المجموع : 15
يا كاسِبَ الحَمدِ إِلى حَمدِهِ
يا كاسِبَ الحَمدِ إِلى حَمدِهِ / أَدرِك حَياةَ الشعرِ مِن وَأدِهِ
يَدعُوكَ لا يَذكُرُ مِن حُرمَةٍ / غَيرَ الَّذي أَسلَفَ مِن وُدِّهِ
وَلِلمَودّاتِ عَلى أَهلِها / حَقُّ ذِمام الخُلقِ في عَقدِهِ
دارُ هَوانٍ قَد حَلَلنا بِها / كَما يَحِلُّ الصَيدُ في قدِّهِ
أَيسَرُ ما في وَصفِها أَنَّها / تَفجَع ذا الجُهدِ عَلى جُهدِهِ
إِن يطلبِ الرِفدَ بِها مُتقِنٌ / فرفته أَقرَبُ مِن رِفدِهِ
تُثِيبُ مَن يَهزِلُ فيها كَما / تَسُوءُ ذا الجِدِّ عَلى جِدِّهِ
لا يَظفَرُ المُحسِنُ فيها وَلَو / بِالخادِع المَمطولِ مِن وَعدِه
لَيسَ مِنَ الأَحياءِ مَن حَلَّها / بَل مَيِّتٌ أُخِّرَ عَن لَحدِهِ
لا مَوتَ مَهما قُلتَ في وَصفِه / يَعدِل مَوتَ اليَأسِ في بُردِهِ
دَيرٌ لِغَيرِ اللَهِ رُهبانُهُ / يَحُلُّهُ المُفرِطُ في زُهدِهِ
تَغرِسُ ما تَغرِس مِن صالِحٍ / فيها وَلا تَجني سِوى ضِدِّهِ
كَأَنَّها قَلبُ لَئيمٍ إِذا / غَرَستَ فيهِ العُرفَ لَم يُجدِشه
أَو رَملَةٌ تَشرَبُ صَوبَ الحَيا / صَفواً وَلا تَنفكُّ عَن جَحدِهِ
جَهلُ الفَتى أَفضَلُ أَرزاقِه / فِيها وَضِيقُ العَقلِ من سَعدِهِ
فَذاكَ لَو يفهَمُ أَجدى لَهُ / مِن عِلمِهِ الجَمِّ وَمِن كَدِّهِ
غَيرُ قَوانينِ بَني آدَمٍ / قانونُها في الجُورِ عَن قَصدِهِ
تَرى دِماءَ الحَقِّ مَسفوكَةً / في كُلِّ حَرفٍ خُطَّ مِن بَندِهِ
أَقَمتُ فيها كارِهاً مِثلَ مَن / أُركِبَ مِن سَيفٍ عَلى حَدِّه
حالٌ لَبِسناها عَلى رَغمنا / لُبسَ الوَليد الشَيبَ في مَهدِهِ
وَللوشاياتِ بِها دَولَةٌ / يَزيدُ فيها الشَرُّ مِن جُندِهِ
الجارُ فيها مُتَّقِ جارَه / وَالأَخُ مَطوِيٌّ عَلى حِقدِهِ
وَالمَرءُ ذو الأَخلاقِ يحيا بها / في مُكفهِرِّ الجَوِّ مُربَدِّهِ
إِلَيكَ أُزجيها عَلائِيَّةً / كَأَنَّها اللؤلُؤُ في عِقدِهِ
وحَسبُها أَن وُجِّهَت لامرِئٍ / يَنفَحُ طيبُ الودِّ مِن بُردِهِ
هَل شَفى بَعضَ الَّذي أَجِدُ
هَل شَفى بَعضَ الَّذي أَجِدُ / طارِقٌ مِن بَعدِ ما رَقَدُوا
زارَ لا يَثنيهِ مُرتَقِبٌ / لا وَلَم يَشعُر بِهِ أَحَدُ
عاطِر الأَنفاسِ يَحملُه / تَركَ الأَنفاسَ تَتَّقِدُ
لَستُ أَرضى الرُوحَ أَبذُله / أَنا إِن أَبذله مُقتَصِدُ
مِن هَدايا البُعدِ نَفحتُه / طابَ ما أَهدى لَنا البُعدُ
رُبَّ وَصلٍ يَسَّرَته نَوىً / وَسُرورٍ ساقَهُ كَمَدُ
وَرَجاءٍ لَم تَنَلهُ يَدٌ / بَذَلتهُ في الخَيالِ يَدُ
وَحَبيبٍ وَصلُه عِدَةٌ / مُنجِزٌ بِالطَيفِ ما يَعِدُ
حُلُمٌ ما اِنفَكَّ يُسعِدني / حافِلٌ بِالأُنسِ مُحتَشِدُ
ربَّ مَن فاتَت سَعادَتُهم / بالرُؤى أَو بِالمُنى سَعِدوا
كُلُّ شَيءٍ في الحَياةِ رُؤىً / رَغمَ ما في الوَهمِ يُعتَقَدُ
شاقَهُم عَهدُ الصِبا فَرَأوا / في خَيالِ الطَيفِ ما عَهِدُوا
كانَ ضوءُ الصُبح مَوعِده / وَمَضى لَيتَ الدُجى أَبدُ
لَيتَهُ لَيلٌ بِغَيرِ غَدٍ / وَأَماني العاشِقينَ غَدُ
نِعمَةٌ لِلقَلبِ خالِصَةٌ / لَم يُكدِّر صَفوَها حَسَدُ
خَفِيَت عَن أَن يُحسَّ بِها / عاذِلٌ في العَذلِ مُجتَهِدُ
زائِرٌ وافى لَهُ أَمَدٌ / هاجَ شَوقاً ما لَهُ أَمَدُ
زادَ سُقمى وَهوَ مُفتَقِدي / هَل يَزيدُ السقمَ مُفتَقِدُ
هِجتَ يا طَيفَ الخَيالِ لَنا / ذِكرَةً تَدنُو وَتَبتَعِدُ
