المجموع : 21
وما روضةٌ حيّ ثرى أقحوانِها
وما روضةٌ حيّ ثرى أقحوانِها / يضاحكُها في الغيم سِنّ من الضِّحّ
كأنّ صَبَاها للعرانين فَتّقَتْ / نداها بندٍّ فهي طيِّبةُ النفح
بأطيبَ من ريّا لماها لراشفٍ / إذا انتبهتْ في الشرْقِ ناظرةُ الصبح
يا لَيْلَ هَجرِ الحَبيبِ طُلْتَ على
يا لَيْلَ هَجرِ الحَبيبِ طُلْتَ على / صبٍّ من الشوق دائمِ البَرحِ
بِحُمْرَةٍ في الجُفُونِ تحسبها / نَدَرْتُهَا في الفُؤادِ عَن جرحِ
هل جَمدَ البحرُ من دجاكَ فما / ينتقلُ الحوت فيه بالسّبْحِ
أم حدثَت حَيْرَةٌ مواصلة / في الجوّ بَينَ البُطَيْنِ والنّطحِ
لو كنت ليل الشبابِ بتّ إلى ال / صبحِ من الشيب طائرَ الجُنْحِ
لو كنت ليل الشبابِ فُتُّ ولم / تَدّرِكِ النّاظِرِينَ باللّمحِ
متى أرى كلكلاً بركت به / يَطْعَنُ فيه السِّماكُ بالرّمحِ
وللثّرَيا جناحُ قاطِعَةٍ / بالخفق منه مسافةَ الجُنحِ
وأشهبُ الصبح في إغارته / يستاقُ ما للنّجومِ من سرحِ
فاطوِ رواقَ الظّلامِ عن أُفُقٍ / تُنْشَرُ فيه مُلاءَة الصبحِ
يا ربّ مجلس لذّةٍ شاهَدتُها
يا ربّ مجلس لذّةٍ شاهَدتُها / كَرْهاً وجُنْحُ الليلِ مدّ جناحَا
جَمَعَ الشبابُ به بنيهِ وبينهم / شيخٌ غَدا شيبٌ عليه وراحا
وكأنّه في كلّ داجي شعرةٍ / في الرأسِ منهُ مُوقِدٌ مِصباحا
أمسَيتُ مَفطوماً عَنِ الكَأسِ الَّتي / يتراضعُ الندمَاءُ منها راحا
إلّا شميماً كان هَمّاً سُكْرُهُ / وغناؤهُ في مسمعي نياحا
جُرْنا على زمنِ الصبا الزَاهي الَّذي / عزَلَ الهمومَ ومَلّكَ الأفراحا
أبناءُ عصرٍ فَتّقُوا من بَينهم / مِسْكَ الشّبيبَةِ بالمُدامِ ففاحا
جَعَلوا حُداءَهُمُ السَماعَ وأَوجَفوا / بدلَ القَلائِصِ بينَهم أَقداحا
وَكَأنّما نَبَضَتْ لهم أَفواهُهُم / بِالشُربِ مِن أَجسامِها أَرواحا
حَتّى إذا اصطَبَحوا فررتُ فلم يجِد / للشيبِ بَينَهمُ الصباحُ صَباحا
ما لي أُكافحُ قِرْنَ كأسٍ جالَ في / مَيدانِ نشوَته وجال كِفاحا
ومجدَّلٌ شاكي السّلاحِ من الصِّبا / من لم يُبَقّ له المشيبُ سِلاحا
تَقولُ وقَد لاحَت لَها في مفارقي
تَقولُ وقَد لاحَت لَها في مفارقي / كَواكِبُ يَخفى غيرها وهي لائِحه
أراكَ مُحِبّاً لا مُحَبّاً فعَدّ عَن / مكابدةٍ تشقى بها لا مسامَحه
تروحُ وتغدو جانحاً عن مَحَبَّةٍ / إليّ ونفسي عن وصالِكَ جَانِحَه
إِذا ما شَبابي نالَ شيبُكَ عِطفَهُ / فخاسرةٌ نَفسي ونفسُكَ رابحَه
ولو عَلمتْ سني لما كان لومُها / عليّ سناناً جارحاً كلَّ جارحه
لشيَّبني في عنفوانِ شَبيبَتي / لقائي مِنَ الأَيّامِ دَهياءَ فادِحه
وقَطعِيَ غَولَ القَفرِ في مَتنِ سابِحٍ / وخوضيَ هَوْلَ البَحرِ في بَطنِ سابِحه
وما ضرّها كافورُ شيبي وتحتهُ / لمسك شبابي كلُّ فِعلٍ ورائِحه
طَرَقَتْ واللّيلُ مَمدودُ الجَناحْ
طَرَقَتْ واللّيلُ مَمدودُ الجَناحْ / مَرْحباً بالشّمسِ في غيرِ صَباحْ
سلّمَ الإيماءُ عنها خجلاً / أوَمَا كان لها النّطقُ مُباح
غادَةٌ تَحملُ في أجفانِها / سقماً فيه منيّاتُ الصحاح
بتُّ منها مُستعيداً قُبَلاً / كانَ لي مِنها عَلى الدّهرِ اقتراح
أَلثم الدّرَّ حصىً ينبع لي / بزلالٍ ناقعاً فيه التياح
وأُروّي غُلَلَ الشّوقِ بما / لم يكُنْ في قُدْرَةِ الماءِ القَراح
باعتناقٍ ما اعتنَقْناهُ خَنىً / والتزامٍ ما التزمناهُ سفاح
ما على من صادَ في النّوم لَهُ / شَرَكُ الحلمِ مهاةً من جُناح
