرب الأزارق لاقِحاً / وإن لم يكن فيها المُهَلَّبُ والأزد
حوادثُ غُلْبٌ في لُؤيِّ بنِ غالِبٍ / وخَطْبٌ لعَمرُ اللّه في أُدَدٍ إدُّ
أطافت بخِرْقٍ يَسبِقُ القولَ فعلُهُ / فليس ليوميه وعيدٌ ولا وعد
فليس له من غير طِرفٍ أريكةٌ / وليس له من غير سابغةٍ بُرْد
فتىً يشجعُ الرِّعديدُ من ذكر بأسه / ويشرُفُ من تأميله الرجلُ الوَغد
ولمّا اكفهَرَّ الأمْرُ أعجَلتَ أمرَهَا / فألقَتْ وَليدَ الكفر وهي له مَهْد
أخَذْتَ على الأعداء كلَّ ثنيَّةٍ / وأعقبتَ جُنداً واطئاً ذيلَه جُند
كأنَّ لهمْ من حادث الدهرِ سائِقاً / يسوقُهُمُ أو حادياً بهمُ يحدو
كأنّك وكَّلتَ الغَمامَ بحربهم / فمن عارضٍ يمسي ومنْ عارضٍ يغدو
كأنَّ عليهم منك عَنقاءَ تعتلي / فليس لها من أن تَخَطَّفَهُم بُدُّ
من الصائداتِ الإنسَ بينَ جُفونها / إذا ما جرَتْ بَرْقٌ وفي ريشها رَعد
فلمّا تقنَّصْتَ الضّراغِمَ منهُمُ / فلم يبقَ إلاّ كُسعةٌ خلفهم تعدو
كثيرٌ رزاياهمْ قليلٌ عديدُهم / وكانوا حصى الدهناء جمعاً إذا عُدُّوا
أتَوكَ فلم يُرْدَدْ مُنيبٌ ولم يُبَح / حريمٌ ولم يُخمَش لغانيةٍ خَدُّ
وما عنْ أمانٍ يومَ ذاكَ تَنَزَّلوا / ولكنْ أمانُ العفوِ أدركهُم بَعْد
ألا رُبَّ عانٍ في يديك مُصَفَّدٍ / شكتْ ذِفرَياه القِدَّ حتى اشتكى القِدُّ
بعَيْنَيَّ يومَ العفوِ حتى أعَدْتَه / نشوراً وحتى شُقَّ عن ميَّتٍ لحد
نُهِيتُ عن الإكثار في جعفرٍ ولنْ / يقاسَ بشيءٍ كلُّ شيءٍ لهُ ضِدُّ
إذا كانَ هذا العفْوُ من عزَماتِهِ / ففي أيِّ خطب الدهر يُستغرق الجهد
إذا كان تدبيرُ الخلائِقِ كلِّهَا / له لَعِباً فانظُرْ لمن يُذخَرُ الجِدُّ
فما ظنُّكم لو كان جرَّدَ سيفَهُ / إذا كان هذا بعض ما فَعَل الغِمد
وما كان بِين الجوِّ بالشمس فوقهم / تُكَوَّرُ إلاّ أن يُسَلَّ له حدُّ
لأمرٍ غدتْ في كفِّه الأرضُ قبضَةً / وقرَّبَ قُطْرَيها وبينهما بُعد
وغودِرَ شأوُ السابقينَ لسابقٍ / له مَهيَعٌ من حيثُ لم يعلموا قَصد
ألا عبقرِيُّ الرأي يَفري فَرِيَّه / ألا نَدُسٌ طَبٌّ ألا حازمٌ جَلد
وأحرى بِمنْ أقْيالُ قَحطانَ كلُّها / له خَوَلٌ أنْ لا يكون له نِدُّ
فيا أسَدَ اللّهِ المسَلَّطَ فيهمُ / أتَعْلمُ ما يَلقى بكَ الأسدُ الوَردُ
وللّهِ فيما شئتَ فينَا مشيَّةٌ / فإمّا فَناءٌ مثلَ ما قيل أو خُلد
شهدتُ لقد مُلِّكتَ بالزّاب تَدمُراً / وفُتِّحَ في أيام إقبالكَ السَّدُّ
ومِثلُكَ مَن أرضَى الخليفةَ سعيُهُ / فإن رضيَ المولى فقد نَصَحَ العبد
قُلْ للمليكِ ابنِ الملوكِ الصِّيدِ
قُلْ للمليكِ ابنِ الملوكِ الصِّيدِ / قوْلاً يسدُّ عليه عَرْضَ البيدِ
