المجموع : 31
يا عَينُ هَذا المُصطَفى أَحمَدُ
يا عَينُ هَذا المُصطَفى أَحمَدُ / خَيرُ الوَرى والسيِّدُ الأَمجَدُ
وَهذه القبَّةُ قد أَشرقَت / دونَ عُلاها الشَمسُ والفرقدُ
وَهذه الرَوضَةُ قد أَزهرت / فيها المُنى والسؤل وَالمقصدُ
وَهذه طيبةُ فاحَت لنا / أَرجاؤُها وَالسَفحُ والغَرقَدُ
وَعينُها الزَرقاءُ راقَت وَلَم / يَحلَّها الإثمِدُ والمِروَدُ
فَما لأَحزانيَ لا تَنجَلي / وَما لنيرانيَ لا تخمدُ
هَذا المصلّى وَالبَقيعُ الَّذي / طابَ به المنهلُ والمورِدُ
أَرضٌ زَكَت فَخراً وَنافَت عُلاً / فالأَنجمُ الزُهرُ لها حُسَّدُ
حصباؤُها الدُرُّ وأَحجارُها / وَتُربُها الجَوهَرُ والعَسجدُ
تَمَنَّت الأَقمارُ والشهبُ لَو / كانَت نَواصيها بها عُقَّدُ
فَما عَلى من كُحلَت عينُه / بتُربها لَو عافها الإِثمِدُ
بها مَزايا الفَضلِ قد جُمِّعَت / وَفضلُها في وصفِه مُفرَدُ
يغبطُها البيتُ وأَركانُه / وَزَمزَمٌ والحِجرُ والمَسجدُ
مشهدُ سَعدٍ فضلُه باهِرٌ / ملائكُ اللَه به سُجَّدُ
وَكَيفَ لا وهو مَقامٌ لِمن / له على هام العُلى مَقعَدُ
وَموطنُ الصَفوة من هاشمٍ / يا حَبَّذا الموطِنُ والمشهَدُ
خَيرُ قُرَيشٍ نَسَباً في الوَرى / زكا به العُنصرُ والمَحتِدُ
وَخيرَةُ اللَه الَّذي قد عَلا / به العُلى والمَجدُ والسؤددُ
غُرَّتُه تَجلو ظَلامَ الدُجى / وهو الأَعزُّ الأَشرفُ الأَسعدُ
الفاتحُ الخاتِمُ بحرُ النَدى / وَبَرُّهُ وَالمنهجُ الأَقصَدُ
فضَّلهُ اللَه على رُسلهِ / وَسائرُ الرسل به تَشهدُ
آياتُه كالشَمس في نورها / أَبصَرَها الأَكمَهُ والأَرمَدُ
حنَّ إِليه الجذعُ من فُرقَةٍ / وَفي يديه سبَّح الجَلمدُ
وَالماءُ من بين أَصابيعهِ / فاضَ إلى أَن رَويَ الوُرَّدُ
وَالقَمَرُ اِنشقَّ له طائعاً / وَراحَ بالطاعة يُستَسعَدُ
وَالشَمسُ عادَت بعد لَيلٍ له / وَعَودُها طَوعاً له أَحمَدُ
وَكَم له من آيةٍ في الوَرى / دانَ لَها الأَبيَضُ والأَسودُ
حديثُها ما كانَ بالمُفتَرى / وَالصبحُ لا يَخفى ولا يُجحَدُ
فيا رَسول اللَه يا خَيرَ من / يقصدُهُ المُتهمُ والمُنجدُ
سمعاً فدتكَ النَفسُ من سامع / دَعوةَ داعٍ قَلبُه مُكمَدُ
دَعاكَ والوَجدُ به مُحدِقٌ / لعلَّ رُحماكَ له تُنجِدُ
طالَ بيَ الأسرُ وطالَ الأَسى / وَما عَلى ذلك لي مُسعِدُ
قَد نفدَ الصَبرُ لما نالَني / وَكَيفَ لا يَفنى ولا يَنفَدُ
فالغارَةَ الغارةَ يا سيّدي / فإنَّكَ المَلجأ وَالمَقصِدُ
حبُّك ذُخري يومَ لا والدٌ / يُغني ولا والدةٌ تُسعِدُ
وَأَنتَ في الدارين لي موئلٌ / إذا جفا الأَقربُ والأَبعدُ
