القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد الزّين الكل
المجموع : 15
يا كاسِبَ الحَمدِ إِلى حَمدِهِ
يا كاسِبَ الحَمدِ إِلى حَمدِهِ / أَدرِك حَياةَ الشعرِ مِن وَأدِهِ
يَدعُوكَ لا يَذكُرُ مِن حُرمَةٍ / غَيرَ الَّذي أَسلَفَ مِن وُدِّهِ
وَلِلمَودّاتِ عَلى أَهلِها / حَقُّ ذِمام الخُلقِ في عَقدِهِ
دارُ هَوانٍ قَد حَلَلنا بِها / كَما يَحِلُّ الصَيدُ في قدِّهِ
أَيسَرُ ما في وَصفِها أَنَّها / تَفجَع ذا الجُهدِ عَلى جُهدِهِ
إِن يطلبِ الرِفدَ بِها مُتقِنٌ / فرفته أَقرَبُ مِن رِفدِهِ
تُثِيبُ مَن يَهزِلُ فيها كَما / تَسُوءُ ذا الجِدِّ عَلى جِدِّهِ
لا يَظفَرُ المُحسِنُ فيها وَلَو / بِالخادِع المَمطولِ مِن وَعدِه
لَيسَ مِنَ الأَحياءِ مَن حَلَّها / بَل مَيِّتٌ أُخِّرَ عَن لَحدِهِ
لا مَوتَ مَهما قُلتَ في وَصفِه / يَعدِل مَوتَ اليَأسِ في بُردِهِ
دَيرٌ لِغَيرِ اللَهِ رُهبانُهُ / يَحُلُّهُ المُفرِطُ في زُهدِهِ
تَغرِسُ ما تَغرِس مِن صالِحٍ / فيها وَلا تَجني سِوى ضِدِّهِ
كَأَنَّها قَلبُ لَئيمٍ إِذا / غَرَستَ فيهِ العُرفَ لَم يُجدِشه
أَو رَملَةٌ تَشرَبُ صَوبَ الحَيا / صَفواً وَلا تَنفكُّ عَن جَحدِهِ
جَهلُ الفَتى أَفضَلُ أَرزاقِه / فِيها وَضِيقُ العَقلِ من سَعدِهِ
فَذاكَ لَو يفهَمُ أَجدى لَهُ / مِن عِلمِهِ الجَمِّ وَمِن كَدِّهِ
غَيرُ قَوانينِ بَني آدَمٍ / قانونُها في الجُورِ عَن قَصدِهِ
تَرى دِماءَ الحَقِّ مَسفوكَةً / في كُلِّ حَرفٍ خُطَّ مِن بَندِهِ
أَقَمتُ فيها كارِهاً مِثلَ مَن / أُركِبَ مِن سَيفٍ عَلى حَدِّه
حالٌ لَبِسناها عَلى رَغمنا / لُبسَ الوَليد الشَيبَ في مَهدِهِ
وَللوشاياتِ بِها دَولَةٌ / يَزيدُ فيها الشَرُّ مِن جُندِهِ
الجارُ فيها مُتَّقِ جارَه / وَالأَخُ مَطوِيٌّ عَلى حِقدِهِ
وَالمَرءُ ذو الأَخلاقِ يحيا بها / في مُكفهِرِّ الجَوِّ مُربَدِّهِ
إِلَيكَ أُزجيها عَلائِيَّةً / كَأَنَّها اللؤلُؤُ في عِقدِهِ
وحَسبُها أَن وُجِّهَت لامرِئٍ / يَنفَحُ طيبُ الودِّ مِن بُردِهِ
هَل شَفى بَعضَ الَّذي أَجِدُ
هَل شَفى بَعضَ الَّذي أَجِدُ / طارِقٌ مِن بَعدِ ما رَقَدُوا
زارَ لا يَثنيهِ مُرتَقِبٌ / لا وَلَم يَشعُر بِهِ أَحَدُ
عاطِر الأَنفاسِ يَحملُه / تَركَ الأَنفاسَ تَتَّقِدُ
لَستُ أَرضى الرُوحَ أَبذُله / أَنا إِن أَبذله مُقتَصِدُ
مِن هَدايا البُعدِ نَفحتُه / طابَ ما أَهدى لَنا البُعدُ
رُبَّ وَصلٍ يَسَّرَته نَوىً / وَسُرورٍ ساقَهُ كَمَدُ
وَرَجاءٍ لَم تَنَلهُ يَدٌ / بَذَلتهُ في الخَيالِ يَدُ
وَحَبيبٍ وَصلُه عِدَةٌ / مُنجِزٌ بِالطَيفِ ما يَعِدُ
حُلُمٌ ما اِنفَكَّ يُسعِدني / حافِلٌ بِالأُنسِ مُحتَشِدُ
ربَّ مَن فاتَت سَعادَتُهم / بالرُؤى أَو بِالمُنى سَعِدوا
كُلُّ شَيءٍ في الحَياةِ رُؤىً / رَغمَ ما في الوَهمِ يُعتَقَدُ
شاقَهُم عَهدُ الصِبا فَرَأوا / في خَيالِ الطَيفِ ما عَهِدُوا
كانَ ضوءُ الصُبح مَوعِده / وَمَضى لَيتَ الدُجى أَبدُ
لَيتَهُ لَيلٌ بِغَيرِ غَدٍ / وَأَماني العاشِقينَ غَدُ
نِعمَةٌ لِلقَلبِ خالِصَةٌ / لَم يُكدِّر صَفوَها حَسَدُ
خَفِيَت عَن أَن يُحسَّ بِها / عاذِلٌ في العَذلِ مُجتَهِدُ
زائِرٌ وافى لَهُ أَمَدٌ / هاجَ شَوقاً ما لَهُ أَمَدُ
زادَ سُقمى وَهوَ مُفتَقِدي / هَل يَزيدُ السقمَ مُفتَقِدُ
