المجموع : 6
أَخْرَجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ
أَخْرَجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ / هَاتِ ما شِئتَ من قَرِيِضكَ هَاتِ
زَهَراتٌ تَتِيهُ بالغُصْنِ زَهْواً / وغُصونٌ تَتِيهُ بالزَّهَراتِ
صَيَّرتْ صَفْحَةَ الرِّياضِ سماءً / وَتَجنَّتْ فيها عَلَى النَّيِّراتِ
لم تُفَارِقْ كِمَامَها وشذَاها / يَنْشُرُ الطِّيبَ في جَمِيع الْجِهاتِ
تَرْهبُ الرِّيحُ أن تَخدَّ لَهَا / خَدّاً فَتَجْرِي في خَشْيةٍ وَأَنَاةِ
مُصْغياتٌ إِذا الْحمَائمُ رَنَّتْ / بين تلكَ الْخمائِلِ النَّضِرَاتِ
ضاحِكاتٌ إِذا بَكَى عابسُ الغَيْثِ / وفاضتْ عَيْناه بالعَبَرَاتِ
وإِذا ما جَرَى الغَدِيرُ تدَانتْ / لتُحَيِّي الغَدِيرَ بالقُبُلاتِ
إِنَّ للرَّوْضِ في مَعانِيه حُسْناً / فَوْقَ حُسْنِ المَلاَمِحِ الفاتِنَاتِ
كَمْ مِنَ الزَّهْرِ فيه مِنْ سِحْرِ عَيْنٍ / ومِن النَّبْتِ فيه مِنْ قَسَمَاتِ
فانظْرِ الرَّوضَ لا ترَى غَيْرَ تِبْرٍ / من تُرَابٍ ودُرةٍ مِن حَصَاةِ
حَبَّةٌ أَنْبَتتْ سنابلَ سَبْعاً / ثُمَّ مِلءَ الفَضَاءِ من سُنْبُلاتِ
ونَواةٌ جادتْ بنَخْلٍ ونَحْلٍ / وَارِفِ الظِّلِّ دائمِ الثَّمَرَاتِ
يُرْسِلُ الطَّيْرُ في مَداه نَشِيداً / مُوْصِليَّ الأدَاءِ والنَّبَراتِ
يَمْلِكُ النَّفْسَ أينَما نَظَرَتْه / فَهْوَ قَيْدُ النُّفُوسِ والنَّظَرَاتِ
كم تَهادَى مع النَّسِيمِ اخْتِيالاً / كالعَذَارَى يَمِسْنَ في الْحِبَرَاتِ
تَتَناءَى به الظِّلالُ لِجَمْعٍ / ثم تَدْنُو مُدِلَّةً لِشَتَاتِ
مِثْلَ كفِّ الرسَّامِ جاءتْ ورَاحتْ / بَيْن قِرْطَاسِه وَبَيْنَ الدَّوَاةِ
أو كوَجْهِ الحَسْناءِ يَبْدُو ويَخفَى / بين مَيْل الهَوَى وخَوْفِ الوُشَاةِ
كلّما رُمْتَ منه قَطْفَ جَنَاةٍ / سَبقَتْ راحتَيْك ألْفُ جَنَاةِ
وإِذا بارَك الإِلَهُ بأرْضٍ / جَعَل التِّبْرَ في مَكانِ النَّبَاتِ
وحَبَاها خِصْباً إِذا مَسَّ صَخْراً / تَرك الضخرَ جَنَّةَ الجَنّاتِ
رُبّ أَرْضٍ للغَافِلين مَوَاتٌ / وهْيَ لِلْعامِلينَ غَيْرُ مَوَاتِ
إِنْ تَطَلَّعْتَ للرَّغائِبِ فابذُلْ / تِلْك في الدَّهْرِ سُنَّةُ الكَائِناتِ
لَكَ كَفّانِ تلك تُعْطي وهَذِي / تَتَلقّى مَثُوبةَ الْحَسَناتِ
تَرْتَجيِ الْحَصْدَ ثمَّ تقعُدُ في الشَّمْسِ / لك اللّه يا أَخا التُّرَهَاتِ
ضِلَّةً تَطلُبُ الزُّلالَ من النَا / رِ وتَبْغِي غَضارةً من فَلاَةِ
ليس يجْني من السُّبَاتِ سِوى الأحْلاَمِ / فانهَضْ وُقِيتَ شَرَّ السُّباتِ
قَدْ غَرَسْناهُ رَوْضَ عِلْمٍ فأزْرَى / حُسْنهُ بالْحَدَائقِ الباسِقاتِ
وَبذَرْنا به القُلوبَ صِغاراً / وكِرَامَ النُّفُوسِ والمُهَجَاتِ
وسَقَيْنا ثَرَاهُ مَاءً مِنَ الأَذْ / هانِ أَحْلَى مِنْ كُلّ ماءٍ فُرَاتِ
وَغَذَوْنَاه طَيِّباً بجُهودٍ / ضاعَفَتْ مِن ثِمَارِهِ الطَّيِّباتِ
وَحَميْناهُ أن تَعِيثَ به الأَيْدِي / وتَجْنِي عَلَيْه كَفُّ الجُنَاةِ
وجَعَلْنا له مِنَ الْخُلُقِ العَا / لِي سِيَاجاً مُوَثَّق اللَّبِناتِ
وحَفِظْنا من الرِّيَاحِ جَنَاهُ / وَوَقَيْناه شِرَّة الْحَشَراتِ
إِيهِ يا رَوْضَةَ المَعارِف لا زِلْتِ / مَثَابَ الْخيْراتِ والْبَركَاتِ
