المجموع : 12
الروح أشْقَتني وجُلَّ صَحابتي
الروح أشْقَتني وجُلَّ صَحابتي / ما أشقتِ الشعراءِ إّلا الروحُ
توسي الجروحُ وليس يوسي شاعرٌ / بصميم إحساساته مجروح
في القلب من أثرِ الهُموم ووَسْمِها / سِمةٌ على النَّفَسِ الحزينِ تلوح
فَنِيَتْ قوافٍ ما قرحن وإنما / خلدت بذكرى " ذى القروح " قروح
ولَكَمْ طَرِبتُ فما أجَدتُ وحسبكم / أني أُجيد الشعر حين أنوح
أما التباريحُ الحِرارُ فإنها / للنَفْس مما تشتكي ترويح
يا موطناً عَزّت به " خرطوشةٌ " / ذُلاًّ وهانَ دمٌ له مسفوح
لولا اتقاءُ رواصدٍ مبثوثةٍ / هتكتْ مُتونَ المجملات شروح
ولقد يَحسُ الشاعرون بأنهم / عبءٌ على أوطانِهِم مطروح
أحِنُّ إلى شَبَحٍ يَلْمَحُ
أحِنُّ إلى شَبَحٍ يَلْمَحُ / بِعينَيَّ أطيافُه تَمْرَحُ
أرى الشَّمْسَ تُشْرِقُ من وجهِهِ / وما بينَ أثوابِه تجنح
رضيِّ السّماتِ كأنَّ الضَّمير / على وَجْهِهِ ألِقاً يَطْفَح
كأنَّ العبيرَ بأردانهِ / على كلِّ " خاطرةٍ " يَنْفح
كأنَّ بريقَ المُنى والهنا / بعينيهِ عن كوكبٍ يقدح
كأنَّ غديراً فُويقَ الجبينِ عن / ثقةٍ في " غدٍ" يَنْضَح
كأنَّ الغُضونَ على وَجْنَتيهِ / يكنُّ بها نغمٌّ مُفرِح
كأنَّ بهامتهِ منْبعَاً / من النُور أو جمرةً تجدح
كأنَّ " فَنَاراً " على " كاهل " / يُنارُ بهِ عالَمٌ أفسح
وآخَرَ شُدَّتْ عليه يدٌ / فلا يَسْتَبينُ ! و لا تُفْتَح !
أحنُّ إليهِ بليغَ الصُمُوت / معانيهِ عَنْ نَفْسِها تُفْصِح
تَفايَضَ منهُ كموجِ الخِضمِّ / أو لحنِ ساجعةٍ تصدَح
جَمالٌ . وليسَ كهذا الجمال ! / بما بهرَجَتْ زِينةٌ يُصْلَح
كأنَّ الدُّهورَ بأطماحِها / إلى خِلقةٍ مِثْلِهِ تَطْمَح
كأنَّ الأمورَ بمقياسهِ / تُقاسُ فتؤخذُ أو تُطرح
كأنَّ الوجوهَ على ضَوئهِ / نلوحُ فتَحْسُنُ أو تَقبح
يُداعِبُني إذ تَجِدُّ الخُطوبَ / فأمْزَحُ منها كما يَمْزَح
يُشَدُّ جَناني بعَزْماتهِ / ودمعي بِبَسْماتهِ يُمْسَح
ويُبْرِدُ نَفسي بأنفاسهِ / إذا لَفَّني عاصفٌ يَلْفَح
ويَطْرقُني كلَّما راودَتْ / ضميريَ فاحشةٌ ترشَح
وكِدْتُ أُطاحُ بإِغرائِها / فأحْدو ركائبَ مَنْ طُوِّحوا
فيمشي إليَّ وثِقْلُ الشُكوك / مُنيخٌ على النَفْسِ لا يَبْرَح
وقد أوشكَ الصَّبرُ أنْ يلتوي / ويَكسِرَهُ المُبْهِضُ المُتْرِح
وحينَ تكادُ شِغافُ الفؤاد / بِسِكّينِ مُطْمِعةٍ تُجْرَح
وإذْ يُركِبُ النَفْسَ حَدَّ الرَّدى / عِنانٌ من الشرِّ لا تُكبَح
وإذْ يعْصُرُ القلبَ حُبُّ الحياة! / وكأبوسُ حِرمانها المُفْدِح
فيرفعُ وجهي إلى وَجهِه / ويقرأُ فيه ويَسْتَوضِح
فأرجفُ رُعباً كأنَّ الحشا / تَخَطَّفَهُ أجدَلٌ أجدَح
وأفْهَمُ مِنْ نظرةٍ أنَّني / لشرٍّ فكَرْتُ بهِ أصْلُح !!
