المجموع : 23
تَعَمَّدتُ قَتلي في الهَوى وَتَعَمَّدا
تَعَمَّدتُ قَتلي في الهَوى وَتَعَمَّدا / فَما أَثِمَت عَيني وَلا لَحظُهُ اِعتَدى
كِلانا لَهُ عُذرٌ فَعُذري شَبيبَتي / وَعُذرُكَ أَنّي هِجتُ سَيفاً مُجَرَّدا
هَوينا فَما هُنّا كَما هانَ غَيرُنا / وَلَكِنَّنا زِدنا مَعَ الحُبِّ سُؤدُدا
وَما حَكَمَت أَشواقُنا في نُفوسِنا / بِأَيسَرَ مِن حُكمِ السَماحَةِ وَالنَدى
نُفوسٌ لَها بَينَ الجُنوبِ مَنازِلٌ / بَناها التُقى وَاِختارَها الحُبُّ مَعبَدا
وَفَتّانَةٍ أَوحى إِلى القَلبِ لَحظُها / فَراحَ عَلى الإيمانِ بِالوَحيِ وَاِغتَدى
تَيَمَّمتُها وَاللَيلُ في غَيرِ زَيِّهِ / وَحاسِدُها في الأُفقِ يُغري بِيَ العِدا
سَرَيتُ وَلَم أَحذَر وَكانوا بِمَرصَدٍ / وَهَل حَذِرَت قَبلي الكَواكِبُ رُصَّدا
فَلَمّا رَأَوني أَبصَروا المَوتَ مُقبِلاً / وَما أَبصَروا إِلّا قَضاءً تَجَسَّدا
فَقالَ كَبيرُ القَومِ قَد ساءَ فَألُنا / فَإِنّا نَرى حَتفاً بِحَتفٍ تَقَلَّدا
فَلَيسَ لَنا إِلّا اِتِّقاءُ سَبيلِهِ / وَإِلّا أَعَلَّ السَيفَ مِنّا وَأَورَدا
فَغَطّوا جَميعاً في المَنامِ لِيَصرِفوا / شَبا صارِمي عَنهُم وَقَد كانَ مُغمَدا
وَخُضتُ بِأَحشاءِ الجَميعِ كَأَنَّهُم / نِيامٌ سَقاهُم فاجِئُ الرُعبِ مُرقِدا
وَرُحتُ إِلى حَيثُ المُنى تَبعَثُ المُنى / وَحَيثُ حَدا بي مِن هَوى النَفسِ ما حَدا
وَحَيثُ فَتاةُ الخِدرِ تَرقُبُ زَورَتي / وَتَسأَلُ عَنّي كُلَّ طَيرٍ تَغَرَّدا
وَتَرجو رَجاءَ اللِصِّ لَو أَسبَلَ الدُجى / عَلى البَدرِ سِتراً حالِكَ اللَونِ أَسوَدا
وَلَو أَنَّهُم قَدّوا غَدائِرَ فَرعِها / فَحاكوا لَهُ مِنها نِقاباً إِذا بَدا
فَلَمّا رَأَتني مُشرِقَ الوَجهِ مُقبِلاً / وَلَم تَثنِني عَن مَوعِدي خَشيَةُ الرَدى
تَنادَت وَقَد أَعجَبتُها كَيفَ فُتَّهُم / وَلَم تَتَّخِذ إِلّا الطَريقَ المُعَبَّدا
فَقُلتُ سَلي أَحشاءَهُم كَيفَ رُوِّعَت / وَأَسيافَهُم هَل صافَحَت مِنهُم يَدا
فَقالَت أَخافُ القَومَ وَالحِقدُ قَد بَرى / صُدورُهُمُ أَن يَبلُغوا مِنكَ مَقصِدا
فَلا تَتَّخِذ عِندَ الرَواحِ طَريقَهُم / فَقَد يُقنَصُ البازي وَإِن كانَ أَصيَدا
فَقُلتُ دَعي ما تَحذَرينَ فَإِنَّني / أُصاحِبُ قَلباً بَينَ جَنبَيَّ أَيِّدا
فَمالَت لِتُغريني وَمالَأَها الهَوى / فَحَدَّثتُ نَفسي وَالضَميرُ تَرَدَّدا
أَهُمُّ كَما هَمَّت فَأَذكُرُ أَنَّني / فَتاكَ فَيَدعوني هُداكَ إِلى الهُدى
كَذَلِكَ لَم أَذكُركَ وَالخَطبُ يَلتَقي / بِهِ الخَطبُ إِلّا كانَ ذِكرُكَ مُسعِدا
أَميرَ القَوافي إِن لي مُستَهامَةً / بِمَدحٍ وَمَن لي فيكَ أَن أَبلُغَ المَدى
أَعِرني لِمَدحيكَ اليَراعَ الَّذي بِهِ / تَخُطُّ وَأَقرِضني القَريضَ المُسَدَّدا
وَمُر كُلَّ مَعنىً فارِسِيٍّ بِطاعَتي / وَكُلَّ نُفورٍ مِنهُ أَن يَتَوَدَّدا
وَهَبنِيَ مِن أَنوارِ عِلمِكَ لَمعَةً / عَلى ضَوئِها أَسري وَأَقفو مَنِ اِهتَدى
وَأَربو عَلى ذاكَ الفَخورِ بِقَولِهِ / إِذا قُلتُ شِعراً أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِدا
سَلَبتَ بِحارَ الأَرضِ دُرَّ كُنوزِها / فَأَمسَت بِحارُ الشِعرِ لِلدُرِّ مَورِدا
وَصَيَّرتَ مَنثورَ الكَواكِبَ في الدُجى / نَظيماً بِأَسلاكِ المَعاني مُنَضَّدا
وَجِئتَ بِأَبياتٍ مِنَ الشِعرِ فُصِّلَت / إِذا ما تَلَوها أُلقِيَ الناسُ سُجَّدا
إِذا ذَكَروا مِنهُ النَسيبَ رَأَيتَنا / وَداعي الهَوى مِنّا أَقامَ وَأَقعَدا
وَإِن ذَكَروا مِنهُ الحَماسَ حَسِبتَنا / نَرى الصارِمَ المَخضوبَ خَدّاً مُوَرَّدا
وَلَو أَنَّني نافَرتُ دَهري وَأَهلَهُ / بِفَخرِكَ ما أَبقَيتُ في الناسِ سَيِّدا
أَهَنّيكَ أَم أَشكو فِراقَكَ قائِلاً
أَهَنّيكَ أَم أَشكو فِراقَكَ قائِلاً / أَيا لَيتَني كُنتُ السَجينَ المُصَفَّدا
فَلَو كُنتَ في عَهدِ اِبنِ يَعقوبَ لَم يَقُل / لِصاحِبِهِ اِذكُرني وَلا تَنسَني غَدا
هَجَعتَ يا طَيرُ وَلَم أَهجَعِ
هَجَعتَ يا طَيرُ وَلَم أَهجَعِ / ما أَنتَ إِلّا عاشِقٌ مُدَّعي
لَو كُنتَ مِمَّن يَعرِفونَ الجَوى / قَضَيتَ هَذا اللَيلَ سُهداً مَعي
يا مَن تَحامَيتُم سَبيلَ الهَوى / أُعيذُكُم مِن قَلَقِ المَضجَعِ
وَحَسرَةٍ في النَفسِ لَو قُسِّمَت / عَلى ذَواتِ الطَوقِ لَم تَسجَعِ
وَيا بَني الشَوقِ وَأَهلَ الأَسى / وَمَن قَضَوا في هَذِهِ الأَربُعِ
عَلَيكُم مِن واجِدٍ مُغرَمٍ / تَحِيَّةُ الموجَعِ لِلموجَعِ
لِلَّهِ ما أَقسى فُؤادَ الدُجى / عَلى فُؤادِ العاشِقِ المولَعِ
هَذا غَليظٌ لَم يَرُضهُ الهَوى / ما بَينَ جَنبَي أَسوَدٍ أَسفَعِ
وَذاكَ في جَنبَي فَتىً مُدنَفٍ / عَلى سِوى الرِقَّةِ لَم يُطبَعِ
وَأَغيَدٍ أَسكَنتُهُ في الحَشا / وَقُلتُ يا نَفسُ بِهِ فَاِقنَعي
نِفارُهُ أَسرَعُ مِن خاطِري / وَصَدُّهُ أَقرَبُ مِن مَدمَعي
وَخَدُّهُ لا تَنطَفي نارُهُ / كَأَنَّما يَقبِسُ مِن أَضلُعي
تَساءَلَت عَنّي نُجومُ الدُجى / لَمّا رَأَتني دانِيَ المَصرَعِ