أَنت أنبَتِّ في ثَرَى النِّيلِ شَعْباً / نافِذَ الرَّأْي طاهِرَ النَّزَعاتِ
أَعْجَز الغَرْبَ هِمَّةً وذَكاءً / وكذَا الشَّرْقُ مَوْطِنُ المُعْجِزاتِ
خُطُواتٌ نَحْوَ المعَالي فِسَاحٌ / لا عَدَاها السَّدادُ مِن خُطُواتِ
سَلكَتْ أوْسطَ الطَّريقِ وجَازَتْ / كُلَّ ما في الطَّرِيقِ من عَقَباتِ
وجُهُودٌ تَمْضِي وتَأتِي جُهُودٌ / مُحْكَماتٌ مَوصُولةُ الْحَلَقَاتِ
نَسَجتْ من جِهَادها لبَنِي مِصْرَ / دُرُوعاً حَصِينةٌ سابِغَاتِ
إِنَّا مَوْلِدُ المَعَارِفِ في مِصْرَ / دَبِيبُ الْحَياةِ بين الرُّفَاتِ
جَلّ رَبِّي آمنتُ باللّه ربي / فالقِ الْحَبِّ باعِثِ الأمْواتِ
أرْسَل اللّه للكِنَانةِ نَدْباً / هِبْرِزيَّ الاعْرَاقِ والعَزَمَاتِ
فأَتاها مُحمَّدٌ جدُّ إِسْما / عيلَ بالْخِصبِ مُورِقاً والْحَياةِ
هلْ رأيتَ النَّجْمَ الذي يَبْهَرُ / العَيْنَ ويَمْحُو دَيَاجِرَ الظُّلماتِ
هل رأيتَ الغَديِرَ يَنْسَابُ في / القَفْرِ فَيهْتَزُّ مُخْصِبَ الْجَنَبَاتِ
هل رأيتَ الْحَياة تَسْرِي إِلى الجِسْمِ / فتُحْيِي عِظَامَه النَّخِرَاتِ
هل رأيتَ الآمالَ بَعْد نِفَارٍ / واقْتبالَ الشَّبَابِ بَعْدَ فَواتِ
لَقِيتْ مصرُ قَبْلَه ما يُلاقِي / غَرَضٌ جَاء في اتجاهِ الرُّمَاةِ
جَهِلوا دَاءَها الدَّفِينَ وشَرٌّ / مِنْ دَفِينِ الأدْواءِ جَهْلُ الأُسَاةِ
نكَثُوا جُرْحَها فسالتْ دِمَاهَا / قَطَرَاتٍ تَجْرِي إِلى قَطَرَاتِ
لا تَرَى في الظَّلامِ للعِلْم إِلاّ / مُقْفِراتٍ من دُورِهِ دارِساتِ
يَكْرهُ الظُّلْمُ كلَّ شيءٍ من الضَّوْ / ءِ ولو كانَ في ابتسامِ الفَتَاةِ
لم يَكُنِْ منْهُ غَيْرُ وَمْضٍ منَ الأزْ / هَرِ يَبْدُو مُفَزَّعَ اللَّمَحَاتِ
كَذُبَالِ المِشْكاةِ قَدْ جَفّ إلاّ / أَثَراً من بُلاَلةِ المِشْكَاةِ
فَأتى مُنْقِذُ البِلادِ فَأَحْيَا / ها بِرَأْيٍ وَعَزْمَةٍ وثَبَاتِ
لو دَعا أَنْجُمَ السَّماءِ لَلبَّتْ / مُهْطِعاتٍ لأمْرِهِ صاغِرَاتِ
شادَ في مِصْرَ للمعَارِفِ دِيوا / ناً مَنِيعَ الأعلامِ والشُّرُفَاتِ
وبَنَى للعُلُومِ خَيْرَ بِنَاءٍ / عَلَوِي فكانَ خَيْرَ البُناةِ
نَهضتْ مِصْرُ بَعدَه نَهَضَاتٍ / تَسْتَحِثُّ الْخُطَا إِلى نَهَضَاتِ
أَرْسَلَ العِلْمُ نورَه فَسَرَى الرَّكْبُ / يقُودُ المُنَى إِلَى الغَايَاتِ
وَرأَيْنا بكُلِّ أَرْض رِياضاً / دانياتٍ قُطُوفُها زَاهِيَاتِ
كلَّ يوم عند الصَّباحِ تَرَى جَيْشاً / مِنَ النَّشءِ صادِقَ الوَثَبَاتِ
جعلو كُتْبَهُم مكانَ المواضِي / ويَراعَاتِهم مكانَ القَنَاةِ
طَلَعوا أَوَّل الغَداةِ فزَانُوا / بِسَنا ضَوْئهمْ جَمَالَ الغَدَاةِ
مِثْلَ سِرْبٍ للطَّيْر هَمَّت خِفَافاً / ثم راحتْ لوَكْرِها مُثْقَلاتِ
نَثَرُوا جَمْعَهم فأبْصَرْتُ فِيهم / أنجُماً في الفَضَاءِ مُنْتَثِرَاتِ
ورأيتُ الفلِذَاتِ تَمْشي على الأرْ / ض فَخلُّوا الطَّرِيقَ للفلْذَاتِ
هُمْ أَمانيُّ مِصْرَ هم مُرْتجاها / هُمْ حَنايا ضُلوعِها الْخافِقَاتِ
مِائةٌ من سِنِي المعارف مَرَّتْ / زَاهياتٍ بما حَوَتْ حافِلاتِ
بَلَغَتْ مِصْرُ في مَداهُنَّ شَأْواً / فوقَ شَأْوِ الكَواكبِ السّابِحاتِ
وغدَا مَجْدُها الْحِديثُ وقد شا / عَ شذَا عِطْره حديثَ الرُّوَاةِ