همتُ بالغيدِ فلو كنت الصِّبا / لم يكُنْ منّيَ عنهنّ بَرَاح
ورددتُ الشيبَ عنها معرضاً / بكلامِ السّلمِ أو كلْم الكفاح
عَلِّلِ النّفسَ بريحانٍ وراحْ / وأطِعْ ساقِيَها واعصِ اللّواح
وأدِرْ حمراءَ يسري لُطُفاً / سُكْرُها منْ شمِّها في كلّ صَاح
لا يغرّنّكَ منها خَجَلٌ / إنّها تُبديه في خدٍّ وَقَاح
واعْلُهَا بالماءِ تَعْلَمْ منهما / أنّ بينَ الماءِ والنّارِ اصطلاح
وإذا الخَمْرُ حماها صِرْفُهَا / تَرَكَ المزْجُ حماها مُسْتَباح
خلّني أُفْنِ شَبابي مَرَحاً / لا يُرَدّ المهرُ عن طَبْع المراح
إنّما يَنْعَمُ في الدّنْيا فَتىً / يدْفَعُ الجِدّ إليها في المزاح
فاسقِني عن إذْنِ سلطانِ الهَوَى / ليس يَشفي الرّوحَ إلّا كأسُ راح
وانتَظرْ للحلمِ بعدي كرّةً / كم فسادٍ كان عُقْباهُ صلاح
فالقضيبُ اهتَزّ والبَدرُ بدا / والكثيبُ ارتَجّ والعنبرُ فاح
والثريّا رجحَ الجوُّ بها / كابنِ ماءٍ ضمَّ للوكرِ جناح
وكأنّ الغَربَ منْها ناشقٌ / باقةً من ياسمينٍ أو أقاح
وكأنّ الصبحَ ذا الأنوار من / ظُلَمِ اللّيلِ على الظلماءِ صاح
فاشرَبِ الراحَ ولا تُخْلِ يداً / من يدِ اللّهوِ غُدُوّاً ورواح
ثَقّلِ الرّاحةَ مِنْ كاساتِها / برَداحٍ من يَدِ الخودِ الرّداح
في حديقٍ غَرَسَ الغَيثُ بهِ / عَبقَ الأرواح مَوْشيَّ البطاح
تعقلُ الطَّرفَ أزاهير به / ثمّ تعطيه أزاهيرَ صراح
أرْضَعَ الغَيمُ لباناً بانَهُ / فَتَربّتْ فيه قاماتُ المِلاح
كُلّ غصنٍ تَعتري أعطافَهُ / رِعْدَةُ النَشوانِ مِن كَأسِ اصطِباح
يكتسي صبغةَ وَرْسٍ كُلّما / ودَّعت في طَرَف اليَومِ براح
فكأنّ التربَ مِسْكٌ أذفَرٌ / وكأنّ الطلّ كافورُ رباح
وكأنّ الرّوْضَ رَشّتْ زَهْرَهُ / بمياهِ الوردِ أفواهُ الرّياح
أفَلا تَغنَمُ عَيشاً يقتَضي / سَيرُهُ عنكَ غُدوّاً ورواح
وإذا فارَقتَ ريعانَ الصِّبا / فَاللّيالي بأمانيكَ شِحاح
أيّ نعيمٍ في الصِّبَا والمُقْتَرَحْ
أيّ نعيمٍ في الصِّبَا والمُقْتَرَحْ / وشغلُ كفّيّ بكوبٍ وقَدَحْ
فَلا تَلُمني إنّني مُغْتَنِمٌ / مِنَ السّرورِ في زَمَاني ما مَنَحْ
فإنّهُ مُسْتَرْجِعٌ هِبَاتِهِ / وباخلٌ مِن الصِّبا بما سَمَح
وَسَقِّني من قهوَةٍ كاساتُها / تُسْرِجُ في الأيدي مصابيحَ الصّبح
لو شمَّها صاحٍ عَسيرٌ سُكْرُهُ / تحتَ لثامٍ في فدامٍ لَطَفَحْ
ولا تسوّفْني إلى ترويقها / لا يَشْتَوي اللّيثُ إذا اللّيثُ ذَبَحْ
حتى أقولَ زاحفاً من نشوَتي / يَحْسُنُ بالتزحيفِ بيتُ المنسرح
ومالئٍ زقّاً وكاهُ مردياً / سمَّ الأسَى منهُ بدُرْياقِ الفَرَح
وجاثمٍ بين النّدامَى تَرْتَوي / أشباحُهُمْ منه بما يَرْوَى شَبَح
كأنّما رَدّتْ عليه روحَهُ / سُلافَةُ الرّاح فإن مُسّ رمح
غضّ الصّبا كأنّما حديثهُ / يمازجُ النّفسَ بأنفاسِ الملح
حلّ وكاءً شدّهُ عن مُدْمَجٍ / طَلّ دم العنقودِ منه وسفح
حتى إذا ما صبّ منه رَيّقاً / سدّ على ذَوْبِ العَقيقِ مَا فتح
ترَى نجيعَ الزقّ منهُ راشحاً / كأنّهُ من وَدَجِ اللّيلِ رَشَح
مُدامَةٌ للرّوحِ أُخْتٌ بَرّةٌ / يَنْأى بها سُرورُنا عنِ التَرَح
قد عَلِمَتْ مزاجَهُ فَشُرْبُها / يَجْرَحُهُ ثُمّتَ يَأسُو ما جَرَح
وتجعلُ القارَ الذي باشَرَها / في الدنّ مسكاً للعرانينِ نفح
يحجب جسمُ الكاسِ من سعيرِها / نفحاً عن الكاسِ ولولاه نفح
والشّمْسُ منها في نقابِ غَيمِها / مخافةً من نورها أن تُفْتَضَحْ
يومٌ كأنّ القَطْرَ فيهِ لؤلؤٌ / يَنْظِمُ للرّوضِ عُقُوداً وَوُشَح