لَهفي عليكَ أما ترِقُّ على العُلى / أم بينَ جانِحتَيكَ قلبُ حديد
ما حَقُّ كفِّكَ أن تُمَدَّ لمِبضَعٍ / من بعد زَعزعةِ القَنا الأملود
ما كان ذاك جزاؤها بمجالِهَا / بينَ النَّدى والطعنةِ الأخدود
لو نابَ عنها فصدُ شيءٍ غيرِهَا / لوَقيْتُ مِعصَمَها بحبل وريدي
فارْدُدْ إليك نجيعَها المُهْراق إنْ / كان النجيعُ يُرَدُّ بعدَ جُمود
أو فاسقِنِيه فإنّني أولى به / من أن يُرَاقَ على ثَرىً وصَعيد
ولئِنْ جرى من فضَّةٍ في عسجدٍ / فبغَيرِ علم الفاصدِ الرِّعْديد
فصَدتْكَ كفّاهُ وما دَرَتَا ولو / يَدْري غَداةَ المشهد المشهود
أجْرى مباضِعَهُ على عاداتها / فجَرَتْ على نهجٍ من التّسديد
واعْتاقَهُ عن مَلكِها الجزَعُ الذي / يعتاقُ بطشةَ قِرنِكَ المِرّيد
قد قلتُ للآسي حنانَك عائِداً / فلقَد قَرَعْتَ صَفاةَ كلِّ ودود
أوَما اتَّقَيْتَ اللّه في العضْوِ الذي / يَفديه أجمعُ مُهجةِ الصِّنديد
أوَما خشيتَ من الصّوارمِ حولَه / تهتزُّ من حَنَقٍ عليك شديد
أوَلم تُهَلْ من ساعدِ الأسَدِ الذي / فيه خِضابٌ من دماءِ أُسود
ولمَا اجترأتَ على مَجَسَّة كفِّه / إلاَّ وأنتَ من الكُماة الصِّيد
وعلامَ تفْصِدُ مَن جرَى من كفِّه / في الجود مثلُ البحرِ عامَ مُدود
فبحسبه ممّا أرادوا بذلَهُ / في المجدِ نفسُ المُتعَب المجهود
قالوا دَواءً نبتغي فأجبتُهُمْ / ليسَ السَّقامُ لمثلِهِ بعَقيدِ
لِمَ لا يُداوي نفسَه من جودهِ / مَن كان يمكنُه دواءُ الجود
ما داؤهُ شيءٌ سوى السرف الذي / يُمضي وما الإسرافُ بالمحمودِ
عَشِقَ السَّماحَ وذاك سيماهُ وما / يَخفى دليلُ متَيَّمٍ معمود
إنَّ السقيمَ زمانُهُ لا جسمُهُ / إذ لا يجيءُ لمثله بنديد
قَعَدَ الزّمانُ عن المكارم والعُلى / إنَّ الزّمان السَّوءَ غيرُ رشيد
حسبي مدى الآمال يحيَى إنّهُ / أمْنُ المَرُوعِ وعصْمةُ المنجود
لقد اغتدَى والمجدُ فوق سريره / والغيثُ تحت رِواقِهِ الممدود
أوحَشتَنا في صدرِ يوْمٍ واحِدٍ / وأطَلتَ شوقَ الصافناتِ القود
وأقلُّ منه ما يُضرِّمُ لوعتي / ويحولُ بين الصَّبرِ والمجلود
لِمَ لا وقد ألبَستَني النِّعَمَ التي / لم تُبقِ لي في الناس غيرَ حسود
حمّلتَني ما لا أنُوءُ بحَمْلِهِ / إلاّ بعَوْنِ اللّهِ والتَّأييد
لولا حياتُكَ ما اغتبطتُ بعيشةٍ / ولوَ انّني عُمِّرْتُ عُمْرَ لَبيد
أهدى السلامُ لك السلامَ وإنّما / عَيشُ الوَدود سلامَةُ المَودود
أوَما ترى الأعمارَ لو قُسمتْ على / قَدْرِ الكِرام لَفُزْتَ بالتَّخليد
أنتَ الذي ما دام حيّاً لم يكُنْ / في المُلكِ من أمْتٍ ولا تأويد
ما للسِّهامِ ولا الحِمامِ ولا لِمَا / تُمضيه في العزَماتِ من مرْدود