هِجتَ يا طَيفَ الخَيالِ لَنا / ذِكرَةً تَدنُو وَتَبتَعِدُ
لا تَزِد مِن لَوعَةٍ كَبِدي / وَتَرفق إِنَّها كَبِدُ
يا غُلَّةَ الصَدرِ مِن حَزِّ الجَوى زِيدي
يا غُلَّةَ الصَدرِ مِن حَزِّ الجَوى زِيدي / أَبَت شِفاءَكِ حَتّى بِالمَواعيدِ
سِحريَّةُ الفَمِ لَو مَسَّت بِقُبلَتِها / فَمَ العَيِيِّ لَحَلَّت كُلَّ مَعقودِ
تَكادُ مِن رِقَّةٍ تُغري مُقبِّلَها / أَن يَحتَسيها رَحيقاً غَيرَ مَورُودِ
قَد صاغَها اللَهُ لَمّا أَشرَكَت أُمَمٌ / بِهِ فقالَ اِشهَدوا بُرهانَ تَوحيدي
قُل لِلبَخيلَةِ جُودي لا لَقِيتِ جَوىً / إِن كانَ يَشفَعُ لي قَولي لَها جُودي
وَساعَةٍ تَحتَ أَفياءِ الهَوى سَلَفَت / يا ساعَةً تَحتَ أَفياءِ الهَوى عُودي
ما ضَرَّ لَو أَنَّها في قُبلَةٍ سَنَحت / مَنَّت بِوَعدٍ وَإِن ضَنَّت بِمَوعودِ
هَل حاذَرَت حَرَّ شَوقي حينَ أَلثمها / أَن تُذبِلَ الوَردَ أَنفاسٌ بِتَصعيدِ
رُحماكِ لِليائِسِ المَمطولِ يُقنِعُه / مِن الوُجودِ خَيالٌ غَيرُ مَوجودِ
ظَمآنُ لا رَشَفاتُ الماءِ صافِيَةً / تُروي صَداهُ وَلا بِنتُ العَناقيدِ
شِفاؤُهُ قُبلَةٌ لَو أَنّ مُحتَضَراً / داوى بِها المَوتَ رَدَّت غَيرَ مَردُودِ
فَكَم أمَثِّلُ ثَغرَ الزَهرِ مِن شَبَهٍ / بِثَغرِك العَذبِ في حُسنٍ وَتَوريدِ
عَينٌ مِن الخُلدِ مَن يَنهل بِكَوثَرِها / وِردَ الحَياةِ يَفُز مِنه بِتَخليدِ
صَوتٌ مِن القَلبِ أُمليهِ عَلى فَمِها / وَعَهدُ حُبٍّ عَلى الأَيامِ مَمدودِ
وَلِلقُلوبِ لُغاتٌ لَيسَ يُدركُها / سِوى فُؤادٍ بِنارِ الوَجد مَعمودِ
حَديثُ شَوقٍ بِلا حَرفٍ وَلا كَلِمٍ / تُفضي بِهِ شَفَتي لِلخَدِّ وَالجيدِ
مَعنىً مِن الحُبِّ يَسمُو أَن أُؤَدِّيَه / بِكُلِّ لَفظٍ مِن الأَلفاظِ مَحدودِ
اللَفظُ يَثقُل بِالتَرديدِ مَوقعه / وَتِلكَ تَحلو مَعانيها بِتَرديد
دَعِ الرَسائِلَ فيما لا تُحيطُ بِهِ / تِلكَ اللُغاتُ وَدَع صَوغَ الأَناشيد
فَلِلشِفاهِ عَلى أَمثالِها لُغَةٌ / أَحلى عَلى السَمع مِن مِزمار داود
أَدَّت عَن القَلبِ ما يَعيا اللِسانُ بِهِ / كَمَنطِق الطَيرِ غِرِّيد لِغرِّيد
كَم قُبلَةٍ لا أَرى الدُنيا لَها ثَمَناً / فَلا تَبِع غَيرَ مَعدودٍ بِمَعدودِ
إِن شاقَكَ القَصَصُ الجَديدُ
إِن شاقَكَ القَصَصُ الجَديدُ / فَأَميرُ دَولَتِهِ فَرِيدُ
أُستاذُ هَذا الفَنِّ مُب / تَكِرٌ وَكلُّهُمُ مُعِيدُ
يَمشون إِثرَ خُطاه لَو / يَقفو خُطا النَجمِ الصَعِيدُ
يَدنو لِفكرَتِهِ إِذا / ما راقَهُ المَعنى البَعيدُ
يَسمُو بِأَجواءِ الخَيا / لِ وَلَيسَ يُجهِدُه الصُعودُ
مُتَنَقِّلاً في أُفقِهِ / يَختارُ مِنهُ وَيَستَجيدُ
يَتَأَلَّفُ المَعنى إِلى / أَن يَطمَئِنَّ لَهُ الشَرِيدُ
مُتَلَطِّفاً حَتّى تَرا / هُ لِلبَراعَةِ يَستَقيدُ
وَيَصُوغُه في لَفظِهِ ال / عالي كَما تُزهى العُقُودُ
صَوغ المُقَدِّرِ لا يَقل / لُ اللَفظُ عَنهُ وَلا يَزيدُ
أَلفاظُهُ في جِيدِ مَع / ناهُ قَلائِدُ لا قُيودُ
نَثرٌ بِهِ تَذكو الطُرُو / سُ كَأَنَّهُ الزَهرُ النَضِيدُ
فَتنَت رَوائِعُه العُقو / لَ فَلَيسَ يَبلُغُهُ قَصيدُ
يَومٌ نَشَرتَ بِهِ جُحا / يَومٌ عَلى القُرّاءِ عيدُ
كُلّ يَوم تَنالُ فَخراً جَديداً
كُلّ يَوم تَنالُ فَخراً جَديداً / فَرُوَيداً إِلى المَعالي صُعُودا
ما الَّذي تَبتَغي وَأَيسَرُ ما نِل / تَ مِن المَجدِ أَن بَلَغتَ الخُلودا