لا تَزِد مِن لَوعَةٍ كَبِدي / وَتَرفق إِنَّها كَبِدُ
يا غُلَّةَ الصَدرِ مِن حَزِّ الجَوى زِيدي
يا غُلَّةَ الصَدرِ مِن حَزِّ الجَوى زِيدي / أَبَت شِفاءَكِ حَتّى بِالمَواعيدِ
سِحريَّةُ الفَمِ لَو مَسَّت بِقُبلَتِها / فَمَ العَيِيِّ لَحَلَّت كُلَّ مَعقودِ
تَكادُ مِن رِقَّةٍ تُغري مُقبِّلَها / أَن يَحتَسيها رَحيقاً غَيرَ مَورُودِ
قَد صاغَها اللَهُ لَمّا أَشرَكَت أُمَمٌ / بِهِ فقالَ اِشهَدوا بُرهانَ تَوحيدي
قُل لِلبَخيلَةِ جُودي لا لَقِيتِ جَوىً / إِن كانَ يَشفَعُ لي قَولي لَها جُودي
وَساعَةٍ تَحتَ أَفياءِ الهَوى سَلَفَت / يا ساعَةً تَحتَ أَفياءِ الهَوى عُودي
ما ضَرَّ لَو أَنَّها في قُبلَةٍ سَنَحت / مَنَّت بِوَعدٍ وَإِن ضَنَّت بِمَوعودِ
هَل حاذَرَت حَرَّ شَوقي حينَ أَلثمها / أَن تُذبِلَ الوَردَ أَنفاسٌ بِتَصعيدِ
رُحماكِ لِليائِسِ المَمطولِ يُقنِعُه / مِن الوُجودِ خَيالٌ غَيرُ مَوجودِ
ظَمآنُ لا رَشَفاتُ الماءِ صافِيَةً / تُروي صَداهُ وَلا بِنتُ العَناقيدِ
شِفاؤُهُ قُبلَةٌ لَو أَنّ مُحتَضَراً / داوى بِها المَوتَ رَدَّت غَيرَ مَردُودِ
فَكَم أمَثِّلُ ثَغرَ الزَهرِ مِن شَبَهٍ / بِثَغرِك العَذبِ في حُسنٍ وَتَوريدِ
عَينٌ مِن الخُلدِ مَن يَنهل بِكَوثَرِها / وِردَ الحَياةِ يَفُز مِنه بِتَخليدِ
صَوتٌ مِن القَلبِ أُمليهِ عَلى فَمِها / وَعَهدُ حُبٍّ عَلى الأَيامِ مَمدودِ
وَلِلقُلوبِ لُغاتٌ لَيسَ يُدركُها / سِوى فُؤادٍ بِنارِ الوَجد مَعمودِ
حَديثُ شَوقٍ بِلا حَرفٍ وَلا كَلِمٍ / تُفضي بِهِ شَفَتي لِلخَدِّ وَالجيدِ
مَعنىً مِن الحُبِّ يَسمُو أَن أُؤَدِّيَه / بِكُلِّ لَفظٍ مِن الأَلفاظِ مَحدودِ
اللَفظُ يَثقُل بِالتَرديدِ مَوقعه / وَتِلكَ تَحلو مَعانيها بِتَرديد
دَعِ الرَسائِلَ فيما لا تُحيطُ بِهِ / تِلكَ اللُغاتُ وَدَع صَوغَ الأَناشيد
فَلِلشِفاهِ عَلى أَمثالِها لُغَةٌ / أَحلى عَلى السَمع مِن مِزمار داود
أَدَّت عَن القَلبِ ما يَعيا اللِسانُ بِهِ / كَمَنطِق الطَيرِ غِرِّيد لِغرِّيد
كَم قُبلَةٍ لا أَرى الدُنيا لَها ثَمَناً / فَلا تَبِع غَيرَ مَعدودٍ بِمَعدودِ
إِن شاقَكَ القَصَصُ الجَديدُ
إِن شاقَكَ القَصَصُ الجَديدُ / فَأَميرُ دَولَتِهِ فَرِيدُ
أُستاذُ هَذا الفَنِّ مُب / تَكِرٌ وَكلُّهُمُ مُعِيدُ
يَمشون إِثرَ خُطاه لَو / يَقفو خُطا النَجمِ الصَعِيدُ
يَدنو لِفكرَتِهِ إِذا / ما راقَهُ المَعنى البَعيدُ
يَسمُو بِأَجواءِ الخَيا / لِ وَلَيسَ يُجهِدُه الصُعودُ
مُتَنَقِّلاً في أُفقِهِ / يَختارُ مِنهُ وَيَستَجيدُ
يَتَأَلَّفُ المَعنى إِلى / أَن يَطمَئِنَّ لَهُ الشَرِيدُ
مُتَلَطِّفاً حَتّى تَرا / هُ لِلبَراعَةِ يَستَقيدُ
وَيَصُوغُه في لَفظِهِ ال / عالي كَما تُزهى العُقُودُ
صَوغ المُقَدِّرِ لا يَقل / لُ اللَفظُ عَنهُ وَلا يَزيدُ
أَلفاظُهُ في جِيدِ مَع / ناهُ قَلائِدُ لا قُيودُ
نَثرٌ بِهِ تَذكو الطُرُو / سُ كَأَنَّهُ الزَهرُ النَضِيدُ
فَتنَت رَوائِعُه العُقو / لَ فَلَيسَ يَبلُغُهُ قَصيدُ
يَومٌ نَشَرتَ بِهِ جُحا / يَومٌ عَلى القُرّاءِ عيدُ
كُلّ يَوم تَنالُ فَخراً جَديداً
كُلّ يَوم تَنالُ فَخراً جَديداً / فَرُوَيداً إِلى المَعالي صُعُودا
ما الَّذي تَبتَغي وَأَيسَرُ ما نِل / تَ مِن المَجدِ أَن بَلَغتَ الخُلودا
لَم تَدَع في مَصاعِدِ المَجد مَرقىً / فَاِبتَدع فيهِ إِن أَرَدتَ مَزِيدا
