المجموع : 14
عادَت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحِ
عادَت أَغاني العُرسِ رَجعَ نُواحِ / وَنُعيتِ بَينَ مَعالِمِ الأَفراحِ
كُفِّنتِ في لَيلِ الزَفافِ بِثَوبِهِ / وَدُفِنتِ عِندَ تَبَلُّجِ الإِصباحِ
شُيِّعتِ مِن هَلَعٍ بِعَبرَةِ ضاحِكٍ / في كُلِّ ناحِيَةٍ وَسَكرَةِ صاحِ
ضَجَّت عَلَيكِ مَآذِنٌ وَمَنابِرٌ / وَبَكَت عَلَيكَ مَمالِكٌ وَنَواحِ
الهِندُ والِهَةٌ وَمِصرُ حَزينَةٌ / تَبكي عَلَيكِ بِمَدمَعٍ سَحّاحِ
وَالشامُ تَسأَلُ وَالعِراقُ وَفارِسٌ / أَمَحا مِنَ الأَرضِ الخِلافَةَ ماحِ
وَأَتَت لَكَ الجُمَعُ الجَلائِلُ مَأتَماً / فَقَعَدنَ فيهِ مَقاعِدَ الأَنواحِ
يا لَلرِجالِ لَحُرَّةٍ مَوؤودَةٍ / قُتِلَت بِغَيرِ جَريرَةٍ وَجُناحِ
إِنَّ الَّذينَ أَسَت جِراحَكِ حَربُهُم / قَتَلَتكِ سَلمُهُمو بِغَيرِ جِراحِ
هَتَكوا بِأَيديهِم مُلاءَةَ فَخرِهِم / مَوشِيَّةً بِمَواهِبِ الفَتّاحِ
نَزَعوا عَنِ الأَعناقِ خَيرَ قِلادَةٍ / وَنَضَوا عَنِ الأَعطافِ خَيرَ وِشاحِ
حَسَبٌ أَتى طولُ اللَيالي دونَهُ / قَد طاحَ بَينَ عَشِيَّةٍ وَصَباحِ
وَعَلاقَةٌ فُصِمَت عُرى أَسبابِها / كانَت أَبَرَّ عَلائِقِ الأَرواحِ
جَمَعَت عَلى البِرِّ الحُضورَ وَرُبَّما / جَمَعَت عَلَيهِ سَرائِرَ النُزّاحِ
نَظَمَت صُفوفَ المُسلِمينَ وَخَطوَهُم / في كُلِّ غَدوَةِ جُمعَةٍ وَرَواحِ
بَكَتِ الصَلاةُ وَتِلكَ فِتنَةُ عابِثٍ / بِالشَرعِ عِربيدِ القَضاءِ وَقاحِ
أَفتى خُزَعبِلَةً وَقالَ ضَلالَةً / وَأَتى بِكُفرٍ في البِلادِ بَواحِ
إِنَّ الَّذينَ جَرى عَلَيهِم فِقهُهُ / خُلِقوا لِفِقهِ كَتيبَةٍ وَسِلاحِ
إِن حَدَّثوا نَطَقوا بِخُرسِ كَتائِبٍ / أَو خوطِبوا سَمِعوا بِصُمِّ رِماحِ
أَستَغفِرُ الأَخلاقَ لَستُ بِجاحِدٍ / مَن كُنتُ أَدفَعُ دونَهُ وَأُلاحي
مالي أُطَوِّقُهُ المَلامَ وَطالَما / قَلَّدتُهُ المَأثورَ مِن أَمداحي
هُوَ رُكنُ مَملَكَةٍ وَحائِطُ دَولَةٍ / وَقَريعُ شَهباءٍ وَكَبشُ نِطاحِ
أَأَقولُ مَن أَحيا الجَماعَةَ مُلحِدٌ / وَأَقولُ مَن رَدَّ الحُقوقَ إِباحي
الحَقُّ أَولى مِن وَلِيِّكَ حُرمَةً / وَأَحَقُّ مِنكَ بِنُصرَةٍ وَكِفاحِ
فَاِمدَح عَلى الحَقِّ الرِجالَ وَلُمهُموا / أَو خَلِّ عَنكَ مَواقِفَ النُصّاحِ
وَمِنَ الرِجالِ إِذا اِنبَرَيتَ لِهَدمِهِم / هَرَمٌ غَليظُ مَناكِبِ الصُفّاحِ
فَإِذا قَذَفتَ الحَقَّ في أَجلادِهِ / تَرَكَ الصِراعَ مُضَعضَعَ الأَلواحِ
أَدّوا إِلى الغازي النَصيحَةَ يَنتَصِح / إِنَّ الجَوادَ يَثوبُ بَعدَ جِماحِ
إِنَّ الغُرورَ سَقى الرَئيسَ بِراحِهِ / كَيفَ اِحتِيالُكَ في صَريعِ الراحِ
نَقَلَ الشَرائِعَ وَالعَقائِدَ وَالقُرى / وَالناسَ نَقلَ كَتائِبٍ في الساحِ
تَرَكَتهُ كَالشَبَحِ المُؤَلَّهِ أُمَّةٌ / لَم تَسلُ بَعدُ عِبادَةَ الأَشباحِ
هُم أَطلَقوا يَدَهُ كَقَيصَرَ فيهُمو / حَتّى تَناوَلَ كُلَّ غَيرِ مُباحِ
غَرَّتهُ طاعاتُ الجُموعِ وَدَولَةٌ / وَجَدَ السَوادُ لَها هَوى المُرتاحِ
وَإِذا أَخَذتَ المَجدَ مِن أُمِّيَّةٍ / لَم تُعطَ غَيرَ سَرابِهِ اللَمّاحِ
مَن قائِلٌ لِلمُسلِمينَ مَقالَةً / لَم يوحِها غَيرَ النَصيحَةِ واحِ
عَهدُ الخِلافَةِ فِيَّ أَوَّلُ ذائِدٍ / عَن حَوضِها بِبَراعَةٍ نَضّاحِ
حُبٌّ لِذاتِ اللَهِ كانَ وَلَم يَزَل / وَهَوىً لِذاتِ الحَقِّ وَالإِصلاحِ
إِنّي أَنا المِصباحُ لَستُ بِضائِعٍ / حَتّى أَكونَ فَراشَةَ المِصباحِ
غَزَواتُ أَدهَمَ كُلِّلَت بَذَوابِلٍ / وَفُتوحُ أَنوَرَ فُصِّلَت بِصِفاحِ
وَلَّت سُيوفُهُما وَبانَ قَناهُما / وَشَبا يَراعي غَيرُ ذاتِ بَراحِ
لا تَبذُلوا بُرَدَ النَبِيِّ لِعاجِزٍ / عُزُلٍ يُدافِعُ دونَهُ بِالراحِ
بِالأَمسِ أَوهى المُسلِمينَ جِراحَةً / وَاليَومَ مَدَّ لَهُم يَدَ الجَرّاحِ
فَلتَسمَعُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ داعِياً / يَدعو إِلى الكَذّابِ أَو لِسَجاحِ