لَم تَدَع في مَصاعِدِ المَجد مَرقىً / فَاِبتَدع فيهِ إِن أَرَدتَ مَزِيدا
أَيُّها الشعرُ قِف بِبابِ العَميدِ
أَيُّها الشعرُ قِف بِبابِ العَميدِ / حَيِّ عَنّي الصَديقَ عَبد الحَميدِ
حَيِّ نَفساً كَالزَهرِ طِيباً وَطُهراً / زَفَّها الرَوحُ مِن رِياضِ الخُلودِ
وَفُؤاداً أَصفى مِن الماءِ وِرداً / لَم يَحُل عَن وَفائِهِ المَعهُودِ
تَتَبارى الآمالُ فيهِ سُموّا / كَالدَراري تَنافَسَت في الصُعودِ
وَتَساوَت كُلُّ الأَحباءِ فيهِ / كَالمُصَلِينَ كُلُّهُم في صَعِيدِ
فَجَديدٌ في الرَوضِ مِثلُ قَديمٍ / وَقَديمٌ في الحُبِّ مِثلُ جَديدِ
حَيِّ كَنزاً مِن الحِلى تَرجَح الدُر / رَةُ مِنهُ بِكُلِّ ما في الوُجودِ
وَأَمانِيَّ لَم يَنَلها حِباءً / وَعُلاً بِالجُهودِ لا بِالجُدودِ
أَنتَ لِلثَغرِ قُبلَةٌ تُطفِئُ الوَج / دَ بِقَلبِ المُتَيّمِ المَعمُودِ
بَسَمَ الثَغرُ إِذ وَرَدتَ عَلَيهِ / طِبتَ مِن وَارِدٍ وَمِن مَورُودِ
لَستُ أَغلُو إِن قُلتُ قَد زادَ مَجدا
لَستُ أَغلُو إِن قُلتُ قَد زادَ مَجدا / كُلُّ مجدٍ إِلى الجُمَيِّلِ يُهدى
إِيهِ يا مُسدِياً إِلى الشَمسِ نُوراً / في ضُحاها ماذا إِلى الشَمسِ يُسدى
أَيُّها العَبقَريُّ أُفقُك أَعلى / رُم كَما شئتَ بِالمَواهِبِ مَجدا
كُلُّ مَجدٍ لَهُ مَدى غَيرَ مَجدِ العَب / قَريِّينَ جلَّ عَن أَن يُحَدّا
يا لِصَدرٍ رَحبٍ تَجمَّع فيه / كُلُّ مَعنىً مِن السُموِّ اِستمدّا
شَعَّ مِنهُ نُورُ المَواهبِ حَتّى / راحَ نُورُ الوسامِ يَبذُل جُهدا
فيهِ قَد جاوَرَ الوسامُ وساماً / بَذَّهُ في العُلا سَموّاً وَخُلدا
أَسرفتَ في سحرِكَ الأَلبابَ فَاِقتَصِدِ
أَسرفتَ في سحرِكَ الأَلبابَ فَاِقتَصِدِ / وَجُزتَ في السَبق ما أَمَّلتَ فَاتَّئِدِ
يا ناثِرَ الزَهرِ غَضّاً في صَحائِفه / أَرِيجُهُ لَم يَدَع في الشَرق مِن بَلَدِ
نَثرٌ تَرَكتَ بِهِ الأَشعارَ حاسِدَةً / فَكانَ تَقطيعُها مِن شِدَّةِ الحَسَدِ
مَعنىً مِن الرُوحِ توحيهِ قَريحتُه / يُزهى بِلَفظٍ قَويِّ النَسجِ مُطَّرِدِ
بِالأَمسِ قَلَّدتَ صَبري مِنهُ لُؤلُؤَةً / كانَت حَياةً لَهُ تَبقى عَلى الأَبَدِ
رَوائِع السحر فيها مَحفِلٌ حَشِدٌ / وَقَفتَ تُرسلُها في مَحفِلٍ حَشِدِ
وَاليَومَ تُهدِي إِلى شَوقي بِجَنَّتِهِ / لَحناً لأَطيارِها في صَوتِها الغَرِدِ
وَشَّيتَ أَشعارَهُ بِالنَثر تُبدِعُهُ / كَما تُوَشّى زُهُورُ الرَوضِ بِالبَرَدِ
جَلَوتَه صُورةً أَغنَت بِدِقَّتِها / عَن التَماثيلِ شادُوها عَلى عَمَدِ
تاللَهِ لَو أَنَّهُ أَهدى قَرِيحَتَه / إِلَيكَ في الشُكرِ ما وَفّى جَميلَ يَدِ
أَنَظَمتَ أَيّامَ الشَبابِ قَصائِداً
أَنَظَمتَ أَيّامَ الشَبابِ قَصائِداً / أَم صُغتَ أَوقاتَ الوِصالِ فَرائِدا
أَم تِلكَ أَفوافُ الرَبيعِ نَسَجتها / لَفظاً يَضُوعُ شَذىً وَمَعنىً شارِدا
أَم ذاكَ قَلبُكَ طامِحاً أَودَعتهُ / في شِعركَ العالي مُنىً وَمَقاصِدا
بَل ذاكَ نَبعٌ بِالعَواطِفِ زاخِرٌ / يُزهى بِصَفحَتِه وَيُغري الوارِدا
في كلِّ بَيتٍ مِن قَصائِدِهِ أَرى / نَفساً مُوَلَّهةً وَطَرفاً ساهِدا
وَبِكُلِّ لَفظٍ قِطعَةٌ مِن نَفسِهِ / بَثَّت غَراماً طارِفاً أَو تالِدا
فَكَأَنَّ أَفئِدَةَ الشَبابِ جَمَعتَها / فيما تَجيشُ بِهِ فُؤاداً واحِدا
كاتِبٌ كُلُّهُ وَفاءٌ وَوُدُّ
كاتِبٌ كُلُّهُ وَفاءٌ وَوُدُّ / مَلَكٌ في مَظاهِر الإِنس يَبدُو