قالَت نَرى في الأَرضِ ذا لَوعَةٍ / قَد باتَ بَينَ اليَأسِ وَالمَطمَعِ
يَئِنُّ كَالمَفؤودِ أَو كَالَّذي / أَصابَهُ سَهمٌ وَلَم يُنزَعِ
إِن كانَ في بَدرِ الدُجى هائِماً / أَما لِهَذا البَدرِ مِن مَطلَعِ
أَو كانَ في ظَبيِ الحِمى مُغرَماً / أَما لِهَذا الظَبيِ مِن مَرتَعِ
هَيهاتَ يا أَنجُمُ أَن تَعلَمي / مُثيرَ أَشجاني أَو تَطمَعي
إِنّي لَضَنّانٌ بِذِكرِ اِسمِهِ / ضَنّي بِوُدِّ الكاتِبِ الأَلمَعي
الضارِبِ الجِزيَةِ مُنذُ اِنتَشى / عَلى يَراعِ الشاعِرِ المُبدِعِ
وَالحامِلِ الأَقلامَ مَشروعَةً / كَأَنَّها بَعضُ القَنا الشُرَّعِ
إِذا دَعا القَولُ أَتى طائِعاً / وَإِن دَعاهُ العِيُّ لَم يَسمَعِ
صَحِبتُهُ دَهراً فَأَلفَيتُهُ / فَتىً كَريمَ الأَصلِ وَالمَنزِعِ
مَوَدَّةٌ كَالخَمرِ إِن عُتِّقَت / جادَت وَفَضلٌ باسِمُ المَشرَعِ
وَعَزمَةٌ لَو قُسِّمَت في الوَرى / باتوا مِنَ الشِعرى عَلى مَسمَعِ
إِن هَنَّؤوكَ بِها فَلَستُ مُهَنِّئاً
إِن هَنَّؤوكَ بِها فَلَستُ مُهَنِّئاً / إِنّي عَهِدتُكَ قَبلَها مَحسودا
قَد كانَ قَدرُكَ لا يُحَدُّ نَباهَةً / وَسَعادَةً فَغَدا بِها مَحدودا
أَرَأَيتَ رَبَّ التاجِ في
أَرَأَيتَ رَبَّ التاجِ في / عيدِ الجُلوسِ وَقَد تَبَدّى
وَشَهِدتَ جِبريلا يَمُد / دُ عَلَيهِ ظِلَّ اللَهِ مَدّا
وَنَظَرتَ تَطوافَ القُلو / بِ بِساحَةِ العَرشِ المُفَدّى
وَسَمِعتَ تَسبيحَ الوُفو / دِ بِحَمدِهِ وَفداً فَوَفدا
هَذا اِبنُ إِسماعيلَ رَب / بِ النيلِ مَن أَغنى وَأَسدى
النيلُ يَجري تَحتَهُ / فَيَخُدُّ وَجهَ الأَرضِ خَدّا
يَهَبُ النُضارَ كَأَنَّهُ / مِن فَيضِ جَدواهُ اِستَمَدّا
وَكَأَنَّما هُوَ عالِمٌ / بِالكيمِياءِ أَصابَ خَدّا
يَدَعُ الثَرى تِبراً فَهَل / شَهِدَ الوَرى لِلنيلِ نِدّا
الناسُ يَومَ جُلوسِهِ / يَستَقبِلونَ العَيشَ رَغدا
أَنّى سَلَكتَ سَمِعتَ أَد / عِيَةً لَهُ وَسَمِعتَ حَمدا
عِش يا أَبا الفاروقِ وَاِل / بَس مِن نَسيجِ الحَمدِ بُردا
ها صَولَجانَ المُلكِ مِن / شَجَرِ الجِنانِ إِلَيكَ يُهدى
حُدَّت عُلا صيدِ المُلو / كِ وَلا أَرى لِعُلاكَ حَدّا
فَاِبنِ الرِجالَ بِنايَةً / يَشقى العَدُوُّ بِها وَيَردى
وَاِضرِب بِسَوطِ البَأسِ أَع / طافَ الزَمانِ إِذا اِستَبَدّا
أَيُّ المُلوكِ أَجَلُّ مِن / كَ مَكانَةً وَأَعَزُّ جُندا
مَن مِنهُمُ كَفّاهُ يَو / مَ البَذلِ مِن كَفَّيكَ أَندى
مِن مِنهُمُ نامَت رَعِي / يَتُهُ وَقامَ اللَيلَ سُهدا
مَن مِنهُمُ ساماكَ أَو / سامى جَلالَكَ أَو تَحَدّى
مَن مِنهُمُ أَوفى حِجاً / وَحَصافَةً وَأَبَرُّ وَعدا
في الشَرقِ فَاُنظُر هَل تَرى / حَسَباً كَإِسماعيلَ عُدّا
هَذي الجَزيرَةُ وَالعِرا / قُ وَفارِسٌ يُهدَدنَ هَدّا
وَإِلَيكَ مَكَّةَ هَل تَرى / أَحَداً بِها وَإِلَيكَ نَجدا
وَإِلَيكَ تونُسَ وَالجَزا / ئِرَ قَد لَبِسنَ العَيشَ نَكدا
لَم يَرتَفِع في الشَرقِ تا / جٌ فَوقَ تاجِ النيلِ مَجدا
جَدَّدتَ عَهدَ الراشِدي / نَ تُقىً وَإِحساناً وَزُهدا
وَنَرى عَلَيكَ مَخايِلَ ال / خُلَفاءِ إِنصافاً وَرُشدا
جَلَّت صِفاتُكَ كَم مَحَو / تَ أَسىً وَكَم أَورَيتَ زَندا
أَعطَيتَ لا مُتَرَبِّحاً / أَو مُخفِياً في الجودِ قَصدا
رَوَّيتَ أَفئِدَةَ الرَعِي / يَةِ مِن هَواكَ فَكَيفَ تَصدى
وَمَلَكتَهُنَّ كَما مَلَك / تَ زِمامَ مِصرَ أَباً وَجَدّا
فَإِذا نَهَيتَ فَطاعَةٌ / وَإِذا أَمَرتَ فَلا مَرَدّا
أَعطَوكَ طاعَةَ مُخلِصٍ / وَمَنَحتَهُم عَطفاً وَوُدّا
أَوضَحتَ لِلمِصرِيِّ نَه / جَ صَلاحِهِ فَسَعى وَجَدّا
أَعدَدتَهُ وَكَفَلتَهُ / وَرَعَيتَهُ حَتّى اِستَعَدّا
وَدَعَوتَهُ أَن يَستَرِد / دَ فَخارَ مِصرٍ فَاِستَرَدّا
وَرَدَ الحَياةَ عَزيزَةً / فَنَجا وَكانَ المَوتُ وِردا
وَحَمى الكِنانَةَ بَعدَ ما / حَفَرَت لَها الأَطماعُ لَحدا
فَتَّحتَ أَعيُنَنا فَأَب / صَرنَ الضِياءَ وَكُنَّ رُمدا
وَأَقَمتَ جامِعَةً بِمِص / رَ تَشُدُّ أَزرَ العِلمِ شَدّا
كَم سَيِّدٍ بِالعِلمِ كا / نَ بِرَغمِهِ لِلجَهلِ عَبدا
وَرَفَعتَ في ثَغرِ الثُغو / رِ لِمُنشَآتِ البَحرِ بَندا
أَسَّستَ مَدرَسَةً تُعي / دُ لَنا بِمُلكِ البَحرِ عَهدا
فَمَتى أَرى أُسطولَ مِص / رَ يُثيرُ فَوقَ البَحرِ رَعدا
وَمَتى أَرى جَيشَ البِلا / دِ يَسُدُّ عَينَ الشَمسِ سَدّا
وَنَظَرتَ في الطَيَرانِ نَظ / رَةَ مُصلِحٍ لَم يَألُ جُهدا
أَعدَدتَ عُدَّتَهُ وَلَم / تَرَ مِنهُ لِلأَوطانِ بُدّا
أَعظِم بِأُسطولِ الهَوا / ءِ إِذِ اِنبَرى فَسَطا وَشَدّا
مَن راءَهُ يَومَ النِزا / لِ رَأى النُسورَ تَصيدُ أُسدا
وَتَراهُ عِندَ السِلمِ سِر / باً مِن طَواويسٍ تَبَدّى
وَطَوائِفَ العُمّالِ كَم / أَولَيتَها رِفداً فَرِفدا
مَن ذا يُطيقُ لِبَعضِ ما / أَصلَحتَ أَو أَسدَيتَ عَدّا
دُم يا فُؤادُ مُؤَيَّداً / بِالمالِ وَالأَرواحِ تُفدى
وَأَعِد لَنا عَهدَ المُعِز / زِ الفاطِمِيِّ فَأَنتَ أَهدى
يا كَوكَبَ الشَرقِ أَشرِق
