المجموع : 98
لي عندك حقٌّ أَنشدُهُ
لي عندك حقٌّ أَنشدُهُ / أتقرّ به أم تجحدُهُ
لك في بغداد أَخو شغف / ما بالك لا تَتَفقده
صبّ بفراقك ما يَشقى / إلا وَخيالك يسعده
يَمشي المَحبوب وَينظرني / ما أَدري ماذا مقصده
إنَّ الرَّبيع كَثيرةٌ أَوراده
إنَّ الرَّبيع كَثيرةٌ أَوراده / فاذا اِنقَضى لَم يَبقَ من أَورادِ
إن متُّ تحزن في العراق أَحبةٌ / حيناً وَتفرح في العراق أَعادي
سَريت تَخوض اللَيل وَاللَيل أَسوَدُ
سَريت تَخوض اللَيل وَاللَيل أَسوَدُ / فَيا أَيُّها الساري الى أَينَ تقصدُ
أَراكَ من الإدلاج تَهبط وادياً / وَبعد قَليل من هبوطك تصعد
لعلك لا تَدري بأنك جائِب / شعاباً إليهنَّ السعالى تردد
لعلك لا تَدري بأنك والج / مخاوف فيهن الردى يتهدَّد
لعلك لا تدري بأنك منته / إلى غابة فيها الضواري ترصد
تثبَّط مقيماً في مكانك وانتظر / إلى الصبح إن الصبح قد لَيس يبعد
وإِلا فعد من قبل أن تشهد الرَدى / إلى حيث قد غادَرت فالعود أَحمد
أَراكَ شقياً في حياة حييتها / مَتى أَيُّها الإنسان قل لي تسعد
قسوت عَلى الإنسان لما ملكته / فَهَل أَيُّها الإنسان قَلبك جلمد
وَكَم مشهد في الأرض يبتعث الأسى / وَما كَضَحايا العلم في الأَرض مشهد
ذممت من الأيام يا نفس إنها / تشابه منها الأمس وَاليَوم وَالغَد
أقول لباكٍ صن من الدمع بعضه / لآتي الرَزايا إنها تتجدد
وَما بي عَلى عينيك خوف من العمى / إذا بكتا لكن دموعك تنفد
نظرٌ لي السماء عَميق
نظرٌ لي السماء عَميق / يَتَحَرّى نهاية الأبعادِ
أَعلى الروح في الثريا أَمير / مثلما في الثرى عَلى الأجساد
إنما نحن ساكِنون بأرض / هي أدنى مراتب الإيجاد
إِنَّ في أَعماق السماء نجوماً / سابحات فيها بغير استناد
يَقرأ الفَيلَسوف فيها فصولاً / من كتاب الدهور والآباد
لا تقبل الأجرام عدّا
لا تقبل الأجرام عدّا / كلا ولا الأَبعاد حدّا
العَقل يرجع خائباً / عنَها وإن لم يأل جهدا
يَرقى إليها مورياً / بالفكر في الظلماء زندا
مسترشداً بعلومه / فبها إذا ما ضل يُهدى
وَقَد استعدَّ وكل سا / ع يَستَعين بما استعدا
فَيسيح في لَيل به / زهر النجوم يقدن وقدا
وَيَجوز أجوازاً لَها / متعسفاً فَيَكاد يَردى
مَهما تَرقى صاعداً / أَلفى وَراء البعد بعدا
يَسمو وَيَذهَب موغلاً / فيصده الإعياء صدا
حَكَت المجرَّة صارِماً / وَحَكَت سحائبها فرندا
نَفسي تود وَكَيفَ أم / نع فيّ نَفسي أَن تودّا
لَو أَنَّها وجدت طَري / قاً منه للشعرى يؤدَّى
وَتصعدت فَتقلدت / من أنجم الجوزاء عقدا
وَبكفها لمست من ال / قرب السَماء اللازوردا
خادعت نَفسي حين لَم / أَر من خداع النفس بدا
إني إذا خالفتها / كانَت لي الخصم الألدا
يا نفس بعد الموت ذا / لك كائنٌ فإليك وعدا
وَالعَقل يَعلم من سيا / حته الَّتي أَولته مجدا
أن المجرة لَم تَكُن / إلا عوالم فقن عدّا
وَالسحب فيها أنجم / هن الشموس بعدن جدا
متحركات في السما / ء تخال أن لهنَّ قصدا
متنقلات في فسي / حِ فَضائها عكساً وَطردا
فَلَها مجاز في مجا / هلها تسير به وَمعدى
زرقاً وَحمراً زاهيا / تٍ في مجاريها وَرُبدا
متجاذِبات لَو تخل / لفَ واحدٌ عنها لأودى
وَهناك أجرام عَلى / كر الدهور جمدن بردا
سَتُعيد يَوماً ما حَرا / رتها القديمة أَو أَشدا
وَتمد ثانية أَشع / عتها إلى الأطراف مدا
إني لأحسب أن هَ / ذا الكون حيٌّ سوف يَردى
وَكَذاك أَحسب كل نج / مٍ جوهراً للكون فردا
والأرض بنت الشمس تَل / زم أُمَّها جرياً وَتحدى
وَتدور في أطرافها / مشدودة بالجذب شدا
فَتَطوف مثل فراشة / لاقَت بجنح اللَيل وقدا
وَبدور محورها تُوَج / جِه نحو نور الشمس خدا
لَولا دَليل الجذب ما / ملكت بهذا السعي رشدا