ولقد كفيتَ فكنتَ سيفاً ليس بال / نابي ورُكْناً ليسَ بالمهدود
وإذا نظرتَ إلى الأسنّة نظرةً / ألقَتْ إليكَ الحرْبُ بالإقليد
وإذا ثنَيْتَ إلى الخلافة أصبعاً / وفّيتَ حقَّ النقض والتوكيد
وإذا تصَفَّحتَ الأمورَ تَدَبُّراً / خُيّرْتَ في التوفيق والتسديد
وإذا تشاءُ بلغت بالتقريبِ ما / لا يبْلُغُ الحكماءُ بالتبعيد
وقبضتَ أرواحَ العِدى وبسَطْتَها / ما بينَ تَلْيينٍ إلى تَشْديد
ولقد بعُدْتَ عن الصِّفاتِ وكنهِها / ولقد قربتَ فكنتَ غيرَ بعيد
فكأنّكَ المقدارُ يعرفُه الورى / من غيرِ تكييفٍ ولا تحديد
كلُّ الشهادة ممكنٌ تكذيبُها / إلاّ ببأسِكَ والعُلى والجُود
كلُّ الرجاءِ ضلالةٌ ما لم يكن / في اللّهِ أو في رأيكَ المحمود
لا حكمةٌ مأثورةٌ ما لم تكُنْ / في الوحي أو في مدحك المسرود
لم يَدَّخرْ عنك المديحَ الجَزْلَ مَن / وَفّاكَ غايتَهُ من المجهود
ولما مدحْتُكَ كي أزيدك سودداً / هل في كمالك موضعٌ لمزيد
ما لي وذلك والزّيادة عندهم / في الحدِّ نقصانٌ من المحدود
أُثني عليك شهادةً لك بالعُلى / كشهادتي للّه بالتّوحِيد
إمسحوا عن ناظري كحلَ السُّهادْ
إمسحوا عن ناظري كحلَ السُّهادْ / وانفضُوا عن مضْجعي شوك القَتادْ
أوْ خُذوا مِنّيَ ما أبْقَيْتُمُ / لا أُحبُّ الجسْمَ مسْلوبَ الفؤادْ
هل تُجيرُونَ محِبّاً منْ هَوىً / أو تَفُكُّونَ أسيراً من صِفاد
أسُلُوّاً عنكُمُ أهجُرُكُمْ / قلّما يَسْلُو عن الماءِ الصَّواد
إنّما كانتْ خطوبٌ قُيِّضَتْ / فَعَدَتْنا عنكُمُ إحدى العَواد
فعلى الأيّامِ من بَعْدِكُمُ / ما على الثَّكلاءِ من لُبسِ الحِداد
لا مَزارٌ منكُمُ يدنو سِوى / أن أرى أعلامَ هَضْبٍ ونِجاد
قد عقلْنَا العيسَ في أوطانها / وهي أنْضاءُ ذميلٍ ووِخاد
قَلَّ تَنْويلُ خَيالٍ مِنكُمُ / يَطَّبي بين جفونٍ وسُهاد
وحديثٌ عنكمُ أكثَرهُ / عن نسيم الريح أو بَرْق الغَواد
لم يَزِدْنَا القُربُ إلاّ هِجْرَةً / فرَضينَا بالتَّنائي والبِعاد
وإذا شاءَ زمانٌ رابَنَا / برقيبٍ أو حَسودٍ أو مُعاد
فهداكمْ بارقٌ مِنْ أضْلُعي / وسُقِيتُمْ بغَمامٍ مِن وَداد
وإذا انهَلَّتْ سماءٌ فَعَلى / ما رفَعْتُمْ من سماءٍ وعِماد
وإذا كانَتْ صلاةٌ فَعَلى / هاشِمِ البطحاءِ أربابِ العِباد
هُمْ أقَرُّوا جانبَ الدَّهرِ وهُمْ / أصْلحوا الأيّامَ من بعدِ الفَساد
من إمامٍ قائمٍ بالقِسْطِ أو / مُنذِرٍ مُنتخَبٍ للوَحي هَاد
أهلُ حوضِ اللّهِ يجري سلسَلاً / بالطَّهور العَذْبِ والصفو البُراد
أسِواهم أبتغي يومَ النَّدى / أم سواهم أرتجي يومَ المَعاد