أَيُّها الشعرُ قِف بِبابِ العَميدِ
أَيُّها الشعرُ قِف بِبابِ العَميدِ / حَيِّ عَنّي الصَديقَ عَبد الحَميدِ
حَيِّ نَفساً كَالزَهرِ طِيباً وَطُهراً / زَفَّها الرَوحُ مِن رِياضِ الخُلودِ
وَفُؤاداً أَصفى مِن الماءِ وِرداً / لَم يَحُل عَن وَفائِهِ المَعهُودِ
تَتَبارى الآمالُ فيهِ سُموّا / كَالدَراري تَنافَسَت في الصُعودِ
وَتَساوَت كُلُّ الأَحباءِ فيهِ / كَالمُصَلِينَ كُلُّهُم في صَعِيدِ
فَجَديدٌ في الرَوضِ مِثلُ قَديمٍ / وَقَديمٌ في الحُبِّ مِثلُ جَديدِ
حَيِّ كَنزاً مِن الحِلى تَرجَح الدُر / رَةُ مِنهُ بِكُلِّ ما في الوُجودِ
وَأَمانِيَّ لَم يَنَلها حِباءً / وَعُلاً بِالجُهودِ لا بِالجُدودِ
أَنتَ لِلثَغرِ قُبلَةٌ تُطفِئُ الوَج / دَ بِقَلبِ المُتَيّمِ المَعمُودِ
بَسَمَ الثَغرُ إِذ وَرَدتَ عَلَيهِ / طِبتَ مِن وَارِدٍ وَمِن مَورُودِ
لَستُ أَغلُو إِن قُلتُ قَد زادَ مَجدا
لَستُ أَغلُو إِن قُلتُ قَد زادَ مَجدا / كُلُّ مجدٍ إِلى الجُمَيِّلِ يُهدى
إِيهِ يا مُسدِياً إِلى الشَمسِ نُوراً / في ضُحاها ماذا إِلى الشَمسِ يُسدى
أَيُّها العَبقَريُّ أُفقُك أَعلى / رُم كَما شئتَ بِالمَواهِبِ مَجدا
كُلُّ مَجدٍ لَهُ مَدى غَيرَ مَجدِ العَب / قَريِّينَ جلَّ عَن أَن يُحَدّا
يا لِصَدرٍ رَحبٍ تَجمَّع فيه / كُلُّ مَعنىً مِن السُموِّ اِستمدّا
شَعَّ مِنهُ نُورُ المَواهبِ حَتّى / راحَ نُورُ الوسامِ يَبذُل جُهدا
فيهِ قَد جاوَرَ الوسامُ وساماً / بَذَّهُ في العُلا سَموّاً وَخُلدا
أَسرفتَ في سحرِكَ الأَلبابَ فَاِقتَصِدِ
أَسرفتَ في سحرِكَ الأَلبابَ فَاِقتَصِدِ / وَجُزتَ في السَبق ما أَمَّلتَ فَاتَّئِدِ
يا ناثِرَ الزَهرِ غَضّاً في صَحائِفه / أَرِيجُهُ لَم يَدَع في الشَرق مِن بَلَدِ
نَثرٌ تَرَكتَ بِهِ الأَشعارَ حاسِدَةً / فَكانَ تَقطيعُها مِن شِدَّةِ الحَسَدِ
مَعنىً مِن الرُوحِ توحيهِ قَريحتُه / يُزهى بِلَفظٍ قَويِّ النَسجِ مُطَّرِدِ
بِالأَمسِ قَلَّدتَ صَبري مِنهُ لُؤلُؤَةً / كانَت حَياةً لَهُ تَبقى عَلى الأَبَدِ
رَوائِع السحر فيها مَحفِلٌ حَشِدٌ / وَقَفتَ تُرسلُها في مَحفِلٍ حَشِدِ
وَاليَومَ تُهدِي إِلى شَوقي بِجَنَّتِهِ / لَحناً لأَطيارِها في صَوتِها الغَرِدِ
وَشَّيتَ أَشعارَهُ بِالنَثر تُبدِعُهُ / كَما تُوَشّى زُهُورُ الرَوضِ بِالبَرَدِ
جَلَوتَه صُورةً أَغنَت بِدِقَّتِها / عَن التَماثيلِ شادُوها عَلى عَمَدِ
تاللَهِ لَو أَنَّهُ أَهدى قَرِيحَتَه / إِلَيكَ في الشُكرِ ما وَفّى جَميلَ يَدِ
أَنَظَمتَ أَيّامَ الشَبابِ قَصائِداً
أَنَظَمتَ أَيّامَ الشَبابِ قَصائِداً / أَم صُغتَ أَوقاتَ الوِصالِ فَرائِدا
أَم تِلكَ أَفوافُ الرَبيعِ نَسَجتها / لَفظاً يَضُوعُ شَذىً وَمَعنىً شارِدا
أَم ذاكَ قَلبُكَ طامِحاً أَودَعتهُ / في شِعركَ العالي مُنىً وَمَقاصِدا
بَل ذاكَ نَبعٌ بِالعَواطِفِ زاخِرٌ / يُزهى بِصَفحَتِه وَيُغري الوارِدا
في كلِّ بَيتٍ مِن قَصائِدِهِ أَرى / نَفساً مُوَلَّهةً وَطَرفاً ساهِدا
وَبِكُلِّ لَفظٍ قِطعَةٌ مِن نَفسِهِ / بَثَّت غَراماً طارِفاً أَو تالِدا
فَكَأَنَّ أَفئِدَةَ الشَبابِ جَمَعتَها / فيما تَجيشُ بِهِ فُؤاداً واحِدا
كاتِبٌ كُلُّهُ وَفاءٌ وَوُدُّ
كاتِبٌ كُلُّهُ وَفاءٌ وَوُدُّ / مَلَكٌ في مَظاهِر الإِنس يَبدُو