وَلتَشهَدُنَّ بِكُلِّ أَرضٍ فِتنَةً / فيها يُباعُ الدينُ بَيعَ سَماحِ
يُفتى عَلى ذَهَبِ المُعِزِّ وَسَيفِهِ / وَهَوى النُفوسِ وَحِقدِها المِلحاحِ
آذارُ أَقبَلَ قُم بِنا يا صاحِ
آذارُ أَقبَلَ قُم بِنا يا صاحِ / حَيِّ الرَبيعَ حَديقَةَ الأَرواحِ
وَاِجمَع نَدامى الظَرفِ تَحتَ لِوائِهِ / وَاِنشُر بِساحَتِهِ بِساطَ الراحِ
صَفوٌ أُتيحَ فَخُذ لِنَفسِكَ قِسطَها / فَالصَفوُ لَيسَ عَلى المَدى بِمُتاحِ
وَاِجلِس بِضاحِكَةِ الرِياضِ مُصَفِّقاً / لِتَجاوُبِ الأَوتارِ وَالأَقداحِ
وَاِستَأنِسَنَّ مِنَ السُقاةِ بِرُفقَةٍ / غُرٍّ كَأَمثالِ النُجومِ صِباحِ
رَقَّت كَنُدمانِ المُلوكِ خِلالُهُم / وَتَجَمَّلوا بِمُروءَةٍ وَسَماحِ
وَاِجعَل صَبوحَكَ في البُكورِ سَليلَةً / لِلمُنجِبَينِ الكَرمِ وَالتُفّاحِ
مَهما فَضَضتَ دِنانَها فَاِستَضحَكَت / مُلِئَ المَكانُ سَنىً وَطيبَ نُقاحِ
تَطغى فَإِن ذَكَرَت كَريمَ أُصولِها / خَلَعَت عَلى النَشوانِ حِليَةَ صاحي
فِرعَونُ خَبَّأَها لِيَومِ فُتوحِهِ / وَأَعَدَّ مِنها قُربَةً لِفَتاحِ
ما بَينَ شادٍ في المَجالِسِ أَيكُهُ / وَمُحَجَّباتِ الأَيكِ في الأَدواحِ
غَرِدٌ عَلى أَوتارِهِ يوحي إِلى / غَرِدٍ عَلى أَغصانِهِ صَدّاحِ
بيضُ القَلانِسِ في سَوادِ جَلابِبٍ / حُلّينَ بِالأَطواقِ وَالأَوضاحِ
رَتَّلنَ في أَوراقِهِنَّ مَلاحِناً / كَالراهِباتِ صَبيحَةَ الإِفصاحِ
يَخطُرنَ بَينَ أَرائِكٍ وَمَنابِرٍ / في هَيكَلٍ مِن سُندُسٍ فَيّاحِ
مَلِكُ النَباتِ فَكُلُّ أَرضٍ دارُهُ / تَلقاهُ بِالأَعراسِ وَالأَفراحِ
مَنشورَةٌ أَعلامُهُ مِن أَحمَرٍ / قانٍ وَأَبيَضَ في الرُبى لَمّاحِ
لَبِسَت لِمَقدَمِهِ الخَمائِلُ وَشيَها / وَمَرَحنَ في كَنَفٍ لَهُ وَجَناحِ
يَغشى المَنازِلَ مِن لَواحِظِ نَرجِسٍ / آناً وَآناً مِن ثُغورِ أَقاحِ
وَرُؤوسُ مَنثورٍ خَفَضنَ لِعِزِّهِ / تيجانَهُنَّ عَواطِرَ الأَرواحِ
الوَردُ في سُرُرِ الغُصونِ مُفَتَّحٍ / مُتَقابِلٍ يُثنى عَلى الفَتّاحِ
ضاحي المَواكِبِ في الرِياضِ مُمَيَّزٌ / دونَ الزُهورِ بِشَوكَةٍ وَسِلاحِ
مَرَّ النَسيمُ بِصَفحَتَيهِ مُقبِلاً / مَرَّ الشِفاهِ عَلى خُدودِ مِلاحِ
هَتَكَ الرَدى مِن حُسنِهِ وَبَهائِهِ / بِاللَيلِ ما نَسَجَت يَدُ الإِصباحِ
يُنبيكَ مَصرَعُهُ وَكُلٌّ زائِلٌ / أَنَّ الحَياةَ كَغَدوَةٍ وَرَواحِ
وَيَقائِقُ النَسرينِ في أَغصانِها / كَالدُرِّ رُكِّبَ في صُدورِ رِماحِ
وَالياسَمينُ لَطيفُهُ وَنَقِيُّهُ / كَسَريرَةِ المُتَنَزِّهِ المِسماحِ
مُتَأَلِّقٌ خَلَلَ الغُصونِ كَأَنَّهُ / في بُلجَةِ الأَفنانِ ضَوءُ صَباحِ
وَالجُلَّنارُ دَمٌ عَلى أَوراقِهِ / قاني الحُروفِ كَخاتَمِ السَفّاحِ
وَكَأَنَّ مَخزونَ البَنَفسَجِ ثاكِلٌ / يَلقى القَضاءَ بِخَشيَةٍ وَصَلاحِ
وَعَلى الخَواطِرِ رِقَّةٌ وَكَآبَةٌ / كَخَواطِرِ الشُعَراءِ في الأَتراحِ
وَالسَروُ في الحِبَرِ السَوابِغِ كاشِفٌ / عَن ساقِهِ كَمَليحَةٍ مِفراحِ
وَالنَخلُ مَمشوقُ العُذوقِ مُعَصَّبٌ / مُتَزَيِّنٌ بِمَناطِقٍ وَوِشاحِ
كَبَناتِ فِرعَونٍ شَهِدنَ مَواكِباً / تَحتَ المَراوِحِ في نَهارٍ ضاحِ
وَتَرى الفَضاءَ كَحائِطٍ مِن مَرمَرٍ / نُضِدَت عَلَيهِ بَدائِعُ الأَلواحِ
الغَيمُ فيهِ كَالنَعامِ بَدينَةٌ / بَرَكَت وَأُخرى حَلَّقَت بِجَناحِ
وَالشَمسُ أَبهى مِن عَروسٍ بُرقِعَت / يَومَ الزِفافِ بِعَسجَدٍ وَضّاحِ
وَالماءُ بِالوادي يُخالُ مَسارِباً / مِن زِئبَقٍ أَو مُلقِياتِ صِفاحِ
بَعَثَت لَهُ شَمسُ النَهارِ أَشِعَّةً / كانَت حُلى النَيلوفَرِ السَبّاحِ
يَزهو عَلى وَرَقِ الغُصونِ نَثيرُها / زَهوَ الجَواهِرِ في بُطونِ الراحِ
وَجَرَت سَواقٍ كَالنَوادابِ بِالقُرى / رُعنَ الشَجِيَّ بِأَنَّةٍ وَنُواحِ
الشاكِياتُ وَما عَرَفنَ صَبابَةً / الباكِياتُ بِمَدمَعٍ سَحّاحِ
مِن كُلِّ بادِيَةِ الضُلوعِ غَليلَةٍ / وَالماءُ في أَحشائِها مِلواحِ
تَبكي إِذا رَتَبَت وَتَضحَكُ إِن هَفَت / كَالعيسِ بَينَ تَنَشُّطٍ وَرَزاحِ
