المجموع : 5
أَرحَت نَفسي مِن عداة الملاح
أَرحَت نَفسي مِن عداة الملاح / لِليأسِ روح مِثلِ روحِ النَجاح
وَرُبَّما حَكَّمَت في مُهجَتي / نَشوان مِن ماء الصِبا وَالمراح
وَكَيفَ لا تُدرِكُهُ نَشوَةٌ / وَاللَحظُ راحَ وَجَنى الريق راح
لَو لَم تَكُن ريقَتُهُ خَمرَةٌ / لَمّا تَثنىَّ عطفه وَهوَ صاح
يَبسِمُ عَن ذي أَشَرٍ مِثلَما / يَلتَقِط الظَبيُ بِفيه الأَقاح
تُهدي الصَبا رَيّاهُ مِن رَوضَة / تَظَلُّ أَحياناً وَحيناً تراح
أَنيقَةٍ يَجمَعُ أَرجاؤُها / بيضُ المَقاصيرِ وَبيضُ الأَداحِ
وَلَو دَرى مسرى الصَبا نَحوَها / سَد مِنَ البُخلِ مَهَبِ الرِياح
كَم مَرَّةٍ أَعجَزَنا حِلَّهُ / فَساقَهُ النَوم إِلَينا سِفاح
أَفلَتَهُ مِنّي وَقَد صِدتُهُ / بِرَقدَةٍ صَوت مُنادي الفَلاح
تُسلِبنا اليَقظة ما زَفَّهُ / لَنا الكَرى مِن كُلِّ خود رَداح
فَنَحنُ في نَومٍ وَفي يَقَظَةٍ / بَينَ دَنوٍ مِنهُمُ وانتِزاح
وَمَوقِفٌ لَولا التَقى لالتَقى / فيهِ نَجادي ونظّام الوشاح
قُلتُ لِخلي وَثغور الرُبى / مُبتَسِماتٍ وَثغور المِلاح
أَيُهُما أَحلى تَرى مَنظَراً / فَقالَ لا أَعلَم كُلُّ أَقاح
كَيفَ رَجوعي في الهَوى بَعدَما / خَلَعته خَلع رِداء فطاح
وانجاب عَن فوديَّ لَيل الصِبا / لِكُلِّ لَيلٍ مُدلَهِمٍّ صَباح
فازوَرَّت البيضُ بِأَبصارِها / مَطروفَةً عَنّي وَكانَت صِحاح
مَن كانَ يَهواكَ لِشَيءٍ مَضى / إِذا مَضى عَنكَ تَوَلّى وَراحَ
وَخَلَّهُ أَظهَرَ ما أَضمَرَت / سَيري فَقالَت أَقلىً وَاطِّراح
فانحَلَّ سِلكَ الدَمعِ في ثَغرِها / فَشَجَّت الخَمرُ بِماءٍ قراح
وَلَيسَ يُمضي عَزمَتي لَو دَرَت / مُغرٍ وَلا يَعطِفها قَولَ لاح
لَو علمَت أَن العلى في السُرى / قالَت عَلى الرَشد انحَ ما أَنتَ ناح
آلَيت استَسقي سِوى مَنصِلي / إِن الغَوادي بِمُرادي شحاح
المَجد شرب لَم يَزَل ماؤُهُ / مُرَقرِقاً فَوقَ صفاح الصفاح
لِكُلِّ مُعتادٍ ضراب العدى / مِن فَوق مُعتاد ضَريب اللِقاح
يُديرُ وَالمَوت لَهُ فاغرٌ / طَرَفاً فَوقَ طرف وَقاح
يَنصُل في الطَعنِ حراب القَنا / كَأَنَّها أَلسِنَة في الجِراح
يَعتَصِبُ المَجد عَلى نَفسِهِ / وَقَد يُبيحُ الطَعن غَيرَ المُباح
وَمجهل مُشتَبِه طرقه / كَأَنَّما هُنَّ خُطوط بِراح
يُسعِدُني فيهِ وَفي غَيرِهِ / ذو صُدورٍ كفلاة فِساح
كَأَنَّما أَشباح أَنضائنا / قِسيٌّ نَبع وَكَأنّا قداح
حَتّى اجتَلَينا بَعدَ طولِ السُرى / بغرَّة الكامِل وَجه الصَباح