فاِكشف بَلائي سيِّدي عاجِلاً / علَّ حَراراتِ الأَسى تَبرُدُ
وأدنني منك جِواراً فقد / ضاقَ بيَ المضجَع والمرقَدُ
وَبَوِّئَنّي طَيبَةً مَوطِناً / فإنَّها لي سابقاً مَولِدُ
وَهي لَعمري مَقصِدي والمُنى / لا الأَبلقُ الفَردُ ولا ثَهمَدُ
ثُمَّ سلامُ اللَه سبحانَهُ / عليك صَبٌّ دائمٌ سَرمدُ
وَآلِك الغرِّ الكرام الألى / لهم أَحاديثُ العلى تُسنَدُ
ما غَرَّدت في الروض أَيكيَّةٌ / وَما زهت أَغصانُها الميَّدُ
وَما غدا ينشدُنا مُنشدٌ / يا عَينُ هَذا المُصطَفى أَحمَدُ
رأَيتُ قَوماً من بني هاشمٍ
رأَيتُ قَوماً من بني هاشمٍ / دنَوا من العَليا وما أبعدوا
قد وَصَفوا بالحمد آباءَهم / وأَظهروا في المَجدِ ما شيَّدوا
حتّى إِذا ما سأَلوا عن أَبي / قُلتُ لهم أَنَّ أَبي أَحمَدُ
أَمُشرِّفاً قَدري بِسَعدِ قدومهِ
أَمُشرِّفاً قَدري بِسَعدِ قدومهِ / تَفديكَ نَفسي من شَريفٍ ماجدِ
البِرُّ حقُّك سَيِّدي فبرَرتَني / متفضِّلاً فاِعجب لبِرِّ الوالدِ
قُم هاتِها كالنارِ ذات الوَقود
قُم هاتِها كالنارِ ذات الوَقود / تَسطعُ نوراً في لَيالي السُعود
واِستَجلها عَذراءَ قد رَقَّصت / نَدمانها إِذ هُم عليها قُعود
واِستَلبت بالسُكر أَلبابَهم / وهم على ما فعلَتهُ شُهود
جنودُها الأَفراحُ عند اللِقا / فهل أَتى القومَ حَديثُ الجنود
قد جَعَلوا قِبلَتَهم دَنَّها / فهم حوالَيها قيامٌ سُجود
كأَنَّها في الكأس ياقوتَةٌ / ذابَت لِفَرطِ الوَقد بعد الجمود
ما اِفترَّ منها الثغرُ إلّا غَدت / تُجلى على خُطّابها في عُقود
يُديرُها أَغيد عَذبُ اللَمى / تَشابَهت منها ومنه الخُدود
لا يمزجُ الراحَ إذا صبَّها / في الكأس إلّا مِن لَماه البَرود
لَو لَم تَطِب بالمَزجِ من ثغرِهِ / ما طابَ للعشّاقِ منها الورود
ما فيه من عَيبٍ سوى أَنَّه / لا يَحفظُ العهدَ وَيَنسى الوعود
أَو غادَةٌ هَيفاءُ مَجدُولَةٌ / قد أَثمرَت قامَتُها بالنُهود
إذا جَلت راحتُها راحَها / تَمنَحُكَ الوَصلَ وَتَمحو الصُدود
في رَوضَةٍ غَنّاءَ مَطلولَةٍ / تَبسطُ للصَحب خدودَ الورود
تَبَسَّم البَرقُ بأَرجائِها / وَقَهقَهَت في حافَتيها الرُعود
فَغَنَّت الورقُ على أَيكها / وَهَزَّت الأَغصانُ هيفَ القُدود
كأَنَّما وَرقاؤُها قَينةٌ / قد جَسَّتِ الأَوتارَ والغُصن عود
فَبادِرِ اللَذّاتِ في وَقتِها / فَما مَضى يا صاحبي لا يَعود
أَما تَرى نَيروزَها قد أَتى / يَميسُ في وَشي الرُبى في بُرود
وَأَضحَكَ الأَزهارَ في رَوضِها / ونبّه الأَطيارَ بعد الهجود
وَدَبَّجَ الرَوضَ بأَلوانِه / حُسناً وأَحيا الأَرضَ بعد الهُمود
وَأَلبسَ الآفاقَ من وَشيهِ / مَطارفاً خُضراً وَبيضاً وسود