وَلأُبعدت عَن أمها / فمَضَت وَما ألفت مردا
بل تاه جامد جرمها / أَو صادفت في السير ضدا
وَيلي لَها إن صادمت / جرماً من الأجرام صلدا
فَهناك يهلك أَهلها / وَتَكون للإِنسان لحدا
لهفي على الشبان تخ / مد منهم الأنفاس خمدا
وعلى الحسان الكاعبا / ت عرضن كالرمان نهدا
والورد خداً والظبا / عيناً وخُوط البان قدا
تردى وأكبر في نفو / س العاشقين بذاك فقدا
فتموت سلمى في الشبا / ب وزينب وتموت سعدي
وعلى الرجال الذائدي / ن عن الرعية من تعدَّى
كُشفت بهم غماؤها / وأُحيل بؤس العيش رغدا
هم ألبسوا الأقوام إذ / فسدوا من الإصلاح بُردا
وبنوا بفضل الذَبِّ بي / ن الظلم والضعفاء سدا
مثل السيوف المصلتا / ت لهم تكون الأرض غِمدا
وعلى الفلاسفة الأُلى / كشفوا من الأسرار عدا
وعلى الرجال الماحصي / ن العلم تحقيقاً ونقدا
ويلي له من حادث / يستنفد الأعمار حصدا
إن لم يمت في يومهِ ال / إنسان فهو يموت بعدا
ما الموت إلا منهل / نأتَمُّهُ وفدا فوفدا
قد مرّ للمتنعمي / ن وطابَ للبؤساء وِردا
حمداً لك أللهم في ال / سرّاءِ والضراء حمدا
ماذا تكون الأرض بع / د صلائها أتعود تهدا
أَتُحِدُّ بعد خرابها ال / مظنون للعمران عهدا
أَلها إذا بلغت نها / ية دورها المسعود مبدا
إني لآمل أن تُعي / د قوى الحياة وتستردا
وتُعيش حيواناً بها / وتكون للانسان مهدا
وتعيد آباء كما / كانوا بها وتعيد وِلدا
الأرض بالإنسان تك / سب بهجةً وتنال سعدا
يا ارض لولا سعيه / لم تدركي يا أرض مجدا
هو ذلك السرُّ الذي / أفشاه مُبدعه وأبدى
لا تحتقره لكونه / في أصله قد كان قردا
فلقد تقدم في الكما / ل وبالفضائل قد تردّى
أريد لَو اِستَتَبَّ لي الخُلودُ
أريد لَو اِستَتَبَّ لي الخُلودُ / وَلَكِن أين مني ما أريدُ
عَلى أَنَّ البقاء يطيل همي / وَما في ريثه ما أَستَفيد
وَلَيسَ بِنافِعي شَيئاً بَقائي / وَقَد غصت بأصحابي اللحود
وَلكن كَيفَ إقناعي لنفس / تعلُّقُها بدنياها شَديد
أأصبر عن أحبائي الألى قد / ثَوَوا إني إذاً رجل جليد
مشوا للموت من دار أقاموا / معي فيها فأقفرت العهود
تثير ديارهم حزناً بقلبي / وتوحشني التهائم والنجودُ
فان يكُ في الأسى رجل وحيد / فاني ذلك الرجل الوحيد
يسير إلى المقابر كلَّ يوم / أخٌ منها التراب به يزيد
ولو عاد الذي يمضي سلونا / ولكن من ترحَّل لا يعود
وما هي حالة الشهداء فيها / أَأَيقاظٌ هنالك أم رقود
لعمرك لا يردُّ الموت حصن / ولا هذي العساكر والجنود
يبيد نعم يبيد المرء لكن / عناصره تدوم ولا تبيد
يدور الشيء من صفة لأخرى / ولكن منه لا يفنى الوجود
وجسم المرء تبنيه خلايا / زمانُ حياتها فيه زهيد
إذا ما مات منها فيهِ قسم / يجيء مكانه قسم جديد
وينقطع التجدُّد حين يودي / فلا يخضرُّ بعد اليبس عود
ألا إن الحياة أعزّ شيء / نُحب وإنها الخصم اللَّدود
شقاءٌ عم هذا الناسَ حتى / تشكَّى الشيخ منه والوليد
وقالوا بعض من يحيا سعيد / فمن هو ذلك الحيُّ السعيد
أتعكس حالة الشرق الليالي / فتجتمع المعارف والجدود
أثار الجهل في بغدادَ ناساً / تجيش بهم على هضمي الحقود
وما ان لي إلى الجهال ذنب / فيغريهم بنفسي أن يكيدوا
سوى أني مخالفهم وأني / لكل خرافة منهم جَحود
عليَّ كلابهم هرّت فمن لي / بِمخصَرة بها عني أذود
بُليت بثلة ضجوا وعجُّوا / لأقوالي كأنهم القرود
بهائمُ رتّع لكن عليهم / كإنسان تشكلت الجلود
وأشرافٍ لهم بالرغم منهم / طريف المجد والمجد التليد
لعمرك لا يُنيل المجد مالٌ / ولا خيلٌ ولا إبلٌ ترود
ولا ثوبٌ على طرفيه وشيٌ / ولا قصر على تلّ مَشيد
دَعُوا باللَه دعوى المجد مَيناً / فما أورت لكم فيهِ زنود
فإن المجد في أدب غزير / وإن المجد في علم يفيد
