القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 8
بغداد حسبك رقدة وسبات
بغداد حسبك رقدة وسبات / أوَ ما تُمضُّك هذه النكبات
ولِعَت بك الأحداث حتى أصبحت / أذْواء خَطبِك ما لهنّ أساة
قَلَبَ الزمانُ إليك ظهرِ مجَنِّه / أفكان عندكِ للزمانِ ترات
ومن العجائب أنَ يمَسَّك ضرّه / من حيث ينفع لورعتك رُعاة
إذ من ديالي والفرات ودجلة / أمست تحُلّ بأهلك الكُرُبات
أن الحياة لفي ثلاثة أنهُر / تجري وأرضكِ حولهنّ مَوات
قد ضلّ أهلُك رُشدَهم وهل اهتدى / قوم أجاهلهم هم السَرَوات
قوم أضاعوا مجدهم وتفرّقوا / فتراهم جَمْعاً وهم أشتات
لقد استهانوا العيش حتى أهملوا / سعياً مَغَبّة تركه الاعنات
يا صابرين على الأمور تَسومهم / خّسفاً على حين الرجال أباة
لا تُهملوا الضرر اليسير فإنه / أن دام ضاقت دونه الفلوات
فالنار تَلهَب من سقوط شرارة / والماء تَجمع سَيْله القَطَرات
لا تستنيموا للزمان توكُّلاً / فالدهر نزّاءٌ له وثبات
فإلى متى تستهلكون حياتكم / فَوْضَى وفيكم غفلة وأناة
تالله ان فَعالكم بخلافه / نزل الكتاب وجاءت الآيات
أفتزعُمون بأن ترك السعي في / هذي الحياة تَوكُّل وتُقاة
أن صحّ نَقْلكم بذاك فبيِّنوا / أو قام عندكم الدليل فهاتوا
لم تَلْقَ عندكم الحياة كرامةً / في حالة فكأنكم أموات
شقِيَت بكم لما شَقِيتم أرضكم / فلها بكم ولكم بها غَمَرات
وجهِلتم النهج السَوِيَّ إلى العلا / فترادفت منكم بها العَثَرات
بالعلم تَنْتظِم البلاد فإنه / لرُقِيِّ كل مدينة مِرقاة
أن البلاد إذا تخاذل أهلها / كانت منافعها هي الآفات
تلك الرُصافة والمياه تَحُفّها / والكرخ قد ماجت به الأزمات
سالت مياه الواديَيْن جوارفاً / فطَفَحْن والأسداد مُؤتَكِلات
فتهاجم الماءان من ضَفَوَيْهما / فتناطحا وتوالت الهَجَمات
حتى إذا اتّصل الفرات بدجلة / وتساوت الوَهَدات والرَبَوات
زَحَفت جيوش السَيل حتى أصبحت / بالكرخ نازلة لها ضَوْضاة
فسَقَت بيوت الكرخ شرّمُقَيِّىءٍ / منها فقاءت أهلَها الأبيات
واستَنْقَعت فيها المياه فطَحْلَبت / بالمُكث ترغو تحتها الحَمَآت
حتى استحال الكرخ مشهد أبْؤس / تبكي به الفتيان والفَتَيات
طُرُقاته مسدودة ودياره / مهدومة وعِراصه قَذِرات
يا كرخ عَزّ على المروءة أنه / لُجَج المياه عليك مُزدَحِمات
فلئن أماتتك السيول إنما / أمواجهنّ عليك مُلتَطِمات
مَن مُبلغ المنصور عن بغداد
مَن مُبلغ المنصور عن بغداد / خَبَراً تَفيض لمثله العَبَرات
أمست تُناديه وتَندبُ أربُعاً / طَمَست رسوم جمالها الهَبَوات
وتقول يا لأَبي الخلائف لو ترى / أركان مجدي وهي مُنهدِمات
لغدوت تُنكِرني وتبرحِ قائلاً / بتعجب ما هذه الخَربات
أين البروج بنيتهنّ مشِيدة / أين القصور عَلت بها الشُرُفات
أين الجنان بحيث تجري تحتها ال / أنهار يانعة بها الثمرات
أترى أبو الأمناء يعلم بعده / بغدادَ كيف تَروعها النكبات
لا دجلة يا للرزية دجلة / بعد الرشيد ولا الفرات فرات
كان الفرات يُمدّ دجلةَ ماؤه / بجداول تُسقَى بها الجنات