يا كَوكَبَ الشَرقِ أَشرِق / فَالحادِثاتُ تَجِدُّ
لا تَخشَ طالِعَ سوءٍ / فَكَوكَبُ الشَرقِ سَعدُ
لَقَد بِتُّ مَحسوداً عَلَيكَ لِأَنَّني
لَقَد بِتُّ مَحسوداً عَلَيكَ لِأَنَّني / فَتاكَ وَهَل غَيرُ المُنَعَّمِ يُحسَدُ
فَلا تُبلِغِ الحُسّادَ مِنّي شَماتَةً / فَفِعلُكَ مَحمودٌ وَأَنتَ مُحَمَّدُ
اِرحَمونا بَني اليَهودِ كَفاكُم
اِرحَمونا بَني اليَهودِ كَفاكُم / ما جَمَعتُم بِحِذقِكُم مِن نُقودِ
وَأَصفَحوا عَن عُقولِنا وَدَعوا الخَل / قَ بِسِرِّ التَوراةِ وَالتُلمودِ
لا تَزيدوا عَلى الصُكوكِ فِخاخاً / مِن غِناءٍ ما بَينَ دُفٍّ وَعودِ
وَيحَكُم إِنَّ جاكَ أَسرَفَ حَتّى / زادَ في قَومِهِ عَلى داوودِ
أَسكِتوهُ لا أَسكَتَ اللَهُ ذاكَ ال / صَوتَ صَوتَ المُتَيَّمِ الغِرّيدِ
أَو دَعوهُ فِداؤُهُ إِن تَغَنّى / كُلُّ نَفسٍ وَكُلُّ ما في الوُجودِ
خَمرَةٌ في بابِلٍ قَد صُهرِجَت
خَمرَةٌ في بابِلٍ قَد صُهرِجَت / هَكَذا أَخبَرَ حاخامُ اليَهود
أَودَعوها جَوفَ دَنٍّ مُظلِمٍ / وَلَدَيهِ بَشَّروها بِالخُلود
سَأَلوا الكُهّانَ عَن شارِبِها / وَعَنِ الساقي وَفي أَيِّ العُهود
فَأَجابوهُم فَتىً ذو مِرَّةٍ / مِن بَني مِصرٍ لَهُ فَضلٌ وَجود
مُغرَمٌ بِالعودِ وَالنايِ مَعاً / مولَعٌ بِالشُربِ وَالناسُ هُجود
هَمُّهُ فَصدُ دِنانٍ وَنَدىً / وَأَبوهُ هَمُّهُ جَمعُ النُقود
وَمِن عَجَبٍ قَد قَلَّدوكَ مُهَنَّداً
وَمِن عَجَبٍ قَد قَلَّدوكَ مُهَنَّداً / وَفي كُلِّ لَحظٍ مِنكَ سَيفٌ مُهَنَّدُ
إِذا أَنتَ قَد جَرَّدتَهُ أَو غَمَدتَهُ / قَتَلتَ بِهِ وَاللَحظُ لا يَتَعَمَّدُ
سَمِعنا حَديثاً كَقَطرِ النَدى
سَمِعنا حَديثاً كَقَطرِ النَدى / فَجَدَّدَ في النَفسِ ما جَدَّدا
فَأَضحى لِآمالِنا مُنعِشاً / وَأَمسى لِآلامِنا مُرقِدا
فَدَيناكَ يا شَرقُ لا تَجزَعَن / إِذا اليَومُ وَلّى فَراقِب غَدا
فَكَم مِحنَةٍ أَعقَبَت مِحنَةً / وَوَلَّت سِراعاً كَرَجعِ الصَدى
فَلا يُيئِسَنَّكَ قيلُ العُداةُ / وَإِن كانَ قيلاً كَحَزِّ المُدى
أَتودَعُ فيكَ كُنوزُ العُلومِ / وَيَمشي لَكَ الغَربُ مُستَرفِدا
وَتُبعَثُ في أَرضِكَ الأَنبِياءُ / وَيَأتي لَكَ الغَربُ مُستَرشِدا
وَتَقضي عَلَيكَ قُضاةُ الضَلالِ / طِوالَ اللَيالي بِأَن تَرقُدا
أَتَشقى بِعَهدٍ سَما بِالعُلومِ / فَأَضحى الضَعيفُ بِها أَيِّدا
إِذا شاءَ بَزَّ السُها سِرَّهُ / وَأَدرَكَ مِن جَريِهِ المَقصِدا
وَإِن شاءَ أَدنى إِلَيهِ النُجومَ / فَناجى المَجَرَّةَ وَالفَرقَدا
وَإِن شاءَ زَعزَعَ شُمَّ الجِبالِ / فَخَرَّت لِأَقدامِهِ سُجَّدا
وَإِن شاءَ شاهَدَ في ذَرَّةٍ / عَوالِمَ لَم تَحيَ فيها سُدى
زَمانٌ تُسَخَّرُ فيهِ الرِياحُ / وَيَغدو الجَمادُ بِهِ مُنشِدا
وَتَعنو الطَبيعَةُ لِلعارِفينَ / بِمَعنى الوُجودِ وَسِرِّ الهُدى
إِذا ما أَهابوا أَجابَ الحَديدُ / وَقامَ البُخارُ لَهُ مُسعِدا
وَطارَت إِلَيهِم مِنَ الكَهرَبا / بُروقٌ عَلى السِلكِ تَطوي المَدى
أَيَجمُلُ مِن بَعدِ هَذا وَذاكَ / بِأَن نَستَكينَ وَأَن نَجمُدا
وَها أُمَّةُ الصُفرِ قَد مَهَّدَت / لَنا النَهجَ فَاِستَبَقوا المَورِدا
فَيا أَيُّها الناشِئونَ اِعمَلوا / عَلى خَيرِ مِصرٍ وَكونوا يَدا
سَتُظهِرُ فيكُم ذَواتُ الغُيوبِ / رِجالاً تَكونُ لِمِصرَ الفِدا
فَيالَيتَ شِعرِيَ مَن مِنكُمُ / إِذا هِيَ نادَت يُلَبّي النِدا
لَكَ اللَهُ يا مُصطَفى مِن فَتىً / كَثيرِ الأَيادي كَثيرِ العِدا
إِذا ما حَمِدتُكَ بَينَ الرِجالِ / فَأَنتَ الخَليقُ بِأَن تُحمَدا
سَيُحصي عَلَيكَ سِجِلُّ الزَمانِ / ثَناءً يُخَلِّدُ ما خُلِّدا
وَيَهتِفُ بِاِسمِكَ أَبناؤُنا / إِذا آنَ لِلزَرعِ أَن يُحصَدا
ما لي أَرى بَحرَ السِيا
ما لي أَرى بَحرَ السِيا / سَةِ لا يَني جَزراً وَمَدّا
وَأَرى الصَحائِفَ أَيبَسَت / ما بَينَنا أَخذاً وَرَدّا
هَذا يَرى رَأيَ العَمي / دِ وَذا يَعُدُّ عَلَيهِ عَدّا
وَأَرى الوِزارَةَ تَجتَني / مِن مُرِّ هَذا العَيشِ شُهدا
نامَت بِمِصرَ وَأَيقَظَت / لِحَوادِثِ الأَيّامِ سَعدا
فَطَرَحتُها وَسَأَلتُ عَن / هُ فَقيلَ لي لَم يَألُ جُهدا
يا سَعدُ أَنتَ مَسيحُها / فَاِجعَل لِهَذا المَوتِ حَدّا
يا سَعدُ إِنَّ بِمِصرَ أَي / تاماً تُؤَمِّلُ فيكَ سَعدا
قَد قامَ بَينَهُمُ وَبَي / نَ العِلمِ ضيقُ الحالِ سَدّا
ما زِلتُ أَرجو أَن أَرا / كَ أَباً وَأَن أَلقاكَ جَدّا
حَتّى غَدَوتَ أَباً لَهُ / أَضحَت عِيالُ القُطرِ وُلدا
فَاِردُد لَنا عَهدَ الإِما / مِ وَكُن بِنا الرَجُلَ المُفَدّى
أَنا لا أَلومُ المُستَشا / رَ إِذا تَعَلَّلَ أَو تَصَدّى
فَسَبيلُهُ أَن يَستَبِد / دَ وَشَأنُنا أَن نَستَعِدّا
هِيَ سُنَّةُ المُحتَلِّ في / كُلِّ العُصورِ وَما تَعَدّى
أَيُّها القائِمونَ بِالأَمرِ فينا
أَيُّها القائِمونَ بِالأَمرِ فينا / هَل نَسَيتُم وَلاءَنا وَالوِدادا
خَفِّضوا جَيشَكُم وَناموا هَنيئا / وَاِبتَغوا صَيدَكُم وَجوبوا البِلادا