هِيَ في السَلاسِلِ وَالغُلولِ وَجارُها / أَعمى يَنوءُ بِنيرِهِ الفَدّاحِ
إِنّي لَأَذكُرُ بِالرَبيعِ وَحُسنِهِ / عَهدَ الشَبابِ وَطِرفِهِ المِمراحِ
هَل كانَ إِلّا زَهرَةً كَزُهورِهِ / عَجِلَ الفَناءُ لَها بِغَيرِ جُناحِ
هَولَ كينِ مِصرُ رِوايَةٌ لا تَنتَهي / مِنها يَدُ الكُتّابِ وَالشُرّاحِ
فيها مِنَ البُردِيِّ وَالمُزمورِ وَال / تَوراةِ وَالفُرقانِ وَالإِصحاحِ
وَمِنا وَقِمبيزٌ إِلى إِسكَندَرٍ / فَالقَيصَرَينِ فِذى الجَلالِ صَلاحِ
تِلكَ الخَلائِقُ وَالدُهورُ خَزانَةٌ / فَاِبعَث خَيالَكَ يَأتِ بِالمِفتاحِ
أُفقُ البِلادِ وَأَنتَ بَينَ رُبوعِها / بِالنَجمِ مُزدانٌ وَبِالمِصباحِ
صَرحٌ عَلى الوادي المُبارَكِ ضاحي
صَرحٌ عَلى الوادي المُبارَكِ ضاحي / مُتَظاهِرُ الأَعلامِ وَالأَوضاحِ
ضافي الجَلالَةِ كَالعَتيقِ مُفضَلٌ / ساحاتِ فَضلٍ في رِحابِ سَماحِ
وَكَأَنَّ رَفرَفَهُ رِواقٌ مِن ضُحىً / وَكَأَنَّ حائِطَهُ عَمودُ صَباحِ
الحَقُّ خَلفَ جَناحٍ اِستَذرى بِهِ / وَمَراشِدُ السُلطانِ خَلفَ جَناحِ
هُوَ هَيكَلُ الحُرِيَّةِ القاني لَهُ / ما لِلهَياكِلِ مِن فِدىً وَأَضاحِ
يَبني كَما تُبنى الخَنادِقُ في الوَغى / تَحتَ النِبالِ وَصَوبِها السَحّاحِ
يَنهارُ الاِستِبدادُ حَولَ عِراصِهِ / مِثلَ اِنهِيارِ الشِركِ حَولَ صَلاحِ
وَيُكَبُّ طاغوتُ الأُمورِ لِوَجهِهِ / مُتَحَطِّمَ الأَصنامِ وَالأَشباحِ
هُوَ ما بَنى الأَعزالُ بِالراحاتِ أَو / هُوَ ما بَنى الشُهَداءُ بِالأَرواحِ
أَخَذَتهُ مِصرُ بكُلِّ يَومٍ قاتِمٍ / وَردِ الكَواكِبِ أَحمَرِ الإِصباحِ
هَبَّت سِماحاً بِالحَياةِ شَبابُها / وَالشَيبُ بِالأَرماقِ غَيرُ شِحاحِ
وَمَشَت إِلى الخَيلِ الدَوارِعِ وَاِنبَرَت / لِلظافِرِ الشاكي بِغَيرِ سِلاحِ
وَقَفاتُ حَقٍّ لَم تَقِفها أُمَّةٌ / إِلّا اِنثَنَت آمالُها بِنَجاحِ
وَإِذا الشُعوبُ بَنَوا حَقيقَةَ مُلكِهِم / جَعَلوا المَآتِمَ حائِطَ الأَفراحِ
بُشرى إِلى الوادي تَهُزُّ نَباتَهُ / هَزَّ الرَبيعِ مَناكِبَ الأَدواحِ
تَسري مُلَمَّحَةَ الحُجولِ عَلى الرُبى / وَتَسيلُ غُرَّتُها بِكُلِّ بِطاحِ
اِلتامَتِ الأَحزابُ بَعدَ تَصَدُّعٍ / وَتَصافَتِ الأَقلامُ بَعدَ تَلاحي
سُحِبَت عَلى الأَحقادِ أَذيالُ الهَوى / وَمَشى عَلى الضِغنِ الوِدادُ الماحي
وَجَرَت أَحاديثُ العِتابِ كَأَنَّها / سَمَرٌ عَلى الأَوتارِ وَالأَقداحِ
تَرمي بِطَرفِكَ في المَجامِعِ لا تَرى / غَيرَ التَعانُقِ وَاِشتِباكِ الراحِ
شَمسَ النَهارِ تَعَلَّمي الميزانَ مِن / سَعدِ الدِيارِ وَشَيخِها النَضّاحِ
ميلي اِنظُريهِ في النَدِيِّ كَأَنَّهُ / عُثمانُ عَن أُمِّ الكِتابِ يُلاحي
كَم تاجِ تَضحِيَةٍ وَتاجِ كَرامَةٍ / لِلعَينِ حَولَ جَبينِهِ اللَمّاحِ
وَالشَيبُ مُنبَثِقٌ كَنورِ الحَقِّ مِن / فَودَيهِ أَو فَجرِ الهُدى المِنصاحِ
لَبّى أَذانَ الصُلحِ أَوَّلَ قائِمٍ / وَالصُلحُ خُمسُ قَواعِدُ الإِصلاحِ
سَبَقَ الرِجالَ مُصافِحاً وَمُعانِقاً / يُمنى السَماحِ وَهَيكَلَ الإِسحاجِ
عَدلى الجَليلِ اِبنِ الجَليلِ مِنَ المَلا / وَالماجِدِ اِبنِ الماجِدِ المِسماحِ
حُلوُ السَجِيَّةِ في قَناةٍ مُرَّةٍ / ثَمِلُ الشَمائِلِ في وَقارٍ صاحِ
شَتّى فَضائِلَ في الرِجالِ كَأَنَّها / شَتّى سِلاحٍ مِن قَنا وَصِفاحِ
فَإِذا هِيَ اِجتَمَعَت لِمُلكِ جَبهَةً / كانَت حُصونَ مَناعَةٍ وَنِطاحِ
اللَهُ أَلَّفَ لِلبِلادِ صُدورَها / مِن كُلِّ داهِيَةٍ وَكُلِّ صُراحِ
وَزُراءُ مَملَكَةٍ وَدَعائِمُ دَولَةٍ / أَعلامُ مُؤتَمَرٍ أُسودُ صَباحِ
يَبنونَ بِالدُستورِ حائِطَ مُلكِهِم / لا بِالصِفاحِ وَلا عَلى الأَرماحِ
وَجَواهِرُ التيجانِ ما لَم تُتَّخَذ / مِن مَعدِنِ الدُستورِ غَيرُ صِحاحِ
اِحتَلَّ حِصنَ الحَقِّ غَيرُ جُنودِهِ / وَتَكالَبَت أَيدٍ عَلى المِفتاحِ
ضَجَّت عَلى أَبطالِها ثُكُناتُهُ / وَاِستَوحَشَت لِكُماتِها النُزّاحِ