وأنَّ الضَّميرَ بغيٌّ يجيء / لها " الَّليلُ " ما " الصُّبْحُ " يَستقبِح
وأنْ ليسَ ذلكَ مِنْ دَيْدَنٍ / لِمَنْ هَمّهُ عالَمٌ أصْلَح
فأنهالُ لثماً على كفّهِ / وأسألُ عفواً وأسْتَصْفِح
أحِنُّ له : وكأنَّ الحياةَ / خضراءَ مِنْ دونه صَحْصَح
أحِنُّ له : وأحبُّ الكَرَى / لسانحةٍ منهُ قد تَسْنَح
أحِنُّ له : ليسَ يَقْوَى النَّعيمُ / وكُلُّ لذاذاتهِ مُرْبِح
ولا كلُّ ما نَهَزَ الناهِزون / من المُمتِعاتِ وما استَنْزَحوا
ولا كلُّ ما أمَّلَ الآمِلون / ولا مُخْفِقٌ منهُ أو مُنْجَح
لِتَعْدلَ مِنْ ثَغْرهِ بسمةً / بها نَسْمةُ الخْلدِ تُسْتَرْوَح
فيا ليتني بعضُ أنفاسهِ / لأمْنَحَ مِنْهُنَّ ما يُمْنَح
ويا ليتني " ذرّةٌ " عندَه / لأسْبَحَ في فَلَكٍ يَسْبَح
أحنُّ إلى شبحٍ يلمحُ / بعيَنَّي أطيافُه تَمْرَح
إن يكنْ أُغْلِقَ يومٌ
إن يكنْ أُغْلِقَ يومٌ / لك فارجُ الانفِتاحْ
مثلما تنقبض الوردةُ / بعدَ الإنْشراح
فيُحيّها الصِّبا الطَّلقُ / وأنفاسُ الصباح
على مجلِسي مادمت حياً أخطُّها
على مجلِسي مادمت حياً أخطُّها / وفي مرقدي ان مِتُّ خطواُّ نصائحي
فهل غيرَ أن أقضي وعندي بَثّةٌ / نعم سوفَ اشكوها لأهل الضرائحِ
بعين الهوى لي بالفراتين وَقفة / أهاجَت كمينَ الشوقِ بين الجوانح
وقد خَفَت الليل البَهيمُ فما به / سوى هاجساتِ الفكرِ لي من مَطارح
أأبهَجُ من هذا جمالاً ومنظراً / فما بالُها سَدَّت علىّ قرائحي
اتعِرفُ امواجَ الفُراتين مُهجتي / اذا استنشدُوها عن قلُوبٍ طوائح
ابحتُ لكِ الشَكوى فهل تسمعينها / والا فبَعدَ اليوم لستُ ببائح
أقمنا بجوٍّ كلُّ ما عند أهله / مجالسُ ألهاها صفير المدائح
ألا هل يعودُ الشعر فينا كأنه / من الظهر يملى عن غيُوث رواشِح
فأحسنُ مما رَدَّدَت نبراتكم / من الكلم العاري غناءَ المراسِح !