ما لَهُ في الثَباتِ قَبلٌ فَننميه / إِلَيهِ وَما لَهُ فيهِ بَعدُ
لَو تَزولُ الجِبالُ مازالَ عَمّا / يَرتَئي لَم يَرُعه في الرَأيِ نَقدُ
وَلَو اِختارَ غَيرَهُ لَمَشَت في / إِثرِهِ مِن مَواكِبِ العِزِّ جُندُ
غَيرَ أَنَّ الفَتى رَأى العزَّ في الرَأ / يِ فَأَمسى في مَوكِبٍ وَهوَ فَردُ
قَد تَلَقَّيتُ مِن هَداياكَ سِفراً / فيهِ عَقلٌ فَوقَ العُقولِ وَجُهدُ
وَبَيانٌ تُزهى بِهِ لُغةُ الضا / دِ وَسحرٌ مِن بابِلٍ مُستَمدُّ
هاتِ عَن مُصطَفى أَحاديثَ تُذكي / هِمَماً لِلشَبابِ إِن جَدَّ جِدُّ
ذَكِّرِ القَومَ ما نَسُوا مِن زَعيمٍ / كُلُّ غَرسٍ إِلى يَدَيهِ يُرَدُّ
وَيحَ شَعبِ البِلادِ إِن نَسِيَ العَه / دَ فَما بَعدَ ذاكَ لِلشَعبِ عَهدُ
لَيسَ يُجدي التِمثالُ في الخُلدِ إِن لَم / يَكُ لِلعَبقَرِيِّ في الشَعبِ خُلدُ
إِلى الصَديقِ المُفَدّى
إِلى الصَديقِ المُفَدّى / أَهدَيتُ وُدِّيَ عِقدَا
أَهديتُ سِفراً يَبُذ / ذُ الأَسفارَ هَزلاً وَجِدّا
وَما لَهُ مِن شَبيهٍ / في الكُتبِ جَمعاً وَحَشدا
لراشِدٍ وَغَوِيٍّ / يُجيدُ غَيّا وَرُشدا
وَللمُؤَّرخِ فيهِ / ما شاءَ لِلعُربِ سَردا
مَفاخرُ القَومِ فيه / تُعيِ المُسَطرَ عَدّا
فيهِ البَيانُ المُصَفّى / أَشهى وَأَعذَبُ وِردا
وَكَم لَقِينا إِلى أَن / صَحَّت مَعانيهِ جَهدا
يا رُبَّ لَفظٍ قَضَينا / فيهِ اللَيالي سُهدا
وَرُبَّ بَيتٍ حَشَدنا / لَهُ مِن الصَبرِ جُندا
حَتّى اِستَقامَ وَأَعطى / مِن صابه المُرّ شَهدا
واسمٍ خَفِيّ أَطَلنا / عَلَيهِ في الكُتبِ كَدّا
إِلَيكَ أُهدِيهِ حُبّاً / وَأَنتَ بِالرُوحِ تُهدَى
لأَنَّ فَنَّكَ فَردٌ / بَعَثثُ في الكُتبِ فَردا
لَو ناظِمُ العِقدِ يَوماً / رَآكَ أَصفاكَ وُدّا
وَقالَ يا قَومُ حَسبي / بِنَثر أَنطُونَ عِقدا
قالوا أَبَعدَ زَمانِ الوِردِ وُرّادُ
قالوا أَبَعدَ زَمانِ الوِردِ وُرّادُ / فَقُلتُ هَل لِرِثاءِ الفَضلِ مِيعادُ
لا الأَربَعُونَ وَلا الخَمسونَ مَوعِدُه / في كُلِّ عَصر عَلَيهِ الحُزنُ يَزدادُ
مَن أَنفَق العُمرَ في الإِصلاحِ نَظلِمُه / إِن كانَ يُحصى عَلَيهِ الحُزن تَعدادُ
كُلُّ اللَيالي قُلوبٌ في المُصابِ بِه / وَالدَهرُ في الرُزءِ أَجفانٌ وَأَكبادُ
تَمرُّ ذِكراهُ في الأَيّام باكِيَةً / فَكُلُّ يَومٍ لَهُ بِالحُزنِ تَردادُ
فَلا تَحدُّوا مَدى تَأبينِه وَصِلُوا / ذِكراهُ لا تَدَعوا النِسيانَ يَعتادُ
حَياتُهُ لِحَياةِ الجِيلِ وَاصِلَةٌ / ذِكرى النَوابغِ بَعدَ المَوتِ مِيلادُ
ما خَصَّ رُزؤُكَ يا جِبريلُ مِصرَ وَلا / لُبنانَ بَل فُجِعَت في مَجدِها الضادُ
وَلا المُروءةُ وَالمَعروفُ وَحدَهُما / غاضا بَل الخُلق المَوموقُ وَالعادُ
وَلَم يَرُع خَطبُكَ الأَحبابَ وَحدَهُمُ / بَل ريعَ بِالخَطبِ أَحبابٌ وَحُسّادُ
حُسّادُ مَجدِكَ لا أَضدادَ أَعرِفُهُم / فَلَيسَ لِلجُهدِ وَالإِخلاصِ أَضدادُ
أَوحيتَ جبريلُ لِلأَقلامِ نَهضَتَها / مَن يَجحَدِ الجُهدَ فَالأَعمالُ أَشهادُ
تجري عَلى اسمِكَ بِالأَهرامِ مُطلَقَةً / لَها بِذكرِكَ إِصدارٌ وَإيرادُ
تَفَنَّنت مَلَكات الكاتِبينَ بِها / فَساسَةٌ وَذَوُو فَنٍّ وَنُقّادُ
وَمُصلِحُونَ رَأَوا مِن دُونِ غايَتِهم / هَولَ الجِهادِ فَما كَلُّوا وَما حادوا
وَمُنبِئُونَ سَمَوا بِالصِّدقِ ما نَقَصوا / عَمّا رَوَوا وَرَأوا شَيئاً وَلا زادوا