هُجِرَت أَرائِكُهُ وَعُطِّلَ عودُهُ / وَشَلا مِنَ الغادينَ وَالروّاحِ
وَعَلاهُ نَسجُ العَنكَبوتِ فَزادَهُ / كَالغارِ مِن شَرَفٍ وَسِمتِ صَلاحِ
قُل لِلبَنينِ مَقالَ صِدقٍ وَاِقتَصِد / ذَرعُ الشَبابِ يَضيقُ بِالنُصّاحِ
أَنتُم بَنو اليَومَ العَصيبِ نَشَأتُمو / في قَصفِ أَنواءٍ وَعَصفِ رِياحِ
وَرَأَيتُمو الوَطَنَ المُؤَلَّفَ صَخرَةً / في الحادِثاتِ وَسَيلِها المُجتاحِ
وَشَهِدتُمو صَدعَ الصُفوفِ وَما جَنى / مِن أَمرِ مُفتاتٍ وَنَهيِ وَقاحِ
صَوتُ الشُعوبِ مِنَ الزَئيرِ مُجَمَّعاً / فَإِذا تَفَرَّقَ كانَ بَعضَ نُباحِ
أَظمَتكُموُ الأَيّامُ ثُمَّ سَقَتكُمو / رَنَقاً مِنَ الإِحسانِ غَيرَ قَراحِ
وَإِذا مُنِحتَ الخَيرَ مِن مُتَكَلِّفٍ / ظَهَرَت عَلَيهِ سَجِيَّةُ المَنّاحِ
تَرَكتُكُمو مِثلَ المَهيضِ جَناحُهُ / لا في الحِبالِ وَلا طَليقَ سَراحِ
مَن صَيَّرَ الأَغلالَ زَهرَ قَلائِدٍ / وَكَسا القُيودَ مَحاسِنَ الأَوضاحِ
إِنَّ الَّتي تَبغونَ دونَ مَنالِها / طولُ اِجتِهادٍ وَاِضطِرادُ كِفاحِ
سيروا إِلَيها بِالأَناةِ طَويلَةً / إِنَّ الأَناةَ سَبيلُ كُلِّ فَلاحِ
وَخُذوا بِناءَ المُلكِ عَن دُستورِكُم / إِنَّ الشِراعَ مُثَقِّفُ المَلّاحِ
يا دارَ مَحمودٍ سَلِمتِ وَبورِكَت / أَركانُكِ الهرَمِيَّةُ الصُفّاحِ
وَاِزدَدتِ مِن حُسنِ الثَناءِ وَطيبِهِ / حَجَراً هُوَ الدُرِيُّ في الأَمداحِ
الأُمَّةُ اِنتَقَلَت إِلَيكِ كَأَنَّما / أَنزَلتِها مِن بَيتِها بِجَناحِ
بَرَكاتُ شَيخٍ بِالصَعيدِ مُحَمَّلٌ / عِبءَ السِنينَ مُؤَمَّلٍ نَفّاحِ
بِالأَمسِ جادَ عَلى القَضِيَّةِ بِاِبنِهِ / وَاليَومَ آواها بِأَكرَمَ ساحِ
أَعُقابٌ في عَنانِ الجَوِّ لاح
أَعُقابٌ في عَنانِ الجَوِّ لاح / أَم سَحابٌ فَرَّ مِن هَوجِ الرِياح
أَم بِساطُ الريحِ رَدَّتهُ النَوى / بَعدَ ما طَوَّفَ في الدَهرِ وَساح
أَو كَأَنَّ البُرجَ أَلقى حوتَهُ / فَتَرامى في السَماواتِ الفِساح
أَقبَلَت مِن بُعُدٍ تَحسَبُها / نَحلَةً عَنَّت وَطَنَّت في الرِياح
يا سِلاحَ العَصرِ بُشِّرنا بِهِ / كُلُّ عَصرٍ بِكَمِيٍّ وَسِلاح
إِنَّ عِزّاً لَم يُظَلَّل في غَدٍ / بِجَناحَيكَ ذَليلٌ مُستَباح
فَتَكاثَر وَتَأَلَّف فَيلَقاً / تَعصِمُ السِلمَ وَتَعلو لِلكِفاح
مِصرُ لِلطَيرِ جَميعاً مَسرَحٌ / ما لَنا فيهِ ذُنابى أَو جَناح
رُبَّ سِربٍ قاطِعٍ مَرَّ بِهِ / هَبَطَ الأَرضَ مَلِيّاً وَاِستَراح
لِمَ لا يُفتَنُ فِتيانَ الحِمى / ذَلِكَ الإِقدامُ أَو ذاكَ الطِماح
مِن فَتىً حَلَّ مِنَ الجَوِّ بِهِم / فَتَلَقّوهُ عَلى هامٍ وَراح
إِنَّهُ أَوَّلُ عُصفورٍ لَهُم / هَزَّ في الجَوِّ جَناحَيهِ وَصاح
دَبَّت الهِمَّةُ فيهِ وَمَشَت / عَزَماتٌ مِنكَ يا حَربُ صِحاح
ناطَحَ النَجمَ فَتىً عَلَّمتُهُ / في حَياةٍ حُرَّةٍ كَيفَ النِطاح
لَكَ في الأَجيالِ تِمثالٌ مَشى / وَجَدوا الرُشدَ عَلَيهِ وَالصَلاح
جاوَزَ النيلَ وَعَبرَيهِ إِلى / أَكَمِ الشامِ وَهاتيكَ البِطاح
فارِسَ الجَوِّ سَلامٌ في الذُرى / وَعَلى الماءِ وَمِن كُلِّ النَواح
ثِب إِلىالنَجمِ وَزاحِم رُكنَهُ / وَاِمتَلِئ مِن خُيَلاءٍ وَمِراح
إِنَّ هَذا الفَتحَ لا عَهدَ بِهِ / لِضِفافِ النيلِ مِن عَهدِ فِتاح
تِلكَ أَبوابُ السَماءِ اِنفَتَحَت / ما وَراءَ البابِ يا طَيرَ النَجاح
أَسَماءُ النيلِ أَيضاً حَرَمٌ / مِن طَريقِ الهِندِ أَم جَوٌّ مُباح
عَينُ شَمسٍ مُلِأَت مِن مَوكِبٍ / كانَ لِلأَبطالِ أَحياناً يُتاح
رُبَّما جَلَّلَ وَجهَ الأَرضِ أَو / رُبَّما سَدَّ عَلى الشَمسِ السَراح
إِن يَفُتهُ الجَيشُ أَو رَوَّعتُهُ / لَم يَفُتهُ النَشَأُ الزُهرُ الصِباح
وَفِدى فائِزَةٍ سُمرُ القَنا / وَفِدى حارِسِها بيضُ الصِفاح
وَلَقَد أَبطَأَت حَتّى لَم يَنَم / لِلحِمى لَيلٌ وَلَم يَنعَم صَباح
فَاِبتَغي العُذرَ كِرامٌ وَاِنبَرَت / أَلسُنٌ في الثَلمِ وَالهَدمِ فِصاح
تَلتَوي الخَيلُ عَلى راكِبِها / كَيفَ بِالعاصِفِ في يَومِ الجِماح