وَالصبحُ قد أَسفرَ عَن غُرَّةٍ / منيرةٍ أَشرق منها الوجود
كأَنَّه حين بَدا مُسفِراً / وَجهُ حُسينٍ حين يَلقى الوفود
السَيّدُ الماجِدُ مَن أَذعَنَت / له الوَرى من سَيِّد أَو مَسود
وَالطاهِرُ الأَصلِ الكَريم الَّذي / قد طُهُرَت بالنَصِّ منه الجُدود
وَالحافظُ العهد إذا ما نُسي / عندَ كرام القَوم حِفظُ العُهود
كَم كَرَمٍ نَتلوهُ من فَضلِهِ / كرامةً لا يَعتَريها جُحود
وَقِصَّة النائب في كيده / عَلى عُلاه من أَدَلِّ الشُهود
لا زِلتَ منصوراً أَبا ناصِرٍ / عَلى عَدوٍّ وَحَسودٍ عَنود
ولا بَرحتَ الدَهرَ في نِعمَةٍ / مَحسودَةٍ تَصدَعُ قَلبَ الحَسود
واِستَملها غَرّاءَ منظومَةً / كالعِقد في لَبَّة جيداءَ رود
وافت تهنّيكَ بنصرٍ على / شانٍ لَدودٍ من محبٍّ وَدود
فَدُم مَدى الأَيّام مُستَبشِراً / بعزّةٍ إِقبالُها في صُعود
ما غرَّدَت في الرَوضِ أَيكيَّةٌ / وَزَمزَمَ الحادي بِوادي زَرود
تَذَكَّرَ وَالذكرى تُهيجُ أَخا الوَجدِ
تَذَكَّرَ وَالذكرى تُهيجُ أَخا الوَجدِ / مراتعَ ما بين الغُوَير إِلى نَجدِ
أَسيرٌ يُعاني من نوائِب دَهرِه / حوادثَ لا تنفكُّ تَترى على عَمدِ
إذا شاقَهُ من نحو رامةَ بارقٌ / ذرى عبرَةً من مُقلَتَيهِ على الخَدِّ
يحنُّ إِلى أَحياءِ لَيلى بِذي الغَضا / وَأَينَ الغَضا وَيبَ المَشوق من الهِندِ
وَيَبكي بطَرفٍ يمتَري الشَوقُ دمعَهُ / إذا ما شدَت ورقٌ عَلى فنني رندِ
هيَ الدارُ لا غَبَّت مراتع غيدِها / ذِهابُ الغَوادي الجون تُزجَر بالرَعدِ
تَحلُّ بها غَيداءُ من آل عامِرٍ / كَليلةُ رَجعِ الطَرفِ مائسةُ القَدِّ
يُرَنِّحُها زَهوُ الصِباحين تَنثَني / كَما رنَّحت ريحُ الصبا عَذبَ المُلدِ
نَمتها سَراةٌ من ذؤابة عامِرٍ / إلى سَرواتِ المَجدِ والحَسَب العِدِّ
فَيا لَيتَ شِعري وَالأَماني تَعلَّةٌ / وَجورُ النَوى يُهدي إلى القَلب ما يهدي
أَيُصبِحُ ذاكَ العَهد للشمل جامِعاً / فَيَخبو جَوىً بين الجَوانح ذو وَقدِ
وَنَغدو عَلى رَغم الزَمان وقد صَفَت / موارِدُ وَصلٍ رنَّقتها يَدُ البُعدِ
وَلَقَد طَرَقتُ الحيَّ مِن سَعدِ
وَلَقَد طَرَقتُ الحيَّ مِن سَعدِ / تحتَ الدُجى كالخادِرِ الوَردِ
في لَيلَةٍ مَدَّت غياهبَها / من فَرعها كالفاحِمِ الجَعدِ
وَالصبحُ يَستَهدي لمطلَعِه / نجمَ الدُجُنَّة وهو لا يَهدي
وَمُصاحِبي من ليس يَحفُرني / ماضي الضَريبة مُرهفُ الحَدِّ
فسَريتُ مُعتَسِفاً أَنُصُّ عَلى / عَبلِ المُقَلَّد مُشرِفٍ نَهدِ
لا أَهتَدي وَاللَيلُ معتَكِرٌ / إلّا بنَشرِ المِسك والنَدِّ
حتّى اِقتحمتُ الخدرَ مُجتَرئاً / أدلي بِقُربى الحبِّ والودِّ