يَقدحُ ناراً من زنادِ بَرْقِهِ / ويطفئُ الغيثُ سريعاً ما قَدَح
لمّا جَرَتْ فيهِ الصَّبا عَليلةً / رقّ الهواءُ فيهِ للنّفسِ وصَح
كأنّما الكافورُ نَثْرُ ثَلْجِناْ / أو نَدَفَ البُرْسَ لنا قوسُ قزح
حتى علا الجوَّ دجىً لم يَغْتَبِقْ / فيه الثّرَى من الحيا كما اصطَبَح
غرابُ ليل فوقنا مُحَلّقٌ / يَقْبِضُ عنّا ظلّه إذا جنح
وقد محا صبغَ الدّياجي قَمَرٌ / دينارُهُ في كَفّةِ الغَرْبِ رَجَح
حتى إذا ردّ حُدا عدوّهِمْ / من كان في وادي الرّقادِ قد سرَح
نَبّهَ ذا هَذا وكلٌّ طَرْفُهُ / يلمحُ طرْفَ الشكرِ من حيثُ لمح
يسألُ في تقويمِ جيدٍ مائلٍ / لو لم يسامحْ في الحميّا لسَمَح
أضاربٌ كفّيه يَشدو سَحَراً / أم نافضٌ سقطيه فيه قد صَدَح
نبّهَ للقهوَةِ كلّ طافح / في مصرَعِ السكر قتيلاً مُطّرَح
من كلّ جذلان كأنّ رُوحَهُ / عن جسمه من شدّةِ السكرِ نَزَح
إنّ الّذي شَحَّ على إيقاظِهِ / سامَحَ في الشُّهْبِ نداماهُ فشَح
وجاءنا السّاقي بصَحنٍ مُفْعَمٍ / لو شاءَ أنْ يَسْبَحَ فيه لسَبَح
يا لائمي في الراح كم سيئةٍ / تجاوَزَ الغَفّارُ عنها وصَفَح
ماذا تُريدُ من سَبُوقٍ كُلّما / رُمْتَ وقوفاً منه باللّومِ جَمَح
أغشُّ خلقِ اللَّه عند ذي هوى / من عَرَضَ الرشدَ عليه ونصح
حتى إذا فكّرَ عَنْ بَصيرَةٍ / ذمّ من الأفعالِ ما كان مَدَح
قُمْ هاتِها من كفّ ذاتِ الوِشاحْ
قُمْ هاتِها من كفّ ذاتِ الوِشاحْ / فقَد نَعى اللّيلَ بشيرُ الصّباح
واحللْ عُرَى نومكَ عن مُقلَةٍ / تَمْقُلُ أحداقاً مِراضاً صحاح
خَلِّ الكرَى عَنكَ وخُذْ قَهْوَةً / تُهدي إلى الرّوحِ نسيمَ ارتياح
هذا صَبُوحٌ وَصَبَاحٌ فما / عُذْرُكَ في تَرْكِ صَبُوح الصّباح
باكِرْ إلى اللّذّاتِ وارْكَبْ لها / سَوابقَ اللّهوِ ذواتِ المِراح
من قبل أنْ ترشُفَ شمسُ الضّحى / ريقَ الغوادي من ثُغُورٍ الأقاح
أو يطويَ الظلُّ بساطاً إذا / ما بَرِحَ الطلّ له عنْ بَرَاح
يا حَبّذا ما تبصرُ العينُ مِنْ / أنْجُمٍ راحٍ فوقَ أفلاكِ راح
في روضةٍ غنّاءَ غنّتْ بها / في قُضُبِ الأوْراقِ وُرْقٌ فِصَاح
لا يعرفُ النّاظرُ أغصانَها / إذا تثنتْ من قدودِ الملاح
كَأنّ مفتوتَ عبيرٍ بها / مُطَيّبٌ منه هُبوبُ الرّياح
من كلّ مقصورٍ على رنّةٍ / لو دمَعَتْ عَينٌ له قلتَ ناح
أو ساجعٍ تحسَبُ ألحانَهُ / مِن كُلّ نَدمانٍ عَلَيهِ اقتراح
إنْ قيل بَدّلْ بُدّلَتْ نَغْمَةٌ / منه كأنّ الجِدّ منها مُزاح
يا صاحِ لا تصحُ فكمْ لذّةٍ / في السكرِ لم يَدْرِ بها عيشُ صاح
وأَركبْ زماناً لا جماحٌ لهُ / من قبْلِ أنْ يحدثَ فيه الجماح
قلتُ لحادينا وكأسُ السرى / دائِرَةٌ من كَفّ عَزْمٍ صُرَاح
والعيسُ في شِرّةِ إرقالها / تلطِمُ بالأيدي خدودَ البطاح
لا تُطْمِعِ الأنضاءَ في راحةٍ / وإن وصلنا بغدوٍّ رواح
من كلّ مثل الغَرْبِ مَمْلُوءَةٍ / أيناً فما تَنْشَطُ عندَ امتِياح
فهي سخيّاتٌ وإنْ خلتها / بما أنالَتْ من ذميلٍ شحاح
تمتحُ بالأَرسانِ أرْماقَهَا / إِلى الرَشيدِ المَلِكِ المُستَماح
إنّ عُبَيدَ اللَّه منه انتَضَت / يمانيَ البأسِ يمينُ السّماح
مَلْكٌ به تُخْتَمُ أهْلُ العُلَى / إِذا بدا فَبِأَبيهِ افتِتاح
وعمّ منهُ الذلُّ أهلَ الخنى / وعمَّ منْهُ العزُّ أهلَ الصّلاح
مستَهدِفُ المعروفِ سمحٌ لهُ / عِرْضٌ مَصُونٌ وثناءٌ مباح
يخفضُ في المُلْكِ جنَاحَ العُلى / لم يَرْفَعِ القَدْرَ كخفضِ الجَناح