أصبحتْ كَعْبَةً يَحُجّ إليها الشَّرْ / قُ بين الْخُشُوعِ والإِقْناتِ
تَتَهادَى وحَقَّ أنْ تَتَهادَى / بين ماضٍ زاهي الْجَبينِ وآتي
كلُّ تاريخها كتابٌ منَ الَمْجدِ / كريمٌ مُطَرَّزُ الصَّفَحَاتِ
بَعَثتْ دارِسَ الفُنُونِ وأحْيَتْ / بعد يأسِ الزَّمان أُمَّ اللُّغاتِ
وأعادَتْ إِلَى العُلوم مَنَاراً / كان صُبْحَ الدُّجَى وهَدْىَ السُّرَاةِ
أَنجَبتْ للْبِلادِ أبطالَ عَزْمٍ / هُمْ دُرُوعُ البِلادِ في الأَزَمَاتِ
دَعَوُا الشَّعْبَ للعُلاَ فَرَأَيْنا / خَيْرَ شَعْبٍ أَجابَ خَيْرَ الدُّعَاةِ
أَنْجبَتْ كلَّ عالمٍ بَهَرَ الكَوْ / نَ بآياتِ عِلمِهِ البَيِّناتِ
أَنْجَبتْ كلَّ شاعرٍ عَبْقَريٍ / صادِقِ الْحِسِّ بارعِ اللَّفَتَاتِ
تَتَمنَّى الأزْهارُ لو كنَّ يَوماً / في قَوافِيه مَوضِعَ الكَلِمَاتِ
أنْجبتْ كُلَّ كاتِبٍ يَمْلِكُ السَّمْعَ / بآثارِ فَنِّهِ الْخالِداتِ
أنْجبتْ كُلَّ مِدْرَهٍ وخَطِيبٍ / سَاحِرِ القَوْلِ صَادِقِ الحَمَلاتِ
وَحَمتْ شِرْعة الخلائِقِ أنْ يَعْبَرَّ / صَافي نَميرِها بقَذَاةِ
قد وَلَجْنا الْحَياةَ من كلِّ بَابٍ / فَرَأيْنا الأخْلاقَ بابَ النَّجَاةِ
أصْبحتْ مِصْرُ مَعْهداً لشَبابِ الشَّرْقِ / يَسْعَونَ نَحْوَها بالمِئَاتِ
عَقَدَتْ بَيْننا اللَّيالي صِلاَتٍ / مُحْكَماتٍ أَحْبِبْ بها مِن صِلاَتِ
إِنّ عِيدَ المعَارِفِ اليومَ عِيدٌ / للنُّهَى والْجُهُودِ والذِّكْرَياتِ
عِيدُ يُمْنٍ لمِصْرَ فالدَّهْرُ دانٍ / خاضِعُ الرَّأسِ والزّمانُ مُوَاتي
بَلَغتْ مِصْرُ ما تُرَجِّي وفَازَتْ / بَعْد طُولِ الأَسَى وذُلِّ الشَّكَاةِ
وأطَاحتْ قُيُودَها فَاستقلّتْ / وامْحَى ما تَرَكْنَ مِنْ نَدَبَاتِ
واسْتَعزّتْ بِطلْعةِ المَلِكِ الفَا / رُوقِن زَيْنِ الحِمَى وَفخْرِ الحُمَاةِ
يُشْرِقُ المُلْكُ بالمَلِيكِ ويُزْهَى / بمَجَالي آلائِهِ المُشْرِقَاتِ
تَجْتَلِيه العُيونُ بَدْراً وتفْدِيهِ / عُيونُ الزَّمانِ بالحَدَقاتِ
عَهْدُه في العُهُود أَنْضَرُ عَهْدٍ / كجمَالِ الرَّبِيعِ في الأَوْقَاتِ
بَهَرَ الشِّعْرَ أن يُحيط بمَعْنىً / مِن مَعانِي صِفاتِه الباهِراتِ
عاشَ للعِلْمِ والبلادِ هُماماً / أرْيَحيّاً وعاشَ للمَكْرُمَاتِ
مَلكَ المُصَابُ عليهِ كُلَّ جِهاتِه
مَلكَ المُصَابُ عليهِ كُلَّ جِهاتِه / إِنْ كانَ مِن صَبْرٍ لَدَيْكَ فهاتِه
أسْوانُ تَعْرِفُهُ إذا اخْتَلَطَ الدُّجَى / بالنَّبْرَةِ السَّوْدَاءِ في أَنَّاتِه
يَبْكِي ويَنْظُرُ في السَّماء مُصَعِّداً / ما يَبْتَغِي الْحَيْرَانُ مِنْ نَظَرَاتِه
خَفَقَانُ نَجْمِ الأُفْقِ مِن خَفَقَانِه / وَهَجيرُ قَيْظِ البِيدِ مِنْ زَفَراتِه
وبُكاءُ كلِّ غَمَامَةٍ هَتَّانَةٍ / مِنْ بَعْضِ ما يُبْدِيِهِ مِنْ عَبَراتِهِ
ونُوَاحُ ذاتِ الطَّوْقِ في أعْوادِها / ما تُرْسِلُ الأقْلاَمُ مِن نَفَثَاتِهِ
يرْثي فيحتبِسُ البكاءُ بصَوْتِه / أينَ الرَّخِيمُ الْعَذْبُ مِنْ أصْوَاتِه
في صَدْرِه قَلِقُ الْجَوَانِح مُوجَعٌ / مَلَّتْ نُجُومُ الَّليلِ من دَقَّاتِهِ
كَالطَّيْرِ في قَفَصِ الْحَدِيدِ مُوَثَّقاً / قد أَوْهَن الأَسْلاَكَ من خَفَقاتهِ
يَبْكِي ويَضْرِبُ بِالجَنَاحِ مُجرَّحاً / يا وَيْلَ ما فَعلتْ يَمينُ رُمَاتِه
نُوَبٌ كَليْلاتِ المَحاق تَتابعتْ / مُتَشابهاتٍ هذه مِنْ هاتِه