لَيسَ مَن يَركَبُ سَرجاً لَيِّناً / مِثلَ مَن يَركَبُ أَعرافَ الرِياح
سِر رُوَيداً في فَضاءٍ سافِرٍ / ضاحِكِ الصَفحَةِ كَالفِردَوسِ صاح
طَرَفَت عَيناً بِهِ الشَمسُ فَلَو / خُيِّرَت لَم تَتَحَفَّز لِلرَواح
وَتَكادُ الطَيرُ مِن خِفَّتِهِ / تَتَعالى فيهِ مِن غَيرِ جَناح
قِف تَأَمَّل مِن عُلُوٍّ قُبَّةً / رُفِعَت لِلفَصلِ وَالرَأيِ الصُراح
نَزَلَ النُوّابُ فيها فِتيَةً / في جَناحٍ وَشُيوخاً في جَناح
حَمَلوا الحَقَّ وَقاموا دونَهُ / كَرَعيلِ الخَيلِ أَو صَفِّ الرِماح
يا أَبا الفاروقِ مَن تَرعى فَفي / كَنَفِ الفَضلِ وَفي ظِلِّ السِماح
أَنتَ مِن آباؤُكِ السُحبُ وَما / في بِناءِ السُحُبِ الأَيدي الشِحاح
يَدُكَ السَمحَةُ في الخَيرِ وَفي / هِمَّةِ الغَرسِ وَفي أُسوِ الجِراح
نَحنُ أَفلَحنا عَلى الأَرضِ بِكُم / وَرَجَونا في السَماواتِ الفَلاح
طُوِيَ البِساطُ وَجَفَّتِ الأَقداحُ
طُوِيَ البِساطُ وَجَفَّتِ الأَقداحُ / وَغَدَت عَواطِلٌ بَعدَكَ الأَفراحُ
وَاِنفَضَّ نادٍ بِالشَآمِ وَسامِرٌ / في مِصرَ أَنتَ هَزارُهُ الصَدّاحُ
وَتَقَوَّضَت لِلفَنِّ أَطوَلُ سَرحَةٍ / يُغدى إِلى أَفيائِها وَيُراحُ
وَاللَهِ ما أَدري وَأَنتَ وَحيدُهُ / أَعَلَيهِ يُبكى أَم عَلَيكَ يُناحُ
إِسحاقُ ماتَ فَلا صَبوحَ وَمَعبَدٌ / أَودى فَلَيسَ مَعَ الغَبوقِ فَلاحُ
مَلِكُ الغِناءِ أَزالَهُ عَن تَختِهِ / قَدَرٌ يُزيلُ الراسِياتِ مُتاحُ
في التُربِ فَوقَ بَني سُوَيفَ يَتيمَةٌ / وَمِنَ الجَواهِرِ زَيِّفٌ وَصِحاحُ
ما زالَ تاجُ الفَنِّ تَيّاهاً بِها / حَتّى اِستَبَدَّ بِها الرَدى المُجتاحُ
لَو تَستَطيعُ كَرامَةً لِمَكانِها / مَشَتِ الرِياضُ إِلَيهِ وَالأَدواحُ
رُحماكَ عَبدَ الحَيِّ أُمُّكَ شَيخَةٌ / قَعَدَت وَهيضَ لَها الغَداةَ جَناحُ
كُسِرَت عَصاها فَهيَ بِلا عَصاً / وَقَضى فَتاها الأَجوَدُ المِسماحُ
اللَهُ يَعلَمُ إِن يَكُن في قَلبِها / جُرحٌ فَفي أَحشاءِ مِصرَ جِراحُ
وَالناسُ مَبكِيٌّ وَباكٍ إِثرَهُ / وَبُكا الشُعوبِ إِذا النَوابِغُ طاحوا
كانَ النَدامى إِن شَدَوتَ وَعاقَروا / سِيّانَ صَوتُكَ بَينَهُم وَالراحُ
فيما تَقولُ مُغَنِّياً وَمُحَدِّثاً / تَتَنافَسُ الأَسماعُ وَالأَرواحُ
فارَقتَ دُنيا أَرهَقَتكَ خَسارَةً / وَغَنِمتَ قُربَ اللَهِ وَهوَ رَباحُ
يا مُخلِفاً لِلوَعدِ وَعدُكَ مالَهُ / عِندي وَلا لَكَ في الضَميرِ بَراحُ
عَبَثَت بِهِ وَبِكَ المَنِيَّةُ وَاِنقَضى / سَبَبٌ إِلَيهِ بِأُنسِنا نَرتاحُ
لَمّا بَلَغنا بِالأَحِبَّةِ وَالمُنى / بابَ السُرورِ تَغَيَّبَ المِفتاحُ
زَعَموا نَعِيَّكَ في المَجامِعِ مازِحاً / هَيهاتَ في رَيبِ المَنونِ مِزاحُ
الجِدُّ غايَةُ كُلِّ لاهٍ لاعِبٍ / عِندَ المَنِيَّةِ يَجزَعُ المِفراحُ
رَمَتِ المَنايا إِذ رَمَينَكَ بُلبُلاً / أَراَهُ في شَرَكِ الحَياةِ جِماحُ
آهاتُهُ حُرَقُ الغَرامِ وَلَفظُهُ / سَجعُ الحَمامِ لَوَ انَّهُنَّ فِصاحُ
وَذَبَحنَ حَنجَرَةً عَلى أَوتارِها / تُؤسى الجِراحُ وَتُذبَحُ الأَتراحُ
وَفَلَلنَ مِن ذاكَ اللِسانِ حَديدَةً / يَخشى لَئيمٌ بَأسَها وَوَقاحُ
وَأَبَحنَ راحَتَكَ البِلى وَلَطالَما / أَمسى عَلَيها المالُ وَهوَ مُباحُ
روحٌ تَناهَت خِفَّةً فَتَخَيَّرَت / نُزُلاً تَقاصَرُ دونَهُ الأَشباحُ
قُم غَنِّ وِلدانَ الجِنانِ وَحورِها / وَاِبعَث صَداكَ فَكُلُّنا أَرواحُ
خَطَونا في الجِهادِ خُطاً فِساحا
خَطَونا في الجِهادِ خُطاً فِساحا / وَهادَنّا وَلَم نُلقِ السِلاحا
رَضينا في هَوى الوَطَنِ المُفَدّى / دَمَ الشُهَداءِ وَالمالَ المُطاحا
وَلَمّا سُلَّتِ البيضُ المَواضي / تَقَلَّدنا لَها الحَقَّ الصُراحا
فَحَطَّمنا الشَكيمَ سِوى بَقايا / إِذا عَضَّت أَرَيناها الجِماحا
وَقُمنا في شِراعِ الحَقِّ نَلقى / وَنَدفَعُ عَن جَوانِبِهِ الرِياحا
نُعالِجُ شِدَّةً وَنَروضُ أُخرى / وَنَسعى السَعيَ مَشروعاً مُباحا
وَنَستَولي عَلى العَقَباتِ إِلّا / كَمينَ الغَيبِ وَالقَدَرَ المُتاحا