فتنبَّهت مُرتاعَةً فَزَعاً / رَيّا المُخَلخَل طفلةُ الخَدِّ
قالَت مَن المَقتولُ قُلتُ لها / من قد قَتَلتِ بلوعةِ الصَدِّ
قالَت قَتيلُ هَوايَ قُلتُ أَجل / قالَت أجلُّك عَن جَفا الردِّ
فَوَقَفتُ مُهري غَيرَ مرتَقِبٍ / وَنَزَلتُ من نَهدٍ إِلى نَهدِ
وَدَنَوتُ منها وَهي عاتِبَةٌ / أُبدي العتابَ لها كما تُبدي
ثمَّ اِعتنَقنا وهي مُغضِيَةٌ / عنّي وَبات وِسادها زَندي
وَضمَمتُ سيفي بينَنا فَغدَت / غَيري تُدَفِّعُه عَلى عَمدِ
حتّى إِذا ضاقَ العِناقُ بنا / ضمّاً يَذوبُ له حَصى العِقدِ
قالَت فدَيتُك دَعه ناحيَةً / يُغنيكَ ضَمُّ الرُمح من قَدّي
يا نَسيمَ الصَبا مَتىَ جُزتَ نَجدا
يا نَسيمَ الصَبا مَتىَ جُزتَ نَجدا / فَلَقَد هِجتَ لي غَراماً وَوَجدا
عَمرَكَ اللَه هَل مَرَرتَ سُحيراً / بزرودٍ فزدتَ طيباً وَبَردا
أَم بِلَيلى عَرَّجتَ لَيلاً فَقَبَّل / تَ ثُغَيراً منها وَعانقتَ قَدّا
أَم تنسَّمتَ نَفحَةً من ثَراها / حيث جرَّت مُختالَةٌ فيه بُردا
إنَّ عَهدي بِغيدِ وَجرةَ يسحب / نَ بُروداً تَضوعُ مسكاً وَندّا
كُلُّ غَرّاءَ لا تَرى البَدرَ مثلاً / لسَناها ولا الغَزالَةَ نِدّا
نشرَت من دُجى الغياهِبِ فَرعاً / وَتَحَلَّت زُهرَ الكواكِب عِقدا
يا رَعى اللَهُ بالحِمى عصرَ أنسٍ / عشتُ فيه حيناً من الدَهر رَغدا
حيث رَوضُ الشَباب غضٌّ نَضيرٌ / وَغصونُ الصِبا ترفُّ وَتَندى
وَزَماني ذاك الزَمانُ المُهَنّى / وَحَبيبي ذاكَ الحَبيبُ المُفَدّى
برَبِّكَ إِن يمَّمتَ يا صاحبي نَجدا
برَبِّكَ إِن يمَّمتَ يا صاحبي نَجدا / فَقِف شارِحاً عنّي الصَبابةَ والوَجدا
وَعُج بِخُيَيماتٍ هُناكَ على اللِوى / بهنَّ ظِباءٌ تَقنصُ الأَسَدَ الوَردا
فإن شاهدَت عَيناكَ هنداً وتِربَها / فَقُل لَهما تَاللَه أَخلَفتُما الوَعدا
أَما كنتما أَعطيتماني مَواثِقا / بأَنَّكما لا تَنقُضانِ لنا عَهدا
فَما لِلهَوى أَمسَت عفاءً رُبوعُهُ / وأَصبحَ عِقد الودِّ مُنفصِماً عَقدا
فإن آلَتا بِاللَه حِلفةَ آثِمٍ / بأَنَّهما ما خانَتا قطُّ لي ودّا
فقل لَهما يكفيكما أَن طَوَيتُما / عَن الهائِم الولهان سِرَّكما عَمدا
فَلا تكسِبا حِنثاً عَفا اللَهُ عنكما / على كُلِّ حالٍ لا رُزئناكما فَقدا
بِنَفسي هَوى هِندٍ على البعد والنَوى / وإن كُنتُ قد أَوطَنتُ من بعدها الهِندا
سَلِ الدِيارَ عن أهَيلِ نَجد
سَلِ الدِيارَ عن أهَيلِ نَجد / إِن كانَ تسآلُ الدِيارِ يُجدي
وَقِف بهاتيك الرُسوم ساعةً / لَعَلَّه يُطفي لَهيبَ وَجدي
منازِلٌ قد حزتُ فيها أَرَبي / وَنِلتُ سؤلي وَقَضيتُ وَعدي