وَإِذا أَعوَزَتكُمُ ذاتُ طَوقٍ / بَينَ تِلكَ الرُبا فَصيدوا العِبادا
إِنَّما نَحنُ وَالحَمامُ سَواءٌ / لَم تُغادِر أَطواقُنا الأَجيادا
لا تَظُنّوا بِنا العُقوقَ وَلَكِن / أَرشِدونا إِذا ضَلِلنا الرَشادا
لا تُقيدوا مِن أُمَّةٍ بِقَتيلٍ / صادَتِ الشَمسُ نَفسَهُ حينَ صادا
جاءَ جُهّالُنا بِأَمرٍ وَجِئتُم / ضِعفَ ضِعفَيهِ قَسوَةً وَاِشتِدادا
أَحسِنوا القَتلَ إِن ضَنِنتُم بِعَفوٍ / أَقِصاصاً أَرَدتُمُ أَم كِيادا
أَحسِنوا القَتلَ إِن ضَنَنتُم بِعَفوٍ / أَنُفوساً أَصَبتُمُ أَم جَمادا
لَيتَ شِعري أَتِلكَ مَحكَمَةُ التَف / تيشِ عادَت أَم عَهدُ نيرونَ عادا
كَيفَ يَحلو مِنَ القَوِيِّ التَشَفّي / مِن ضَعيفٍ أَلقى إِلَيهِ القِيادا
إِنَّها مُثلَةٌ تَشُفُّ عَن الغَي / ظِ وَلَسنا لِغَيظِكُم أَندادا
أَكرِمونا بِأَرضِنا حَيثُ كُنتُم / إِنَّما يُكرِمُ الجَوادُ الجَوادا
إِنَّ عِشرينَ حِجَّةً بَعدَ خَمسٍ / عَلَّمَتنا السُكونَ مَهما تَمادى
أُمَّةُ النيلِ أَكبَرَت أَن تُعادي / مَن رَماها وَأَشفَقَت أَن تُعادى
لَيسَ فيها إِلّا كَلامٌ وَإِلّا / حَسرَةٌ بَعدَ حَسرَةٍ تَتَهادى
أَيُّها المُدَّعي العُمومِيُّ مَهلاً / بَعضَ هَذا فَقَد بَلَغتَ المُرادا
قَد ضَمِنّا لَكَ القَضاءَ بِمِصرٍ / وَضَمِنّا لِنَجلِكَ الإِسعادا
فَإِذا ما جَلَستَ لِلحُكمِ فَاِذكُر / عَهدَ مِصرٍ فَقَد شَفَيتَ الفُؤادا
لا جَرى النيلُ في نَواحيكِ يا مِص / رُ وَلا جادَكِ الحَيا حَيثُ جادا
أَنتِ أَنبَتِّ ذَلِكَ النَبتَ يا مِص / رُ فَأَضحى عَلَيكِ شَوكاً قَتادا
أَنتِ أَنبَتِّ ناعِقاً قامَ بِالأَم / سِ فَأَدمى القُلوبَ وَالأَكبادا
إيهِ يا مِدرَةَ القَضاءِ وَيا مَن / سادَ في غَفلَةِ الزَمانِ وَشادا
أَنتَ جَلّادُنا فَلا تَنسَ أَنّا / قَد لَبِسنا عَلى يَدَيكَ الحِدادا
فَتى الشِعرِ هَذا مَوطِنُ الصِدقِ وَالهُدى
فَتى الشِعرِ هَذا مَوطِنُ الصِدقِ وَالهُدى / فَلا تَكذِبِ التاريخَ إِن كُنتَ مُنشِدا
لَقَد حانَ تَوديعُ العَميدِ وَإِنَّهُ / حَقيقٌ بِتَشييعِ المُحِبّينَ وَالعِدا
فَوَدِّع لَنا الطَودَ الَّذي كانَ شامِخاً / وَشَيِّع لَنا البَحرَ الَّذي كانَ مُزبِدا
وَزَوِّدهُ عَنّا بِالكَرامَةِ كُلِّها / وَإِن لَم يَكُن بِالباقِياتِ مُزَوَّدا
فَلِم لا نَرى الأَهرامَ يا نيلُ مُيَّداً / وَفِرعَونُ عَن واديكَ مُرتَحِلٌ غَدا
كَأَنَّكَ لَم تَجزَع عَلَيهِ وَلَم تَكُن / تَرى في حِمى فِرعَونَ أَمناً وَلا جَدا
سَلامٌ وَلَو أَنّا نُسيءُ إِلى الأُلى / أَساؤوا إِلَينا ما مَدَدنا لَهُم يَدا
سَنُطري أَياديكَ الَّتي قَد أَفَضتَها / عَلَينا فَلَسنا أُمَّةً تَجحَدُ اليَدا
أَمِنّا فَلَم يَسلُك بِنا الخَوفُ مَسلَكاً / وَنِمنا فَلَم يَطرُق لَنا الذُعرُ مَرقَدا
وَكُنتَ رَحيمَ القَلبِ تَحمي ضَعيفَنا / وَتَدفَعُ عَنّا حادِثَ الدَهرِ إِن عَدا
وَلَولا أَسىً في دِنشِوايَ وَلَوعَةٌ / وَفاجِعَةٌ أَدمَت قُلوباً وَأَكبُدا
وَرَميُكَ شَعباً بِالتَعَصُّبِ غافِلاً / وَتَصويرُكَ الشَرقِيَّ غِرّاً مُجَرَّدا
لَذُبنا أَسىً يَومَ الوَداعِ لِأَنَّنا / نَرى فيكَ ذاكَ المُصلِحَ المُتَوَدِّدا
تَشَعَّبَتِ الآراءُ فيكَ فَقائِلٌ / أَفادَ الغِنى أَهلَ البِلادِ وَأَسعَدا
وَكانَت لَهُ في المُصلِحينَ سِياسَةٌ / تَرَخَّصَ فيها تارَةً وَتَشَدَّدا
رَأى العِزَّ كُلَّ العِزِّ في بَسطَةِ الغِنى / فَحارَبَ جَيشَ الفَقرِ حَتّى تَبَدَّدا
وَأَمتَعَكُم بِالنيلِ فَهوَ مُبارَكٌ / عَلى أَهلِهِ خِصباً وَرِيّاً وَمَورِدا
وَسَنَّ لَكُم حُرِّيَّةَ القَولِ عِندَما / رَأى القَولَ في أَسرِ السُكوتِ مُقَيَّدا
وَآخَرُ لَم يَقصِر عَلى المالِ هَمَّهُ / يَرى أَنَّ ذاكَ المالَ لا يَكفُلُ الهُدى
فَلا يَحمَدُ الإِثراءَ حَتّى يَزينَهُ / بِعِلمٍ وَخَيرُ العِلمِ ما كانَ مُرشِدا
يُناديكَ قَد أَزرَيتَ بِالعِلمِ وَالحِجا / وَلَم تُبقِ لِلتَعليمِ يا لُردُ مَعهَدا
وَأَنَّكَ أَخصَبتَ البِلادَ تَعَمُّداً / وَأَجدَبتَ في مِصرَ العُقولَ تَعَمُّدا
قَضَيتَ عَلى أُمِّ اللُغاتِ وَإِنَّهُ / قَضاءٌ عَلَينا أَو سَبيلٌ إِلى الرَدى
وَوافَيتَ وَالقُطرانِ في ظِلِّ رايَةٍ / فَما زِلتَ بِالسودانِ حَتّى تَمَرَّدا
فَطاحَ كَما طاحَت مُصَوَّعُ بَعدَهُ / وَضاعَت مَساعينا بِأَطماعِكُم سُدى
حَجَبتَ ضِياءَ الصُحفِ عَن ظُلُماتِهِ / وَلَم تَستَقِل حَتّى حَجَبتَ المُؤَيَّدا
وَأَودَعتَ تَقريرَ الوَداعِ مَغامِزاً / رَأَينا جَفاءَ الطَبعِ فيها مُجَسَّدا
غَمَزتَ بِها دينَ النَبِيِّ وَإِنَّنا / لَنَغضَبُ إِن أَغضَبتَ في القَبرِ أَحمَدا
يُناديكَ أَينَ النابِغونَ بِعَهدِكُم / وَأَيُّ بِناءٍ شامِخٍ قَد تَجَدَّدا
فَما عَهدُ إِسماعيلَ وَالعَيشُ ضَيِّقٌ / بِأَجدَبَ مِن عَهدٍ لَكُم سالَ عَسجَدا
يُناديكَ وَلَّيتَ الوِزارَةَ هَيئَةً / مِنَ الصُمِّ لَم تَسمَع لِأَصواتِنا صَدى
فَلَيسَ بِها عِندَ التَشاوُرِ مِن فَتىً / أَبِيٍّ إِذا ما أَصدَرَ الأَمرَ أَورَدا
