المجموع : 8
بغداد حسبك رقدة وسبات
بغداد حسبك رقدة وسبات / أوَ ما تُمضُّك هذه النكبات
ولِعَت بك الأحداث حتى أصبحت / أذْواء خَطبِك ما لهنّ أساة
قَلَبَ الزمانُ إليك ظهرِ مجَنِّه / أفكان عندكِ للزمانِ ترات
ومن العجائب أنَ يمَسَّك ضرّه / من حيث ينفع لورعتك رُعاة
إذ من ديالي والفرات ودجلة / أمست تحُلّ بأهلك الكُرُبات
أن الحياة لفي ثلاثة أنهُر / تجري وأرضكِ حولهنّ مَوات
قد ضلّ أهلُك رُشدَهم وهل اهتدى / قوم أجاهلهم هم السَرَوات
قوم أضاعوا مجدهم وتفرّقوا / فتراهم جَمْعاً وهم أشتات
لقد استهانوا العيش حتى أهملوا / سعياً مَغَبّة تركه الاعنات
يا صابرين على الأمور تَسومهم / خّسفاً على حين الرجال أباة
لا تُهملوا الضرر اليسير فإنه / أن دام ضاقت دونه الفلوات
فالنار تَلهَب من سقوط شرارة / والماء تَجمع سَيْله القَطَرات
لا تستنيموا للزمان توكُّلاً / فالدهر نزّاءٌ له وثبات
فإلى متى تستهلكون حياتكم / فَوْضَى وفيكم غفلة وأناة
تالله ان فَعالكم بخلافه / نزل الكتاب وجاءت الآيات
أفتزعُمون بأن ترك السعي في / هذي الحياة تَوكُّل وتُقاة
أن صحّ نَقْلكم بذاك فبيِّنوا / أو قام عندكم الدليل فهاتوا
لم تَلْقَ عندكم الحياة كرامةً / في حالة فكأنكم أموات
شقِيَت بكم لما شَقِيتم أرضكم / فلها بكم ولكم بها غَمَرات
وجهِلتم النهج السَوِيَّ إلى العلا / فترادفت منكم بها العَثَرات
بالعلم تَنْتظِم البلاد فإنه / لرُقِيِّ كل مدينة مِرقاة
أن البلاد إذا تخاذل أهلها / كانت منافعها هي الآفات
تلك الرُصافة والمياه تَحُفّها / والكرخ قد ماجت به الأزمات
سالت مياه الواديَيْن جوارفاً / فطَفَحْن والأسداد مُؤتَكِلات
فتهاجم الماءان من ضَفَوَيْهما / فتناطحا وتوالت الهَجَمات
حتى إذا اتّصل الفرات بدجلة / وتساوت الوَهَدات والرَبَوات
زَحَفت جيوش السَيل حتى أصبحت / بالكرخ نازلة لها ضَوْضاة
فسَقَت بيوت الكرخ شرّمُقَيِّىءٍ / منها فقاءت أهلَها الأبيات
واستَنْقَعت فيها المياه فطَحْلَبت / بالمُكث ترغو تحتها الحَمَآت
حتى استحال الكرخ مشهد أبْؤس / تبكي به الفتيان والفَتَيات
طُرُقاته مسدودة ودياره / مهدومة وعِراصه قَذِرات
يا كرخ عَزّ على المروءة أنه / لُجَج المياه عليك مُزدَحِمات
فلئن أماتتك السيول إنما / أمواجهنّ عليك مُلتَطِمات
مَن مُبلغ المنصور عن بغداد
مَن مُبلغ المنصور عن بغداد / خَبَراً تَفيض لمثله العَبَرات
أمست تُناديه وتَندبُ أربُعاً / طَمَست رسوم جمالها الهَبَوات
وتقول يا لأَبي الخلائف لو ترى / أركان مجدي وهي مُنهدِمات
لغدوت تُنكِرني وتبرحِ قائلاً / بتعجب ما هذه الخَربات
أين البروج بنيتهنّ مشِيدة / أين القصور عَلت بها الشُرُفات
أين الجنان بحيث تجري تحتها ال / أنهار يانعة بها الثمرات
أترى أبو الأمناء يعلم بعده / بغدادَ كيف تَروعها النكبات
لا دجلة يا للرزية دجلة / بعد الرشيد ولا الفرات فرات
كان الفرات يُمدّ دجلةَ ماؤه / بجداول تُسقَى بها الجنات
إذ بين دجلة والفرات مصانع / تفترّ عن شنب بها السنوات