لَم يُعيِهم نَبَأٌ حَتّى كَأَنَّهُمُ / جِنٌّ لَهُم بِنَواحي الأَرضِ أَرصادُ
وَالشِّعرُ في أَيكِها الفَينانِ مُنطَلِقٌ / لَهُ بِأَفنانِها لَحنٌ وَإِنشادُ
لِلخُلقِ وَالعَقلِ نُورٌ في صَحائِفها / فَما يَحُومُ بِها غِلٌّ وَأَحقادُ
مِصريَّةٌ لِبَني مِصرٍ يُسَدِّدُها / إِلى السَدادِ حَكيمُ الرَأي مُرتادُ
صارَت حَذامِ لِصُحفِ الشَرقِ ما نَطَقَت / إِلّا وَمِن نُطقِها لِلصُحفِ إِمدادُ
تَبدو مَع الشَمسِ في كِلتَيهما أَمَلٌ / لِلشَرقِ نُورٌ وَإِحياءٌ وَإِسعادُ
أَبقَيت ذِكراكَ يا جِبريلُ ما بَقِيَت / تزري فَخاراً وَنَفعاً بِالَّذي شادُوا
لا عُذرَ لِلقَلبِ إِن لَم يَنفَطِر كَمَدا
لا عُذرَ لِلقَلبِ إِن لَم يَنفَطِر كَمَدا / وَلا الجُفونِ إِذ ما سَيلُها جَمَدا
وَلا أَرى الصَبرَ في مَنعاكَ مَحمَدةً / ذَمَّ الوَفاءُ عَلَيكَ الصَبرَ وَالجَلَدا
بَقِيَّةٌ مِن دُموعي كُنتُ أذخَرُها / حَتّى دَهاني ما يَستَنزِفُ الكَبِدا
يا جَفنُ لا تَدّخِر دَمعاً تُريقُ غَداً / وَيا حُشاشَةُ ذوبي قَد أَمِنتُ غَدا
حُزني وَحُزن صَدِيقي فيكَ مُختَلِفٌ / إِن صاح يا وَاحِدي نادَيتُ وا عَدَدا
فَجائِعُ الدَهرِ تُنسَى غَيرَ فاجِعَةٍ / بِمَن وَفى لَكَ فيما قالَ وَاِعتَقَدا
ما العَيشُ مِن بَعد مَن تَهوى سِوى غُصَصٍ / تشجى بِها النَفسُ حَتّى تَبلغَ الأَمَدا
وَيحَ الليالي أَما تَرثي لأربَعَةٍ / مِن البَناتِ فَقَدنَ الركنَ والسنَدا
شَقَقن فيهِ حِجابَ القَلبِ مِن جَزَعٍ / وَما مَدَدنَ إِلى شَقِّ الحِجابِ يَدا
فَإِن تَمَيَّزنَ في أَعمارِهنَّ فَلَم / يُميِّزِ الخَطبُ في حُزنٍ عَلَيهِ بَدا
وَإِنَّ غايَةَ ما يَملِكنَ في جَلَلٍ / دُموعُهنَّ إِذا لَم يَستَطِعنَ فِدا
دُنيا مِن الفَضلِ يَطوي التُربُ نَضرَتَها / ما غَيَّبُوا في الثَرى إِذ غَيَّبُوا جَسَدا
نُحِسُّ أَنَّ الثَرى مِن خَمرِها ثَمِلٌ / وَيوشِكُ الصَخرُ مِنها أَن يَسيل نَدا
حَوى الثَرى مِنهُ أَخلاقاً لَو انَّ بِها / خُلودَ حَيٍّ عَلى طُولِ المَدى خَلَدا
صَدِيقُهُ الصِدقُ مَهما يُؤذَ قائِلُه / لَو أَنَّه الجَمر له يَرهَبه مُتَّقِدا
وَالصِدقُ إِن يَجِن ذَنباً غَيرُ مُتهَمٍ / وَالمَينُ مُتَّهَمٌ بِالذَنبِ لَو عُبِدا
عافَ التِجارَةَ في سُوقِ الرِياءِ إِذا / كانَ الرِياءُ لما يَرجُوهُ مُعتَمَدا
لَولا الرِياءُ يَمُتُّ الجاهِلونَ بِهِ / ما سادَ في الناسِ ذُو جَهلٍ وَلا مَجدا
هَيهاتَ مِنّا لَدى قَيسُونَ مَجلِسُنا / مَضى الصَفاءُ وَحَلَّ الدَهرُ ما عَقَدا
عَهدٌ قَضَيناه مَن يَشهَد لَيالِيَهُ / كَأَنَّما شَهِدَ الدُنيا بِما شَهِدا
يَرى القَبائِلَ مِن قَحطانَ ماثِلَةً / وَإِن تَيَقَّنَ أَن العَهدَ قَد بَعُدا
مُخَضرَمُونَ وَإِسلاميَّةٌ جُمِعا / في واحِدٍ جامِعٍ في الفَضلِ ما شَرَدا
إِلى جُهَينَةَ يُنمى في ذَوائِبِها / وَالفَرعُ في دَأبِهِ مِن حَيثُ ما وُلِدا
وَاِستَعجَم الشِعرُ في مِصرٍ فَقَوَّمهُ / وَردَّهُ عَرَبِيّاً لُحمَةً وَسدى
بِمُحكَماتٍ كَساها الحَضرُ رِقَّتَه / وَالبَدوُ لَفظاً قَويَّ النَسجِ مُطّرِدا
شعرٌ يَلذُّ عَلى الأَسماعِ موقِعهُ / كَأَنّ في كُلِّ بَيتٍ طائِراً غَرِدا
يُجيدُ ما شاءَ فيهِ غَيرَ مُفتَتِنٍ / وَإِن يُجِد غَيرُه لَم يَحمِلِ الحَسَدا