وَمَن يَصبِر يَجِد طولَ التَمَنّي / عَلى الأَيّامِ قَد صارَ اِقتِراحا
وَأَيّامٍ كَأَجوافِ اللَيالي / فَقَدنَ النَجمَ وَالقَمَرَ اللِياحا
قَضَيناها حِيالَ الحَربِ نَخشى / بَقاءَ الرِقِّ أَو نَرجو السَراحا
تَرَكنَ الناسَ بِالوادي قُعوداً / مِنَ الإِعياءِ كَالإِبِلِ الرَزاحى
جُنودُ السِلمِ لا ظَفَرٌ جَزاهُم / بِما صَبَروا وَلا مَوتٌ أَراحا
وَلا تَلقى سِوى حَيٍّ كَمَيتٍ / وَمَنزوفٍ وَإِن لَم يُسقَ راحا
تَرى أَسرى وَما شَهِدوا قِتالاً / وَلا اِعتَقَلوا الأَسِنَّةَ وَالصِفاحا
وَجَرحى السَوطِ لا جَرحى المَواضي / بِما عَمِلَ الجَواسيسُ اِجتِراحا
صَباحُكَ كانَ إِقبالاً وَسَعداً / فَيا يَومَ الرِسالَةِ عِم صَباحا
وَما تَألوا نَهارَكَ ذِكرَياتٍ / وَلا بُرهانَ عِزَّتِكَ اِلتِماحا
تَكادُ حِلاكَ في صَفَحاتِ مِصرٍ / بِها التاريخُ يُفتَتَحُ اِفتِتاحا
جَلالُكَ عَن سَنا الأَضحى تَجَلّى / وَنورُكَ عَن هِلالِ الفِطرِ لاحا
هُما حَقٌّ وَأَنتَ مُلِئتَ حَقّاً / وَمَثَّلتَ الضَحِيَّةَ وَالسَماحا
بَعَثنا فيكَ هاروناً وَموسى / إِلى فِرعَونَ فَاِبتَدَأَ الكِفاحا
وَكانَ أَعَزَّ مِن روما سُيوفاً / وَأَطغى مِن قَياصِرِها رِماحا
يَكادُ مِنَ الفُتوحِ وَما سَقَتهُ / يَخالُ وَراءَ هَيكَلِهِ فِتاحا
وَرُدَّ المُسلِمونَ فَقيلَ خابوا / فَيا لَكِ خَيبَةً عادَت نِجاحا
أَثارَت وادِياً مِن غايَتَيهِ / وَلامَت فُرقَةً وَأَسَت جِراحا
وَشَدَّت مِن قُوى قَومٍ مِراضٍ / عَزائِمُهُم فَرَدَّتها صِحاحا
كَأَنَّ بِلالَ نودِيَ قُم فَأَذِّن / فَرَجَّ شِعابَ مَكَّةَ وَالبِطاحا
كَأَنَّ الناسَ في دينٍ جَديدٍ / عَلى جَنَباتِهِ اِستَبقوا الصِلاحا
وَقَد هانَت حَياتُهُمُ عَلَيهِم / وَكانوا بِالحَياةِ هُمُ الشِحاحا
فَتَسمَعُ في مَآتِمِهِم غِناءً / وَتَسمَعُ في وَلائِمِهِم نُواحا
حَوارِيّينَ أَوفَدنا ثِقاتٍ / إِذا تُرِكَ البَلاغُ لَهُمُ فِصاحا
فَكانوا الحَقَّ مُنقَبِضاً حَيِيّاً / تَحَدّى السَيفَ مُنصَلِتاً يَقاحا
لَهُم مِنّا بَراءَةُ أَهلِ بَدرٍ / فَلا إِثماً نَعُدُّ وَلا جُناحا
تَرى الشَحناءَ بَينَهُمو عِتاباً / وَتَحسَبُ جِدَّهُم فيها مُزاحا
جَعَلنا الخِلدَ مَنزِلَهُم وَزِدنا / عَلى الخُلدِ الثَناءَ وَالاِمتِداحا
يَميناً بِالَّتي يُسعى إِلَيها / غُدُوّاً بِالنَدامَةِ أَو رَواحا
وَتَعبَقُ في أُنوفِ الحَجِّ رُكناً / وَتَحتَ جِباهِهِم رَحباً وَساحا
وَبِالدُستورِ وَهوَ لَنا حَياةٌ / نَرى فيهِ السَلامَةَ وَالفَلاحا
أَخَذناهُ عَلى المُهَجِ الغَوالي / وَلَم نَأخُذهُ نَيلاً مُستَماحا
بَنَينا فيهِ مِن دَمعٍ رِواقاً / وَمِن دَمِ كُلِّ نابِتَةٍ جَناحا
لَما مَلَأَ الشَبابَ كَروحِ سَعدٍ / وَلا جَعَلَ الحَياةَ لَهُم طِماحا
سَلوا عَنهُ القَضِيَّةَ هَل حَماها / وَكانَ حِمى القَضِيَّةِ مُسَتباحا
وَهَل نَظَمَ الكُهولَ الصَيدَ صَفّاً / وَأَلَفَّ مِن تَجارِبِهِم رَداحا
هُوَ الشَيخُ الفَتِيُّ لَوِ اِستَراحَت / مِنَ الدَأبِ الكَواكِبُ ما اِستَراحا
وَلَيسَ بِذائِقِ النَومِ اِغتِباقاً / إِذا دارَ الرُقادُ وَلا اِصطِباحا
فَيا لَكَ ضَيغَماً سَهِرَ اللَيالي / وَناضَلَ دونَ غايَتِهِ وَلاحى
وَلا حَطَمَت لَكَ الأَيّامُ ناباً / وَلا غَضَّت لَكَ الدُنيا صِياحا
ما هذه الكف التي قد كفت
ما هذه الكف التي قد كفت / ونالها من نال بالراحة
كانت يدا بيضاء لكنها / قد افقدت مصفوعها الراحه
سودت الدنيا عليه فقد / أوشك أن يحرق مصباحه
قل للأولى جعلوا القريض وسيلة
قل للأولى جعلوا القريض وسيلة / يتناظرون به مع المصباح
لا تعجبوا من راحة صفعت فتى / مثلى فمثلى مغرم بالراح
يقول صافعك الفتان إذ جمعت
يقول صافعك الفتان إذ جمعت / خداك من صفعه وردا لتفاح
وجدت خدك من راحي بمنزلة / هي المصافاة بين الماء والراح
صرت أرجو بأن تكون المرجى
صرت أرجو بأن تكون المرجى / وبان يبدل الهجا لك مدحا
تلك كف قد اكتفت واكتفينا / فرأينا أن نعقب الصفع صفحا