وإن المجد ذبٌّ عن ضعيف / تَهضَّمهُ أخو الظلم العنيد
وكم هُضمت ببلدتكم نفوس / فطاب لكم عن النصر القعود
وإن يطلع عليكم قرن والٍ / يَخِرُّ بكم إلى الأرض السجود
وهل علم الذين توعدوني / بأَني لا يخوّفني الوعيد
وأني في مكاني ثابت لا / تزلزلني الصواعق والرعود
ولست بِمَن إذا جلبوا يبالي / بهم فلكل زوبعة ركود
أداري الحاسدين رجاء أن لا / يبالغ في مساءتيَ الحسود
يضرُّ النفس منه أو يَقيها / فتى يلج الحوادث أو يحيد
وأوقاتُ الفتى إما نحوس / تدور على المصائب أو سعود
ليالٍ هن بالأفراح بيض / وأيام من الأحزان سود
كذاك الشعر فهو يكون إما / رديئاً لا يطيب به النشيد
وإما رائق الألفاظ زاهٍ / فتحسب أنه العقد الفريد
وذاك هو الذي إن أنشدوه / تَزَيّنَ منه للآداب جيد
أقول الشعر منقاداً إليه / بطبعٍ لي وأكثره قصيد
فأنظِمه ولا أدري أَأَني / مسيء حين أنظم أم مجيد
إليك عَن المَجَرَّة لا تسلني / وَعن عدد العوالِم كَم يَزيد
وَلا عما وَراء السحب منها / فَذَلِكَ مطلب عنا بَعيد
حدود تَنتَهي الأفكار منا / وَما إِن تَنتَهي تلك الحدود
وَبين الفرقدين عَلى اتصال / تَراهُ عيوننا بُعدٌ مَديد
أَلكني يا ضياء إلى نجوم / بعيدات لها منها وقود
يَراها من له لب شموساً / ويعمه عَن حقائقها البَليد
وَجئْ منها بأَخبار إلينا / فإنك بَينَنا نعم البَريد
سَترقى النفس طائرة إليها / إذا اِنفكت عَن النفس القيود
لقد تعست هنا فإذا تعالت / يكون نصيبَها عيش رغيد
لعمرك قد تَشابهت اللَيالي / فَما في عودها شيء جَديد
نهار بعده يأتي نهار / وَليل كُلما ولى يَعود
ترى عيني بكفِّ الموت قوساً / بها سهم إلى جهتي سديد
فيا موت ارمني إن كنت ترمي / فإني بالردى صبٌّ عميد
وَلَم أَرَ منهلاً كالمَوت عذباً / عَلى طرفيه تزدَحِم الورود
أقول لمن يهاب الموت جبناً / برغمك كائن ما لا تريد
ولكني أخلِّف عند موتي / نساءً حزنها بعدي شديد
فتلدم للجوى منها صدور / وتخمش للأسى منها خدود
مرزَّأَة وأخرى ذات نوح / وأخرى ما لأعينها جمود
هَل من يدرى إلا ظناً
هَل من يدرى إلا ظناً / ماذا سيجيء به غدُهُ
في منطقه وَكفايته / شرف الإنسان وَسؤددُهُ
ما يَزرعه الإنسان من ال / أعمال فذلك يحصده
نحت الإنسان له صنماً / وَغَدا من جهل يعبده
الواحد أَنتَ به برمٌ / ماذا يجديك تعدده
لَيسَ الإنسان وإن مارى / حراً فيما يتعمده
نقلوا عَن نشأتنا أَمراً / ما جاءَ العقل يؤيده
يَتَباين عند مزاحمة / عقل الإنسان وَمحتده
إن الطيار سليمان / فوددت لَوَ اَني هدهده
قَد قاسَ أعماق الفضاء فَلَم يجد
قَد قاسَ أعماق الفضاء فَلَم يجد / عقل الحَكيم نهاية الأَبعاد
بالعَقل لَيسَ الفَيلَسوف بمدرك / ما يطمئن له من الآباد
لما أَخذت أقيس أَبعاد السهى / طالَت عليَّ مراتب الأعداد
ما إِن أرى إلا فساداً قبله / كون وكوناً جاءَ بعد فَساد
ما الكَهرباء سوى الحَياة إذا اِنتَهَت / حركاتها ذهبَ الحَياة بداد
عَجَبي من الإنسان يهججَ آمِناً / وَالمَوت للإِنسان بالمرصاد
لا تَطمَئِن بكون لَيلك هادِئاً / فَلَسوف يأَتي السيل ملء الوادي
الشَمس قَد غربت فحيّ عَلى السرى / مستهدياً بالكَوكب الوقاد
وَيلي من الأيام إن جديدها / أَخنى عليَّ وَنالَ من اجلادي
لَم يجدني لَهفي عَلى شَعري الَّذي / بان البياض عليه بعد سواد
حسْنٌ وَقبح أَو رضىً وَبغاضةٌ / يا دَهر إنك جامع الأضداد
فتشت من بعد الحَريق مَكانه / فوجدت أَنقاضاً وَبعض رماد
يا أَرض إنك في زَمان واحد / مَرعى الظباء وَمربض الآساد
ما أَنتَ إلا للتَنازع حومة / وإِنِ الحَياة عليك غير جهاد
أَخذت تهذبني الخطوب ملمة / إن الخطوب لَها عليّ أَيادي
عش رغداً عش رغدا
عش رغداً عش رغدا / غير مقاسٍ كمدا