فَقالَ لي صاحِبي أَبدَرُ السَما / فَقُلتُ لا بَل هوَ بَدرُ السَماح
ينبيك عَن سؤددٍ بشره / مَخائِل السُؤدَدِ خَرس فَصاح
صَعب إِباء النَفس سَهل النَدى / إِنَّ المَعالي شَدَّةٌ في سَماح
هَل يَقبَل الضَيم فَتىً حَيَّهُ / في الكُفرِ والإِسلامِ حَيُّ لِقاح
يَذكُر التيجان آباءُهُ / بِهِ وَتِلكَ القَسمات المِلاح
إِذا رَأتهُ قلقَت هَزَّةٌ / كَأَنَّما في كُلِّ تاج جناح
تَبكي لكَسرى وَتَرا آي ابنَهُ / فَيَستَحيل الأرتياع ارتِياح
فَهَل تَرى التيجان مِنهُ عَلى / بَدرٍ لِبَدرٍ التَمِّ مِنهُ افتِضاح
يَختِم ما استَفتَح آباؤهُ / وَلِلعُلى خاتِمَة وافتِتاح
قَد عدل الدَهرُ بإِعلائِهِ / وَكُلُّ ما في الدهر ظلم صِراح
واصطَلَحَ الناس عَلى فَضلِهِ / واختَلِفوا بَعدُ فَلَيسَ اصطِلاح
شَرَّفتُ نَفسي باِمتِداحي لَهُ / فَقَد تَعَجَّلَت ثَوابُ امتِداح
لَمّا أَناخ الجودَ في كَفِّهِ / نادى بِأَعلى صَوتِهِ لا بَراح
في كَفِّهِ أَحيا وَمِن كَفِّهِ / أَحشَر إِن حُمَّ القَضاءَ المُتاح
مُقَسَّم الخاطِرِ مَكدوده / في تَعب مِن مَجدِهِ لا استِراح
يَطمَح مِن عِزٍ إِلى آخَرٍ / دامَ لَهُ العِزُّ وَدامَ الطِماح
في عَسكَرٍ مِن نَقسِهِ رأيهِ / رايَتِهِ إِن عَلِم الحَربُ لاح
يَهزِم مَن زاحَمَ عَن أَنفُسٍ / مُكَلَّمات وَجُسوم صِحاح
قَد يَغلِبُ المَرءُ بِتَدبيرِهِ / أَلفاً وَلا يَغلِبهُمُ بِالسِلاحِ
وَلِلمُعادي رُتَبٌ في العِدى / الرأي ثُمَّ الكيد ثُمَّ الكِفاح
وَلَيسَ بَعدَ الحَربِ مِن غايَةٍ / هُنَّ حُظوظ مِثلَ ضَربِ القِداح
وَلا يُبالي عِندَ فَلِّ العِدى / أَهيبَة فلتهمُ أُمَ رِجاح
حامى عَن المُلكِ فَأَضحى حِمىً / مِن بَعدِ ما شارَف أَن يُستَباح
فَصارَ عَريناً لِلَيث الشَرى / وكانَ مَرعىً لِلسوام المراح
يُوَفِّر الأَمر أَلا إِنَّما / رَأسان في تاج خِلاف الصَلاح
ثُمَّ اِنثَنى إِذ كَفَروا سَعيَهُ / لكل مطواعٍ ذَلول جِماح
ذو سَحب تنبت أَعداءَهُ / وَحاسديه في جَميع النَواح
وَالفَضلُ مَحسودٌ وَقَد حازَه / فَما عَلى حاسدِهِ مِن جُناح
كَم ناقِصٍ ترجم عَن فاضِلٍ / دَلَّ عَلى بَيت كَريم نُباح
وَمَن رأى تاج المَعالي عَلى / مَفرق لَيث فَوقَ طَرَف النَجاح
قَد نالَ بِالأَقلام ما قَصَّرت / أَو قَصُرَت عَنهُ طوال الرِماح
مِثلَ الأَفاعي الرَقش أَقلامُهُ / فَهُنَّ دُرياق وَسُمٌّ ذباح
إِن لمس الطرس بِأَطرافِها / فاضَ نَوالاً وَبَياناً وَساح