بِرَبِّكَ ماذا صَدَّنا وَلَوى بِنا / عَنِ القَصدِ إِن كانَ السَبيلُ مُمَهَّدا
أَشَرتَ بِرَأيٍ في كِتابِكَ لَم يَكُن / سَديداً وَلَكِن كانَ سَهماً مُسَدَّدا
وَحاوَلتَ إِعطاءَ الغَريبِ مَكانَةً / تَجُرُّ عَلَينا الوَيلَ وَالذُلَّ سَرمَدا
فَيا وَيلَ مِصرٍ يَومَ تَشقى بِنَدوَةٍ / يَبيتُ بِها ذاكَ الغَريبُ مُسَوَّدا
أَلَم يَكفِنا أَنّا سُلِبنا ضِياعَنا / عَلى حينِ لَم نَبلُغ مِنَ الفِطنَةِ المَدى
وَزاحَمَنا في العَيشِ كُلُّ مُمارِسٍ / خَبيرٍ وَكُنّا جاهِلينَ وَرُقَّدا
وَما الشَرِكاتُ السودُ في كُلِّ بَلدَةٍ / سِوى شَرَكٍ يُلقي بِهِ مَن تَصَيَّدا
فَهَذا حَديثُ الناسِ وَالناسُ أَلسُنٌ / إِذا قالَ هَذا صاحَ ذاكَ مُفَنِّدا
وَلَو كُنتُ مِن أَهلِ السِياسَةِ بَينَهُم / لَسَجَّلتُ لي رَأياً وَبُلِّغتُ مَقصِدا
وَلَكِنَّني في مَعرِضِ القَولِ شاعِرٌ / أَضافَ إِلى التاريخِ قَولاً مُخَلَّدا
فَيا أَيُّها الشَيخُ الجَليلُ تَحِيَّةً / وَيا أَيُّها القَصرُ المُنيفُ تَجَلُّدا
لَئِن غابَ هَذا اللَيثُ عَنكَ لِعِلَّةٍ / لَقَد لَبِثَت آثارُهُ فيكَ شُهَّدا
بَناتِ الشِعرِ بِالنَفَحاتِ جودي
بَناتِ الشِعرِ بِالنَفَحاتِ جودي / فَهَذا يَومُ شاعِرِكِ المُجيدِ
أَطِلّي وَاِسفِري وَدَعيهِ يُحيي / بِما توحينَ أَيّامَ الرَشيدِ
إِذا ما جَلَّ قَدرُكِ عَن هُبوطٍ / مُريهِ إِلى سَمائِكِ بِالصُعودِ
وَأَولي ذَلِكَ الفاني بَياناً / يَتيهُ بِهِ عَلى أَهلِ الخُلودِ
وَحُلّي عُقدَةً مِن أَصغَرَيهِ / يَلِن لِهُتافِهِ قاسي الحَديدِ
فَما أَنا واقِفٌ بِرُسومِ دارٍ / أُسائِلُها وَلا كَلِفٌ بِرودِ
وَلا مُستَنزِلٌ هِبَةً بِمَدحٍ / وَلا مُستَنجِزٌ حُرَّ الوُعودِ
وَلَكِنّي وَقَفتُ أَنوحُ نَوحاً / عَلى قَومي وَأَهتِفُ بِالنَشيدِ
وَأَدفَعُ عَنهُمُ بِشَبا يَراعٍ / يَصولُ بِكُلِّ قافِيَةٍ شَرودِ
بَناتُ الشِعرِ إِن هِيَ أَسعَدَتني / شَكَوتُ مِنَ العَميدِ إِلى العَميدِ
وَلَم أَجحَد عَوارِفَهُ وَلَكِن / رَأَيتُ المَنَّ داعِيَةَ الجُحودِ
أَذيقونا الرَجاءَ فَقَد ظَمِئنا / بِعَهدِ المُصلِحينَ إِلى الوُرودِ
وَمُنّوا بِالوُجودِ فَقَد جَهِلنا / بِفَضلِ وُجودِكُم مَعنى الوُجودِ
إِذا اِعلَولى الصِياحُ فَلا تَلُمنا / فَإِنَّ الناسَ في جُهدٍ جَهيدِ
عَلى قَدرِ الأَذى وَالظُلمِ يَعلو / صِياحُ المُشفِقينَ مِنَ المَزيدِ
جِراحٌ في النُفوسِ نَغَرنَ نَغراً / وَكُنَّ قَدِ اِندَمَلنَ عَلى صَديدِ
إِذا ما هاجَهُنَّ أَسىً جَديدٌ / هَتَكنَ سَرائِرَ القَلبِ الجَليدِ
إِلى مَن نَشتَكي عَنَتَ اللَيالي / إِلى العَبّاسِ أَم عَبدِ الحَميدِ
وَدونَ حِماهُما قامَت رِجالٌ / تُرَوِّعُنا بِأَصنافِ الوَعيدِ
فَما جِئنا نُطاوِلُكُم بِجاهٍ / يُطولُكُمُ وَلا رُكنٍ شَديدِ
وَلا بِتنا نُعاجِزُكُم بِعِلمٍ / يَبينُ بِهِ الغَوِيُّ مِنَ الرَشيدِ
وَلَكِنّا نُطالِبُكُم بِحَقٍّ / أَضَرَّ بِأَهلِهِ نَقضُ العُهودِ
رَمانا صاحِبُ التَقريرِ ظُلماً / بِكُفرانِ العَوارِفِ وَالكُنودِ
وَأَقسَمَ لا يُجيبُ لَنا نِداءً / وَلَو جِئنا بِقُرآنٍ مَجيدِ
وَبَشَّرَ أَهلَ مِصرٍ بِاِحتِلالٍ / يَدومُ عَلَيهِمُ أَبَدَ الأَبيدِ
وَأَنبَتَ في النُفوسِ لَكُم جَفاءً / تَعَهَّدَهُ بِمُنهَلِّ الصُدودِ
فَأَثمَرَ وَحشَةً بَلَغَت مَداها / وَزَكّاها بِأَربَعَةٍ شُهودِ
قَتيلُ الشَمسِ أَورَثَنا حَياةً / وَأَيقَظَ هاجِعَ القَومِ الرُقودِ
فَلَيتَ كُرومَراً قَد دامَ فينا / يُطَوِّقُ بِالسَلاسِلِ كُلَّ جَيدِ
وَيُتحِفُ مِصرَ آناً بَعدَ آنٍ / بِمَجلودٍ وَمَقتولٍ شَهيدِ
لِنَنزِعَ هَذِهِ الأَكفانَ عَنّا / وَنُبعَثَ في العَوالِمِ مِن جَديدِ
رَمى دارَ المَعارِفِ بِالرَزايا / وَجاءَ بِكُلِّ جَبّارٍ عَنيدِ
يُدِلُّ بِحَولِهِ وَيَتيهُ تيهاً / وَيَعبَثُ بِالنُهى عَبَثَ الوَليدِ
فَبَدَّدَ شَملَها وَأَدالَ مِنها / وَصاحَ بِها سَبيلُكِ أَن تَبيدي
هَبوا دَنلوبَ أَرحَبَكُم جَناناً / وَأَقدَرَكُم عَلى نَزعِ الحُقودِ
وَأَعلى مِن غِلادَستونَ رَأياً / وَأَحكَمَ مِن فَلاسِفَةِ الهُنودِ
فَإِنّا لا نُطيقُ لَهُ جِواراً / وَقَد أَودى بِنا أَو كادَ يودي
مَلِلنا طولَ صُحبَتِهُ وَمَلَّت / سَوابِقُنا مِنَ المَشيِ الوَئيدِ
بِحَمدِ اللَهِ مُلكُكُمُ كَبيرٌ / وَأَنتُم أَهلُ مَرحَمَةٍ وَجودِ
خُذوهُ فَأَمتِعوا شَعباً سِوانا / بِهَذا الفَضلِ وَالعِلمِ المُفيدِ
إِذا اِستَوزَرتَ فَاِستَوزِر عَلَينا / فَتىً كَالفَضلِ أَو كَاِبنِ العَميدِ
وَلا تُثقِل مَطاهُ بِمُستَشارٍ / يَحيدُ بِهِ عَنِ القَصدِ الحَميدِ
وَفي الشورى بِنا داءٌ عَهيدٌ / قَدِ اِستَعصى عَلى الطِبِّ العَهيدِ
شُيوخٌ كُلَّما هَمَّت بِأَمرٍ / زَأَرتُم دونَهُ زَأرَ الأُسودِ
لِحىً بَيضاءُ يَومَ الرَأيِ هانَت / عَلى حُمرِ المَلابِسِ وَالخُدودِ
أَتَرضى أَن يُقالَ وَأَنتَ حُرٌّ / بِأَنَّكَ قَينُ هاتيكَ القُيودِ
وَهَل في دارِ نَدوَتِكُم أُناسٌ / بِهَذا المَوتِ أَو هَذا الجُمودِ