إذ بين دجلة والفرات مصانع / تفترّ عن شنب بها السنوات
يا نهر عيسى أين منك موارد / عذُبت وأين رياضك الخضلات
ماذا دهى نهرَ الرُفَيل من البلى / حيث المجاري منهُ مندرسات
إذ قصر عيسى كان عند مصبّه / وعليه منه أطلّت الغُرُفات
أم أين بركة زلزل وزُلالها الس / لسال تسرح حوله الظَبيَات
يا نهر طابَقَ لاعدمتك منَهلاً / أين الصَراة تحُفّها الروضات
أم أين كرخايا تمد مياهُه / نهر الدَجاج فتكثر الغَلاّت
أم أين نهر الملك حين سلسلت / فيه المياه وهن مُطَردات
قد كان تُزدَرَع الحبوب بأرضه / فتَسِحّ فيه بفَيضها البركات
أم أين نهر بطاطيا تأتيه من / نهر الدُجَيل مياهه المُجْراة
وله فروع أصلهن لشارع ال / كبش المجاري منه مُنتهيات
تنمو الزروع بسَقيِه فغِلاله / كل العراق ببعضها يقتات
لهفي على نهر المعُلّي إذ غدت / لا تستبين جنانه النضرات
نهر هو الفِردَوس تدخل منه في / قصر الخلافة شعبة وقناة
كالسيف مُنصَلِتاً تُضاحِك وجهَه ال / أنوارُ وهي عليه مُلتَمِعات
إذ نهر بِينٍ عند كَلْواذى به / مُلْد الغصون تَهزّها النسمات
وبقربه من نهر بُوقٍ دارة / تَنْفي الهموم مروجها الخَضِرات
يا قصر باب التبر كنت مُقَرَّناً / والنَفيُ يَصدُر منك والاثبات
أيامَ تُطلعك العدالةُ شمسَها / وتَرِفّ فوقَك للهدى رايات
أيام تُبصرك الحضارة في العلا / بدراً عليك من الثنا هالات
أيام تُنشدك العلوم نشيدها / فتَعود منك على العلوم صِلات
أيام تقصدكَ الأفاضل بالرجا / فتَفيض منك لهم جَداً وهِبات
أيام يأتيك الشكِيّ بأمره / فيروح عنك وما لديه شَكاة
تَمضي الشهور عليك وهي أنيسةٌ / وتَمُرّ باسمةً بك الساعات
ماذا دهاك من الهوان فأصبحت / آثار عزّك وهي مُنطَمِسات
قد ضيّعت بغداد سابق عزّها / وغدت تَجيش بصدرها الحسرات
كم قد سقاها السَيل من أنهارها / ضُرّاً وهنّ منافع وحياة
واليوم قلت بجانبيها أرخوا / دَفَق السُيول فماجت الأزمات
كل ابنِ آدم مقهور بعادات
كل ابنِ آدم مقهور بعادات / لهنّ يَنقاد في كل الارادات
يَجري عليهنّ فيما يبتغيه ولا / يَنفكّ عنهنّ حتى في الملّذات
قد يَستلِذّ الفتى ما أعتاد من ضرر / حتى يرى في تعاطيه المسرّات
عادات كل امرىءٍ تأبى عليه بأن / تكون حاجاته إلاّ كثيرات
أنّي لفي أسْر حاجاتي ومن عَجبِ / تَعوُّدي ما به تزداد حاجاتي
كل الحياة افتقار لا يفارقها / حتى تنال ِغناها بالمنيّات
لو لم تكن هذه العادات قاهرةُ / لما أسيغت بحالٍ بنت حانات
ولا رأيت ِسكارات يدخّنها / قوم بوقت انفراد واجتماعات
أن الدخان لثانٍ في البلاء إذا / ما عُدّتِ الخمر أولى في البليّات
وربّ بيضاءِ قيدِ الأصبع احترقت / في الكفّ وهي احتراق في الحشاشات
أن مَرّ بين ِشفاه القوم أسودها / ألقي اصفراراً على بيض الثنيّات
وليتها كان هذا حظُّ شاربها / بل قد تفُتّ بكفّيه المرارات
عوائد عمّت الدنيا مصائبُها / وإنما أنا في تلك المصيبات
أن كلّفَتْني السكاري شُربَ خمرتهم / شربت لكن دخاناً من سكاراتي
واخترت أهون شرّ بالدخان وأن / أحرقت ثَوبي منه بالشرارات