وَشمت مِن أَنمله أَبحراً / لؤلؤهنَّ الكَلِمات الفِصاح
حكمة آبائك مِن فارِسٍ / كَسَوتها لَفظ قُرَيش البِطاح
يُظهِر آلأوكَ إِخفاؤها / إِنَّ النَدى مِسك إِذا صين فاح
وَالعُرف بَدر كُلَمّا اسدَفَت / لَهُ لَيالي الجحد زادَ اتِضاح
قُل لِبَني الآمال هَبوا فَقَد / هَبَّت بِكُم بابن عَلي رِياح
مَحا بِهِ الدَهر إِساءآتِهِ / تَنَصُّلاً وَالدَهر واحٍ وَماح
يا ابن علي أَعدني بِالغِنى / كَمِثلِ ما أَعديتَني بِالسَماح
طارَ إِلى العَلياء قَوم وَما / قَصَّرتُ لَكِن كَيفَ لي بِالجَناح
دونَ العُلى ملحمة صَعبَة / سِلاحُها المال وَمالي سِلاح
آن لِجادي الغَيث أَن يَجتَدي / وَمُستَميح البَحر أَن يُستَماح
فاسلم وَعِش في رفعَة نَجمها / في فلك العِز حليفَ النَجاح
وَدَم كَما أَنتَ فَما بَعد ذا / لِمَن دَرى كَيفَ المَعالي اقتِراح
في عَزِّ إِقبال وَيُمنٍ وَفي / ظِل سُعودٍ يَقتَدي بِالصَلاح
ما شَق نور الفَجر درَع الدُجى / وَما دَعا في الأَيك طَيرٌ وَناح
لَو جادَهَنَّ غَداةَ رَمَن رواحاً
لَو جادَهَنَّ غَداةَ رَمَن رواحاً / غَيث كَدَمعي ما أردن بَراحا
ماتَت لِفَقد الظاعِنينَ دِيارهم / فَكَأَنَّهُم كانوا لَها أَرواحا
وَلَقَد عَهِدتَ بِها فَهَل عوَ عائِد / مَغدىً لِمُنتَجَع الصِبا وَمَراحا
بِالنافِثاتِ النافِذاتِ نَواظِراً / وَالنافِذينَ أَسِنَّة وَصِفاحا
وَأَرى العُيونَ وَلا كَأَعيُن عامِرٍ / قَدراً مَع القَدر المُتاح مُتاحا
مُتَوارِثي مَرَض الجُفون وَإِنَّما / مَرَض الجُفونَ بِأَن يَكُنَّ صِحاحا
مَن كانَ يكلف بالأَهِلة فَليَزُر / وَلدي هِلالٍ رَغبَة وَرِباحا
لا عَيب فيهِم غَيرَ شُحِّ نِسائِهِم / وَمِن السَماحَة أَن يَكُنَّ شِحاحا
طرقته في أَثوابِها فجلَت لَهُ / وَهناً مِنَ الغُرَرِ الصِباح صَباحا
وَبَسمن عَن بَرد تَآلف نظمه / فَرَأيت ضوءَ البَرقِ مِنهُ لآحا
أَبرَزنَ مِن تِلكَ العُيون أَسِنَّة / وَهَززن مِن تِلكَ القُدود رماحا
يا حَبَّذا ذاكَ السِلاح وَحَبَّذا / وَقت يَكون الحسن فيهِ سِلاحا
بيضٌ يَلحَفها الظَلام بُجُنحِهِ / كالبَيضِ لَحَّفَها الظَليم جِناحا
ما عِندَهُنَّ العَيشُ إِلّا رَوضَة / صَنع الوَلي لِنورِها مُفتاحا
يَلثَمن فيها الأُقحُوانَ بِمثلِهِ / عَبثاً وَإِعجاباً بِهِ وَمَراحا
وَيَميلهن مِنَ الصبا أَنفاسِها / فَتَخال أَنفاس الرِياح الراحا
يَترُكنَ حَيثُ حَلَلن وَهي لَطيمَة / مِمّا نَثرنَ بِهِ العَبيرَ فَطاحا