ما لَهُ في الثَباتِ قَبلٌ فَننميه / إِلَيهِ وَما لَهُ فيهِ بَعدُ
لَو تَزولُ الجِبالُ مازالَ عَمّا / يَرتَئي لَم يَرُعه في الرَأيِ نَقدُ
وَلَو اِختارَ غَيرَهُ لَمَشَت في / إِثرِهِ مِن مَواكِبِ العِزِّ جُندُ
غَيرَ أَنَّ الفَتى رَأى العزَّ في الرَأ / يِ فَأَمسى في مَوكِبٍ وَهوَ فَردُ
قَد تَلَقَّيتُ مِن هَداياكَ سِفراً / فيهِ عَقلٌ فَوقَ العُقولِ وَجُهدُ
وَبَيانٌ تُزهى بِهِ لُغةُ الضا / دِ وَسحرٌ مِن بابِلٍ مُستَمدُّ
هاتِ عَن مُصطَفى أَحاديثَ تُذكي / هِمَماً لِلشَبابِ إِن جَدَّ جِدُّ
ذَكِّرِ القَومَ ما نَسُوا مِن زَعيمٍ / كُلُّ غَرسٍ إِلى يَدَيهِ يُرَدُّ
وَيحَ شَعبِ البِلادِ إِن نَسِيَ العَه / دَ فَما بَعدَ ذاكَ لِلشَعبِ عَهدُ
لَيسَ يُجدي التِمثالُ في الخُلدِ إِن لَم / يَكُ لِلعَبقَرِيِّ في الشَعبِ خُلدُ
إِلى الصَديقِ المُفَدّى
إِلى الصَديقِ المُفَدّى / أَهدَيتُ وُدِّيَ عِقدَا
أَهديتُ سِفراً يَبُذ / ذُ الأَسفارَ هَزلاً وَجِدّا
وَما لَهُ مِن شَبيهٍ / في الكُتبِ جَمعاً وَحَشدا
لراشِدٍ وَغَوِيٍّ / يُجيدُ غَيّا وَرُشدا
وَللمُؤَّرخِ فيهِ / ما شاءَ لِلعُربِ سَردا
مَفاخرُ القَومِ فيه / تُعيِ المُسَطرَ عَدّا
فيهِ البَيانُ المُصَفّى / أَشهى وَأَعذَبُ وِردا
وَكَم لَقِينا إِلى أَن / صَحَّت مَعانيهِ جَهدا
يا رُبَّ لَفظٍ قَضَينا / فيهِ اللَيالي سُهدا
وَرُبَّ بَيتٍ حَشَدنا / لَهُ مِن الصَبرِ جُندا
حَتّى اِستَقامَ وَأَعطى / مِن صابه المُرّ شَهدا
واسمٍ خَفِيّ أَطَلنا / عَلَيهِ في الكُتبِ كَدّا
إِلَيكَ أُهدِيهِ حُبّاً / وَأَنتَ بِالرُوحِ تُهدَى
لأَنَّ فَنَّكَ فَردٌ / بَعَثثُ في الكُتبِ فَردا
لَو ناظِمُ العِقدِ يَوماً / رَآكَ أَصفاكَ وُدّا
وَقالَ يا قَومُ حَسبي / بِنَثر أَنطُونَ عِقدا
قالوا أَبَعدَ زَمانِ الوِردِ وُرّادُ
قالوا أَبَعدَ زَمانِ الوِردِ وُرّادُ / فَقُلتُ هَل لِرِثاءِ الفَضلِ مِيعادُ
لا الأَربَعُونَ وَلا الخَمسونَ مَوعِدُه / في كُلِّ عَصر عَلَيهِ الحُزنُ يَزدادُ
مَن أَنفَق العُمرَ في الإِصلاحِ نَظلِمُه / إِن كانَ يُحصى عَلَيهِ الحُزن تَعدادُ
كُلُّ اللَيالي قُلوبٌ في المُصابِ بِه / وَالدَهرُ في الرُزءِ أَجفانٌ وَأَكبادُ
تَمرُّ ذِكراهُ في الأَيّام باكِيَةً / فَكُلُّ يَومٍ لَهُ بِالحُزنِ تَردادُ
فَلا تَحدُّوا مَدى تَأبينِه وَصِلُوا / ذِكراهُ لا تَدَعوا النِسيانَ يَعتادُ
حَياتُهُ لِحَياةِ الجِيلِ وَاصِلَةٌ / ذِكرى النَوابغِ بَعدَ المَوتِ مِيلادُ
ما خَصَّ رُزؤُكَ يا جِبريلُ مِصرَ وَلا / لُبنانَ بَل فُجِعَت في مَجدِها الضادُ
وَلا المُروءةُ وَالمَعروفُ وَحدَهُما / غاضا بَل الخُلق المَوموقُ وَالعادُ
وَلَم يَرُع خَطبُكَ الأَحبابَ وَحدَهُمُ / بَل ريعَ بِالخَطبِ أَحبابٌ وَحُسّادُ
حُسّادُ مَجدِكَ لا أَضدادَ أَعرِفُهُم / فَلَيسَ لِلجُهدِ وَالإِخلاصِ أَضدادُ
أَوحيتَ جبريلُ لِلأَقلامِ نَهضَتَها / مَن يَجحَدِ الجُهدَ فَالأَعمالُ أَشهادُ
تجري عَلى اسمِكَ بِالأَهرامِ مُطلَقَةً / لَها بِذكرِكَ إِصدارٌ وَإيرادُ
تَفَنَّنت مَلَكات الكاتِبينَ بِها / فَساسَةٌ وَذَوُو فَنٍّ وَنُقّادُ
وَمُصلِحُونَ رَأَوا مِن دُونِ غايَتِهم / هَولَ الجِهادِ فَما كَلُّوا وَما حادوا
وَمُنبِئُونَ سَمَوا بِالصِّدقِ ما نَقَصوا / عَمّا رَوَوا وَرَأوا شَيئاً وَلا زادوا