وَقُوَّةُ النَفسِ حِصنٌ مِن نقائِصِها / تَذودُ عَنها مِن الأَخلاقِ ما فَسَدا
كَم ذادَ عَن حَوزَةِ الفُصحى دُعاةَ هَوىً / تَكادُ فِتنَتُهم تُودي بِها بَدَدا
جيشٌ تَجمَّع يَبغي الهَدمَ مُعتَزِماً / فَإِن طَلَبتَ بِناء لَم تَجد أَحَدا
مِن كُلِّ أَلكَنَ مَعقُودِ اللِسانِ رَأى / أَن يَستُرَ الجَهلَ بِالإِزراءِ فَاِنتَقَدا
يَهيمُ بِالغَربِ لَم يَقرَأ لَهُ أَدَباً / وَيَجحَد العُربَ لا يَدري الَّذي جَحَدا
وَكُلُّ ما عِندَهُ كُتبٌ يُعَدِّدُها / لَم يَدرِ مِمّا حَوَت غَيّاً وَلا رشَدا
وَقِصَّةٌ لَم يَزِد عَن عِلمِ أَوَّلها / وَطارَ يَملأُ إِعجاباً بِها البَلَدا
مقلِّدون سَرَوا في لَيلِ جَهلِهُمُ / تَهوِي الفَيافي بِهم سَعياً لِغَير مَدى
وَمَن أَضاعَ تُراثاً مِن أُبوَّتِهِ / لَم يَستَفِد مِن سِواهُم قَدرَ ما فَقَدا
إِنَّ المُقَلِّد لا يَنفَكُّ مُنتَقِلاً / يَهوى ويُبغِضُ لا يُبقي هَوىً أَبَدا
يَصبُو لِلَيلى زَماناً ثُم يَهجُرُها / قِلىً وَيَصبُو إِلى أُخرى إِذا وَجَدا
حَظُّ الجَديد لَدَيهِ حَظُّ تالِدِه / مَن لا يَفي لِقَديمٍ ضَيَّعَ الجُدُدا
ما يَنفَعُ الناس يَبقى رَغمَ ما حَشَدوا / لِحَربِه وَاللَيالي تُذهِبُ الزَبَدا
ما أَعدَلَ الدَهرَ في هَذا وَأَظلَمَهُ / في حُكمِه أَمسِ أَفنى العدَّ وَالعَدَدا
مَضى الَّذي كانَ جَيشاً في عَزيمَتِه / كَالسَيلِ مُندَفِعاً وَالسَيفِ مُنجَرِدا
رَأى اِرتِداداً عَن الفُصحى وَسُخرِيةً / بِها فَشَمَّرَ كَالصدِّيقِ مُنفَرِدا
وَقامَ لَم يثنِهِ عَمّا يَهُمُّ بِه / في اللَهِ أَلا يَرى مِن قَومِهِ عَضُدا
وَشَدَّ شِدَّةَ جَبّارينَ صادِقَةً / فَمَزَّقَت مِن جُموعِ الزُورِ ما حَشَدا
وَأَوتَرَ القَوسَ يَرمى صَدر باطِلِهم / بِنافِذاتٍ أَصابَت لُبَّ مَن قَصَدا
وَحُجةٍ خَرِسَت مِنها شَقاشِقُهُ / لَولا العِنادُ لما تَأتى بِهِ سَجَدا
وَمَن حَمى لُغَةَ الأَسلافِ مِن عَبَثٍ / وَذادَ عَنها حَمى دِيناً وَمُعتَقَدا
إِيّاكَ أَن تَغدرَ بِالمِيعادِ
إِيّاكَ أَن تَغدرَ بِالمِيعادِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الأَوغادِ
وَاِحرِص عَلى الوَفاءِ في المَواعِدِ / مَهما تُقاسِ فيهِ مِن شَدائِدِ
وَاِصبر وَلا يَثنِكَ عَنهُ ثانِ / فَإِنَّهُ مِن كرم الإِنسانِ
إِنَّ الوَفاءَ سَيِّدُ الأَخلاقِ / تَعلُو بِهِ لَو كُنتَ في أَخلاقِ
فَلَيسَ بِالمالِ بُلوغُ مَجد / مَجدُ الفَتى وَفاؤُهُ بِالوَعدِ
قَد قالَ أَهلُ العِلمِ فيما أُرسِلا / كادَ الوَفِيُّ أَن يَكونَ مُرسَلا
وَإِنَّني لَم أَرَ كَالوَفاءِ / أَدعى إِلى الإِخلاصِ في الإِخاءِ
وَلَيسَ مِن شَيءٍ سِوى الإِخلافِ / أَدعى إِلى تَقاطُعِ الآلافِ
لا تَعتَذِر في الخُلفِ بِالمَوانِعِ / فَإِنَّهُ مِن سَيِّئِ الطَبائِعِ
مَن أَكثَر الأَعذارَ فيما يَفعَلُ / فَعَن قَليلٍ عُذرُهُ لا يُقبَلُ
إِيّاكَ وَالإِكثارَ في الأَعذارِ / وَفِعلَ ما يُلجِئُ لاعتِذارِ
حَذارِ أَن تَقُولَ لا بَعد نَعَم / وَاِبدأَ بِلا أَفعَلُ إِن خِفتَ النَّدم
وَفِّ إِذا ما قُلتَ إِنِّي أَفعَلُ / فَإِنّ لا بَعد نَعَم لا تَجملُ
وَلا تَقُل في قَولِ لا نَيلُ العُلا / إِنّ العُلا قَولُ نَعَم مِن بَعدِ لا
إِيّاكَ أَن تَنسى وُعودَ الأَمسِ / فَالحُرُّ لا يَعتادُهُ ما يُنسي
الحُرُّ وَعدُه عَلَيهِ دَينُ / يَذكُرُهُ حَتّى يَحينُ الحَينُ