ما عنَّ لي ذِكرُ زَمانٍ قد مَضى / بظلِّها إِلّا وَهاجَ وَقدي
أَصبو من الهند إِلى نَجدٍ هَوىً / وأَينَ نَجدٌ من ديار الهِندِ
وألتقي كلَّ رياحٍ خطرَت / أَحسَبُها لَيلاً نَسيمَ نَجدِ
آهِ من البَين المُشِتِّ وَالنَوى / كَم قرَّحا من كبِدٍ وَخَدِّ
فهل ترى ينتَظِمُ الشَملُ الَّذي / قد نَثرتهُ البينُ نثرَ العِقدِ
وَهَل لأَيّام الصِبا من رَجعَةٍ / أَم هَل لأَيّام النَوى من بُعدِ
أَنوحُ ما ناحَ الحَمامُ غُدوَةً / هَيهاتَ ما قصدُ الحَمام قَصدي
أَبكي وَتَبكي لَوعةً وطَرَباً / وما بُكاءُ الهزلِ مِثلُ الجدِّ
ظنَّت حَماماتُ اللِوى عشيَّةً / في الحُبِّ أَنَّ عندها ما عِندي
تَلهو عَلى غُصونِها وَمُهجَتي / تَصبو إِلى تلك القُدودِ المُلدِ
شَتّانَ ما بين جَوٍ وَفَرِحٍ / وَبين مُخفٍ سِرَّه وَمُبدِ
ما مَشرَبي صافٍ وإِن ساغ ولا / عيشيَ مِن بَعد النَوى برَغدِ
سل أَدمُعي عَمّا تُجنُّ أَضلُعي / فالقَلبُ يُخفي والدُموع تُبدي
كم أَنشدُ الرَوضَ إذا هبِّت صباً / تنبَّهي يا عذباتِ الرَندِ
بِنَفسيَ هَيفاءُ المَعاطفِ ناهدُ
بِنَفسيَ هَيفاءُ المَعاطفِ ناهدُ / أراودُها عَن نَفسها وَتُراوِدُ
وَقَد عذلَتها العاذِلاتُ وإنَّما / عواذِلُ ذاتِ الخال فيَّ حواسِدُ
شُغفتُ بها حبّاً وَرُمتُ وِصالَها / وَرامَت وِصالي والقُلوبُ شواهدُ
إِلى أَن خَلَونا لِلعناق وقد دَنا / محبٌّ لها في قُربه مُتباعِدٌ
وَقَد سكنت عَنّا الوشاةُ وأَبلَسَت / كما سكنَت بطنَ التُرابِ الأَساودُ
شَرَعتُ لها رُمحاً أَصَمَّ مقوَّماً / تخرُّ له عند الطِعان الوَلائِدُ
فَلَمّا رأَته اِستعظمته وكبَّرت / وَقالَت وقد هانَت عليها الشَدائدُ
لَعَمري هو المَطلوبُ لو أَنَّ غادَةً / تُساعدُني في حَمله وأُساعدُ
فَقُلتُ لها مَهلاً فَدَيتُك إِنَّه / إذا عظُم المَطلوبُ قلَّ المساعدُ
ولكن إذا ما شئت أَولجتُ بعضَه / وَرأَيُك في إِيلاج ما هو زائِدُ
فَقالَ على اسم اللَه أولجهُ إنَّني / سأَجهدُ في صَبري له وأُجاهِدُ
فأَضجعتُها وَاللَيلُ قد مدَّ سجفَه / وإنَّ ضَجيعَ الخَودِ منّي لماجدُ
فَما راعَها إِلّا وقد خاض جَوفَها / قُمُدٌّ له عند الطِعانِ مَكايدُ
وَلَم يَحمها من فَتكتي عند طَعِنها / لَمى شَفتَيها والثُديّ النواهِدُ
فَأَنّت وَرَنَّت واِرجحنَّت وأَجهشَت / وَقَد بُلَّ من فيض الدِماءِ المجاسِدُ
وَقالَت بِهَذا الرمح تفتضُّ طِفلةً / وقد عجزت عنه النِساءُ القَواعدُ
فَقُلتُ فدتكِ النَفسُ صَبراً فإنَّها / مواردُ لا يُصدِرنَ من لا يجالدُ
فَقالَت وَهَل صَبرٌ عدمتُك فاتِكاً / على طعنةٍ تنقدُّ منها القَلائِدُ