وبناتُ دَهْرٍ قد زَحَمنَ مَنَاكبِي / وَيْلاَهُ لَوْ أَسْطِيعُ وَأدَ بَنَاتِه
أوْدَى أبو الفتحِ الْمُرجَّى واختَفَى / عَلَمٌ طَواه الدهرُ في طَيَّاتِه
وانحازَ للرَّكْبِ الذي من آدمٍ / ما زَال يُزْعجنَا رَنِينُ حُدَاتِه
سارتْ به الأَحْبابُ تَسْتَبِقُ الْخُطَا / والقَلْبُ مَكْظومٌ عَلَى حَسَرَاتِه
فوقفتُ أَنْظُر في الفَلاةِ فلم أجِدْ / إِلاَّ جلالاً في فسِيحِ فَلاتِه
يا جَامِعاً شَملَ الشُّيوخِ بحَزْمِهِ / مَنْ ذَا يَلُمُّ اليومَ مِن أشْتاتِه
يَمْشِي الرَّعيلُ نواكساً أَبصارُهُ / من بعدِ ما عَبِثَ الرَّدَى بِحُماتِه
أَلوَى بِعَزْمَتِهِ وَهَدّ شِماسَه / قَدَرٌ أطاحَ القَرْمَ عَن صَهَواتِه
حَيْرَانُ يعثُرُ بالأعِنَّةِ مثلَما / يتَعثَّرُ التَّمْتَامُ في تاءاتهِ
يَطْفُو نَشِيجُ اليَأْسِ من لَهَواتِه / وَتئِزُّ نَارُ الشَّوْقِ في لَبَّاتِه
سارتْ به الفُرْسانُ تَخْبِطُ في الدُّجَى / والرَّكْبُ قد زاغَتْ عُيونُ هُداتِه
يَبْكُون للطّرْفِ المُخَلَّى سَرْجُه / والفارِسِ المُنْبَتِّ عن غايَاتِه
يَبْكُون للدِّرْعِ المطَرَّحِ حَطَّمَتْ / أيدِي الزَّمانِ العُسْرُ من حَلَقاتِه
يَبكُون أطولَهم يداًن وأبَرَّهم / كفا وَأَسْبَقَهم إِلى قَصَباتِه
خُلُقٌ كما يَصْفُو النُّضارُ وطَلْعَةٌ / أَزْهَى من ابنِ الليلِ في هالاَتِه
مَنْ صارَ في الْخَمْسِينَ فَخرَ بِلادِه / قد كان في العِشْرينَ فَخْرَ لِدَاتِهِ
والدَّهْرُ لا يُنْشِي الرِّجالَ صَوارِماً / إِلاّ إِذا نَضِجُوا على جَمَراتِه
صانَ الكَرامةَ أَن تُمَسَّ وَإِنّما / إِذلالُ نَفْسِ المَرْءِ من زَلاَّتِه
مُنِعَ الرَّقيقُ ولا تزالُ عِصابةٌ / تَهْفُو إِلى أَغْلالِهِ وسِمَاتِه
قد كان كالفَلَكِ الدَّءُوبِ نَشاطُه / لاَ يسْتريحُ الدَّهرَ من دَوْرَاتِه
فإذا تراءَى ساكناً فَلأَنه / في أَسرعِ الأَحْوَالِ من حَركَاتِه
الْحَقُّ والإِيمانُ مِلْءُ فُؤَادِه / وبَلاَغةُ الأَعْرابِ مِلءُ لَهاتِه
فإِذا تَخطَّرَ للجِدَالِ مُصَاوِلاً / فاحْذَرْ فَتى الفِتْيانِ في صَوْلاتِه
السيلُ في دَفَعاتِه والسيفُ في / عَزَماتِه والمَوتُ في وَثَباتِه
ليس القَوِيُّ بنَابِه وبظفْرِهِ / مِثْلَ القَوِيّ برَأيِه وثَبَاتِهِ
والْحُجَّةُ البَيْضاءُ أفْضَلُ مَقطَعاً / من نَصْلِ كُلِّ مُهنَّدٍ وشَبَاتِه
ماذَا أصابَ الليثُ عن غَدَواتِهِ / صُبْحاً وماذَا نَالَ من رَوْحاتِه
سَمَحتْ له الدُّنيا بماء سَرَابِها / فابتاعَه منها بماءِ حَياتِه
إِنَّ الأمانِيَّ الْحِسَانَ جَمِيلةٌ / لو حققَ الإِنْسانُ أمْنِيّاتِه
فلرُبّ رَوْضٍ للنّواظِر مُعْجِبٍ / كمَنتْ سُمومُ الصِّلِّ في زَهَراتِه
قد كان لي أملٌ سَقَيْتُ فُروعَه / بدَمِي وغَذَّيتُ المُنَى بعَذَاتِه
أَحْنُو عليه من الهَجيرِ يَمَسُّه / ومن النَّسِيم يَهُزُّ من أسَلاتِه
وأَذُودُ عنْهُ الطيْر إِن حامتْ على / زَهْرٍ يُضِيءُ الأفقَ في عَذَباته
الليلُ يَنْفحُه بذَائبِ طَلِّه / والصُّبحُ يَمْنَحُه شُعَاعَ إِيَاتِه
حتى إِذا قَوِيتْ لِدَانُ غُصونِه / واستَحْصَد المَرْجُوُّ من ثمَراتِه
وأَخَذْتُ أَسْتَجْلي السَّنَا من نَوْرِه / وأشَمُّ رِيحَ الْخُلْدِ من نَفَحاتِه