فَنَحِّ غَضاضَةَ التاميزِ عَنّا / كَفانا سائِغُ النيلِ السَعيدِ
أَرى أَحداثَكُم مَلَكوا عَلَينا / بِمِصرَ مَوارِدَ العَيشِ الرَغيدِ
وَقَد ضِقنا بِهِم وَأَبيكَ ذَرعاً / وَضاقَ بِحَملِهِم ذَرعُ البَريدِ
أَكُلُّ مُوَظَّفٍ مِنكُم قَديرٌ / عَلى التَشريعِ في ظِلِّ العَميدِ
فَضَع حَدّاً لَهُم وَاُنظُر إِلَينا / إِذا أَنصَفتَنا نَظَرَ الوَدودِ
وَخَبِّرهُم وَأَنتَ بنا خَبيرٌ / بِأَنَّ الذُلَّ شِنشِنَةُ العَبيدِ
وَأَنَّ نُفوسَ هَذا الخَلقِ تَأبى / لِغَيرِ إِلَهِهاً ذُلَّ السُجودِ
وَوَلِّ أُمورَنا الأَخيارَ مِنّا / نَثِب بِهِمُ إِلى الشَأوِ البَعيدِ
وَأَشرِكنا مَعَ الأَخيارِ مِنكُم / إِذا جَلَسوا لِإيقامِ الحُدودِ
وَأَسعِدنا بِجامِعَةٍ وَشَيِّد / لَنا مِن مَجدِ دَولَتِكَ المَشيدِ
وَإِن أَنعَمتَ بِالإِصلاحِ فَاِبدَأ / بِتِلكَ فَإِنَّها بَيتُ القَصيدِ
وَفَرِّج أَزمَةَ الأَموالِ عَنّا / بِما أوتيتَ مِن رَأيٍ سَديدِ
وَسَل عَنها اليَهودَ وَلا تَسَلنا / فَقَد ضاقَت بِها حِيَلُ اليَهودِ
إِذا ما ناحَ في أَسوانَ باكٍ / سَمِعتَ أَنينَ شاكٍ في رَشيدِ
جَميعُ الناسِ في البَلوى سَواءٌ / بِأَدنى الثَغرِ أَو أَعلى الصَعيدِ
تَدارَك أُمَّةً بِالشَرقِ أَمسَت / عَلى الأَيّامِ عاثِرَةَ الجُدودِ
وَأَيِّد مِصرَ وَالسودانَ وَاِغنَم / ثَناءَ القَومِ مِن بيضٍ وَسودِ
وَما أَدري وَقَد زَوَّدتُ شِعري / وَظَنّي فيكَ بِالأَمَلِ الوَطيدِ
أَجِئتَ تَحوطُنا وَتَرُدُّ عَنّا / وَتَرفَعُنا إِلى أَوجِ السُعودِ
أَمِ اللُردُ الَّذي أَنحى عَلَينا / أَتى في ثَوبِ مُعتَمَدٍ جَديدِ
لا رَعى اللَهُ عَهدَها مِن جُدودِ
لا رَعى اللَهُ عَهدَها مِن جُدودِ / كَيفَ أَمسَيتَ يا اِبنَ عَبدِ المَجيدِ
مُشبِعَ الحوتِ مِن لُحومِ البَرايا / وَمُجيعَ الجُنودِ تَحتَ البُنودِ
كُنتُ أَبكي بِالأَمسِ مِنكَ فَمالي / بِتُّ أَبكي عَلَيكَ عَبدَ الحَميدِ
فَرِحَ المُسلِمونَ قَبلَ النَصارى / فيكَ قَبلَ الدُروزِ قَبلَ اليَهودِ
شَمِتوا كُلُّهُم وَلَيسَ مِنَ الهِم / مَةِ أَن يَشمَتَ الوَرى في طَريدِ
أَنتَ عَبدُ الحَميدِ وَالتاجُ مَعقو / دٌ وَعَبدُ الحَميدِ رَهنَ القُيودِ
خالِدٌ أَنتَ رَغمَ أَنفِ اللَيالي / في كِبارِ الرِجالِ أَهلِ الخُلودِ
لَكَ في الدَهرِ وَالكَمالُ مُحالٌ / صَفَحاتٌ ما بَينَ بيضٍ وَسودِ
حاوَلوا طَمسَ ما صَنَعتَ وَوَدّوا / لَو يُطيقونَ طَمسَ خَطِّ الحَديدِ
ذاكَ عَبدَ الحَميدِ ذُخرُكَ عِندَ اللَ / هِ باقٍ إِن ضاعَ عِندَ العَبيدِ
أَكرِموهُ وَراقِبوا اللَهَ في الشَي / خِ وَلا تُرهِقوهُ بِالتَهديدِ
لا تَخافوا أَذاهُ فَالشَيخُ هاوٍ / لَيسَ فيهِ بَقِيَّةٌ لِلصُعودِ
وَلِيَ الأَمرَ ثُلثَ قَرنٍ يُنادي / بِاِسمِهِ كُلُّ مُسلِمٍ في الوُجودِ
كُلَّما قامَتِ الصَلاةُ دَعى الدا / عي لِعَبدِ الحَميدِ بِالتَأييدِ
فَاِسمُ هَذا الأَسيرِ قَد كانَ مَقرو / ناً بِذِكرِ الرَسولِ وَالتَوحيدِ
بِتُّ أَخشى عَلَيكُمُ أَن يَقولوا / إِن أَثَرتُم مِن كامِناتِ الحُقودِ
كانَ عَبدُ الحَميدِ بِالأَمسِ فَرداً / فَغَدا اليَومَ أَلفُ عَبدِ الحَميدِ
يا أَسيراً في سَنتِ هيلينَ رَحِّب / بِأَسيرٍ في سالُنيكَ جَديدِ
قُل لَهُ كَيفَ زالَ مُلكُكَ لَم يَع / صِمكَ إِعدادُ عُدَّةٍ أَو عَديدِ
لَم تَصُنكَ الجُنودُ تَفديكَ بِالأَر / واحِ وَالمالِ يا غَرامَ الجُنودِ
قُل لَهُ كَيفَ كُنتَ كَيفَ اِمتَلَكتَ ال / أَرضَ كَيفَ اِنفَرَدتَ بِالتَمجيدِ
فَثَلَلتَ العُروشَ عَرشاً فَعَرشاً / وَصَبَغتَ الصَعيدَ بَعدَ الصَعيدِ
كُلَّما نِلتَ غايَةً لَم تَنَلها / هِمَّةُ الدَهرِ قُلتَ هَل مِن مَزيدِ
ضاقَتِ الأَرضُ عَن مَداكَ فَأَرسَل / تَ بِطَرفٍ إِلى السَماءِ عَتيدِ
قُل لَهُ جَلَّ مَن لَهُ المُلكُ لا مُل / كَ لِغَيرِ المُهَيمِنِ المَعبودِ
أَنتَ مَهما شَقيتَ أَرفَهُ حالاً / مِن أَسيرِ الجَزيرَةِ المَكمودِ
وَأَسيرُ الأَقفاصِ قَد كانَ أَشقى / لَو سَأَلتَ الأَسفارَ عَن بايَزيدِ
كانَ عَبدُ الحَميدِ في القَصرِ أَشقى / مِنهُ في الأَسرِ وَالبَلاءِ الشَديدِ
كانَ لا يَعرِفُ القَرارَ بِلَيلٍ / لا وَلا يَستَلِذُّ طَعمَ الهُجودِ
حَذِراً يَرهَبُ الظَلامَ وَيَخشى / خَطرَةَ الريحِ أَو بُكاءَ الوَليدِ
نَفَقٌ تَحتَ طابِقِ الأَرضِ أَخفى / في تَدَجّيهِ مِن ضَميرِ الكَنودِ
يُعجِزُ الوَهمَ عَن تَلَمُّسِ ذاكَ ال / بابِ بابِ الخَليفَةِ المَنكودِ
أَصَحيحٌ ما قيلَ عَنكَ وَحَقٌّ / ما سَمِعنا مِنَ الرُواةِ الشُهودِ
أَنَّ عَبدَ الحَميدِ قَد هَدَمَ الشَر / عَ وَأَربى عَلى فِعالِ الوَليدِ
إِن بَريئاً وَإِن أَثيماً سَتُجزى / يَومَ تُجزى أَمامَ رَبٍّ شَهيدِ
أَصَحيحٌ بَكَيتَ لَمّا أَتى الوَف / دُ وَنابَتكَ رِعشَةُ الرِعديدِ
وَنَسيتَ الآباءَ وَالمَجدَ وَالسُؤ / دُدَ وَالعِزَّ يا كَريمَ الجُدودِ
ما عَهِدنا المُلوكَ تَبكي وَلَكِن / عَلَّها نَزوَةُ الفُؤادِ الجَليدِ