هُمْ أباحوا كلَّ ممنوعِ الحِمَى / وأذلُّوا كلَّ جَبّارِ العِناد
وإذا ما ابتَدَرَ النّاسُ العُلى / فلهم عاديُّها من قبل عاد
فَلَهُمْ كلُّ نِجادٍ مُرْتَدىً / ولهمْ كلُّ سليلٍ مُستَجاد
تَطلَعُ الأقمارُ من تيجانهم / وعليهمْ سابغاتٌ كالدَّآد
كلُّ رَقراقِ الحَواشي فوقَهُمْ / كعيونٍ من أفاعٍ أو جَراد
فعلى الأجساد وَقْدٌ من سَنىً / وعلى الماذِيِّ صِبْغٌ من جِساد
بجِيادٍ في الوَغى صافِنَةٍ / تَفحَصُ الهامَ وأُخرى في الطِّراد
وإذا ما ضَرَّجُوهَا عَلَقاً / بَدَّلوا شُهْباً بشُقْرٍ وَوِراد
وإذا ما اختَضَبَتْ أيديهِمُ / فَرَّقوا بينَ الأسارى والصِّفاد
تلكَ أيدٍ وَهَبَتْ ما كسَبَتْ / للمعالي من طريفٍ وتِلاد
هم أماتُوا حاتماً في طيِّءٍ / مَيْتَةَ الدَّهْرِ وكعباً في إياد
وهُمُ كانوا الحيا قبل الحيا / وعِهادَ المُزنِ من قبل العِهاد
حاصَرُوا مكَّةَ في صُيّانَةٍ / عَقَدوا خيرَ حبىً في خيرِ ناد
فلهُمْ ما انجابَ عنه فَجرُها / من قَليبٍ أو مَصادٍ أو مَراد
أو شِعابٍ أو هضابٍ أو رُبىً / أو بِطاحٍ أو نِجادٍ أو وِهَاد
في حريمِ اللّه إذْ يَحمُونَهُ / بالعَوالي السُّمْرِ والبِيضِ الحِداد
ضارَبوا أبْرَهَةً من دونِهِ / بعدَما لفَّ بَياضاً بسَواد
شَغلوا الفيلَ عليه في الوغى / بتُوامِ الطَّعْنِ في الخَطْوِ الفُراد
فيهِمُ نارُ القِرى يَكنُفُها / مثلُ أجبالِ شَرَورَى من رماد
لهُمُ الجودُ وإنْ جادَ الورى / ما بِحَارٌ مُتْرَعاتٌ من ثِماد
وإذا ما أمْرَعَتْ شُهْبُ الرُّبَى / لم يكُنْ عامُ انتِقافٍ واهْتبِاد
لكمُ الذَّروةُ من تلك الذّرى / والهوادي الشُّمُّ من تلكَ الهَواد
يا أميرَيْ أُمراءِ الناس مِنْ / هاشِمٍ في الرَّيدِ منها والمَصَاد
وسَلِيلَيْ ليْثِها المنصور في / غِيلِها مِنْ مُرْهَفاتٍ وصِعاد
يا شَبيهَيْهِ نَدىً يَومَ نَدىً / وجِلاداً صادقاً يومَ جِلاد
إنّما عُوِّدْتُما في ذا الورى / عادةَ الأنواءِ في الأرض الجَماد
ما اصطناعُ النفس في طُرقِ الهوى / كاصْطناع النفس في طُرق الرشاد
إنَّ يحيَى بنَ عليٍّ أهلُ ما / جئتماهُ من جزيلات الأياد
كانَ رِقّاً تالِداً أوّلُهُ / فأتَى الفضْلُ بِرقٍّ مُستَفاد
كم عليهِ من غَمامٍ لكما / ولديه من رجاءٍ واعتِداد
عندَهُ ما شاءَتِ الأملاكُ منْ / عَزمةٍ فصْلٍ وذَبٍّ وذِياد
واضطلاعٍ بالّذي حُمِّلَهُ / واكتفاءٍ وانتِصاحٍ واجتِهاد
مِثْلُهُ حاطَ ثُغورَ المُلْكِ في / كلِّ دَهياءَ على المُلك نآد
أيُّ زَنْدٍ فاقدَحاهُ ثم في / أيِّ كفٍّ فصِلاها بامتِداد
وغنيٌّ مثلُهُ ما دُمْتُمَا / عن حُسامٍ وقَناةٍ وجَواد
إنَّ من جرَّد سيفاً واحداً / لمَنيعُ الركن من كيد الأعاد