إِيّاكَ أَن تُوصَفَ بِالمِطالِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ البُخّالِ
وَاِحرِص عَلى الإِنجازِ في المَواعِد / فَآفَةُ الوُعودِ مَطلُ الواعِدِ
من أَكثَر المَطلَ بِغَيرِ مانِعِ / فَصدقه في الوَعدِ غَيرُ نافِعِ
وَإِن يُعاهِدكَ أَمرُؤٌ حَلّافُ / فَلا تُطِعهُ إِنَّهُ خَلّافُ
فَلا أَزالُ أُكبِرُ الإِنسانا / حَتّى أَراهُ يكثر الأَيمانا
إِيّاكَ وَاللَجاجَ في اليَمِينِ / فَإِنَّ هَذا رِقَةٌ في الدِينِ
وَلا أَرى اللَجاجَ فيهِ إِلّا / شِعارَ مَن هانَ وَرامَ الذُلّا
إِن مِن الوَفاءِ مَنع الجارِ / مِن الأَذى لِحُرمَةِ الجوارِ
إِن كُنتَ مَوفُورَ الغِنى وَالمالِ / فَلا تَدَع جارَكَ لِلسُؤالِ
وَسِّع عَلَيهِ إِن يَكُن فَقَيرا / وَلا تَرُم حَمداً وَلا شُكورا
أَغدِق عَلَيهِ وابِل المَعرُوفِ / وَكُن لَهُ جاراً مِن الصُرُوفِ
آثِره بِالخَيرِ وَبِالنَعماءِ / عَلَيكَ لَو تَحسُو قَراحَ الماءِ
فَإِنَّ مِمّا يَرفَعُ الإِنسانا / في قَومِهِ أَن يُؤثرَ الجِيرانا
وَلا تَمُدَّ لَحظَكَ المُرِيبا / لِعِرسِهِ تَبغي بِها تَشبِيبا
إِيّاكَ أَن تُرسلَ تِلكَ النَظرَه / فَرُبَّما جَرَّت عَلَيكَ حَسرَه
وَرُبَّما عادَ عَلَيكَ سَهمُها / وأَثقَلَ الكاهِلَ مِنكَ إِثمُها
ولا تَصِلهُ تبتَغي بوَصلِه / في البَيت أَن تُؤذِيَه في أَهلِه
فَإِنّ هَذا غايَةُ التَنزُّلِ / وَآيَةُ الخِسَّةِ وَالتَسَفُّلِ
زُرهُ فَإِنّ الوُدَّ في التَزاوُرِ / لَكن نَماءُ البُغض في التَهاجُرِ
فَإِن نَأَى عَن بَيتِهِ وَغابا / فَأَقلِل المَجيءَ وَالذَهابا
خَشيَةَ أَن تَحُفَّك الظُنونُ / وَأَن يُقالَ إِنَّهُ خَئُونُ
إِيّاكَ أَن تَخُونَهُ في غَيبَتِه / يَجزِيكَ بِالشُكرانِ حينَ أَوبتِه
مَن لَم يَصُن ما عَهِدَ الإِلَهُ / فَلَيسَ مَأموناً عَلى سِواهُ
لا تَلهُ بِالمالِ وَبِالأَولادِ
لا تَلهُ بِالمالِ وَبِالأَولادِ / عَن طَلَبِ العِلم وَالاستِرشادِ
فَإِنَّهُ ذَخائِرُ الإِملاقِ / وَثَروَةٌ تَزكُو عَلى الإِنفاقِ
وَعُدَّةٌ مِن غِيَر اللَيالي / وَخَيرُ ما ثَمَّرتَه مِن مالِ
ذَخيرَةُ المَعاشِ وَالمَعادِ / وَكُلُّ ما تَراهُ لِلنَّفادِ
تَحرُسُ ما تَجمَعهُ مِن وَفرِ / وَالعِلمُ حارِسٌ بِغَيرِ أَجرِ
مِن خِسَّةِ المالِ وَنَقص فَضلِه / أَن قَد تَراهُ عِندَ غَيرِ أَهلِه
وَإِنَّما فَخرُ الفَتى بِالعلمِ / لا فَخرُهُ بِدَولَةٍ وَحُكمِ
إِن العُلومَ تَرفَعُ المَملُوكا / حَتّى تَراهُ يَفضُلُ المُلوكا
كَم مِن فَتىً قَد حَطَّ مِنهُ نَسَبُه / أَعلَى ذُراهُ عِلمُهُ وَأَدَبُه
وَالمَرءُ إِن يُعلِ ذُراهُ علمُه / فَلا يضرُّ عُدمُه وَيُتمُه
وَلَيسَ يُرفَعُ الفَتى بِأَهلِهِ / وَمالِهِ إِن يَتَّضِع بِجَهلِهِ
فَاِطَّلِبِ العِلمَ وَلَو بِالصِينِ / لا تَلهُ عَن طِلابه بِالدُونِ
وَاِقطَع لَهُ مَجاهِلَ القِفارِ / وَخُض إِلَيهِ لُجَجَ البِحارِ
وَاِسلُك إِلَيهِ السَهل وَالأَوعارا / وَاِهجُر لَهُ الأَوطانَ وَالدِيارا
لا تُطِل الشَوقَ إِلى الأَوطانِ / فَإِنَّها مَقبَرَةُ الأَذهانِ
إِنّ الجَهُولَ نازِحُ البِلادِ / لَو كانَ بَينَ الأَهلِ وَالأَولادِ
فَوَطِّد العَزمَ لَهُ تَوطِيدا / وَسَهِّدِ الجَفنَ لَهُ تَسهِيدا
فَسُهدَهُ لا السُهدَ في البُكاءِ / عَلى فِراقِ غادَةٍ هَيفاءِ