يَهدي ثَراهُ إِلى البِلادِ وَرُبَّما / حَيَّت بِرَيّاهُ الرِياح رِياحا
عَجنا بِهِ هَلكى فاهدَت ريحَهُ / أُصُلاً إِلى أَجسادِنا الأَرواحا
أَبصَرتُ وَصل الغانِيات وَغِبَّهُ / فَرأَيتَهُنَّ وَإِن حَسُنَّ قِباحا
واعتَضتُ مِن طَرفي الجموحِ إِلى الصِبا / طَرفاً إِلى فلك العُلى طَمّاحا
أَهوى الفَتى يُعلي جِناحاً لِلعُلى / أَبَداً وَيَخفضُ لِلجَليسِ جَناحا
وَأَحبّ ذا الوَجهَينِ وَجهاً في النَدى / نَدياً وَوَجهاً في اللِقاء وَقاحا
وَفَلاً كَأعمار النسور مسحتها / بيد المَطِيَّة أَعيَت المُسّاحا
خاضَت غِمار سَرابها فَكَأَنَّها اب / ن الماءِ خاضَ لِصَيدِهِ الضَحضاحا
وَإِلى ابن عَبد الواحد القاضي اغتَدَت / بَلَداً كَساحَة صَدره فَيّاحا
شكلت مَناسِمها الطَريق بِحُمرَةٍ / نُقطاً فَأَوضَحَت الفَلا إِيضاحا
فَأَتَتهُ قَوساً فَوقَها مِن رَبِّها / قِدح إِذا كانَ الرِجال قداحا
مَغبوطَة بِهِزالِها في قَصدِهِ / وَمِن المَفاسِد ما يَعُدنَ صَلاحا
فَرأيت مِنهُ البَدرُ إِلّا أَنَّهُ / سَعد لأيام الإِمامَةِ لاحا
وَالحاكِم المَنصور أَسعَدَهُم بِهِ / عُمراً وَأَكثَرَهُم بِهِ إِنجاحا
قَد صيغ مِن كَرَمٍ فلويد باخِلٍ / لَمسته فاضَت بِالنَوال سماحا
وَكَذاكَ يَنقَلِب الظَلام بِأَسرِهِ / نوراً إِذا ما جاوَرَ المِصباحا
لَو مَسَّ مِن إِقبالِهِ حَجَراً جَرى / ماءً عَلى ظَهرِ الثَرى طَفّاحا
فازرَع رَجاءَك كله بِفنائِهِ / فَإِذا زَرَعَت فَقَد حَصَدَت نَجاحا
يَرمي الكَتيبَة بِالكِتاب إِلَيهِم / فَيَرون أَحرفه الخَميس كِفاحا
مِن نِقسِهِ دُهماً وَمِن ميماتِهِ / زَرَداً وَمِن أَلفاتِهِ أَرماحا
ساسَت أَقاليم الوَرى أَقلامه / فأَجَمَّ أَطراف القَنا وَأَراحا
يَمجُجنَ ريقاً إِن أَردت جَعلته / شُهداً وَإِن أَحبَبت كانَ ذُباحا
ما زالَ هَذا الثغر لَيلاً دامِساً / حَتّى طَلعتَ لِلَيلِهِ إِصباحا
فَجلت لَهُ الأَيام بَعد عُبوسِها / وَجهاً كَوجهِكَ مُشرِقاً وَضّاحا
وَحَكَمتَ في مَهجِ العَدُوِّ بِحكمَةٍ / قُرِنَت بِرأيك غدوَةً وَرواحا
فَسفكت ما كانَ الصَلاح بِسَفكِهِ / وَحقنتَ بَعضَ دِمائِهِ استِصلاحا
فوفود شكر المُسلمين وَغيرهم / تأتي إِلَيكَ أَعاجِماً وَفِصاحا
غادَرَت أَسَد بَني كِلاب أَكلبا / إِذ زرتهم وَزئيرهن نباحا
قبسوا غُداةَ أَبي قَبيسٍ جمرة / لِلحَرب لاحَ لَهُم بِها ما لاحا
فَنَسوا النِساءَ وَدَمَّروا ما دَمَّروا / وَرأوا بقا أَرواحِهِم أَرباحا