قطعتُ ولم يبلغ بيَ العمرُ شوطه / من الشعر أشواطاً بِعادَ المطارح
فقل لسنَيحٍ الطير إن لم تتَرُق له / أهازيجُ شعرٍ أين عنه " سوانحي "
قلى لك يا عصر الشبيبة والصبا
قلى لك يا عصر الشبيبة والصبا / فإنك مغدى للأسى ومراح
صحبتك مر العيش لا الروض يانع / لدىَّ ولا الماء القراح قراح
تفيأت أطلال التصابي وإنما / نصيبي منها حسرة وبراح
حشى أفسحت فيه المنى خطواتها / فضاقت به الأرجاء وهي فساح
يقولون : محصوص الجناح هفت به / هموم وماذا يستطيع جناح
على رسلكم إن الليالي قصيرة / وما هي ألا غدوة ورواح
أأحبابنا ماذا التغير لا الهوى / بصاف ولا تلك الوجوه صباح
تحولتم عن ركب الحب واستوى / مشوب وداد عندكم وصراح
إلى م انخداعي بالمنى وهي غرة / وتركي فيها الجدَّ وهو مزاح
هموم ترى في كل حين بمظهر / سواء هديل شائق ونواح
أغاض دموعي أنهن كرائم / وأن النفوس الآبيات شحاح
وما أعربت خرس الأراك بلحنها / عن الحب إلا كي يقال فصاح
لأهل الهوى ياليل فيك سرائر / عجاب وغدر ان ينمَّ صباح
رأوا فيك مخضر الأماني فعرسّوا / بجنحك ا شاء الغرام وناحوا
نغض لمرآك الجفون وإنما / عيون الدراري في دجاك وقاح
خروق نجوم في سماء تلاوحت / كما لاح في جسم الطعين جراح
ومرضى قلوب من وعود وخلفه / ولم تهو يوماً أنهن صحاح
براها الأسى حتى استطار شرارها / فرفقاً. فما هذي النفوس قداح
خُذي مَسعاكِ مُثَخنةَ الجِراحِ
خُذي مَسعاكِ مُثَخنةَ الجِراحِ / ونامي فوقَ داميةِ الصِفاحِ
ومُدِّي بالمماتِ إلى حياةٍ / تسَرُّ وبالعَناءِ إلى ارتياح
وقَرّي فوقَ جَمرِكِ أو تُرَدِّي / من العُقبى إلى أمرٍ صُراح
وقُولي قد صَبْرتُ على اغتباقٍ / فماذا لو صَبرتُ على اصِطباح
فانَّ أمرَّ ما أدْمَى كِفاحاً / طُعونُ الخائِفينَ مِن النجاح
فكُوني في سماحِكِ بالضحايا / كعهدكِ في سماحِكِ بالأضاحي
فان الحقَّ يقطُرُ جانباه / دَماً صِنوُ المُروُءةِ والسماح
وتأريخُ الشُعوبِ إذا تَبَنّى / دمَ الأحرارِ لا يمحوهُ ماحي
فِلَسْطينٌ سَلامُ اللهِ يَسري / على تلك المشارِفِ والبطاح
رأيتُكِ مِن خِلال الفَجرِ يُلقي / على خُضْر الرُّبى أحلى وِشاح
أطَلَّ النَسرُ مُنتصِباً عليهِ / فهبَّ الديكُ يُنذِرُ بالصياح
يؤوبُ الليلُ منه إلى جَناحٍ / وتبدو الشمسُ منه على جَناح
وعَينُ الفجرِ تَذري الدمعَ طَلاًّ / وتَمسَحُه بمنديل الصباح
وأنفاسُ المُروج معطَّراتٌ / بأنفاسِ الرُعاة إلى المَراح