مِمّا حَفِظناهُ مِن الأَمثالِ / عَمّا مَضى في سالِفِ الأَجيالِ
العِلمُ لَن يُعطيَ مِنهُ قُلَّه / إِلا لِمَن يُعطيهِ مِنهُ كُلَّه
فَاِطلُبه في الحَلِّ وَفي الترحالِ / وَلا تُمِت قَلبَك بِالإِغفالِ
فَالعِلمُ كَالنَباتِ لَيسَ يَنبُتُ / نَباتُهُ في القَلبِ وَهوَ مَيِّتُ
وَاِنشَط لَهُ وَاِخلَع ثِيابَ الكاسِلِ / إِيّاكَ أَن تَرضى بِعَيشِ الجاهِلِ
فَلَيسَ غَيرَ حَسرَةٍ تَجَدَّدُ / فيهِ وَغَير أَسَفٍ لا يَنفَدُ
لا يَخدَعَنكَ جاهِلٌ مَسرورُ / كُلُّ امرئٍ بِعَيشِهِ مَغرُورُ
وَطَهِّرِ القَلبَ مِن الرَذائِلِ / قَبلَ اِكتِسابِ العِلم وَالفَضائِلِ
مِمّا رَوَيناهُ مِن الأَقوالِ / وَما غَدا في الناسِ كَالأَمثالِ
شَرُّ العِباد عالِمٌ تَهَتَّكا / وَجاهِلٌ بِالدِينِ قَد تَنَسَّكا
وَجَمِّلِ النَفسَ بِخُلقٍ طَيِّبِ / فَإِنَّما الأَخلاق خَير مَكسَبِ
عَتادُ مَن لَيسَ لَهُ عَتادُ / وَدَوحَةٌ أَثمارُها الوِدادُ
فَاِحرِص عَلَيها إِنَّها أَعوانُ / وَخَير ما يَعلو بِهِ الإِنسانُ
وَزينَةُ الإِنسانِ بِالآدابِ / وَلَيسَ بِالزِيِّ وَلا الثِيابِ
كَم مِن فَتىً راقَ العُيونَ منظَرُه / وَكذَّبَ الظاهِرَ مِنهُ مَخبَرُه
لا تَحسُد المَرءَ لأَجل فهمِهِ / وَلا تُناظِر عالماً في عِلمِهِ
تُرِيدُ أَن يَفهَمَ مَن تُجالِسُ / أَنَّكَ في ذاكَ المَجالِ فارِسُ
فَإِنَّهُ مِنكَ بِهَذا أَخبَرُ / وَإِنَّهُ أَولى بِهِ وَأَجدَرُ
وَمَن يُجادل في كَلامٍ أَهلَهُ / فَقَد أَبانَ لِلشُهودِ جَهلَهُ
وَإِنَّهُ قَد طَلَبَ المُحالا / من جَدَّ كَيما يُدرِك الكَمالا
وَاعمَل بِما عُلِّمتَه مِن علم / تَعلُ بِهِ فَوقَ مُتُونِ النَجمِ
فَالعِلمُ لَيسَ بِاطِّرادِ المَنطِقِ / وَلَيسَ بِالإِكثارِ في التَفَيهُقِ
رُبَّ امرئٍ سَباكَ بِالأَقوالِ / وَكَذَّبَ الأَقوالَ بِالأَفعالِ
فَاطَّلِب العُلومَ لِلأَعمالِ / لا لِلشَهاداتِ وَكَسبِ المالِ
لَيسَ شَهاداتِ الفَتى الأَوراقُ / لَكنَّما الشهادَةُ الأَخلاقُ
يَفرَحُ بِالأَوراقِ كُلُّ جاهِل / وَلَيسَ فيها مَأرَبٌ لِفاضِلِ
وَمَن أَرادَ أَن يَكونَ خادِما / لا مَن أَرادَ أَن يَكونَ عالِما
رُبَّ إِمامٍ مِن حِلاها عاطِلُ / وَكَم يَنالها غَبِيٌّ جاهِلُ
يَقضي الجَهُولُ لَيلَهُ إِسهادا / وَيَومَه لِنَفسِهِ إِجهادا
يَحفَظُ ما في سِفرِه لا يَفهَمُ / كَأَنَّهُ مِما طَواهُ طَلسَمُ
حَتّى إِذا ما أَخلَقَ الشَبابا / مُحتَمِلاً في شَرحِهِ العَذابا
تَسُرُّهُ شَهادَةٌ لا تَنفَعُ / فَهوَ بِها مِن المَعالي يَقنَعُ
ما أَحقَرَ الطالِبَ وَالمَطلوبا / وَأَصغَر الكاسِبَ وَالمَكسوبا
ذَلِّل قِيادَ النَفسِ لِلتَعَلُّمِ / وَاِخفِض جَناحَ الذُلِّ لِلمُعَلِّمِ
فَلا يُنالُ العِلمُ بِالتَعالي / فَالسَيل حَربٌ لِلمَكانِ العالي
وَاِعمَل بِما يَراهُ لا تُناضِلُه / وَكُن لَهُ أَرضاً يَجُدك وابِلُه
إِيّاكَ أَن تُخجِلَه إِن ضَلّا / وَاِجعَل لَهُ عُذراً إِذا ما زَلّا
فَأَيُّ عَضبٍ صارِمٍ لا يَنبُو / وَأَيُّ طِرفٍ سابِقٍ لا يَكبُو
لا تُؤذِهِ بِكَثرَةِ السُؤالِ / وَلا تُسابِقه إِلى المَقالِ
وَاِبغِ ثَراءَ العِلمِ حَيثُ كانا / فَاللَهُ لَم يَخصُص بِهِ إِنسانا
لا تَزدَهيكَ شُهرَةُ الإِنسانِ / وَلا تَقُل آخُذ عَن فُلانِ
فَكَم رَفيعِ الذِكرِ وَهوَ جاهِل / وَكَم إِمامٍ فيهِ وَهوَ خامِل