يا نهر عيسى أين منك موارد / عذُبت وأين رياضك الخضلات
ماذا دهى نهرَ الرُفَيل من البلى / حيث المجاري منهُ مندرسات
إذ قصر عيسى كان عند مصبّه / وعليه منه أطلّت الغُرُفات
أم أين بركة زلزل وزُلالها الس / لسال تسرح حوله الظَبيَات
يا نهر طابَقَ لاعدمتك منَهلاً / أين الصَراة تحُفّها الروضات
أم أين كرخايا تمد مياهُه / نهر الدَجاج فتكثر الغَلاّت
أم أين نهر الملك حين سلسلت / فيه المياه وهن مُطَردات
قد كان تُزدَرَع الحبوب بأرضه / فتَسِحّ فيه بفَيضها البركات
أم أين نهر بطاطيا تأتيه من / نهر الدُجَيل مياهه المُجْراة
وله فروع أصلهن لشارع ال / كبش المجاري منه مُنتهيات
تنمو الزروع بسَقيِه فغِلاله / كل العراق ببعضها يقتات
لهفي على نهر المعُلّي إذ غدت / لا تستبين جنانه النضرات
نهر هو الفِردَوس تدخل منه في / قصر الخلافة شعبة وقناة
كالسيف مُنصَلِتاً تُضاحِك وجهَه ال / أنوارُ وهي عليه مُلتَمِعات
إذ نهر بِينٍ عند كَلْواذى به / مُلْد الغصون تَهزّها النسمات
وبقربه من نهر بُوقٍ دارة / تَنْفي الهموم مروجها الخَضِرات
يا قصر باب التبر كنت مُقَرَّناً / والنَفيُ يَصدُر منك والاثبات
أيامَ تُطلعك العدالةُ شمسَها / وتَرِفّ فوقَك للهدى رايات
أيام تُبصرك الحضارة في العلا / بدراً عليك من الثنا هالات
أيام تُنشدك العلوم نشيدها / فتَعود منك على العلوم صِلات
أيام تقصدكَ الأفاضل بالرجا / فتَفيض منك لهم جَداً وهِبات
أيام يأتيك الشكِيّ بأمره / فيروح عنك وما لديه شَكاة
تَمضي الشهور عليك وهي أنيسةٌ / وتَمُرّ باسمةً بك الساعات
ماذا دهاك من الهوان فأصبحت / آثار عزّك وهي مُنطَمِسات
قد ضيّعت بغداد سابق عزّها / وغدت تَجيش بصدرها الحسرات
كم قد سقاها السَيل من أنهارها / ضُرّاً وهنّ منافع وحياة
واليوم قلت بجانبيها أرخوا / دَفَق السُيول فماجت الأزمات
كل ابنِ آدم مقهور بعادات
كل ابنِ آدم مقهور بعادات / لهنّ يَنقاد في كل الارادات
يَجري عليهنّ فيما يبتغيه ولا / يَنفكّ عنهنّ حتى في الملّذات
قد يَستلِذّ الفتى ما أعتاد من ضرر / حتى يرى في تعاطيه المسرّات
عادات كل امرىءٍ تأبى عليه بأن / تكون حاجاته إلاّ كثيرات
أنّي لفي أسْر حاجاتي ومن عَجبِ / تَعوُّدي ما به تزداد حاجاتي
كل الحياة افتقار لا يفارقها / حتى تنال ِغناها بالمنيّات
لو لم تكن هذه العادات قاهرةُ / لما أسيغت بحالٍ بنت حانات
ولا رأيت ِسكارات يدخّنها / قوم بوقت انفراد واجتماعات
أن الدخان لثانٍ في البلاء إذا / ما عُدّتِ الخمر أولى في البليّات
وربّ بيضاءِ قيدِ الأصبع احترقت / في الكفّ وهي احتراق في الحشاشات
أن مَرّ بين ِشفاه القوم أسودها / ألقي اصفراراً على بيض الثنيّات
وليتها كان هذا حظُّ شاربها / بل قد تفُتّ بكفّيه المرارات
عوائد عمّت الدنيا مصائبُها / وإنما أنا في تلك المصيبات
أن كلّفَتْني السكاري شُربَ خمرتهم / شربت لكن دخاناً من سكاراتي
واخترت أهون شرّ بالدخان وأن / أحرقت ثَوبي منه بالشرارات