لَمستُ الوحيَ في لْحنِ المثاني / وشِمتُ الحُزنَ في وقْعِ المساحي
وغَنَّى " أُورْشَلَيمَ " يُعيدُ لحناً / لداود هَزارٌ بالصُّداح
وحولي مِن شبابِكِ أيُّ روضٍ / ينُمُّ حَديثُه بشذا الأقاح
وألطافٍ كأنفُسهم عِذابٍ / وأسمارٍ كأوجُهِهمْ صِباح
سلاماً للعُكُوفِ على التياحي / وشوقاً للظِماء إلى ارتياحي
وحُزناً أنْ يجُرَّ الدهرُ حُزناً / على تلك الغَطارفةِ الوضاح
أأمَّ القُدْسِ والتأريخُ دامٍ / ويومُكِ مثلُ أمسِكِ في الكفاح
ومَُهدُكِ وهو مهبِطُ كُلِّ وحيٍ / كنعشكِ وهو مُشتَجرُ الرِماح
و " وادي التِيَهِ " إنْ لم يأوِ " موسى " / فقد آوى الصليب على " صلاح "
وذكرى " بختَ نُصَّر " في الفيافي / يُجَدَّدُها " أِلنْبي " في الضواحي
فلا تَتَخبَّطى فالليلُ داجٍ / وإنْ لم يَبْقَ بُدٌّ مِن صباح
شَدَدْتِ عُرى نِطاقِكِ فاستمِري / ولا يثقُلْ عليكِ فتُستباحي
ولا تُغْنَيْ بِنا إنّا بُكاةٌ / نَمُدُّكِ بالعويل وبالصياح
ولا تُغْنَيْ بِنا فالفِعلُ جَوٌّ / مَغِيْمٌ عِندَنا والقولُ صاح
ولن تَجدي كإيانا نصيراً / يَدُقُّ من الأسى راحاً براح
ولا قوماً يَرُدُّون الدّواهي / وقد خَرِسَتْ بألسْنةٍ فِصاح
أعِيْْذُكِ مِن مَصيرٍ نحنُ فيه / لقد عُوِّذتِ مِن أَجَلٍ مُتاح
ووضعٍ أمسِ كُلُهمُ لواهٍ / به واليوم كلُهم لواحي
تَنَصَّلَ منه زُوراً صانِعوهُ / كمولودٍ تحدَّرَ مِن سِفاح
وذمُّوا أنَّهم كانوا عُكوفاً / عليهِ في الغُدُوِّ وفي الرواح
وتأريخٍ أُريدَ لنا ارتجالاً / فآبَ كما أريدَ إلى افتضاح
شَحَنَّا دفَتيهِ بمُغمَضاتٍ / " كأحداقِ المها مرضى صحاح "
وغَلَّفْنا مظاهرهُ حِساناً / مزخرفةً على صُوَرٍ قِباح
وسُقْنا الناسَ مُكْرهةً عليه / على يد ِ ناعمينَ به وَقاح
ونَصَّبْنا مرَوِّضةً غِلاظاً / على ما في الطبائِعِ منْ جِماح
وأحْلَلْناه وهو ضريحُ شعبٍ / محلَّ الوَحْيِ جاءَ من الضُّراح
نجرَّعُهُ ذُعافاً ثم نُضفي / عليهِ محاسِنَ الشَّبِم القَراح
ورُبَّةَ " صَفْقَةٍ " عُقِدَت فكانت / كتحريم الطلاقِ على نِكاح
تُدبَّرُ في العواصِم من مُرِيْبِ / خبيثِ الذكر مَطعونِ النواحي
تفوحُ الخمر منها في اختْتامٍ / ويبدُو منها في افْتتاح
ويُسْفِرُ نَصُّها المُسوَدّ خِزياً / ومَظلمةً عن الغِيد المِلاح
و" تصريحٍ " يُمِطّطه قويّ / كَلَوْحِ الطّينِ يدحوه داحي
و " حلفٍ " لستُ أدري مِن ذُهولٍ / أعن جِدٍّ يُدَبَّرُ أم مِزاح