كيف من كان له سيفا وغىً / منكما وهو كَمِيٌّ في الجِلاد
إن أكُنْ أُنبيكما عن شاكِرٍ / فلقد أُخبِرُ عن حَيَّةِ واد
نِعمَ مُنضي العِيسِ في ديمومَةٍ / ومُكِلُّ الأعوَجِيّاتِ الجِياد
تحتَ برقٍ من حُسامٍ أو غَمامٍ / من لِواءٍ أو وشاحٍ من نِجاد
نَبّهَا المُلكَ على تجريدِهِ / فهُوَ السيْفُ مَصُوناً في الغِماد
كمْ مقامٍ لكما من دونهِ / يُبْتَنى المجدُ على السَّبْع الشِّداد
نِعَمٌ أصْغَرُهَا أكبرُهَا / ويَدٌ معروفُها للخَلقِ باد
قد أمِنّا بعَمِيدَيْ هاشِمٍ / نُوَبَ الأيّامِ من مُمْسٍ وغاد
بالأمير الطاهرِ الغَمْرِ الندى / والحُسينِ الأبْلج الواري الزِّناد
ذاكَ ليثٌ يَضْغَمُ الليثَ وذا / حيَّةٌ تأكُلُ حَيّاتِ البِلاد
أنتُما خيرُ عَتادٍ لامرىءٍ / هو من بعدكما خيرُ عَتاد
بكما انقادَ لنا الدَّهْرُ على / بُعْدِ عَهدِ الدهرِ منّا بانقياد
وبما رفَّعْتُما لي عَلَماً / ينظُرُ النّجمُ إليه من بُعاد
والقوافي كالمطايا لمْ تَكُنْ / تَنبري إذ تنتحي إلاّ بِحاد
جوهَرٌ آليْتُ لا أُوقِفُهُ / موقفَ الذِّلَّةِ في سوق الكَساد
وإذا الشِّعْرُ تَلاقَى أهْلَهُ / أشرَقَتْ غُرَّتُهُ بعد اربِداد
وإذا ما قَدَحَتْهُ عِزَّةٌ / لم يَزِدْ غيرَ اشتِعالٍ واتِّقاد
كقَناة الخَطِّ إنْ زَعْزَعْتَهَا / لم تَزِدْ غيرَ اعتِدالٍ واطِّراد
يا بْنَيِ المنصورِ والقائمِ إنْ / عُدَّ والمهديِّ مهديِّ الرشاد
لا أرى بيْتَ مديحٍ شاردٍ / في سواكم غيرَ كفْرٍ وارتداد
ولقد جِئتُمْ كما قد شِئْتُمُ / ليس في فخركُمُ من مُستَزاد
وَهَبَ الدّهرُ نفيساً فاسترَدّ
وَهَبَ الدّهرُ نفيساً فاسترَدّ / رُبّما جاد لئيمٌ فحسَدْ
إنّما أعْطى فُواقَيْ ناقَةٍ / بيَدٍ شيئاً تَلَقّاهُ بِيَد
كاذبٌ جاءَ جَهاماً زِبْرِجاً / بَعْدَمَا أوْمَضَ بَرْقٌ وَرَعَد
إنّها شِنْشِنَةٌ من أخْزَمٍ / قَلّما ذُمَّ بخيلٌ فَحُمِدْ
خابَ من يرجو زماناً دائماً / تُعرَفُ البأساءُ منه والنكَدْ
فإذا ما كَدَّرَ العَيْشَ نَما / وإذا ما طَيَّبَ الزادَ نَفَدْ
فلقد ذَكَّرَ من كان سَها / ولقد نَبَّهَ مَنْ كان رَقَدْ
قلْ لَمنْ شاءَ يَقُلْ ما شاءَهُ / إنَّ خَصْمي في حياتي لألَدّ
مُنْتَضٍ نَصْلاً إذا شاءَ مَضَى / رائشٌ سَهماً إذا شاءَ قَصَد
فإذا فَوَّقَهُ انْفَلَّ لَهُ / بَينَ صُدَّينِ فُؤادٌ وكَبِد
أبداً يَعْجُمُ منّي نَبْعَةً / وقَنَاةً ليسَ فِيهَا من أوَدْ
كُلَّ يومٍ ليَ فيهِ مَصْرَعٌ / مِنْ سماءٍ أو طِرافٍ أو عَمد
أوَمَا يَعْجَبُ مِنّا أنّنَا / عَرَبٌ نُوتِرُ لا نُعْطي القَودَ
