المجموع : 5
قل لنجلا نجلا أبي اللمع إني
قل لنجلا نجلا أبي اللمع إني / عاشقٌ نور فجرها الوضاح
هو للعلم خير فجر تجلَى / مستنيراً بأشهرِ الأوضاع
وسرير الأقلام في الطرس منه / كصياح الديوك في الأصباح
كم تصفّحت فيه من صفحات / عطّرتني بنشرها الفياح
فكأني في النفس والطرس منها / ناظر في بنفسج وأقاحي
ثم إني قرأت فيه لأسما / كلمات بديعة الأفصاح
أيقظتنا بها إلى أن في النو / م ارتياحاً لنا وأيّ ارتياح
صدقتْ في الذي تقول ففحَوى / قولها في غِنىّ عن الإيضاح
حبّذا النوم فهو للروُح رَوْحٌ / من عناء الهموم والأتراح
وهو تجديد قوةٍ ونشاطٍ / لجسوم روازح أطلاح
حبّذا النوم ترتقي النفس فيه / عالماً فوق عالم الأشباح
تلفون به إلى الغيب نُصغي / وتلسكوبنا إلى الأرواح
حبذا النوم إنه شَركٌ يمتد / في الجسم لاصطياد ارتياح
فهو للنفس من مراقي المعالي / وهو للجسم من دواعي الصلاح
حبّذا النوم فهو كالزيت للروّ / ح به تستضيء كالمصباح
وهو معِراجنا إلى أفْق غيبٍ / لن تناهي أبعاده والنواحي
حبّذا النوم وأصلاً بين حيٍّ / ذي ثواءٍ ومّيت ذي براح
حبذا النوم جامعاً بين معشو / ق مقيم وعاشق ذي انتزاح
إن للنوم لذةً هي في الأنفس / أشهى من لذّة الأفراح
أدركتها النفوس بالفعل واستغ / نت بإدراكها عن الإيضاح
أيها القوم إن للنوم سلطا / ناً قوياً لا يُتّقى بسلاح
نافذَ الحكم والقضاء على الإنسا / ن في خزنه وفي الأفراح
وعلى الأسد وهي في الغاب تدأى / وعلى الطير وهي في الأدواح
هي عيني ودمعها نضّاح
هي عيني ودمعها نضّاح / كل حزن لمائها يمتاح
كيف لا أذرف الدموع وعزّي / بيد الذّل هالك مجتاح
قد رمتني يد الزمان بخطبٍ / جللٍ ما لليله أصباح
حيث غمّت عليّ وجهَ سمائي / ظلمات تخفى بها الأشباح
وتواري عن أعيني مضمحلاً / شرف في مواطني وضّاح
يوم أمست لا حماة تذود الضي / م عنّي ولا ظبى ورماح
فأنا اليوم كالسفينة تجري / لا شراع لها ولا ملاح
ضقت ذرعاً بمحنتي فتراءت / قيد شِبر لي الفجاج الفساح
أخرس الحزن منطقي بنحيبٍ / ألسن الدمع فيه ذلق فصاح
انحت حتى رثى العدو لحالي / واعتراني من العويل بحاح
فمياهي هي انسكاب دموعي / وخريري هو البكا والنواح
أوَ ما تُبصر اضطرابي إذا ما / خفقت في جوانبي الأرواح
ليس ذا الموج فيّ موجاً ولكن / هو منّي تنهّد وصياح
إن وجدي هو الجحيم ولولا / أدمعي أحرقتني الأتراح
لو درى منبعي بما أنا فيه / من أسىً جفّ ماؤه الضحضاح
علّه قد درى بذاك فهذا / هو باك ودمعه سفّاح
أين أهل الحِفاظ هل تركوني / نهبةً في يد العدوّ وراحوا
برحوا وادي السلام عجالا / أفجد براحهم أم مزاح
مالهم يبعدون عنّي انتزاحاً / وعزيز منهم عليّ انتزاح
فلئن يبعدوا فإن فؤادي / لا ليهم بودّه طمّاح
تركوني من الفراق أقاسي / ألماً ما تطيقه الأرواح
لو رأوني سبياً بأيدي الأعادي / لبكَوا مثلما بكَيت وناحوا
لا مسائي بعد البعاد مساء / يوم بانوا ولا الصباح صباح
أتمنّى بأن أطير إليهم / بجناح وأين مِنّي الجناح
أنا ادري بأنهم بعد هجري / لم يذوقوا غمضا ولم يرتاحوا
بل هم اليوم عازمون على الزح / ف بجيش به تغصّ البطاح
