المجموع : 3
ما عَلى حاديهُمُ لَو كانَ عاجا
ما عَلى حاديهُمُ لَو كانَ عاجا / فَقَضى حين مَضى للصبِّ حاجا
ظعنوا وَالقَلبُ يَقفو إِثرَهُم / تَبِعَ العيسَ بُكوراً واِدِّلاجا
سَلَكوا من بطن فجٍّ سُبُلاً / لا عَدى صَوبُ الحيا تلك الفِجاجا
هم أَراقوا بِنَواهم أَدمُعي / وأَهاجوا لاعجَ الوَجدِ فَهاجا
كَم أداجي في هواهُم كاشِحاً / أَعجزَ الكتمانُ مَن حبَّ فَداجى
وعَذولاً يُظهرُ النُصحَ بهم / فإِذا نَهنَهتُهُ زاد لجاجا
طارَحَتني الورقُ فيهم شَجَناً / وَالصبا أَوحَت شَجاً وَالبَرقُ ناجى
يا بَريقاً لاحَ من حيِّهمُ / يَصدعُ الجوَّ ضياءً واِبتلاجا
أَنتَ جدَّدتَ بتَذكارِهُمُ / للحشى وَجداً وَللطَرف اِختلاجا
هاتِ فاِشرَح لي أَحاديثَهُم / إِنَّها كانَت لما أَشكو عِلاجا
عَلَّها تُبرئ وَجداً كامِناً / كلَّما عالجتهُ زاد اِعتِلاجا
ما لِقَلبي والصَبا وَيحَ الصَبا / كُلَّما مرَّت به زادَ اِهتِياجا
خَطرَت سَكرى بريّا نَشرِهم / وَتَحَلَّت منهمُ عِقداً وتاجا
يحسدُ الرَوضُ شذاها سَحَراً / فَترى الأَغصانَ سِرّاً تَتَناجى
آهِ مِن قَومٍ سَقَوني في الهَوى / صِرفَ حبٍّ لم أَذق مَعه مِزاجا
خَلَّفوا جِسمي وَقَلبي معهُم / كيفما عاجَت حُداةُ الرَكبِ عاجا
أَتراهُم عَلِموا كَيفَ دَجا / مَربَعٌ كانوا لناديهِ سِراجا
أَم دَروا أَنّا وردنا بَعدَهم / سائغَ العَذبِ من البَلوى أجاجا
وهم غايةُ آمالي هُمُ / سارَ في حبِّهمُ ذِكري فَراجا
لا عَراهُم حادِثُ الدَهرِ ولا / بَرحَت أَيّامُهم تُبدي اِبتِهاجا
مَن عَمَّ طلعَتك الغَرّاءَ بالبلَج
مَن عَمَّ طلعَتك الغَرّاءَ بالبلَج / وخصَّ مَبسِمَك الدُريَّ بالفَلَجِ
وَموَّهَ السِحرَ في جَفنَيكَ فاِتَّفَقا / عَلى اِستلاب النُهى بالغُنج والدَعَجِ
وَضاعفَ الوَردَ في خَدَّيكَ حين بَدا / رَيحانُ عارِضكَ المِسكيِّ بالضَرَجِ
وأَكسبَ الوردَ من ريّاك طيبَ شذاً / حتّى روى مُسنداً عن نَشركَ الأَرجِ
وَكَم لحُسنكَ مَعنىً قد خُصِصتَ به / ما بين مُنفردٍ منه ومُزدَوجِ
ما كُلُّ ذي بَهجَة راقَت محاسنُهُ / يَحوي محاسنَ هَذا المنظَرِ البهجِ
من رامَ حُسنَك لم ينظر إِلى حَسَنٍ / وفي سَنى الشَمس ما يُغني عَن السُرُجِ
قَد كادَ يَحكيكَ لَولا الفرقُ لاحَ لنا / بدرُ التَمام وَشَمسُ الأفق في البَلَجِ
فَلَم يقَع منكَ ذو حُسنٍ على شَبهٍ / سِوى الهِلالِ على ما فيهِ من عِوَجِ
كَيفَ النَجاةُ لمن ولّاكَ مهجتَه / وَسَيفُ لحظِكَ لا يُبقي على المُهَجِ
خذ في التَجنّي وَدَع من ماتَ فيك يَقُل / أَنا القَتيلُ بلا إِثم ولا حَرَجِ
خَلعتُ فيكَ عِذاري غيرَ مُعتذرٍ / وَفي عذارِكَ عذري واضحُ الحُجَجِ
وَكَيفَ أَصحو غَراماً من هَواكَ وقد / سَقَيتَني الحبَّ صِرفاً غيرَ مُمتَزجِ