وقلت يا قوم تكفيكم مشاركتي / أياكم في التذاذ بالمُضِرّات
أنّي لأمتصَ جمراً ُلفَّ في وَرَق / إذ تشربون لَهيباً ملء كاسات
كلاهما حُمُق يَفتّر عن ضرر / يَسُمّ من دمنا تلك الكُرَيّات
حسبي من الحمق المُعتاد أهونه / أن كان لابد من هذي الحماقات
يا مَن يدخّن مثلي كل آوِنةٍ / لُمْني أَلُمْك ولا تَرض َأعتذاراتي
أن العوائد كالأغلال تَجمعنا / على قُلوب لنا منهنّ أشتات
مقيَّدين بها نمشي على حَذَر / من العيون فنأتي بالمداجاة
قد نُنكِر الفعل لم تألفه عادتنا / وأن علمناه من بعض المُباحات
وربّ شَنعاء من عاداتنا حَسُنت / في زعمنا وهي من أجلَى الشناعات
عناكب الجهل كم ألقت بأدمغة / من الأنام نسيجاً من خرافات
فحرّموا وأحَلّوا حسب عادتهم / وشَوّهوا وَجه أحكام الديانات
حتى تراهم يرون العلم مَنقَصةٌ / عند النساء وأن كنّ العفيفات
وحجّبوهنّ خوف العار لَيتهم / خافوا عليهنّ من عار الجهالات
لم تُحصِ سيّئةَ العادات مقدرتي / مهما تَفَنّنت منها في عباراتي
فكم لها بِدَع سُود قد أصطَدَمت / في الناس منهنّ آفات بآفات
لو لم يكُ الدهر سوقاً رابح باطلها / ما راجتِ الخمر في سوق التجارات
ولا أستمرّ دخان التَبغ ُمنتشراً / بين الورى وهو مطلوب كأقوات
لو أستطعت جعلت التبغ محتكَراً / فوق أحتكار له أضعافَ مَرّات
وزِدت أضعاف أضعاف ضَريبته / حتى يَبيعوه قيراطاً ببدْرات
فيستريحَ فقير القوم منه ولا / يُبْلى به غير مُثرٍ ذي سفاهات
الحُرّ من خرق العادات مُنْتَهِجاً / نهج الصواب ولو ضدّ الجماعات
ومن إذا خَذَل الناس الحقيقة عن / جهل أقام لها في الناس رايات
ولم يَخَف في أتّباع الحق لائمةً / ولو أتَته بحدّ المَشرَفِيّات
وعامل الناس بالإنصاف مُدَّرعا / ثوب الأخوّة من نسج المساواة
أغبىَ البريّة أرفاهم لعادته / وأعقل الناس خرّاق لعادات
كلّ شيء من عالم الذرّات
كلّ شيء من عالم الذرّات / كل شيء في كونه كالنبات
كل شيء في بدئه من صغير / ثم ينمو في ذاته والصفات
هكذا تكبُر الصغار وتقوى / في نواميس حادثات الحياة
هكذا ترسل الأصول فروعاً / عاليات يأتين بالثمرات
أن للفَلس في الثراء محّلاً / كمحلّ الجذور في الدوحات
أن أصل الثراء فلس هل سا / لت سيول إلاّ من القطرات
هو في قدره حقير ولكن / جمعه مُوصل إلى العظمات
يتساوى السخيّ فيه وذو البخ / ل وربّ الأقلال والمَثْراة
هو هَيْن على الذي قال هاكم / حين يعطيه للذي قال هات
أن تُرِدْ غرس نخلة من ثراء / فسوى المفلس مالها من نواة
فأقتصد في موارد العيش فلساً / كل يوم من طائل النفقات
وأجعل الفلس فوق فلس تجِدْه / بعد حين عوناً علىالأزَمات
وأدّخره ليوم نَحْس تجده / مسعداً مسعفاً على الخيرات
وأقصد الخير في أقتصادك حتى / لا يؤول الثراء للأعنات
ليس حسن الأعمال في الناس إلاّ / حسن ما يُضمرون من نيّات
فدع الفعل كيف كان حميداً / أو ذميماً وأنظر إلى الغايات
حسنات الأنام إن لم تكن ذا / ت عموم ضرب من السيّئات
يا شباب العراق هُبّوا إليه / وتوخَوْا بجمعه البركات