آذار أقبل قم بنا يا صاح
آذار أقبل قم بنا يا صاح / حىّ الربيع حديقة الأرواح
واجمع ندامى الظرف تحت لوائه / وانشر بساحته بساط الرياح
صفو أُتيح فخذ لنفسك قسطها / فالصفو ليس على المدى بمتاح
واجلس بضاحكة الرياض مصفقا / لتجاوب الأوتار والأقداح
واستأنسّ من السقاة برفقة / غر كأمثال النجوم صباح
ربت كندمان الملوك خلالهم / وتجملوا بمروءة وسماح
واجعل صبوحك في البكور سليلة / للمنجَبين الكرم والتفاح
مهما فضضت دنانها فاستضحكت / ملئ المكان سنا وطيب نُفاح
تطغى فإن ذكرت كريم أصولها / خلعت على النشوان حلية صاحى
فرعون خبأها ليوم فتوحه / وأعد منها قربة لفتاح
ما بين شاد في المجالس أيكه / ومحجبات الأيك في الأدواح
غرد على أوتاره يوحى إلى / غرد على أغصانه صداح
بيض القلانس في سواد جلابب / حُلين بالأطواق والأوضاح
رتّلن في أوراقهن ملاحنا / كالراهبات صبيحة الإفصاح
يخطرن بين أرائك ومنابر / في هيكل من سندس فياح
ملك النبات فكل أرض داره / تلقاه بالأعراس والأفراح
منشورة أعلامه من أحمر / قان وأبيضَ في الربى لماح
لبست لمقدمه الخمائل وشيها / ومرحن في كنف له وجناح
يغشى المنازل من لواحظ نرجس / آنا وآنا من ثغور أقاح
ورؤوس منثور خفضن لعزه / تيجانهن عواطر الأرواح
الورد في سُرُر الغصون مفتح / متقابل يثنى على الفتاح
ضاحي المواكب في الرياض مميز / دون الزهور بشوكة وسلاح
مر النسيم بصفحتيه مقبلا / مر الشفاه على خدود ملاح
هتك الردى من حسنه وبهائه / بالليل ما نسجت يد الإصباح
ينبيك مصرعه وكل زائل / أن الحياة كغدوة ورواح
ويقائق النَّسرين في أغصانها / كالدر ركب في صدور رماح
والياسمين لطيفة ونقيه / كسريرة المتنزه المسماح
متألِق خلل الغصون كأنه / في بلُجِةِ الأفنانِ ضوء صباح
و الجُلِّنار دم على أوراقهِ / قاني الحروفِ كخاتم السفاح
وكأن محزون البنفسجِ ثاكل / يلقى القضاء بخشيةٍ وصلاح
وعلى الخواطر رقة وكابة / كخواطر الشعراء في الأتراح
والسَرو في الحِبَرِ السوابِغ كاشف / عن ساقهِ كمليحةِ مِفراح
والنخل ممشوق القدودِ معصَّب / متزين بمناطقِ ووِشاح
كبناتِ فرعونٍ شهدن مواكبا / تحت المراوح في نهارٍ ضاح
وترى الفضاء كحائط من مرمرٍ / نَضِدت عليه بدائِع الألواح
الغيم فيه كالنعام بدينة / بركت وأخرى حلقت بجناح
والشمس أبهى من عروسٍ برقعت / يوم الزفاف بمسجدٍ وضاح
والماء بالوادى يخال مساربا / من زئبقٍ أو ملقياتِ صِفاحِ
بعثت له شمس النهار أشعة / كانت حُلَى النيلوفر السباح
يزهو على ورقِ الغصون نثيرها / زهو الجواهرِ في بطون الرّاح
وجرت سواقٍ كالنوادب بالقرى / رعن الشجىّ بأنهٍ ونواح
الشاكيات وما عرفن صبابة / الباكيات بمدمع سحاح
من كل بادية الضلوع غليلةٍ / والماء في أحشائها ملواح
تبكى إذا ونيت وتضحك إن هفت / كالعِيِس بين تنشيطٍ ورزاح
هي في السلاسل والغلول وجارها / أعمى ينوء بنيره الفداح
أن لأذكر بالربيع وحسنه / عهد الشبا وطِرفه الممراح
هل كان إلا زهرة كزهوره / عجل الفناء لها بغير جُناح
هول كين مصر رواية لا تنتهى / منها يد الكتاب والشراح
فيها من البردى والمزمور وال / سّوارة والفرقان والإصحاح
ومنا وقمبيز إلى إسكندر / فالقيصرين فذى الحلال صلاح
تلك الخلائق والدهور خزانة / فابعث خيالك يأت بالمفتاح
أُفق البلاد وأنت بين ربوعها / بالنجم مزدان وبالمصباح
يا راغب الخيرات أنت بقية
يا راغب الخيرات أنت بقية / في الصالحين لكل خير تصلح
للبر أبواب تلوح لأهله / شتى وعندك كل باب يفتح
أهل المروءة رابحون على المدى / ومن العجائب فاتهم ما تربح
بالباب مفقود اللسان بعثته / يلهو كرفقته لديك ويمرح
يهديك أزهار الربيع وعنده / للحمد أزهار أغض وأنفح
ويقوم في ناديك عنهم منشدا / بيتا به يطرى الكريم ويمدح
الصم قد سمعوا حديثك في الندى / والخرس ألسنة بشكرك تفصح
خطونا في الجهاد خطى فساحا
خطونا في الجهاد خطى فساحا / وهادنّا ولم نلق السلاحا
رضينا في هوى الوطن المفدّى / دم الشهداء والمال المطاحا
ولما سلّت البيض المواضي / تقلدنا لها الحق الصراحا