تمهرُ أرواحَ العدى بيْضُهُ / إذا أرادتْ من حروبٍ نكاح
فكلّما غَنّتْهُ في هامهم / أبْقَتْ على إثْرِ الغناءِ النّياح
كَمْ ليلَةٍ أشرَقَ في جُنحِها / بخضرمِ الجَيشِ إلال الصّباح
تسري بها عقبانُ راياتِهِ / مهتَدياتٍ بنُجومِ الرّماح
حوائِماً تحسبُ في أُفْقِهِ / مَجَرّةَ الخَضراءِ ماءً قراح
كأنّها والرّيحُ تَهفُو بهَا / قلوبُ أعدائِكَ يومَ الكِفاح
كَمْ مأزِقٍ أصدرتْ عن أُسْدِهِ / حُمْراً خَياشيمَ القنا والصفاح
يَفتَح في سَوْسَانِ لَبّاتِهِم / بنفسجُ الزّرْقِ شقيقَ الجراح
كأنّ أطرافَ الظُّبَى بينَهُمْ / تفلقُ فوقَ الهامِ بيضَ الأداح
أقبلتَهُمْ كلّ وجيهيَّةٍ / تضيّقُ العُمْرَ خطاها الفساح
كأنّما ترشَحُ أبصارُهَا / بما اغتَذَتْهُ من ضَريبِ اللّقاح
لولاك يا ابن العزّ من يَعْرُبٍ / لم تَلجِ الآمالُ بابَ النّجاح
ولا تَلَقّى الفَوزَ إذ سوهموا / بنو القوافي من مُعَلّى القداح
فانْعمْ بعيدٍ قد أتى ناظماً / كلُّ لسانٍ لك فيه امتداح
فقد أرتنا في ابتذالِ اللّهَى / كفُّكَ أفعالَ المُدَى في الأضاح
أشارَتْ وسُحبُ الدمع دائمةُ السّفْحِ
أشارَتْ وسُحبُ الدمع دائمةُ السّفْحِ / بأنّ غرابَ البَينِ يَنْعَبُ في الصّبحِ
فقلتُ أقيمي من عِقاصِكِ صبغَةً / على اللّيْلِ تهْدي منه جنحاً إلى جنح
عسَى طوله يَثني عن البَينِ عَزْمَهُ / وتُفضي به حَرْبُ الفراقِ إلى الصّلح
وبَينَ خَلالِ الدُّرّ من ظبيةِ اللّوَى / رضابٌ قراحٌ لا يُداوى به قَرْحي
مُنَعَّمَةٌ في الحَيّ نيطَتْ لصونِها / جهاراً بحد السّيْفِ عاليةُ الرّمحِ
فقِفْ بحياةِ النّفسِ عن مصرع الرّدى / فمن لا يدانِ النّارَ يَنجُ منَ اللّفحِ
فكمْ مُهجَةٍ قد غَرّها الحبّ بالمُنى / فأسلفها الخسرانَ في طَلَبِ الرّبحِ
يقولونَ لي لا تجيدُ الهجاءَ
يقولونَ لي لا تجيدُ الهجاءَ / فقلتُ وما لي أُجيدُ المديح
فقالوا لأنّكَ تَرْجو الثّوابَ / وهذا القياسُ لعمري صحيح
فقلتُ صفاتي فقالوا حسانٌ / فقلتُ نسيبي فقالوا مليح
فقلت إليكم فلي حُجّةٌ / وللحقّ فيها مجالٌ فسيح
عفافُ اللّسانِ مقالُ الجميل / وفِسْقُ اللّسانِ مقالُ القَبيح
وما لي وما لامرِئٍ مسلِمٍ / يَرُوحُ بسَيْفِ لساني جَريح
ومُهنّدٍ عَجَنَ الحَديد لقينه
ومُهنّدٍ عَجَنَ الحَديد لقينه / في الطّبع نيرانٌ مُلِئْنَ رياحَا
رُوحٌ إذا أخرَجْتَهُ من جسمه / دخَلَ الجسُومَ فأخرَجَ الأرواحا
وكأنّهُ قَفْرٌ لعينكَ موحشٌ / أبَداً تَمُرّ ببابه ضحضاحا
وكأنّما جنٌّ تُرِيكَ تخيُّلاً / فيه الحسانَ من الوجوه قباحا
وكأنّ كلّ ذُبابَةٍ غرقَتْ به / رَفَعَتْ مكانَ الأثْرِ منهُ جَنَاحا
ليَ سَمْعٌ صدّ عن قَوْلِ اللّواحْ
ليَ سَمْعٌ صدّ عن قَوْلِ اللّواحْ / وفؤادٌ هامَ بالغيدِ الملاحْ
أحْدَقَ الوَجْدُ بهِ مِنْ حَدَقٍ / كَحَلَتْ بالحسنِ مرضاها الصّحاح
وَيح قلبٍ ضاقَ من أسهمها / عن جراحٍ وقعها فوق جراح
ما أرَى دمعيَ إلّا دَمَها / ربَّما احمَرّ على خَدّي وَساح
كم أسيرٍ من أُسارى قَيدِهِ / في وَثَاقِ الحبّ لا يرجو سَرَاح
وعليلٍ لا يداوى قَرْحُهُ / من جنيّ الرشفِ بالعذبِ القراح
والغواني لا غنىً عن وَصلها / أبِغَيرِ الماء يَرْوَى ذو التِياح
صَفِرَتْ كَفّايَ من صِفْرِ الوشاح / وهَفا حلمي بِهَيفاء رداح
طَفْلَةٌ تسرَحُ في أعطافِها / لِلأَظانين وللدَلِّ مراح
لَوْ هَفَا من أُذْنِها القُرْطُ على / حبلِها من بُعْدِ مَهْوَاهُ لطاح