لَم يُعيِهم نَبَأٌ حَتّى كَأَنَّهُمُ / جِنٌّ لَهُم بِنَواحي الأَرضِ أَرصادُ
وَالشِّعرُ في أَيكِها الفَينانِ مُنطَلِقٌ / لَهُ بِأَفنانِها لَحنٌ وَإِنشادُ
لِلخُلقِ وَالعَقلِ نُورٌ في صَحائِفها / فَما يَحُومُ بِها غِلٌّ وَأَحقادُ
مِصريَّةٌ لِبَني مِصرٍ يُسَدِّدُها / إِلى السَدادِ حَكيمُ الرَأي مُرتادُ
صارَت حَذامِ لِصُحفِ الشَرقِ ما نَطَقَت / إِلّا وَمِن نُطقِها لِلصُحفِ إِمدادُ
تَبدو مَع الشَمسِ في كِلتَيهما أَمَلٌ / لِلشَرقِ نُورٌ وَإِحياءٌ وَإِسعادُ
أَبقَيت ذِكراكَ يا جِبريلُ ما بَقِيَت / تزري فَخاراً وَنَفعاً بِالَّذي شادُوا
لا عُذرَ لِلقَلبِ إِن لَم يَنفَطِر كَمَدا
لا عُذرَ لِلقَلبِ إِن لَم يَنفَطِر كَمَدا / وَلا الجُفونِ إِذ ما سَيلُها جَمَدا
وَلا أَرى الصَبرَ في مَنعاكَ مَحمَدةً / ذَمَّ الوَفاءُ عَلَيكَ الصَبرَ وَالجَلَدا
بَقِيَّةٌ مِن دُموعي كُنتُ أذخَرُها / حَتّى دَهاني ما يَستَنزِفُ الكَبِدا
يا جَفنُ لا تَدّخِر دَمعاً تُريقُ غَداً / وَيا حُشاشَةُ ذوبي قَد أَمِنتُ غَدا
حُزني وَحُزن صَدِيقي فيكَ مُختَلِفٌ / إِن صاح يا وَاحِدي نادَيتُ وا عَدَدا
فَجائِعُ الدَهرِ تُنسَى غَيرَ فاجِعَةٍ / بِمَن وَفى لَكَ فيما قالَ وَاِعتَقَدا
ما العَيشُ مِن بَعد مَن تَهوى سِوى غُصَصٍ / تشجى بِها النَفسُ حَتّى تَبلغَ الأَمَدا
وَيحَ الليالي أَما تَرثي لأربَعَةٍ / مِن البَناتِ فَقَدنَ الركنَ والسنَدا
شَقَقن فيهِ حِجابَ القَلبِ مِن جَزَعٍ / وَما مَدَدنَ إِلى شَقِّ الحِجابِ يَدا
فَإِن تَمَيَّزنَ في أَعمارِهنَّ فَلَم / يُميِّزِ الخَطبُ في حُزنٍ عَلَيهِ بَدا
وَإِنَّ غايَةَ ما يَملِكنَ في جَلَلٍ / دُموعُهنَّ إِذا لَم يَستَطِعنَ فِدا
دُنيا مِن الفَضلِ يَطوي التُربُ نَضرَتَها / ما غَيَّبُوا في الثَرى إِذ غَيَّبُوا جَسَدا
نُحِسُّ أَنَّ الثَرى مِن خَمرِها ثَمِلٌ / وَيوشِكُ الصَخرُ مِنها أَن يَسيل نَدا
حَوى الثَرى مِنهُ أَخلاقاً لَو انَّ بِها / خُلودَ حَيٍّ عَلى طُولِ المَدى خَلَدا
صَدِيقُهُ الصِدقُ مَهما يُؤذَ قائِلُه / لَو أَنَّه الجَمر له يَرهَبه مُتَّقِدا
وَالصِدقُ إِن يَجِن ذَنباً غَيرُ مُتهَمٍ / وَالمَينُ مُتَّهَمٌ بِالذَنبِ لَو عُبِدا
عافَ التِجارَةَ في سُوقِ الرِياءِ إِذا / كانَ الرِياءُ لما يَرجُوهُ مُعتَمَدا
لَولا الرِياءُ يَمُتُّ الجاهِلونَ بِهِ / ما سادَ في الناسِ ذُو جَهلٍ وَلا مَجدا
هَيهاتَ مِنّا لَدى قَيسُونَ مَجلِسُنا / مَضى الصَفاءُ وَحَلَّ الدَهرُ ما عَقَدا
عَهدٌ قَضَيناه مَن يَشهَد لَيالِيَهُ / كَأَنَّما شَهِدَ الدُنيا بِما شَهِدا
يَرى القَبائِلَ مِن قَحطانَ ماثِلَةً / وَإِن تَيَقَّنَ أَن العَهدَ قَد بَعُدا
مُخَضرَمُونَ وَإِسلاميَّةٌ جُمِعا / في واحِدٍ جامِعٍ في الفَضلِ ما شَرَدا
إِلى جُهَينَةَ يُنمى في ذَوائِبِها / وَالفَرعُ في دَأبِهِ مِن حَيثُ ما وُلِدا
وَاِستَعجَم الشِعرُ في مِصرٍ فَقَوَّمهُ / وَردَّهُ عَرَبِيّاً لُحمَةً وَسدى
بِمُحكَماتٍ كَساها الحَضرُ رِقَّتَه / وَالبَدوُ لَفظاً قَويَّ النَسجِ مُطّرِدا
شعرٌ يَلذُّ عَلى الأَسماعِ موقِعهُ / كَأَنّ في كُلِّ بَيتٍ طائِراً غَرِدا
يُجيدُ ما شاءَ فيهِ غَيرَ مُفتَتِنٍ / وَإِن يُجِد غَيرُه لَم يَحمِلِ الحَسَدا