فحطمنا الشكيم سوى بقايا / إذا عضت أريناها الجماحا
وقمنا في شِراع الحق نلقى / وندفع عن جوانبه الرياحا
نعالج شدة ونروض أخرى / ونسعى السعى مشروعا مباحا
وأيام كأجواف اللَّيَالى / فقدن النجم والقمر اللَّياحا
قضيناها حيال الحرب تخشى / بقاء الرق أو نرجو السراحا
تركن الناس بالوادى قعودا / من الإعياء كالإبل الرزاحي
جنود السلم لاظفَر جزاهم / بما صبروا ولا موت أراحا
فلا تلقى سوى حيّ كميت / ومنزوف وإن لم يسق راحا
ترى أسرى وما شهدوا قتالا / ولا اعتقلوا الأسنة والصفاحا
وجرحى السوط لا جرحى المواضى / بما عمل الجواسيس اجتراحا
صباحك كان إقبالا وسعدا / فيا يوم الرسالة عم صباحا
وما نألو نهارك ذكريات / ولا برهان غرتك التماحا
تكاد حلاك في صفحات مصر / بها التاريخ يفتتح افتتاحا
جلالك عن سنى الأضحى تجلى / ونورك عن هلال الفطر لاحا
هما حق وأنت ملَّئت حقا / ومثَّلت الضحية والسماحا
بعثنا فيك هارونا وموسى / إلى فرعون فابتدآ الكفاحا
وكان أعز من روما سيوفا / وأطغى من قياصرها رماحا
يكاد من الفتوح وما سقته / يخال وراء هيكله فتاحا
ورُد المرسلون فقيل خابوا / فيالك خيبة عادت نجاحا
أثارت واديا من غابتيه / ولأمت فرقة وأست جراحا
وشدّت من قوى قوم مراض / عزائمهم فردّتها صحاحا
كأن بلال نودى قم فأذّن / فرجّ شعاب مكة والبطاحا
كأن الناس في دين جديد / على جنباته استبقوا الصلاحا
وقد هانت حياتهم عليهم / وكانوا بالحياة هم الشحاحا
فتسمع في مآتمهم غناء / وتسمع في ولائمهم نواحا
حواريين أوفدنا ثقاةً / إذا ترك البلاغ لهم فصاحا
فكانوا الحق منقبضا حيِيّا / تحدى السيف منصلتا وقاحا
لهم منا براءة أهل بدر / فلا إثما تُعد ولا جُناحا
نرى الشحناء بينهم عتابا / ونحسب جدهم فيها مزاحا
جعلنا الخلد منزلهم وزدنا / على الخلد الثناء والامتداحا
يمينا بالتي يسعى غليها / غدوَّا بالندامة أو رواحا
وتعبِق في أنوف الحج ركنا / وتحت جباههم رَحَبا وساحا
وبالدستور وهو لنا حياة / نرى فيه السلامة والفلاحا
أخذناه على المهج الغوالي / ولم نأخذه نيلا مستماحا
بنينا فيه من دمع رُواقا / ومن دم كل نابتة جناحا
وما ملا الشباب كروح سعد / ولا جعل الحياة لهم طماحا
سلوا عنه القضية هل حماها / وكان حمى القضية مستباحا
وهل نظم الكهول الصِّيد صفا / وألف من تجاربهم رداحا
هو الشيخ الفتىّ لو استراحت / من الدأب الكواكب ما استراحا
وليس بذائق النوم اغتباقا / إذا دار الرقاد ولا اصطباها
فيالك ضيغما سهر الليالي / وناضل دون غايته ولاحى
ولا حطَمت لك الأيام نابا / ولا غضّت لك الدنيا صباحا
ثم اقترنت بمحام عاطل
ثم اقترنت بمحام عاطل / شرِّيب خمر يحتسيها في الضحى
قلَّت دعاويه وقل ماله / وأصبح المكتب منه قد خلا
هدى ضلالٌ أين أنت ياهدى / أين العجوز أين جدتي هدى
وانكدا زينب واداهيتا / أتى ولا أعرف من أين أتى
زينب خليه دعى / لا تفرضيه غير سكران هذَى
من تحت وقد / كان من السقف أطَّل وانحنى
وكانت الحارة منا امتلأت / فأرسل القئ علينا ورمى
قلت ما رأت / عيني وما مرّ على رأسي وما
هدى عجوز النحس أنت قردة / خطوطك الوحل وكحلك العمى
خليه دعى / لا تفرضيه غير سكران هذَى
ومرة جاء أبا الليف ضحى / أذَّن في الناس يصلون العشا
وافضيحتاه / ما شهدوا في الحنفِىّ مثلها
هدى تعالي يا عتيقة اظهري / عند لك النعل وهذه العصا
خليه دعى / لا تفرضيه غير سكان هذَى
دعيه يهذى ما يشا / غدا ترين زينب
ففي غد لي وله / شأن غدا يؤدَّب
وما الذي عزمت يا / حبيبتي أن تصنعي
أقذف في القسم به / وأشتكى وأدَّعى
إن رجال القسم والنا / ئب والقاضي معي
لَتَنَدمَنَّ يا لُكع / يا من يقوم ويقع
ماذا سمعت صوتها / أأنت بومتي هنا
الآن يا جميزة ال / خط أريك من أنا
هدى حبيبتي اسمعي / تعالَى اهزَلي معي
لا تغضبيه إنه / ممتلئ ليس يعي
هدى هدى أين هدى / أين العجوز البالية
خدّاك ضَفدعان قد أسَّنتا / وأذناك عقربان من قِنا
وحاجباك والخطوط فيهما / كدودتين اكتظتا من الدِما
وبين عينيك نِفار وجفا / عين هناك خاصمت عيناً هنا