تُورِدُ المِسْواكَ عذباً خَصِراً / كمُجاجِ النّحلِ قد شِيبَ براح
وإذا ما لاثِمٌ قَبّلَها / شقّ باللّثمِ شقيقاً عن أقاح
طارَ قلبي نَحوَها لمّا مَشَى / حسنُها نحويَ للقلبِ جناح
ما رأتْ عَينٌ قطاةً قبلها / تتَهادى في قلوبٍ لا بطاح
لا ولا شمساً بَدَتْ في غُصُنٍ / وهو في حقف يُنَدّى ويَراح
وكأنّ الحُسْنَ منها قائِلٌ / ما على من عَبَدَ الحُسْنَ جُنَاح
في اقترابِ الدّارِ أَشكو بُعدها / واقترابُ الدّارِ بالهَجرِ انتِزاح
وكَأَنّي لعبةٌ في يَدها / ما لها تُتلفُ جِدّي بالمزاح
أوَ هذا كلّه من لِمّةٍ / أبْصَرَتْ فيها بياضَ الشيبِ لاح
ما تريدُ الخود من شيخٍ غدا / في مدى السّبْعينَ بالعُمْر وراح
كان مِسْكُ اللّيلِ في مفرِقِه / فانجَلى عنهُ بِكَافورِ الصّباح
يا بَني الأَمجادِ هذا زَمَنٌ / رَفعَ الآدابَ من بعدِ اطّراح
فَسحابُ الجودِ وكّافُ الحيا / ومَراد العيش مُخْضَرّ النّواح
ويمينُ ابنِ تميمٍ عَلّمَتْ / صنعةَ المعروفِ أيْمانَ الشّحاح
مَلكٌ في البَهو منه أسَدٌ / يضعُ التّاجَ على البدر اللّياح
حالفَ النّصرَ منَ اللّه فإن / لقيَ الأعداءَ لاقاهُ النّجاح
كلّما هَمَّ بأمْرٍ جَلَلٍ / أتعبَ الأيّامَ فيه واستراح
يهبُ الآلافَ هذي هِمّةٌ / ضاقَ عنه دهرهُ وهي فياح
لَستُ أَدري نشوَةً في عِطفه / للقاءِ الوفد أم هزّ ارتياح
لو غَدت جَدوَى يَدَيه قَهوةً / ما مَشى مِن سُكرِها في الأَرض صاح
من ملوكٍ شُنّفَتْ آذانُهُمْ / بأغاريدَ من المدح فِصَاح
تَكحُلُ الأَبصارُ مِنهُم بِسنا / أوجهٍ مثلِ الدّنانير صِباح
قرّ طبعُ الجود في شيمَتِه / ما لِطَبعِ المَرءِ عَنهُ مِن بَراح
بَعضُ ما يُسديهِ مِن إِحسانِهِ / جلّ عن كلّ تَمَنٍّ واقتِراح
مِحْرَبٌ يَخرُجُ مِن أَغمَادِهِ / خُلُجاً توقدُ نِيرانَ الكِفاح
يَتحَفُ الحَربَ جناحَيْ جَحْفَلٍ / يَقذِفُ الأَعداءَ بالمَوتِ الذّباح
كُسِيَتْ قُمْصَ الأفاعي أُسُدٌ / تُوِّجَتْ فيه بِبيضات الأدَاح
تحسبُ الورد نثيراً حَوْلَهُ / وهو مُحْمَرّ مُجاجاتِ الرّماح
بَطَلٌ تَشْهَقُ مَنْ لهذمِهِ / في جباهِ الرّوعِ أفواهُ الجراح
جاعِلٌ للقِرْنِ إنْ عانَقَهُ / سَيْفَهُ طوقاً وكفَّيْهِ وِشاح
يا وَهُوبَ العيدِ في بَعضِ النّدى / والغنى والجودِ والكُومِ اللّقاح
إنَّ بَحرَيْك عَلى عَظمِهِما / حَسَدا كفَّيك في فيضِ السّماح
فإذا مُوّجَ هذا وطَما / برياحٍ جاشَ هذا برياح
حكيا جُودكَ جَهْلاً فهما / لا يزيدانِ به إلّا افتضاح
كَثُرَ الخُلْفُ ومن دانَ به / وعلى فضلِكَ للنّاسِ اصطلاح
وإذا الفخرُ تسمّى أهلُهُ / كنتَ منهم في فمِ الفخر افتتاح
من شاءَ أنْ تَسْكَرَ راحٌ بِرَاحْ
من شاءَ أنْ تَسْكَرَ راحٌ بِرَاحْ / فليَسْقِها خَمْرَ العيون الملاحْ
فإنّها بالسّحرِ ممزوجَةٌ / أمَا تَرَاها أسكَرَتْ كلّ صاح
فَما تَرى من شربها في الصّبا / في رِبْقَةِ السكرِ فهل من سَرَاح
يا من لِموصولِ الشَجا بالشجا / فليسَ للتّبريح عنه بَرَاح
تُشْرِقُ حولَيه الوجوهُ الَّتي / للبَدرِ والشَمسِ بِهنّ افتضاح
وا رحمتا للصبّ من لَوعةٍ / بكلّ ريّا الحقف صِفرِ الوشاح
يمشي اختيالُ التيه في مشيها / فعدِّ عن مَشْيِ قطاةِ البطاح
ألْقَى الهَوَى العذريُّ في حجره / حرب الغواني والعدى واللّواح
لو حملت منه قلوبُ العدى / جراحَ قلبٍ ما حَمَلْنَ الجراح
وجدي غريبٌ ما أرى شَرْحَهُ / يُوجَدُ في العَينِ ولا في الصّحاح