يَتلو هَزيمَهُمُ السِنانُ كَأَنَّهُ / حَرّان يَطلب في قِراه قراحا
وَالسُمر قَد لفتهمُ أَطرافِها / لفاً كَما اكتَنَف البنان الرّاحا
فَمُعَفِّر جَسَد الحَياة وَهارِب / جَسَد الرُفات القبر وَالصّفاحا
حَتّى إِذا اقتَنَت القنا أَرواحهم / قَتلاً وَفَرَّقَت الصفاح صفاحا
رَفعوا أَصابِعَهُم إِلَيكَ وَنَكَّسوا / أَرماحهُم فَثنين مِنكَ جِماحا
وَتَركت أَعينَهُم بصورٍ في الوَغى / صوراً وَقَد جاحَ الوَرى ما جاحا
فَغَدوت قَد طَوّقتك حمدك حامِداً / وَمُقَلِداً قلدت مِنهُ وِشاحا
شاءَ المُهَيمِن أَن تَسير مُشرِفاً / حلباً فَقيض ما جَرى وَأَتاحا
وَأَرَدتَ إِصلاح الأُمور فَأُفسِدَت / فَنهضت حَتّى استَحكَمَت إِصلاحا
كانوا يَرونكَ مُفرَداً في جَحفَلٍ / وَوَراء صور إِن نَزَلتَ بَراحا
إِنَّ النَفيس وَلَو أَبيحَ أَبى لَهُ / عِزُّ النَفاسَة أَن يَكون مُباحا
أَنّى تَروم الروم حَربُكَ بَعدَما / صَلِيَت بِحَربِكَ محرباً مِلحاحا
لَم يَرم قَطُّ بِكَ الإِمام مُراده / إِلّا جَلَوتَ عَن الفَلاح فَلاحا
وَلَقَد غَدَوتَ أَبا الحُسَين لِجَيشِهِ / لِلقَلبِ قَلباً وَالجَناح جَناحا
يا مانِح الأَعراض مانِع عَرضِهِ / نَفسي فُداؤُكَ مانِعاً مَنّاحا
وَإِذا أَتَيتَ فَضيلَة أَخفيتَها / حَتّى كَأَنَّكَ قَد أَتَيتَ جُناحا
لِلعُرف عَرف نَشرِهِ في سَيرِهِ / كالمِسكِ مَهما ازدادَ صَوناً فاحا
وَأخ دعوتك بَعدَ طولِ نُعاسِهِ / فازتاع نَحو الجَرسِ ثُمَّ ارتاحا
نازَعتُهُ فيكَ القَوافي فانتَشى / فَكَأَنَّما نازَعته الأَقداحا
مَدحاً يُصَدقه فَعالَك آنِفاً / إِنَّ الكَريمَ يُصَدِّق المدّاحا
فَلَو ارتَقى شَخص امرىءٍ كَمحلِّهِ / يَوماً لَصافَحَت النُجوم صِفاحا
لَست في بَينِها الغُداةَ بِلاحِ
لَست في بَينِها الغُداةَ بِلاحِ / ما عَلى النَفسِ في التُقى مِن جُناحِ
تَبعتها أَرواحنا فَتَوَلَّت / بِقِطارٍ يُحَدى مِنَ الأَرواحِ
وَاِستَقَلَّت يَومَ النَوى فرمتها / أَعيُنُ القَوم مِن جَميع النَواحي
طرفها سائِف اللَواحِظ رامٍ / رامح عامِلٌ بِكُلِّ السِلاحِ
أَقرَح الدَمع خَدَّها فَرَأَينا / خَمرَةً شَعشَعَت بِماءٍ قِراحِ
فترشفت ريقها فَكَأَنّي / أَرشَفُ الطَلَّ مِن رِياض الأَقاحي
ثُمَّ أَبقَ النِجادَ بِالضَمِّ مِنها / في مَجالِ الوِشاح مِثلَ الوِشاحِ
كُلَّ يَومٍ حداتها تقصد الرَو / ضَ بِرَوضٍ مِنَ الوُجوهِ الصِباح
فَتَراهن في الهَوادِج يَلمَع / نَ كَمِثلِ السُلافِ في الأَقداحِ