لنا حقٌ يُرجَّى بالتماسٍ / وباطِلُهمْ يُنفَّذُّ بالسلاح
ولستُ بعارِفٍ أبداً حَليفاَ / يهدِّدُه حليفٌ باكتساح
فلسطينُ تَوَّقيْ أنْ تكوني / كما كُنَّا بمَدرجَةِ الرياح
وأنْ تضَعي أمورَكِ في نِصابٍ / يوَّفُر او يُّطَفَّفُ باجتراح
وهابِي أن تُمدَّ إليكِ مِنَّا / يدُ المتضارِبين على القِداح
فكم هاوٍ أَجَدَّ لنا جُروحاً / بدعوى أنَّه آسي جراح
وأُصدِقُكِ الحديثَ فكم " حُلولٍ " / حرامٍ لُحْنَ في زِيٍّ مُباح
"نُطَوِّفُ ما نُطَوِّفُ ثُم نأوي / الى بيتٍ " أُقيمَ على " اقتراح "
يُخرِجُ ألفَ وجه مِنْ حديثٍ / ويَخْلُقُ ألْفَ معنىً لاصطلاح
أُعِدَّ لك النَّهَجُ الواضحُ
أُعِدَّ لك النَّهَجُ الواضحُ / فسِر لا هفا طيرُك السانحُ
وحيّاك ربك من ناصح / اذا عزّنا المشفقُ الناصح
يحدث عنك بطيب الهُبوب / نسيمٌ له عبَقٌ نافح
فكل مكان ربيع يروق / وكل تراب شذىً فائح
سلام الاله على طالعٍ / يَحارُ بطلعته المادح
مَهِيب يرُدُّ سناه العيون / وان أُجْهد النظرُ الطامح
مليكَ العراق وكم جمرةٍ / يَضيق بأمثالها القادح
ينوح المغرد شجواً فلا / يَغُرَّنْكَ إن غرّد النائح
أبُثُّك أن الفؤاد الرقيقَ / يُمِضُّ به الحادث الفادح
الا لا يُقَلْ وحُبِيتَ الحياةَ / وريدُك أنت له ذابح
وإنك مستبدِل باليسَار / يميناً لها الشرف الراحج
وانك خودعتَ عن نية / فؤادُ الحسود بها طافح
فقد سار بين حُداة الركاب / حديثٌ يرِق له الكاشح
تنُمَّ الشَمال به للجَنوب / ويُنبي به الغاديَ الرائح
وحاشاك حاشاك كيف استُخِفَّ / لما بلَّغوا حِلْمُك الراجح
بودي لو مجمَلاتُ الحديث / تباح لينشُرَها شارح
لتعلمَ كيف خبايا الصُّدور / ومن هو في غيبهِ جارح
لئن سرهم أننا عزَّلٌ / فقد أخطأ المقتلَ الرامح
وفيمن تصول لرد الصَّيال / يمينٌ لها عَضُدٌ طائح
تذكَّرْ لعل ادكارَ العُهود / يُراح به نَفَسٌ رازح
غداةَ استضّمك في " كربلاء " / وإياهم المجلسُ الفاسح
هُمُ ألْقحوا الأمر حتى إذا / تَمخَّض لم يَجْنِه اللاقح
فيا جَبرَ اللهُ ذاك الكسير / ويا خَسِرَ الصفقةَ الرابح
ووالله لا الوِرْدُ عذبُ النمير / ولا العيشُ من بعدِهِمْ صالح
وأقسمُ لولا أمانٍ يُراض / بتعليلهن الحشا الجامح
لبِتنا وكلٌّ له شاغل / وكلٌّ على قربه نازح
ولولا قدومُك كان " الغري " / لفقدهم وجهُهُ كالح
وإنا لنأمُلُ نصرَ اللُّيوث / وأن يُلْقَمَ الحجرَ النابح
ودام مَقامك للوافدين / كالركن ما مِسِحِ الماسح