عَلَّها دَمعَةُ الوَداعِ لِذاكَ ال / مُلكِ أَو ذِكرَةٌ لِتِلكَ العُهودِ
غَسَلَ الدَمعُ عَنكَ حَوبَةَ ماضي / كَ وَوَقّاكَ شَرَّ يَومِ الوَعيدِ
شَفَعَ الدَمعُ فيكَ عِندَ البَرايا / لَيسَ ذاكَ الشَفيعُ بِالمَردودِ
دَمعُكَ اليَومَ مِثلُ أَمرِكَ بِالأَم / سِ مُطاعٌ في سَيِّدٍ وَمَسودِ
كانَ عَبدُ العَزيزِ أَجمَلَ أَمراً / مِنكَ في يَومِ خَلعِهِ المَشهودِ
خافَ مَأثورَ قَولِهِ فَتَعالى / عَن صَغارٍ وَماتَ مَوتَ الأُسودِ
ضَمَّ مِقراضَهُ إِلَيهِ وَنادى / دونَ ذُلِّ الحَياةِ قَطعُ الوَريدِ
حَيِّ عَهدَ الرَشادِ يا شَرقُ وَاِبلُغ / ما تَمَنَّيتَ مِن زَمانٍ بَعيدِ
قَد تَوَلّى مُحَمَّدُ الخامِسُ المُل / كَ فَأَعظِم بِتاجِهِ المَعقودِ
وَتَجَلّى في مِهرَجانٍ تَجَلّى / سَيفُ عُثمانَ فيهِ بِالتَقليدِ
وَقَفَ الدَهرُ خاشِعاً إِذ رَأى السَي / فَينِ في قَبضَةِ العَزيزِ المَجيدِ
طَأطِئي لِلجَلالِ يا أُمَمَ الأَر / ضِ سُجوداً هَذا مَقامُ السُجودِ
عَلِمَ اللَهُ أَنَّ عَهدَ رَشادٍ / خَيرُ فَألٍ بِرَدِّ عَهدِ الرَشيدِ
وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً
وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً / كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي
وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَه / رِ كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي
أَنا تاجُ العَلاءِ في مَفرِقِ الشَر / قِ وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي
أَيُّ شَيءٍ في الغَربِ قَد بَهَرَ النا / سَ جَمالاً وَلَم يَكُن مِنهُ عِندي
فَتُرابي تِبرٌ وَنَهري فُراتٌ / وَسَمائي مَصقولَةٌ كَالفِرِندِ
أَينَما سِرتَ جَدوَلٌ عِندَ كَرمٍ / عِندَ زَهرٍ مُدَنَّرٍ عِندَ رَندِ
وَرِجالي لَو أَنصَفوهُم لَسادوا / مِن كُهولٍ مِلءِ العُيونِ وَمُردِ
لَو أَصابوا لَهُم مَجالاً لَأَبدَوا / مُعجِزاتِ الذَكاءِ في كُلِّ قَصدِ
إِنَّهُم كَالظُبا أَلَحَّ عَلَيها / صَدَأُ الدَهرِ مِن ثَواءِ وَغِمدِ
فَإِذا صَيقَلُ القَضاءِ جَلاها / كُنَّ كَالمَوتِ ما لَهُ مِن مَرَدِّ
أَنا إِن قَدَّرَ الإِلَهُ مَماتي / لا تَرى الشَرقَ يَرفَعُ الرَأسَ بَعدي
ما رَماني رامٍ وَراحَ سَليماً / مِن قَديمٍ عِنايَةُ اللَهُ جُندي
كَم بَغَت دَولَةٌ عَلَيَّ وَجارَت / ثُمَّ زالَت وَتِلكَ عُقبى التَعَدّي
إِنَّني حُرَّةٌ كَسَرتُ قُيودي / رَغمَ رُقبى العِدا وَقَطَّعتُ قِدّي
وَتَماثَلتُ لِلشِفاءِ وَقَد دا / نَيتُ حَيني وَهَيَّأَ القَومُ لَحدي
قُل لِمَن أَنكَروا مَفاخِرَ قَومي / مِثلَ ما أَنكَروا مَآثِرَ وُلدي
هَل وَقَفتُم بِقِمَّةِ الهَرَمِ الأَك / بَرِ يَوماً فَرَيتُمُ بَعضَ جُهدي
هَل رَأَيتُم تِلكَ النُقوشَ اللَواتي / أَعَجَزَت طَوقَ صَنعَةِ المُتَحَدّي
حالَ لَونُ النَهارِ مِن قِدَمِ العَه / دِ وَما مَسَّ لَونَها طولُ عَهدِ
هَل فَهِمتُم أَسرارَ ما كانَ عِندي / مِن عُلومٍ مَخبوءَةٍ طَيَّ بَردي
ذاكَ فَنُّ التَحنيطِ قَد غَلَبَ الدَه / رَ وَأَبلى البِلى وَأَعجَزَ نِدّي
قَد عَقَدتُ العُهودَ مِن عَهدِ فِرعَو / نَ فَفي مِصرَ كانَ أَوَّلُ عَقدِ
إِنَّ مَجدي في الأولَياتِ عَريقٌ / مَن لَهُ مِثلَ أولَياتي وَمَجدي
أَنا أُمُّ التَشريعِ قَد أَخَذَ الرو / مانُ عَنّي الأُصولَ في كُلِّ حَدِّ
وَرَصَدتُ النُجومَ مُنذُ أَضاءَت / في سَماءِ الدُجى فَأَحكَمتُ رَصدي
وَشَدا بَنتَئورَ فَوقَ رُبوعي / قَبلَ عَهدِ اليونانِ أَو عَهدِ نَجدِ
وَقَديماً بَنى الأَساطيلَ قَومي / فَفَرَقنَ البِحارَ يَحمِلنَ بَندي
قَبلَ أُسطولِ نِلسُنٍ كانَ أُسطو / لي سَرِيّاً وَطالِعي غَيرَ نَكدِ
فَسَلوا البَحرَ عَن بَلاءِ سَفيني / وَسَلوا البَرَّ عَن مَواقِعِ جُردي
أَتُراني وَقَد طَوَيتُ حَياتي / في مِراسٍ لَم أَبلُغِ اليَومَ رُشدي
أَيُّ شَعبٍ أَحَقُّ مِنّي بِعَيشٍ / وارِفِ الظِلِّ أَخضَرِ اللَونِ رَغدِ
أَمِنَ العَدلِ أَنَّهُم يَرِدونَ ال / ماءَ صَفواً وَأَن يُكَدَّرَ وِردي
أَمِنَ الحَقِّ أَنَّهُم يُطلِقونَ ال / أُسدَ مِنهُم وَأَن تُقَيَّدَ أُسدي
نِصفُ قَرنٍ إِلّا قَليلاً أُعاني / ما يُعاني هَوانَهُ كُلُّ عَبدِ
نَظَرَ اللَهُ لي فَأَرشَدَ أَبنا / ئي فَشَدّوا إِلى العُلا أَيَّ شَدِّ
إِنَّما الحَقُّ قُوَّةٌ مِن قُوى الدَي / يانِ أَمضى مِن كُلِّ أَبيَضَ هِندي
قَد وَعَدتُ العُلا بِكُلِّ أَبِيٍّ / مِن رِجالي فَأَنجِزوا اليَومَ وَعدي
أَمهِروها بِالروحِ فَهيَ عَروسٌ / تَسنَأُ المَهرَ مِن عُروضٍ وَنَقدِ
وَرِدوا بي مَناهِلَ العِزِّ حَتّى / يَخطُبَ النَجمُ في المَجَرَّةِ وُدّي
وَاِرفَعوا دَولَتي عَلى العِلمِ وَالأَخ / لاقِ فَالعِلمُ وَحدَهُ لَيسَ يُجدي
وَتَواصَوا بِالصَبرِ فَالصَبرُ إِن فا / رَقَ قَوماً فَما لَهُ مِن مَسَدِّ
خُلُقُ الصَبرِ وَحدَهُ نَصَرَ القَو / مَ وَأَغنى عَنِ اِختِراعٍ وَعَدِّ
شَهِدوا حَومَةَ الوَغى بِنُفوسٍ / صابِراتٍ وَأَوجُهٍ غَيرِ رُبدِ