ماتَ مَنْ لوْ عاشَ في سِرْبالهِ / غلبَ النُّورُ عليهِ فاتَّقَدْ
سَيَّدٌ قُوبِلَ فيه معشَرٌ / ليس في أبنائهم مَن لمْ يَسُدْ
نافَسَ الدّهُر عليه يَعْرُباً / فرأى موضعَ حِقْدٍ فَحَقَدْ
هابَ أن يُجري عليه حُكمَه / فنَوى الغَدْرَ له يومَ وُلِدْ
حيثُ لم يُنْظِر به رَيْعانَهُ / إنّما اسْتَعجَلَهُ قبل الأمد
أقصَدتْهُ تِرْبَ خمسٍ أسهُمٌ / لو رَمَتْه تِرْبَ عَشْرٍ لم تكَد
إذ بدا في صَهَواتِ الخيل كال / قمرِ الملآن والسيف الفَرَد
ونَشَرْنَا عن رِداءَيْهِ لهُ / صارِماً يُذكى ورُمْحاً يَطَّرِد
ورَجَوْناهُ مَلاذاً للوَرَى / وَدَعَوْنَاهُ عَتاداً للأبَد
إنّمَا كان شِهَاباً ثاقِباً / صَعِقَ اللّيْلُ له ثمَّ خَمَد
ورُدَيْنِيّاً هَزَزْنَا مَتْنَهُ / فَتَثَنّى ساعَةً ثم انْقَصَد
أجَنوبٌ أم شَمالٌ هَصَرَتْ / منك في الأيكة باناً فانخَضَد
قَلمّا يملأُ عيْناً من سَناً / غيرَ ما يملأُ قلباً من كَمدْ
لا رجاء في خُلودٍ كُلُّنَا / وَارِدُ الماءِ الذي كان وَرَدْ
جاوَرَتْ رَوْضَ ثراه ديمةٌ / تحمِلُ اللؤلؤَ رَطْباً لا البَرَدْ
إنّ في الجوْسَقِ قَبراً تُربُهُ / مِن دَمِ الباكينَ إضريجٌ جسَد
وَطِئَتْ نفسي عليه قَدَمي / ومشى في فضْلةِ الرُّوح الجسدْ
يومَ عايَنْتُ كُماةَ الحرْبِ في / مَعْرَكٍ لو كانَ حَرْباً لم يُرَدْ
بُدِّلَ الإقْدامُ فيه هَلَعاً / فاستوى الأبطالُ والهِيفُ الخُرُد
واستْحالَ الزَّأرُ إرناناً كما / رَجَّعَ الباكي على الأيكِ الغرِد
قد رآهُ وهو مَيْتٌ فبَكى / مَن رآهُ وهو حيٌّ فَسَجَد
لو تراخى اليومُ عنه ساعةً / ملأ الأرضَ طِعاناً وصَفَد
لو حمتْه الطعنة السُّلْكى لمَا / كان إبراهيمُ فيه يُضْطهَدَ
ولحالَتْ دونَه رَجْراجة / كعُبابِ البحرِ يَرْمي بالزَّبَد
ولُيُوثٌ يُتَّقَى مَكرُوهُها / وعَناجِيجٌ طِوالٌ تَنْجرِد
ولَصَرَّتْ حَلَقٌ ماذيَّةٌ / وقناً ذُبلٌ وأسيْافٌ تَقِد
خيرُ زَنْدٍ كان في خيرِ يَدٍ / منك قد نِيطتْ إلى خيرِ عَضُد
غيرَ أنَّ الذَّخرَ خَيرٌ لامرىءٍ / لم يَجِدْ من أحزَم الأمرَينِ بُدّ
لو نَجا أشرفُ شيءٍ قَدَراً / فازَتِ الشمسُ بتخليد الأبد
ولوَ انّ المجدَ يُبقي ماجِداً / لم يُنازِع جِدَّةَ العيشِ أحَد
لا أرى عُرْوَةَ حَزْمٍ لم تكنْ / مِن عُرَى الحزْم الذي كان عقد
كلُّ مُلْكٍ لملِيكٍ بعدَهُ / فهْوَ لَغْوٌ عندما كان عُهِد
إن تكُنْ عُدَّةُ صِلٍّ مُطرِقٍ / تَدرَأُ الخطبَ فقد كان استَعَدّ
تَخذَ الحزمَ عليهِ كفَّةً / مِنْ مِجَنٍّ وقتيراً مِن زَرَد
في سريرِ المُلكِ إلاّ أنّهُ / هَبَطَ النَّجْمُ إليه وَصَعَد
فترقّى نحوهُ حتى دَنَا / وتهادَى خلفَهُ حتى بَعُد