وَقُوَّةُ النَفسِ حِصنٌ مِن نقائِصِها / تَذودُ عَنها مِن الأَخلاقِ ما فَسَدا
كَم ذادَ عَن حَوزَةِ الفُصحى دُعاةَ هَوىً / تَكادُ فِتنَتُهم تُودي بِها بَدَدا
جيشٌ تَجمَّع يَبغي الهَدمَ مُعتَزِماً / فَإِن طَلَبتَ بِناء لَم تَجد أَحَدا
مِن كُلِّ أَلكَنَ مَعقُودِ اللِسانِ رَأى / أَن يَستُرَ الجَهلَ بِالإِزراءِ فَاِنتَقَدا
يَهيمُ بِالغَربِ لَم يَقرَأ لَهُ أَدَباً / وَيَجحَد العُربَ لا يَدري الَّذي جَحَدا
وَكُلُّ ما عِندَهُ كُتبٌ يُعَدِّدُها / لَم يَدرِ مِمّا حَوَت غَيّاً وَلا رشَدا
وَقِصَّةٌ لَم يَزِد عَن عِلمِ أَوَّلها / وَطارَ يَملأُ إِعجاباً بِها البَلَدا
مقلِّدون سَرَوا في لَيلِ جَهلِهُمُ / تَهوِي الفَيافي بِهم سَعياً لِغَير مَدى
وَمَن أَضاعَ تُراثاً مِن أُبوَّتِهِ / لَم يَستَفِد مِن سِواهُم قَدرَ ما فَقَدا
إِنَّ المُقَلِّد لا يَنفَكُّ مُنتَقِلاً / يَهوى ويُبغِضُ لا يُبقي هَوىً أَبَدا
يَصبُو لِلَيلى زَماناً ثُم يَهجُرُها / قِلىً وَيَصبُو إِلى أُخرى إِذا وَجَدا
حَظُّ الجَديد لَدَيهِ حَظُّ تالِدِه / مَن لا يَفي لِقَديمٍ ضَيَّعَ الجُدُدا
ما يَنفَعُ الناس يَبقى رَغمَ ما حَشَدوا / لِحَربِه وَاللَيالي تُذهِبُ الزَبَدا
ما أَعدَلَ الدَهرَ في هَذا وَأَظلَمَهُ / في حُكمِه أَمسِ أَفنى العدَّ وَالعَدَدا
مَضى الَّذي كانَ جَيشاً في عَزيمَتِه / كَالسَيلِ مُندَفِعاً وَالسَيفِ مُنجَرِدا
رَأى اِرتِداداً عَن الفُصحى وَسُخرِيةً / بِها فَشَمَّرَ كَالصدِّيقِ مُنفَرِدا
وَقامَ لَم يثنِهِ عَمّا يَهُمُّ بِه / في اللَهِ أَلا يَرى مِن قَومِهِ عَضُدا
وَشَدَّ شِدَّةَ جَبّارينَ صادِقَةً / فَمَزَّقَت مِن جُموعِ الزُورِ ما حَشَدا
وَأَوتَرَ القَوسَ يَرمى صَدر باطِلِهم / بِنافِذاتٍ أَصابَت لُبَّ مَن قَصَدا
وَحُجةٍ خَرِسَت مِنها شَقاشِقُهُ / لَولا العِنادُ لما تَأتى بِهِ سَجَدا
وَمَن حَمى لُغَةَ الأَسلافِ مِن عَبَثٍ / وَذادَ عَنها حَمى دِيناً وَمُعتَقَدا
إِيّاكَ أَن تَغدرَ بِالمِيعادِ
إِيّاكَ أَن تَغدرَ بِالمِيعادِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الأَوغادِ
وَاِحرِص عَلى الوَفاءِ في المَواعِدِ / مَهما تُقاسِ فيهِ مِن شَدائِدِ
وَاِصبر وَلا يَثنِكَ عَنهُ ثانِ / فَإِنَّهُ مِن كرم الإِنسانِ
إِنَّ الوَفاءَ سَيِّدُ الأَخلاقِ / تَعلُو بِهِ لَو كُنتَ في أَخلاقِ
فَلَيسَ بِالمالِ بُلوغُ مَجد / مَجدُ الفَتى وَفاؤُهُ بِالوَعدِ
قَد قالَ أَهلُ العِلمِ فيما أُرسِلا / كادَ الوَفِيُّ أَن يَكونَ مُرسَلا
وَإِنَّني لَم أَرَ كَالوَفاءِ / أَدعى إِلى الإِخلاصِ في الإِخاءِ
وَلَيسَ مِن شَيءٍ سِوى الإِخلافِ / أَدعى إِلى تَقاطُعِ الآلافِ
لا تَعتَذِر في الخُلفِ بِالمَوانِعِ / فَإِنَّهُ مِن سَيِّئِ الطَبائِعِ
مَن أَكثَر الأَعذارَ فيما يَفعَلُ / فَعَن قَليلٍ عُذرُهُ لا يُقبَلُ
إِيّاكَ وَالإِكثارَ في الأَعذارِ / وَفِعلَ ما يُلجِئُ لاعتِذارِ
حَذارِ أَن تَقُولَ لا بَعد نَعَم / وَاِبدأَ بِلا أَفعَلُ إِن خِفتَ النَّدم
وَفِّ إِذا ما قُلتَ إِنِّي أَفعَلُ / فَإِنّ لا بَعد نَعَم لا تَجملُ
وَلا تَقُل في قَولِ لا نَيلُ العُلا / إِنّ العُلا قَولُ نَعَم مِن بَعدِ لا
إِيّاكَ أَن تَنسى وُعودَ الأَمسِ / فَالحُرُّ لا يَعتادُهُ ما يُنسي
الحُرُّ وَعدُه عَلَيهِ دَينُ / يَذكُرُهُ حَتّى يَحينُ الحَينُ