إن تكونوا اعتزمتم الأمر فيه / فالبدار البدار قبل الفوات
هي الأخلاق تنبت كالنبات
هي الأخلاق تنبت كالنبات / إذا ُسقِيَت بماء المكرُمات
تقوم إذا تعهّدها المُرَبّي / على ساق الفضيلة مثمرات
وتسمو للمكارم باتِّساق / كما اتّسقت أنابيب القناة
وتُنعش من صميم المجد روحاً / بأزهار لها ُمتَضوِّعات
ولم أر للخلائق من مَحَلّ / يهذّ بها كحِضن الأمهات
فحضن الأم مدرسة تسامت / بتربية البنين أو البنات
وأخلاق الوليد تُقاس حسناً / بأخلاق النساء الوالدات
وليس ربيب عالية المَزايا / كمثل ربيب سافلة الصفات
وليس النبت ينبُت في ِجنان / كمثل النبت ينبت في الفلاة
فيا صدر الفتاة رحُبت صدراً / فأنت مقرّ أسنى العاطفات
نراك إذا ضممت الطفل لوحاً / يفوق جميع ألواح الحياة
إذا أستند الوليد عليك لاحت / تصاوير الحَنان مصوَّرات
لأخلاق الوليد بك أنعكاس / كما انعكس الخيال على المرآة
وما ضَرَ بان قلبكَ غير درس / لتلقين الخصال الفاضلات
فأول درس تهذيب السجايا / يكون عليك يا صدر الفتاة
فكيف نظُنّ بالأبناء خيراً / إذا نشؤوا بحِضن الجاهلات
وهل ُيرجى لأطفال كمالٌ / إذا أرتضعوا ثُدِيّ الناقصات
فما للأمهات جهِلْن حتى / أتَيْن بكلّ طَيّاش الحصاة
حَنَوْن على الرضيع بغير علم / فضاع حُنُوّ تلك المرضعات
أؤم المؤمنين إليك نشكو / مصيبتنا بجهل المؤمنات
فتلك مصيبة يا أم منها / نكاد نغص بالماء الفرات
تخذنا بعدك العادات ديناً / فأشقى المسلمون المسلمات
فقد سلكوا بهنّ سبيل خُسْر / وصدّوهنّ عن سُبُل الحياة
بحيث لزِمن قعر البيت حتى / نزلْنَ به بمنزلة الأداة
وعَدُّوهنّ أضعف من ذباب / بلا جنح وأهون من َشذاة
وقالوا شرعة الإسلام تقضي / بنفضيل الذين على اللواتي
وقالوا أن معنى العلم شيءٌ / تضيق به صدور الغانيات
وقالوا الجاهلات أعفّ نفساً / عن الفحشا من المتعلّمات
لقد كذَبوا على الأسلام كذباً / تزول الشُمّ منه مُزَلزَلات
أليس العلم في الأسلام فرضاً / على أبنائه وعلى البنات
وكانت اُمّنا في العلم بحراً / تَحُلّ لسائليها المُشكلات
وعلّمها النبيّ أجلّ علم / فكانت من أجلّ العالمات
لذا قال أرجعوا أبداً إليها / بثُلثَيْ دينكم ذي البيّنات
وكان العلم تلقيناً فأمسى / يُحَصَّل بانتياب المدرسات
وبالتقرير من كتب ضخام / وبالقلم المُمَدّ من الدواة
ألم نرَ في الحسان الغيد قبلاً / أوانس كاتبات شاعرات
وقد كانت نساء القومِ قدماً / يَرُحن إلى الحروب مع الغُزاة
يكنّ لهم على الأعداء عَوْناً / ويَضمِدن الجروح الداميات
وكم منهنّ من اُسرت وذاقت / عذاب الهُون في أسر العداة
فماذا اليومَ ضَرَّ لو التفتنا / إلى أسلافنا بعضَ الْتِفات
فهم ساروا بنهج هدىً وسِرنا / بمنهاج التفرُّق والشَتات
نرى جهل الفتاة لها َعفافاً / كأن الجهل ِحصنٌ للفتاة
ونحتقر الحلائل لا لجُرمٍ / فنُؤذيهنّ أنواع الأذاة
ونُلزِمهنّ قعر البيت قهراً / ونحسبهنّ فيه من الهَنات
لئن وَأدوا البنات فقد قَبَرنا / جميع نسائنا قبل الممات
حجبناهنّ عن طلب المعالي / فعِشن بجهلهنّ مهتّكات