إِنَّما هَذِهِ العُيونَ السَقيما / ت بَلاء لِذي القُلوبِ الصِحاحِ
لا يَغُرَّنكَ لين صَعَب قِيادي / فَعَلى قَدرِهِ يَلوح جِماحي
كَم هَوىً قَد تَرَكتِهِ مِثلَ سَطرٍ / قَد مَحاه مِن الصَحيفَة ماحي
وَظَلام قَطَعتُهُ بِظَليمٍ / كَوره قائِم مَقام الجَناحِ
فاجتَلَينا بِنور وَجهِ أَبي القا / سِم وَجهَ المُنى وَوَجهَ الصَباحِ
ثُمَّ صافحت أَنمُلاً نَشأت بَي / نَ صَريرِ الأَقلامِ وَالأَرماحِ
فَكَفاني صَرفَ الزَمان بِكَفٍ / عُجِنَت مِنَ مَكارِمٍ وَسَماحِ
وُصِلَت بِالنَدى بَنان أَبي القا / سِم قَبلَ اتِّصالِها بِالراحِ
لا تَلُمهُ في الجودِ فالجود عضو / مِن يَدَيهِ فَمالَهُ مِن بَراحِ
مَرِحٌ بِالنَوالِ نَشوان مِنهُ / إِنَّ لِلجود نَشوَة كالرّاحِ
فَهوَ في سَكرَةٍ مِنَ الجودِ صَرفاً / لَيسَ مِنها إِلى القِيامَةِ صاحي
لَم يَخِب ظَنُّ آمِلٍ فيهِ إِلّا / أَن تَكونَ الظُنونَ غَيرَ النَجاحِ
لَو أَتَتهُ الرُكبانُ تَمتاحَهُ النَف / س وَحاشاهُ مِنهُ قالَ امتاحي
ما رَأَينا في الجودِ كاِبنِ عَليٍّ / أَحَداً يَشتَهي صفاح الصِفاحِ
وَيَزور الوَغى بِطَرفٍ حَييٍّ / أَن يُرى هائِباً وَوَجهَ وقاحِ
وَيَرِد الراياتِ مِن الدمِّ تَحكي / لَهَب النارِ في نَسيم الرَياحِ
ثَمَّ أَيدٍ لَهُ طُوالٍ إِذا ما / خَطَرَت بِالرِماحِ مِثلَ الرِماحِ
في قَبيل تَراهُم في مُتونِ ال / خَيلِ كَالرِيشِ في مُتونِ القِداحِ
سَبطَة سَمحة عَلى المالِ تَحكي / فَيضَها بِالسَماحِ قَبلَ السِلاحِ
فَهوَ يَختالُ بَينَ عِرضٍ مَنيع / مِن مَقال العِدى وَمالَ مُباحِ
مِن أَياديهِ رائِحات اغتَباقي / وَمِنَ الغادِيات مِنهُ اصطِباحي
مِنهُ مالي ورحلَتي وَعدادي / وَجُوداي وَحُلَّتي وَسِلاحي
وَلَهُ مُهجَتي وَشُكري وَنَشري / وَاِعتِدادي بِفَضلِهِ وَاِمتِداحي
دامَ في رفعة وَفي طيب عَيشٍ / يَسحَبُ الذَيلَ في التُقى وَالصَلاحِ
ما دَجى عَسكَر الظَلامُ وَوَلّى / يَطلُبُ الفَرَّ مِن جُيوشِ الصَباحِ
لا تَملأَنَّ قَدحي وارفِق فَقَد مُزِجَت
لا تَملأَنَّ قَدحي وارفِق فَقَد مُزِجَت / لي مِن جُفونِكَ أَقداح وَأَقداحُ
يا مَن إِذا تُثنى قدهِ خَطَفَت / لِلجِنِّ وَالإِنسِ أَرواحٌ وَأَرواحُ
زِدني ابتِساماً وَقُل لليل دَم أَبَداً / فَأَنتَ وَالكأسُ مُصباحٌ وَمُصباحُ
وَما عِشقي لَهُ وَحشاً لِأَنّي
وَما عِشقي لَهُ وَحشاً لِأَنّي / تَرَكتُ الحُسنَ واختَرتَ القَبيحا
وَلَكِن غِرتُ أَن أَهوى مَليحاً / وَكُلُّ الناسِ يَهوونَ المَليحا