عش فارِغاً من الهمو / م كلها مبتعدا
عش في سرور بالِغاً / بسرعة منه المدى
عش طالِباً للذة / فَذاكَ وحده الهدى
وَكن لَها مخترعاً / وَلا تكن مقلدا
عش لاهياً قَد راحَ في / أَهوائه كَما غَدا
وَلا تَكُن بعادة / ورثتها مقيدا
واعتقدنَّ ماتشا / ءُ النَفس أن تعتقدا
ولا تبال ما تُسَم / مى مؤمناً أَو ملحدا
وادخرنَّ في الحَيا / ة للرَزايا جلدا
وَلا تَكُن اذا دَهَت / داهيةٌ مرتعدا
وارحل الى أخرى إذا / أَنكَرت يوما بلدا
وَكُن عَلى نفسك دو / ن غيرها معتمدا
واجهد فَما فازَ سِوى / ذاكَ الَّذي قد جهدا
وَلا تَكُن كَمن على / أوهامه قد جمدا
وَلا تكدَّ النفس في / إصلاح ما قد فسدا
فإنما تذهب أَت / عابك كلها سدى
واِجتنب الناس فان / نَ أَكثر الناس عدى
وَلا تشاور في أُمو / ر لك منهم أحدا
فإنهم لا يَملكو / ن في الحَياة الرشدا
وإنهم ليحسدو / ن كل من قد سعدا
وإنهم لينكرو / ن الحق حَتّى إن بدا
واِغتنم اللذات ما / أعطتك دنياك يدا
فأنت لا تعيش في / دنياك هذي أَبَدا
وأَنتَ لا تَعلَم أَي / نَ سوف يأتيك الردى
بَل أَنتَ لا تَدري أَتر / دى بعد عام أَم غدا
لا ريب في الموت وَهَل / من أَحد قد خلدا
بادَت شعوب لا تريدُ
بادَت شعوب لا تريدُ / وإذا أرادَت لا تَبيدُ
لا النار توقف ما أرا / دته الشعوب وَلا الحَديدُ
العز في صدق العَزي / مَةِ وَالشعوب كَما تريدُ
ما إِن يثبط عزم شع / بٍ همَّ وعدٌ أَو وَعيدُ
وَالناس إِمّا سَادة / لهمُ الإِرادةُ أَو عَبيد
وَالناس شتى في معي / شتهم شقيٌّ أَو سَعيد
وَالناس أَيقاظ تحس / سُ بما هنالك أَو رقود
وكذاك أيام الحيا / ة فإنها بيضٌ وسود
إِنا بعصرٍ لا يَجو / ز لمن يَعيش به القعود
ما أوصل المتأخري / نَ عَن المَدى المشي الوَئيد
تلكم بلا ريبٍ نوا / ميس لها خَضَعَ الوجود
سنن الحَياة وَلَيس عَن / سنن الحَياة لنا محيد
الشعر أكبر موقظ / يدعو فتنتبه الهجود
كل الفنون تجددت / وَالشعر يعوزه الجَديد
ما قامَ حتىّ أَثقلت / هُ من قوافيه القيود
قد حدَّدوه للورى / وَالشعر لَيسَ له حدود
لا يَرتَقي شعب عَلى ال / أدب القَديم له جمود
ما ضرَّ سامعَها لَو اِخ / تلفت قوافيها القَصيد
من كانَ ينظم عَن شعو / رٍ صادقٍ فهو المُجيد
لا خير في شعر لِما / قد قيل صاحبُه معيد
وَالشعر يحيا نزره / وَالشعر أكثره يبيد
وَالشعر إن صدقت معا / نيه يكون لهُ الخلود
وَلَقَد يشيع بيومه / فكأَنَّه مثلٌ شرود
ما ضرّ حقاً بيِّناً / أَن لا يَكون له شهود
يَكبو فَيَلقى حتفه / شعرٌ كقائله بَليد
شعر برودته عَلى / برد الجَليد أَتَت تزيد
وإذا الجَليد رأى شعا / عاً كافياً ذابَ الجَليد
هَذا لعمري ما أَرا / ه في القَريض ولا أَحيد
لَقَد تشتت من خوف ومن ندم
لَقَد تشتت من خوف ومن ندم / جيش حوالي ديالي كان محتشدا
ما كنت أَرجو عَلى علمي بنزعتها / أن يَبدو الشر من أبنائها فبدا
أحزم بناس رأوا في أَرضهم فتناً / فَلَم يَكونوا لمن قاموا بها عضدا
لَست أَنسى وَلا الدجنّة تنسى
لَست أَنسى وَلا الدجنّة تنسى / إِذ شجتني حمامة في الوادي
بنُواحٍ يَحكي نياحة ثكلى / نزلت بابنها الوَحيد العوادي
في رَبيع الشباب مات جَميلاً / فهيَ تَبكي وَحيدها وَتنادي
أَخرَجته وَاللَيل أسود داج / من فؤاد يحكي حَزين فؤادي
رددته لما أَرنَّت فجاء ال / لَيل يَبكي من ذلك الترداد
حجبت شخصها الدجنة عني / فهو إلا تسجيعها غير بادي
غير أني سمعتها تتغنى / موهناً فوقَ غصنها المياد
ما أنس يومَ بدت في القطر حادثةٌ
ما أنس يومَ بدت في القطر حادثةٌ / من الحوادِث تُنسي الوالدَ الولدا
وإذ أَلمت به دهياء كارثة / فأورثته الجوى وَالحُزنَ وَالكمدا