إن تأنَّوا فربضة الليث تأتي / بعدها وثبة له وكفاح
كيف يغصون عن إغاثة وادٍ / زانه من ودادهم أوضاح
فعليه من فخر عثمان تاج / وله راية الهلال وشاح
أنا باقٍ على الوفاء وإنكا / نت بقلبي ممن أحبّ جراح
فإليهم ومنهم اليوم أشكو / بلّغيهم شكايتي يا رياح
مرت تقول ألا يا ربّ خذ روحي
مرت تقول ألا يا ربّ خذ روحي / كي أستريح بموتي من تباريحي
مَهزولةَ الجسم من فقر ومن نَكَد / مصفَرّة الوجه من همّ وتتريح
باتت بغير عشاءٍ وهي طاوية / وأصبح وهي غَرثَى دون تصبيح
ضَنْكُ المعيشة أضوى جسمها فبدت / شروى خيال بطرق العين ملموح
وأذبلَتْها هموم النفس ناصبةً / فصَوَّحت وجنتيها أيَ تصويح
وَيْلُمِّها عيشةً نكداءَ يابسةً / لم تُبق من جسمها غير الألاويح
في طرفها نظر وانٍ تُرَده / لَمْحَ المريض إذا ما جاد بالروح
تَلَفّعت بدَريس منن تخرُّقه / تخال طُرَّتَه بعضَ التقازيح
فكم ترى العين خرقاً غير مرتقع / في جانبيه وفتقاً غير مَنصوح
تمشي انخزالاً بعبء الفقر مُثقَلَةً / كظالع في الطريق الوَعْر مَكسوح
خارت قواها فمارت في تخزّلها / يكاد يُسقِطها هبّ من الريح
لما دَنوت إليها كي أسائلها / والقلب في خَطَران كالأراجيح
تأوّهت آهة حمراء داميةً / تشفّ عن كبِد بالهمَ مَجروح
وأجهشت ثم أرخت من محاجرها / عِنان دمع على الخدَّين منضوح
وأعرضت وهي لم تنبِس سوى نظر / يُغني الألِبّاءَ عن نطق وتصريح
فرُحت من عجبي منها ومن جزَعي / أبكي لها بين ترجيع وتسبيح
من ليس يُبْكيه من أبناء جِلدته / فكاؤهم فهو من جنس التماسيح
ولا يقوم بعبء المجد مُضطَلِعاً / من لا يقوم إلى إِنهاض مَفدوح
وما السعادة في الدنيا بحاصلة / إلا بإسعاد أطلاح مَرازيح
إن المروءة شيءٌ لا تنَاوشُهُ / إلا سواعد أجواد مساميح
أرى كنوز المعالي مالأقْفُلِها / غير السماح لعمري من مفاتيح
والعيش غَيْهَب آمال وليس لنا / سوى التعاون فيه من مصابيح
قامت قيامة أهل الغرب فانبعثت / هزاهزٌ بينهم عمّت بني نوح
واستفحلت فتنة عمياء جائحة / تَمخّضت عن دم في الأرض مسفوح
وقامت الحرب بالَلأْواء شاملةً / كل البسيطة حتى الأبحرِ الفِيح
والأرض قد أصبحت من مكر ساكنها / محَمَّرةَ اللُوح أو مغبرًّةَ السُوح
ضاقت على الناس وانسدّت مسالكها / فعاد كل طريق غير مفتوح
والحرب أغنت أناساً غنيةً عَجَباً / وآخرين رمتهم بالمجاليح
ومعشراً أسكنَتْهم في الذُرا غُرَفاً / ومعشراً بطن ملحود ومضروح
أما التي أوجَعت قلبي بمنظرها / وأوْهنَتْه بتبضيع وتقريح
فغادة عضّت الحرب الضروس بها / عضاً بنابٍ حديدٍ غير مرضوح
أمست تكابد من فقر ألَمّ بها / آلام عيش بشيع الطعم مذروح
ترنو إلى الناس بالشكوى فتحسبها / ظمآن يشكو لآلٍ حُرقة اللُوح
لمن الديار يلحن في الصحصاح
لمن الديار يلحن في الصحصاح / لعبت بهن روامس الأرواح
عبثت بها أيدي البلى فتركنها / في العين أخفي من دريس نصاح
ولقد وقفت بها المطيّ مسائلا / شجرات واديها وهنّ ضواح
أقتاف آثاراً لهنّ دوارساً / كانت إليها غدوتي ورواحي
لما تبيّنت المعالم همّداً / هطلت مدامع طرفي السفاح