وإنّما يُحْسِنُ تفسيرَهُ / دَمْعٌ حِمَى السرّ به مُسْتَباح
إنْ مَسّني الضرُّ بِقَرْحِ الهَوى / فبرءُ دائي في الشرابِ القراح
من ظَبيةٍ تنفرُ من ظِلّها / وإن غدا الظلّ عليها وراح
ففي ثناياها جَنَى ريقةٍ / يا هل ترشّفْتَ النّدى من أقاح
كم من يدٍ قد أطْلَعَتْ في يدي / نجمَ اغتباقٍ بعد نجمِ اصطباح
من قهوةٍ في الكأسِ لمّاعةٍ / كالبرقِ شُقّ الغيمُ عنه فلاح
سخيّة بالسكر مَرّتْ على / دنانِها بالختم أيْدٍ شحاح
وهي جَمُوحٌ كُلّما أُلْجِمَتْ / بالماءِ كَفّتْ من غلوّ الجماح
كأنّما الكأسُ طلا مُغْزِلٍ / مُرْوِيَةٍ بالدَّرّ منه التياح
كأنّما الإبريقُ في جسمها / يَنفخُ للندمانِ رُوحَ ارتياح
في روضةٍ نَفْحَتُها مِسْكَةٌ / تُهْدى إلينا في جيوب الرّياح
تميسُ سُكْراً فكأنّ الحيا / باتَ يُحَيّيها بكاساتِ راح
كأنّما أشجارُها مَنْدَلٌ / إن لَذَعَتْهُ جَمْرَةُ الشمس فاح
كأنّما القَطْرُ به لؤلؤٌ / لم يجرِ منه ثُقَبٌ في نِصَاح
كأنّ خُرْسَ الطيرِ قد لُقّنَتْ / مَدْحَ عليٍّ فتغنّتْ فِصَاح
أرْوَعُ وَضّاحُ المحيّا كما / قابَلتَ في الإشراقِ بشرَ الصّباح
مُعَظَّمُ الملك مُقِرٌّ له / بالملك حتى كلّ حيّ لَقَاح
مجتمعُ الطعمينِ في طبعه / تَوَقُّدُ البأسِ وفَيْضُ السّماح
يُضْحِكُ في الغرب ثغورَ الظُّبا / وهنّ يُبْكِينَ عُيُونَ الجراح
مَهّدَ في المهديتين العلى / وعمّ منه العدلُ كلّ النّواح
والمُلْكُ إن قامَ به حازِمٌ / أضحى حِمىً والجدّ غيرُ المزاح
في سرجه اللّيثُ الَّذي لا يُرَى / مفترساً إلّا ليوثَ الكِفاح
كأنّما سَلّ على قِرْنِهِ / من غمده سيفَ القضاءِ المُتَاح
ذو هِمّةٍ شَطّتْ عُلاه فما / تُدْركُ بالأبصارِ إلّا التِماح
من حِمْيَرِ الأمْلاكِ في منصبٍ / ذو حسبٍ زاكٍ ومجدٍ صراح
أعاظِمٌ لم يمحُ آثارَهُمْ / دهرٌ لما خطَّته يمناهُ ماح
هُمُ اليَعاسيبُ لدى طَعْنِهِمْ / إنْ شوّكوا أيمانَهُمْ بالرّماح
كم لهمُ في الأُسْدِ من ضربَةٍ / كما سجاياهُ قريع اللّقاح
إن ابنَ يحيَى قد بَنى للعُلى / بيتاً فأمسى وهو جارُ الضراح
وصالَ بالجِدّ منوطاً به / جَدٌّ له الفوزُ بضربِ القداح
والصارمُ الهنديّ يسقي الردى / فكيفَ إن سُقّيَ مَوتاً ذباح
آراؤه في الرّوع أعْدى على / أعدائِهِ من مُرْهَفَاتِ السّلاح
وبطشُهُ ما زالَ عن قُدْرَةٍ / يُغْمِدُ في الصّفح شِفَارَ الصّفاح
لا تصدرُ الأنفسُ عن حُبِّهِ / فإنّهُ للسيّئاتِ اجتراح
كم طامحِ الألحاظِ نَحْوَ العُلَى / إذا رآهُ غَضَّ لحظَ الطّماح
وربّ ذئبٍ ذي مراحٍ فإن / عنّ له الضرغامُ خلّى المراح
يا طالِبَ المعروفِ ألْمِمْ به / تَخْلَعْ على المطلوبِ منك النجاح
نداهُ يُغني لا نَدَى غَيرِهِ / من للذُّنَابَى بِغَنَاءِ الجناح
فخلِّ مَنْ شَحّ على وفره / لا تُقْدَحُ النّارُ بزندٍ شحاح
فالربعُ رحبٌ والندى ساكبٌ / والعيشُ رغدٌ والأماني قماح
ما للوشاةِ غَدَوا عليّ وراحوا
ما للوشاةِ غَدَوا عليّ وراحوا / أعليّ في حُبِّ الحسانِ جُنَاحُ
وبمهجتي عُرُبٌ كأنّ قدودها / قُضُبٌ تقومُ بميلهنّ رياحُ
مهتزَّةٌ بقواتلِ الثَّمَرِ التي / أسماؤها الرُّمَّانُ والتُّفَّاحُ
غيدٌ زَرَيْنَ على القطا في مشيها / فلهنّ ساحاتُ القلوب بطاح
من كلّ مُصْبِيَةٍ بِضِدّيْ حسنها / فالفَرْعُ ليلٌ والجبينُ صباحُ
تفتَرّ عن بَرَدٍ فراشفُ دُرِّهِ / يَحلو له شَهْدٌ وتُسْكِرُ راحُ