إِيّاكَ أَن تُوصَفَ بِالمِطالِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ البُخّالِ
وَاِحرِص عَلى الإِنجازِ في المَواعِد / فَآفَةُ الوُعودِ مَطلُ الواعِدِ
من أَكثَر المَطلَ بِغَيرِ مانِعِ / فَصدقه في الوَعدِ غَيرُ نافِعِ
وَإِن يُعاهِدكَ أَمرُؤٌ حَلّافُ / فَلا تُطِعهُ إِنَّهُ خَلّافُ
فَلا أَزالُ أُكبِرُ الإِنسانا / حَتّى أَراهُ يكثر الأَيمانا
إِيّاكَ وَاللَجاجَ في اليَمِينِ / فَإِنَّ هَذا رِقَةٌ في الدِينِ
وَلا أَرى اللَجاجَ فيهِ إِلّا / شِعارَ مَن هانَ وَرامَ الذُلّا
إِن مِن الوَفاءِ مَنع الجارِ / مِن الأَذى لِحُرمَةِ الجوارِ
إِن كُنتَ مَوفُورَ الغِنى وَالمالِ / فَلا تَدَع جارَكَ لِلسُؤالِ
وَسِّع عَلَيهِ إِن يَكُن فَقَيرا / وَلا تَرُم حَمداً وَلا شُكورا
أَغدِق عَلَيهِ وابِل المَعرُوفِ / وَكُن لَهُ جاراً مِن الصُرُوفِ
آثِره بِالخَيرِ وَبِالنَعماءِ / عَلَيكَ لَو تَحسُو قَراحَ الماءِ
فَإِنَّ مِمّا يَرفَعُ الإِنسانا / في قَومِهِ أَن يُؤثرَ الجِيرانا
وَلا تَمُدَّ لَحظَكَ المُرِيبا / لِعِرسِهِ تَبغي بِها تَشبِيبا
إِيّاكَ أَن تُرسلَ تِلكَ النَظرَه / فَرُبَّما جَرَّت عَلَيكَ حَسرَه
وَرُبَّما عادَ عَلَيكَ سَهمُها / وأَثقَلَ الكاهِلَ مِنكَ إِثمُها
ولا تَصِلهُ تبتَغي بوَصلِه / في البَيت أَن تُؤذِيَه في أَهلِه
فَإِنّ هَذا غايَةُ التَنزُّلِ / وَآيَةُ الخِسَّةِ وَالتَسَفُّلِ
زُرهُ فَإِنّ الوُدَّ في التَزاوُرِ / لَكن نَماءُ البُغض في التَهاجُرِ
فَإِن نَأَى عَن بَيتِهِ وَغابا / فَأَقلِل المَجيءَ وَالذَهابا
خَشيَةَ أَن تَحُفَّك الظُنونُ / وَأَن يُقالَ إِنَّهُ خَئُونُ
إِيّاكَ أَن تَخُونَهُ في غَيبَتِه / يَجزِيكَ بِالشُكرانِ حينَ أَوبتِه
مَن لَم يَصُن ما عَهِدَ الإِلَهُ / فَلَيسَ مَأموناً عَلى سِواهُ
لا تَلهُ بِالمالِ وَبِالأَولادِ
لا تَلهُ بِالمالِ وَبِالأَولادِ / عَن طَلَبِ العِلم وَالاستِرشادِ
فَإِنَّهُ ذَخائِرُ الإِملاقِ / وَثَروَةٌ تَزكُو عَلى الإِنفاقِ
وَعُدَّةٌ مِن غِيَر اللَيالي / وَخَيرُ ما ثَمَّرتَه مِن مالِ
ذَخيرَةُ المَعاشِ وَالمَعادِ / وَكُلُّ ما تَراهُ لِلنَّفادِ
تَحرُسُ ما تَجمَعهُ مِن وَفرِ / وَالعِلمُ حارِسٌ بِغَيرِ أَجرِ
مِن خِسَّةِ المالِ وَنَقص فَضلِه / أَن قَد تَراهُ عِندَ غَيرِ أَهلِه
وَإِنَّما فَخرُ الفَتى بِالعلمِ / لا فَخرُهُ بِدَولَةٍ وَحُكمِ
إِن العُلومَ تَرفَعُ المَملُوكا / حَتّى تَراهُ يَفضُلُ المُلوكا
كَم مِن فَتىً قَد حَطَّ مِنهُ نَسَبُه / أَعلَى ذُراهُ عِلمُهُ وَأَدَبُه
وَالمَرءُ إِن يُعلِ ذُراهُ علمُه / فَلا يضرُّ عُدمُه وَيُتمُه
وَلَيسَ يُرفَعُ الفَتى بِأَهلِهِ / وَمالِهِ إِن يَتَّضِع بِجَهلِهِ
فَاِطَّلِبِ العِلمَ وَلَو بِالصِينِ / لا تَلهُ عَن طِلابه بِالدُونِ
وَاِقطَع لَهُ مَجاهِلَ القِفارِ / وَخُض إِلَيهِ لُجَجَ البِحارِ
وَاِسلُك إِلَيهِ السَهل وَالأَوعارا / وَاِهجُر لَهُ الأَوطانَ وَالدِيارا
لا تُطِل الشَوقَ إِلى الأَوطانِ / فَإِنَّها مَقبَرَةُ الأَذهانِ
إِنّ الجَهُولَ نازِحُ البِلادِ / لَو كانَ بَينَ الأَهلِ وَالأَولادِ
فَوَطِّد العَزمَ لَهُ تَوطِيدا / وَسَهِّدِ الجَفنَ لَهُ تَسهِيدا
فَسُهدَهُ لا السُهدَ في البُكاءِ / عَلى فِراقِ غادَةٍ هَيفاءِ
مِمّا حَفِظناهُ مِن الأَمثالِ / عَمّا مَضى في سالِفِ الأَجيالِ