فسقاك مرتكز الغمائم صوبه / غدقاً بكلّ عشيّة وصباح
حيّ الديار وأن تحمّل أهلها / عنها وأمست موحشات بطاح
عهدي بها والعيش أخضر ناعم / والشمل تجمعه يد الأفراح
مغنىً أنيقاً للحسان وروضة / نبتت بكل عرارة وأقاح
كم قد لثمت بها المراشف آخذاً / بهضيم خصر جال تحت وشاح
ولكم لهَوت من الحسان بغادة / لمياء ترشفني شمول الراح
هل عائد زمن أتيتُ مع المها / ما شئت من لعب به ومزاح
قد بتّ فيه ضجيع كل غريرة / رَود الشباب من الخراد رداح
أيام تحضر بي بمضمار الصبا / فرس الشبيبة وهي ذات جماح
ركضوا بميدان التحاسد خيلهم / وسبَوا من الأعراض غير مباح
لبسوا النفاق لهم دروعاً وأغتدَوا / يتطاعنون من الخنى برماح
أضحَوا كماة وشاية وسعاية / ومن الضغائن هم شكاة سلاح
كالجاهليّة غير أنّ مغارهم / في نهب كلّ خطيئة وجناح
أصلاحهم أعيا العقول لأنهم خلقت / مفاسدهم لغير صلاح
من كل مرتكب الشنيع ولم يكد / يثنيه عنه إذا لحاه اللاحي
أهدى بطرق المخزيات من القطا / وأضلّ ممَن آمنوا بسجاح
فعدت بقارعة الطريق تنوح
فعدت بقارعة الطريق تنوح / والطفل يجذب ردنها ويصيح
تبكي وقد ضحك الحريق بدارها / كالبرق يضحك في الدجى ويلوح
ضحِيَت وقد قلص الظلال فوجهها / للشمس في وجناته تلويح
جرّ الحريق على الديار ذيوله / فجري لذلك دمعها المسفوح
ولقد وقفت حيالها ومدامعي / تسخو سوى أن العزاء شحيح
فغدا يلقنني الأسى من عينها / لحظٌ برقراق الدموع سيوح
يا أيّما أجرى الغداة دموعها / بيت بجائحة الحريق مجوح
لا تهلكي جزعاً فإن بيوتناً / ما للملمّ بأهلها تسريح
أعليك أنت تضيق كل ديارنا / هذي وأكثرها ديارٌ فيح
فاقني عزاءك فالحياة وإن أرت / بعض السرور فكلّها تتريح
قف بالديار فقد أناخ بها البلى / وانظر فقد قرعت بهنّ السوح
نزل الحريق بها فشتَّت شملها / فغدت عراصاً وهي قبل صروح
بكر الشواظ بها ينضنِض ألسناً / من هول مطلعها تذوب الروح
نشر الهيب على البيوت ملاءة / حمراء تصفق جانبَيها الريح
فتعبّست منه السماء وأمطرت / ناراً وقد أخذ اللهيب يسيح
وعلا الدخان على البيوت سحائباً / برق المهالك بينهن لموح
أما الشرار فكان وبلاً منبتاً / نوباً برائحة الدمار تفوح
والشمس قد كسفت بجون دخانه / وبدت عليها سفعةٌ وكلوح
يا قوم ساء مصيركم فإلى متى / لا تسمعون لما يقول نصيح
هَلا أخذتم للخطوب عتادها / كي لا يكون لها بكم تبريح
هذا الحريق وكل يوم ناره / تغدو عليكم تارةً وتروح
فالنار ما برحت تفوه بألسن / ذرب وأن كلامها لفصيح
لمَ لم تعوا ما قلن قبل مكرّراً / أو ما كفاكم ذلك التصريح
نِمتم إلى نوب الزمان فإن أتت / قمتم كما يتململ المذبوح
وأهمّكم أدنى الأمور وفاتكم / نظر إلى الأمر القصيّ طموح
كم في الحوادث من نذير قد أتى / فيكم بأسرار الزمان يبوح
أما الحريقان اللذان تقدّما / فكلاهما شقّ لكم وسطيح
قد أنراكم بالخارب وأنبًآ / أن التراخي في الأمور قبيح
عجبي إلى تلك المصائب كيف قد / نسيت ولم تبرأ لهنّ جروح
سرعان ما تنسون عظم مصابكم / ولو أن شقّة منتهاه طروح
لا تستنيموا للزمان فأخذه / خلسٌ وقوس الحادثات ضروح