وقلت يا قوم تكفيكم مشاركتي / أياكم في التذاذ بالمُضِرّات
أنّي لأمتصَ جمراً ُلفَّ في وَرَق / إذ تشربون لَهيباً ملء كاسات
كلاهما حُمُق يَفتّر عن ضرر / يَسُمّ من دمنا تلك الكُرَيّات
حسبي من الحمق المُعتاد أهونه / أن كان لابد من هذي الحماقات
يا مَن يدخّن مثلي كل آوِنةٍ / لُمْني أَلُمْك ولا تَرض َأعتذاراتي
أن العوائد كالأغلال تَجمعنا / على قُلوب لنا منهنّ أشتات
مقيَّدين بها نمشي على حَذَر / من العيون فنأتي بالمداجاة
قد نُنكِر الفعل لم تألفه عادتنا / وأن علمناه من بعض المُباحات
وربّ شَنعاء من عاداتنا حَسُنت / في زعمنا وهي من أجلَى الشناعات
عناكب الجهل كم ألقت بأدمغة / من الأنام نسيجاً من خرافات
فحرّموا وأحَلّوا حسب عادتهم / وشَوّهوا وَجه أحكام الديانات
حتى تراهم يرون العلم مَنقَصةٌ / عند النساء وأن كنّ العفيفات
وحجّبوهنّ خوف العار لَيتهم / خافوا عليهنّ من عار الجهالات
لم تُحصِ سيّئةَ العادات مقدرتي / مهما تَفَنّنت منها في عباراتي
فكم لها بِدَع سُود قد أصطَدَمت / في الناس منهنّ آفات بآفات
لو لم يكُ الدهر سوقاً رابح باطلها / ما راجتِ الخمر في سوق التجارات
ولا أستمرّ دخان التَبغ ُمنتشراً / بين الورى وهو مطلوب كأقوات
لو أستطعت جعلت التبغ محتكَراً / فوق أحتكار له أضعافَ مَرّات
وزِدت أضعاف أضعاف ضَريبته / حتى يَبيعوه قيراطاً ببدْرات
فيستريحَ فقير القوم منه ولا / يُبْلى به غير مُثرٍ ذي سفاهات
الحُرّ من خرق العادات مُنْتَهِجاً / نهج الصواب ولو ضدّ الجماعات
ومن إذا خَذَل الناس الحقيقة عن / جهل أقام لها في الناس رايات
ولم يَخَف في أتّباع الحق لائمةً / ولو أتَته بحدّ المَشرَفِيّات
وعامل الناس بالإنصاف مُدَّرعا / ثوب الأخوّة من نسج المساواة
أغبىَ البريّة أرفاهم لعادته / وأعقل الناس خرّاق لعادات
كلّ شيء من عالم الذرّات
كلّ شيء من عالم الذرّات / كل شيء في كونه كالنبات
كل شيء في بدئه من صغير / ثم ينمو في ذاته والصفات
هكذا تكبُر الصغار وتقوى / في نواميس حادثات الحياة
هكذا ترسل الأصول فروعاً / عاليات يأتين بالثمرات
أن للفَلس في الثراء محّلاً / كمحلّ الجذور في الدوحات
أن أصل الثراء فلس هل سا / لت سيول إلاّ من القطرات
هو في قدره حقير ولكن / جمعه مُوصل إلى العظمات
يتساوى السخيّ فيه وذو البخ / ل وربّ الأقلال والمَثْراة
هو هَيْن على الذي قال هاكم / حين يعطيه للذي قال هات
أن تُرِدْ غرس نخلة من ثراء / فسوى المفلس مالها من نواة
فأقتصد في موارد العيش فلساً / كل يوم من طائل النفقات
وأجعل الفلس فوق فلس تجِدْه / بعد حين عوناً علىالأزَمات
وأدّخره ليوم نَحْس تجده / مسعداً مسعفاً على الخيرات
وأقصد الخير في أقتصادك حتى / لا يؤول الثراء للأعنات
ليس حسن الأعمال في الناس إلاّ / حسن ما يُضمرون من نيّات
فدع الفعل كيف كان حميداً / أو ذميماً وأنظر إلى الغايات
حسنات الأنام إن لم تكن ذا / ت عموم ضرب من السيّئات
يا شباب العراق هُبّوا إليه / وتوخَوْا بجمعه البركات