ومضى يقطُرُ بالبأسِ دَماً / وبكفَّيْهِ من الأُسْدِ لِبَد
ومن البِيضِ صُدورٌ بِتَكٌ / ومن السُّمْرِ أنابيبٌ قِصَد
يا أبا أحمدَ والحكمةُ في / قولِ مَنْ قال إلى اللّهِ المرَدّ
لا ملومٌ أنت في بعض الأسى / غيرَ أنَّ الحُرَّ أولى بالجَلَد
وإذا ما جهَشَتْ نفسُ الفَتى / كان في عسكره الصَّبرُ مَدَد
لو يَرُدُّ الحزْنُ مَيْتاً هالِكاً / رُدَّ قحطانُ وَأُدُّ بنُ أُدَد
واكتستْ أعظُمُ كسرَى لحمَها / وسعى لُقمانُ أو طار لُبَد
في عليٍّ من عليٍّ أُسْوَةٌ / صَدَعَ الضِّلعَ الذي أنكى الكَبِد
أيَّ مَفْقُودَيكَ تبكيه أبٌ / هِبْرِزِيٌّ أنتَ منه أمْ وَلد
ضَمَّ هذا نحرَ ذا فاعتَنَقا / في ثرى الملحود شبِلٌ وأسَد
خَطَراتٌ فَالْهُ عنْ ذِكْرِكَها / إنّها أقربُ منْ هزْلٍ وَدَد
إنَّ إبراهيمَ مردودٌ إلى / زَمَنٍ غَضٍّ وأيّامٍ جُدُد
دَوْلَةٌ سَعْدٌ وفَحْلٌ مُنجِبٌ / وشَبابٌ مثلُ تفويفِ البُرَد
وفتىً ودَّتْ نِزارٌ كلُّهَا / أنّه منها ولم تَعقُبْ أحَد
والمُنى أنتَ إذا دُمْتَ لنا / دامتِ النَّعماءُ والعيشُ الرَّغَد
وَهيَ الأيّامُ لا يأمَنُهَا / حازمٌ يأخُذُ من يومٍ لِغَد
لو مُعافىً من خُطوبٍ عُوفِيَتْ / لَقْوَةٌ بينَ هِضابٍ ونُجُد
ترْتَبي مرهوبةً تَحْسَبُها / كوكَبَ الليل على الليلِ رصَد
تلكَ أو مُغْفِرَةٌ في حالقٍ / تأمَنْ الإنسَ إذا الوحشُ شَرَد
فهي في قُدسِ أواراتٍ إذا / جاورَ الميسَ ثَبيراً أو أُحُد
حَيْثُ لا النازلُ معهودٌ ولا ال / ماءُ مورودٌ ولا القَلْتُ ثمَد
تلكَ أو وحشيّةٌ أُدْمانَةٌ / أنبتَتْ أنقاءُ رَمْلٍ وعَقَد
تَنفُضُ الضّالَ بتَيْماءَ ولا / تألَفُ الخَلصاءَ من ذاتِ الجَرَد
تَتَقرّى جانِباً من عانِكٍ / باردِ الفَيءِ إذا الفيءُ بَرَد
وهْيَ في ظِلّ أراكٍ مائِدٍ / تَرتَدي المَرْدَ إذا ذابَ الوَمَد
وهيَ تَعْطوهُ على خوْفٍ كمَا / مَدَّ رَقّاءٌ إلى الأرْقَمِ يَدْ
يقَعُ الطَّلُّ عليَها مِثلما / قطَعَتْ عَذراءُ عِقداً فانسرَد
وبِعَيْنَيْهَا غريرٌ وَسِنٌ / وُسِّدَتْ أظْلافُهُ مِسْكاً ثأد
يَنْثَني الأيكُ على صَفحَته / وهو كالشعْرَى إذا لاحَ وَقَد
فإذا ما أخطَأتْهُ فِيقَةً / نَشَدتْهُ وهو غِرٌّ ما نَشَد
فأتَتْهُ خَرِقاً منْطوِياً / بيديه فوقَ حِقْفٍ مُلْتَبَد
كفَتاةٍ كَسَرَتْ خَلْخالَها / ضاعَ نصْفٌ منه والنصْفُ وُجِد
تلك أم أيْمٌ خفيفٌ وطؤه / يرْبَأُ القُفَّ كَلُوْءاً ما هَجَد
باتَ يُدْني حُمَةً من حُمَةٍ / وهْوَ يَطوي مسَداً فوْق مَسَد
شَرِبَ السَّمَّ بنابَيْهِ ففي / صَلَوَيْهِ منه سُكْرٌ ومَيَد