هامَ المحبُّونَ وجداً فيك فاِنزَعجوا / وهمتُ فيكَ بِقَلبٍ غير مُنزَعجِ
شتّانَ ما بين صَبٍّ راحَ مُكتَئِباً / وَبين صَبٍّ بجَور الحبِّ مُبتَهجِ
يا لاهِجاً بمَرامي في هوى رشأٍ / بسَلب أَلباب أَربابِ الهَوى لَهِجِ
إن لم يَلج حسنُه في ناطريكَ فَلي / سمعٌ وحقِّك فيه العَذلُ لم يَلجِ
حَلَت حلاه لِقَلبي إذُ شُغِفتُ به / وَالحبُّ أَعذَبُ لي من عَذلكَ السَمِجِ
لي من ذوائبه لَيلٌ دَجا فَسَجا / فيهِ يَطيبُ السُرى وَهناً لمدَّلجِ
ومن محيّاهُ صبحٌ إِن أَضاءَ لنا / جَلا الدُجى بصباحٍ منه مُنبَلجِ
لا غَروَ إِن فتنَت قَلبي نَواظره / كَم فِتنَةٍ دونَ ذاك الناظِر الغَنِجِ
ما كُنتُ أَوَّلَ من أَذكت بمهجتِه / نارُ الصَبابة وَجداً دائمَ الوَهَجِ
فَقَلبُه من سَعير الوَجدِ ذو حُرَقٍ / وَجَفنُه من بحار الدَمع في لُجَجِ
أَهفو إِلى الريح إِن مَرَّت على إِضمٍ / شَوقاً لمن قَلبُه بالشَوق لم يَهِجِ
يا حَبَّذا نسمَةٌ هَبَّت لنا سحراً / تَختالُ في الجَوِّ من طيبٍ ومن أَرَجِ
روت أَحاديثَ سُكّان الحِمى وَسَرت / تَهيجُ كلَّ فؤادٍ بالغَرام شَجِ
فَهَل دَرَت نَسَماتُ الحيِّ حين سَرت / ماذا أَسَرَّت لعاني الحبِّ من فَرَجِ
وافت مُبَشِّرَةً بالوَصل منشدةً / لكَ البِشارَةُ مُضنى الحُبِّ فاِبتَهِجِ
قُم هاتِها حَمراءَ قَبلَ المَزاج
قُم هاتِها حَمراءَ قَبلَ المَزاج / تَسطَعُ نوراً في كؤوس الزُجاج
كأَنَّها في كأَسِها لمحةٌ / من بارقٍ أَو لَمعَةٌ من سِراج
عَذراءُ قد أَلبَسها إذ بدت / حَبابُها الدُرّيُّ عِقداً وَتاج
يُديرها أَغيدُ ساجي الرَنا / أَحوى رَشيقُ القَدِّ حلوُ المِزاج
يَهتَزُّ كالغُصن إذا ما مَشى / ورِدفُه من مَشيه في اِرتجاج
إِذا رآه عاذلي مُسفِراً / لجلجَ في القَول وكفَّ اللجاج
بادر إِلى اللَّذّات في وَقتِها / واِفتح لِداعي الأُنسِ عنها رِتاج
واِصطَبح الراحَ فقد أَشرَقَت / وَالصبحُ إِشراقه في اِنبِلاج
أَما ترى يا صاحِ زَهرَ الرُبى / ماجت به الريحُ سُحيراً فَماج
وَالجوُّ قد أَرَّجَ أَرجاءَه / وَالروضُ من قَطر النَدى في اِبتهاج
وَالريحُ هَبَّت موهِناً نشرُها / يَملأ بالطيب الرُبى والفِجاج
إنّي اِمرؤٌ لَيسَ لدائي سِوى / هذي الَّتي أَنعَتُها من عِلاج
فاِشرَح بها لا روَّعتك النَوى / صَدراً لهمِّ البَينِ فيها اِعتِلاج
لِلَّه طَيفٌ من حَبيبٍ نأى / سَرى يَخوضُ اللَيلَ وَاللَيلُ داج
مرَّ بنا لكنَّه لم يَعُج / ما ضَرَّه إذ مَرَّ لو كانَ عاج
آهٍ لعصرٍ نلتُ فيه المُنى / بحاجَةٍ قضَّيتها بعد حاج
يا لَيتَهُ لو عادَ يَوماً فَقَد / عادَ فُراتُ الماءِ عِندي أجاج
وَاللَه ما هَيَّج ذكرُ الحِمى / وَجدي بِذاكَ الحيِّ إلّا وَهاج