إذ عمَّه كوباء جارفٍ رهَجٌ / ما سارَ عَن بلد إلا أَتى بلدا
فَلَم يذر غير ممسوس به شرفاً / وَلَم يدَع غير مكلومٍ به كبدا
أَحب أن يجد اليوم الَّذي بهجت / أَنواره عين أَهليه فما وجدا
الأمْنُ قد زالَ والأيام قد فسدت / وَالعُود بعد اِعتدال منه قد أودا
لَم يَبقَ في الناس لا صبر ولا جلد / إن المصائب توهي الصبر وَالجلدا
لا دجلة دجلة من بعد نكبتها / وَلا الزَمان بواديها كَما عهدا
من كانَ يسكن في أمنٍ ضواحيها / قد قوَّض البيت والأوتاد وَالعمدا
ظنوا الهدى في الَّذي جاؤوه من عملٍ / وَقَد يَكون ضلالاً ما يُعدُّ هدى
من لم يهذِّبه علمٌ في شَبيبَته / فإنه لا يُلاقي بعدها رشدا
قالوا عَسى أن تنيل الشعب ثورته / سعادة غير أَنَّ الشعب ما سعدا
بل السَعادة في ترك الخصام وَفي / أن يصلح المَرء دنياه وَيجتهدا
لا يأمن المدلج الساري تورُّطَهُ / ما لَم يوطِّد له من عقله سندا
لَو قدَّروا الأمر ما ثارَت عجاجتها / وَلا شكت عينهم من خوضها الرمدا
ورب وارد ماء جاءه قدرٌ / فَما أَساغ له الماء الَّذي وردا
وَذي لهاث قد اِشتدت حرارته / حتى إِذا هُوَ لاقى حتفه بردا
هَذا جزاء امرئٍ قَد كانَ في سعة / من المَعيشة إلا أنه كندا
فَيا لَها فتنةً عمياءَ ثائرةً / قد عذَّبت من بنيها الروح وَالجسدا
ما نابَ غائبَها ما ناب شاهدَها / وَلَيسَ من غاب عَن شر كمن شهدا
وأسعد الناس من قد كان معتزلاً / يلازم الظل في اليوم الَّذي صخدا
قد أَفلح المتروي في عزيمته / وَكل قصد إذا زالَ الضلال هدى
ما نفع من عاش في أَيام مفسدة / من الحَياة إذا كانَت له نكدا
قَد يَجعل الوصاف غي
قَد يَجعل الوصاف غي / بَ الشيء منك بمشهد
فَتَكاد تلمس ما يصو / وره لعينك باليَد
جاءَت الصحف حاملات نعيا
جاءَت الصحف حاملات نعيا / أَكبرته الأسماع في بغداد
فَبَكَت في بَغداد حقي عيونٌ / كانَ حقي منها مكانَ السواد
كانَ مندوبها وَكانَت تباهي / برجاحاته جميعَ البلاد
فَبَكينا شبابه وَبَكينا / جلداً فيه راسخ الأوتاد
بأبي أَنتَ من أَديب شجاعٍ / نامَ في اللحد بعد طول الجهاد
رقدة في ملحودة سبقتها / وقفات له بصدر النادي
ماتَ في ميعة الشباب إذ العز / م صَديق إذ الزَمان معادي
قد لبسنا ثوب الحداد عليه / أنا وَالعلم وَالحجى وَبلادي
المَوت إذ وطن الأبيّ مهدَّد
المَوت إذ وطن الأبيّ مهدَّد / مجد يشايع أَو حياة تخلدُ
ما ماتَ في أَرض الجهاد محمد / بل عاش في أَرض الجهاد محمد
فَلَقَد أَتى عملاً غداة دنا العدى / يَمضي الزَمان وَذكره يتجدد
في مَوقف ما إِن تَرى إلا دماً / في الأرض يجري أَو دخاناً يصعد
أفديك من بطل هوى عَن طرفه / وَالسَيف في يده تشدّ به اليَد
شبت من الجيشين حرب نارها / تَشوي الوجوه فَلَم يرعك المشهد
إذ كانت الأعداء تسعر نارها / وَالنار منك قَريبة لا تبعد
وَلَقَد رسوت أَمام جحفلهم كَما / في صدر مجرى السيل يَرسو الجلمد
أَما الحِمام فَكانَ يبرز نابه / وَيُطيل من نظر إليك وَيرصد
حيث القَنابِل في مَيادين الوغى / نفدت وَعَزمك وافر لا ينفد
الناس حامدة ثبات محمَّد / وَالدين يحمد وَالمواطن تحمد
صاحوا الجهاد ضحىً فَلَبّى عالماً / أنَّ الجِهاد هُوَ الطَريق الأقصد
شبت فأَقسم بالبسالة أنه / بالرَغم عَن هرم به لا يقعد
ما زالَ في ظل الهلال مجاهداً / حتى أَصابَته بمنفلقٍ يد
فَبَكى عليه سيفُه وَجوادُه / وَبَكى عليه صلاحه وَالمسجد
لاقى الردى فوق الجواد كأَنَّما / متن الجواد إلى التَلاقي موعد
لِلَّه تلك النفس وَالخلق الَّذي / يَرضى وَذاكَ الخاطر المتوقد
أَريقت دماءٌ من رجال أَعزة
أَريقت دماءٌ من رجال أَعزة / بأَوطانهم فاحمرَّ منها صعيدها
يُدَسّون في أَرماسهم فكأنهم / صوارم بيض وَالقبور غمودها