برِمْتُ بريَعانِ هذا الشبابِ
برِمْتُ بريَعانِ هذا الشبابِ / تخارَسَ في الفجرِ صدّاحُهُ
وجاء خِضَمَّ الحياةِ الرهيب / وكفَّ عن الجدفِ ملاَّحه
برمتُ فليتَ الرد ى عاصفٌ / بهذا الشباب فيجتاحه
أموتُ وجهدُ الحياةِ اللذيذ / تطوفُ بعينيَّ أشباحه
تُهدهِدُ روحيَ أمساؤه / وتُنعشُ نفسيَ أصباحه
أموتُ وبي ظمأ للشَّجا / تهُبُّ فتعصِفُ أرياحه
فماليْ وللعيشِ لا تُستثارُ / بنار التحرُّقِ أطماحه
وماليْ وللموتِ إن لم ترِفَّ / عليَّ من الحُزن أفراحه
سيُطربُني وقعُ زحفِ السنين / بسرِّ الحياةِ وعُمقِ القِدَمْ
وتفتحُ عينيَّ سُودُ الدياجي / يُنوِّر منها بريقُ الألم
ستُلهِبُني عاصفاتُ الرِّياح / فقد ملَّ سمعي وئيدَ النَّسم
أرى الموتَ نبعَ الحياةِ الجميلَ / إذا خَضَبته الليالي بدم
وعن وهَج الكأس كأسِ الوجود / تُترجِمُ عيناي سرَّ العدم
ألذُّ عناقَ ظِلالِ الحياةِ / تخالَطَ فيها سرورٌ بهم !
ولا أعرِفُ النومَ حتى ترِفَّ / على جانبيهِ نُسورُ الحُلُم
يُصافِقُ منها الجناحُ الجناحَ / وتُوشِكُ من زحمةٍ ترتَطِم
ولم أدر ما يقظةٌ لا تُثارُ / عواصفُها برهيب النَّغم !
خذوا كبدي قبل الفراق فإنها
خذوا كبدي قبل الفراق فإنها / معودة ألاّ تَقَرَّ على النَّزْحِ
ومن نسمات الصبح روحٌ جديدة / بعثتم بها لي قبل منَبلجِ الصبح
يذكرِّني علياكُمُ رونقُ الضحى / اذا ارتفعت شمس النهار على رمح
ونُبّئتُ أن البعد زنادكُم / فلم تعِرفوا غير الوقيعة في قدحي
هلموا انظروا قلبي فان صفاءه / يبين الذي خلَّفتمُ فيه من قَرح
محضتُ لكم رشح الوداد كعادتي / ولم تعرفوا لي غير مختلط الرشح
لئن سركم أني الى العيش كادح / لقد ساءني أني لغير العلى كدحي
فما عرفت كفي التسول للغني / ولا صافحت كفاً تُمَدُّ الى المنح
وانيَّ مذ فارقتكم ْ كان لي غنى / وشغل عن المال المجمع بالطرح
أُعيذكُمُ من كذبتين فلم يكن / ليصْدقَ في الذم المصدَّق في المدح
ونَفسٍ لاقتِ الصدماتِ عزلى
ونَفسٍ لاقتِ الصدماتِ عزلى / وكانت وهي شاكيةُ السلاحِ
وقد كانتْ سباخاً فاستثيرت / وفلَّ صميمَها وقعُ المساحي
وأفراحٍ شحيحاتٍ أديفت / بأتراحٍ جُبِلْنَ على السَّماح
أأقرَبُ ما أكونُ إلى انقباض / وأبعَدُ ما أكون عن انشراح
وَشتَّان اقتراحات الليالي / وما تَبغيه مني واقتراحي
فليتَ حوادثأً ما رفَّهَتْ لي / نطاقَ العيشِ لم تحصُصْ جناحي
وليتَ مخابراً قَبُحَت دَهَتني / مجرَّدةً عن الصُورِ القِباح