إن تكونوا اعتزمتم الأمر فيه / فالبدار البدار قبل الفوات
هي الأخلاق تنبت كالنبات
هي الأخلاق تنبت كالنبات / إذا ُسقِيَت بماء المكرُمات
تقوم إذا تعهّدها المُرَبّي / على ساق الفضيلة مثمرات
وتسمو للمكارم باتِّساق / كما اتّسقت أنابيب القناة
وتُنعش من صميم المجد روحاً / بأزهار لها ُمتَضوِّعات
ولم أر للخلائق من مَحَلّ / يهذّ بها كحِضن الأمهات
فحضن الأم مدرسة تسامت / بتربية البنين أو البنات
وأخلاق الوليد تُقاس حسناً / بأخلاق النساء الوالدات
وليس ربيب عالية المَزايا / كمثل ربيب سافلة الصفات
وليس النبت ينبُت في ِجنان / كمثل النبت ينبت في الفلاة
فيا صدر الفتاة رحُبت صدراً / فأنت مقرّ أسنى العاطفات
نراك إذا ضممت الطفل لوحاً / يفوق جميع ألواح الحياة
إذا أستند الوليد عليك لاحت / تصاوير الحَنان مصوَّرات
لأخلاق الوليد بك أنعكاس / كما انعكس الخيال على المرآة
وما ضَرَ بان قلبكَ غير درس / لتلقين الخصال الفاضلات
فأول درس تهذيب السجايا / يكون عليك يا صدر الفتاة
فكيف نظُنّ بالأبناء خيراً / إذا نشؤوا بحِضن الجاهلات
وهل ُيرجى لأطفال كمالٌ / إذا أرتضعوا ثُدِيّ الناقصات
فما للأمهات جهِلْن حتى / أتَيْن بكلّ طَيّاش الحصاة
حَنَوْن على الرضيع بغير علم / فضاع حُنُوّ تلك المرضعات
أؤم المؤمنين إليك نشكو / مصيبتنا بجهل المؤمنات
فتلك مصيبة يا أم منها / نكاد نغص بالماء الفرات
تخذنا بعدك العادات ديناً / فأشقى المسلمون المسلمات
فقد سلكوا بهنّ سبيل خُسْر / وصدّوهنّ عن سُبُل الحياة
بحيث لزِمن قعر البيت حتى / نزلْنَ به بمنزلة الأداة
وعَدُّوهنّ أضعف من ذباب / بلا جنح وأهون من َشذاة
وقالوا شرعة الإسلام تقضي / بنفضيل الذين على اللواتي
وقالوا أن معنى العلم شيءٌ / تضيق به صدور الغانيات
وقالوا الجاهلات أعفّ نفساً / عن الفحشا من المتعلّمات
لقد كذَبوا على الأسلام كذباً / تزول الشُمّ منه مُزَلزَلات
أليس العلم في الأسلام فرضاً / على أبنائه وعلى البنات
وكانت اُمّنا في العلم بحراً / تَحُلّ لسائليها المُشكلات
وعلّمها النبيّ أجلّ علم / فكانت من أجلّ العالمات
لذا قال أرجعوا أبداً إليها / بثُلثَيْ دينكم ذي البيّنات
وكان العلم تلقيناً فأمسى / يُحَصَّل بانتياب المدرسات
وبالتقرير من كتب ضخام / وبالقلم المُمَدّ من الدواة
ألم نرَ في الحسان الغيد قبلاً / أوانس كاتبات شاعرات
وقد كانت نساء القومِ قدماً / يَرُحن إلى الحروب مع الغُزاة
يكنّ لهم على الأعداء عَوْناً / ويَضمِدن الجروح الداميات
وكم منهنّ من اُسرت وذاقت / عذاب الهُون في أسر العداة
فماذا اليومَ ضَرَّ لو التفتنا / إلى أسلافنا بعضَ الْتِفات
فهم ساروا بنهج هدىً وسِرنا / بمنهاج التفرُّق والشَتات
نرى جهل الفتاة لها َعفافاً / كأن الجهل ِحصنٌ للفتاة
ونحتقر الحلائل لا لجُرمٍ / فنُؤذيهنّ أنواع الأذاة
ونُلزِمهنّ قعر البيت قهراً / ونحسبهنّ فيه من الهَنات
لئن وَأدوا البنات فقد قَبَرنا / جميع نسائنا قبل الممات
حجبناهنّ عن طلب المعالي / فعِشن بجهلهنّ مهتّكات