العِلمُ لَن يُعطيَ مِنهُ قُلَّه / إِلا لِمَن يُعطيهِ مِنهُ كُلَّه
فَاِطلُبه في الحَلِّ وَفي الترحالِ / وَلا تُمِت قَلبَك بِالإِغفالِ
فَالعِلمُ كَالنَباتِ لَيسَ يَنبُتُ / نَباتُهُ في القَلبِ وَهوَ مَيِّتُ
وَاِنشَط لَهُ وَاِخلَع ثِيابَ الكاسِلِ / إِيّاكَ أَن تَرضى بِعَيشِ الجاهِلِ
فَلَيسَ غَيرَ حَسرَةٍ تَجَدَّدُ / فيهِ وَغَير أَسَفٍ لا يَنفَدُ
لا يَخدَعَنكَ جاهِلٌ مَسرورُ / كُلُّ امرئٍ بِعَيشِهِ مَغرُورُ
وَطَهِّرِ القَلبَ مِن الرَذائِلِ / قَبلَ اِكتِسابِ العِلم وَالفَضائِلِ
مِمّا رَوَيناهُ مِن الأَقوالِ / وَما غَدا في الناسِ كَالأَمثالِ
شَرُّ العِباد عالِمٌ تَهَتَّكا / وَجاهِلٌ بِالدِينِ قَد تَنَسَّكا
وَجَمِّلِ النَفسَ بِخُلقٍ طَيِّبِ / فَإِنَّما الأَخلاق خَير مَكسَبِ
عَتادُ مَن لَيسَ لَهُ عَتادُ / وَدَوحَةٌ أَثمارُها الوِدادُ
فَاِحرِص عَلَيها إِنَّها أَعوانُ / وَخَير ما يَعلو بِهِ الإِنسانُ
وَزينَةُ الإِنسانِ بِالآدابِ / وَلَيسَ بِالزِيِّ وَلا الثِيابِ
كَم مِن فَتىً راقَ العُيونَ منظَرُه / وَكذَّبَ الظاهِرَ مِنهُ مَخبَرُه
لا تَحسُد المَرءَ لأَجل فهمِهِ / وَلا تُناظِر عالماً في عِلمِهِ
تُرِيدُ أَن يَفهَمَ مَن تُجالِسُ / أَنَّكَ في ذاكَ المَجالِ فارِسُ
فَإِنَّهُ مِنكَ بِهَذا أَخبَرُ / وَإِنَّهُ أَولى بِهِ وَأَجدَرُ
وَمَن يُجادل في كَلامٍ أَهلَهُ / فَقَد أَبانَ لِلشُهودِ جَهلَهُ
وَإِنَّهُ قَد طَلَبَ المُحالا / من جَدَّ كَيما يُدرِك الكَمالا
وَاعمَل بِما عُلِّمتَه مِن علم / تَعلُ بِهِ فَوقَ مُتُونِ النَجمِ
فَالعِلمُ لَيسَ بِاطِّرادِ المَنطِقِ / وَلَيسَ بِالإِكثارِ في التَفَيهُقِ
رُبَّ امرئٍ سَباكَ بِالأَقوالِ / وَكَذَّبَ الأَقوالَ بِالأَفعالِ
فَاطَّلِب العُلومَ لِلأَعمالِ / لا لِلشَهاداتِ وَكَسبِ المالِ
لَيسَ شَهاداتِ الفَتى الأَوراقُ / لَكنَّما الشهادَةُ الأَخلاقُ
يَفرَحُ بِالأَوراقِ كُلُّ جاهِل / وَلَيسَ فيها مَأرَبٌ لِفاضِلِ
وَمَن أَرادَ أَن يَكونَ خادِما / لا مَن أَرادَ أَن يَكونَ عالِما
رُبَّ إِمامٍ مِن حِلاها عاطِلُ / وَكَم يَنالها غَبِيٌّ جاهِلُ
يَقضي الجَهُولُ لَيلَهُ إِسهادا / وَيَومَه لِنَفسِهِ إِجهادا
يَحفَظُ ما في سِفرِه لا يَفهَمُ / كَأَنَّهُ مِما طَواهُ طَلسَمُ
حَتّى إِذا ما أَخلَقَ الشَبابا / مُحتَمِلاً في شَرحِهِ العَذابا
تَسُرُّهُ شَهادَةٌ لا تَنفَعُ / فَهوَ بِها مِن المَعالي يَقنَعُ
ما أَحقَرَ الطالِبَ وَالمَطلوبا / وَأَصغَر الكاسِبَ وَالمَكسوبا
ذَلِّل قِيادَ النَفسِ لِلتَعَلُّمِ / وَاِخفِض جَناحَ الذُلِّ لِلمُعَلِّمِ
فَلا يُنالُ العِلمُ بِالتَعالي / فَالسَيل حَربٌ لِلمَكانِ العالي
وَاِعمَل بِما يَراهُ لا تُناضِلُه / وَكُن لَهُ أَرضاً يَجُدك وابِلُه
إِيّاكَ أَن تُخجِلَه إِن ضَلّا / وَاِجعَل لَهُ عُذراً إِذا ما زَلّا
فَأَيُّ عَضبٍ صارِمٍ لا يَنبُو / وَأَيُّ طِرفٍ سابِقٍ لا يَكبُو
لا تُؤذِهِ بِكَثرَةِ السُؤالِ / وَلا تُسابِقه إِلى المَقالِ
وَاِبغِ ثَراءَ العِلمِ حَيثُ كانا / فَاللَهُ لَم يَخصُص بِهِ إِنسانا
لا تَزدَهيكَ شُهرَةُ الإِنسانِ / وَلا تَقُل آخُذ عَن فُلانِ
فَكَم رَفيعِ الذِكرِ وَهوَ جاهِل / وَكَم إِمامٍ فيهِ وَهوَ خامِل

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025