إلى ألَمٍ وعن أَلَمٍ مسيري / فما أدري غُدويَّ من رَواحي
وما أختارُ ناحيةً لأنّي / رَماني الدهرُ من كل النواحي
وملء القلبِ إذ حبست لِساني / ظروفٌ مغرماتٌ باجتياحي
جراحٌ لم تَفِضْ فملئن قَيحاً / وبعضُ الشر لو فاضت جِراحي
رأيتُ معاشرَ الشعراء قبلي / تعدُّ الخمر مَجلبةَ ارتياح
وقد أُغرِقْتُ في الأحزان حتى / سئمتُ مَنادمي وَذَممتُ راحي
وما سكرانُ يقتحِمُ البلايا / كمُقتحِمِ البليةِ وهو صاحي
بعينِ الشعرِ والشعراءِ بيتٌ / هَتَفْتُ به فطارَ مع الرياح
يَهُبُّ مع الصَبا نَفسَاً رقيقاً / ومؤتلقاً يطيرُ مع الصَباح
له من وقعهِ نَسَبٌ صريح / يمتُّ به إلى الماءِ القراح
ولو في غيرِ أوطاني لجالتْ / به نظم القلائد والوِشاح
وقائلةٍ ترى الآدابَ سَفَّت / وقد غطّى النُعابُ على الصُداح
وما نفعُ السكوتِ وقد أُضيعتْ / حقوقُ ذوي الجدارهِ بالصياح:
تقدَّمْ للقوافي واقتَحِمْها / فقد يُرجى التقدُّمُ بالكفاح
أقول لها :دعي زَندي فاني / أخافُ عليك بادرةَ اقتداحي
وكلُّ حقيقةٍ ستَبينُ يوماً / وكل تصنّعٍ فإِلى افتضاح
وما بغدادُ والآدابُ إّلا / كما انتفخت طبولٌ من رياح
تُوفّي الحُرَّ من حقٍ مُضاعٍ / ومن عِرضٍ تمزِّقُه مُباح
ولما أنْ رأيتُ الشعرَ فيها / أداةً للتشاحن والتلاحي
أنرتُ ذُبالَ مسرجتي بكفي / أفتشُ عن أديبٍ في الضواحي
فكان هناك تحتَ ستارِ بُؤسٍ / يجلِّله وفي ثوب اطراح
أقول له : ألا وجهٌ حييٌ / يقيكَ طوارقَ النّوَبِ الوِقاح؟
أما في الحيِّ معترفٌ بفضلٍ / يناشِد عن غدوِّكَ والرواح؟
فقال وأرعشتْ شفتاهُ : دعني / أقابلْ جِدَّ دهرِكَ بالمُزاح
ومثلي ضحَّت الدنيا كِثاراً / فهبني بعضَ هاتيك الأضاحي
السَّلم لا يُجدي بيوم الكفاحْ
السَّلم لا يُجدي بيوم الكفاحْ / فاستقبلِ الأيام شاكي السلاحْ
واغتنمِ العمرَ وساعاتِه / فانها تمر مرَّ الرياح
حسبُك فيما قد بقي عِبرةٌ / لا يَرُح اليومُ اذا الأمسُ راح
آهٍ على الفُرصةِ ضيعتَها / والآن إذ تطلُبها لا تُتاح
بالعزم نِلْ يا شرق ما لم يُنَلْ / فالغرب قد طار بِهذا الجَناح
لا تك مهما اسطعت رِخو الجماح / واستنزلِ الدهرَّ على الإقتراح
يكفيك ما كابدتَ من ذِلّة / الملكُ قد فُرِّق والعرش طاح
هلاّ إلى مَكْرُمةٍ خُطوةٌ / يا شرق يا ذا الخُطُوات الفِساح
يا أمةً أعمالُها طفرةٌ / بُشراك قد انتجت قبل اللِّقاح
سائمةُ الحيِّ اطمأنتْ به / مرعىً خصيبٌ ونميرٌ قراح!