وأُفاخِرُ الزُّرَّاعَ أنَّ غِرَاسَهم / لم يَزْكُ مِثلَ زَكائهِ ونَباتِه
عَصَفتْ به هُوجٌ فخرّ مُعَفَّراً / وجَنَى عَلَيْه الْحَيْنُ قَبْل جَناتِه
وَوَقَفْتُ أَنظُرُ للحُطَامِ مُحَطَّماً / مُتَفَتِتَ الأفْلاذِ مثلَ فُتاتِه
أَهْوِنْ بدُنْيا مَا لحي عِنْدها / وَعْدٌ يُنجَّزُ غَيْرَ وَعْدِ وَفاتِه
سَلْ كُلَّ مَنْ كَتَب الكَتائب غَازِياً / هل رَدَّ الْجَيْشُ سَهْم مماتِهِ
إنَّ ابنَ داودٍ علَى سُلْطانِه / قد خَرَّ مُنْفَرِداً على مِنْساتِهِ
وهو الذي مَلَك المُلوكَ ببَأسهِ / وأخاف جِنَّ الأرضِ من سَطَواتِهِ
كلُّ ابنِ أنثى في الْحَياةِ إِلى مدىً / والمرءُ في الدُّنيا إِلى مِيقاتِهِ
أأخِي دعوتُ فلم تُجِبْ ولرُبّما / قد كنتَ أسبقَ ناهضٍ لدُعاتِهِ
قد كان عَهْدُك في بَشاشةِ أُنْسِهِ / عَهْدَ الشَّبابِ مَضَى إِلى طِيّاتِهِ
كان الزمانُ يُظِلُّنا برَبِيعِه / فتركتني للقُرِّ من مَشْتَاتِهِ
أَبكِي الشَّبابَ وزَهْوَهُ وصِحابَه / والمُشْرِقَ الوَضّاحَ من بَسَماتِهِ
كنَّا كفَرْعَيْ بانةٍ فَتفَرّقا / والدَّهْرُ لا يَبْقَى على حَالاَتِه
والعُمْرُ أَضْيَقُ أن يُمَدَّ لسالِكٍ / إِن أوْسَع الْخُطُواتِ في سَاحاتِه
أَصْفَيْتني مَحْضَ الوِدادِ وطَالما / خَلَط المُماذِقُ مِلْحَه بفُرَاتِه
ورَفَعْتَ من شِعْري وكنتَ تُحِبُّه / وتُحِسُّ سِرَّ الفَنِّ في أبْياتِه
فاسمَعْه من باكٍ أَطَاع شُجونَه / فَطَغتْ زَواخِرُها عَلَى مَرْثاتِه
نَظَم الدُّمُوعَ فكُنّ بَحْراً كامِلاً / وأقام بالزَّفَراتِ تَفْعيلاتِه
أَنْشِدْه حَسّاناً إِذا لاقَيْتَهُ / في جَنةِ الفِرْدَوْسِ بين رُواتِه
وافخرْ بقَوْمِكَ أَنْ أعادُوا لِلْورَى / عهدَ البَيانِ ومُجْتلى آياتِهِ
وانعَمْ برضْوانِ الإِله وظِلِّه / واسعَدْ بعَيْشِ الْخُلْدِ في جَنَّاتِهِ
إِن الذي خَلَقَ البُكاءَ أغاثَه / باللُّطفِ والإِحْسانِ من رَحَماتِه
رَحْمَتَا للجريحِ من أنَّاتِهْ
رَحْمَتَا للجريحِ من أنَّاتِهْ / ولسَمْعِ الوِسادِ من آهاتِهْ
غَرَبَتْ شمسُه فقام يناجي / ساهداتِ النجومِ في لَيْلاته
إنّها بينهُنّ تسمَعُ نجْوَا / هُ وتبكي لِبثِّه وشَكاته
أرسَلتْ من شعاعِها ذِكْرَياتٍ / هاجتِ الكامنات من ذِكْرَياته
ولها في سمائِها خَفَقاتٌ / أسرعتْ في فؤادِه خَفَقاته
سَبَحَتْ في عوالمِ النورِ زَيْنٌ / أين منها الغريقُ في ظُلُمَاتِه
كم يمُدُّ اليديْنِ أَسْوانَ مُضْنىً / فَيفِرُّ الشُّعاعُ من قَبَضاتِهْ
ويسوقُ الأشعارَ في نَبَراتٍ / ظنّها ابنُ الهَديلِ من نَبراته
سَمِعَ الدَّوْحُ نوحَها عبْقَريّاً / فتمنَّى لو نُحْنَ في عَذَباته
مُشْجِياتٌ يوَدُّ كلُّ ابنِ غصن / أنّ أنغامَها جرتْ من لهاته
قلتَ شعراً فلم يكنْ غيرَ بحرٍ / من دُموعٍ طفا بتفْعيلاتِه
وبعثتَ الشُّجونَ في كل صدرٍ / وأثرتَ المَكْبُوتَ من زَفَراته
فاقتسمنا لوعاتِ قلبِكَ فانظرْ / هل أفاق المسكينُ من لْوعاته
إنّ مَاءَ الدموعِ أطْفَأُ للوَجْ / دِ وأشفَى للصَّبِّ في خَلَواته
فاسكُبِ الدمعَ وابعثِ الشعرَ وامْلأ / أُذُنَ الخافقَيْنِ من آيَاتِهْ
كنتَ قَيْساً بكَى على قبرِ لَيْلاَ / هُ ورَوَّى الضريحَ من عَبراته
بيَ جُرْحٌ مضى عليه زمانٌ / حِرْتُ في أمرِه وأمرِ أُساته