لحود لها ضمت جسوماً كريمة / فلله ما ضمت هناك لحودها
أَلا يوقظ الشبانَ يا قوم موقظٌ / فَقَد طالَ في جوف التراب رقودها
ستنضخ في الأكفان يوم حسابها / دماء أَمام اللَه منها شهودها
فَكَم زوجة لما دَهى الظلم بعلها / بَكَت فَبَكى في الحجر منها وَليدها
وَمَفجوعة أَودى أَخوها بعسفهم / ووالدة قد بانَ عنها وَحيدها
مغانٍ تظل الغانيات بأَرضها / وَقَد غيل حاموها تُفَرَّى كبودها
وَتلتدم البيض الحسان من الأسى / فترفضُّ في اللبات منها عقودها
وَترجف بالنوح السماء ملاحها / وَتَبكي وَتَستَبكي المَلائكَ غيدها
وَتُنشد في تأبينهم شعراؤها / مراثيَ يُشجي السامعين نشيدها
وقوفاً عَلى الأجداث تَتلو قصائداً / فَتَبكي وَتُبكي السامعين قصيدها
قصائد تحكى وصف من غيِّب الثرى / إذا ختمته فالأسى يستعيدها
ديار بهن الامر صوح دوحه / سقاها ملث العدل فاخصرَّ عودُها
وما في بلاد اللَه كالظلم هادمٍ / ولا مثل حكم العدل بانٍ يشيدها
ويسعد نفسي أن ترى العدل حاضراً / فإن غاب عنها غاب عنها سعودها
وَما العدل إِلّا غادة ملكية / هوى النَفس مني مقلتاها وَجيدها
أَلا نهضة تدني الرجال من العلى / فَقَد طالَ في دار الهوان قعودها
بِنَفسي كَماة تحسب الموت أَن يرى / عَن المَوت يوماً روغها وَمحيدها
أباة تَرى أَنَّ الحياة حقيرة / وَما حب نفس لا يَجوز خلودها
فَتَعلَم أَنَّ الموت حق وأنها / إذا لَم تَرِدْه فَهو سوف يرودها
إذا لَم تَبِدْ بالسيف يومَ كَريهةٍ / فمرُّ اللَيالي بعد حين يُبيدها
أولئك أشراف البلاد وفخرها / أولئك لا غير أولئك صيدها
ما كنت أَرجو أَن يَموت مرادُ
ما كنت أَرجو أَن يَموت مرادُ / حتى تنال حقوقها بغدادُ
إن الألى حملوا مراداً ضحوةً / دفَنوا مراداً في التراب وَعادوا
لَيسَ الَّذي قَد أتعبته حَياته / يأذى من الموتان فَهوَ رقاد
يَحيا الجماد إذا الشورط توفرت / وَالحي إن فقد الشروط جماد
إِنَّ حزني في أَرض بغداد بادي
إِنَّ حزني في أَرض بغداد بادي / كل يوم في شدة واِزديادِ
ربّ أَبدل لي قربها بالبعاد / إن بغداد وهي أم البلاد
كرهتها نَفسي وملَّ فؤادي /
أَنا مِن بَغداد وَبَغداد مِنّي / مبدياً ضجرة وَمنها التجني
وَلَقَد ساءَ بالعَواقِب ظني / نجني رب نجني رب إني
قَد سئمت الحَياةَ في بَغداد /
إنني عائشٌ بها بين قوم / ليس من نوع ما يسومون سومي
ليتهم ينتهون إذ طال لومي / ما أقاسيه ثَمَّ في كل يوم
شفّ جسمي وفتَّ في الأعضادِ /
لبَّثتني عوائقي تلبيثا / في ديار بالظلم فيهنَّ عيثا
بين قوم لا يَفقهون حَديثا / ساقهم للشقاء سوقاً حَثيثا
ما بهم من جهالة وَعناد /
كم لهم من صحائفٍ سوَّدوها / بخطايا منهم بها خلَّدوها
فتن إن تقادمت جدّدوها / كلما نارها انطفت أوقدوها
بالوشايات أيَّما إيقادِ /
إنني في يم تلاطَم شرّا / بين أَمواجٍ أزبدت لَيسَ يُدرى
أَي موج يَكون لي فيه قَبرا / إنما زورقي توسط بحرا
ثار فيه الأمواج كالأطواد /
كل يوم مصيبة تتجدد / ليَ فيها ومشكل يتولد
وعدوّ بشرّه يتوعد / بلدة عفتها على أنني قد
كان فيها لشقوتي ميلادي /
بلدة عمَّ جانبيها الخراب / ما بها عن قتل النفوس اجتنابُ
في حماها الذي دهاه اغتصاب / للعذارى من الدماء خضاب
في زمان الأعراس والأعيادِ /
ظهرت في عز الجمال وبانت / قبل هذا بأعصرٍ ثم هانت
وإلى الظلم والعذاب استكانت / أصبحت للشقاءِ أرضاً وكانت
في زمان الرشيدِ أرض رشادِ /
أصبحت بعد ذاك بغدادُ أرضاً / لنفوس من الجهالة مرضى
في رجالٍ لا يستطيعون نهضاً / أين بغداد في زمان تقضَّى
حيث كانت بغداد أرقى البلادِ /
أين تلك الآمالُ تلك الأماني / أين تلك الرياضُ تلك المجاني