فَتَرى للْبَغْيِ في أعْطافِهِ / كاندفاعِ الموج في طامٍ يَمُدّ
مثِلما اصْطفَّتْ قسيٌّ في الثرى / مُوتَرات فهيَ تُرخى وتُشَدّ
ذاك أو جبّارُ غِيلٍ أشِبٍ / طَرَدَ الآسادَ عنْهُ وانفَرَد
نازلٌ كُرْسيَّ أرضٍ هابَهُ / مَلِكُ الخابلِ فيها إذْ مَرُد
ذا ولكن تُبَّعُ الأكَبرُ مِنْ / يَمَنٍ كان لخُلْدٍ لو خَلَد
والملوكُ الصِّيدُ من ذي إصْبَحٍ / وَرُعَينٍ وبَني الشّاهِ مَعَدّ
كلُّنا نَبْشَعُ من كأس الرَّدى / غير أنّا لا نَرانا نَسْتَبِدّ
نحنُ في الإدلاجِ نَبْغي منْهَلاً / وبناتُ الخِمس من عشْرٍ صَدَد
إن تَسَلْنَا ففَريقٌ ظاعِنٌ / وليالينا بنا عيسٌ تَخِدْ
فاتَني ريبُ زَماني بالذّي / أبتَغيه وهو ما لستُ أجِدْ
ولقد فاتَ بنَا أنفسَنا / وإذا ما فات شيءٌ لم يُرَد
ليتَ شِعْري أيَّ شيءٍ يرتجي / مَن رجاهُ أو لماذا يَستَعِدّ
فلقَدْ أسرعَ ركْبٌ لم يَعُجْ / ولقد أدبَرَ يومٌ لم يَعُدْ
وأبيَضٍ من غيرِ طبعِ الهندِ
وأبيَضٍ من غيرِ طبعِ الهندِ / يجولُ بين حَدِّه والحدِّ
أشبهُ بالماءِ من الفِرِندِ / أقدمُ من رامٍ ويَزدجردِ
تُراثُ يحيَى عن أبٍ وجَدِّ / من بعد ما قَطَّعَ ألفَ غِمدِ
جَرَّدَهُ بينَ يَدَيْ مَعَدِّ / قد يُنصَرُ المولى بسيف العبدِ
برئتُ إلى الطنبورِ مما جنيتهُ
برئتُ إلى الطنبورِ مما جنيتهُ / عليهِ وان أذنب فمنهُ التعمُّدُ
وهل كنت الا كالخليّ من الهوى / أصابَ حمامَ الأيكِ وهو يُغرّدُ
مررتُ على أسرابِ طيركَ وقفاً
مررتُ على أسرابِ طيركَ وقفاً / فأرسلتُ عقباني إليها تصيدُها
فلم تُغنِ عنها في اللقاءِ صفوفُها / ولم تُغنِ عنها في البراز رُدُودُها
أكُرُّ على ما فرّ منها كأنَّني / أكرُّ على فرسان حَربٍ أذُودُها
فأذكرتني ما قال عاشقُ خِلَّةٍ / بَرى جسمَه هجرانُها وصدودُها
فلو أنَّ ما أبقيت مني مُعلَّقٌ / بعُودِ ثُمامٍ ما تأوَّدَ عُودُها
أغيدُ مثلَ الشمسِ لمَّا بدا
أغيدُ مثلَ الشمسِ لمَّا بدا / تاهَ على الناسِ بنحرٍ وَجيد
لاعبتهُ الشطرنجَ في خَلوةٍ / حُكمَ مُطاعٍ في الذي قد يُريد
صفّفت خَيلي بإزا خيلهِ / ثُمَّ التقَت من بعد ذاكَ الجُنود
فأطردَت خيلُ حبيبي وقد / أقلَّها الرَّكضُ وَخَفق البُنود
فقال ما حُكمُكَ يا سيدي / فإنني من بعدِ ها لا أعُود
فقلتُ حُكمي أن أنال المنى / من ذلك الردف وذاك البرود
فحلَّ عن طوعٍ سراويلَهُ / ولم يكن قطُّ بهذا يجود
فنلتُ منهُ فوقَ ما اشتهي / وفوقَ ما يرُغِمُ أنفَ الحسود
ثلاثُ خِصَال سُدتُ بها عَشيرَتي
ثلاثُ خِصَال سُدتُ بها عَشيرَتي / وَمن لم تَكُن فيه فَليسَ بِسَيِّدِ
فهُنَّ إذا واخيتُ صِرفُ مَوَدَّتي / وَجودُ يَميني وامتداحُ مُحَمَّدِ