كلّما صاحَ نادبٌ هاج شَكْوا / هُ ومَسَّ الأليمَ من نَدَباته
أنا أبكي لكلِّ باكٍ ونفسي / حَسَراتٌ تذوبُ في حَسَراته
بائعُ الصبرِ إن يكن عُشْرُ مثْقَا / لٍ بأَغْلَى ما في الحياةِ فَهَاته
كلنا مَسَّه من الدهر ظُفْرٌ / آهِ من ظُفْرِه ومن فَتَكاته
وَأَدْتْنا بناتُه برَزَايا / هَا ومَنْ ذا يسطيع وَأدَ بَنَاته
فكرِهنَا حتى النعيمَ لأنَّا / قد رأينا اجتماعَه لشتَاتِهْ
لذَّةُ المرْءِ من جَنَى أَلم المَرْ / ءِ وتَأْتِي الآلاَمُ من لَذَّاته
ما حَيَاةُ المُحبِّ بعدَ حبيبٍ / قَبَسَ النورُ والهوَى من حياته
حَسْبُه أنه إذا رَامَ قُرْباً / لم يجدْ للوصولِ غيرَ مَمَاته
عِشْ أبا واثِقٍ لوَاثِقِ البا / كِي وللنّاكِلاَتِ من أَخَوَاته
حَيِّ الخِلالَ الطاهِراتِ
حَيِّ الخِلالَ الطاهِراتِ / واصدَح بخيرِ الآنساتِ
حَيِّ الأميرةَ في جلا / لِ الملكِ باهرةَ الصفات
فوزيةً بنتَ المُلو / كِ الصِّيدِ والغُرِّ السَّراة
الواهبين لمصرَ فيما / أجزلوا نورَ الحياة
والناشرين لواءَها / يَخْتالُ بينَ الخافِقات
والنازعين تراثَها / من بين أطْواءِ الرُّفات
قامتْ بهم مصرٌ تَتِيهُ / على البلادِ الأخْرَيات
في حاضرٍ كالروضِ زا / هٍ بالقُطوفِ الدانياتِ
وجَلائلٍ قد زَيَّنتْ / جِيدَ العُصورِ الخَاليات
يا دُرَةَ التَاجِ الرفِيع / وقِبْلةَ المُتعلِّماتِ
هذِي مجلَتُنا إليكِ / وكلُّ فَضْلٍ منكِ آت
جُهْدُ الفتاةِ فشجِّعِي / بقَبُولِها جُهْدَ الفتاة
فاروقُ زينُ الناشئِينَ / وأنتِ زيْنُ الناشئات
والشمْسُ إِحدَى النيِّرا / تِ وأنتِ أسمَى النيِّرات
اللَه جَمَّعَ فيكِ شَمْلَ / النُّبْلِ من بَعْدِ الشَّتات
خُلُقٌ كما خَطَرَ النَّسيمُ / فَهزَ أعطافَ النَّبات
أنْقَى من الدُّرِّ الفَر / يدِ يزَينُ صدرَ الحاليات
وشمائلٌ عَلَوِيةٌ / أصْفَى من المَاءِ الفُراتِ
الطالباتُ كما تََ / يْنَ وأنتِ ذُخْرُ الطالبات
يَبْعَثْنَ آياتِ الولا / ءِ إلى الأميرةِ مُخْلِصات
ويطُفْنَ بالبيت الكر / يمِ مُكبِّراتٍ داعيات
بيتٌ بناهُ محَمدٌ / فوقَ النجومِ السابحاتِ
لَِنَاتُهُ المجدُ العر / يقُ وصخْرُه خُلُقُ الثَّبات
فيه فؤادٌ باعثُ الْ / آمالِ فياضُ الصِّلات
الدهرُ يَرْوِي فضلَه / والدهرُ راويةُ الرُّواة
والملكُ مؤْتَلقُ السَّنَا / فيه العشيَّةُ كالغَداةِ
عاش المليكُ وعِشْتُمُ / رَمْزَ العُلاَ والمَكْرُمَاتِ
نَغَمُ الشعرِ في رُبا جَنَّاتِهْ
نَغَمُ الشعرِ في رُبا جَنَّاتِهْ / أسكت ابنَ الغُصونِ في دَوْحاتِهْ
مال سَمْعُ الدنيا إليه وأصغَتْ / هاتفاتُ المُنَى إلى هاتفاته
وَتَرٌ صاغه الإلهُ وألقَى / نَغَماتِ الفِرْدَوْسِ في نَغَماته
ورنينٌ من السماءِ تمنَّى / كلُّ طَيْرٍ لو أنَّهُ من لَهاته
صُنْتُه أنْ يهونَ والفنُّ يسمو / حينَ تسمو به نفوسُ حُماته
وتقلدتُه حساماً لمصرٍ / تتوقى الخطوبُ وَقْعَ شَابته
وهززتُ الشبابَ للسبقِ فانث / الوا سِراعاً على هدَى مِشْكَاتِهْ
ما مدحتُ الكريمَ إلاّ لأدعو / بمديحي إلى كريمِ صِفاته
أنا بالمجدِ مُولَعٌ وبأهلي / ه وبالباقياتِ من ذِكْرَياته
أعشَقُ النُبْلَ في جلالةِ معنا / هُ وأهوَى الإقدامَ في عَزَماته
قد رأيتُ العَلاَء في اسم عَليٍ / ورأيتُ التوفيق خيرَ سِماته
فشدا باسمهِ قَريضي كما يَشْ / دو طليقُ الْجَناحِ في رَوْضاته