أْلجِد ما تُضمر من طيّةٍ / وكل ما نُعلن عنه مزاح
نُحْتُ وغنَّيتُ ولا مِيزةٌ / قَبْلِيَ كم غنّى هزارٌ وناح
لا غرو أنْ سال قصيدي دماً / فانَّ قلبيْ مثخنٌ بالجِراح
يا ظلمةً قد طبقّتْ موطني / دومي : فشعبي لا يُريد الصّباح
الشؤم قد أوهم أوطاننا / أن ليس يُجدي المرء إلا النِّياح
ما لبلادي فظّةٌ روحُها / بعيدة عن هزةِ الارتياح
من لي بشعبٍ واثقٍ آمنٍ / غُدُوُّهُ لغايةٍ والرَّواح
قد فَوَّضَ الأمرَ لشُبانِهِ / فكُلِّلتْ أعماله بالنجاح
تَوَّجَهُ الوعيُ بألطافه / بِشراً كما تُوِّجَ زهرُ البِطاح
حيّاك ربُّك غادياً أو رائحا
حيّاك ربُّك غادياً أو رائحا / مستسهلاً نَهْجَ الهدايةِ واضحا
أمواجُ دجلةَ والفراتِ تدفَّقا / عَذباً فراتاً عاد بعدك مالحا
أيّامُنا بك كلهن سوانحٌ / ومتى تشأْ – حوشيت – كُنَّ بوارحا
لولاك ما كان العراقُ وأهلُهُ / إلا قطيعاً في فلاةٍ سارحا
سُسْتَ الحوادثَ بالروية جاهداً / وحملتَ أعباءَ الخطوبِ فوادحا
وأذْبتَ نَفْسكَ في رياضةٍ موطنٍ / لولا جهودُك كان صعباً جامحا
لُقيِّتَ أصلَح غايةٍ يامن سعى / للهِ والأوطانِ سعياً صالحا
في ذمة الوطن المفدّى أن تُرى / مُتغِّرباً وعن المواطن نازحا
عَرَفتْك أقطاب السياسةِ ساهراً / بهمومه ولخير شعبك كادحا
"باريسُ " تعرِفُ ثم " لندنُ " موقفاً / خُضْت السياسة فيه لُجاً طافحا
و " التاج" اذ نَقَمت عليه عصابةٌ / قامرتَهُمْ فيهِ فكنت الرابحا
مولايَ ثقْإن الجْوانحَ ثرّةٌ / بولاء عرشِكَ مَا بقينَ جوانحا
سر واثقاً بجهاد شعبٍ طامحٍ / ولقد يسرُّكَ أن تراه طامحا
قل إن أتيتَ من " الحليفة " دارَها / ولقيِتَ شعباً للشعوب مكافحا
" شعبي " وفي كفي نجاحُ مصيره / يرجو ويأملُ أن يرانيَ ناجحا
شعبي يُريد الرافدين لنفسه / لا أن يكونَ " الرافدان " منائحا
يشنا على العذب الفرات منافقاً / ويحب في السم الذعاف " مصارحا"
" كوني " له الخلَّ النصيحَ سريرةً / وَجهارة تجدِيهِ خلا ناصحا
كيما تصانَ مصالحٌ لك عنده / " صوني لابناء العراق مصالحا "
مولايَ : عاطفةُ الأديب وشعرُهُ / كالَّزند يوري إنْ يصادفْ قادحا
عاشت برغم " الظالمين " قريحتي / ولكم أمات " الظالمون "قرائحا
مدح الملوكَ " الشاعرون " وإنما / أفرغتُ " قلبي " للمليك مدائحا
في ظل مغناك الكريم ولطفِه / ابداً أُجيد " خواطراً " و " سوانحا "