أين تلك الربوع تلك المغاني / أين تلك الشبان تلك الغواني
أتواصوا جميعهم بالنفادِ /
أين ذهن قد كان يشبه برقاً / سرعةً في فهم الأمور وخفقا
حرقته نار التوقُّدِ حرقاً / إنك اليوم لو تفتش تلقى
جمرة منه في ركام الرمادِ /
وَيحَ قَلبي فإنه قد ريعا / حينَ سارَ الأظعان سيراً سَريعا
عَن ربوع كانوا لهنَّ رَبيعا / فالبسي إِذ قضوا وَبادوا جَميعا
لهم يا بَغدادُ ثوب الحداد /
لا تُقِم بالديار فهي خلاء / فارقتها الدُّمى وعزَّ اللقاءُ
ارتحل فالبقاءُ فيها شقاء / ذُمَّ في هذه الربوع بقاء
بعد سلمى وزينبٍ وسعادِ /
لبست من وشي النظام برودا / في زمانٍ قد انقضى لن يعودا
ليته دام ظلُّه ممدودا / هي كانت للعلم فيه عهودا
جاد تلك العهود صوبُ العِهادِ /
إن حكم الزمان في الناس ماضي / إنه لو علمت أحكم قاض
رضى المرءُ أو غدا غير راضي / كل ملك فإنه لانقراض
كل كون فإنه لفسادِ /
أَهل بَغداد بدَّلوا الصدق زورا / رب لا كانَ ذنبهم مغفورا
زَرَعوا للشرور فيها بذورا / أَيُّها الزارِعونَ فيها شرورا
سوف لا تحمدون يوم الحصاد /
أهلها لا كانوا هنالك أهلا / ذهلوا عن طريقة العلم ذهلا
وسعوا يطلبون بالعلم جهلا / أيها السائرون في الجهل مهلا
ستذمون سير هذا الوادي /
من يكن عالما فليس يُحقَّى / علماءُ البلاد أعلى وأكبر
إنهم كالجبال قدراً على الأر / ضُ وإن الجبال كالأوتادِ
بعد ربي من كل ما يُتصور /
بي وإن هان عند قَومي حَياتي / أَهلُ بَغداد قد رقوا دَرَجات
فَلَهم باسمي شهرة في الجهات / أَنا كالصفر لست شَيئاً بِذاتي
وأَزيد المقدار للأعداد /
ستثير الأيام فيها دخانا / ويزيد الفساد آناً فآنا
ليت من كان مفسداً لا كانا / كلما جئتها لِأُصلحَ شانا
سارع المفسدون للإفسادِ /
إن نفسي يا ويح نفسي تُحسُّ / ألما ما حسَّته تاللَهِ نفسُ
كبدٌ لي مقروحة لا تجس / يا طيب الأدواء إنك نَطس
هل تداوي القروح في الأكبادِ /
قد كسبنا علماً لنكسب قدرا / ما حسبنا أن يُحسب العلمُ وِزرا
في بلاد الجهل أمست مقرّا / هجرتها أفاضلُ الناس هجرا
بعد أن كانت كعبة القصادِ /
أَيُّها العلم أَنتَ في الشرق نكرُ / وأثامٌ وَأَنتَ في الغرب فخرُ
بك تؤذَى ناس وَناس تسر / فيك نفع وَفيك يا علم ضر
إنما أَنتَ جامع الأضداد /
حالة في بغداد لا ترتضيها / مذ خلت من علومها وذويها
ليس منها فيها سوى مدّعيها / قل لمن جاء يبتغي العلم فيها
عطلت من معلِّميه النوادي /
أهملوا إذ توهموا الغَيَّ رشدا / في حياة لهم جهاداً وجهدا
فأُعيضوا من ثروة الملك فقدا / جهلوا لا هداهمُ اللَه قصدا
أنه في الحياة كل الجهادِ /
إن أرضاً لها يقال العراق / قبحت من رجالها الأخلاقُ
كل ما فيهمُ فليس يُطاق / نخوة عن وقاحةٍ ونفاقُ
معَ لؤمٍ وصِلَّةٌ في تمادي /
إن حرية الكلام رداح / تتفانى في حبها الأرواحُ
غادة وصلها لغيري مباح / أعلى من يقول حقاً جناح
ربِّ قد طال كربتي واضطهادي /
وعدتني قرباً ولم تف وعدا / بل أراها تزيد في البعد بعدا
وجد الوحش في المعاهد معدى / بعد سعدي إن العدالة سعدي
ليت سعدي مقيمة في بلادي /
أيها العدل أنت أنت الحبيب / إن عيشي ما غبتَ ليس يطيبُ
ما لمن قد دعوته لا يجيب / كل هذا الصدود منه عجيب
أعدَته عن الوصال العوادي /
جئت يوماً إلى حِماه أخبُّ / فسباني منه الجمال الأحبُّ
فإليهِ ما زلت من ذاك أصبو / وله انقادَ فيه مِنّيَ قلب
كان لولا الغرام صعب القيادِ /
فاق منه الجمالُ كل جمال / لست أدري وحبُّه شغل بالي
البخل قد صد أم لدلال / أنا في حبه مريض فمالي
لا أراه يجئ في عوَّادي /
إن ذاك الحبيب جمُّ المحاسن / حبه في غيابةِ القلب كامن
وهو صعب الحصول غير مواطن / يطلب الناسُ أن ينالوه لكن
دون ما يطلبون خرطُ القتادِ /