وإذا كرّم الرجالُ ابن توفي / قٍ فقد كرّموا النبوغَ لذاته
بَسَماتُ الربيع في بَسَماته / وسنا الصبح من سنا قَسَماته
كوكبي الذكاءِ لو صدع اللي / لَ لجلَّى بنورِه ظُلُماتِه
باحثٌ لا يصيدُ في مَهْمَهِ الع / لم سوى الشارداتِ من آبداته
رأيُه مِجْهَرٌ فما غابَ أمرٌ / كيفما دقَّ عن مدَى نَظَراته
لَمَحاتٌ كأنّها خاطفُ الب / رقِ وأين البُروقُ من لمحاته
إن رمَى الشكَ رأيُهُ فَرّ حيْرا / ن يجِرُّ الذيولَ من شُبُهاته
ما رأى عَبْقَرٌ ولا جِنُّ وادي / ه كهذا الذكاءِ في معجزاته
وشبابٌ كأنه ناضرُ الريح / انِ في حسنهِ وفي نَفَحاته
صانه النبْلُ أن يُمَسَّ له ذَيْ / لٌ وأدَّى الإيمانُ فرض ذكاته
غرس اللّهُ نبتَه فنما نَضْ / راً وآتَى الشَّهِيَّ من ثمراتِه
يمتطي العْبقَرِيُّ ناجيةَ العز / مِ حثيثَ الْخُطا إلى غاياته
لا يَرَى الطرْفُ منه إلاّ غُباراً / عجز الطرْفُ انْ يَرَى قَصَباته
يتمنَّى الشُيوخُ لو بذلوا العُمْ / رَ لِقاءَ القليلِ من ساعاته
عُمُرُ المرءِ بالجليلِ من الأع / مالِ لا بالكثيرِ من سنواته
بُؤرَةُ الضوءِ كم بها من شُعاعٍ / ملأ الأفْقَ في جميعِ جهاته
ورحيقُ الأزهارِ كم ضمَّ من رَوْ / ضٍ شَذِيِّ الشَّميمِ في قَطَراته
جمع الفضلَ حين فرقه النا / سُ وآواه بعدَ طولِ شَتاته
دائراتُ المعارفِ اجتمعت في / ه ففتِّش عنهن في صَفحَاتِه
كم لُغاتٍ جرَآ بها لفظُه العَذْ / بُ سليماً كأنَّها من لغاته
هو في الطبِّ من كِبار نُحاته / وهو في النحوِ من كِبارِ أُساته
وهو في حَلْبَةِ البيانِ أديبٌ / تسمَعُ السحرَ في رُقَى نَفَثَاته
وهو إن شئتَ حافظٌ لغويٌّ / كلماتُ القاموسِ من كلماته
نسخةٌ للسانِ في صدرِه الوا / عي طبعُها على طَبَعاته
يعرِفُ الأَيْهُقَانَ والثولَ والذع / لوقَ والسَيْسَبَي ونوع نباته
أنا أخشَى جدالَه كلّما صا / لَ عنيفَ الجدال في صَوْلاته
مجمع الضاد يرفع الرأس في / زهو بآرائه وصدق أناته
حَسْبُ دهرٍ جنَى على الناسِ أنْ كا / ن عليٌّ يُعَدُّ من حَسَناتِهْ
معملُ المَصْلِ وهو فتحٌ مبينٌ / بعضُ ما نال مصرَ منَ مَأْثُراته
فتَكاتُ المكروبِ ألقتْ سلاحاً / للسريعِ السديدِ منَ فَتكاتِه
يصرَعُ الموتَ ثابتَ العزمِ مِقْدا / ماً جريئاً في عزمِه وثباته
كم حبا الناسَ من حياةٍ أمدَّ الل / هُ للمجدِ والعُلا في حياته
نال أسمَى الألقابِ والفضلُ فضلٌ / كيفما قد رفعتَ من درجاته
اقتبالُ الربيعِ في بَسَماتِهْ
اقتبالُ الربيعِ في بَسَماتِهْ / نبَّه الكونَ بعدَ طولِ سُباتِهْ
ينْثُرُ الزَّهرَ كالدنانيرِ غضّاً / أيْنَ حُرُّ النُّضارِ من زَهَراتهْ
قد سئِمْنا دُجَى الشتاءِ فجئنا / نرشُفُ النورَ من سنَا لمحاتهْ
وخلعنا الدِّثارَ مثلَ أسيرٍ / حُلّ من قَيْده ومن وخزاتهْ
قد ظنناه في الشتاءٍ وِقاءً / فجمعنا الشتاءَ في طَيّاتهْ
تبخلُ الكفُّ أن تُشير من البْر / دِ ويخشَى المقرورُ من لفَتاتهْ
جَمَدتْ صَوْلةُ اللسانِ وكادتْ / تجمُدُ الهاتفاتُ من كلماتهْ
واختفَى الطيرُ واختفَى كلُّ صوتٍ / مَوْصِليِّ الأداءِ في لَهَواتهْ
ورأينا الأشجارَ يسلُبها الحس / نُ سَنا حَلْيِه وسِحْرَ شِياتِهْ
مال فيها برأسِه كلّ فرْعٍ / باحثاً في الترابِ عنْ وَرَقاتهْ