ولو عَدِمت طباع القوم ُلؤماً / لما غدت النساء محجّبات
وتهذيب الرجال أجَلّ شرط / لجعل نسائهم متهذّبات
وما ضرّ العفيفةَ كشفُ وجهٍ / بدا بين الأعفّاء الاُباة
فدىً لخلائق الأعراب نفسي / وأن وُصِفوا لدينا بالجُفاة
فَكم برزت بحَيّهم الغواني / حواسر غير ما متريّبات
وكم خشف بمربعهم وظبيٍ / يمرّ مع الجدَاية والمهاة
ولولا الجهل ثَمّ لقلت مَرْحى / لمن ألِفوا البداوة في الفلاة
وكيف يُصبح من دنياه في دَعة
وكيف يُصبح من دنياه في دَعة / من بات
أما المعُزّان في دنيا فإنهما / هما على
كلاهما ضامن للناس حُرمتهم / هذا له ال
مَن لم يك العَلم الخفاق شارتهم / فليس يُج
وليس ينفع قوماً لا علوم لهم / أن يُنشر
فالعِلم في أمة ليس بحاكمةٍ / كالسيف
والعِلم أوهن من ان يُستظَلَّ به / إن لم تقم
ما أحسن العَلم الخفاق منتصباً / به تُشير
قد علمتني الليالي في تقلُّبها / أن الموفق
أيا سائلاً عنا ببغداد إننا
أيا سائلاً عنا ببغداد إننا / بهائم في بيداء أعَوزها النبت
علت أمة الغرب السماء وأشرفت / علينا فظلَنا ننظر القوم من تحت
وهم ركضوا خيل المساعي وقد كبا / بنا فَرَس عن مِقَنب السعي مُنَبت
فنحن أناس لم نزل في بَطالة / كأنا يهود كل أيَامنا سبت
خضعنا لحكام تجور وقد حلا / بأفواهها من مالنا مَأكل سُحت
وكم قامَرتنا ساسة الأمر خُدعةً / فتَمّ علينا بالخِداع لها الدَسْت
لماذا نخاف جُبناً فلم نقم / إلى الذَّب عنا من أمور هي الموت
إذا كنت لا ألقى من الموت مَوْثلاً / فهل نافعي إن خِفته أو تهَيَّبت
ولَلموت خير من حياة تَشوبها / شوائب منها الظلم والذُل والمقت
يا موطناً ما انتضيناها مُهَنّدةً
يا موطناً ما انتضيناها مُهَنّدةً / إلاّ لردع الأعادي عن إهانته
ولا ركبِنا منايانا مُطَهَّمةً / إلاّ لنكسب عزّاً من صيانته
سقياً ورعياً لروض منك ذي أنَق / قد كادت الحرب تُذوي غصن بانته
تا الله لم ينكسر في الحرب عسكرنا / من أجل قِلّته أو من جبانته
وكيف وهو تفوق الطَيْس كثرته / وتستعير الرواسي من رزانته
لكن قائده ما كان يَمْأنه / ولا يُبالي بأمرٍ من مَعانته
حتى لقد نِفدت في الحرب عِينَته / بحيث لم يَبق سَهم في كنانته
فظلّ يرسُف في النيران مُرتبكاً / مستفرغاً كل جهد من متانته
حتى غدا جُلُّه للنار مَأكلةً / وما تزحزح شبراً عن مكانته
ولا استكان لهَول الحرب من فَرَق / بل كان يَفرَق من هول استكانته
فخاض غَمر المنايا صابراً وأبى / على الفرار انغماراً في مهانته
ليس الفرار لجند المسلمين ألا / إن الفرار لكفرٌ في ديانته
وكيف يَغلِب جيش كان قائده / يَحُفّه بجيوش من خيانته
فالجيش تَلتَهِم النيران أنفسه / وقائد الجيش لاهٍ في مَجانته
أقام في القصف والأجناد طاوية / مُعاقراً بهناء بنت حانته
صَبحانَ غَبقانَ في أقصى معسكره / محَرورِفاً بين رهط من بِطانته
تلقاه من بين ذاك الرهط في مَرَح / كأنه الجاب يَنزُو بين عانته
لَهفي على الجيش جيش المسلمين فقد / قضى ولم يقضِ شيئاً من لُبانته