ليس فيكم لا درَّ درُّ أبيكم / من يحامي عن حوضكم ويقيكم
فأملوا ذاك في ذراري بنيكم / واصبروا ربما سيولد فيكم
رجل باسل طويل النجادِ /
إنما حادث الليالي موالي / للأَعادي ما للأعادي وَما لي
كيدهم فوق طاقَتي واحتمالي / ارحميني يا حادِثات اللَيالي
لا تعيني عليّ كيد الأعادي /
أَنتَ يا عدل كالضياء وأجملْ / ما لآسٍ إلا عليك المعوّل
بك أحلام لَيلنا نتأول /
أَيُّها العدل إنما أَنتَ للقل / ب مراد وَفوق كل مراد
أَيُّها العدل أَنتَ بدر التَمام / قَد توارى لَيلاً وَراء الغمام
أَبدُ كيما تشقَّ جيب الظلام / كَم كِرام تحت التراب نيام
يشبهون السيوف في الأغماد /
ربِّ أنت الخبير أنت اللطيف / ربِّ إني كما علمت ضعيفُ
ربِّ إن السجون ربِّ تخيف / ربِّ يا ربِّ إن جسمي نحيف
ليس لي طاقة على الأصفادِ /
ويح نَفسي مِمّا تعانيه نَفسي / إن يَومي في بؤسه مثل أَمسي
أَنا بالموت وحده متأسي / عل عَيني إذا تبوأت رَمسي
تَستَطيب الرقاد في الألحاد /
ليَ في كربتي سبات عميقُ / أنظر الموت حين منه أُفيق
مثلما ينظر الصديقَ الصديق / إنه وحده عَلَيَّ شفيق
سينجيني من ذوي الأحقادِ /
للمنايا لو يعلم المرء فضل / إذ بها من همومها النفس تخلو
يتساوى هناك عزّ وذل / إن طول الرقاد في القبر يحلو
لي بعد العنا وطول السهادِ /
المَنايا لطف فلولا المَنايا / خلدت في الشقاء هذي البَرايا
بالمَنايا انقضاء كل القَضايا / في المَنايا نهاية للرزايا
للمَنايا عَلى البرايا أَيادي /
قل لمن مات ثاوياً قَرَّ عينا / إنك الآن قد تأَدَّيت دينا
حين لاقيت فقي كروبك حَينَا / إن للموت في الكروب علينا
منناً كالأطواق في الأجيادِ /
ليَ ظن أو أنهُ بعض وهم / يذهب الفيلسوف منه لذمي
أن سيرقى روحي لألمع نجم / وسيبقى في وهدة القبر جسمي
هل إلى الجسم حاجة في الوهادِ /
ليس في فسحة المجرة ضيق / إنها للأرواح نعم الطريقُ
هل لنفسي إذا تعالت مُعيق / نظرٌ لي إلى السماءِ عميق
يتحرى نهاية الأبعادِ /
حين يهتز في الفضاءِ الأثير / أين تمضي أمواجه وتسيرُ
لست أدري وهل بذاك خبير / أَعلى الروح في الثريا أمير
مثلما في الثرى على الأجسادِ /
حُسنُ هذي النجوم يا روح يقضى / إن في الجو مرتقى لك يُرضى
بعضها في نظامها فوق بعض / إنما نحن ساكنون بأرض
هي أدنى مراتب الإيجادِ /
ارتقى يا نفس ارتقى للسماء / والحقى بالشعري وبالجوزاءِ
ثم بيني للأرض بعد المساء / مثل نجم مغلفٍ بضياء
هو للمدلجين في الليل هادي /
لا تلاقين في السماء خصوما / لا ولا ظالما ولا مظلوما
ليس عيشٌ في جوِّها مذموما / إن في أعماق السماء نجوما
سابحات سبحاً بغير استنادِ /
سبحت في الفضاء عرضاً طولا / ساقها سائقٌ لها أن تجولا
معقبات بعد الطلوع أفولا / يقرأُ الفيلسوف فيها فصولا
من كتاب الدهور والآبادِ /
كل نجم منها بدون شبيه / دائر في بعدٍ بوجه وجيهِ
فلك جاز كل عقلٍ نبيه / المبادي مثل النهايات فيه
والنهايات فيه مثل المبادي /
رُبَّ ناهٍ في مصر وهو خليلي / حاسب دجلةً كوادي النيل
عاذل لي على البكا والعويل / ما لديه علم بخطبي الجليل
أنا في واد والعذول بوادي /
أنتم الناس أيها السعداء / ما أصابت بلادكم ضراءُ
لكم الروح إن قبلتم فداء / ما عليكم وأنتم قدراء
لو مددتم لنا يدا الإسعاد /
سعيت وَلكن ما وصلت إلى المَدى
سعيت وَلكن ما وصلت إلى المَدى / فَلِلَّه أَتعابي الَّتي ذهبت سدى
بقيتُ برغم السَعي وَالعلم وَالنُهى / بمنزلة بين الضلالة وَالهدى
كسبت من الأيام بعد تجاربي / يَقيناً بأن الأصدقاء هم العدى
لحى اللَه دَهراً ما اِتخذنا وَسائلاً / لمنفعة إلا تصدى فأفسدا
وبعّد ما بين الخصاصة وَالغنى / وَقرّب ما بين السلامة وَالردى