وَرمحك هَذا في الرماح بليَّةٌ / تَضيقُ به أَوقاتُه وَالمَقاصدُ
فَقُلتُ اِحمليهِ ساعةً وَتحمّلي / فَلا بأسَ إِن ضاقَت عليه المَوارِدُ
فَقالَت إِذَاً لا تُكثر الدَفع واِتَّئد / وَدَعني قَليلاً أَتَّقي ما أُكابدُ
فانَّ قَليلَ الحُبِّ في العقل صالحٌ / وإنَّ كثير الحُبِّ بالجهل فاسِدُ
فعامَلتُها بالرِفق والرفقُ مذهبي / ولكنَّ طبعَ النَفس للنَفسِ قائدُ
فطوراً أراضيها وطوراً أَروضُها / وَطوراً أدانيها وطوراً أُباعدُ
إِلى أَن تَسنّى أَمرُها وتسهَّلت / مسالكُها واِلتفَّ جيدٌ وَساعدُ
فَباتَت تجيدُ الرَهز تحتي وَقَد غدت / تصادم رمحاً تتَّقيه الجلامدُ
وَتُسعدُني في غمرةٍ بعد غمرَةٍ / سَبوحٌ لها منها عليها شَواهدُ
تَثَنّى على قَدر الطِعان كَأَنَّما / مفاصلُها تحت الرِماح مَراودُ
وَقالَت جُزيتَ الخَيرَ هَل أَنتَ عالِمٌ / بأَنَّك في قَلبي لعمريَ خالِدُ
وإنَّ دَماً أَجريتَه بكَ فاخِرٌ / وإنَّ فؤاداً رُعته لك حامِدُ
حَلَّت بِقَلبي وَثَوَت
حَلَّت بِقَلبي وَثَوَت / شَمسٌ لَها البدر حَسَد
حَرُّ هَواها لم يَزَل / يُضني الفؤادَ والجَسد
لا تعجَبوا من حَرِّه / فالشَمسُ في قَلب الأَسَد
يَقول الهاشميُّ غداةَ جُزنا
يَقول الهاشميُّ غداةَ جُزنا / بحارَ الهِندِ نقطعُ كُلَّ وَهدِ
أَتذكر عن هَوى تَلَعاتِ نَجدٍ / وأَينَ الهِندُ من تَلَعاتِ نَجدِ
سَل عن فؤادِك حين طاشَ بك الهَوى
سَل عن فؤادِك حين طاشَ بك الهَوى / إِن كنتَ تملِكُ في الغَرام فؤادا
هَيهات عَهدي يوم مُنعَرجِ اللِوى / قادَت أَزمَّتَه الهَوى فاِنقادا
شَفى ابنُ أَبي الحديد صدورَ قَومٍ
شَفى ابنُ أَبي الحديد صدورَ قَومٍ / بشَرح كلام ذي المَجدِ المَجيدِ
فَلَم أَرَ شارِحاً للصدرِ نَهجاً / كَشَرحِ النَهج لاِبنِ أَبي الحَديدِ
هُم نَقَضوا عَهدَ الوِدادِ وأَقبَلوا
هُم نَقَضوا عَهدَ الوِدادِ وأَقبَلوا / يَرمونَ من قَلبي البَقاءَ على العَهدِ
يَقولون لو تَصفو صَفَونا وَهيهمُ / وفوا بالَّذي قالوا فَماذا الَّذي يُجدي
أَلَم يَسمَعوا قَولَ الوشاة وَجاهَروا / على غير ذَنبٍ بالقَطيعَةِ والصَدِّ
وَذي هَيفٍ ما زالَ بالرَملِ مولَعاً
وَذي هَيفٍ ما زالَ بالرَملِ مولَعاً / إِذا ما سأَلتُ الوَصلَ منه تَبلَّدا
وَوَشّى نَقيَّ الخَدِّ منه بحمرَةٍ / فَقُلتُ طَريقٌ للوِصال تولَّدا
لِلَّه مهجةُ والهٍ لم يَثنِها
لِلَّه مهجةُ والهٍ لم يَثنِها / عَذلُ العواذل من لواعج حُزنها
ذكرت صبابَتها وَمَعهد فنِّها / وَمليحةً تَسبي الأَنام بحسنها
وَمهفهفاً عبثَ الدلالُ بقدِّهِ /
لَمّا رأَته من المحاسِن فردَها / أَورَت عليه من الصَبابة وقدها