ولو عَدِمت طباع القوم ُلؤماً / لما غدت النساء محجّبات
وتهذيب الرجال أجَلّ شرط / لجعل نسائهم متهذّبات
وما ضرّ العفيفةَ كشفُ وجهٍ / بدا بين الأعفّاء الاُباة
فدىً لخلائق الأعراب نفسي / وأن وُصِفوا لدينا بالجُفاة
فَكم برزت بحَيّهم الغواني / حواسر غير ما متريّبات
وكم خشف بمربعهم وظبيٍ / يمرّ مع الجدَاية والمهاة
ولولا الجهل ثَمّ لقلت مَرْحى / لمن ألِفوا البداوة في الفلاة
وكيف يُصبح من دنياه في دَعة
وكيف يُصبح من دنياه في دَعة / من بات
أما المعُزّان في دنيا فإنهما / هما على
كلاهما ضامن للناس حُرمتهم / هذا له ال
مَن لم يك العَلم الخفاق شارتهم / فليس يُج
وليس ينفع قوماً لا علوم لهم / أن يُنشر
فالعِلم في أمة ليس بحاكمةٍ / كالسيف
والعِلم أوهن من ان يُستظَلَّ به / إن لم تقم
ما أحسن العَلم الخفاق منتصباً / به تُشير
قد علمتني الليالي في تقلُّبها / أن الموفق
أيا سائلاً عنا ببغداد إننا
أيا سائلاً عنا ببغداد إننا / بهائم في بيداء أعَوزها النبت
علت أمة الغرب السماء وأشرفت / علينا فظلَنا ننظر القوم من تحت
وهم ركضوا خيل المساعي وقد كبا / بنا فَرَس عن مِقَنب السعي مُنَبت
فنحن أناس لم نزل في بَطالة / كأنا يهود كل أيَامنا سبت
خضعنا لحكام تجور وقد حلا / بأفواهها من مالنا مَأكل سُحت
وكم قامَرتنا ساسة الأمر خُدعةً / فتَمّ علينا بالخِداع لها الدَسْت
لماذا نخاف جُبناً فلم نقم / إلى الذَّب عنا من أمور هي الموت
إذا كنت لا ألقى من الموت مَوْثلاً / فهل نافعي إن خِفته أو تهَيَّبت
ولَلموت خير من حياة تَشوبها / شوائب منها الظلم والذُل والمقت
يا موطناً ما انتضيناها مُهَنّدةً
يا موطناً ما انتضيناها مُهَنّدةً / إلاّ لردع الأعادي عن إهانته
ولا ركبِنا منايانا مُطَهَّمةً / إلاّ لنكسب عزّاً من صيانته
سقياً ورعياً لروض منك ذي أنَق / قد كادت الحرب تُذوي غصن بانته
تا الله لم ينكسر في الحرب عسكرنا / من أجل قِلّته أو من جبانته
وكيف وهو تفوق الطَيْس كثرته / وتستعير الرواسي من رزانته
لكن قائده ما كان يَمْأنه / ولا يُبالي بأمرٍ من مَعانته
حتى لقد نِفدت في الحرب عِينَته / بحيث لم يَبق سَهم في كنانته
فظلّ يرسُف في النيران مُرتبكاً / مستفرغاً كل جهد من متانته
حتى غدا جُلُّه للنار مَأكلةً / وما تزحزح شبراً عن مكانته
ولا استكان لهَول الحرب من فَرَق / بل كان يَفرَق من هول استكانته
فخاض غَمر المنايا صابراً وأبى / على الفرار انغماراً في مهانته
ليس الفرار لجند المسلمين ألا / إن الفرار لكفرٌ في ديانته
وكيف يَغلِب جيش كان قائده / يَحُفّه بجيوش من خيانته
فالجيش تَلتَهِم النيران أنفسه / وقائد الجيش لاهٍ في مَجانته
أقام في القصف والأجناد طاوية / مُعاقراً بهناء بنت حانته
صَبحانَ غَبقانَ في أقصى معسكره / محَرورِفاً بين رهط من بِطانته
تلقاه من بين ذاك الرهط في مَرَح / كأنه الجاب يَنزُو بين عانته
لَهفي على الجيش جيش المسلمين فقد / قضى ولم يقضِ شيئاً من لُبانته

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025