لا تقتبسْ من نور وجنتها سناً / إنّ الفراشةَ حَتفُها المصباحُ
نُجْلُ العيونِ جراحها نُجْلٌ أما / تصفُ الأسنّةَ في الطعين جراحُ
يا وَيْحَ قتلى العاشقين وإنْ هُمُ / شهدوا حروباً ما لهنّ جراحُ
أوَ ما علمتَ بأنّ فُتّاكَ الهوى / حُورٌ تكافحُ بالعيون مِلاحُ
من كلّ خودٍ كالغزالةِ قِرْنُها / أسَدٌ أُذِلّ وإنّها لَرَداحُ
فالرّمحُ قدٌّ والخداعُ تَدَلّلٌ / والسيفُ لحظ والنجادُ وشاحُ
ودماءُ أهل العشق في وجَنَاتها / فكأنّ قتلاهم عليها طاحوا
وسبيَّةٍ بصوارمٍ من عسجدٍ / قد صافَحَتْ منها العلوجَ صفاحُ
حمراءَ يُسْلي شربُها وبشربها / تُنْسَى الهموم وتُذْكَرُ الأفراحُ
رَجَحَتْ يدي منها بحَمْلِ زجاجةٍ / خَفّتْ بها خَودٌ إِليّ رَجَاحُ
وكأنّ للياقوتِ ماءً مزبداً / فالدرُّ فيه بكأسها سَبّاحُ
ومجوَّفٌ لم تُحْنَ أضلُعُهُ على / قلبٍ وقلبُك نحوه مُرْتاحُ
نَبَضَتْ دقاقُ عروقهِ فكأَنَّها / في النّقْرِ ألْسِنَةٌ عليه فصاحُ
مَسّتْهُ للإصلاحِ أنمُلُ قَيْنَةٍ / فقضى بإفسادٍ له إصلاحُ
وَفَدَ السرورُ على النفوس بشَدْوها / وتمايلتْ طَرَباً بنا الأقداحُ
وكأنّما ذِكْرُ ابن يحيى بيننا / مِسْكٌ تَضَوّعَ عَرْفُهُ النفّاحُ
مَلِكٌ رَعَى الدنْيا رعايةَ حازمٍ / وأظلّ دينَ اللَّه منه جَناحُ
متأصّلٌ في الملك ذو فخر له / حسَبٌ زكا في الأكرمين صراحُ
وَسِعَ البسيطةَ عَدْلُهُ وتضاعفَتْ / عَن طولهِ الآمالُ وهي فساحُ
ذو همّةٍ عُلْوِيّةٍ عَلَوِيّةٍ / فَلها على هممِ الملوكِ طماحُ
وإشارة باللحظ يخدم أمْرَهَا / زمنٌ له سلم به وكفاحُ
يَقِظٌ إذا التبستْ أمورُ زمانه / فلرأيه في لَبْسها إيضاحُ
فكأنّما يبدو له متبرّجاً / ما يحجب الإمساءُ والإصباحُ
راضَ الزمانَ فلم يزلْ منه أخا / ذُلٍّ وقدماً كان فيه جماحُ
ورَمَى العدى بضراغمٍ أظفارُهَا / ونيوبُها الأسيافُ والأرماحُ
نَصَحتْ له الدنْيا فلا غشٌّ لها / وسَخَتْ به الأيّامُ وهيَ شحاحُ
من ذا يجاودُ منه كفّاً كفُّهُ / والبحر في معروفِهِ ضَحضاحُ
زهد الغناةُ من الغنى في جودِهِ / ولراحتَيه بِبَذله إِلحاحُ
كم قيل بَرّحَ في العطاءِ بمالِهِ / فأجَبْتُ هل للطبعِ عَنهُ بَرَاحُ
ذِمْرٌ تروحُ شموسُه وبدورُهُ / وبروجُها من معتَفيهِ الراحُ
وإِذا بَنو الآمالِ أَخْسرَ وُسْعُهُمْ / أَضحى لهُمْ في القَصدِ مِنهُ جناحُ
ولَئِن مَحا الإعدامَ صَوْبُ يمينهِ / فالجدبُ يمحوه الحيا السيّاحُ
شَهْمٌ إذا ما الحربُ أضحَت حائلاً / أَمسى لها بذُكورهِ إِلقاحُ
تطوى على سُودِ الحتوفِ بِعَزْمِهِ / ملمومةٌ ملءُ الفضاءِ رِداحُ
أَفلا تُبيدُ مِنَ العِدى أَرواحَهُمْ / ولها غُدُوٌّ نَحْوَهُمْ ورواحُ
متناوِلٌ قُمُحَ الكماة بأسمرٍ / لِدَمِ الأُسود سنانُه سَفّاحُ
وكأنّ طعنته وِجَارٌ واسِعٌ / فلثعلبِ الخطِّيِّ فيه ضُبَاحُ
وكأنّما حَبّ القلوب لرُمحِهِ / جِزْعٌ يُنَظَّمُ فيه وهو نِصَاحُ
في مأزقٍ ضنكٍ سماءُ عَجاجِهِ / تعلو وأرضُ حِمامِهِ تَنْداحُ
أنتم منَ الأَملاكِ أرواحُ العُلى / شَرَفاً وغيركُمُ لها أشباحُ
هذا عليٌّ وهو بَدْرُ مهابةٍ / كَلِفٌ به بصرُ العُلى اللمَّاحُ
هذا الّذي نَصَرَ الهدى بِسيوفِهِ / ورماحِهِ فَحِماهُ ليسَ يُباحُ
هذا الَّذي فازتْ بما فوْقَ المنى / من جوده للمعتَفينَ قِداحُ
مَنْ حُبّهُ النهجُ القويمُ إلى الهدى / فصلاحُ مبغِضِهِ الشقِيِّ صلاحُ
من صَوْنُهُ قُفْلٌ لكلّ مدينةٍ / فإذا عَصَتْهُ فسَيفهُ المِفتاحُ