فَمَحا الصَبرُ آيَةَ العِلمِ في الحَر / بِ وَأَنحى عَلى القَوِيِّ الأَشَدِّ
إِنَّ في الغَربِ أَعيُناً راصِداتٍ / كَحَلَتها الأَطماعُ فيكُم بِسُهدِ
فَوقَها مِجهَرٌ يُريها خَفايا / كَم وَيَطوي شُعاعُهُ كُلَّ بُعدِ
فَاِتَّقوها بِجُنَّةٍ مِن وِئامٍ / غَيرِ رَثِّ العُرا وَسَعيٍ وَكَدِّ
وَاِصفَحوا عَن هَناتِ مَن كانَ مِنكُم / رُبَّ هافٍ هَفا عَلى غَيرِ عَمدِ
نَحنُ نَجتازُ مَوقِفاً تَعثُرُ الآ / راءُ فيهِ وَعَثرَةُ الرَأيِ تُردي
وَنُعيرُ الأَهواءَ حَرباً عَواناً / مِن خِلافٍ وَالخُلفُ كَالسِلِّ يُعدي
وَنُثيرُ الفَوضى عَلى جانِبَيهِ / فَيُعيدُ الجَهولُ فيها وَيُبدي
وَيَظُنُّ الغَوِيُّ أَن لا نِظامٌ / وَيَقولُ القَوِيُّ قَد جَدَّ جِدّي
فَقِفوا فيهِ وَقفَةَ الحَزمِ وَاِرموا / جانِبَيهِ بِعَزمَةِ المُستَعِدِّ
إِنَّنا عِندَ فَجرِ لَيلٍ طَويلٍ / قَد قَطَعناهُ بَينَ سُهدٍ وَوَجدِ
غَمَرَتنا سودُ الأَهاويلِ فيهِ / وَالأَمانِيُّ بَينَ جَزرٍ وَمَدِّ
وَتَجَلّى ضِياؤُهُ بَعدَ لَأيٍ / وَهوَ رَمزٌ لِعَهدِيَ المُستَرَدِّ
فَاِستَبينوا قَصدَ السَبيلِ وَجِدّوا / فَالمَعالي مَخطوبَةٌ لِلمُجِدِّ
لَقَد طالَ الحِيادُ وَلَم تَكُفّوا
لَقَد طالَ الحِيادُ وَلَم تَكُفّوا / أَما أَرضاكُمُ ثَمَنُ الحِيادِ
أَخَذتُم كُلَّ ما تَبغونَ مِنّا / فَما هَذا التَحَكُّمُ في العِبادِ
بَلَونا شِدَّةً مِنكُم وَلينا / فَكانَ كِلاهُما ذَرَّ الرَمادِ
وَسالَمتُم وَعادَيتُم زَماناً / فَلَم يُغنِ المُسالِمُ وَالمُعادي
فَلَيسَ وَراءَكُم غَيرُ التَجَنّي / وَلَيسَ أَمامَنا غَيرُ الجِهادِ
رُدّا كُؤوسَكُما عَن شِبهِ مَفؤودِ
رُدّا كُؤوسَكُما عَن شِبهِ مَفؤودِ / فَلَيسَ ذَلِكَ يَومَ الراحِ وَالعودِ
يا ساقِيَيَّ أَراني قَد سَكَنتُ إِلى / ماءِ المَدامِعِ عَن ماءِ العَناقيدِ
وَبِتُّ يَرتاحُ سَمعي حينَ يَفتُقُهُ / صَوتُ النَوادِبِ لا صَوتُ الأَغاريدِ
فَأَمسِكا الراحَ إِنّي لا أُخامِرُها / وَبَلِّغا الغيدَ عَنّي سَلوَةَ الغيدِ
ثُمَّ اِمضِيا وَدَعاني إِنَّني رَجُلٌ / قَد آلَ أَمري إِلى هَمٍّ وَتَسهيدِ
أَبَعدَ عُثمانَ أَبغي مَأرَباً حَسَناً / مِنَ الحَياةِ وَحَظّاً غَيرَ مَنكودِ
إِنّي لَيَحزُنُني أَن جاءَ يَنشُدُهُ / داعي المَنونِ وَأَنّي غَيرُ مَنشودِ
أَمسَت تُنافِسُ فيكَ الشُهبَ مِن شَرَفٍ / أَرضٌ تَوارَيتَ فيها يا فَتى الجودِ
لَو لَم تَكُن سَبَقَتكَ الأَنبِياءُ لَها / قُلنا بِأَنَّكَ فيها خَيرُ مَلحودِ
وَوَدَّتِ الريحُ لَو كانَت مُسَخَّرَةً / لِحَملِ نَعشِكَ عَن هامِ الأَماجيدِ
وَالشَمسُ لَو أَنَّها مِن أُفقِها هَبَطَت / وَآثَرَت مَعكَ سُكنى القَفرِ وَالبيدِ
وَقَد تَمَنّى الضُحى لَو أَنَّهُم دَرَجوا / هَذا الفَقيدَ بِثَوبٍ مِنهُ مَقدودِ
يا راحِلاً أَكبَرَتكَ الحادِثاتُ وَما / أَكبَرتَها عِندَ تَليينٍ وَتَشديدِ
أَبكَيتَ حَتّى العُلا وَالمَكرُماتِ وَما / جَفَّت عَلَيكَ مَآقي الخُرَّدِ الخودِ
وَباتَ آلُكَ وَالأَصحابُ كُلُّهُمُ / عَلَيكَ ما بَينَ مَحزونٍ وَمَعمودِ
يَبكونَ فَقدَ اِمرِئٍ لِلخَيرِ مُنتَسِبٍ / بِالبِشرِ مُنتَقِبٍ في الناسِ مَحمودِ
بَني أَباظَةَ لا زالَت دِيارُكُمُ / أُفقَ البُدورِ وَغاباً لِلصَناديدِ
لا قَدَّرَ اللَهُ بَعدَ اليَومِ تَعرِيَةً / إِلّا هَناءً عَلى عِزٍّ وَتَخليدِ
وَعَظَّمَ اللَهُ في عُثمانَ أَجرَكُمُ / في رَحمَةِ اللَهِ أَمسى خَيرَ مَغمودِ
أَيُّهَذا الثَرى إِلامَ التَمادي
أَيُّهَذا الثَرى إِلامَ التَمادي / بَعدَ هَذا أَأَنتَ غَرثانُ صادي
أَنتَ تَروى مِن مَدمَعٍ كُلَّ يَومٍ / وَتُغَذّى مِن هَذِهِ الأَجسادِ
قَد جَعَلتَ الأَنامَ زادَكَ في الدَه / رِ وَقَد آذَنَ الوَرى بِالنَفادِ
فَاِلتَمِس بَعدَهُ المَجَرَّةَ وِرداً / وَتَزَوَّد مِنَ النُجومِ بِزادِ
لَستُ أَدعوكَ بِالتُرابِ وَلَكِن / بُقُدودِ المِلاحِ وَالأَجيادِ
بِخُدودِ الحِسانِ بِالأَعيُنِ النُج / لِ بِتِلكَ القُلوبِ وَالأَكبادِ
لَم تَلِدنا حَوّاءُ إِلّا لِنَشقى / لَيتَها عاطِلٌ مِنَ الأَولادِ
أَسلَمَتنا إِلى صُروفِ زَمانٍ / ثُمَّ لَم توصِها بِحِفظِ الوِدادِ
أَيُّها اليَمُّ كَم بِقاعِكَ نَفسٍ / فيكَ أَودَت مِن عَهدِ ذي الأَوتادِ
قَد تَحالَفتَ وَالتُرابَ عَلَينا / وَتَقاسَمتُما فَناءَ العِبادِ
خَبِّرينا جُهَينَ لا تَكذِبينا / ما الَّذي يَفعَلُ البِلى بِالجَوادِ
كَيفَ أَمسى وَكَيفَ أَصبَحَ فيهِ / ذَلِكَ المُنعِمُ الكَثيرُ الرَمادِ
رَحِمَ اللَهُ مِنهُ لَفظاً شَهِيّاً / كانَ أَحلى مِن رَدِّ كَيدِ الأَعادي
رَحِمَ اللَهُ مِنهُ طَرفاً تَقِيّاً / وَيَميناً تَسيلُ سَيلَ الغَوادي
رَحِمَ اللَهُ مِنهُ شَهماً وَفِيّاً / كانَ مِلءَ العُيونِ في كُلِّ نادي
أَلهَمَ اللَهُ فيكَ صَبراً جَميلاً / كُلَّ مَن باتَ ناطِقاً بِالضادِ
بِتَّ في حُلَّةِ النَعيمِ وَبِتنا / في ثِيابٍ مِنَ الأَسى وَالسُهادِ
وَسَكَنتَ القُصورَ في بَيتِ خُلدٍ / وَسَكَنّا عَلَيكَ بَيتَ الحِدادِ