يهرَمُ الدهرُ في الشتاءِ ويلْقَى / ما مَضَى في الربيعِ من صَبواتهْ
هو تَختُ الوجودِ غنَّى به الطيْ / رُ فهزَّ الغصونَ في دَوْحاتهْ
سايرته الأزهارُ تهفو يميناً / وشمالاً على هوى نغماته
وإذا صفَّقَ الغديرُ انثنى الغُصْ / نُ نضيرَ الشبابِ في رَقَصاتهْ
هاتِ عهدَ الشبابِ إنْ غاصَ في الما / ء وإنْ غابَ في السماء فهاتهْ
هَمَساتُ الشبابِ في النفس أحلى / من حديثِ الهوى ومن هَمساتهْ
نارُه تطرُدُ الهمومَ فتمضِي / خافقاتِ الجَنانِ من جَمَراتهْ
نارُه تصهرُ العزيمةَ سيفاً / تتوقّى السيوفُ وَقْعَ شَباتهْ
ما أحَيْلى وثوبَه وهْو ماضٍ / يتحدَّى الزمانَ في فَتَكاتهْ
نَفحاتُ الشبابِ أين تولَّت / لَهْفَ نفسي على شذى نفحاتهْ
قَدحٌ قد حَلَتْ أوائلُهُ رَش / فاً وذقنا المرّيْنِ في أُخْرَياتهْ
ما أراني من غيرهِ غير ثوبٍ / ضمَّ أردانَه على عِلاّتهْ
ربَّ شيخٍ في عالَمِ الطبِّ حيٌّ / ويراه الزمانُ من أمواتهْ
الشبابُ الشبابُ نورٌ من الل / هِ وريحٌ تهُبُّ من جَنَّاتهْ
يا شبابَ الحِمَى ويا جنده الأحْ / رارَ إن فتَّشَ الحمى عن كُمَاتهْ
زاحِموا في وليمةِ الدهر أرْسَا / لاً ولا تكتفوا بجَمْع فُتاتهْ
الطُّموحُ الحياةُ والمجدُ في الدّن / يا مُبَاحٌ لِطالِبي قَصبَاتهْ
لا ينالُ الفَتَى مَدى المجدِ إلاّ / بمَضاءٍ يُرْبي على وَثَباتهْ
الذراعُ الأزَلُّ والساعدُ المفْ / تُولُ ذُخْرُ الشبابِ في أَزماتهْ
تسخَر الريحُ بالضعيفِ من النَّب / تِ وتخشَى القويَّ من باسقاتهْ
املِكوا الدّهرَ إنّه لا يُوَاتي / غيرَ عَزْمٍ يَفُلُّ من عَزَماتهْ
علَّمتْنا الأيامُ أنّ الذي يُحْ / سنُ يَلْقَى الجزاءَ عَنْ حَسَنَاتهْ
ذهب النومُ فالَّذي يُغْمضُ العَيْ / نَينِ يا تَعْسَه ويَا وَيلاَتِهْ
أسرِعوا فالزمانُ ماضٍ وكَمْ مِنْ / مبطىءٍ قد طَوَاه في عَجلاتهْ
واطرُقوا البابَ كلُّ بابٍ كفيلٌ / بولُوجٍ لمن دَرَى دقَّاتهْ
قد يطولُ السري على المدلج السا / ري فيُدنيه من مدَى غاياتِهْ
لا تُنالُ العُلا بلَيْت ولكنْ / وعُكوفِ الفَتَى على مِرْآتهْ
آلةُ الفَوْزِ همّةٌ تطحَنُ الصخ / رَ وتسمُو للنَّجْمِ في سَبَحاتِهْ
ابتنوا للعُلا وللنيلِ مجداً / واسكُبوا من حياتكم في حياتهْ
لكُمُ في مليكِكم خيرُ داعٍ / تستجيبُ المنَى إلى دَعَوَاتهْ
قُدوةٌ للشباب قد عَرَف الجي / لُ طريقَ الحياةِ من خُطُواتهْ
مرَّةً سامقاً على صهوة الْخَيْ / ل وأخرَى مطامِناً في صلاتهْ
لم نَرَ البَدْرَ قبله يعتلي العَرْ / شَ ويُمْسِي الجلالُ من هَالاَتهْ
أو شهدنا نوراً على الأرض يمشي / الهدى واليقينُ من مشكاتِهْ
أو عهدنا تاجاً على مَفْرِقِ الشم / س يُشِعُّ الإيمانُ من خَرَزاتهْ
كن كما شئتَ أيها الشِّعْرُ فنَّا / ناً فلن تستطيع لمحَ صِفاتهْ
هو خَلْقٌ من الكمالِ المصفَّى / من رآه الكمالَ بذاتهْ
النَّدى والحنانُ في بسماته / والعلا والجلالُ في قسماتهْ
يا مليكاً أعلى الحديثَ من المجْ / دِ وأحيا قديمه من رفاتهْ
إن عيد الجلوس أشرق في الكَوْ / نِ شروقَ الربيع في روضاتهْ
المنى اليانعاتُ من ثَمرَاته / وجَمَالُ الزمانِ في لحظاتهْ
يزدهي النيلُ بالمليكِ المرجَّى / خيرِ أبطالِهِ وحامي حُماتهْ
إن تكنْ مصرُ قبله هِبةَ النِّي / لِ فقد صارَ نيلُها من هِباتهْ