حتّى إِذا ما جرَّعته صدَّها / أَهوى يقبِّلُها وَيلثم خدَّها
حنِقَت عليه وأَسرعت في ردِّهِ /
فاِزداد إِذ ردَّته عظمَ نِكايةٍ / فأَباحَ ما أَخفاه دون كناية
لَمّا رأَت لا يَنتَهي عن غايَةٍ / لطمت عوارضَه بغير جناية
منه فأَثَّر كفُّها في خَدِّهِ /
فبدت محاسنُ للجمال ببطشِها / وَفشت سرائرُ للهوى لم يُفشِها
إِذ أَثَّرت في وجنتيه بخدشِها / فاِخضرَّ آسُ عذاره من نقشِها
واِحمرَّ باطنُ كفِّها من وردِهِ /
جَنبُ الغَزال الأَغيد
جَنبُ الغَزال الأَغيد / لابس الوشاح العَسجد
يجرُّ ذيل البُردِ /
فائق الحسان الخرَّد / وهو في المحاسِن مُفرد
منزَّهٌ عن نِدِّ /
قاتلي إِذا ما جرَّد / سيفَ لحظِهِ أَو أَوَّد
عسّالَ ذاك القَدِّ /
طرفُه بِقَتلي يشهد / فاِسأَلوه إِن لم يجحد
هَل كانَ ذا عَن عَمدِ /
لِلهَوى بِقَلبي عَهدُ / مذ ضمَّ جسمي المهدُ
في حُبِّ داجي الأَفلال /
حبُّهُ المنى والقصدُ / لا سؤال حادٍ يحدو
ولا البُكا في الأَطلال /
إِن ثناه عنّي صَدُّ / أَو زواهُ عنّي بُعدُ
ركبتُ فيه الأَهوال /
غارَ بي الهَوى أَو أَنجد / إِن سعدتُ مثلي يَسعَد
بنيل هَذا القَصدِ /
يا أهيلَ الغَرام عزَّ المرام
يا أهيلَ الغَرام عزَّ المرام / من سُليمى وأَضناني الصُدود
للرَنا في الحشى رشق السهام / وَبِقَلبي من الفُرقه وقود
يا سقى اللَه لييلات الخيام / هَل ترى ما مَضى فيها يعود
ما سلا وَالنبي قَلبي الغَرام / ها دموعي وها وجدي شهود
كَيفَ أَسلو وما نِلتُ المنى / من حَبيبي ولا نلتُ اللِقا
آه قد طال سقمي والضَنى / من جفا ذاك الرَشا ساجي المِقا
لا ومن بالنَوى قدَّر لَنا / ما لِصَبري على هجرٍ بَقا
ما يطفّي غَليلي والأوام / غير رشفَه لمبسَمه البَرود
بَعد بُعد المَزار نومي غرار / وَدموعي على خَدّي غُروب
فَمَتى يا تُرى تدنو الديار / وَتوافي مسرّاتُ القلوب
وَيفكُّ القضا هَذا الأسار / وَيجلّي الهَنا هذي الكروب
وَينيل المنى جاني الوشام / من وصاله ويوليني السعود
يا برقَ العوالي
يا برقَ العوالي / خبِّرني عن وادي زَرود
هَل تلك اللَيالي / والأَيّام في سفحه تعود
واِسأل ذا الجمالِ / ساهي الطرف ورديّ الخدود
هَل حاله كحالي / بَعد البُعد أَم خانَ العُهود
أَمّا أَنا فهائم / من بعده ما ذقت المنام
أستسقي الغمائم / من شوقي لتلك الخيام
وأستنشق النَسائم / إِن مرَّت بوادي الخزام
جِسمي كالخِلال / يَبكي لي مِمّا بي الحسود
يا حلوَ الشمائِل / أَضناني وجدي والعويل
اِسمح لي بنائِل / وصلك واِجعل لي سَبيل
ما في الصَدِّ طائِل / لا تبخل بفعل الجَميل
فاِسمح بالوصال / يكفيك الجفا والصدود