يا صارمَ الدِّين الّذي في حَدّهِ / مَوْتٌ يُبيد به عِداه ذُباحُ
طَوَّقْتَني مِنَناً فَرُحْتُ كأنَّني / بالمَدْح قُمْريٌّ له إفصاحُ
وسَقَيتَني من صَوْبِ مزنك فوْق ما / يَرْوَى به قلبُ الثرى الملتاحُ
ففداك مَنْ للمالِ أسْرٌ عنده / إذْ لم يزَلْ للمال منك سراحُ
وبقيتَ للأعياد عيداً مبهجاً / ما لاجَ في الليل البهيم صَبَاحُ
وأشقرَ من خيل الدنانِ ركبتُهُ
وأشقرَ من خيل الدنانِ ركبتُهُ / فأصبحَ بي في غايةِ السكر يجْمَحُ
فألجمتُهُ بالمزج حتى وَجَدْتُهُ / بما شحّ من حُسنِ الرياضةِ يسمحُ
فيا عجَباً من روض نارٍ مكلَّلٍ / بنوّار ماءٍ في الزجاجَةِ يَسبحُ
فَحَرّ لَظاها يَلذَعُ الهمّ في الحشا / وطيب شَذاها للعَرانينِ يَنْفَحُ
خَلِّ شيبي فلستُ أدْمِلُ جُرْحاً
خَلِّ شيبي فلستُ أدْمِلُ جُرْحاً / بخضابٍ منه فَيَنْغَرَ جُرْحي
وإذا ما خسرتَ يوماً من العم / ر فهيهاتَ أنْ يُرَدّ بربحِ
عَيْبُ شَيْب يجلوه عَيْبُ خِضَابٍ / إن هذا كنكءِ قَرْحٍ بِقَرْحِ
صبغةُ اللَّه لستُ أَستر منها / بيدي في القذال قُبحاً بِقُبحِ
كم مُعنّىً منه وكَم مِن غَريبٍ / بالليالي ما بين قَوْلٍ وشرحِ
وكأنّ الخضابَ دُهْمَةُ ليلٍ / تحتها للمشيبِ غُرَّةُ صبحِ
أَبيعُ منَ الأَيّامِ عمري وأشتري
أَبيعُ منَ الأَيّامِ عمري وأشتري / ذنوباً كأني حين أخْسَرُ أربحُ
فهلَّا أذبتُ القلب من حُرَق الأسى / وصَيَّرْتُهُ دمعاً من العين يُسفحُ
وأنّى وفي عُقْبَى الشبابِ عقوبةٌ / أُسَرّ بها بئس السرورُ وأَفرحُ
مَشَطْتُ بالصبح صُبْحا
مَشَطْتُ بالصبح صُبْحا / فزدتُ في الشرح شرحا
وقد خسرتُ حياةً / غَدَتْ من الربح ربحا
لحظّك بالعُلى بالفوزِ قِدْحُ
لحظّك بالعُلى بالفوزِ قِدْحُ / وذَكرِك في غريب المجد شَرْحُ
رأيتُ مُحمداً والناسَ طرّاً / شَكا وشَكوا فلَمّا صحّ صحّوا
مُحِبّكَ في التّقى بهداكَ يُهْدى / وينحو في العُلى ما أنْت تنحو
فَبُلّغْتَ المُنى فيه ومَرّتْ / به تلك الليالي وهي صُلْحُ
ونلتَ سعادةً ما اسودّ ليلٌ / وعينَ كرامةٍ ما ابيضّ صبحُ
فَرَفْعُ النجمِ في علياكَ خَفْضٌ / وفَيْضُ البَحرِ في نُعماكَ رشحُ
رَقيقةُ ماءِ الحُسنِ يَجْري بِخَدّها
رَقيقةُ ماءِ الحُسنِ يَجْري بِخَدّها / كجَرْيِ الندى في غَضّ وَرْدٍ مُفَتِّحِ
تَثَنّتْ بِعِطفَيها عنِ العِطفِ وانثَنتْ / كنشوانَ في بَرْدِ الصّبا مُتَرَنّحِ
فتحسبُ منها الرَّجْلَ جاذبَ أَخمَصاً / فَلَيسَ بِمَعقولٍ ولا بمسرّحِ
فقلتُ لها يا أملح العينِ مشيةً / أمزنةُ جَوٍّ أنتِ أمْ سَيْلُ أبطحِ
لقد أشْقتِ الأضدادُ منك ملاحةً / فتى روحُهُ في الحبّ غيرُ مُرَوّحِ
سخاءٌ بهجرٍ من سمينٍ مُدَمْلَجٍ / وشُحٌّ بوصلٍ مِنْ هَزِيلٍ مُوَشَّحِ
أيا مُوْليَ الصّنع الجميلِ إذا انتشى
أيا مُوْليَ الصّنع الجميلِ إذا انتشى / ويا مُبْتَدي النّيْلِ الجميلِ إذا صحا
وفي كلّ أرضٍ من نداه حديقةٌ / تَضَوّعَ مسكاً نَورُهَا وتفتّحا
عطاؤك يَعْفو المحلَ صوباً فَعَيْنُهُ / تخطّ على آثاره كلّ ما محا
أأفرد بالحرمانِ من كلّ عاطلٍ / تَطَوّقَ من نعماك ثم توشّحا
أتَتْني على بُعْد النوى منك دَعْوَةٌ / قطعتُ لها بالعزم نَجْداً وصحصحا
ويَحتَالُ مِن أَهلِ القَريضِ مُصَرِّفٌ / يُهَادي القوافي في امتداحك قُرّحا
وكان عليه الحق ليلاً يجوبُهُ / إليكَ فلما لاحَ وَجْهُكَ أصبَحا
رَفَعتُ وأَصحابي إلى ما يُجِدّهُ / علاك فوَقّعْ مُمسكاً أو مُسَرّحا